إزالة الخطر عن الجمع بين الصلاتين في الحضر
تأليف: أحمد بن محمد بن الصديق الغماري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ أجمع العلماء: على أن لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتاً محدداً، لا يجوز إخراجها عنه، لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً} (النساء: 103) أي: محتمة مؤقتة: ولأحاديث المواقيت المشهورة، عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وأراد الغماري من خلال هذا الكتاب بيان أن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في السفر والحضر للحاجة من غير مرض ولا مطر سُنّةٌ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبغي العمل بها وإحياؤها، وهو بذلك ينعى على المُقلدين الذين يقلدون شيوخهم، ويتدينون بآراء أئمتهم، ومن الملاحظ أن الغماري قد سُبق إلى التأليف في هذا الموضوع، وجُلُّ كلامه منقولٌ من كتاب (تشنيف السمع بأخبار القصر والجمع)
وزعم الغماري أنه لا حد للمسافة التي تُقصر فيها الصلاة، وأن المرجع في ذلك إلى العرف فما سماه العرف سفراً صار سفرا وإلا فلا يسمى سفراً، والصحيح أن المسافة التي يقصر ويجمع فيها ما تجاوز ثمانين كيلو متر، وأن ذكر التابعين للقصر في أقل من ذلك لا ينفي أنهم قصدوا هذه المسافة.
وذكر الغماريّ أن وقت الجمع بالنسبة للمسافر سواءٌ كان نازلاً أو سائراً، واحتج لذلك بما رواه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء"، والحاصل أن هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
والصحيح فيها أن يقال: إن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب؛ فإن جمع وهو نازلٌ فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.
وذكر -أيضاً -حكم جمع صلاة الجمعة مع العصر بالنسبة للمسافر، والصحيح أنه لا يجوز جمع صلاة الجمعة مع العصر؛ فمتى نواها جمعة ثم صلى العصر بعدها فإنه لا يصح، بل عليه أن يعيد الصلاة بنية الظهر ثم يصلي العصر.
وذكر أنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر للحاجة والعذر، وبه قال جماهير الفقهاء، وهذا أمرٌ واضح.
وكان ينبغي للغماري في أول هذا الكتاب أن يركز على القضية الجوهرية لهذا الموضوع، وأن ينأى بنفسه عن مناقشة بعض التفاصيل التي تحتمل الأخذ والرد، وتؤدي إلى الانجرار إلى جزئيات وخلافات لا طائل من ورائها كما كان ذلك في "المقدمة"، كذلك الخوض في بعض القضايا والردود التي لا علاقة لها بهذه المسألة، والتي جعلت من الكتاب مادةً ضخمة وطويلة، وحشواً كثيراً.
وجملة ما في هذا الكتاب من الموضوعات:
أولاً: فصلٌ في بيان جواز الجمع في السفر عند المالكية، وجلب نصوصهم في ذلك: وقد بيّن فيه جواز قصر الصلاة في السفر القصير ولو من غير جدٍّ في السير، ولو لم يكن المسافر راكباً، ولو كان السفر دون مسافة القصر، وأن الكراهة في ذلك لا تُنافي الجواز، ونقل ذلك عن كتب المذهب (ص 4 -9).
ثانياً: فصلٌ في جواز الجمع في الحضر عند المالكية، وهو قولٌ في المذهب، حكاه جمهور المصنفين عن أشهب، وعبد الملك بن حبيب، وعمل به بعض شيوخ ابن عرفة، واعتمده آخرون، وأن ذلك يؤيد القول بعدم بطلان من جمع في الحضر لغير عذر (ص 10 -13).
ثالثاً: فصلٌ في ثبوت الجمع في السفر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طرق وذكرها بأسانيدها، وقد ورد ذلك من حديث: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وأ،س، وجابر، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي جحيفة، وأبي هريرة، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن يزيد، وأبي سعيد الخدري، وعلي، وعائشة، وعلي بن الحسين مرسلاً، وآخرين من الصحابة موقوفاً (ص 14 -18).
رابعاً: فصلٌ في تقييد طائفةٍ من العلماء جواز الجمع في السفر بجد السير، وردِّ هذا التقييد ، وهذا التقييد ورد عن مالك، وأشهب، وابن الماجشون، وابن حبيب، وأصبغ، والليث بن سعد، ورواية عن أحمد، وهو مرويٌ عن سالم بن عبد الله بن عمر، وهو مرودٌ بحديث معاذ أن النبيِّ جمع عند نزوله بتبوك؛ فكان ذلك عند نزوله لا في السير وهو قول الشافعي وغيره، وبه صرح ابن عبد البر (ص 19).
خامساً: فصلٌ في تجويز طائفة من العلماء جمع التأخير دون التقديم، وردِّ كلامهم، وهذا القول منسوبٌ إلى مالك كما حكاه ابن بطال، ورواية الأثرم عن أحمد كما ذكره ابن قدامة، وروي نحو ذلك عن سعد، وابن عمر، وعكرمة، واحتج هؤلاء ببعض الروايات التي ليس فيها جمع التقديم، وإنما فيها جمع التأخير (ص 20 -23).
سادساً: فصلٌ في رد كلام ابن حزم ومناقشته بإسهاب، حيث أنكر ابن حزم أن يكون الجمع بين الصلوات حقيقياً وإنما هو جمعٌ صوري، وأجاب عليه الغماري بأنه قد ورد عدة أحاديث في الجمع الحقيقي من رواية علي، وابن عباس، وقد أطال النفس في سردها وذكر من خرّجها من العلماء (ص 24 - 34).
سابعاً: فصلٌ في تعنُّت ابن حزم ومجازفته، وقد ردَّ عليه الغماري تبعاً للسابقين من العلماء وذلك من أربعة أوجه (ص 34 -35).
ثامناً: وفيه ثلاث فصول، الأول: في جمع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك جمعاً حقيقياً، والثاني: في رد كلام ابن حزم في أبي الطفيل الصحابي، الذي زعم أنه صاحب راية المختار، وأنه كان يقول بالرجعة، والثالث في رد من علَّلَ حديث الجمع بتبوك، وبيان بطلان ما علل به، والرابع: الرد على الحاكم الذي زعم أن أصحاب قتيبة كتبوا هذا الحديث عنه تعجباً (ص 36 -42).
تاسعاً: فصلٌ في ذكر بعض الأحاديث في جمع التقديم، ومنها: حديث عائشة، وابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب (ص 42 -44).
عاشراً: فصلٌ في بيان السفر الذي يجوز الجمع تقديماً وتأخيراً، وأنه ما يُسمى سفراً شرعياً، وأن الجمع جائزٌ في أول الوقت ووسطه وآخره، واختار الغماري أن السفر الذي تُقصر فيه الصلاة هو مُطلق ما يُسمى سفراً في عرف اللغة، ولا يُقيد بكونه أربعة بُرد (كما ذهب إليه الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد)، ولا يوماً وليلة، ولا أقل من ذلك ولا أكثر، وأجاب عمَّا ورد من تحديد أقل مسافة القصر عن ابن عمر وابن عباس بأربعة برد، وصحَّ عنهما (أنهما كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) وقال النووي في "المنهاج": وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، مِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ بَلْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وقد ردَّ ذلك الغماري من وجوه ثلاثة، أولها بطلان ما ورد عنهما (ص 45 -48).
حادي عشر: فصلٌ في ذكر أقوال مختلفة عن ابن عمر في تحديد مسافة القصر، وفيه: أربعة بُرد، وفي رواية عنه: أنه لا يجوز القصر في أقل من ستةٍ وتسعين ميلاً، وفي ثالثة عنه: أنه يجوز في اثنين وسبعين ميلاً، وفي رواية عنه: أنه يجوز في ثلاثين ميلاً، وفي رواية: في ثمانية عشر ميلاً، وفي رواية: أنه يقصر في مسيرة اليوم التام، وفي رواية: لا يقصر في البريد، ويُفهم منه أنه يقصر فيما زاد، وفي قول ثامن، عنه: فيما بين مكة ومنى إلى عرفة، وفي قولٍ تاسع: في مسيرة ثلاثة أميال، وفي قولٍ عاشر: في مسيرة ميلٍ واحد، وفي قولٍ عاشر عنه: في مسيرة ميلٍ واحد، وفي قولٍ آخر عنه: في مسيرة ساعة (ص 49 -50).
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن التفريق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله عز وجل، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الأحكام التي علقها الله بالسفر، علقها به مطلقاً، وقد ساق من النصوص الشرعية ما يؤيد به ما ذهب إليه، ثم قال: "فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقا لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم (الفتاوى: 24 /35).
ثاني عشر: فصلٌ في ذكر أقوال مختلفة عن ابن عباس في تحديد مسافة القصر، وفيه عنه: أربعة بُرد، وفي قول: لا يقصر في يوم ويقصر فيما زاد عليه، وفي ثالث: في يوم تام، وفي رابع: في اثنين وثلاثين ميلاً (51).
ثالث عشر: فصلٌ في مخالفة غيرهما من الصحابة لهما في تحديد مسافة القصر؛ فعن حذيفة: نيفٌ وستون ميلاً، وعن شرحبيل بن السمط: سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلاً، وعن عمر ثلاثة أميال، وعن ابن مسعود: أربعة فراسخ، وعن أنس: خمسة فراسخ، وذكر الغماري سبعة وجوه في ترجيح عُرف الصحابة على اختيار الأئمة الثلاثة. كذلك ذكر اختلاف التابعين في تحديد مسافة القصر ما يربو على العشرة أقوال؛ فعن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وسويد بن غفلة، وبه أخذ الثوري وأبو حنيفة أنه: مسيرة ثلاثة أميال، وهو نحو نيف وستين ميلاً. وعن الحسن وقتادة أنه مسيرة ليلتين، وعن الزهري في مسيرة يومين، وعن شقيق في أزيد من مائة وخمسين ميلاً، وعن الحسن بن حي لا يقص في أقل من اثنين وثمانين ميلاً، وعن عكرمة والأوزاعي في يومٍ تام، وعن كلثوم بن هانئ، وعبد الله بن محيريز، وقبيصة بن ذؤيب في بضعة عشر ميلاً، وعن سعيد بن المسيب في بريدٍ واحد، وعن أبي الشعثاء في ستة أميال، وعن الشعبي في ميلين (ص 51 -55).
رابع عشر: فصلٌ في أن الروايات عن مالك والشافعي لم تتفق بتحديد أربعة برد: بل روي عن مالك خمس وأربعون، واثنان وأربعون ، وأربعون، وست وثلاثون ميلاً، رواه عنه إسماعيل بن أبي أويس، وهي ثلاثة بُرد، ورُوي عن الشافعي ستة وأربعون، ونصل على ذلك في موضع من كتابه، في موضع آخر أكثر من أربعين، وهذا الذي اختاراه إنما كان بمجرد الرأي والاستحسان، كذلك فالعلماء مختلفون في تحديد قدر الميل، والفرسخ اختلافاً كبيراً (ص 56 -58).
خامس عشر: فصلٌ في إبطال تحديد مسافة القصر بيوم وليلة، وبين فساد استدلالهم من وجهين، وذكر الروايات التي تؤيد ذلك (ص 59 -62).
سادس عشر: فصل في المسافة التي يكون فيها القصر، وثبوت الجمع في الحضر من غير مرض ولا مطر،وذكر الأحاديث الدالة على ذلك، وهي ثابتةٌ من حديث: علي، وجابر، وأبي هريرة، وابن مسعود،وابن عباس، وابن عمر، وذكر تعنت ابن حبان وضعف مدركه في التصحيح!! (63 -69).
سابع عشر: فصلٌ في أن من جمع في الحضر لحاجةٍ دعته إلى ذلك فقد امتثل أمر الله باتباع رسوله، وأن قوماً ردُّوا هذه السنة الثابتة، وتحملوا في ذلك بعدة أقوالٍ واهية، ومنها أنها معارضةٌ لأحاديث التوقيت، وردُّ زعم أن الجمع في الحضر ناسخٌ لأحاديث المواقيت، وردِّ تأويل من زعم أن أحاديث التوقيت تعارضه من ثلاث وجوه، وردُّ قول من عارضه بحديث "من جمع بين صلاتين فقد أتى باباً من أبواب الكبائر" من أربعة وجوه، أولها: أن فيه حنش بن قيس الرَّحبيّ الملقب أبو علي، وهو ضعيفٌ، ضعف أحمد وغيره. وردُّ الغماري قول من عارض جوازه بالإجماع، وردُّ قول من زعم أنه جمع لبيان اشتراك الوقت، ورد قول من زعم أنه خاصٌّ بالمسجد النبوي، وردُّ قول من زعم أنه كان في غيمٍ ثم انكشف، ورد قول من زعم أنه كان للمطر، (ص 70 -88).
ثامن عشر: فصلٌ في مناقشة كلام البيهقي في قوله إن حديث ابن عباس ورد من طريق سعيد بن جبير وهو مختلف في متنه، ورواية غيره محفوظة، وردِّ كلامه من خمس وجوه، وردُّ كلام من زعم أن الجمع كان للمرض من خمس وجوه أيضاً، ورد كلام من زعم أنه لعذر (ص 89 -96).
تاسع عشر: فصلٌ في ردِّ تأويل من حمله على الجمع الصوري، وبيان بطلانه من عشرين وجهاً، وردُّ كلام من أيد الجمع الصوري بأنه تفسير الراوي من ثلاث وجوه، ورد كلام الحافظ في تأييد الجمع الصوري، ورد تأييد الشوكاني للجمع الصوري وإبطال كلامه بتوسع كبير، وأن نفس الراوي لما رواه لا يبطل روايته لجواز النسيان عليه، وفي تناقض الشوكاني (ص 97 -118).
العشرون: فصلٌ في بيان أن الجمع في الحضر لحاجةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الأحاديث المؤيدة للجمع في الحضر، وبعض الأحاديث الحاضة على اتباع الرخص (ص 119 -121).
أولاً: أن تحديد أقل مسافة للقصر لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة، وبناءً عليه يبطل كل تحديد لذلك.
ثانياً: أن الله تعالى ذكر السفر في كتابه مُطلقاً ولم يُقيده بمسافة، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد ذلك، فوجب الرجوع فيه إلى العُرف واللغة التي خاطبنا الله بها، وقد أطلق أهل اللغة السفر على المسافة من ميلٍ فصاعداً.
ثالثاً: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم -سمى البريد الواحد سفراً، كما في الحديث الصحيح،
رابعاً: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في أقل من أربعة بُرُد، بل وفيما دون البريد الواحد كما ثبت ذلك عنه من حديث أنس عند مسلم، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة -صلى ركعتين)، وأبي سعيد الخدري عند سعيد بن منصور في سننه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة)، ودحية الكلبي عند أبي داود، قال: (أنه سار ثلاثة أميالٍ في رمضان فأفطر)، وعلي بن أبي طالب عند ابن أبي شيبة في "مصنفه": (أن علي أخرج بهم إلى النخيلة فصلى الظهر ركعتين)، وعمر بن الخطاب عند مسلم: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في ذي الحليفة)، وعبد الله بن عمر، وردَّ على من قال إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصر في هذه المسافة لأن سفره طويل (ص 63 -66).