أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 مارس 2021

نواقض الإسلام العشرة -إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي (ت 1206 هـ)

نواقض الإسلام العشرة

إمام الدعوة الشيخ

محمد بن عبد الوهاب التميمي (ت 1206 هـ)


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ نواقض الإسلام كثيرةٌ جداً، وأوصلها بعضهم إلى أربعمئة ناقضٍ، وهذه العشرة هي أخطرها وأكثرها وقوعاً، جمعها الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه الرسالة الموجزة والنافعة، وقد ربت شروحها على العشرين شرحاً، نذكر بعضها فيما يأتي.

وإذا أرادنا أن نُعرف النواقض: فهي الأمور القولية أو العملية الموجبة للردة عن دين الله عز وجل، وهي أربعة أقسام: إما قولية، أو فعلية، أو شكية، أو اعتقادية، ولا فرق في هذه النواقض بين الجاد والهازل، والخائف إلا المُكره، ومع ذلك ينبغي الحذر في تكفير الأعيان، ومراعاة وجود المقتضي وانتفاء المانع. 

والنواقض العشرة للإسلام هي:

الأول: الشرك في عبادة الله، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح والنذر لغير الله تعالى.

الثاني: من يجعل بينه وبين الله وسطاء وشفعاء ووكلاء.

الثالث: من لم يُكفر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّح مذهبهم.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبيِّ أكمل من هديه، أو حكم غير الله أحسن من حكمه.

الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

السادس: من استهزأ بشيء من دين الله، 

السابع: السحر والتولية، ومنه الصرف والعطف.

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.

التاسع: من يعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد.

العاشر: الإعراض عن دين الله، فلا يتعلمه ولا يعمل به.

قلتُ (محمد حنُّونة)، وقد جمعتُ هذه النواقض في أبيات، قلتُ فيها:

نواقضُ الإسلامِ عشرٌ فاعددِ ...الشِّركُ، والسحرُ، و نصرةُ ملحدِ

وسُؤالُ اندادٍ، وتفضيلُ شِرعَة ٍ... على الدِّينِ القويمِ وسُنَّةِ أحمدِ

وبغضٌ، وتكذيبٌ لدينِ مُحَمَّدٍ ...وإِعرَاضُ مخذولٍ واستهانةُ جاحدِ

وترك تكفيرٍ لمن هو كافر  ...  فاحفظ، وقاك الله شر الفتنة

الشروحات على متن نواقض الإسلام لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:

  1. دروس في شرح نواقض الإسلام، صالح بن فوزان الفوزان.

  2. سبل السلام شرح نواقض الإسلام، من كلام الشيخ عبد العزيز بن باز، جمعه: محمد بن ناصر الفهري.

  3. التبيان شرح نواقض الإسلام، سليمان بن ناصر العلوان.

  4. شرح نواقض الإسلام، عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر.

  5. شرح نواقض الإسلام، عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.

  6. مختصر الكلام في شرح نواقض الإسلام، ناصر بن سعيد السيف.

  7. تنبيه الأنام إلى شرح نواقض الإسلام، د. عبد الله بن إبراهيم السادة.

  8. البدر التمام شرح نواقض الإسلام، لأبي حفص الأزدي.

  9. الإفادة والإعلام بشرح نواقض الإسلام، سليمان بن سليم الرحيلي.

  10. شرح نواقض الإسلام، أبو عاصم البركاتي المصري.

  11. شرح نواقض الإسلام، د. عبد الله بن عبد الرحيم البخاري.

  12. شرح نواقض الإسلام، وليد بن راشد السعيدان.

  13. شرح نواقض الإسلام، د. حمزة آل فتحي.

  14. شرح نواقض الإسلام، د. محمد بن عمر بازمول.

  15. شرح نواقض الإسلام، د. محمد إبراهيم الشيباني.

  16. أطايب الزهر في شرح نواقض الإسلام العشر، د. خالد المشيقح.

  17. شرح نواقض الإسلام، أحمد بن يحيى النجمي.

  18. تيسير العلام بتلخيص شرح نواقض الإسلام، حنان بنت علي اليماني.

  19. شرح نواقض الإسلام، د. عبد المحسن بن محمد القاسم.

  20. البدر التمام شرح نواقض الإسلام، عبد الله الجهني.

  21. نواقض الإسلام العشرة، تركي بن مبارك البنعلي.

  22. شرح نواقض الإسلام، أحمد بن عمر الحازمي.

  23. شرح نواقض الإسلام، محمد سعيد رسلان.

  24. فتح القدوس السلام شرح نواقض الإسلام عُبيد الجابري.

  25. شرح نواقض الإسلام، عثمان الخميس.














وصف الجنة من الكتاب والسنة والطريق الموصل إليها -إعداد القسم العلمي بدار ابن خزيمة

وصف الجنة من الكتاب والسنة والطريق الموصل إليها

إعداد القسم العلمي بدار ابن خزيمة

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ من البشارات العظيمة التي ظفرت بها هذه الأمة هو كونها أكثر أهل الجنة عدداً؛ وذلك لأنها أكثر الأمم استجابةً للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الحديث المتفق عليه: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما انتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود وكالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر).

كذلك فإن هذه الأمة هي أكثر الأمم اتباعاً للأنبياء؛ فقد فاق عدد أتباع نبينا صلى الله عليه وسلم عدد من اتبع الأنبياء في الأمم السابقة، وقد جاء ذلك في الحديث المتفق عليه،عنه صلى االله عليه وسلم: (عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً كثيرا ًسد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل :هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب).

وهذا يدل على كثرة المتبعين لنبينا محمد صلى االله عليه وسلم مقارنة بالأمم السابقة، وهذا يعني أن هذه الأمة على خير عظيم وفضلٍ كبير من الله عز وجل.

 وأما الحديث عن الجنة وما فيها من النعيم واللذة فهو حديث طويل وجميل، فهي دار الخلد والبقاء، ودار اللذة التي لا تنتهي مسرَّاتها، وكل ما فيها يذهل العقل، ويسحر الفكر؛ لأن جمالها فوق كل جمال. 

والغرض المقصود من هذا الكتاب هو تحفيز الهمم وتحريك النفوس للتنافس والمسارعة إلى طلبها، وأعظم ما ينال به المرء الجنة هو توحيد الله عز وجل واتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأداء الفرائض والواجبات، والبُعد عن الكبائر والمعاصي، وملازمة الإخلاص والصدق والتوبة، ومن الأعمال التي تؤدي بالعبد إلى الجنة: اسباغ الوضوء، والصلاة فرضها ونفلها، والصيام فرضه ونفله، والقيام بالليل، والصبر على المعاصي.

وقد تنوعت أبواب الجنة بتنوع الأعمال، فهناك بابٌ للتوابين، وبابٌ للمتصدقين، وبابٌ للمجاهدين، وبابٌ للكاظمين الغيظ، وبابٌ للصائمين، وبابٌ لبر الوالدين، وغيرها من الأبواب، ولا شكَّ أن الناظر في هذا الكتاب تحصل له عزيمةٌ إيمانية كبيرة، ولذا أنصح به القراء، وأختم بما جاء في الحديث الصحيح: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر).


لتحميل الكتاب: انقر الرابط

https://islamland.com/uploads/books/ar_wsf_AlJinnt.pdf







الاثنين، 8 مارس 2021

تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي -تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)

تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي

تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)

تحقيق وتعليق: صبحي البدري السامرائي


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/  قد روى أكابر المحدثين أحاديثاً ثم نسوها، فإذا أُخبروا بها حصل منهم النفي أو الإنكار للتحديث بها، ولا غرابة في هذا النسيان، فإنَّه جِبلَّةٌ في الإنسان، وليس أحدٌ من الناس إلا وتخفى عليه بعض الأمور أو يذهل عنها لكثرة المشاغل والأعباء أو طول المُدَّة، وقد جمع بعض الحفاظ أجزاءً مُفردةً فيمن حدَّث ونسي، أقدمها كتاب الإمام أبي الحسن الدراقطني، ويليه الحافظ الخطيب البغدادي.

ومن ثمَّ ألَّف السيوطي هذا الكتاب "تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي" وهو تلخيصٌ لكتاب الخطيب البغدادي، فذكر فيه أن الراوي الثقة قد يروي حديثاً عن شيخة في وقتٍ ما، ثم يذهل الشيخ عن هذ الحديث وينساه؛ فإذا عُرض على الشيخ نسى أنه حدَّث به، أو ينفي علمه به.

وقد يُعبر الشيخ عن ذلك بقوله: لا أذكره، أو لا أعرفه، أو يُسأل فيُقال له: ألم تُحدث بكذا؟ فقال: لم أفعل. أو يُقال له: حدثتنا بكذا، فيقول: لم أُحدثكه، ويُعرف نسيان الشيخ لهذا الحديث بقرائن الأحوال، والرواة عنه، كأن يُحدث به عنه أكثر من راوٍ، أو من عُرف بملازمته وكثرة الرواية عنه، فعند ذلك يُتيقن أن الشيخ قد نسي.

أما حكم رواية الحديث الذي يجحده الشيخ؛ فهو ما قاله الحافظ ابن حجر في "النزهة": وإن روى عن شيخ حديثاً؛ فجحد الشيخ مرويه: 

أ- فإن كان جزماً: كأن يقول: كذبٌ عليَّ، أو: ما رويت هذا، أو نحو ذلك، فإن وقع منه ذلك رُدَّ ذلك الخبر لكذب واحدٍ منهما، لا بعينه، ولا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما؛ للتعارض.

ب- أو كان جحده احتمالاً، كأن يقول: ما أذكر هذا، أو لا أعرفه قُبِلَ ذلك الحديث في الأصح؛ لأن ذلك يحمل على نسيان الشيخ. وذلك أن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافيه، فالمثبت مقدم على النافي. 

وفيه، أي: في هذا النوع، صنف الدارقطني كتاب: "من حدث ونسي"، وفيه ما يدل على تقوية المذهب الصحيح؛ لكون كثير منهم حدثوا بأحاديث فلما عرضت عليهم لم يتذكروها، لكنهم؛ لاعتمادهم على الرواة عنهم، صاروا يروونها عن الذين رووها عنهم، عن أنفسهم.

ومثاله: حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً في قصة الشاهد واليمين، قال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثني به ربيعة بن أبي عبد -الرحمن عن سهيل، فلقيت سهيلاً فسألته عنه فلم يعرفه، فقلت: إن ربيعة حدثني عنك بكذا، فكان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي به. ونظائره كثيرة. انتهى كلام الحافظ.

ذكر نسيان الرواة: 

وذكر لذلك أمثلةً كثيرة، منها نسيان أبي هريرة كما في رواية أبي سلمة عنه/ ونسيان أيوب عن صخر بن قُدامة/ وقتادة عن كثير مولى ابن سمرة/ وعمرو بن دينار عن أبي معبد/ ومسعر عن عمرو بن دينار/ وعثمان بن الحكم الجذامي عن يحيى بن سعيد/ والحكم عن حمّاد/ وابن جريج عن الزُّهري/ ووكيع عن ابن جريج/ والأعمش عن حُصين/ وابن جريج عن عطاء/ ويحيى بن صُبيح عن عمرو بن دينار/ ومحمد بن جعفر عن شعبة/ ومحمد بن المنذر عن ابن عُيينة/ ومحمد بن خلاّد عن ابن عُيينة/ وعبد الوهاب الفراء عن ابن عُيينة/ رجاء الحافظ عن علي بن المديني/  

ذكر من نسي حديثاً حُفظ عنه فرواه هو عمّن سمعه منه:

أنس بن مالك الصحابي عن أبنائه/ سهيل بن أبي صالح عن ربيعة/ منصور بن المعتمر عن حُصين/ سعيد بن أبي عروبة عن بعض أصحابه/ مالك بن مغول عن رجلٍ عنه/ طلحة عن روحٍ أن طلحة حدَّثه/ عبد الله بن داود الخريبي عن الحسن بن صالح عنه/ عبد الله بن داود الخريبي عن الأعمش عنه/ جرير عن علي بن مجاهد عنه/ عمرو بن عثمان عن ابن عُيينة عن نفسه/ معتمر بن سليمان عن منقذ عنه/ سفيان عن وكيع عن نفسه/ ابن عُيينة عن ابن المبارك عنه/ ابن عُيينة عن أبي معاوية الضرير عنه/ عُبيد الله القواريري عن علي بن المديني عنه/ أبو حاتم الرازي عن أبي زرعة عنه/ إبراهيم السراح عن أخيه محمد عنه/ الضحاك عن مخلد عن يحيى عن الضحاك/ الواقدي عن المأمون عنه/ 










الأحد، 7 مارس 2021

تخصيص العموم بالعرف وأثره في الفروع الفقهية -د.ماھر حامد الحولي

تخصيص العموم بالعرف وأثره في الفروع الفقهية

د.ماھر حامد الحولي


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ من قواعد العام ودلالته أنه إذا ورد النص الشرعي بلفظٍ عام ولم يقم دليلٌ على تخصيصه، وجب حمله على عمومه، وإثبات الحكم لجميع أفراده قطعاً، فإن قام دليلٌ على تخصيصه (أي صرف العام عـن عمومـه، وإرادة بعض ما ينطوي تحته من الأفراد) وجب حمله على ما بقي من أفراده بعد التخصيص، ولا شكَّ أن معظم النصوص التشريعية العامة قد لحقها التخصيص، ولذلك قالوا: ما من عام إلا وقد خصص.

ويعتبر العُرف الصحيح هو أحد الأدلة الشرعية المعتبرة، والتي اتفق العلماء على وجوب مراعاته في التشريع والقضاء، طالما أنه لا يخالف الشرع، وهو بابٌ واسعٌ لنمو التشريع الإسلامي وتطوره، بحيث يواكب ملابسات العصر ومقتضيات الوقت، فيمد الفقهاء والمفتين بأحكام مناسبة لعصرهم.

وفي هذه الدراسة بيان تخصيص العموم بالعرف مع بيان أثر ذلـك علـى الفروع الفقهية في باب العبادات والمعاملات والجنايات في بعض صورها؛ ليظهـر أن التـشريع الإسلامي تشريع مستغن بذاته، يستطيع أن يتعاطى مع كل الظروف والأحوال، مع إظهار القيمـة التشريعية للعرف، باعتباره مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي


والعام في اللغة: هو الشمول والكثرة والاستيعاب. وفي الاصطلاح: هو اللفظ الذي يدلُّ بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد التي يصدق عيها من غير حصرٍ في كمية مُعينةٍ منها فردٌ أو أفراد. أو هو: لفظ ينتظم جميع ما يصلح له من الأفراد بوضع واحد

والعرف: هو ما تعارفه الناس وساروا عليه، من قولٍ أو فعلٍ أو ترك، وعرفه بعضهم، بأنه: ما استقر في النفس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول؛ فيخرج من التعريف ما حصل اتفاقاً وبطريق الندرة مما لم يعتده الناس، كما يخرج ما استقر لا من جهة العقول: كتعاطي المـسكرات وأنـواع الفجـور التـي استقرت من جهة الأهواء والشهوات، كما يخرج منه ما لم تتلقه الطباع السليمة بالقبول كونه حينئذٍ نكراً لا عرفاً.

والتخصيص هو: بيان أن ما أخرج من العام لم يكن مراداً، سواء أكان الإخراج بـدليل مـستقل مقـارن أم بدليل متصل.

شرح التعريف (هو بيان أن ما أخرج من العام) أي المُخصّص (لم يكن مراداً)  بمعنى لا يُعطى حكم العام الذي ورد فيه (سواء أكان الإخراج بدليلٍ مستقل) بحيث يأتي العام في نص، ويأتي المخصص في نص آخر، (مقارن) أي مقترن في الزمن من العام، بحيث لم يأت متراخياً، كي لا يعد نسخاً. (أم بدليلٍ متصلٍ) يقترن فيه المخصص بالدليل العام.

أقسام العرف من حيث متعلقه:

الأول: العرف القولي، ويكون ذلك في استعمال اللفظ في معنى معين ولم يكن ذلك لغة، بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذاك المعنى.

مثال ذلك: تعارف الناس على أن لفظ اللحم يقصد به لحم الحيوان أو الطير دون السمك مع العلم أنه فـي اللغة يشمله، ومن أمثلته إطلاق لفظ الدابة للحمار، والغائط للنجو، واستعمال لفظ الـدراهم بمعنـى النقـود الرائجة في البلد، وغير ذلك مما جرت العادة بأنه يستعمل في غير مسماه.

الثاني: العرف العملي، وهو اعتياد الناس على شـيء مـن الأفعـال العاديـة أو المعاملات المدنية، ومثال ذلك: البيع بالمعاطاة، واعتياد الناس تعطيل بعض أيام الأسبوع عن العمل، وكذا اعتيادهم في بعض الأماكن أكل نوع خاص من اللحوم: كالضأن والمعز والبقـر، واعتياد حمل البائع البضاعة إلى بيت المشتري، وتعارفهم في الأنكحة تعجيل جانب معين من مهور النساء ثم تأجيل الباقـي إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق.

أقسام العرف من حيث العموم والخصوص:

أولاً: العرف العام: وهو الذي يكون فاشياً في جميع البلاد بين عامة النـاس: كالاستـصناع وتأجيـل جانـب مـن المهر.

ثانياً: العرف الخاص: وهو الذي يكون مخصوصا ببلد أو مكان دون أخر أو فئة من الناس دون أخـرى، مثل تعارف التجار على دفاتر الديون في إثبات الدين، وتعارف بعض البلدان على إطلاق الدابة على الحمار.

تخصيص العموم بالعرف:

اتفق الأصوليون على أن العرف القولي مخصص للعام، ونقل الاتفاق علبه: ابن أمير حاج الحنفي، والقرافي المالكي، وابن رجب الحنبلي، والإسنوي الشافعي ونسبه إلى الغزالي والآمدي.

واتفقوا على أن العرف الطارئ لا يصلح مخصصاً للعام سواء أكان عرفاً قوليـاً أم عرفـاً عملياً؛ لأن العرف الطارئ هو حادث بعد أن حُدد مفهوم النص التشريعي ومراد الـشارع منـه، وأصبح نافذاً منذ صدوره عن الشارع.

واختلف الأصوليون في تخصيص العام بالعرف العملي المقارن عند ورود النص الشرعي العام، وذلك على قولين:

القول الأول: أن العرف العملي يخصص العام، وهذا قول الحنفية وجمهور المالكية كالبـاجي، والقرطبي، وابن رجب الحنبلي. واستدلوا لذلك، بأمور منها:

أ- قياس العرف العملي على العرف القولي في إيجاب التخصيص.

وأجاب المانعون: أن هذا قياسٌ في اللغة، والقياس في اللغة باطل، كذلك فهو قياسٌ مع الفارق؛ إذ أن العُرف القولي يُصيّر اللفظ حقيقةً في العرف، بخلاف العملي الذي لا يخرج اللفظ عن معناه اللغوي.

وردَّ الحنفيَّة ومن وافقهم، بأن: الفارق بين العرف القولي والعملي ملغى؛ لأن منـاط التخصيص فيهما واحد وهو التبادر إلى الذهن.

ب- واستدلوا باتفاق العلماء على أن العرف العملي يقيد المطلق؛ فيقاس عليه تخـصيص العمـوم بـالعرف العملي؛ لاتحاد الموجب وهو "تبادر ما جرى عليه العرف من اللفظ" دون غيره.

وأجاب الجمهور: بأن قياس العام على المطلق قياس في اللغة، والقياس في اللغة لا يصح .

وردَّ الحنفية بأن ذلك ليس من قبيل القياس في اللغة وإنما دليلـه قاعـدة الاستقراء التي دلت على أن العام مثل المطلق من جهة التبادر إلـى الـذهن فـي العـرف العملي.

ج-واستدلوا بأن: كثيراً من الأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة كالشافعيّ وأحمد قد خصصوا عمومات الشرع بعادات المكلفين الفعلية، فخصصوا عموم لفظ النبي صلى االله عليه وسلم، بما جرت العادة فعله في تلك الأزمان، وفي هذا مخالفةٌ لأصل مذهبهم القائل: بالمنع من تخصيص العموم بالعرف العملي.

القول الثاني: أن العرف العملي لا يخصص العام، وهو قول جمهور الأصوليين من الشافعية والحنابلة وبعض المالكية كالقرافي. واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

أ- أن الصيغ المستعملة في النصوص وإن صاحبها عرف عملـي صـيغة عامـة بحـسب اللغـة ولا مخصص لها، فتبقى على عمومها.

وأجاب الحنفيَّة: بأن دعوى انتفاء المخصص غير مسلم بها، بل المخصص موجود وهى العادة الفعلية مخصصة للصيغة كما أن العادة القولية مخصصة باتفاق العلماء.

ب-وأن العادة الفعلية ليست بحجة؛ لأن الناس يعتادون الحسن كما يعتادون القبـيح، وإنمـا الحجة في النصوص ولو كانت عامة.

وردَّ الحنفية ومن وافقهم، بأن: الكـلام هنا إنمـا هو عن العرف العملي الذي لا يصطدم مع النص، كذلك فإن التخصيص بالأعراف العملية لا يُلغي عموم النص، وإنما يفـسرها بحسب ما جرى عليه عمل الناس. 

ج-أن الشريعة جاءت بتغيير العوائد، فلا يعقل أن يكون ما ورد في الشريعة قاضية عليه، فيصير العرف العملي قاضياً عليها، ولو خصص العموم بالعوائد لما عمل بالعموم قط؛ لأن العادات تتجـدد دائماً.

وردَّ الحنفية ومن وافقهم، بأنه: لا شكَّ أن الشريعة هي التي تحكم على الأعراف، ولكن قد ثبت مراعاة الشارع وإقراره للكثير من الأعراف والعوائد.

الترجيح بين القولين:

من خلال عرض القولين وأدلتهما تبين أن رأي الحنفية ومن وافقهـم القـائلون بجواز تخصيص العام بالعرف العملي هو الصواب والله أعلم.

أثر تخصيص العموم بالعرف في الفروع الفقهية

أولاً: في العبادات، ومثاله استعمال التقويم في تحديد أوقات الصلاة بدلاً من ملاحظة حركة الشمس الظاهريـة، فصار التقويم السنوي هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة بناءً على حسابات فلكية دقيقة، ونحن في هذا الزمن الحاضـر أشـد حاجة له مما مضى؛ لصعوبة الاعتماد على حركة الشمس في هـذا الزمان؛ لوجود ما يعيق الرؤية في بعض الأوقات.

ثانياً: في المعاملات، ومثاله استعمال العرف في عقد الاستصناع، وقد اختلف الفقهاء في تكييف عقد الاستصناع؛ فأدخلـه الجمهور ضمن عقد السَّلَم (عقد موصوفٍ في الذمة بثمنٍ معجّل) وأن أدلته أدلة السَّلم واشترطوا له مدة معلومة؛ وأما الأحناف فعدوه عقداً مستقلاً على سبيل الاستحسان ولا يشترط فيه مُدة مُعيَّنة؛ وقد ورد النص بنهي الانسان عـن بيـع مـا لـيس عنـده؛ فيكون الاستصناع عندهم من باب تخـصيص العام بالعرف لعموم حاجة الناس إليه، وإجماع الناس العملي عليه، واستحسانهم له.

ومثاله أيضاً: إجازة الحنفية للشروط التي يجري بها العرف، وهذا يُعد تخصيصاً لعموم نهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن بيعٍ وشرط، كشراء القفل على أن يثبتـه البـائع فـي الباب أو الحذاء على أن يضع له نعلاً.

ثالثاً: في الجنايات، ومثاله الحرز في السرقة، فإنه لم يرد في الشرع للحرز حقيقة اصطلاحية، وكذلك الأمر في اللغة، بل ترك ذلك لما يتعارف الناس عليه بما يعرفون ويألفون، وذلـك يعني: أن مفهوم الحرز قابل للتبدل بحسب اختلاف الأعراف: زماناً ومكاناً. وقد نص الفقهاء على أن كل اسم ليس له حد فـي اللغـة ولا الـشرع؛ فـالمرجع فيـه إلـى العرف.






.




الجمعة، 5 مارس 2021

إزالة الخطر عن الجمع بين الصلاتين في الحضر -تأليف: أحمد بن محمد بن الصديق الغماري

إزالة الخطر عن الجمع بين الصلاتين في الحضر

تأليف: أحمد بن محمد بن الصديق الغماري


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ أجمع العلماء: على أن لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتاً محدداً، لا يجوز إخراجها عنه، لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً} (النساء: 103) أي: محتمة مؤقتة: ولأحاديث المواقيت المشهورة، عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وأراد الغماري من خلال هذا الكتاب بيان أن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في السفر والحضر للحاجة من غير مرض ولا مطر سُنّةٌ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبغي العمل بها وإحياؤها، وهو بذلك ينعى على المُقلدين الذين يقلدون شيوخهم، ويتدينون بآراء أئمتهم، ومن الملاحظ أن الغماري قد سُبق إلى التأليف في هذا الموضوع، وجُلُّ كلامه منقولٌ من كتاب (تشنيف السمع بأخبار القصر والجمع) 

وزعم الغماري أنه لا حد للمسافة التي تُقصر فيها الصلاة، وأن المرجع في ذلك إلى العرف فما سماه العرف سفراً صار سفرا وإلا فلا يسمى سفراً، والصحيح أن المسافة التي يقصر ويجمع فيها ما تجاوز ثمانين كيلو متر، وأن ذكر التابعين للقصر في أقل من ذلك لا ينفي أنهم قصدوا هذه المسافة.

وذكر الغماريّ أن وقت الجمع بالنسبة للمسافر سواءٌ كان نازلاً أو سائراً، واحتج لذلك بما رواه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء"، والحاصل أن هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم. 

والصحيح فيها أن يقال: إن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب؛ فإن جمع وهو نازلٌ فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.

وذكر -أيضاً -حكم جمع صلاة الجمعة مع العصر بالنسبة للمسافر، والصحيح أنه لا يجوز جمع صلاة الجمعة مع العصر؛ فمتى نواها جمعة ثم صلى العصر بعدها فإنه لا يصح، بل عليه أن يعيد الصلاة بنية الظهر ثم يصلي العصر.

وذكر أنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر للحاجة والعذر، وبه قال جماهير الفقهاء، وهذا أمرٌ واضح.

وكان ينبغي للغماري في أول هذا الكتاب أن يركز على القضية الجوهرية لهذا الموضوع، وأن ينأى بنفسه عن مناقشة بعض التفاصيل التي تحتمل الأخذ والرد، وتؤدي إلى الانجرار إلى جزئيات وخلافات لا طائل من ورائها كما كان ذلك في "المقدمة"، كذلك الخوض في بعض القضايا والردود التي لا علاقة لها بهذه المسألة، والتي جعلت من الكتاب مادةً ضخمة وطويلة، وحشواً كثيراً.

وجملة ما في هذا الكتاب من الموضوعات:

أولاً: فصلٌ في بيان جواز الجمع في السفر عند المالكية، وجلب نصوصهم في ذلك: وقد بيّن فيه جواز قصر الصلاة في السفر القصير ولو من غير جدٍّ في السير، ولو لم يكن المسافر راكباً، ولو كان السفر دون مسافة القصر، وأن الكراهة في ذلك لا تُنافي الجواز، ونقل ذلك عن كتب المذهب (ص 4 -9).

ثانياً: فصلٌ في جواز الجمع في الحضر عند المالكية، وهو قولٌ في المذهب، حكاه جمهور المصنفين عن أشهب، وعبد الملك بن حبيب، وعمل به بعض شيوخ ابن عرفة، واعتمده آخرون، وأن ذلك يؤيد القول بعدم بطلان من جمع في الحضر لغير عذر (ص 10 -13).

ثالثاً: فصلٌ في ثبوت الجمع في السفر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طرق وذكرها بأسانيدها، وقد ورد ذلك من حديث: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وأ،س، وجابر، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي جحيفة، وأبي هريرة، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن يزيد، وأبي سعيد الخدري، وعلي، وعائشة، وعلي بن الحسين مرسلاً، وآخرين من الصحابة موقوفاً (ص 14 -18).

رابعاً: فصلٌ في تقييد طائفةٍ من العلماء جواز الجمع في السفر بجد السير، وردِّ هذا التقييد ، وهذا التقييد ورد عن مالك، وأشهب، وابن الماجشون، وابن حبيب، وأصبغ، والليث بن سعد، ورواية عن أحمد، وهو مرويٌ عن سالم بن عبد الله بن عمر، وهو مرودٌ بحديث معاذ أن النبيِّ جمع عند نزوله بتبوك؛ فكان ذلك عند نزوله لا في السير وهو قول الشافعي وغيره، وبه صرح ابن عبد البر (ص 19).

خامساً: فصلٌ في تجويز طائفة من العلماء جمع التأخير دون التقديم، وردِّ كلامهم، وهذا القول منسوبٌ إلى مالك كما حكاه ابن بطال، ورواية الأثرم عن أحمد كما ذكره ابن قدامة، وروي نحو ذلك عن سعد، وابن عمر، وعكرمة، واحتج هؤلاء ببعض الروايات التي ليس فيها جمع التقديم، وإنما فيها جمع التأخير (ص 20 -23).

سادساً: فصلٌ في رد كلام ابن حزم ومناقشته بإسهاب، حيث أنكر ابن حزم أن يكون الجمع بين الصلوات حقيقياً وإنما هو جمعٌ صوري، وأجاب عليه الغماري بأنه قد ورد عدة أحاديث في الجمع الحقيقي من رواية علي، وابن عباس، وقد أطال النفس في سردها وذكر من خرّجها من العلماء (ص 24 - 34). 

سابعاً: فصلٌ في تعنُّت ابن حزم ومجازفته، وقد ردَّ عليه الغماري تبعاً للسابقين من العلماء  وذلك من أربعة أوجه (ص 34 -35).

ثامناً: وفيه ثلاث فصول، الأول: في جمع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك جمعاً حقيقياً، والثاني: في رد كلام ابن حزم في أبي الطفيل الصحابي، الذي زعم أنه صاحب راية المختار، وأنه كان يقول بالرجعة، والثالث في رد من علَّلَ حديث الجمع بتبوك، وبيان بطلان ما علل به، والرابع: الرد على الحاكم الذي زعم أن أصحاب قتيبة كتبوا هذا الحديث عنه تعجباً (ص 36 -42).

تاسعاً: فصلٌ في ذكر بعض الأحاديث في جمع التقديم، ومنها: حديث عائشة، وابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب (ص 42 -44).

عاشراً: فصلٌ في بيان السفر الذي يجوز الجمع تقديماً وتأخيراً، وأنه ما يُسمى سفراً شرعياً، وأن الجمع جائزٌ في أول الوقت ووسطه وآخره، واختار الغماري أن السفر الذي تُقصر فيه الصلاة هو مُطلق ما يُسمى سفراً في عرف اللغة، ولا يُقيد بكونه أربعة بُرد (كما ذهب إليه الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد)، ولا يوماً وليلة، ولا أقل من ذلك ولا أكثر، وأجاب عمَّا ورد من تحديد أقل مسافة القصر عن ابن عمر وابن عباس بأربعة برد، وصحَّ عنهما (أنهما كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) وقال النووي في "المنهاج": وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، مِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ بَلْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وقد ردَّ ذلك الغماري من وجوه ثلاثة، أولها بطلان ما ورد عنهما (ص 45 -48).

حادي عشر: فصلٌ في ذكر أقوال مختلفة عن ابن عمر في تحديد مسافة القصر، وفيه: أربعة بُرد، وفي رواية عنه: أنه لا يجوز القصر في أقل من ستةٍ وتسعين ميلاً، وفي ثالثة عنه: أنه يجوز في اثنين وسبعين ميلاً، وفي رواية عنه: أنه يجوز في ثلاثين ميلاً، وفي رواية: في ثمانية عشر ميلاً، وفي رواية: أنه يقصر في مسيرة اليوم التام، وفي رواية: لا يقصر في البريد، ويُفهم منه أنه يقصر فيما زاد،  وفي قول ثامن، عنه: فيما بين مكة ومنى إلى عرفة، وفي قولٍ تاسع: في مسيرة ثلاثة أميال، وفي قولٍ عاشر: في مسيرة ميلٍ واحد، وفي قولٍ عاشر عنه: في مسيرة ميلٍ واحد، وفي قولٍ آخر عنه: في مسيرة ساعة (ص 49 -50).

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن التفريق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله عز وجل، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الأحكام التي علقها الله بالسفر، علقها به مطلقاً، وقد ساق من النصوص الشرعية ما يؤيد به ما ذهب إليه، ثم قال: "فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقا لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم (الفتاوى: 24 /35).

ثاني عشر: فصلٌ في ذكر أقوال مختلفة عن ابن عباس في تحديد مسافة القصر، وفيه عنه: أربعة بُرد، وفي قول: لا يقصر في يوم ويقصر فيما زاد عليه، وفي ثالث: في يوم تام، وفي رابع: في اثنين وثلاثين ميلاً (51).

ثالث عشر: فصلٌ في مخالفة غيرهما من الصحابة لهما في تحديد مسافة القصر؛ فعن حذيفة: نيفٌ وستون ميلاً، وعن شرحبيل بن السمط: سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلاً، وعن عمر ثلاثة أميال، وعن ابن مسعود: أربعة فراسخ، وعن أنس: خمسة فراسخ، وذكر الغماري سبعة وجوه في ترجيح عُرف الصحابة على اختيار الأئمة الثلاثة. كذلك ذكر اختلاف التابعين في تحديد مسافة القصر ما يربو على العشرة أقوال؛ فعن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وسويد بن غفلة، وبه أخذ الثوري وأبو حنيفة أنه: مسيرة ثلاثة أميال، وهو نحو نيف وستين ميلاً. وعن الحسن وقتادة أنه مسيرة ليلتين، وعن الزهري في مسيرة يومين، وعن شقيق في أزيد من مائة وخمسين ميلاً، وعن الحسن بن حي لا يقص في أقل من اثنين وثمانين ميلاً، وعن عكرمة والأوزاعي في يومٍ تام، وعن كلثوم بن هانئ، وعبد الله بن محيريز، وقبيصة بن ذؤيب في بضعة عشر ميلاً، وعن سعيد بن المسيب في بريدٍ واحد، وعن أبي الشعثاء في ستة أميال، وعن الشعبي في ميلين (ص 51 -55).

رابع عشر: فصلٌ في أن الروايات عن مالك والشافعي لم تتفق بتحديد أربعة برد: بل روي عن مالك خمس وأربعون، واثنان وأربعون ، وأربعون، وست وثلاثون ميلاً، رواه عنه إسماعيل بن أبي أويس، وهي ثلاثة بُرد، ورُوي عن الشافعي ستة وأربعون، ونصل على ذلك في موضع من كتابه، في موضع آخر أكثر من أربعين، وهذا الذي اختاراه إنما كان بمجرد الرأي والاستحسان، كذلك فالعلماء مختلفون في تحديد قدر الميل، والفرسخ اختلافاً كبيراً (ص 56 -58).

خامس عشر: فصلٌ في إبطال تحديد مسافة القصر بيوم وليلة، وبين فساد استدلالهم من وجهين، وذكر الروايات التي تؤيد ذلك (ص 59 -62).

سادس عشر: فصل في المسافة التي يكون فيها القصر، وثبوت الجمع في الحضر من غير مرض ولا مطر،وذكر الأحاديث الدالة على ذلك، وهي ثابتةٌ من حديث: علي، وجابر، وأبي هريرة، وابن مسعود،وابن عباس، وابن عمر، وذكر تعنت ابن حبان وضعف مدركه في التصحيح!! (63 -69).

سابع عشر: فصلٌ في أن من جمع في الحضر لحاجةٍ دعته إلى ذلك فقد امتثل أمر الله باتباع رسوله، وأن قوماً ردُّوا هذه السنة الثابتة، وتحملوا في ذلك بعدة أقوالٍ واهية، ومنها أنها معارضةٌ لأحاديث التوقيت، وردُّ زعم أن الجمع في الحضر ناسخٌ لأحاديث المواقيت، وردِّ تأويل من زعم أن أحاديث التوقيت تعارضه من ثلاث وجوه، وردُّ قول من عارضه بحديث "من جمع بين صلاتين فقد أتى باباً من أبواب الكبائر" من أربعة وجوه، أولها: أن فيه حنش بن قيس الرَّحبيّ الملقب أبو علي، وهو ضعيفٌ، ضعف أحمد وغيره. وردُّ الغماري قول من عارض جوازه بالإجماع، وردُّ قول من زعم أنه جمع لبيان اشتراك الوقت، ورد قول من زعم أنه خاصٌّ بالمسجد النبوي، وردُّ قول من زعم أنه كان في غيمٍ ثم انكشف، ورد قول من زعم أنه كان للمطر،  (ص 70 -88).

ثامن عشر: فصلٌ في مناقشة كلام البيهقي في قوله إن حديث ابن عباس ورد من طريق سعيد بن جبير وهو مختلف في متنه، ورواية غيره محفوظة، وردِّ كلامه من خمس وجوه، وردُّ كلام من زعم أن الجمع كان للمرض من خمس وجوه أيضاً، ورد كلام من زعم أنه لعذر (ص 89 -96).

تاسع عشر: فصلٌ في ردِّ تأويل من حمله على الجمع الصوري، وبيان بطلانه من عشرين وجهاً، وردُّ كلام من أيد الجمع الصوري بأنه تفسير الراوي من ثلاث وجوه، ورد كلام الحافظ في تأييد الجمع الصوري، ورد تأييد الشوكاني للجمع الصوري وإبطال كلامه بتوسع كبير، وأن نفس الراوي لما رواه لا يبطل روايته لجواز النسيان عليه، وفي تناقض الشوكاني (ص 97 -118).

العشرون: فصلٌ في بيان أن الجمع في الحضر لحاجةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الأحاديث المؤيدة للجمع في الحضر، وبعض الأحاديث الحاضة على اتباع الرخص (ص 119 -121).

  • خلاصة أقوال الغماري في هذا البحث:

أولاً: أن تحديد أقل مسافة للقصر لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة، وبناءً عليه يبطل كل تحديد لذلك.

ثانياً: أن الله تعالى ذكر السفر في كتابه مُطلقاً ولم يُقيده بمسافة، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد ذلك، فوجب الرجوع فيه إلى العُرف واللغة التي خاطبنا الله بها، وقد أطلق أهل اللغة السفر على المسافة من ميلٍ فصاعداً.

ثالثاً: أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم -سمى البريد الواحد سفراً، كما في الحديث الصحيح، 

رابعاً: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في أقل من أربعة بُرُد، بل وفيما دون البريد الواحد كما ثبت ذلك عنه من حديث أنس عند مسلم، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة -صلى ركعتين)، وأبي سعيد الخدري عند سعيد بن منصور في سننه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة)، ودحية الكلبي عند أبي داود، قال: (أنه سار ثلاثة أميالٍ في رمضان فأفطر)، وعلي بن أبي طالب عند ابن أبي شيبة في "مصنفه": (أن علي أخرج بهم إلى النخيلة فصلى الظهر ركعتين)، وعمر بن الخطاب عند مسلم: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في ذي الحليفة)، وعبد الله بن عمر، وردَّ على من قال إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في هذه المسافة لأن سفره طويل (ص 63 -66).