أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 18 يناير 2021

الحميَّة الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية -لأبي المظفر يوسف بن محمد العبادي السَّرمرّي

الحميَّة الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية

لأبي المظفر يوسف بن محمد العبادي السَّرمرّي

(ت 696 - 776 هـ).

ويليها قصيدة

أبي عبد الله محمد بن يوسف الشافعي اليمني

تقديم وتعليق:

صلاح الدين مقبول

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شكَّ أن تاريخنا حافلٌ بالأمجاد، والبطولات، والمآثر والمفاخر، وفي مقابل ذلك فهو مليءٌ بالمآسي والنكبات والمصائب، وأعظم هذه النكبات ما ابتلينا به من متعصبة المذاهب، الذين خانهم النظر، وأعوزهم الفحص، ونبا عنهم الإنصاف؛ فإذا جاء التقليد: حبسوا عيونهم، وأغلقوا أفئدتهم، وتجارت بهم الأهواء في سبيل الكذب والدس والتشنيع، وخرجوا عن رحبة الإسلام الواسع إلى عطن المذهب وضيقه، وخرجوا من فضاء التواضع ومكارم إلأخلاق إلى مخارج الكبر والتعاظم، وبرغم كثرة هؤلاء المتعصبة في عصر ابن تيمية، ولمعان أسمائهم، وبروزهم في التأليف والتصنيف، إلا أنهم بجمودهم وإلغاء عقولهم دمَّروا الأمة أيما دمار، وخرَّبوها أيما خراب.

ثم لا تزال طوائفٌ منهم يتنكرون للصواب رغم وضوح الأدلة، بل ويشنون الغارات تلو الغارات على من يجتهد في مسألة من مسائل الدين أو قضية من واقع الحياة، وليس ذلك ببعيد عمن حجر عقله في تفكير غيره، وأغلق على نفسه باب الاجتهاد، فقصَّر في حق نفسه وفي حقِّ إمامه الي ينتمي إليه، لذا نجد التخريف وقصص الخيال عند المتأخرين أكثر منه في المتقدمين، وقد خسر المسلمون الكثير والكثير بسبب هذا التعصُّب المقيت، الذي أهلك هذه الأمة بوادٍ غير ذي زرع.

وقد أسلفنا أن لهذه الأمة ماضياً مُشرقاً بعلمائه وقادته وكباره، ومن هذه المواقف المشرفة، والكلمات الصادقة، ما حفظه التاريخ لنا من سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية، وحفظ لنا جهوده في نشر الدين والسُّنة، والدعوة إلى التوحيد الخالص على سنن الأنبياء والصحابة والصادقين من أبناء هذه الأمة، وتحمل في سبيل ذلك جرعات الألم، وقاسى ألم السجون، حتى تطاول عليه سفهاء عصره ورويبضة زمانه، حطاً من قدره، وطعناً في علمه، بدلاً من أن يوجهوا سهام الطعن إلى الرافضة الذين نشروا التشيُّع، وأذاقوا أهل السُّنة الويلات والغُصص، ولكن الله يُدافع عن الذين آمنوا، لا سيما هذا العلم الكبير، والإمام النابعة شيخ الإسلام ابن تيمية.

وبعد مقدمةٍ طويلة وحافلة تحدث فيها الباحث عن دور الرافضة في تقويض نظام الخلافة، وسعيهم في إفساد نظام الدولة، وتآمرهم على العالم الإسلامي، تعرَّض للحديث عن السُّبكيان: التاج ووالده التقي، وموقفهما السيء من شيخ الإسلام ابن تيمية، اللذان خذلاه في موطنٍ كان تجب عليهما فيه نصرته مع ما كان من علماء عصره، ولا دافع لهما إلا النقمة والحسد والعصبية الهوجاء، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله -بقي طوداً شامخاً، وعفا عنهم في دنياه، وعند الله تجتمع الخصوم، وقد خسر السُّبكيان ما هاهنا، وحسابهم عند الله؛ فرحم الله شيخ الإسلام وأعلى درجته في الشهداء والصديقين.

وهاتان قصيدتان؛ لأبي المظفر السرمري، وأبي عبد الله الشافعي، تمحضتا للدفاع عن "مُفتي الفرق"، الذي حيَّر الألباب من جودة مذهبه، ووفور عقله، وتمام نُصحه للأمة، بضرورة متابعة مذهب السلف، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الدمشقي، والتي تُنبي عن حسن الإيمان، وصحة اعتقاد صاحبيهما.

وقد تميزت هاتين القصيدتين بجمال السبك، وحسن الصياغة، وبلاغة الإشارة، وسلامة المعتقد، واستقامة المنهج، يحدوهما قوَّةٌ تتسامى في الانتصار للحق، وتتجاوز كل العقبات والظروف؛ لتسير في موكبٍ واحد في درب الدعوة إلى عقيدة السلف، إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى النظر والإنصاف والحكمة، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، بالقلم، واللسان، والسيف، والسنان، لإعلاء كلمة الله في أنحاء المعمورة.

والحق أبلجُ لا يزيغُ سبيله … والحق يعرفه ذوو الألباب

وقصة هاتين المنظومتين 

أنه لما ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتابه النفيس "منهاج السُّنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"، وهو كتابٌ حافلٌ في الرد على الشيعة الإثني عشرية وفرقة القدريّة، وقصد به الرد على كتاب  "منهاج الكرامة" للشيعي المعروف ابن المطهر الحلي، واطلع على هذه الجوهرة التقي السُّبكي، فوجده حافلاً بالمقصود، وكتب فيه يمدحه:

ولابن تيمية ردٌّ عليه وفي … بمقصدِ الردِّ واستيفاءِ أضربه

إلا أن التقي السُّبكي ناقره بأبيات فيها مغالطات وتهويلات من جهة، واتهامات وتحاملات من جهة أخرى، وتتلخص مؤاخذات السُّبكي في هذه القصيدة على شيخ الإسلام وكتابه "منهاج السُّنة النبوية" في أمرين:

الأول: اتهام شيخ الإسلام بأنه يُحاول في كتابه هذا الحشو والتجسيم.

الثاني: اتهام شيخ الإسلام بأنه يرى إمكان وجود حوادث لا أول لها.

وقد تناول شيخ الإسلام هاتين القضيتين في كثيرٍ من كتبه ورسائله، وفنَّدها وجلاها بالبحث والتحقيق، وبيَّن الحق في ضوء الكتاب والسنة، بحيث لا يبقى فيهما مجالٌ للتمويه والمغالطة، 

وأنشد التقي السُّبكي قصيدته المذكورة في الرد على شيخ الإسلام بعد وفاته، كما يدل عليه قوله:

لو كان حيَّاً يرى قوي ويسمعه … رددتُ ما قال ردّاً غير مُشتبهِ

الرد على قصيدة التقيِّ السُّبكي

ومن هنا نهض تلميذان بارّان من مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية لمعارضة قصيدة السُّبكي -بحراً وقافية -بقصيدتهما اللتين هما من روائع الشعر الإسلامي، ونفائس الانتصار لمذهب السلف الصالح في العقيدة والعمل، ونماذج الدفاع عن الحق، من غير ملل وكلل، فوفُّوه الكيل، وردُّوا عليه غارته، وقرعوه بسياط الذل، واشتدُّوا عليه من كل ناحية حتَّى ضعف واستكان:

 أولهما: أبو المظفر يوسف بن محمد العبادي السَّرميّ في قصيدته (الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية).

ثانيهما: لأبي عبد الله الشافعي اليافعي اليمني.

أولاً ترجمة مختصرة للسرّمرّي صاحب (الحميَّة الإسلامية)

أما الناظم؛ فهو: الإمام الحافظ يوسف بن محمد السرّمرّي، وهو أحد الأئمة النُّقاد، وكان زاهداً ورعاً، فقيهاً، وقد أوتي رحمه الله حظاً وافراً من الفهم واتباع الدليل من الكتاب والسنة على نهج السلف الصالح، 

 وقصيدةٌ بائيَّة، تتضمن مائة واثنين وخمسين بيتاً مع أبيات السُّبكي: رداً عليه، ودفاعاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية. ومجمل أبيات السُّبكي المذكورة في القصيدة ستة عشر بيتاً مفرقة، والبقيَّة للسرمري رداً عليها في مائة واثنين وخمسين بيتاً.

وقد جمع فيها السرمري كل ما يفي بالمقصود، فجاءت في الصميم، وأصابت الهدف، وتململ بها المتهالكون من أهل الأهواء والبدع، وكانت عظيمة الوقع عليهم، وشديدةً على قلوبهم، 

وذكر السرمريُّ أولاً خمسة عشر بيتاً، ثم ذكر أول بيت من قصيدة السُّبكي، وردَّ عليه رداً مُفصلاً، ومن أبياته:

يا أيها المعتدي قولاً ومُعتقداً … على ابن تيمية ظلماً ومذهبه

بيّن لنا بصريح القول مُعتمد الـ … الإنصاف والعدل فيه ما تُريد به

وقال:

لكن إذا الأسد الضرغام غاب عن الـ … عَرينِ تسمعُ فيه ضبح ثعلبه

كذ الجبانُ خلا في البرِّ صاح ألا … مُبارزٍ وتعالى في توثُّبهِ

إلى أن قال: 

فالفتك قيّده التقوى ومذهبنا .. ترك الجدال وتأنيبٌ لطالبه

فهذه نبذةٌ أوردتُها عجلاً … عن ابن تيمية نصراً لمذهبه

ثانياً: ترجمة مختصرة لأبي عبد الله الشافعي اليمني 

هو أبو عبد الله محمد بن جمال الدين يوسف اليافعي الشافعي اليمني، وقصيدته هذه تُنبيك عن علمه وفهمه وذكائه، وسلامة مُعتقده، وانتصاره لمذهب السلف الصالح، وقد جادت قريحته الوقادة بهذا النظم العظيم، للدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والانتصار لمذهبه، وكشف اللثام عن المغالطات والتمويهات التي انطلت على كثيرٍ من الناس.

وهي تشتمل على (110) أبيات مع أبيات التقيّ السُّبكي بكاملها، وهي ستة عشر بيتاً، وعقَّب عليها بردِّه المُسهب، وبدأ يُناقض قصيدة السُّبكي مُشيراً إلى كل بيتٍ منها، ففصَّل المسائل، وبيَّن قوة استدلال شيخ الإسلام عليها في ضوء الكتاب والسُّنة، وأظهر ضعف مُتمسَّك السُّبكيِّ، وقال:

نزلت حول حماه كى تنازله ... فما علوت عليه بل علوت به

وقال في أواخر القصيدة

هذا جوابك يا هذا موازنة ... بحراً وقافية في النظم والشبه

ثالثاً: وقع هاتين القصيدتين على قلوب المبتدعة ومتعصبة المذاهب:

ولا شك أن وقه هاتين القصيدتين على المبتدعة والمتعصبة كان كبيراً جداً، فأخذوا يتململون ويتولولون، ويتناقرون في الردود، ويُشغبون، وأخذوا يقعون في الناظمين لأجل تمسُّكهما بالحق، ومناقضتهما للسُّبكي في كتبه وأرجوزته. ولا ريب أن العبرة كل العبرة بالحق وأهله-الذين ينهلون من معين الكتاب والسنة، والصغار كل الصغار، والذلة كل الذلة للمبتدعة وأصحابهم، الذين ضاقت قرائحهم عن البراهين الصحيحة، والدلائل المستقيمة.





الجمعة، 15 يناير 2021

شرح منظومة القواعد الفقهية لابن سعدي -جمع وترتيب: أحمد بن محمد نبيل شمس الدين

شرح منظومة القواعد الفقهية لابن سعدي

في سؤال وجواب

جمع وترتيب: أحمد بن محمد نبيل شمس الدين


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ "علم القواعد الفقهية" من أهم العلوم الشرعية، وهو الطريق الأمثل لضبط الفقه وإتقانه، وموضوعها هو البحث في الفروع الفقهية والمسائل الجزية، والنظر إليها باعتبار الجامع المشترك، وصولاً إلى قاعدة أغلبية تضبط هذه الجزئيات وتشملها، وهي مهمةٌ جداً في تأهيل الفقيه وترقيته إلى درجة الاجتهاد، وهي مهمةٌ كذلك في تبصير الدارس بأسرار الشريعة، ومدارك الأحكام، ومآخذ المسائل الفقهية، وتوفر على الطالبِ الكثيرَ من الجهدِ والوَقتِ في التحصيل العلمي. وإلى ذلك يُشير الناظم رحمه الله؛ فيقول:

فاحرص على فهمك للقواعد … جامعةِ المسائل الشوارد

فحفظ هذه القواعد والاعتناء بها، يُسهل على الطالب تصوُّر معظم المسائل المتعلقة بها، وحفظ كثيرٍ من الفروع الفقهية طويلة الذيول، ولذا قيل: (الفقه معرفة النظائر) أي المسائل المتشابهة، ولا شكَّ أن ثمرة ذلك كله هو التعرف على الأحكام الشرعية من خلال هذه القواعد.

وتعد هذه منظومة ابن سعدي في القواعد الفقهية من المنظومات العلمية العظيمة، والتي اعتنى بها طلبة العلم حفظاً، وفهماً، وضبطاً، وشرحاً، وتعقباً، واستدراكاً، وتتألف هذه المنظومة من (49) بيتاً، وهي منظومةٌ سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، قريبة التناول، جمع فيها بعض القواعد التي يكثر استعمالها بين طلبة الفقه والحديث.

وهذه المنظومة هي من أوائل ما صنَّفه العلامة ابن سعدي في مقتبل عمره؛ وكان عمره إذ ذاك لا يتجاوز الرابعة والعشرين، وكان إذ ذاك مُجداً في الطلب والتحصيل والاجتهاد، وكانت له قدمٌ راسخة في الفقه، وذا معرفةٍ في الأصول والفروع.

وقد اشتملت على القواعد الفقهية الكبرى، والقواعد الفقهية الفرعية، وبعض الضوابط الفقهية، وبعض القواعد الأصولية، وهي تحتاج إلى إعادة ترتيب وضم الأبيات المتشابهة بعضها إلى بعض.

وجرى الشارح على طريقة السؤال والجواب، ووضع مقدمة نفيسة في بيان مبادئ علم القواعد الفقهية، وخصائصها، ومصادرها، وحكم الاستدلال بها، وبيَّن الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، وبين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، والاختلاف بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية، وبيَّن أول من تكلم في القواعد الفقهية، والمؤلفات فيها.

ويُصدر الشارح البيت بترجمة القاعدة التي تضمنها، ثم يذكر البيت، ويذكر بعده معاني المفردات الغريبة، وشرح البيت شرحاً إجمالياً، وبعد ذلك يبدأ يُفصل في القاعدة، ويذكر تقسيماتها، وأركانها، وشروطها، ويربطها بالأدلة القرآنية والحديثية، وذكر بعض الأمثلة التطبيقية التي توضحها، والتي راعى فيها القرب من الواقع، ومعالجة القضايا الحياتية للناس وواقعهم الذي يعيشونه.

القواعد التي تضمنتها هذه المنظومة

النية شرطٌ لصحة العمل أو (الأعمال بالنيات).

مبنى الدين على جلب المصالح ودرء المفاسد.

إذا تزاحمت المصالح يُقدم أعلاها.

إذا تزاحمت المفاسد يُرتكب أدناها.

التعسير يجلبُ التيسير أو (المشقة تجلب التيسير).

الواجب يشترط فيه العلم والقدرة.

الضرورة ترفع إثم التحريم

الضرورات تبيح المحظورات

الضرورة تُقدر بقدرها

اليقين لا يزول بالشك

الأصل في "المياه، والثياب، والأرض" الطهارة.

الأصل في "الأبضاع، واللحوم، والأنفس، والأموال" التحريم.

الأصل في العادات الإباحة أو (العادة مُحكَّمة)

الأصل في العبادات التحريم (الحظر).

الوسائل لها أحكام المقاصد أو (الأمور بمقاصدها).

يرتفع الإثم عن "المخطئ، والمكره، والناسي" وإذا أتلفوا شيئاً ضمنوه.

يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً أو (يغتفر في التابع ما لا يُغتفر في الأصل).

إعمال العرف أو (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً).

من استعجل الشيء بطريق محظور قبل أوانه عُقب بحرمانه.

إذا عاد النهي إلى ذات العمل شرطه أو ركنه، كان العمل فاسداً.

من أتلف مؤذياً (لمضرته) لا يضمنه.

من ألفاظ العموم (ال) الاستغراقية، و (النكرة في سياق: النفي والشرط والنهي)، وكذلك (من، وما)، والمفرد المضاف.

لا بُد في الحكم من اجتماع شروطه وانتفاء موانعه.

استحقاق الجزاء في مقابل العمل أو (من وفَّى وُفِّي له).

ما لا يُدرك كله لا يترك كله أو (فعل بعض المأمور إن شق كله).

ما ينشأ عن المأذون لا يُضمن أو (المترتب على المأذون غير مضمون).

الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

الأصل في الشروط اللزوم والصحة.

تستعمل القرعة عند المبهم من الحقوق.

إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد جاز إدخال إحداهما في الأخرى.

المشغول لا يُشغَّلُ (بالتخفيف والتشديد).

من أدى عن أخيه واجباً بإذنه؛ فله الرجوع إليه

الوازع الطبعي كالوازع الشرعي في التأثيم.

شروحات منظومة ابن سعدي

وقد حظيت هذه المنظومة بجملة وافرة من الشروح، أولها شرح الناظم نفسه،وهو شرحٌ مختصرٌ جداً، وكذلك شرحها الشيخ صالح بن محمد آل عُمير في كتابٍ سماه (مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية)، وشرحها الشيخ حمد بن عبد الله الحمد في كتابه (شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي)، وشرحها الشيخ سعد بن ناصر الشثري، والشيخ خالد المشيقح في شرح أملاه وهو مطبوع، والشيخ ناصر سيف في كتابه (الشروحات الذهبية على منظومة القواعد الفقهية)، وسعيد مصطفى دياب في كتاب سماه (العقود الفضية شرح منظومة القواعد الفقهية)، وخالد بن محمد الزعامي، وصالح بن عبد الله العصيمي، وعبيد الله بن عبد الله الجابري في كتابه (تنوير المبتدي بشرح منظومة ابن سعدي)، وأبو عاصم المصري في (شرح منظومة القواعد الفقهية) وهو شرحٌ مختصرٌ أيضاً.


لتحميل الملف:

https://www.almeshkat.net/book/14612







 

 

 



الخميس، 14 يناير 2021

الدُّر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد -للإمام محمد بن علي الشوكاني

الدُّر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد


للإمام محمد بن علي الشوكاني


إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ لا شكَّ أن الاعتناء بجانب العقيدة من أهم الركائز التي تقوم عليه الأمة المسلمة، لأن تصحيح هذا الجانب مدعاةٌ لتصحيح بقية الجوانب، فلا رفعة للأمة إلا بتحقيق معاني توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وتحقيق توحيده في: دعائه، ورجائه، ومناجاته، ولا بُد قبل ذلك من تصفية المجتمع من عكر الشرك وشوائئبه، وذلك بالعودة إلى المصدرين العظيمية (الكتاب والسُّنة الصحيحة)، اللذين هما المعيار الأساس لتقويم ما حصل من إعوجاج في حياة الناس، وذلك على الصعيد المادي والرُّوحي.

وموضوع هذا الكتاب هو الرد على الذين يعتقدون في الأموات: أن لهم القدرة على الإغاثة والإعانة والإجابة؛ وقد جاء جواباً لمن سأل عن حكم الاستعانة بهم، ومناجاتهم عند الحاجة، واعتقاد أن لهم قدرة على قضاء حوائج المحتاجين، وإنجاح طلبات السائلين، واعتقاد أن هؤلاء الأموات شفعاء ووسطاء يقربونهم إلى الله عز وجل، ويشفعون لهم عنده!!.

وجاء في السؤال: أن هؤلاء المستشفعين والمتوسلين يتقربون إلى الأموات بأنواع العبادة التي لا يستحقها إلا الله عز وجل، كالذبح والنذر والسجود والطواف، فأجاب الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى عن هذا السؤال: بأن هذه الأفعال هي عين ما كان يفعله المشركون في الجاهلية، وبيَّن أن سؤال الأموات ودعاءهم لا منفعة فيه، بل هو مفسدةٌ محضة، وشركٌ أكبر، مُخرجٌ من الملة.

 وحذّر الإمام الشوكاني تحذيراً بالغاً مما يفعله القبوريون أمام أضرحة الصالحين؛ حيث يدعونهم تارةً مع الله، وتارةً استقلالاً، ويصرخون بأسمائهم ويُعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعاً زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء، قال: (وهذا إذا لم يكن شركاً، فلا ندري ما هو الشرك؟! وإذا لم يكن كفراً فليس في الدنيا كفر !!).

وذكر الشوكاني في كتابه تعريف الشرك وأسبابه، وأعظمها الغلو في تعظيم الأموات، وبيَّن: أن شرك المتأخرين أعظم من شرك أهل الجاهلية، وبيَّن بعض الأسباب الأخرى المؤدية إلى الشرك: من الرُّقى الشركية، والتمائم (الحروز)، والتولة، والكهانة، والسحر، وذلك لما يُصاحبها من اعتقاد أن لغير الله تأثيراً في الشفاء من الداء، فكيف بمن يُنادي غير الله، ويطلب منه ما لا يُطلب إلا من الله عز وجل. ومثل ذلك قول "مُطرنا بنوء كذا"، وكذلك قولهم: "اجعل لنا ذات أنواط". 

ومن أسباب الشرك التي ذكرها: اتخاذ المساجد على القبور، وتسريجها، وتجصيصها، ورفعها، وزخرفتها بالستور، والتأنُّق في تحسينها وتزيينها، لما ينشأ عن ذلك من التأثير البالغ في نفوس العوام، مما يؤدي إلى تعظيمهم لتلك القبور ويؤدي إلى اعتقاد أمورٍ باطلة؛ كاعتقاد ربوبية ذلك المقبور، أو إلهيته، وروى الشوكاني أمثلة لذلك (ص 48).

وذكر -رحمه الله -الأحاديث الناهية عن الشرك، مثل: الذبح لغير الله، أو الدعاء، أو النذر، وكل ما يكون مظنة التعظيم للمخلوق: من الحلف بغير الله عز وجل، وكل ذلك من التعظيم الجالب للاعتقاد الفاسد. كذلك الرياء الذي يُفسد الأعمال، والتشريك في المشيئة بين الله ورسوله أو غيره من عبيده نوعٌ من الشرك، وكذلك رفع المخلوق فوق مكانته، 

وفي ذلك يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: (فإن قلتَ: إن هؤلاء القبوريون يعتقدون أن الله تعالى هو الضار النافع، والخير والشر بيده، وإن استغاثوا بالأموات، قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله سبحانه؟

قلتُ: وهكذا كانت الجاهلية؛ فإنهم كانوا يعلمون أن الله هو الضار النافع، وأن الخير والشر بيده، وإنما عبدوا أصنامهم لتُقربهم إلى الله زُلفى، كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز).

وذكر -رحمه الله -الأحاديث الناهية عن إتيان الكُهَّان، وهو من يدعي معرفة الغيب، فرأى أن تصديقه كفرٌ لاعتقاد أنه مُشاركُ لله تعالى في علم الغيب، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: "وإخلاص التوحيد لله عز وجل لا يتم إلا بأن يكون الدُّعاء كله لله، والنداء، والاستغاثة، والرجاء، واستجلاب الخير، واستدفاع الشر له ومنه، لا لغيره، ولا من غيره، {فلا تدعو مع الله أحداً}، {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء}، {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم}، {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}".

  ومعلومٌ من دين الله بالضرورة أن من أثبت لغير الله ما لا يكون إلا الله فهو كافرٌ، ومن هذا قول أبي يزيد البسطامي (ت 261 هـ): استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق.

وقول أبي عبد الله القرشي (ت 132 هـ): استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.

رأي الإمام الشوكاني رحمه الله في التوسل

ويرى الإمام الشوكاني أن التوسُّل إلى الله تعالى بجاه الصالحين وأهل الفضل جائزٌ، لأن المتوسل بهم متوسلٌ إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة!! واستدل لذلك بقصة الثلاثة أصحاب الغار.

وما ذهب إليه رحمه الله: فيه نظر ظاهر، وهو بعيدٌ جداً، ومجانبٌ للصواب؛ لأن أصحاب الغار إنما توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة، وليس بأعمال غيرهم.

كذلك فإن الله عز وجل لم يجعل شخص فلان، أو عمله الصالح سبباً شرعياً يتوسل به إليه، فعمل فلان إنما ينتفع به فلانٌ نفسه، ولا ينتفع به غيره، إلا أن يكون علماً بثَّه بين الناس، أو صدقةً جارية. 

كما أن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وأتباعهم إنما كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة التي عملوها في حياتهم، ولم يكونوا يتوسلون بأعمال غيرهم، ولا بحرمتهم ولا بجاههم.

ولنضرب لذلك مثلاً؛ فنقول: لو أن رجلاً أطبقت عليه صخرةٌ وهو في غار، ثم دعا ربه قائلاً: اللهم إني أسألك أن تُفرج عني الصخرة؛ لأن العالم الفلاني قام الليل أعواماً وأعواماً ؟!! أو يقول: اللهم إن فلاناً تصدق بثلث ماله أو جاهد في سبيلك؛ ففرج عني الصخرة!! أليس هذا عبثاً…؟!! اللهم بلى.

ويرى الشوكاني أن المتوسل بجاه الصالحين وأهل الفضل لم يدعُ إلا الله، ولم يدعُ دونه غيره، ولا دعا معه غيره

والجواب: أن المتوسل بجاه فلان، أو حق فلان، يعتقد أن لهذا الشخص حقٌّ على الله تعالى، وهذا لا يجوز شرعاً، فإنه لا حقَّ لأحدٍ على الله إلا ما أحقه الله عز وجل على نفسه، من نصر المؤمنين، {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، وغير ذلك، ولم يرد أن الله عز وجل قد أحقَّ على نفسه أن من سأل الله بأحدٍ من خلقه، سواءٌ كان نبياً أم صالحاً أن يستجيب دعاءه.

كذلك؛ فإنه لم يأتِ دليلٌ صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أو عن أحدٍ من أصحابه أنه أرشد إلى جواز التوسل بجاهه الرفيع -صلى الله عليه وسلم -ومن باب أولى جاه من هو دونه. 

بل إنه تواترت الأخبار بطلب الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم في حال حياته، ولم يتوسل أحدٌ بجاهه أو بذاته بعد موته.

كذلك فإن قصة عمر مع العباس تُبين أنه توسل بدعائه لا بجاهه، فكان فعله رضي الله عنه بياناً لما أُجمل في بقيَّة النصوص، التي اشتبهت على المبتدعة.

فظهر بذلك ضعف كلام الإمام الشوكاني في هذه المسألة رحمه الله تعالى، وغفر لنا وله.

وأما التوسل المشروع الذي جاء في الكتاب والسُّنة، والمتفق عليه بين المسلمين؛ فيُمكن إجماله، فيما يلي:

1-التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}.

2-التوسل بأعمال المتوسل ذاته، كما في قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة.

3-التوسل بدعاء الصالحين الأحياء، كما في حديث الضرير، وحديث عمر مع العباس.

ولا خلاف بين العلماء في جواز التوسُّل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم على معنى الإيمان به ومحبته، وذلك كأن يقول: أسألك بنبيك، ويُريد إني أسألك بإيماني به وبمحبته، لأن هذا عملٌ من أعمال القلوب.

كلامٌ نفيسٌ جامعٌ  لابن القيم ذكره الشوكاني 

فيما يتعلق بشرك أصحاب القبور

قال ابن القيم في "مدارج السالكين": ومن أنواعه (أي الشرك الأكبر) طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم.

وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده، كما تقدم، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سبباً لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها، وهذه حالة كل مشرك، والميت محتاج إلى من يدعو له، ويترحم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، وسموا قصدها حجا، واتخذوا عندها الوقفة وحلق الرأس، فجمعوا بين الشرك بالمعبود الحق، وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد، ونسبة أهله إلى التنقص للأموات، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأولياءه الموحدين له، الذين لم يشركوا به شيئا بذمهم وعيبهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص؛ إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، وأنهم أمروهم به، وأنهم يوالونهم عليه، وهؤلاء هم أعداء الرسل والتوحيد في كل زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم! ولله دُرُّ خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} (إبراهيم: 35 - 36)..

وما نجا من هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم إلى الله، واتخذ الله وحده وليه وإلهه ومعبوده.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين في "الإقناع": إن من دعا ميتاً وإن كان من الخلفاء الراشدين فهو كافر، وإن من شك في كفره فهو كافر.

وقال أبو الوفاء بن عقيل في "الفنون": لما صعبت التكاليف على الجُهّال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها؛ فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفارٌ بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل لي كذا وكذا، أو إلقاء الخرق على الشجرة اقتداءً بمن عبد اللات والعزى.

وقال  الإمام سراج الدين عمر بن إبراهيم الحنفي في "النهر الفائق": وأعلم أن الشيخ قاسم قال في (شرح في رب البحار): إن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء ويكشف الستر قائلاً سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الفخمة أو الطعام أو الماء أو الشمع أو الزيت كذا باطل إجماعًا لوجوه منها أن النذر للمخلوق لا يجوز -إلى أن قال: ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمن دون الحق سبحانه وتعالى واعتقاد هذا كفر. انتهى.

وهذا القائل من أئمة الحنفية، وتأمَّل ما أفاده من حكاية الإجماع على بطلان النذر المذكور، وأنه كفرٌ عنده مع ذلك الاعتقادات.

وقال الإمام شيخ الإسلام يحى بن شرف النووي الشافعي في "الروضة": "إن المسلم إذا ذبح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم كفر". وهذا القائل من أئمة الشافعية. وإذا كان الذبح لسيد الرسل صلى الله عليه وسلم كفراً فكيف بالذبح لسائر الأموات.

وقال ابن حجر في "شرح الأربعين" له: من دعا غير الله فهو كافر.

تعليق الإمام الشوكاني على أبيات من البردة للبوصيري

قال رحمه الله (90 -91): فانظر رحمك الله تعالى ما وقع من كثيرٍ من هذه الأمة من الغلو المنهي عنه، المخالف لما في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يقوله صاحب البردة:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به … سواك عند حلول الحادث العمم

فانظر كيف نفى كل ملاذٍ عدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وغفل عن ذكر ربه ورب رسوله صلى الله عليه وسلم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وهذا بابٌ واسعٌ؛ قد تلاعب الشيطان بجماعةٍ من أهل الإسلام حتى ترقُّوا إلى خطاب الأنبياء بمثل هذا الخطاب، ودخلوا من الشرك في أبوابٍ بكثيرٍ من الأسباب.

خاتمة في أن التوحيد أساس الاستقامة

الاستقامة صفة الأنبياء والرسل والصالحين، حيث إن الله سبحانه وتعالى هداهم إلى الطريق القويم، الخالي من المحدثات والشرك؛ قال تعالى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (الأنعام: 87)

والاستقامة لغة: "هي الاعتدال والاستواء"، والاستقامة في الدين: العمل والمداومة على الطاعة، ولزوم سنة النبي صلى االله عليه وسلم.

ويمكن تعريفها أيضاً، بأنها:" التزام منهج الإسلام قولاً وعملاً واعتقاداً"، قال العلماء: معنى الاستقامة لزوم توحيد الله وطاعته.

ولا شكَّ أن التوحيد والاستقامة على أمر الله قرينان، لا يفترقان أبداً، بل إن توحيد الله عز وجل وعدم الشرك به، هو أحد المعاني التي يتضمنها مفهوم الاستقامة, وأما الشرك فهو انحراف في التصور والاعتقاد، وهو أمرٌ طارئ على الإنسان.




الثلاثاء، 12 يناير 2021

لمحة عن نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر -للإمام الحافظ: ابن حجر العسقلاني

نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر

في مصطلح أهل الأثر

للإمام الحافظ: ابن حجر العسقلاني

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ هذا الكتاب المختصر الفريد، هو للإمام الحافظ، شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله، جمع فيه أهم المباحث في (علوم الحديث)، حيث صاغها صياغةً جديدةً ومبتكرة، راعى فيها الترتيب وحسن التقسيم، وقام بحصر علوم الحديث وضبطها، على طريقة السبر والتقسيم، بحيث يذكر الموضوع وكل ما يتعلق به من أحوال وأحكام.

ولا شكَّ أن ابن حجر هو أحد أئمة الدين، الذين جعل الله لهم ولمصنفاتهم القبول والانتشار، ولابن حجر مكانته العلمية الرفيعة عند جميع العلماء، وهذا لما حباه الله تعالى من جودة الذهن، وقوة الحافظة، والمحافظة على الوقت، وتوفيق الله له من قبل ومن بعد.

ولذا فتُعدُّ "نخبة الفكر" وشرحها "نزهة النظر" من أهم كتب المصطلح التي أُلِّفت منذ عصر المؤلف الحافظ ابن حجر -رحمه الله -إلى يومنا هذا، وأول من شرح متن "النخبة" الكمال الشُّمني تلميذ الحافظ، وذلك بأمر من الحافظ ابن حجر رحمه الله، وشرح "نزهة النظر" عددٌ من العلماء كالإمام والبقاعي، وبرهان الدين اللقاني، وقاسم قطلوبغا، ووجيه الدين الكجراتي، والمُلا علي القاري الحنفي في كتابه "شرح شرح نخبة الفكر"، وغيرهم من العلماء.

وفي عصرنا الحاضر فإن غالب المحاضن العلمية، والكليات الشرعية مستندها الأول هو: "نزهة النظر"، وكل الأعمال العلمية تقريباً تدور عليها، والتي تزيد على المائة، ما بين مختصر، وشارح، وناظم، وشارح للنظم، و محشي، ومعقب، وما إلى ذلك. 

ويُشير تلميذه الحافظ السَّخاوي في "الجواهر والدرر" إلى شرح الحافظ ابن حجر للنخبة؛ فقال: "وشرحها (أي النخبة) في شرح أسماه نزهة النظر، في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء من أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به".

سبب تأليف الحافظ ابن حجر لنخبة الفكر

وقد وضع الحافظ ابن حجر كتابه "نخبة الفكر" عندما سأله بعض تلاميذه، وهو شمس الدين الزركشي أن يؤلف لهم كتاباً في هذا الفن، وهو ما صرَّح به السَّخاوي في "الجواهر والدرر" سأله أن يؤلف لهم كتاباً في المصطلح فأجابهم لذلك، واضعاً لهم الأصل الذي هو "نُخبة الفكر"، والتي وضعها في حدود العام (812 هـ).

يقول رحمه الله: "فسألني بعض الإخوان أن أُلَخِّصَ له المهم من ذلك (أي من علم المصطلح)، فلخصته في أوراقٍ لطيفةٍ، سَمّيتها: "نُخْبَةَ الْفِكَرِ في مصطلحِ أهلِ الأثرِ".

منهج الحافظ ابن حجر في النخبة إجمالاً

وقد بين الإمام الحافظ منهجه في النُّخبة، وأنه أختصرها ولخصها بطريقة جديدة مبتكرة، وموجزة؛ فقال: "... على ترتيبٍ ابتكَرْتُهُ، وسبيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مع ما ضَمَمْتُ إليه من شوارِد الفرائدِ، وزوائدِ الفوائدِ".

تأليف الحافظ ابن حجر لنزهة النظر

ثمَّ سئل رحمه الله أن يشرح هذا المتن النفيس؛ فقال: "فَرَغِبَ إليَّ ثانياً (يعني الزركشي)، أنْ أضَعَ عليها شرحاً يَحُلُّ رموزَها، ويفتحُ كنوزَها، ويوضِّح ما خَفِيَ على المبتدئ مِن ذلك، فأجبتُهُ إلى سؤاله؛ رجاءَ الاندراج في تلك المسالِك، فبالغتُ في شرحها، في الإيضاح والتوجيه، ونَبَّهتُ على خفايا زواياها؛ لأنّ صاحبَ البيتِ أدرى بما فيه، وظهر لي أنّ إيرادَهُ على صورةِ الْبَسْطِ أَلْيَقُ، ودمْجَها ضِمْن توضيحها أوفقُ، فسلكتُ هذه الطريقةَ القليلةَ السالكِ".

ويظهر من كلامه رحمه الله: أن موضوع كتاب"نزهة النظر" هو شرح لمتن وضعه الحافظ لطلابه يسمى"نخبة الفكر"، وأنه اتخذ طريقة دمج الشرح مع المتن؛ لقصد زيادة التوضيح والإيضاح. وكان وضعه لهذا الشرح المُسمى بـ"نزهة النظر" في حدود سنة (818 هـ) أي بعد ست سنوات من تأليف النخبة.

وقد لخص الإمام الحافظ السخاوي رحمه الله -ذلك في "الجواهر والدرر"، و"الضوء اللامع"، فقال :"نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كراسة فيها مقاصد الأنواع لابن الصلاح وزيادة أنواع لم يذكرها، فاحتوت على أكثر من مائة نوع من أنواع علوم الحديث، وفرغ من تأليفها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة..... شرحها المسمى نزهة النظر، في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء من أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به،وكان التمس منه تصنيفه صاحبه الشيخ شمس الدين الزركشي، وفرغه في مستهل ذي الحجة سنة ثمان عشر وثمانمائة".

أهمية نخبة الفكر في "المصلطلح" وشرحها النُّزهة:

1. شمولية هذه الرسالة لمختلَف أنواع علوم الحديث.

2. إيراد الأنواع الحديثية على طريقة السبر والتقسيم هي طريقةٌ عقلية منطقية مبتكرة في طرق هذا العلم، وهي مبنيَّةٌ على الاستقراء والتتبع.

3. اجتنابه المآخذ التي وردت على المؤلفين السابقين، الذين لم يتبعوا نظاماً معيناً في ترتيب الأنواع الحديثية، حيث قام الحافظ بوضع كل مجموعة من علوم الحديث في ظل قسم واحد يجمعها في موضع واحد.

4. اشتماله على التحقيقات العلمية الرصينة التي لا توجد في ِسواها من مؤلفات هذا الفن، وذلك كثير في هذا الكتاب على إيجازه واختصاره.

5. الاختصار والإيجاز: فجمع بين: الابتكار، والتحقيق، والاختصار، وهذه لا تكاد توجد في غيره.  

6. وفرة الأعمال العلمية المتعلق بها ، وتنوعها ، وكثرة النسخ الخطية والمطبوعة لها، وتناقل العلماء لها.

أهم الموضوعات التي تضمنها كتاب "نزهة النظر"

ويصف لنا الشيخ نور الدين عتر -رحمه الله -هذا الكتاب وصفاً مُجملاً في "مقدمته على النزهة"؛ فيقول: 

1. قام الحافظ بدمج المتن مع الشرح كأنه شيء واحد.

2. وقد بدأ أولاً بتقسيم الخبر إلى أقسام:

* إما بحسب عدد طرقه وهي: 

- إما بلا حصر. 

- أو محصور بما فوق اثنين، أو باثنين ،أو بواحد.

* ثم شرع بتفصيل: أحكامها، وما يتفرع منها من مباحث.

3. ثم تكلم على الحديث المردود وحصره في سببين فقط :

 أ. سقط في السند.

ب. طعن في الراوي.

وفصلها تفصيلا مع التعاريف، والأمثلة.

4. ثم ختم بخاتمة: تشتمل على أنواع من العلوم الحديثية مما زاده على المختصرات قبله. وتكلم باختصار على الجرح والتعديل والأسماء، والبلدان وما إلى ذلك. وبعدها ختم بذكر آداب المحدث والطالب، ما يلزمهم من كونهم من أهل الحديث. ثم معرفة صفة كتابة الحديث، وشروطها وما يتعلق بها، والرحلة فيه. وأخيراً، تكلم على أسباب ورود الحديث  

منهج الحافظ ابن حجر في كتابه "نزهة النظر"

1. عرَّف أنواع علوم الحديث التي ذكرها، وذكر الأمثلة، والمؤلفات المتعلق بكل نوع غالباً.

2. اقتصر رحمه الله على الأقوال الراجحة عنده في الغالب، وإلا بعض الأحيان يذكر الخلاف، أو يشير إليه ويناقش البعض الآخر، كما في مسألة شرط الصحيح أن يكون عزيزاً.

3. ضبط الأعلام، والأنساب التي تحتاج إلى ضبط.

4. الإشارة والتنبيه إلى بعض المسائل الدقيقة، التي قلَّ من يُنبه لها في المختصرات،كما ذكر هو في مسألة الفرق بين الإرسال والانقطاع.

5. ربط بعض أنواع علوم الحديث ببعض، وبيان العلاقة بينهما كما المدلس والإرسال الخفي، وغيرهما.

6. الثناء على بعض العلماء، وانتقاد آخرين وهذا ليس كثير.

7. يذكر بعض الأحيان طرف الحديث التي يمثل به، ويكتفي بالإشارة إليه.

8. تكلم عن بعض أنواع الحديث بكلامٍ مختصرٍ أحياناً.

9. لم يذكر عناوين لمسائل كتابه، والتي تدل على الأنواع الذي تضمنه. 

10. يرجح دائماً في المسائل الخلافية أو التي زادها، ويبسط القول فيها، ويدلل عليها كمسألة: الشاذ والمنكر.

11. التنبيه على القواعد المهمة في هذا الباب، التي صارت أصلاً كقوله "والأقل في هذا الفن يقضي على الأكثر".  

المصادر التي استند عليها الحافظ ابن حجر في كتابه "النزهة":

1. القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه "المحدث الفاصل".

2. أبو عبد الله الحاكم بن البيع النيسابوري في "معرفة علوم الحديث".

3. أبو نُعيم الأصبهاني في كتابه "المستخرج على علوم الحديث".

4. أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية في علم الرواية"، و"الجامع لآداب الشيخ والسامع".

5. أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري في كتابه "علوم الحديث".

6. القاضي عياض في كتابه "الإلماع".

7. أبو بكر ابن العربي في كتابه "شرح البخاري".

8. محب الدين بن رشيد في "ترجمان التراجم على أبواب البخاري".  

9. أبو حاتم بن حبان في "التقاسيم والأنواع"، و"المجروحين".

10. أبو عبد الله البخاري في "الجامع الصحيح".

11. أبو الحسين مسلم بن الحجاج في "صحيحه".

12. أبو بكر البزار في "مسنده".

13. أبو القاسم الطبراني في "الأوسط".

14.  أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن".

15. أبو عيسى الترمذي في "سننه".

16. محمد بن إدريس الشافعي في "الأم"، و"اختلاف الحديث".

17. ابن أبي حاتم في "العلل".

18. أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه".

19. أبو عبد الرحمن النسائي في "سننه".

20. أبو محمد بن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث".

21. أبو عبد الله بن ماجه في "سننه".

22. أبو بكر الجصاص في "الفصول في الأصول".

23. أبو الوليد الباجي في "الإشارة".

24. ابن دقيق العيد في "الاقتراح في فنِّ الاصطلاح".

25. أبو عبد الله القاسم بن سلام في "غريب الحديث".

26. أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في "الكشاف".

27. أبو عُبيد الهروي في "غريب الحديث".

28. أبو السعادات ابن الأثير في "النهاية".

29. عبد الغني الصوري في "المؤتلف والمختلف".

30. الجوزجاني في "معرفة الرجال".

31. أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب".

32. أبو الحسن الدارقطني في "المدبج".

33. الحافظ العلائي في "الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده".

34. ابن ماكولا في "الإكمال".

35. ابن نقطة في "تكملة الإكمال".

36. ابن حجر (المؤلف) في "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، و "تهديب التهذيب"، "والإصابة".

37. محمد بن سعد في "الطبقات".

38. أبو عبد الله الذهبي في "الموقظة".

39. ابن أبي خيثمة في "التاريخ".

40. المزي في "تهذيب الكمال".

41. العقيلي في "الضعفاء".

42. محمد بن ربيع الجيزي في "تاريخ الذين نزلوا مصر".

43. ابن منده في "معرفة الصحابة"، وغيرها من المصادر والمراجع.