أخلاق النبي وآدابه
لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري
المعروف بأبِي الشيخ الأصبهاني (المتوفى: 369 هـ)
تحقيق عصام الدين سيد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السّلام حنُّونة
تمهيد/ اختار الله عز وجل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم من أشرف القبائل، ومن خير البيوت؛ فجعله خاتم الرُّسل والأنبياء، وختم بدينه الشرائع، وجعل سيرته قدوة لكل مؤمن في جميع شؤون الحياة صغيرها وكبيرها، وقد أكمل برسالته الرسالات وجعلها وافيةً بحاجات الناس في مختلف بيئاتهم وعصورهم، فجاء بالفطرة الصافية، والعقيدة الصحيحة.
وفضَّله الله -عز وجل -على غيره من الأنبياء بشمائل عظيمة ومناقب جليلة، وصفات كريمة؛ فكان سيِّدهم وإمامهم، وإن أعظم ما فُضِّل به نبيُّ هذه الأمة صلوات الله وسلامه عليه: ما خصه االله به، من عموم البعثة، وشمول الرسالة لجميع الأمم، وليس ذلك لأحد قبله من إخوانه الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام؛ قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158).
وقد أعدّه الله عز وجل لهذه الغاية العظيمة؛ فأدَّبه وعلَّمه وزكَّاه، وجمع له من اعتدال الأمر ومحاسن الصفات وجميل الأدب ما تعجز الكلمات عن وصفه، فكان -صلى الله عليه وسلم -أحسن الناس خُلقاً، وأعظمهم حِلماً، وكان خُلقُه القرآن، ولذلك كان أجلُّ ما يوصفُ به هو كلام خالقه وباريه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
فكان صلى الله عليه وسلم كريم الأخلاق، طيِّب النفس، متواضعاً، جميلاً، جليلاً، مهيباً، حسن الصُّورة، له منطقٌ حُلوٌ، وصوتٌ عذبٌ، حسن المشي والالتفات والقيام والجلوس، دائمُ الذِّكر، أشدُّ الناس عفواً وإغضاءاً عما يكره، شديد الحياء من أصحابه كالعَذراء في خِدرها، وكان إذا كره شيئاً عُرف ذلك في وجهه، وبلغ من عفوه أن صفح عن أهل مكة، وعفا عن اليهودِّ الذي سحره.
وهذا الكتاب للشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني، يروي لنا فيه أحوال وشمائل النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر فيه (890) حديثاً مُسنداً، انتقاها بعنايةٍ، وذكر فيه حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرمه، وكثرة احتماله، وشدة حيائه، وعفوه، وجوده، وسخائه، وشجاعته، وتواضعه، وصبره على المكروه، وإغضائه، وإعراضه عما كرهه، ورفقه بأمته، وكظمه الغيظ، وحلمه، وكثرة تبسمه، وسروره، ومزاحه، وبكائه، وحزنه، ومنطقه، وألفاظه، وقوله عند قيامه من مجلسه، ومشيه، والتفاته، وذكر محبته الطيب، وتطيبه، وذكر قميصه، وجبته، وشكره ربه عند لابسه...فهو في الجملة كتابٌ نفيس، عظيم القدر، وينبغي النظر في رتبة هذه الآثار والأحاديث، وقد كفانا المحقق مؤونة ذلك.
وقبل الحديث عن جملة بسيطة من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم الواردة في الكتاب، لا بُدَّ من التنويه إلى أمرٍ هام، وهو حقيقة الإيمان النافع به صلى الله عليه وسلم، باعتباره رسولٌ من عند الله إلينا، ويتلخص ذلك في أمور أربع:
أولها: تصديقه فيما أخبر به.
الثاني: وطاعته فيما أمر.
الثالث: واجتناب ما نهى عنه وزجر.
الرابع: أنه لا يُعبد الله إلا بما شرع.
الخامس: أن الموالاة والمعاداة والمحبة والبغض معقودةٌ على شرعه وسُنَّته، وذلك بتحكيمه وحده والرجوع إلى أقواله: فما وافق قول الرسول قُبل، وما خالفه رُدَّ ولا كرامة.
ومن جملة الأخلاق النبوية الشريفة الواردة في الكتاب:
جوده وكرمه:
وكان أجود الناس؛ فأعطى رجلاً غنماً بين جبلين، لا يخشى في ذلك فقراً، وكان لا يُسألُ عن شيءٍ إلا أعطاه، وكان شجاعاً ذو بأسٍ؛ حتى إذا حمي الوطيسُ احتمى به أصحابه، وكان إذا أعجبه أمرٌ قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات)، وإذا غضب من أمرٍ احمرَّ وجهه، وإذا سُرَّ واستبشر استنار وجهه كالقمر، بل هو أحسن من القمر.
صفة ثوبه:
وكان إذا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه، وحمد الله عليه، ولبسه يوم الجُمعة، وكان إزاره إلى نصف ساقه، وإزاره من قطنٍ غليظ، وكان يلبس الحُلل (جمع حُلَّة وهي الإزار والرداء)، والقميص، وكانت بُردُه حَبرة (ثياب من قطن أو كتان مُحبّرة: أي مُزينة بخطوط حمراء)، وكان رداؤه: (طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر)، وكان له بُردٌ قِطريٌّ (بُرد يماني يُتخذ من قطن، وفيه حُمرة وأعلام)، وله قُلنسوة لاطية (أي مُلتصقة بالرأس)، وله قُلنسوة شامية بيضاء، ولبس الجُبَّة من الصوف.
صفة خفه ونعله:
وله خُفان أهداهما إليه النجاشيُّ ودحية، وكان له نعلان سبتيتان (من جلود البقر)، مُلسَّنة (على شكل لسان)، مُخصَّرة (دقيقة من الوسط)، لهما قُبالان (حبلان) ولهما عقب، وكان يلبس اليُمنى قبل اليُسرى، ويخلع اليُسرى قبل اليُمنى.
صفة رمحه وسيفه:
وكان له رُمحٌ يُصلي إليه، وقوسٌ يخطبُ متكئاً عليه، وله حربةٌ يُصلي إليها في السَّفر، وله سيفٌ واسمه ذو الفقار، وكانت قبيعة سيفه من فضَّة، ويملُ قضيباً (وهو المخصرة =عرجون النخل، ورد أنَّه حكَّ به النُّخامة من المسجد) وله درعٌ وكان اسمه ذات الفضول، وله مغفر من حديد يضعه على رأسه، وله كُرسيٌّ قوائمه من حديد (جلس عليه لما جاء الرجل يوم الجمعة ليُعلمه).
وكانت خيمته (=قبته) من جلدٍ، وضُربت له خيمةٌ من شعرٍ في الحجِّ بنمرة، وكان يجلس القرفصاء ويجلس جاثياً، ومتربعاً.
صفة لوائه ورايته:
وكان لواؤه أبيضاً، ورايته سوداء مربعة تُسمى "العُقاب"، مكتوبٌ فيها لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله، وكان شعاره في الحرب "يا منصور أمت"، و "حم لا يُنصرون"، و "يا كل خير"، و "يا عشرة".
صفة دابته:
وله فَرَسٌ واسمه "المرتجز"، وناقةٌ واسمها "القصواء" وله أخرى اسمها "العضباء" (وقد سبقها أعرابي)، وبغلةٌ واسمها "دُلدُل" ويُقال لها "الشهباء" لبياضها أهداها إليه فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ، وحماره "عُفير" ويُقال له "يعفور"، وكان بلالٌ صاحب سرجه،
صفة أكله صلى الله عليه وسلم:
وكان -صلى الله عليه وسلم -يأكُلُ بشِعاً (أي: الشعير الغليظ)، وما كان يُسيغه إلا الماء، وما أكل مُرقّقاً قط، وما عاب طعاماً قط، وكان يجثو على الأرض ولا يتكئ، ويأكلُ مما يليه، بثلاث أصابع، ويلعق أصابعه الإبهام وما يليها والوسطى، وكان يأكل التمر والرُّطب، وهي إحدى أكلتيه في اليوم، ويضع النوى على ظهر أصبعيه، وأكل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدجاج، وكتف الشاة، وذراعها، وأكل جمار النخل، وأكل السَّمن.
صفة شربه صلى الله عليه وسلم:
وكان له قدح من خشب يشرب فيه، وكان إذا شرب تنفس ثلاثاً، كان إذا سقى قوماً كان آخرهم شراباً، ويُقدِّم الأيمن فالأيمن، وشرب النبيُّ قاعداً وقائماً، وكان يُستعذب له الماء؛ فيؤتى له به من أطراف الحرَّة، وكان يُحبُّ الماء الحُلو البارد،
وجوهٌ من ذلك:
وقد شرب اللبن، وقال فيه (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه)، وشرب النبيذ، والسَّويق (دقيق وماء وسكر)، وأكل الحيس (ثريد التمر)، وأكل الخلَّ، والزيت، والقرع وكان يُحبُّه، وكان يأكل القثاء بالرطب، والقثاء بالملح، والبطيخ بالرطب، ويُسميهما "الأطيبان"، واسم قصعته "الغرّاء" وكان يحملها أربعة رجال.
حُبِّه للنساء والطيب:
وحُبِّب إليه صلى الله عليه وسلم النساء والطِّبُ، وجُعلت قُرَّة عينه في الصَّلاة، وأُعطي الكَفِيتُ (قوَّة الجماع، فأعطي قوة ثلاثين)، وكان يطوف على نسائه بغسلٍ واحد، وإذا تزوَّج سلَّم على أهله ليلة البناء، وكان يقول (ما أُعطيتُ من دُنساكم هذه إلا نسيَّاتكم) يعني النساء.
قبوله الهديَّة:
وكان يقبلُ الهديَّة ويُثيبُ عليها، ولا يقبل الصَّدقة، وكان يعود المرضى، وكان يؤثر غيره على نفسه ومعيشته، لا يدخر عن أصحابه شيئاً من مالٍ أو طعام أو ثياب، وتوفي ودرعه مرهونٌ بوسق من شعير.
صفة عطسه:
وكان يخفض صوته إذا عطس، ويتلقاها بثوبه، ويُخمِّر وجهه، ويحمد الله بعدها.
صفة خاتمه واستعماله اليُمنى:
وكان يلبس خاتماً في يساره، ويجعله في خنصر اليُسرى، ويجعل فصَّه لباطن كفِّه، وفصُّه حبشياً، وهو من وَرِق، ويلبسه أحياناً في يمينه. وكان يستعمل كلتا يديه اليُمنى وليُسرى، وكان يُحبُّ التيامن في جميع أفعاله (ترجُّله، وتنعُّله، وطهوره، ولبسه الثوب)، وكان يقصُّ شاربه، ويقصُّ أظفاره.
صفة سلامه وسفره وحُبِّه لأصحابه:
وكان يُبادر غيره بالسَّلام، ويردُّ السلام على أصحابه إذا سلَّموا عليه، وإذا رأى الشيء يُعجبه، قال: (اللهم بارك فيه)، وكان يُشيِّع أصحابه إذا خرجوا للسَّفر، ويتلقاهم إذا رجعوا، وكان يُحبُّ السَّفر يوم الاثنين والخميس، وكان يقدُم منه وقت الضُّحى، وكان يُعجبه الفأل الحسن، ويُغيِّر الاسم القبيح إلى الحسن.
صفة فراشه:
وكان له صلى الله عليه وسلم فراشاً من أدم محشوٌ ليفاً، وله لحافٌ يتغطى به، وله قطيفة (خميلةٌ من صوف)، ووسادة ينامُ عليها، وحصيرٌ يُصلي عليها، ويجلس، ويحتجرها بالليل للصَّلاة.
صفة نومه واستيقاظه:
وإذا أراد النوم: قرأ المعوذات، ونفث، وسمَّة، ودعا، واكتحل في كُلِّ عينٍ ثلاثاً من الإثمد، فإذا استيقظ من نومه حمد الله، وقرأ الآيتين من سورة آل عمران، وكان إذا صلَّى الفجر لزم مسجده يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس.
صفة اجتهاده في العبادة:
وكان شديد الاجتهاد في العبادة، يقوم الليل مُتضرعا، مُنيباً، باكياً بين يدي الله عزَّ وجل، وكانت قراءته مُفسَّرةً: حرفاً حرفاً، وربما جهر وربما أسرَّ، وكان يمدُّ صوته مدَّاً، وكان يقرأ ما يُقارب الخمسة أجزاء (البقرة، آل عمران، النساء)، وكان لصدره أزيزاً كأزيز المرجل، وكان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.
غريب الألفاظ:
38/ حديث أنس (مَا شَمِمْتُ) بكسر الميم يعني (رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
131/ سلَّم على الصبيان وهو مُغدٍ: أي وهو مُسرع في سيره.
143/ ملاحك الجُدر: المرآة تُوضع على الجدار.
142/ السُّكرُّجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء، وفسَّره الغماري بأنه ما يفتح الشهيَّة، وهو تفسيرٌ عجيبٌ غريب!.
180/قصة نُعيمان ونحره لناقة الأعرابي واختبائه في حفرةٍ فيها طين.
214/ الصبب: المُنحدر من الأرض.
249/كَانَتْ كِمَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطَح: أي واسعة.
269/ المِرط المُرحَّل: أي المنقوش عليه رحال الإبل.
628/ التمر المُذنَّب: فيه إرطابٌ قليل.
630/ جذب النخل: الجُمّار.
634/ كُنّا غراثاً: أي جياعاً.
634/ الخِربِز: البطيخ.
719/ كان رجلٌ من الأنصار يُبرد الماء في شجابٍ له على حمارةٍ من جريد: والأشجاب: هي الأسقية القديمة البالية. وحمارة من جريد هي أعواد تُعلق عليها أسقية الماء لتبرد.
797/ صنع لكم جابرٌ سُوراً: السُّور هو الصنيع بالحبشية، والعرس بالفارسية، والمعنى أنه أعدَّ طعاماً ودعا النبيَّ وأصحابه صلى الله عليه وسلم إليه.
798/ قال لأبي هريرة: أشكنب درد؟: أي أتشكو بطنك، ذكره في باب حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالفارسية، واسناده ضعيفٌ جداً.