"مختصر" مقالة التفويض عند المتكلمين
د. محمد بن محمود آل خضير
بقلم: أ.محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا شكَّ أن مقالة "المفوضة" (=أهل التضليل والتعطيل والتجهيل) هي شرُّ أقوال أهل الإلحاد في أسماء الله وصفاته، من حيث إنهم نسبوا ذلك إلى السلف الصالح، وهونوا الخلاف بينهم وبين الجهمية "نفاة الصفات"، وزعموا أن المفهوم من آيات الصفات هو التأويل الإجمالي =المقتضي للتعطيل المحض، ولذلك قالوا بتأويلها =بصرفها عن ظاهرها، ثُم الإمساك عن تعيين معنىً من المعاني التي يحتملها اللفظ.
ويعتقد "المفوضة" أن مذهب السلف هو الإقرار بمجرد الألفاظ مع الجهل بمعانيها، وأن المعاني الظاهرة منها منفيَّةٌ في حق الله عز وجل، لأنهم لم يفهموا من الظاهر إلا التجسيم والتكييف، وقد جعلوا "التفويض" ستاراً يُفسدون به عقائد الأمة، ويكذبون به على السلف والأئمة.
واعتمد المفوضة وإخوانهم من المؤولة على جملةٍ من الشُبه العقلية الفاسدة، والاصطلاحات الفلسفية المبتدعة: من الجوهر والعرض والتغيُّر والتركيب والجزء والبعض والافتقار، وغير ذلك. وقد زعموا أن هذه الاصطلاحات والشُّبه تدلُّ على استحالة اتصاف الله تعالى بالصفات الخبرية والاختيارية، بعد أن أقروها كقواعد وأدلة عقلية.
ومن أشهر هذه الشُّبه العقلية التي استدلَّ بها المفوضة على نفس الصفات: دليل حدوث الأعراض، والأجسام، ودليل التركيب، وغيرهما، وقد ظهر بمناقشتها في هذا الكتاب: تناقض وفساد هذين الدليلن، وأنهما قائمين على مُقدمات باطلة وألفاظ مجملة، ليس تحتهما ما يُنتج مطلوباً، كما ظهر إبطال قولهم بتقديم العقل على النقل عند ظن التعارض، وأن هذا الأمر محض وهم، لأن العقل الصحيح والنقل الصريح لا يُمكن أن يتعارضا ألبتة.
وقد ردَّ المؤلف "آل الخضير" على شبهات صاحب "القول التمام"، وأن جملة ما قام عليه هي شبهات جهليات، لا تُساوي سماعها، ولا قراءتها، فضلاً أن يُردّ لأجلها ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو يُحرّف شيءٌ منها عن موضعه، مع ما فيه من التشنيع والتشغيب على أهل السُّنة، بالإضافة إلى:
كذبه على السلف، ونسبتهم إلى التفويض، والحقيقة أنهم لم يفوضوا.
وتسويغه التأويل والتحريف الذي حرَّمه السَّلف.
وقد بين المؤلف "آل الخضير" ما في كلام "سيف العصري" من التناقض والعبث، وتحريف النصوص، وبتر الكلام، والكذب على السلف، وقد رأينا في مناقشة كلامه كم فيه من خلاف، وضعف، وإحداثٍ وابتداع، ولا شكَّ أن هؤلاء المفوضة هم أصحاب دعاوي فقط، كما قيل:
والدعاوي ما لم يُقيموا عليها … بيِّناتٍ أصحابها أدعياء
كذلك؛ فإن تهوين الخلاف بين السلف والجهمية "المعطلة": مذهبٌ فاسد، فشتان من اقتفى أثر الفلاسفة والمتكلمين وبين من يقتفي آثار الصحابة والتابعين، وكيف يكون الخلاف هيناً، وقد كفَّر السلف الجهمية، وكفروا من يقول بخلق القرآن، وكفروا من أنكر العلو، وكفروا محرفي الصفات، بل وأمروا بهجر من تلبّس بشيء من كلامهم، ولو قليلاً، وشنعوا على أهل الكلام أشد تشنيع، وذموهم كثيراً وحذروا منهم.
وتتمة لما سبق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الحموية" (ص 185 -191): "ولا يجوز أيضًا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن «طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم».
فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضّلون طريقة الخلف على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} (البقرة:78)، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.
فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.
وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنًى، بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسمونها طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف، فصار هذا الباطل مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.
فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله" انتهى كلامه.
وقال في "مجموع الفتاوى" (5/ 11 -12): "ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر: لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر. كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضلون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون: أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم و أحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة، ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة - لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته - من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم: أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟!" انتهى كلامه.
وقال ابن قيم الجوزية في "الصواعق المرسلة" (1/ 161): " ومن المحال أن يكون تلاميذ المعتزلة وورثة الصابئين وأفراخ اليونان الذين شهدوا على أنفسهم بالحيرة والشك وعدم العلم الذي يطمئن إليه القلب وأشهدوا الله وملائكته عليهم به وشهد به عليهم الأشهاد من أتباع الرسل أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأعرف به ممن شهد الله ورسوله لهم بالعلم والإيمان وفضلهم على من سبقهم ومن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة ما خلا النبيين والمرسلين وهل يقول هذا إلا غبي جاهل لم يقدر قدر السلف ولا عرف الله ورسوله وما جاء به" انتهى كلامه.
خلاصة ما جاء في الكتاب (في سبعةٍ وعشرين فقرة):
(أولاً) يعتقد أهل السنة أن صفات الله تعالى توقيفية، أي: يتوقف في إثباتها على الشارع؛ فلا نصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم في سُنته من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
(ثانياً) أن السلف مجمعون على إثبات صفات الباري سبحانه الواردة في الدليل النقلي متواتراً كان أو آحاداً على حدٍّ سواء، بخلاف القدرية والمعتزلة الذين اشترطوا في إثبات الصفات: النقل المتواتر، وتلقفه عنهم المتكلمون من الأشاعرة وغيرهم، هذا مع أنهم ينقضون أصلهم هذا في عقائد كثيرة أخذوها من أحاديث الآحاد، ويلزم أصحاب هذا القول ثلاثة أمور:
(1) أن هذا القول مبتدعٌ، لا يُعرف إلا عن القدرية والمعتزلة.
(2) أن الأمة تلقت أحاديث الآحاد بالقبول وأفادت لديهم العلم واحتجوا بها في العقائد.
(3) أن هذا القول بدعةٌ مضافة إلى بدعة التأويل والتفويض.
(ثالثاً) أن السلف مطبقون على إثبات الصفات الاختيارية الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع؛ كالصفات الذاتية تماماً، ولا يُمكن للمفوضة نقل حرفٍ واحدٍ عن السلف في إنكارها.
والصفات الاختيارية: هي الصفات المتعلقة بمشيئة الله وإرادته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كالخلق، والاستواء، والمجيء، والنزول.
والصفات الذاتية هي التي لا تنفك عن الذات؛ كالعلم والقدرة والحياة والوجه واليدين.
(رابعاً) أن المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم لم يثبتوا صفات الأفعال من الخلق والرزق والإحياء والإماتة التي تقع فعلاً بعد فعل فراراً من القول بحلول الحوادث، وأرجعوا الأمر كله إلى تعلقات القدرة الحادثة "التنجيزية" وعند الماتريدية أن هذا التعلق هي عين صفة "التكوين" القديمة.
ويُجاب عليهم: بأن هذه التعلقات الحادثة موجودةٌ في نفس الأمر، ولا يُمكنهم نفيها، إذ نفيها يعني نفي أثرها الموجود فعلاً، ولا بُدَّ لهذه التعلقات الحادثة من مُتعلَّق حادث، وبالتالي يلزمهم القول بحدوث صفةٍ في ذات الله، وإن لم يكن لها وجود فقد حصل الخُلد؛ إذ لو بقي قادراً على إيجاده لكان إيجاد الموجود محالاً.
(خامساً) فإن قيل: إن الحادث هو التعلقات والنسب لا الصفات؟
فالجواب: أن يُقال: هل لهذه التعلقات وجودٌ في نفس الأمر المُتعلق به. أو ليس كذلك؟ فإن كانت موجودة: فعدم وجود متعلقها متناقض، وإن كانت غير موجودة فوجودها دليلٌ على حدوث الصفة.
(سادساً) اتفاق السلف على قاعدة "القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر" وكونها قاعدة قديمة محكمة ومستعملة عندهم، بخلاف الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين الذين تناقضوا في هذا الباب وفرقوا بين المتماثلات، ويلزم المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم فيما أوردوه من الاعتراضات نظيرها فيما أثبتوه من الصفات:
أ- فإما أن يُعطلوا الجميع وهو ممتنعٌ عندهم.
ب- أو يُمثلوه بالمخلوقات وهو ممتنع.
ج- وإما أن يثبتوا الجميع على وجهٍ يختصُّ به سبحانه ولا يُماثله فيه غيره.
(سابعاً) أن الصفات الخبرية ذُكرت في النصوص أصالةً لإثباتها وتقريرها، كما أنها جاءت مُضافةٌ إلى الله تعالى في نصوص الكتاب والسُّنة وهذا يقطع بإرادة أثباتها لله عز وجل، وقول غير ذلك هو ردٌّ لهما وطعنٌ في السلف، وحاشا القرآن العظيم أن يكون مُقصراً في بيان التوحيد، بل قد بيّن التوحيد وفصَّله بأصرح العبارات وأفصح الكلمات، ولله الحمد والمنة.
(ثامناً) اتفق أهل السُّنة على إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسُّنة، وإثبات معانيها اللائقة بالله تعالى، مع تفويض الكيفية، وحملوا نصوصها على الحقيقة، وأجروها على ظاهرها، بخلاف المعتزلة والجهمية الذين جعلوا ظواهر الصفات تمثيلاً وتشبيهاً، وبخلاف الأشاعرة والماتريدية الذين جعلوا ظاهرها تمثيلاً وتشبيهاً إلا سبع صفات.
والظاهر: هو ما يسبق إلى الفهم لأهل اللسان حقيقةً كان أو مجازاً، وظهوره يكون بأصل الوضع وبمراعاة السياق والاستعمال ودلالة الخطاب.
(تاسعاً) ويفهم السلف المعنى الكلي المشترك مع إثبات قدر مميز عند الإضافة أو التخصيص.
والقدر المشترك: معنىً موجود في الذهن يدلُّ عليه اللفظ، ولا وجود له في الخارج قبل الإضافة أو التخصيص، ويُسمى "أصل المعنى" أو "أصل الحقيقة"، ولا يُسمى ذلك تشبيهاً، وأما الموجود في الأعيان فهو مختصٌّ لا اشتراك فيه.
وهذا الاشتراك ضرورويٌّ لفهم الخطاب القرآني، وتصور المعنى الكلي.
والقدر المميز: هو المعنى الخاص بكل موجود في الخارج عند التخصيص أو الإضافة.
(عاشراً) ولا يلزم من إثبات القدر المشترك إثبات التماثل بين الحقائق، وهذا القدر المشترك متساوٍ في الذهن لا في الخارج "الواقع"، وقد قال به ابن تيمية ومن قبله أبو حامد الغزالي.
وهو من باب "المُشكِّك" وهو: الكلي الذي لم يتساوَ صدقه على جميع أفراده، بل حصوله في بعضها أولى أو أقدم أو أشدّ من البعض الآخر، كالوجود فإنه في الواجب أولى وأقدم وأشد مما في الممكن، أو من باب "المتواطئ العام" الذي يدخل فيه "المشكَّك"، بخلاف "المتواطئ الخاص" الذي هو الكلي الذي يكون معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية؛ كالإنسان له أفرادٌ في الذهن والخارج، وصدقه عليهم يكون بالسوية. وكالشمس لها أفرادٌ في الذهن وصدقها عليها أيضاً بالسوية.
وليست الصفات من باب "الاشتراك اللفظي" فقط =وهو اللفظ الواحد يُطلق على موجودات مختلفة في الحد والحقيقة -إطلاقاً متساوياً، كالعين تُطلق على الباصرة وينبوع الماء، والمشتري يُطلق على المبتاع والكوكب؛ فاللفظ واحد، لكن الحقائق وما يصدق عليه اللفظ مختلف. ولكن الصفات من باب المتواطئ العام، الذي فيه نوع تشابه في أصل المعنى.
(حادي عشر) أن السلف لم يستعملوا الألفاظ المجملة لا في الإثبات ولا في النفي، لاحتمالها الحق والباطل، وإنما يستفصلون من قائله:
أ- فإن أراد حقاً قُبل منه وطولب بإثبات اللفظ الوارد.
ب- وإن أراد الباطل رُدَّ اللفظ والمعنى معاً.
وأنهم لم يُفرقوا في الإثبات بين الصفات العقلية والصفات الخبرية، ولا بين ما يُوهم التشبيه =بزعم المعطلة، وبين ما لا يوهمه.
(ثاني عشر) أن التفويض عند السلف متعلق بالكيفية لا بأصل المعنى، والتفويض هو عدم التعرض لبيان كيفية الصفة، بخلاف المتكلمين الذين فوضوا المعنى والكيفية وقد ورثوا ذلك عن الجهمية المعطلة.
وأما أول من تكلَّم بالتفويض من المتكلمين هو أبو منصور الماتريدي (ت 333 هـ)، وأول من نسب التفويض إلى السلف هو أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ)، وكان هو على مذهب أهل التأويل، ثم جاء بعده أبو بكر البيهقي (ت 458 هـ)، وأبو المعالي الجويني (ت 478 هـ)، ثم أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ)، الذين نسبوا مقالة التفويض إلى السلف؟!.
(ثالث عشر) أن المتكلمين يقولون: الأدلة النقلية لا تُفيد اليقين وإن عارضت العقل وجب تقديم العقل، واخترعوا لإثبات وجود الله تعالى قضية "الدور" وقد بيّن الدكتور حسن الشافعي بطلانه.
وأن الحق في هذه القضية: أن العقل والنقل لا يُمكن أن يتعارضا، وافتراض تعارضهما مُغالطة؛ لأنه إما أن يكون النقل غير صحيح أو أن ذلك الُعارض العقلي شُبهةٌ فاسدة. ومن خلال النظر نجد أن عامة ما يسمونها عقليات إنما هي شبهات فاسدة يُعلم بطلانها بالعقل.
(رابع عشر) أن المتكلمين استدلوا على إثبات الصانع بدليل الأعراض وحدوث الأجسام، وهو دليلٌ مأخوذٌ من قدماء الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو، واحتج به الجهمية، ثم المعتزلة، وتبعهم الكلابية والأشعرية والماتريدية، وجعله الماتريدي الدليل الوحيد لمعرفة وجود الله سبحانه، ولكنهم استدلوا بها أيضاً على نفي الصفات عن الله تعالى، على خلافٍ بينهم في الأعراض الباقية وغير الباقية، وأخذ الجهم من هذا الدليل القول بفناء الجنة والنار. وهذا الدليل مبتدع لم يأت به نبيٌّ ولا رسول، ولو كان مُهماً لبينته الشرائع، وقد ثبت عن السلف ذمُّ هذا الأمر؛ كأبي حنيفة وابن سريج، والأشعري، والخطابي.
(خامس عشر) أن شبهة التركيب من أكبر أصول المعطلة نُفاة الصفات، وهو لفظٌ مُجمل، تلقاه المعتزلة والأشاعرة والماتريدية عن الفلاسفة والجهمية نُفاة الصفات والأفعال، واختلفت فيها تعبيراتهم من نفي "التأليف، والانقسام" أو نفي "التعدد والكثرة"، أو نفي "التجزؤ والأجزاء"، وذلك بناءً على أن الموصوف مركَّبٌ عندهم، والمركب مفتقرٌ إلى أجزائه،وعتمدوا على هذا الأصل وجعلوا إثبات الصفات يقتضي وقوع التركيب، وحقيقة قولهم نفي الصفات عن الله تعالى.
(سادس عشر) أن شبهة التركيبة ضعيفة، قائمةٌ على ألفاظٍ مُجملة؛ كالجزء، والغير، والافتقار، والتركيب، والحق أن الله تعالى موصوفٌ بالصفات التي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه سبحانه الغني عن جميع خلقه، وتعالى أن يكون مركباً ركبه غيره، أو مجتمعاً من أجزاء يُمكن أن تُفارقه؛ فنحن لا نُسلم أن هناك تركباً من أجزاءٍ بحال، وأن التركيب بمعنى المركب من الذات والصفات أو مما يتميز به شيءٌ عن شيء فلا يُعد هذا تركيباً، ولا تُسمى صفاته اللازمة أجزاء.
وغاية ما في الأمر أن هذا اصطلاحاً لقائله، ولا دليل على امتناعه لأن صفة الموصوف ليست جزءاً ولا بعضاً؛ فلا حجة للفلاسفة ولا المعتزلة في هذا، وأما الأشاعرة فيُقال لهم: لو كان هذا تركيباً ممتنعاً؛ لكان وصفه بالعلم والقدرة والإرادة تركيباً؛ فكما متعتم التركيب العقلي، كذلك يُقال في منع التركيب الحسي.
وأما إن أُريد بالتركيب: أن المُركَّب مُفتقرٌ إلى أجزائه؛ فالجواب منع الملازمة؛ فدعوى أنه يحتاج إلى أمرٍ خارجي فذاك غير لازم، ثم إن الدليل لم يوجب حاجة الرب إليها؛ وليست صفة الموصوف أجزاء ولا أبعاضاً يتميز بعضها عن بعض، أو تتميز عنه حتى يصح أن يُقال: هي مركبةٌ منه أو ليست مركبة، فثبوت التركيب ونفيه فرعٌ عن تصوره، وتصوره هنا مُنتفٍ.
(سابع عشر): أن مآل المفوضة في نهاية أمرهم هو تكذيب القرآن، وجعل آياته مُهدرة مُلغاة، والقدح في النبوة، وتجهيل الأنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم ينسبون ربهم سبحانه إلى ما لا يُعرف، ويدعون إلى عبادة موصوفٍ بصفات لا تُعقل، وتكذيب الرب سبحانه في خبره أن قرآنه عربيٌّ مُبين واضح، وأنه يدعو العباد إلى ما لا تفهمه عقولهم، وولو كان الأمر كذلك لقال العباد: بيِّن لنا أولاً ما تدعونا إليه.
(ثامن عشر) أوجه بطلان التفويض وأنه لا يعلم أحدٌ منا معناه إلا الله عز وجل، وذلك من أربعة عشر وجهاً:
1) أن ذلك مُنافٍ للنصوص الآمرة بتدبر القرآن وفهمه.
2) أن مقالة التفويض منافية للنصوص الدالة على أن القرآن عربيٌّ مُبين، وأن معانيه مفهومة بلغة العرب.
3) أن مقالة التفويض منافية للنصوص الدالة على ذم من لا بفهم الكتاب، ولا يتدبر معانيه.
4) أن هذه الصفات تكلم بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمام المعامة والخاصة، والرجال والنساء، والكبار والصغار، ولم يقل يوماً قط لأصحابه: إن ظواهر هذه النصوص غير مُرادة، ولا قال لهم: اثبتوا اللفظ فقط وفوضوا المعنى.
5) أن التفويض تأويلٌ إجمالي يقوم على اعتقاد أن الظاهر مُحال، وأنه يجب نفيه، وهذا لم يُنقل عن واحدٍ من السلف.
6) أن يُقال للمفوض: هل كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلم معاني الصفات أم كان يجل ذلك؟
فإن قال: يعلم ولم يُبلغه لأمته فقد اتهمه بالكتمان وعدم البلاغ، ونقض استدلاله بقوله: {وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران: 7)، وإن قال: يجهل ذلك، كان ذلك تجهيلاً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما وصف به ربه عز وجل.
7) أنه لو كانت هذه الصفات لا يُعلم معناها لكان ذلك ذريعةً لمشركي مكة أن يقدحوا في القرآن، بأن يقولوا: نسبت إلى ربك أقوالاً وأفعالاً لا نعلمها.
8) أنه لو كانت النصوص المتعلقة بالصفات مجهولة المعنى؛ لتعطلت سبل الهداية والنجاة الكائن في قوله: (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسُنتي).
9) أنه من المحال أن يُعلم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى قضاء الحاجة، ثُم يترك تعليمهم صفات بهم الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد.
10) أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكتف بذكر هذه الصفات؛ بل حقَّق معناها؛ فأشار إلى محل السمع والبصر، وقبض أصباعه وبسطها: تأكيداً على اتصاف الله تعالى بالسمع والبصر واليد، ومعلومٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُرد التشبيه، ولكنه أراد تحقيق اتصاف الله عز وجل بهذه الصفات.
11) أن هذا التفويض المبتدع يلزم منه نسبة الكذب إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ أن الأصل حمل الكلام على ظاهره إلا بقرينة ولا قرينة هنا، ودعوى أن المتكلم أراد بكلامه خلاف الظاهر دون قرينة كذبٌ عليه، وما ادّعاه المتكلمون أن القرينة هنا الاستحالة العقلية لا يُخرجهم من هذه الورطة.
12) أن القول بالتفويض قدحٌ في علم المتكلم أو في بيانه أو في نصحه؛ لأن المتكلم إن كان يعلم أن الحق في خلاف هذه الظواهر؛ فلا يخلو أن يكون قادراً على التعبير بعبارات التنزيه، فإن قدر ولم يعبر بذلك كان قدحاً في نصحه، وإن لم يقدر كان قدحاً في فصاحته.
13) أنه يلزم على القول بالتفويض المبتدع أن الله عز وجل تكلم بكلامٍ لا يُريد ظاهره، ولا يُريد من المؤمنين اعتقاده، بل ظاهره كُفرٌ ومحال، ولكنه لم يُبين ذلك، وفي هذا نسبة التدليس والتعمية وعدم البيان لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
14) أنه يلزم على القول بالتفويض لوازم كثيرة فاسدة، منها: أن الله أنزل من الكتاب وأوحى من السنة بألفاظ تُضل الناس ظاهراً، وتوقعه في التشبيه والتمثيل، وأن الحق جاء مُلغزاً به، مرموزاً إليه، وأنه ليس بواضح، وأن الله تعالى كلَّف عباده ألا يفهموا من تلك الألفزا حقائقها وظواهرها، وإنما كلفهم أن يفهموا منها ما لا تدلُّ عليه، وأن السلف سكتوا عما كان يجب عليهم بيانه، وأن ترك الناس لهذه النصوص أنفع لهم وأقرب للصواب لأنه ليس فيها هدايةٌ ولا دلالة.
(تاسع عشر) أوجه براءة السلف من التفويض، وذلك من سبعة عشر وجهاً:
1) أنه ليس في كلام السلف ما زعمه هؤلاء المفوضة من وجوب صرف اللفظ عن ظاهره، واعتقاد تنزيه الله عن هذا الظاهر، ومن زعم ذلك؛ فعليه بالإثبات.
2) أن كثيراً من أئمة السلف صرحوا بإثبات معاني الصفات على ما تفهمه العرب من لغتها.
3) أن كثيراً منهم صرحوا بأن الصفات ثابتةٌ لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز.
4) أنهم صرحوا بإثبات الصفات ونفي الكيف كقولهم: "أمورها بلا كيف"، وهذا يدلُّ على إثبات المعنى، فما لا معنى له يُقفى، لا كيف له يُنفى.
5) أن أئمة السلف أثبتوا المنهج التفسيري في الأسماء والصفات، وما ورد عنهم من قولهم: "لا تُفسَّر" يُراد به نفي تفسيرات الجهمية، أو نفي التكييف.
6) أن أئمة السلف فسروا من الصفات ما يحتاج إلى تفسير.
7) أنهم يستدلون في إثبات صفة بدليل صفة أخرى؛ كاستدلالهم على صفة النزول بآية المجيء.
8) أن أئمة السلف يتصرفون في اللفظ ولا يقتصرون على ما ورد في النص.
9) أنهم يُعبرون عن الصفة باللفظ المرادف لها؛ كتعبيرهم عن الاستواء على العرش: بأن الله فوق العرش، أو قولهم: الله فوق سبع سماواته.
10) أنهم استعملوا ألفظاً لم ترد لتأكيد المعنى، كقولهم: بائنٌ من خلقه، وقولهم: على العرش بذاته.
11) أنهم استعملوا أسلوب تحقيق هذه الصفة؛ كاستعمال الأيدي في إثبات صفة التجلي، وإثبات الأصابع، والسمع والبصر.
12) أن من السلف من بحث في لوازم الصفة: كخلو العرش عند النزول؟ وإثبات الحركة. وهذا لا يكون إلا مع معرفة معنى النزول. وإن كان في بعض هذه البحوث نظر.
13) أنهم أنكروا على المعطلة تفسير الصفات بمعانٍ باطلة، كتأويل الاستواء بالاستيلاء، واليد بالقدرة.
14) أنهم فسروا التشبيه المذموم بأنه كقولهم: يد كيد، ووجه كوجه، ولم يدخلوا في ذلك إثبات المعنى، لأنه لا بُد من إثبات القدر المشترك.
15) أن المعطلة أطبقوا على وصف أئمة السلف بأنهم مُشبهة، ولو كانوا مُثبتين لمجرد الألفاظ ما رموهم بالتشبيه.
16) أن أئمة السلف لم يتوقفوا عن تفسير شيء من القرآن، لا آيات الصفات ولا غيرها حتى الحروف المقطعة.
17) أن نسبة التفويض إلى السلف من الصحابة والتابعين والأئمة فيه أعظم القدح فيهم والذم لهم، لما فيه من نسبتهم إلى الجهل والإعراض عن تدبر الكتاب والسنة، فسكوتهم عن معرفة معناها:رضىً بالجهل، وإعراض عن طلب العلم في أعظم المقاصد.
(العشرون) أن لفظ "المعية" في قوله: {وهو معكم أينما كنتم} قد استعمل في الكتاب والسُّنة في مواضع يقتضي في كل موضعٍ أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر:
أ- فإما أن تختلف دلالتها بحسب الموضع.
ب- أو تدل على قدرٍ مشترك بين جميع مواردها -إن امتاز كل موضعٍ بخاصية: فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، حتى يُقال قد صُرفت عن ظاهرها.
وأما لفظ "الإحاطة" في مثل قوله: {والله من ورائهم محيط}؛ فلا يخطر ببال ذي عقلٍ وقلبٍ سليم إذا سمع ذلك أن يعتقد أن ذات الله مُحيطةٌ بهؤلاء، بحيث يكونون داخلها.
وأما لفظ "قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن"؛ فالبينية حقيقية، وهي لا تقتضي امتزاجاً ولا مماسة، ولا تعدداً للأصابع بتعدد القلوب كما ذكر "المفوض"؛ فإن قلب كل ابن آدم، وقلوب جميع بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الله عز وجل.
وأما قوله تعالى في الحديث (مرضتُ، واستطعمتك، واستسقيتك) فقد بيَّنه الله تعالى بنفسه، حيث قال: (أما علمتَ أن عبدس فلاناً مرض)، و (أنه استطعمك عبدي فلان)، و (استسقاك عيدي فلان)، وهو صريحٌ في أن المراد به مرض عبدٍ من عباد الله، وجوعه، وعطشه؛ فإذا فسرناه بذلك لم يكن في ذلك صرفٌ للكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك هو تفسير المتكلم به؛ فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً، وإنما أضاف ذلك إلى نفسه أولاً للترغيب والحث؛ كقوله: {من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً} (الحديد: 11) في الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى.
(الثاني والعشرون) أن الصلح الذي أقامه المتأخرون بين التفويض والتأويل: صلحٌ باطلٌ أحلَّ حراماً، من إبطال النصوص والقول على الله بلا علم، وأنه يلزم من نسبة التفويض إلى السلف من الصحابة والتابعين والأئمة أن يُصرح بأن التأويل بدعةٌ مذمومة، وقولٌ على الله بلا علم كما صرَّح به غير واحدٍ من السلف المتقدمين: كأبي حنيفة (ت 150 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ)، وتقي الدين الفتوحي الحنبلي (ت 972 هـ)، والشعراني (ت 973 هـ)، وعبد الباقي المواهبي الحنبلي (ت 1071 هـ)، وأبو البقاء الكفوي (ت 1095 هـ).
(الثالث والعشرون) وقد ثبت عن السلف والأئمة إثبات معاني الصفات، وتفسير ما يحتاج منها إلى تفسير، وتصرفهم في الألفاظ؛ كقولهم: مستوْ على عرشه، عالٍ على عرشه، فوق سماواته، وحملهم للصفات على الحقيقة ونفيهم للمجاز، وإثباتهم ما يعتبره المعطلة تجسيماً وتشبيهاً؛ كإثباتهم للبينونة والحرف والصوت، وتحقيقهم للصفات بالإشارة، وفيه براءة الأئمة مما نُسب إليهم من التفويض؛ كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبي عُبيد، والترمذي، والأشعري، وابن عبد البر، والبغوي، وابن قدامة، وابن كثير، وابن رجب، والسّفّاريني، وغيرهم.
ومن السلف الذين أثبتوا هذه الصفات على ظاهرها-الوارد في كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه -على سبيل المثال لا الحصر (نذكر منهم مائة وثلاثة عشر عالماً وإماماً):
١-عمر الفاروق (ت ٢٣ هـ).
٢-أم المؤمنين زينب بنت جحش (ت ٢٠ هـ).
٣-عبد الله بن مسعود (ت ٣٣ هـ).
٤-سلمان الفارسي (ت ٦٨ هـ).
٥-عبد الله بن عباس (ت ٦٨ هـ).
٦-حكيم بن جابر الأحمسي (ت ٨١ هـ).
٧-أبو العالية رُفيع بن مهران الرياحي (ت ٩٣ هـ).
٨-الضحاك بن مزاحم (ت ١٠٢ هـ).
٩-مجاهد بن جبر (ت ١٠٤ هـ).
١٠-الحسن بن أبي الحسن البصري (ت ١١٠ هـ).
١١-وهب بن مُنبّه الصنعاني (ت ١١٠ هـ).
١٢-قتادة بن دعامة السدوسي (ت ١١٨ هـ).
١٣-الربيع بن أنس بن زياد الخراساني (ت ١٣٩ هـ).
١٤-أبو حنيفة ثابت بن النُّعمان (ت ١٥٠ هـ).
١٥-عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت ١٥٠ هـ).
١٦-الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ).
١٧-عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (ت ١٦٤ هـ).
١٨-خارجة بن مصعب الضبعي (ت ١٦٨ هـ).
١٩-الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٠ هـ).
٢٠-حماد بن أبي حنيفة (ت ١٧٦ هـ).
٢١-مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ).
٢٢-عبد الله بن المبارك (ت ١٨١ هـ).
٢٣-الفضيل بن عياض (ت ١٨٧ هـ).
٢٤-وكيع بن الجراح (ت ١٩٧ هـ).
٢٥-محمد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ).
٢٦-يزيد بن هارون (ت ٢٠٦ هـ).
٢٧-بشر بن عمر الزهراني (ت ت ٢٠٧ هـ).
٢٨-معمر بن المثنى البصري (ت ٢٠٩ هـ).
٢٩-عبد الله بن مسلمة القعنبي (ت ٢٢١ هـ).
٣٠-أبو عُبيد القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ هـ).
٣١-نعيم بن حماد الخزاعي (ت ٢٢٨ هـ).
٣٢-أبو عبد الله بن الأعرابي (ت 231 هـ).
٣٣-يحيى بن معين (ت ٢٣٣ هـ).
٣٤-علي بن المديني (ت ٣٣٤ هـ)
٣٥-إسحاق بن راهويه (ت ٢٣٨ هـ).
٣٦-قتيبة بن سعيد (ت ٢٤٠ هـ).
٣٧-أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ).
٣٨-الحارث بن أسد المحاسبي (ت ٢٤٣ هـ).
٣٩-محمد بن إسماعيل البخاري (ت ٢٥٦ هـ).
٤٠-إسماعيل بن يحيى المزني (ت ٢٦٤ هـ).
٤١-ابن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦ هـ).
٤٢ -أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت ٢٧٧ هـ).
٤٣ - أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي (ت ٢٧٩ هـ).
٤٤ - حرب الكرماني (ت ٢٨٠ هـ).
٤٥- عثمان بن سعيد الدارمي (ت ٢٨٠ هـ).
٤٦ - الحافظ ابن أبي عاصم: (ت٢٨٧هـ)
٤٧ - الإمام ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى (ت٢٩١هـ)
٤٨ - الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ت٢٩٧ه)
٤٩ - الإمام ابن جرير الطبري (ت٣١٠هـ)
وردُّ ما نسبه إليه المفوض في مسألة العلو
وإثباته للاستواء وإثباته للعلو الذاتي في مواضع
٥٠ - الإمام ابن خزيمة (ت ٣١١هـ)
وبرائته من التفويض وبيان تحريف المفوض في النقل عنه
وثناء ابن عبد الهادي على كتابي الدارمي وابن خزيمة
ورد ابن خزيمة على من أنكر العلو الذاتي
٥١ - الإمام أبو عبد الله الزبيري الشافعي (ت٣١٨هـ)
٥٢ - الإمام أبو الحسن الأشعري (ت٣٢٤ه)
٥٣ - الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (ت٣٦٠ه)
٥٤ - الحافظ أبو أحمد الكرجي القصاب (ت بعد ٣٦٠ ه)
٥٥ - الإمام أبو إسحاق بن شاقلا (ت٣٦٩هـ)
٥٦ - الإمام أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت٣٧٠هـ)
وبرائته من التفويض، وبيان تحريف المفوض
٥٧ - الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي (ت٣٧١هـ)
٥٨ - الإمام أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي العسقلاني (ت٣٧٧
٥٩ - الإمام محمد بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي (ت٣٨٠ه)
الحافظ أبو الحسن الدارقطني (ت٣٨٥ه)
٦١ - الإمام ابن أبي زيد القيرواني (ت٣٨٦هـ)
٦٢ - الإمام أبو عبد الله ابن بطة العكبري (ت٣٨٧هـ)
٦٣ - الإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن منده (ت٣٩٥هـ)
٦٤ - الإمام محمد بن أبي زمنين (ت٣٩٩هـ)
٦٥ - الإمام معمر بن أحمد بن زياد الأصفهاني (ت ٤١٨هـ)
٦٦ - الخليفة القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر (ت ٤٢٢ ه.)
٦٧ - الإمام أبو نصر السجزي (ت٤٤٤هـ)
٦٨ - الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (ت٤٤٩هـ)
واستدلاله بقصة فرعون مع موسى على إثبات العلو
ومن استدل بهذا الدليل على العلو من الأئمة
٦٩ - الإمام الحافظ ابن عبد البر (ت٤٦٣هـ)
وفيه برائته من التفويض، وبيان خطأ المفوض فيما نسبه إليه واستدلاله على نفيه الحركة والانتقال. ووقيعة ابن الجوزي في ابن عبد البر. ورمي سعيد فودة لابن عبد البر بالاضطراب والتناقض! وذكر من صرح بلفظ (بذاته) في إثبات العلو والاستواء. وفيه بيان حال ابن الجوزي وذمه للأشعرية.
٧٠ - الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني (ت٤٧١هـ)
٧١ - شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي (ت٤٨١هـ)
٧٢ - الإمام أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي الحنبلي (ت٤٨٦ه.).
٧٣ - الحافظ محمد بن طاهر المقدسي (ت٥٠٧هـ).
٧٣ - الإمام البغوي (ت٥١٦هـ) وبرائته من التفويض.
٧٤ - الإمام أبو الحسن علي بن الزاغوني (ت٥٢٧ه)
٧٥ - الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي (ت٥٣٢هـ)
٧٦ - الإمام قوام السنة الأصفهاني (ت٥٣٥هـ)
٧٧ - الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي (ت٥٥٨ه)
٧٨ - الإمام عبد القادر الجيلاني (ت٥٦١ه)
٧٩ - الحافظ عبد الغني المقدسي (ت٦٠٠ ه)
٨٠ - الإمام ابن قدامة المقدسي (ت٦٢٠هـ) وبرائته من التفويض.
٨١ - الإمام أبو محمد محمود بن أبي القاسم الدشتي كفه (ت٦٦٥ه)
الإمام أبو طاهر إبراهيم القرشي خفه (ت٦٦٤هـ)
٨٢ -العلامة الواسطي ابن شيخ الحزامين (ت:٧١١ه).
٨٤ - شيخ الإسلام ابن تيمية (ت٧٢٨هـ)
٨٥ - الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت٧٤٤هـ)
٨٦ -الحافظ شمس الدين الذهبي (ت٧٤٨هـ).
وتبرئته من التفويض وبيان فساد منهج المفوض.
٨٧- الحافظ ابن قيم الجوزية (ت٧٥١هـ)
٨٨ - الإمام الحافظ ابن كثير (٧٠٠ - ٧٧٤ه)
٨٩ - العلامة ابن أبي العز الحنفي (ت٧٩٢هـ)
٩٠ - الحافظ ابن رجب الحنبلي خله (٧٣٦ - ٧٩٥ه) وتبرئته من التفويض.
٩١ - تقي الدين المقريزي (ت٨٤٥هـ)
٩٢ - عبد الباقي المواهبي الحنبلي (ت١٠٧١ه).
٩٣ - عثمان بن أحمد النجدي (ت١٠٩٧هـ)
٩٤ - محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي (ت ١١٨٨ هـ)
٩٥ - العلامة صديق بن حسن القنوجي (ت ١٣٠٧ هـ).
٩٦ -العلامة محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (ت١٢٧٠هـ)
٩٧- العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت١٣٢٧ه)
٩٨ - العلامة جمال الدين القاسمى (ت١٣٣٢ هـ)
٩٩ - المحدث محمد أنور شاه الكشميري (ت١٣٥٢ه)
وبيان بتر المفوض لكلامه.
١٠٠- العلامة محمد رشيد رضا (ت١٣٥٤ ه)
١٠١- العلامة عبد الله بن محمد صالح الخزرجي (ت١٣٦٢هـ)
١٠٢- العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت١٣٧٦هـ)
١٠٣- العلامة أحمد محمد شاكر (١٣٠٩ - ١٣٧٧ ه)
١٠٤- العلامة محمد حامد الفقي (ت١٣٧٨ه)
١٠٥ - العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (ت١٣٨٦هـ)
١٠٦- العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ يخفه (ت١٣٨٩هـ)
١٠٧ - العلامة محمد الأمين الشنقيطي (ت١٣٩٣ه) .
١٠٨- العلامة محمد خليل هراس (ت١٣٩٥ه).
١٠٩-العلامة محمد بهجة البيطار (ت١٣٩٦هـ)
١١٠- العلامة محمد تقي الدين الهلالي (ت١٤٠٧ه)
١١١- العلامة عبد العزيز بن باز (ت١٤٢٠ه).
١١٢-العلامة محمد ناصر الدين الألباني (ت١٤٢٠ه)..
١١٣ - العلامة محمد بن صالح بن عثيمين (ت١٤٢١ه).
(الرابع والعشرون) تنبيهات مهمة على معنى بعض العبارات الواردة عن السلف في النفي والإثبات، وفيه (ثلاث عبارات):
١- أن مُراد السلف بنفي التفسير، أمران:
أ- نفي التشبيه والتكييف.
ب- أو نفي تفسيرات الجهمية وتأويلاتهم التي لا يدل عليها ظاهر اللفظ.
وعليه؛ فالتفسير المقبول أو المُثبت: هو تفسير النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتفسير أهل العلم، الذي هو ظاهرها.
٢ - ومراد السلف من نفي المعنى، لا يخرج عن واحدٍ من خمسة أمور:
أ- أن يُريد نفي المعاني الباطلة التي أحدثها الجهمية.
ب-أن يُريد بنفي المعنى نفي العلم بالكيفية.
ج- أن يُريد نفي الإدراك التام للمعنى الذي هو حقيقة اتصاف الله بالصفة، لا أصل المعنى.
د-أن يُريد "عدم الخوض" في المعنى، وهذا قدرٌ زائدٌ على إثبات أصل المعنى.
هـ- أن يريد نفي العلم بمعنى ما أشكل عليه، دون ما لم يُشكل عليه.
٣- ومراد السلف بالإمرار كما جاءت:
أي: إمرار اللفظ كما جاء؛ وقد جاء وله معنى، ولم يأتِ لفظاً مُجرداً، ولهذا أضاف بعضهم "بلا كيف"، تحذيراً من التوهمات الباطلة التي لا تكون عادةً مع مجرد إثبات اللفظ، ولهذا فإن هذه الكلمة تُعد دليلاً على إثبات المعنى.
(الخامس والعشرون) الرد على شبهات المفوضة، (وهي تسعُ شُبَه):
الشبهة الأولى: استدلالهم بقوله عز وجل: {ليس كمثله شيء}، والجواب عليه من ثمان وجوه:
الأول: أن إجراء النصوص على ظواهرها اللغوية لا يلزم منه التمثيل أو التشبيه، وأن صنيع المعاجم ليس لبيان المعنى المطلق، أو القدر المشترك، وإنما هو بيان القدر المختص غالباً، وما نثبته هو المعنى اللغوي هو أصل المعنى الكلي الذهني المطلق.
الثاني: أن المماثلة بين الخالق والمخلوق منتفية من كل وجه، في الذات والصفات والأفعال، والتشابه بين صفات الخالق والمخلوق من حيث الأسماء وأصل المعنى لا يقتضي المماثلة.
الثالث: أن المفوض إذا كان يجعل التشابه في أصل المعنى مساوياً للتمثيل في وجوب النفي، لزمه أن ينفي القدر المشترك في جميع الصفات، وإلا كان مُمثلاً مُشبهاً.
الرابع: أن المفوض لا يُمكنه نقل حرفٍ عن السلف في نفي الأصل المشترك بين الصفات، ولكن سلفه في ذلك هم الجهمية الذين امتحنوا الناس بهذه المقالة.
الخامس: أن المفوض نقل عن الرازي كلاماً فيه تقرير القول بتماثل الأجسام -المخالف للحس والعقل -على نفي الصفات الاختيارية وهي قاعدة معلومة البطلان، ثم ينقض الرازي هذه القاعدة في رده على الفلاسفة، وهكذا ترى قواعد القوم متأرجحة ولا تقوم على ساق .
السادس: أن السلف امتثلوا هذه الآية؛ ولهذا كانوا ينفون عن الله المثل في ذاته وصفاته وأفعاله، وأما المتكلمون؛ فدندنتهم حول التشبيه والتجسيم إلا أن الجدل الكلامي قد قادهم في نهاية الأمر إلى التشبيه والتمثيل؛ فوقعوا فيما فرُّوا منه، وهو ما وقع للرازي الذي نقل كلامه المفوض.
السابع: أن التمثيل عند المفوضة وإخوانهم المؤولة هو موافقة أحد المثلين للآخر فيما يجب ويمتنع ويجوز عليه، ومعلومٌ أن إثبات صفات الباري سبحانه لا يقتضي مشاركة المخلوق الموصوف بها فيما يجب ويمتنع ويجوز، وإن كان التماثل حاصلاً في أصل المعنى الموجود في الأذهان؛ لأن أحكام الصفات تختلف بحسب موصوفها، والاختلاف بين الخالق والمخلوق معلومٌ ضرورةً.
الثامن: تناقض المفوض؛ حيث جعل أطلق القول بنفي المشابهة من كل وجه، وأن الاشتراك هو في الأسماء فقط، لكنه في موضع آخر أثبت المعنى الكلي أو القدر المشترك في صفات المعاني التي هي عنده "كمال من كل وجه" ونفاه عما عدا ذلك؛ وتفريقه بين المتماثلات تناقضٌ ولا بُد.
الشبهة الثانية: استدلال المفوضة، بقول سبحانه: {قل هو الله أحد} في نفي التركيب والأعضاء والأجزاء، والجواب عليه من وجوه:
الأول: أن الأشاعرة أنفسهم لا يمنعون التشبيه في الصفات؛ فقد نقل المفوض كلام الرازي مُقراً له؛ فهم أول من يُخالف الآية وينقض التوحيد على زعمهم.
الثاني: أن قول البيضاوي: بأن الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد، وقول ابن عادل: الوحدانية تُنافي التركيب: قولٌ لا دليل عليه، وهو مُخالفٌ للغة والشرع، بل هي حجةٌ قديمة للجهمية أرادوا بها نفي الصفات؛ لكن أهل السُّنة يقولون: الله واحدٌ بجميع صفاته، وهذا أمرٌ لا يُحيله العقل.
الثالث: أن القرآن نزل بلسانٍ عربيٍّ مُبين، والاستدلال بالقرآن يكون بحمله على مقتضى لغة العرب التي نزل بها؛ فليس لأحدٍ أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عُرفٍ عام أو اصطلاح خاص، بل لا يحمله إلا على مقتضى اللغة، وإلا كان حملها على المصطلحات المحدثة ترحيفٌ للكلم عن مواضعه، وتقدم قول ابن رجب: أن الأحد هو الواحد في ألوهيته وربوبيته.
الرابع: إذا كان الأحد هو غير المركب عندكم، كان معنى قوله في الآية: "ولم يكن له كفؤاً أحد" هو "لم يكن الشيء الذي لا ينقسم كفؤاً" والذي لا ينقسم هو الجوهر الفرد بحسب اصطلاحهم، وعليه فيقتصر النفي عليه، وهذا على القول بوجوده، وأما سائر الموجودات فلم ينفٍ مكافئتها له.
الخامس:أنه تقدم أن الأشعري وجماعةٌ من أصحابه يثبتون الصفات الخبرية كالوجه واليدين وأنها صفاتٌ لله حقيقية لا مجازاً، فعلى هذا فهؤلاء ليسوا موحدين بحسب زعمكم.
الشبهة الثالث: استدلال المفوضة ببعض الآيات المتفرقة على نفي الصفات، وهي "ثلاث" آيات، والجواب عليها:
أ- بقوله: {الله الصمد} بأن له الغنى المطلق، والجواب: أن ما في الآية هو تنزيه الله تعالى عما يُنافي صمديته، وليس في إثبات الصفات ما يُنافي صمديته.
ب- بقوله: {والله هو الغني الحميد}، والجواب: أن إثبات الصفات لا يُنافي كمال غناه، لأن الصفات لا تُفارق الذات، ولا يُقال إن الذات مُحتاجةٌ إليها، أو هي محتاجةٌ إلى الذات.
ج- بقوله: {فلا تجعلوا لله أنداداً}، والجواب: أن إثبات القدر المشترك لا يستلزم تمثيلاً ولا تشبيهاً كما زعم المفوض.
الشبهة الرابعة: استدلال المفوضة بآية آل عمران: {وما يعلم تأويله إلا الله} في نفي العلم بمعاني الصفات، والجواب على ذلك من "ست" وجوه:
الأول: أنه لا دليل على أن آيات الصفات من المتشابه، ولا قائل بهذا من السلف. وقد ذكر ابن جرير -رحمه الله -خمسة أقوال في المتشابه ليس فيها تعرُّضٌ لآيات الصفات، وأوصلها ابن الجوزي -رحمه الله -إلى سبعة أقوال، ليس فيها تعرُّضٌ لذلك أيضاً.
الثاني: أن الذي ذكره العلماء في معنى المتشابه يدور حول أمرين:
أ- أن يكون المعنى متشابهاً نسبياً، وهو ما احتمل الدلالة على أكثر من معنى، أو تشابهت ألفاظه كالقصص والأمثال المتشابهة.
ب- أن يكون المتشابه متشابهاً حقيقياً لا يعلمه إلا الله، كوقت خروج عيسى بن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، ووقت قيام الساعة.
الثالث: أنه لو كانت نصوص الصفات من المتشابه، للزم على قراءة الوصل أن الراسخين في العلم يعلمون معناها، والقول بالوصل قولٌ مُعتبر مرويٌّ عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، والقاسم بن محمد، وغيرهم، وانتصر له جماعةٌ من المتكلمين منهم ابن فورك، والزمخشري.
الرابع: أنه على قراءة الوقف الواردة عن ابن عباس، وعائشة، ومالك بن أنس، والكسائي، والفراء، وغيرهم: تكون الآية قد نصت على أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، وليس فيها: إنه لا يعلم معناه إلا الله، وعدم العلم بالتأويل، لا يستلزم عدم العلم بالمعنى، فالمتشابه الحقيقي الذي مضى نقله عن السلف من نزول عيسى، وقيام الساعة معلوم المعنى، وإن كان لا يعلم تأويله إلا الله، وذلك أن التأويل في الكتاب والسنة جاء على معنيين:
أ- التأويل بمعنى التفسير وإدراك المعنى.
ب- التأويل: بمعنى العلم بحقيقة ما يؤول إليه الشيء.
والتأويل بالمعنى الثاني: هو الغالب في القرآن، فينبغي أن تُحمل عليه آية آل عمران؛ لأن الحمل على الأغلب أولى من غيره.
الخامس: أنه لو سلمنا أن نصوص الصفات أو بعضها من المتشابه؛ فلا يخلو ذلك من أمرين:
أ- أن تكون من المتشابه النسبي الذي يعلمه البعض -وهم الراسخون في العلم -ويخفى على البعض الآخر، وهذا على قراءة الوصل.
ب- أن تكون من المتشابه الحقيقي، وهو ما استأثر الله بعلمه، فيكون المراد حقيقة ما تؤول إليه الصفات، وهو كيفيتها، وهذا على قراءة الوقف.
فلا حجة للمفوّض على التقديرين.
السادس: أن يُقال: إذا كانت آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، فهل يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم معانيها على التفصيل، أم لا؟ فإن كان الأول: فقد تبيّن أن آيات الصفات لا تدخل في المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله؛ لأنه قد علمها غير الله. وأما الاحتمال الثاني: فلا أظن مسلماً يجرؤ على القول به.
الشبهة الخامسة: استدلال المفوضة بالإجماع؛ وقد نقل المفوض ما زعمه الإجماع على ترك السلف تفسير نصوص الصفات؛ ثم حكاه عن الجويني وابن قدامة والرازي؟!! والجواب على ذلك من "خمس" وجوه:
الأول: أننا لا نُسلم وجود إجماعٍ أصلاً على ترك تفسير نصوص الصفات، ولا على التفويض، بل قد ثبت عن السلف تفسير ما يحتاج إلى تفسير؛ كالاستواء والتجلي والعلو، ومرادهم كما قدمنا بـ"ترك التفسير" هو ردُّ تأويلات الجهمية المعطلة.
الثاني: أن المتكلمين لا يُعوّل عليهم في معرفة مذهب السلف؛ لقلة عنايتهم بمعرفة أقوال الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم، وإنما يؤخذ مذهب السلف عنهم مباشرةً، وعن أتباعهم المعنيين بنقل آثارهم، وهؤلاء المتكلمون إنما نقلوا "مذهب السلف" بحسب اعتقادهم هم، لا في واقع الأمر وحقيقته.
الثالث: أنه لا يُعرف عن أحد من السلف قوله إنه يجب القطع أن مراد الله تعالى من الصفات غير ظاهرها، أو يجب تفويض معناها إلى الله تعالى!.
الرابع: أن المنقول عن السلف هو نقيض ما ذكره المتكلمون، وأنهم كانوا يقولون بإثبات الصفات الخبرية، وتواتر ذلك عنهم، بضد ما حكاه هذا المفوض وأمثاله، وأما ابن قدامة فإنه من أهل الإثبات.
الخامس: أن هذه الإجماعات التي نقلها قد تضمنت "تحريم التأويل" فهي حُجةٌ على المفوض في جعله التأويل مذهباً سائغاً، وهذا عجيبٌ ممن يُقرر مذهباً، ثُم يُخالفه.
الشبهة السادسة: استدلال المفوضة بأن حمل الصفات الخبرية على الحقيقة يقتضي التجسيم، الذي هو مُستحيلٌ في حق الله سبحانه؟! والجواب عليها من "سبع" وجوه:
الأول: أن قولهم هذا فاسد؛ لأن إثبات الصفات الخبرية على الحقيقة لا يقتضي التجسيم، ويلزم من كلامهم القدح في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.
الثاني: أن معنى الجارحة في اليد استفيد من إضافة اليد للحيوان، وأما إذا أُضيفت لمن "ليس كمثله شيء"؛ فالقول فيها كالقول في الذات، فإذا لم كن جسماً؛ فليست هي جسماً، فما قلتموه في الذات يلزمكم مثله في الصفات.
الثالث: أن كثيراً من العلماء نبهوا على أن إثبات الصفات لا يقتضي التجسيم، منهم: أبو الحسن الأشعري، والباقلاني، وغيرهما.
الرابع: أن يُقال للمفوض: أين وجدت في اللغة أن حقيقة اليد الجارحة؟! وقد نقل من كلام أهل اللغة كالراغب الأصبهاني، والزبيدي -ما يُضاد كلامه، وهو لا يشعر؟! لأنهم سموا أعضاء الإنسان جوارح مجازاً وليس حقيقةً. هذا مع ترداده مرات كثيرة أن اليد في حقيقتها هي الجارحة. وهذا من افترائه على اللغة وتهجمه عليها. والحاصل أننا نمنع أن تكون حقيقة اليد في اللغة الجارحة.
الخامس: أنه يلزم المفوض فيما أثبته من السمع والبصر والعلم والحياة مثل ما نفاه في اليد والوجه والقدم، لأن إثباته معاني الأولى مع نفيه التجسيم، يقتضي أن يثبت معاني الأخيرة مع نفيه التجسيم. ويُقال له: أيُّ فرقٍ بين الرحمة التي تنفيها لأنها رقةٌ في القلب، وبين الإرادة التي تثبتها وهي ميل القلب! فإن أثبت الإرادة على الحقيقة لزمك التجسيم الذي تفر منه ولا بُد. وإن قُلت: إنها مجاز خرجت من مذهبك؟! وإن قلت هي على الحقيقة ولا أقول بالتجسيم، وصفة كل موصوف تخصُّه، تكون وافقت أهل السُّنة والجماعة، وقد نصَّ على هذا الالزام كثيرٌ من أهل العلم كابن الزغواني، وابن القيم، والواسطي، وابن عابدين، والألوسي.
السادس: أنه جاء عن كثير من السلف والأئمة القول بإثبات الصفات على حقيقتها، ومن هؤلاء: أبو الحسن الأشعري، وأبو أحمد الكرجي القصاب، والحافظ ابن منده، وأبو عمر الطلمنكي، والقاضي أبو يعلى، والحافظ ابن عبد البر، وقوام السُّنة الأصفهاني، والحافظ ابن رجب.
السابع: أن كثيراً من الأئمة صرَّح بنفي الجارحة مع إثبات الصفات على الحقيقة، ومن هؤلاء: الدارمي، وابن جرير الطبري، وأبو الحسن الأشعري، والسجزي، وابن الزغواني، وابن تيمية، والواسطي، وابن القيم والذهبي.
الشبهة السابعة: مطالبة المفوض بتفسير الصفات وبيان معناها، والجواب عليه من "خمس" وجوه:
الأول: أن إثبات معاني الصفات هو كلام الأئمة الذين حكينا أقوالهم، والذين تدعي زوراً وكذباً أنهم لا يثبتون المعاني، وعليه فلسنا أول من ادعى أن هذه الصفات معلومة المعنى.
الثاني: أن السلف فسروا الاستواء بالعلو والارتفاع، واليد: صفة أزلية ذاتية يتأتى بها الإمساك والقبض والتربية والخلق =وهذا تعريف بالرسم، وسائر الصفات يكون تعريفها بالرسم لا بالحد؛ لأن معرفة الحد فرعٌ عن معرفة كنه الذات.
الثالث: أنه لو فُرض عجزنا عن تعريف صفة من الصفات؛ فهذا لا يعني جهلنا بها؛ فظاهر اللفظ يُفصح عن معناه، والواضح لا يُوضَّح، وقد بين هذا الأصل الغزالي عند تعريفه للعلم.
الرابع: أن ما ادَّعاه المفوض من أن اليد في لغة العرب التي نزل بها القرآن هي العضو والجزء الذي له بداية ونهاية: كذب! وغاية ما نقله تحت هذه الدعوى هو قول ابن سيده: اليد الكف. وقول أبي إسحاق: اليد: من أطراف الأصابع إلى الكتف! وما نقله ليس تعريفاً أو بياناً لأصل المعنى، وإنما هو بيان إطلاق اليد: هل تُطلق على الكف وحدها، أم من الأصابع إلى الكتف؟ ومحل البحث هنا هو المعنى الكلي أو القدر المشترك، لا القدر المميز المختص بالإنسان أو الحيوان، وعدم التفريق بين الأمرين عند المفوض أوقعه في الغلط في هذه القضية.
الخامس: أن المفوض في نفيه للصفات يقيس الغائب على الشاهد؛ فلما رأى اليد في الشاهد لا تكون إلا ذات أبعاد، سواء كانت يد نملة، أو يد فيل، أو يد إنسان، ظنَّ أن هذا "قدراً مشتركاً" وأراد أن يُلزم أهل السُّنة بذلك حيث أثبتوا صفة اليد.
الشبهة الثامنة: شبهة المفوضة بأن إثبات العلو الحسي يقتضي أن الله تعالى محدود، والله لا يحصره شيء، ولا يحدُّه شيء، والجواب على هذه الشُّبهة من وجوه:
الأول: أن علو الله تعالى على جميع خلقه علواً ذاتياً: ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، ويُرجع في ذلك إلى ما صنفه الأئمة؛ كابن أبي شيبة، والعلو لابن قدامة، واجتماع الجيوش لابن قيم الجوزية، والعلو للذهبي. وقد نقلوا عن الأئمة حكاية الإجماع على إثبات العلو الحسي: كالأوزاعي، وابن قتيبة، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وأبو عثمان الصابوني، وابن عبد البر، وغيرهم.
الثاني: أن يُقال: إذا كانت النصوص المستفيضة قد دلّت على إثبات العلو الحسي لله عز وجل، وادَّعى المُخالف أنه يلزم من ذلك الحد؛ فلنا في جوابه طريقان: مجمل، ومُفصل.
(1)- أما الجواب المجمل؛ فهو: أن هذه اللوازم التي تلزمونا بها إما أن تكون لازمةً في نفي الأمر، أو تكون غير لازمة:
أ- فإن كانت لازمةً؛ فهي حق؛ إذ أن ما جاء به الرسول حقٌّ صريح.
ب- وإن لم تكن لازمة؛ فهي مندفعة، ولا يجوز التزامها.
(2) وأما الجواب المفصل؛ فيوضحه:
الثالث: أن يُقال لهم: ما تريدون بالحد ؟
أ- فإن قلتم أن الله بائنٌ مميزٌ من خلقه؛ لأن الحد في اللغة: هو الفاصل والحاجز بين الشيئين؛ فهذا حق؛ فإن الله عز وجل مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه.
ب-وإن قلتم: الحد الذي يحصره ويحدُّه؛ فهذا باطلٌ لا نثبته، فليس لله حدٌّ نعلمه على هذا المعنى.
** وعليه فما ورد عن السلف:
1- في إثبات الحد يُحمل على: أن الله تعالى بائنٌ من خلقه ممتازٌ عنهم.
2-وما ورد عن السلف من نفي الحدِّ؛ فالمراد به حصره وجعله محدوداً.
** وأما نفي الحدِّ، بمعنى:
أ-جعله ذاهباً في الجهات الست، وحالاً في كل مكانٍ بذاته.
ب- أو كونه لا داخل العالم ولا خارجه.
فكلا المعنيين باطلٌ:
- لأن الأول يعني الحلول والاتحاد وهو قول الجهمية الأقدمين وهو كفر.
-والثاني تعطيلٌ للباري سبحانه عن الوجود والقيام بالنفس، وجعله معدوماً، إذ لو كان موجوداً لكان في داخل العالم أو خارجه، وهذا معلومٌ ضرورةً.
** وممن نقل عنه التصريح لفظ "البينونة" من الأئمة:
ابن المبارك، والمزني، والدارمي، وأحمد، وحرب الكرماني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وابن أبي شيبة، وهشام الرازي الحنفي، وسنيد بن داود المصيصي، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معاذ الرازي، وحماد البوشنجي، وابن خزيمة، والطبري، وابن بطة العكبري، وأبو نُعيم الأصبهاني، ومعمر بن زياد الأصفهاني، ونصر بن إبراهيم المقدسي؛ ونقلوه عن جمع كبير من السلف، فهل هؤلاء مع من تقدمهم من الأئمة كانوا مجسمة؟! وهل السلف إلا هؤلاء؟!.
الشبهة التاسعة: شبهة المفوضة في أن إثبات العلو الحسي يقتضي الحلول في جهة، والجواب عليه من "أربع" وجوه:
الأول: تقدم حكاية إجماع السلف وأهل السنة على إثبات العلو الذاتي، وأن الله تعالى فوق عرشه، بائنٌ من خلقه، فهذا الإلزام يُوجَّه إليهم، فليُعلن المفوض براءته من أهل السُّنة المثبتين للعلو الذاتي، وليدع عنه التمويه بتعظيم السلف.
الثاني: أن السلف لم يتفقوا على إطلاق لفظ الجهة؛ لعدم ورودها، لكنهم اتفقوا على إثبات معناها الذي هو علو الله تعالى فوق جميع ما هو مخلوق، وذلك معلومٌ للموافق والمخالف.
الثالث: أنه لا أحد من أهل السُّنة يقول إن الله حالٌّ في شيء من خلقه، أو يحيط به شيءٌ من خلقه، لا سماء، ولا جهة، ولا غيرها، بل الله فوق جميع خلقه، وأما من قال بأن الله داخلٌ في شيءٍ من خلقه كفر.
الرابع: أنا نقول: الله عز وجل فوق جميع ما هو مخلوق؛ فالعالم المخلوق له سطح، وليس فوقه ثمَّة مخلوق، بل فوقه الخالق عز وجل. وأما لفظ الجهة:
أ-فمن أراد الجهة الوجودية، وجعل الله محصوراً في المخلوقات فهذا باطل.
ب- ومن أراد إثبات الجهة العدمية، التي لا تُحيط بالخالق، وأراد أن الله وحده فوق المخلوقات، وأنه بائنٌ عنها فهذا حق.
كذلك الجهة التي نُثبتها لا تُسمى مكاناً؛ فالجهات التي هي سطوح الجسم نفسه ليست مكاناً للجسم نفسه أصلاً.
(السادس والعشرون) براءة الشيخين ابن تيمية وابن القيم من تهمة "التشبيه، والتجسيم، وإثبات الجارحة"، وتفصيل ذلك فيما يلي:
أ- براءتهما من التشبيه، وفيه:
أولاً: تصريح ابن تيمية رحمه الله بنفي التشبيه، وأن إثبات القدر المشترك لا يلغي قضية نفي التشبيه، وفيه بيان كذب ابن بطوطة فيما ادَّعاه في رحلته أنه شاهد ابن تيمية يقول استواءٌ كجلوسي.
ثانياً: تصريح ابن القيم بنفي التشبيه في "نونيته"، وأن التشبيه نوعٌ من الإلحاد.
ب- براءتهما من التجسيم، وفيه:
أولاً: تصريح ابن تيمية رحمه الله بنفي التجسيم، وكونه من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً، ومن الألفاظ المبتدعة في اللغة والشرع، وقد أثبته بمعنى: أنه الموجود أو القائم بنفسه، المشار إليه، المتصف بصفات الكمال؛ فهذا حقٌّ، ولا ننفي لفظ الجسم بهذا المعنى، وأما من قصد به: أنه مركب من أجزاء وأبعاض وأعضاء؛ فهذا منفيٌّ عن الله تعالى.
ثانياً: تصريح ابن القيم بنفسه التجسيم، كما في "نونيته"، ومبرئاً أهل السُّنة من وصف الله تعالى بشيء لم يثبت بالكتاب أو السنة أو عن السلف.
ج-براءتهما من إثبات الجارحة، وفيه:
أولاً: تصريح ابن تيمية رحمه الله بنفي الجارحة، وأنه ليس في كلام السلف والأئمة إثبات الجارحة، بل فيه التصريح بنفيها. ولكن لما كان نفي الجارحة قد يُراد به نفي الصفة الثابتة: كالوجه واليد والقدم، وكان هذا النفي غير وارد في الكتاب والسُّنة، تعامل معه شيخ الإسلام تعامله مع سائر الألفاظ المشابهة: كالجهة والحيز والحد؛ ولهذا يقل في كلامه نفي الجارحة، لكن هذا لا يقتضي إثباتها، وحسبه أن ينفي مشابهة المخلوقين.
ثانياً: صريح ابن القيم رحمه الله بنفي الجارحة، لأنها من خصائص المخلوقين، وليس من صفات رب العالمين.
(السابع والعشرون) تبرئة العلماء الأعلام للشيخين "ابن تيمية، وابن القيم" من تهمة التجسيم، وردهم على من اتهمهم بذلك، وفيه ذكر عشر علماء، وهم:
الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ هـ).
الحفاظ بدر الدين العيني (ت ٨٥٥ هـ).
شيخ الإسلام صالح بن عمر البلقيني (ت ٨٦٩ هـ).
منصور بن يونس البهوتي الحنبلي (ت ١٠٥١ هـ).
الملا علي القاري الحنفي (ت ١٠١٤ هـ).
الشيخ إبراهيم الكوراني الشافعي (ت ١١٠١ هـ).
الشهاب محمود الألوسي المُفسر (ت ١٢٧٠ هـ).
السيد نعمان خير الدين الألوسي (ت ١٣١٧ هـ).
العلامة مصطفى الرحيباني (ت ١٢٤٣ هـ).
العلامة جمال الدين القاسمي (ت ١٣٣٢ هـ).