أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

(إنعام النظر إلى) وجوب الوضوء من مسِّ الذكر -محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

(إنعام النظر إلى)

وجوب الوضوء من مسِّ الذكر

أو هل لمس العورة ينقض الوضوء ؟

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


اتفق الفقهاء على أن مسَّ الأنثيين (الخصيتين)، والأليتين (المؤخرتين)، وجانبي العانة من الأعلى لا ينقض الوضوء، واتفقوا أن مسَّ الذكر من وراء حائلٍ لا ينقض الوضوء، واختلفوا في نقض الوضوء بمسِّ الذكر بدون حائلٍ، على قولين:

1- فذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية والحنابلة، إلى أن مسَّ الذكر من غير حائلٍ ينقض الوضوء (وإن اختلفوا في التفاصيل)، واستظهره الشوكاني، وهو قول ابن باز من المتأخرين (وهو مذهب عمر، وابن عمر، وأبي هريرة، وعُروة، وبه قال سعيد بن المسيَّب، وعطاء، وأبان بن عثمان، وسليمان بن يسار، والزُّهريِّ، والأوزاعيِّ. وابن سِيرين، وأبي العالية).

2-وذهب الحنفية، وبعض المالكية، إلى أن مسَّ الذكر بدون حائلٍ، لا ينقض الوضوء، وهو روايةٌ عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن عثيمين من المتأخرين (وهو مذهب عليٍّ، وعمَّار، وابن مسعود، وحذيفة، وعمران بن حُصين، وأبي الدَّرداء، وبه قال ربيعةُ، والثوريُّ، وابن المُنذِر.). 

 

  • واستدلَّ الحنفيَّةُ ومن وافقهم؛ بأدلةٍ منها:

1-ما رواه الخمسة، عن طلق بن علي: أن رجلا سأل النبي عن رجلٌ يمس ذكره، هل عليه الوضوء؟ فقال: (لا، إنما هو بضعة منك).

وهذا الحديث له خمس طُرق، عن طلق بن علي، وهي:

أ-طريق ملازم بن عمرو الحنفي عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق به،. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم. ورجال هذه الطريق غير ثقات إلا قيس بن طلق.

ب-طريق محمد بن جابر عن قيس بن طلق به، رواه أبو داود، وابن ماجه، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، ومحمد بن جابر اليمامي ضعيف، قال ابن معين عنه: ليس بشيء. وقال البخاري: ليس بالقوي يتكلمون فيه. وقال الفلاس: ليس بشيء. وضعفه أيضًا أبو حاتم والنسائي. وبه أعله ابن دقيق العيد في "الإمام".

جـ-طريق أيوب بن عتبة اليمامي عن قيس بن طلق به، رواه أحمد والطحاوي، والطبراني. وفيه أيوب اليمامي: قال ابن معين عنه: ليس بشيء، وقد أعله ابن دقيق العيد في "الإمام" فقال: أما أيوب ابن عتبة فإن أبا العرب محمد بن أحمد بن تميم القروي قال في كتابه: قال ابن حنبل: أيوب بن عتبة ضعيف الحديث، وقال فيه ابن معين: ليس بشيء.

د-طريق عبد الحميد عن أيوب بن محمد العجلي عن قيس بن طلق به، رواه الدارقطني، وعبد الحميد ضعفه الثوري وابن معين.

هـ-طريق عكرمة بن عمار عن قيس به، رواه ابن حبان، وقد تُكلم في عكرمة بن عمار، وقال ابن القيسراني في "تذكرة الحفاظ": عكرمة بن عمار لا شيء في الحديث.

وأحسن الطُّرق هو الطريق الأول

قال الترمذيُّ في "السنن": وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة، ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه. وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر، وأيوب بن عتبة. وحديث ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن.

 وقال ابن عبد البر في "التمهيد": بعد ذكر حديث طلق: هو حديث يمامي لا يوجد إلا عند أهل اليمامة، إلا أن محمد بن جابر وأيوب بن عتبة يُضعّفان، وملازم بن عمرو ثقة، وعلى حديثه عَوَّل أبو داود والنسائي، وكل من خرج في "الصحيح" ذكر حديث بسرة في الباب، وحديث طلق بن علي إلا البخاري فإنهما عنده متعارضان معلولان، وعند غيره هما صحيحان.

وتعقَّبة ابن دقيق العيد في "الإمام"؛ فقال: لم يخرج مسلم واحدًا من الحديثين أيضًا، وهو ممن يُخَرَّج في "الصحيحين".

وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" في حديث ملازم بن عمرو: إسناده مستقيم غير مضطرب، بخلاف حديث بسرة!!.

وصححه أيضاً ابن حبان، والطبراني في الكبير"، وابن حزم في "المُحلى".

وقال الحافظ في "التلخيص": رواه أحمد، وأصحاب السنن، والدارقطني، وقال ابن المديني: هو عندنا أحسن من حديث بسرة (يعني الآتي في إيجاب الوضوء من مسِّ الذكر)!. وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام". 

وهذا الحديث مداره على قيس بن طلق

قال أبو داود في "سؤلاته" قال أحمد: لا أعلم به بأس. 

وذكره ابن حبان في "الثقات". 

وضعفه الشافعي، وقال: لم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا ثقته ورجاحته في الحديث.

وروى أبو بكر البيهقيِّ، عن أبي حاتم، ويحيى بن معين ،وأبي زرعة قالوا: لا نحتج بحديثه. وممن ضعفه الدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي.

وهذا الحديث ضعيفٌ، ولكنه يرتقي بمجموع الطرق إلى رتبة الحسن لغيره.

2-واستدلوا بما رواه البيهقيُّ في "الخلافيات"، والطبراني في "الكبير"، والدراقطني في السنن، عن عصمة بن مالك الخطمي؛ قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسولَ اللهِ كنتُ وأنا أُصلِّي فاحتَكَّ بعضُ جسدي فأدخلتُ يدي فاحتكَكْتُ فأصابتْ يدي ذَكَري، قال: (وأنا أيضًا يُصيبُني ذلك).

وهذا الحديث إسناده واهٍ، قال البيهقيُّ: فيه فضل بن مختار ليس بمحتج به، وهو منكر الحديث.

وقال ابن عدي: له أحاديث منكرة.

وقال أبو حاتم الرازي: هو مجهول وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل، وكذلك عبيد عن عصمة، وشيخُ الطبرانيِّ ضعيفٌ جداً.

وقال الهيثمي في "المجمع": فيه الفضل بن المختار وهو منكر الحديث ضعيف جدًا. وقال العلامة الألباني في "الضعيفة": موضوع.


3-واستدلوا بما رواه ابن ماجه، عن أبي أمامة: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: مَسِسْتُ ذَكَرِي وأنا أصلي؟ قال: (لا بأس إنما هو حِذْيَةٌ منك).

وهذا الحديث ضعيفٌ أيضاً، قال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": فيه جعفر بن الزبير، قال أبو حاتم: أكذب الناس، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: تركوه. 

وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ": فيه جعفر بن الزبير: متروك.

وضعفه ابن الجوزي في "التنقيح"، والنووي في "الخلاصة"، وقال العلامة الألباني: ضعيفٌ جداً.

4-واستدلوا بما رواه أبو بكر بن المنذر في "الأوسط"، وعبد الرزاق في "مصنفه"، عن الحسن قال: اجتمع رهط من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم من يقول: (ما أبالي مَسِسْتُه أم أذني أو فخذي، أو ركبتي).

وهذا الحديث ضعيفٌ أيضاً: رواه الطبرانيُّ في "الكبير"، وسمَّاهم؛ فقال: (عن خمسة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين ورجلًا آخر)، وقال الهيثميُّ في "المجمع": رجاله ثقات من رجال الصحيح إلا أن الحسن مدلس ولم يصرح بالسماع.


5-واستدلوا بما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن الحارث، عن علي بن أبي طالب؛ قال: (ما أبالي إياه مسست أو أذني إذا لم أعتمد لذلك).

 وهذا الحديث ضعيفٌ أيضاً، وفي إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف. 

وأخرجه الطحاويُّ في "شرح معاني الآثار" من طريق عبد الله بن المغيرة، عن مسعر، عن قابوس عن أبي ظبيان، عن علي. وقال العيني في "نخب الأفكار": عبد الله بن المغيرة فيه مقال، وقابوس بن أبي ظبيان مختلفٌ فيه.

وأخرجه البيهقيُّ في "الخلافيات"، عن ابن عمر، وقال" خطأ، فيه أبو يحيى القتات وليس بذاك، ورواه أيضاً عن عائشة، وقال: منكر. ورواه أيضاً عن ابن عباس، وقال: فيه قابوس لا يُحتجُّ به، ورواه أيضاً عن عمار بن ياسر، وقال: فيه انقطاع.


6-واستدلوا بما رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "مصنفيهما"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" عن حذيفة بن اليمان أنه قال: (ما أبالي مَسِسْتُ ذكري أو أذني).

وهذا الأثر صحيحٌ عن حُذيفة، وقد أخرجه ابن حجر في "اتحاف المهرة" عن حذيفة، وقال: وهو الصواب عن حذيفة، وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة": عن حذيفة له شاهد، وقال العيني في "نخب الأفكار" له خمسة طرق.

7-وبما رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "مصنفيهما"، عن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل سعد بن أبي وقاص عن مس الذكر يتوضأ منه؟ قال: (إن كان منك شيء نجس فاقطعه).

وهذا الحديث إسناده ثقات، ولكن يُعارضه ما رواه مالك في "موطئه"، والبيهقيُّ في "الكبرى"، وعبد الرزاق في "مصنفه"، عن مصعب بن سعد، أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص، فاحتككت قال سعد: "لعلك مسست ذكرك"؛ فقلت نعم، قال: "قم فتوضأ" قال البيهقيُّ في "الخلافيات": صحيح. وقال العيني في "نخب الأفكار" روي من طريقين إسنادهما صحيح. وصححه الألباني في "إرواء الغليل".

8-واستدلوا بما رواه الحاكم في "المستدرك"، عن أبي قيس، عن هزيل؛ قال: "كان ابن مسعود يقول: "لا يتوضأ منه وإنما هو بضعة من جسدك".

وقال يحيى بن معين: أبو قيس الأودي لا يحتج بحديثه.


  • واستدلَّ الجمهور على ذلك بأدلَّةٍ، منها:

1-ما رواه الخمسة وغيرهم، بسرة بنت صفوان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصلِّ حتى يتوضأ).

وهذ الحديث أخرجه أيضا مالك في "موطأه"، وزاد في رواية يحيى بن بُكير عنه (فليتوضأ وضوءه للصلاة).

وأخرجه الشافعي في "الأم"، وقال: معروف، والدارقطني في "سننه"، والبيهقيُّ في "الكبرى"، والحاكم في "المستدرك"، وصححه، ووافقه الذهبيُّ.

ونقل ابن عبد البر في "الاستذكار" عن أحمد، ويحيى بن معين، قالا: صحيح، وصححه الترمذي، وقال البخاري: وهو أصح شئ في هذا الباب

وقال أبو داود: قلت لأحمد: حديث يسرة ليس بصحيح؟ فقال: بل هو صحيح. 

وقال قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"، قال الإسماعيلي في "صحيحه": كان يلزم البخاري إخراجه لأنه على شرطه، فإنه قد احتج بمثله.

وقال البيهقي: وإنما لم يخرجا في الصحيح حديث بسرة لاختلافٍ وقع في سماع عروة من بسرة، أو هو عن مروان عن بسرة ولكنهما احتجا بسائر رواته. 

وأعلَّه النسائيُّ؛ فقال: لم يسمع هشام من أبيه هذا الحديث، وقد ثبت سماعه كما سيأتي.

وقال الطحاويُّ في "شرح معاني الآثار": وإنما أخذه هشام من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة، فأسنده عنه. 

وفي هذا نظر؛ لأن هشامًا صرح بالتحديث عن أبيه كما عند الترمذي وأحمد وغيرهما؛ فصحَّ الحديث، قاله البيهقيّ في "السنن".

وقال الحافظ في "التلخيص": قد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة، بأن عروة سمعه من بسرة، وفي "صحيح" ابن خزيمة وابن حبان؛ قال عروة: فذهبت إلى بسرة فسألتها فصدقته؟… وبمعنى هذا أجاب الدارقطني وابن حبان. 

وقد تُكُلِّمَ في مروان لكنه توبع، وقد قال ابن حبان عنه: معاذ الله أن نحتج بمروان بن الحكم في شيء من كتبنا، ولكن عروة لم يقنع بسماعه من مروان حتى بعث مروان شرطيًا له إلى بسرة فسألها. ثم أتاهم فأخبرهم بما قالت بسرة، ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب عروة إلى بسرة فسمع منها. فالخبر عن عروة عن بسرة متصل ليس بمنقطع. وصار مروان والشرطي كأنهما زائدان في الإسناد، ثم أخرجه عن عروة عن بسرة وأخرجه أيضًا عن عروة عن مروان عن بسرة. وفي آخره قال عروة: فذهبت إلى بسرة فسألتها، فصدقته. 

ولكن الحافظ ابن حجر اعتذر لمروان بن الحكم في "مقدمة الفتح"؛ فقال: قال عروة ابن الزبير كان مروان لا يتهم في الحديث…  ثم قال الحافظ: وإنما نقموا عليه أنه رمى طلحة يوم الجمل بسهم فقتله. فالحديث رجاله ثقات وإسناده قوي. وهو إلى الصحة أقرب، وقد أخرج البخاريُّ لمروان بن الحكم.

وحسنه النووي في "المجموع"، وصححه في "الخلاصة، وصححه العلامة الألباني في "الإرواء".


2- واستدلوا بما رواه الطبرانيُّ في "الكبير"، عن طلق بن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) .

وقال الطبرانيُّ: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان ويشبه أن يكون سمع الحديث الأول (يعني إنما هو بضعةٌ منك) من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة، وأم حبيبة، وأبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني وغيرهم، ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر فسمع المنسوخ والناسخ"


3-واستدلوا بما رواه أحمد وابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر، فقد وجب عليه الوضوء)، وفي رواية: (من مسَّ ذكره فعليه الوضوء).

وهذا الحديث أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، وأخرجه الحاكم وصححه. وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي: ضعف أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، ولينه يحيى، وقال الهيثمي في "المجمع": فيه يزيد بن بن عبد الملك النوفلي وقد ضعفه أكثر الناس ووثقه يحيى بن معين في رواية. وضعفه النووي في "المجموع"، وضعفه العيني في "نخب الأفكار"، وضعفه أحمد شاكر في "تخريج المسند"، وحسنه شُعب الأرناؤوط.

والظاهر أنه لا ينزل عن درجة الحسن.


4-وباستدلوا بما رواه الدارقطنيُّ في "سننه"، عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للذينَ يمسونَ فروجهُم ثم يصلونَ ولا يتوضئونَ)، قالت عائشةُ بأبي وأمي هذا للرجالِ، أفرأيتَ النساءَ ؟ قال: (إذا مستْ إحداكنّ فرجها فلتتوضّأ للصلاةِ).

وهذا الحديث ضعيفٌ جداً، قال الدارقطنيُّ: فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني. قال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أحمد: ليس يساوي حديثه شيئًا، وقال الذهبي في "الميزان": هالك، وضعفه النوويُّ في "المجموع"، وقال ابن الملقن: إسناده ضعيف، وصحَّ موقوفاً عليها.


5-واستدلوا ما رواه أحمد في "مسنده"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"، والدارقطني في "سننه"، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم: (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ) .

فيه بقية بن الوليد، وضعَّفه ابن الجوزي في "التحقيق"، والطحاويُّ في "شرح معاني الآثار"، وقال الترمذي في "العلل الكبير":  قال محمد (البخاري): حديث عبد الله بن عمرو في مس الذكر هو عندي صحيح، وقال الحازمي: وهذا إسنادٌ صحيح، وبقية بن الوليد ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقال ابن القيم: قال الحازمي: هذا إسناد صحيح. وصححه الشوكاني في "نيل الأوطار"، والألبانيّ في "صحيح الجامع".

وهذا الحديث صحيحٌ إن شاء الله.

6-واستدلوا بما رواه ابن ماجه، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مسَّ أحدكم ذكره فعليه الوضوء).

وإسناد هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه عقبة بن عبد الرحمن بن أبي معمر ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن المديني: شيخ مجهولٌ، وتبعه ابن عبد البر فقال: غير مشهور بحمل العلم، وقد اختلف في إسناده؛ فقيل: مقطوع، وقيل: مرسل، وقال الشافعيُّ في "الأم": سمعت غير واحد من الحفاظ يرويه ولا يذكر فيه جابرًا . وقال البخاريُّ: لا يصحُّ عن جابر. والصواب أنه مرسل، والله أعلم.


7-واستدلوا بما رواه البزار في "مسنده"، والطبراني في "الكبير"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"،  عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم، يقول: (من مسَّ فرجه فليتوضأ).

وفيه ابن إسحاق مُدلس، وقال الطحاويُّ في "الدراية": غلط، وقال الهيثميُّ في "المجمع": رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد قال: حدثني. ولذا قال البيهقيُّ في "معرفة السنن والآثار":  إسناد صحيح. وصححه الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير".

والحديث صحيحٌ إن شاء الله.

8-واستدلوا بما رواه ابن ماجه، وأبو يعلى، والبيهقي، من طريق مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مسَّ فرجه فليتوضأ).

وقال الترمذي في "العلل الكبير" قال: سألت أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه ورأيته كان يعده محفوظاً. قال: وسألت محمداً (يعني البخاريَّ) عن هذا الحديث؛ فقال: مكحول لم يسمع من عنبسة، روى عن رجل، عن عنبسة. وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": هذا حديث منقطع أيضاً؛ لأن مكحولاً لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئاً، وهو قول البخاريِّ، وأبو زرعة أيضاً؛ فالإسناد مُنقطع. وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين؛ فأثبت سماع مكحول من عنبسة، وقال ابن السكن: لا أعلم به علة.

وقال الألبانيُّ في "الإرواء": الحديث صحيح على كل حال؛ لأنه إن لم يصح بهذا السند فهو شاهد جيد لما ورد في الباب من الأحاديث.


9-واستدلوا بما رواه مالكٌ في "موطئه"، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر في سفر، فرأيته، بعد أن طلعت الشمس، توضأ ثم صلى. قال: فقلت له: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها، قال: (إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ، فتوضأت وعدت لصلاتي).

****

  • عرض الأدلَّةِ ومناقشتها:

أولاً: مناقشة الأدلة من حيث الصحة والضعف:

استدل الحنفيَّة من وافقهم: بحديث طلق بن علي، وبالآثار عن بعض الصحابة، على: أنَّ مسَّ الذكر لا ينقض الوضوء. قالوا: وقد جعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بمثابة مسِّ أيِّ عضو من أعضاء الجسم.

وأجاب الجمهور: بأن حديث طلق بن علي ضعيفٌ، ضعفه الشَّافعيُّ،  وأبو حاتم، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي، قالوا: وجميع طرق حديث طلق مُتكلَّمٌ فيها.

فردَّ الحنفيَّة: أن الإمام أحمد، وابن المديني، والترمذيّ، والطبراني، حسَّنوا هذا الحديث.

وأُجيب: إنما اكتسب حسنه بمجموع الطرق الضعيفة.

واستدلَّ الجمهور: بحديث بُسرة بنت صفوان، وقال البخاريُّ، وقال: هو أصحُّ شيءٍ في هذا الباب، وقد صححه الشافعيُّ، والدارقطني، والبيهقيُّ، والحاكم، والذهبي، وأحمد، ويحيى بن معين، والترمذي، والطبراني، وابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، وابن حجر، وغيرهم.

واستدلوا بأحاديث أخرى عن أبي هريرة، وعائشة، وزيد بن خالد الجهني، وكلها صحيحة.

قال الحنفيَّة: ولكن حديث بُسرة بنت صفوان معلول، ضعف ابن معين، وأعلَّه النسائيُّ والطحاويُّ، بعدم سماع هشام من عروة.

وأجيب: بأن في هذا التعليل نظر؛ فقد ثبت سماع هشام من عروة، وقد ثبت عن يحيى بن معين تصحيحه، كما نقله الحافظ "رجاء بن المرجا".

 قال الحنفيَّة: فقد أعله بعضهم بمروان بن الحكم.

وأُجيب: بأن عروة سمعه من بُسرة أيضاً؛ فيكون مروان زائداً في الإسناد، وكذلك فإن مروان لا يُتهم في الحديث، وقد أخرج له البخاريُّ. وعليه فحديث بُسرة بنت صفوان أصحُّ إسناداً من حديث طلق بن علي.

وقال الجمهور: بل قد رُوي عن طلق بن علي حديث (من مسَّ ذكره فليتوضأ)، وهو مرويٌّ من طريق أيوب بن عُتبة، تفرد به حماد بن محمد الفزاري، وهو ضعيف، وهذا حديثٌ لا ينزل عن درجة الحسن، وصححه الطبراني.

*****

ثانياً: مناقشة دلالة الأحاديث عند الفريقين:

قال الجمهور رداً على الحنفيَّة: وعلى فرض ثبوت حديث طلق في مسِّ الذكر؛ فإن هذا المسَّ كان بحائلٍ، وكان من وراء الثياب، لأن الصلاة ليست محلاً لمس الفرج بلا حائل. 

ويؤيد هذا القول ما رواه الشافعيُّ في "الأم"، والطبرانيُّ في "الأوسط"، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، وليس بينه وبينها شيء فليتوضأ) [حسَّنه ابن حجر كما في "مشكاة تلخيص المصابيح"]، والإفضاء لا يكون إلا بالمباشرة دون حائل. 

قالوا: وبناءً عليه؛ فمسُّ الفرج أو الذكر من غير حائلٍ ينقض الوضوء، كما جاء في حديث أبي هريرة هذا، وفي حديث بُسرة.

فأجاب الحنفيَّة: إن قولكم يا معشر الجمهور بعيد؛ لأنه لم يذكر في هذا الحديث حائلاً، وإنما ذكر أنه مسَّاً، وذكر أنه عضوٌ كسائر أعضاء جسمه؛ فدلَّ ذلك على أنه أراد المباشرة في اللمس.

ويُجيب الشَّافعية والمالكية: بأنه على فرض مباشرة المسِّ في حديث طلق بن علي؛ فإنه يُحمل على مسِّ الذكر بظاهر الكفِّ لا بباطنها؛ لأن الإفضاء يكون بباطن الكف والمسُّ يكون بظاهره وباطنه، ويدل له: (إذا أفضى أحدكم)؛ فالأمر بالوضوء مُتعلق بالإفضاء إلى الذكر… أما الحنابلة؛ فلم يُفرقوا بين المس بالظاهر والباطن.

وردَّ عليهم الحنفيَّة: أن المسَّ يتناول ظاهر الكفِّ وباطنها، وعليه فتقييده هنا بظاهر الكفِّ دون باطنه ممنوع، وليس عليه دليل.

ويُجيب الجمهور: أن حديث طلق منسوخ، وذلك لأنَّ وُفُود طلق بن علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان في ابتداء الهجرة وقت عِمارة المسجد، وأما بُسرة وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو متأخرو الإِسلام، وقد رووا وجوب الوضوء من مسِّ الذكر. 

ويؤيد هذا قول طلق (قدمت على النبي وهو يبني المسجد؛ فقال لي: اخلط الطين فإنك أعلم بخلطه؛ فسألته أرأيت الرجل يتوضأ ثم يَمَس ذكره؟ فقال: إنما هو منك)، ويؤيد هذا أيضاً أن طلقًا المذكور روى أيضًا: (من مَسَّ فَرْجَه فليتوضأ). وقد نقل الحافظ في "التلخيص" النسخ عن جماعةٍ من العلماء؛ منهم: الطبراني وابن حبان وابن العربي والحازمي.

وردَّ اعليهم الحنفيَّة؛ بأن دعوى النسخ غير مقبولة؛ لاحتمال أن يكون طلقٌ سمعه متأخراً، وكذلك حديث بُسرة وابي هريرة يُحتمل أنهما سمعا من صحابيِّ آخر مُتقدِّم الإسلام، وكذلك فإن رواية طلق نفسه للأمرين لا يتم إلا بمعرفة المتقدم منهما والمتأخر، وإلا وجب الترجيح بينهما.

وكذلك فإن رواية (اخلط الطين فإنك أعلم بخلطه)؛ فيه محمد بن جابر، وقد ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة كما ذكره العُقيليُّ في "العلل". 

ولكن قدوم طلق بن علي وقت بناء المسجد ثابتٌ صحيحٌ كما رواه ابن حبان في "صحيحه"؛ قال: (بنَيْتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مسجدَ المدينةِ فكان يقولُ: قدِّموا اليَماميَّ مِن الطِّينِ فإنَّه مِن أحسنِكم له مسًّا).

وأجاب الجمهور: بأن حديث محمد بن جابر، عن طلق، لا ينزل عن مرتبة الحسن.

قالت الحنفيَّة: إن حديث بُسرة بنت صفوان (من مسَ ذكره فليتوضأ) محمولٌ على الاستحباب، أو على غسل اليدين.

وأجاب الجمهور: بأن الأمر في قوله (فليتوضأ) محمولٌ على الوجوب، ولم توجد قرينةٌ تصرفه إلى الاستحباب، ثُمَّ لم يقل أحدٌ من السلف إنه يُحمل على غسل اليد، وكيف تُعارضون حديث بُسرة الصحيح بحديث طلق الضعيف.

****

ثالثاً: مناقشة الأدلة العقلية عند الحنفيَّة:

1- واستدل الحنفية من النظر؛ فقالوا: لا خلاف بين أهل العلم أن الذكر إذا مس الفخذ لا يوجب وضوءاً، ولا فرق بين اليد والفخذ.

وأجاب الجمهور: أن مسَّ الفخذ للذكر يحصل اتفاقاً من غير قصد، بينما المسُّ باليد فيه قصدٌ؛ فهذا قياسٌ مع الفارق، واستدلوا لذلك بما رواه البيهقيُّ في الكبرى"، عن طلق بن عليِّ، وفيه (بينما أنا أصلي فذهبت أحك فخذي، فأصابت يدي ذكري)؛ قال أبو بكر البيهقيُّ: والظاهر من حال من يحك فخذه وأصابت يده ذكره أنه إنما يصيبه بظهر كفه، والله أعلم.

 وأيضًا؛ فإنه قد ورد النهي عن مس الذكر باليمين؛ فكيف يشبه سائر الجسد، وهو لا ينهى عن مسِّ شيء فيه باليمين؟! وما ذلك إلا لحكمةٍ لا نعرفها.

2-واستدلوا من النظر أيضاً؛ فقالوا: إن قولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (هل هو إلَّا مُضغةٌ منك؟!) عِلَّة لا يُمكِنُ أن تزولَ، فلا يُمكِنُ أن يكونَ ذَكَرُ الإنسانِ في يومٍ مِن الأيَّام ليس بَضعةً منه، وإذا عُلق الحكم على علةٍ لا يُمكن زوالها، فإنَّ الحُكمَ يكون مُحكَمًا، ولا يصحُّ عليه دعوى النَّسخِ.

وأجاب الجمهور: بأن هذا الحديث ضعيفٌ ابتداءً، وهو مُعارضٌ لما هو أصحُّ منه؛ فإن لم نقل بالنسخ، وجب الترجيح.

3-واستدلوا من النظر؛ فقالوا: إن الأصلَ بقاءُ الطَّهارة ما لم يخرج شيءٍ من أحد السبيلين، فلا نخرُج عن هذا الأصل إلَّا بدليلٍ متيقَّن

فردَّ الجمهور: أن الناقل عن الأصل هو حديث بُسرة بنت صفوان، وهو ثابتٌ.

4-واستدلوا من النظر أيضاً؛ فقالوا: قد أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا توضأ فهو طاهر، واختلفوا في انتقاض طهارته من مس ذكره، وقد اختلفت الأخبار فيه؛ فلا وجه لنقض الطهارة المجمع عليها إلا بخبرٍ لا معارض له.

وأجاب الجمهور: أن حديث طلق ضعيفٌ، ولا يقوم لحديث بُسرة بنت صفوان، فضلاً عن أن يُعارضه.

5-وقالت الحنفيَّة: إن وجوب الوضوء من مسِّ الذكر مما يعمُّ به البلوى، وما عمَّت به البلوى فلا نقبل فيه أخبار الآحاد؛ حتى يكون نقلته متواتراً مُستفيضاً.

وأجاب الجمهور: بأن هذا الأصل لا يلزمنا؛ فقد عارضه جمهور الأصوليين، ولا يلزم أن يكون بيان ما يعمُّ به البلوى عاماً، بل يجوز أن يكون خاصَّاً وآحاداً، على حسب ما يراه الشارع من المصلحة في العموم والخصوص. وكذلك لو كان البيان عاماً؛ فلا يلزم منه أن يكون متواتراً.

ثُمَّ إن رواية مروان بن الحكم لحديث بُسرة، وكان حاكماً للمدينة، ومجلس الأمير عامرٌ بعلية العلماء وقومه، وبُسرة حدثت به في محضرٍ من المهاجرين والأنصار، وهذا مما تتوافر الرواة لنقله، وااستمر به التحديث.

وقالوا: وأنتم يا معشر الحنفيَّة قد خالفتم أصلكم هذا في بيان الوتر، ونقض الوضوء بالقيء، فإن هذه مما عمَّت به البلوى، ولم يتواتر الخبر بها، ومع ذلك أخذتم بها، وقلتم تنقض الوضوء.

6-وقالت الحنفيَّة: إن هذا الحديث مما يختصُّ به الرجال؛ فكيف نقبل فيه خبر امرأة؟! هذا لا يُمكن !.

 والجواب: أن هذا الخبر وإن نقلته امرأة، إلا أن الصحابة ورواة الأخبار قبلوه، ثُمَّ إن الرجال شقائق النساء في الأحكام، فهذه دعوى ضعيفة.

****

رابعاً: مناقشة الأدلة العقلية عند الجمهور:

واستدل الجمهور من النظر؛ بأدلةٍ؛ فقالوا: 

1-إن الإنسانَ قد يحصُلُ منه تحرُّكُ شَهوةٍ عند مسِّ الذَّكَرِ، أو القُبُلِ، فيخرُجُ منه شيءٌ، وهو لا يشعُرُ؛ فما كان مَظِنَّةَ الحدَثِ، عُلِّقَ الحُكمُ به كالنَّوم.

2- وقالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم (إنما هو بضعةٌ منك)؛ لا ينفي وجوب الوضوء عنه، ويجوز أن يكون محمولاً على نفي النجاسة عنه.

3-قالوا: وإن مسَّ الذكر بالكف يُشبه التقاء الختانين من حيث إمكان الإنزال، وحيث انتشر ذكره وأنزل وجب عليه الاغتسال، وإن انتشر ولم يُنزل لم يجب عله الاغتسال.

4-قالوا: وأنتم يا معشر الحنفيَّة تقولون إذا انتشر ذكره بالمسِّ انتقض وضوءه بالانتشار لا بالمسِّ. وعليه فيلزمكم القول بأن المسَّ ينقض الوضوء؛ لأنه مظنَّةُ الانتشار، والشرع يُنزل المظنَّة بمنزلة المئنَّة.


****

خامساً: إجمال مذاهب العلماء في هذا الحديث:

المذهب الأول: الترجيح؛ فقالوا: يكفي في ترجيح حديث بُسرة ما يلي:

أولاً: أن الشيخين احتجا بجميع رواة حديث بُسرة بنت صفوان، بينما لم يحتجَّا بأحدٍ من رواه حديث طلق بن علي، كما قال الحافظ في "التلخيص": قال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق: أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان، ولم يحتجا بأحد رواته، وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته، إلا أنهما لم يخرجاه.

ثانياً: أن حديث بُسرة ناقلٌ عن الأصل، وحديث طلق مُبقٍ على الأصل، والقاعدة أن الناقلُ مُقدَّمٌ على المُبقي على الأصل.

ثالثاُ: رواة حديث الوضوء من مسِّ الذكر أكثر من رواة حديث عدم الوضوء، وذكر الماوردي أنه رُوي عن بضع عشر صحابياً.

رابعاً: العمل بالأحوط، وهو من المُرجحات عند الأصوليين.

المذهب الثاني: مذهب النَّسخ، وهو مذهب أصحاب الشَّافعي؛ فطلق بن علي متقدِّمُ الإسلام، وحديث أبي هريرة ناسخٌ له؛ لأن إسلامه متأخرٌ عنه، فأبو هريرة صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: هل هو إلا بضعة منك متقدم؛ فإن قيس بن طلق روى عن أبيه، قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس مسجد المدينة، فوجب أن ينسخ المتقدم بالمتأخر). واعترض عليه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"، قال: وفي هذا القول عندي نظر؛ لأن أبا هريرة، يجوز أن يكون سمع الحديث الذي رواه من صحابي قديم الصحبة، وأرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون حديثه وحديث طلق متعارضين، ليس أحدهما بناسخ للآخر، فيحتاج إلى استعمال الترجيح فيهما، والله أعلم .

المذهب الثالث: مذهب الجمع بين الأحاديث؛ لأنها كلها في نظرهم صحيحة، وإعمالها أولى من إهمال بعضها، فيرى هؤلاء أن مسه بشهوة ينقض الوضوء، ومسه بدونها لا ينقض الوضوء؛ لأن المسَّ بشهوة مظنَّة خروج شيء، والمظنَّة تنزل منزلة المئنَّة.

والراجحُ المذهب الأول، والله أعلم.


  • مصادر البحث:

  • الأم للشافعي.

  • الحاوي الكبير للماوردي.

  • فقه السنة.

  • المغني لابن قدامة.

  • الدرر السنية.

  • توضيح الأحكام من بلوغ المرام.

  • البدر التمام للحسين المغربي.

  • التبيان في تخريج وتبويب أحاديث بلوغ المرام.

  • فقه الإسلام شرح بلوغ المرام.

  • معجم الجرح والتعديل لرجال السنن الكبرى.



27 -1- 1442 هـ

جميع الحقوق محفوظة

الاثنين، 14 سبتمبر 2020

قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر -دراسة وتحليل

قاعدة

(القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر)

دراسة وتحليل

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السّلام حنُّونة

غزَّة -فلسطين


تمهيد/ هذه القاعدة مُتممة لقاعدة: (القول في الصفات كالقول في الذات)، فإذا كانت الذات الإلهية مخالفة لذوات المخلوقين، في كل ما هو من حقيقتها، وخصائصها، وليس لله من خلقه شبيهٌ، ولا ندٌّ، ولا شريكٌ سبحانه، فكذلك ليس له في صفاته شبيهٌ، ولا ندٌّ، ولا مثيلٌ سبحانه.

وقد رأينا كيف أن بعض أئمة الأشاعرة قد استخدموا تلك القاعدة، إما بنصها، وإما بمفهومها في الرد على مخالفيهم، كالغزالي، وابن فورك، والآمدي، وغيرهم… سوءً اكان هؤلاء المخالفين: يُخالفون في أصل إثبات الصفات؛ كالمعتزلة وأهل التعطيل على حد تعبير "ابن فورك" أو كان يُخالف في إثبات الصفات الخبرية كما رأيناه عند غير واحدٍ من أئمة الأشاعرة.

لكن القاعدة السابقة وحدها لا تُميز "الإتجاه السلفي" عن الاتجاه "الأشعري الكلامي"؛ لأنه بإمكان من ينفي الصفات الخبرية من متأخري الأشاعرة أن يُطبق قاعدة (القول في الصفات كالقول في الذات) على ما يُثبته من الصفات المعنوية، ثم يُفرق بين ما أثبته وبين ما نفاه من الصفات الخبرية، لأنه يرى أن الصفات الخبرية التي يثبتها الخصوم، هي التي تستلزم التشبيه، أو التجسيم، أو ما شئت من المقالات واللوازم المعلومة البطلان.

أما السلفيُّون الخُلَّص فقد طردوا طريقتهم في إثبات جميع ما جاءت به النصوص، بقاعدة (القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر)؛ وهذا مسلك تطبيقي صحيح، في سبيل إثبات أنه لا فرق بين ما اتفق الجميع على إثباته، وما اختلفوا حوله؛ لأن باب الصفات واحد، والواجب طرد الأصل في الجميع؛ لأنه لا فرق بين صفةٍ وأخرى.

وعليه؛ فالبناء على قاعدة (القول في الصفات كالقول في الذات) والتخريج عليها؛ يقتضي على المتكلم طرد الباب وجوباً، فيما يُثبته، أو ينفيه، فالواجب عليه إن أثبت شيئاً أن يُثبت نظيره، وإن نفى شيئاً أن ينفي نظيره، وإلا صارت فكرته تحكماً محضاً، ما لم يُمكنه أن يذكر فرقاً معيارياً صحيحاً ومُحرراً، يصلح لأن يُعلق عليه مبدأ التفريق في الباب.

ويُمكن اعتبار هذه القاعدة، ردَّاً على طائفتين من الناس، وهم:

(1)- الأشاعرة الذين يثبتون بعض الصفات دون بعض.

(2)- المعتزلة والجهمية الذي يثبتون وجود ذاتٍ مجرَّدةٍ عن الصفات.

ومعنى هذه القاعدة إجمالاً: 

أن من أقر بصفات الله عز وجل؛ كالعلم والإرادة والسمع، والبصر، والقدرة، والإرادة، فإنه يلزمه أن يقر بمحبة الله، ورضاه، وغضبه، وكراهيته، وأن من فرق بين صفة وصفة، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز؛ كان متناقضاً في قولـه، متهافتاً في مذهبه، مشابهاً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض.

وأما مذهب أهل السُّنة رضي الله عنهم فهو وسطٌ في صفات الباري سبحانه بين الغالي فيها والجافي عنها، فجمعوا بين الأدلة، وآمنوا بكل ما جاء من صفات الله في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 بينما بقيَّة الطوائف تأخذ بجانبٍ من الأدلة وتتراك الجانب الآخر، مع تخبُّط أكثرهم وتعسُّفهم في التأويل والتعطيل والتكييف والتمثيل.

 وأما الصفات التي لا توافق أهواءهم، فتارةً يتجرأون عليها بالطعن في الصَّحابيِّ الراوي للسُّنة، وتارةً يقولون: أخبار آحاد، وتارةً يؤولون الأدلة بقصد تعطيلها عن دلالتها، والتجنِّي على رواتها، ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نوره، ويُظهر حجته، في كُلِّ بلدٍ من بلاد المسلمين؛ وصدق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرُّهم من خالفهم، حتَّى يأتي أمر الله وهم على ذلك) "متفق عليه بهذا المعنى".

وأذكر هنا بعض ما تضمنه كلام أئمة أهل السُّنة والجماعة في معنى هذه القاعدة، وما ساروا عليه من طرد القول بها في جميع الصفات الثابتة لله تعالى، وتطبيقات ذلك على بعض الصفات؛ فنقول بعون الله:

1-قال الإمام أبو محمد عثمان بن سعيد الدارمي (ت 208 هـ) معالجاً للأصول المنهجية التي تبناها الأشاعرة، وبنوا عليها قضاياهم المعرفية: 

"ولو قد آمنتم باستواء الرب على عرشه وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءاً إذ خلقها -كإيمان المصلين به- لقلنا لكم: ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءاً، فكما قدر على الأولى منهما كيف يشاء؛ فكذلك يقدر على الأخرى كيف يشاء!

وليس قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} (البقرة: 210)، ومن قوله: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} (الفجر: 22)، فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك".

فظاهر كلام الإمام الدارمي هو رفض منهج هؤلاء المؤولة؛ لأن المُراد في هذه النصوص بيِّنٌ في نفسه، لا يحتاج إلى تأويلٍ أصلاً.

وعلى فرض احتمالها للتأويل إجمالاً؛ فإن حملها على تأويلٍ مُعيَّن يحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ من الأثر، كما أن الظاهر المفصوم منها تؤيده النصوص التي يذكرها أهل الإثبات، وإلا كان ذلك تكذيباً للنصوص ومعانيها.

2-وقال أبو محمد ابن قتيبة (ت: 276 هـ) في "تأويل مختلف الحديث": "والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد".

فيرى الإمام ابن قتيبة أن ما تُثبته الأحاديث من الصفات، هو من نفس الباب الذي نطق به الكتاب، وأجمع عليه المُسلمون .

3- وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت: 310) في تفسيره "جامع البيان" في معرض إثبات صفة الغضب لله تعالى: 

"وقال بعضهم: الغضب منه -أي: من الله تعالى -معنى مفهوم، كالذي يُعرف من معاني الغضب، غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات؛ فمخالفٌ معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأنّ الله جل ثناؤه لا تحلُّ ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها".

فبيَّن الإمام ابن جرير -رحمه الله -أن علم الله وقدرته وغضبه كلها صفات كمال لله عز وجل من كل وجه، وأنها لا تُشابه صفات المخلوقين لا في حقيقة المعنى، ولا في كيفية الصفة.

4-وقال الإمام أبو الحسن الأشعري (ت: 324 هـ) في "الإبانة" في معرض ردِّه على المعتزلة الذين نفوا الصفات عن الباري بدعوى أن إثباتها يقتضي مشابهة المخلوقين، وبيَّن تناقضهم في هذا الباب: 

"ويقال لهم: لِمَ أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله: (بيديَّ): يدين ليستا نعمتين؟ فإن قالوا: لأنّ اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.

قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة، فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة، وإن رُجعَونا إلى شَاهِدنا، أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق. 

قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى، فكذلك لم نجد حياً من الخلق إلا: جسماً، لحماً، ودماً، فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك، وإلا كنتم لقولكم تاركين ولاعتلالكم ناقضين.

وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين، ولا كالأيدي؟

وكذلك يقال لهم: لم تجدوا مدبراً حكيماً إلا إنساناً، ثم أثبتم أن للدنيا مدبراً حكيماً ليس كالإنسان، وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم، فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد".

وأصل نفي هؤلاء الجهمية لصفات الله عز وجل، صادرٌ عن أمرين، الأول: أنهم شبَّهوا الله بخلقه، والثاني: أنهم لما أرادوا تنزيهه؛ عطلوه عن صفاته سبحانه؛ فجمعوا بين التشبيه والتعطيل.

5-ويقول شيخ الإسلام، أبو عثمان الصابوني الشَّافعي (ت 449 هـ) في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث" في تقرير طرد الباب في الصفات، وأن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر: 

"أصحاب الحديث، حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم، يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه".

فبيَّن -رحمه الله -أن منهج أهل السُّنة إجمالاً في هذا الباب، هو: إثبات الصفات الخبرية، وإثبات أصل معناها في اللغة، مع نفي العلم بكيفيتها، ونفي المشابهة لصفات المخلوقين.

6-ويذكر إمام أهل المغرب: أبو عمر بن عبد البر المالكي (ت 463 هـ) في كتابه "التمهيد" أن باب الصفات واحدٌ عند أهل السنة؛ فيقول:

 "فالقول في كيفية النزول، كالقول في كيفية الاستواء، والمجيء، والحجة في ذلك واحدة". ويقول في موضعٍ آخر: "فنسألهم أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاً للموجودين. وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات".

وهذا تقريرٌ واضحٌ منه رحمه الله لهذه القاعدة (القول في الصفات كالقول في البعض الآخر) من حيث الإثبات، ونفي العلم بالكيفية، ونفي التشبيه عنها.

7-وقال محيي السنة البغوي (ت: 510 هـ) في تفسيره "معالم التنزيل": 

"ويد الله صفةٌ من صفات ذاته كالسمع، والبصر والوجه، وقال جل ذكره: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلتا يديه يمين» والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم".

وهذا منهجٌ عامٌّ لدى أهل السُّنة والجماعة: الإيمان بالصفات الثابتة، وإثبات أصل معناها، مع التسليم لله بالكيفية، ونفي المماثلة بينها وبين صفات المخلوقين.

8- ويهتم ابن الزغواني الحنلبي (ت 527 هـ) بهذا التقرير؛ فيقول في كتابه "الإيضاح في أصول الدين": "قد اتفقنا على وصفه بالعلم والقدرة والإرادة، وكانت هذه الصفات مناسبةً لذاته، لا على سبيل صفة المشاهدة...؛ فليكن في مسألتنا مثله، ولأن الأصل في هذا إنما هو عندنا اتباع النقل…".

فيُقرر رحمه الله أن الأصل في باب الصفات اتباع الخبر إيماناَ وتصديقاً؛ وامتناع تمثيل صفات الله بصفات المخلوقين المُشاهدة

9-وقال قوام السُّنة الأصبهاني (ت 535 هـ) في "الحجة في بيان المحجة" في طرد هذا المعنى في جميع الصفات: "إن جاز أن يقال: إنه لم يتكلم بحرف وصوت، لأنه يؤدي إلى إثبات الأدوات، وجب أن لا يثبت له العلم، لأنه لا يوجد في الشاة علم إلا علم ضرورة أو علم استدلال، وعلم الله يخرج عن هذين القسمين".

وأنت ترى كيف أن قوام السُّنة يلزمهم أن ينفوا ما أثبتوه، بدعوى مشابهة المخلوقات، وذلك نظير ما نفوه.

10-وقال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ) في "الملل والنحل":

اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون الله تعالى صفات أزلية من العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة، والعظمة، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقا واحداً، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين، والوجه ولا يؤولون ذلك إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها صفات خبرية".

فأنت ترى أن القاعدة مطردة عند سلف هذه الأمة في جميع الصفات، وأن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.

11-وقال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني (ت 558 هـ) في كتابه "الانتصار" في ردِّه على الأشاعرة الذين ينفون أصل معنى الكلام عن الله عز وجل، الذي هو بحرفٍ وصوت: "ويقال للأشعري: قد أقررت بأن لله سمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً، وحياةً وكلاماً لتنفي عنه ضد هذه الصفات، فلما كان السمع الذي أثبته لله هو السمع المعهود في لغة العرب، وهو إدراك المسموعات وكذلك ضده المنفي عنه هو المعهود في كلام العرب وهو الصمم، وكذلك البصر الذي أثبته لله هو المعهود في كلام العرب وهو إدراك المبصرات، والعلم هو إدراك المعلومات، وجب أن يكون الكلام لله هو الكلام المعهود في كلام العرب، وهو ما كان بحرف وصوت، كما أن ضده المنفي وهو الخرس المعهود عندهم، فأما إثبات كلام لا يفهم ولا يعلم فمحال".

فبيَّن الإمام العمراني: أن إثبات صفة الكلام لله عز وجل، بأصل معناه المعهود في كلام العرب، هو من جنس إثبات صفة السمع، والبصر، والإرادة، والقدرة، والحياة، والعلم، التي لها معاني معهودة في كلام العرب، وإن كانت حقائق تلك المعاني أكمل وأعظم في حقِّ الرب سبحانه.

 12- وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) في العقيدة "التدمرية": "فإن كان المخاطب ممن يقرّ بأن الله حيٌّ بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة. ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازاً، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات.

قيل له: لا فرق بين ما نفيتَه وبين ما أثبتَّه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل !!

وإن قلت: له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به. 

قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به.

وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.

وإن قال: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة.

فإن قلت: هذه إرادة المخلوق. قيل لك: وهذا غضب المخلوق.

وكذلك يُلْزَم بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته… فهذا المُفرِّق بين بعض الصفات وبعض، يُقال له فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته. فإذا قال المعتزلي: ليس له إرادة ولا كلام قائم به، لأن هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات، فإنه يُبَيِّن للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم، ولا تكون كصفات المحدثات. فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك".

وتطبيق هذه القاعدة ظاهرٌ جداً في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وليس هو من أنشأ هذه القاعدة، بل كانت معروفة مشهورة في أذهان السلف وعقولهم، ثُمَّ ظهر معناها في بعض عبارات التابعين، وأتباعهم، ثُمَّ نصَّ عليها علماء السلف، واشتهرت بينهم، وتواترت، وأودعوها في كتبهم ومصنفاتهم.

13-وقال الحافظ الذهبي (ت: 748) في رسالته "إثبات صفة اليد" بعد ذكره للآيات والأحاديث والآثار: "وصفة كل شيء بحسبه، فإن سبق إلى ذهننا كيفية الموصوف وتصوّرناه: تصورنا صفاته، وإن لم يسبق إلى ذهننا ولم نتصوره: لم يسبق إلى ذهننا فننفيه ولم نتصوره، هذا لا شك فيه. فإن قيل: قد صار العرف أنّ اليد هي الجارحة المعهودة. قلنا: وكذلك قد صار العرف أنّ العلم والسمع والبصر أعراضٌ قائمةٌ بأجسام، فما الفرق؟".

وهذا كلامٌ نفيسٌ من الإمام الذهبيِّ رحمه الله؛ لأنَّه قرَّر أن الله غيب، وصفاته أيضاً غيب، ولم يسبق إلى الذهن أن تصوَّر كيفية ذات الله عز وجل، فكذلك لا يمكن للذهن أن يتصور كيفية صفاته سبحانه، وبيَّن أن عُرف المخلوقين ومشاهداتهم لا تُقيد صفات الخالق؛ لأنه ليس كمثله شيء؛ فنعود إلى إثبات الصفة الواردة في الخبر، وإثبات أصل معناها، ونفي العلم بالكيفية.

13-بل إننا نجد هذه الفكرة في تقريرات المذهب الأشعري، منذ شيخه القديم ابن كلاب (ت 240 هـ) في كتاب "التوحيد" له، واعتمد عليها الباقلاني (ت 402 هـ) أيضاً في كتابه "تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل"؛ حيث يقول: "فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا أنكرتم أَن يكون وَجهه وَيَده جارحة إِذْ كُنْتُم لم تعقلوا يَدٌ صفة، وَوجهٌ صفة، لَا جارحة؟!

يُقَال لَهُ: لَا يحب ذَلِك، كَمَا لَا يجب إِذا لم نعقل حَياً، عَالماً، قَادِرًاً إِلَّا جسماً أَن نقضي نَحن وَأَنْتُم على الله تَعَالَى بذلك.

وكما لَا يجب، مَتى كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ أَن يكون جوهراً، أَو جسماً؛ لأَنا وَإِيَّاكُم لم نجد قَائِما بِنَفسِهِ فِي شاهدنا إِلَّا كَذَلِك…".

ويُلاحظ أن الإمام الباقلاني رحمه الله يدمج بين مضمون هذه القاعدة، أعني (القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر)، وبين قاعدة (القول في الصفات كالقول في الذات).

14-وإذا كان مفهوماً أن توجد هذه الفكرة عند مثبتة الصفات الخبرية من شيوخ الأشعرية الأوائل؛ فلقد يبدو غريباً -نوعاً ما -أن نجد الجويني (ت 478 هـ)، وهو معلم بارزٌ في منحنى التأويل يحتجُّ بهذه الفكرة أيضاً على مُخالفية من الكرَّاميَّة؛ فيقول في "الإرشاد إلى أصول الاعتقاد":

"نقول لهم: إذا جوَّزتم قيام ضروبٍ من الحوادث بذاته، فما المانع من تجويز قيام ألوانٍ حادثةٍ بذاته على التعاقب. وكذلك سبيل الإلزام فيما يوافقوننا على استحالة قيامه به سبحانه من الحوادث، ومما يلزمهم: تجويز قيام قدرة حادثة، وعلم حادثٍ بذاته سبحانه، على أصلهم في القول والإرادة الحادثتين، ولا يجدون بين ما جوزوه، وامتنعوا منه: فضلاً!!!" أي فرقاً. 

وهذا ظاهرٌ جداً في كلامه رحمه الله، ولكن يلزم الجويني ما ألزم به غيره في بقيَّة الصفات الثابتة في الكتاب والسُّنة، لأن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.

10-وكذلك القرطبيُّ (ت 671 هـ)؛ حيث ينقل في كتابه "الأسنى" احتجاج الحنابلة على إثبات الحرف والصوت، بأن ذلك نظير ما أثبته المتكلمون من السمع والبصر؛ ويقول: "فالصفات الثبوتية هي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمالٍ لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه واليدين، فيجب إثباتها لله تعالى حقيقةً على الوجه اللائق به…".

هذا، والحمد لله رب العالمين.




الأحد، 13 سبتمبر 2020

المختصر المُفيد في بيان شروط كلمة التوحيد

المختصر المُفيد في بيان شروط كلمة التوحيد

تأليف: قاسم بن محمد ضاهر البقاعي


تمهيد/ هذه رسالة لطيفة لشيخنا الحبيب قاسم بن محمد ضاهر في بيان شروط كلمة التوحيد، التي هي أفضل شُعب الإيمان، وخير ما قالته الأنبياء، وهي الكلمة التي إذا قالها الإنسان صدَّقه الله، وهي التي تُحرز المال، وتصون العرض، وتحقن الدم، (فلا إله) في الوجود يستحقُّ أن: يُرجى فضله، ويُخشى عقابه، ويُمتثل أمره، ويُجتنب نهيه، وتُصرف إليه جميع أنواع العبادات الظاهرة والباطنة (إلا الله) وحده، لا شريك له؛ فهو الإله الحق، وما دونه الباطل.

وأما فضلها فكثيرٌ جداً؛ فهي: أصل الدين، وأساس الملة، ودعوة الحق، وكلمة التقوى، ومفتاح كل سعادة، وإليها ينتهي كل علم، فلا إله إلا الله.

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من صالحي أهلها.

وشروط هذه الكلمة باختصار:

أولاً: العلم المنافي للجهل: ومعناه نفي الألوهية عن غير الله عز وجل، وإثباتها له وحده لا شريك له.

ثانياً: الإخلاص المنافي للشرك: بمعنى أن تُخلص لله في قولها واعتقادها.

ثالثاً: اليقين المنافي للشك: ومعنى ذلك أن تستقين يقيناً جازماً لا ريب فيه بمقتضى ومعنى كلمة التوحيد، لأنها لا تقبل ظناً ولا ريباً ولا تردداً.

رابعاً: الصدق المنافي للكذب: ومعنى هذا موافقة القلب للسان، فلا تنافق، ولا تكذب.

خامساً: المحبة المنافية للبغض والكره: وهو أن يكون قائلها محبًاً لله غاية المحبة، ومحبة ما يحبه الله، وكره وبغض ما يبغضه الله عز وجل ويكرهه.

سادساً: القبول المنافي للرد: والمعنى القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه وعمله، دون الاعتراض والعتاد.

سابعاً: الانقياد المنافي للترك: وذلك بالامتثال لأمر الله ونهيه.

ثامناً: الكفر بما يعبد من دون الله: وهو الطاغوت الذي أخبر الله عنه.

تاسعاً: الإقامة عليها: والمعنى الثبات عليها حتَّى الممات.

لتحميل الكتاب بي دي أف:

https://archive.org/details/20200913_20200913_1510

لا يتوفر وصف للصورة.


إثبات الشفاعة للذهبي (ت 748 هـ) -تحقيق: إبراهيم باجس عبد الحميد

إثبات الشفاعة للذهبي (ت 748 هـ)

تحقيق: إبراهيم باجس عبد الحميد

مكتبة أضواء السلف، الطبعة الثانية، 2000م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنّونة


تمهيد/ تعتبر مسألة الشفاعة من المسائل العقدية المُهمة عند أهل السنة والجماعة، والتي يجب الإيمان والتصديق بها، على ما جاء في الكتاب والسُّنة الصَّحيحة. 

وقد أغلظ علماء أهل السُّنة والجماعة وأنكروا على من يردُّها، أو يردُّ الأحاديث الصحيحة الواردة فيها، من أمثلة المعتزلة والخوارج، والشيعة الزيدية. 

وهذا جزءٌ حديثيٌّ لطيف، أورد فيه الإمام الذهبيُّ (محمد بن أحمد بن عثمان)-رحمه الله -طائفةً صالحة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تُثبت الشفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة، عازياً كل حديثٍ في الغالب إلى مصدره، مع الحكم عليه بالصحة أو الضعف.

 وهو لم يقصد إلى استقصاء جميع الأحاديث الواردة في الشفاعة؛ لأن ذلك يطول جداً، وإنما أراد إثبات هذه العقيدة الإيمانية بالأدلة النبوية.

والإمام الذهبيُّ رحمه الله غنيٌّ عن التعريف؛ وهو الذي ذاع صيته، وانتشر علمه في حياته وبعد مماته رحمه الله، وقد ترجم له الكثيرون في كتبهم، وله التآليف الكثيرة في مختلف الفنون.

وقد ذكر رحمه الله أحاديث كثيرة، عن (23) صحابياً، من (66) طريقاً، عن: أنس بن مالك، وأبي بكر الصديق، وعمران بن حُصين، وأبي موسى الأشعريّ، وأبي بكرة الثقفي، وأم حبيبة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأبي أمامة، والعباس، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن بُسر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله أبي الجدعاء وجابر بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وعوف بن مالك الأشجعي، وعقبة بن عامر، والحارث بن أُقيش، وعبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، ومصعب الأسلمي، وأم سلمة.

ونذكر هنا بعض المقدمات المنهجية والموضوعية المختصرة، والمتعلقة بمسألة الشفاعة:

أولاً: تعريف الشفاعة في اللغة والاصطلاح:

الشفاعة في اللغة: الوساطة.

الشفاعة في الاصطلاح: "هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم"، أو طلب الخير للغير.

وهي ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وقد نصَّ على الإجماع كلٌّ من: أبو الحسن الأشعري، والقاضي عياض، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، وغيرهم رحمة الله على الجميع.

ثانياً: أقسام الشفاعة من حيثُ القبول والرد:

الأول: شفاعةٌ منفيَّة، وهي التي تُطلب من غير الله تعالى؛ فيما لا يقدر عليه إلا الله، كقوله تعالى في حقِّ المُشركين: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} (المدثر: 48)؛ فنفى أن يكون للكفار شفيعاً يشفع فيهم.

الثاني: شفاعة مثبتة، وهي التي تُطلب من المولى جل وعلا؛ لأنها ملكه  وحده سبحانه، ولا تكون إلا لأهل التوحيد، فيأذن الله لمن يشاء من الأنبياء والشهداء والصالحين والملائكة والمؤمنين أن يشفعوا لمن شاء من خلقه ورضي.

وفي هذا ردٌّ على طوائف الغلاة الذين ينكرون الشفاعة من أصلها، وردٌ أيضاً على طوائف أهل الضلال ممن يظُنُّ أن لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وللصالحين أن يُدخلوا الجنة من شاءوا، ويُخرجوا من النار من شاءوا.

ثالثاً: شروط الانتفاع بالشفاعة المثبتة (شرطان):

الأول: إذن الله سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع؛ قال تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة: 255)؛ فهذه الآية تُثبت الشفاعة بشرطها.

الثاني: رضا الله تبارك وتعالى عن المشفوع لهم؛ قال سبحانه: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} (الأنبياء: 28)؛ فبيَّن أن الشفاعة نائلةٌ من يرتضي الرحمن من عباده أن يُشفع لهم، وكلا من الشافع والمشفوع له مُشفقون وجلون من خشيته سبحانه.

رابعاً: أنواع الشفاعة المثبتة لنبينا صلى الله عليه وسلم:

أولها: وأعظمها الشفاعة العظمى، وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في أن يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده يوم القيامة، وهي المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل كما قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79).

الثانية: شفاعته في استفتاح باب الجنة، وأول من يستفتح بابها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخلها من الأمم أمته، وهي خاصَّةٌ به أيضاً.

الثالثة: شفاعته في دخول أقوام من أمته إلى الجنة بغير حساب، وعدتهم سبعين ألفاً، كما ورد في حديث عكاشة بن محصن في الصحيحين.

الرابعة: شفاعته في أن يَدخُلَ سائر أهل الجنة الجنة من باقي الأمم، وهي تبعٌ للنوع الثاني.

الخامسة: شفاعته في أقوام قد أمر بهم إلى النار، واستوجبوا دخولها أن لا يدخلوها ابتداءً؛ رحمةً من الله بهم، وشفاعةً من سيد الناس صلى الله عليه وسلم.

السادسة: شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن يدخلون النار؛ فيحدُّ الله عز وجل له حدَّاً؛ فيُخرجهم منها، بإذنه ورضاه سبحانه.

السابعة: شفاعته فيمن دخلها من أهل التوحيد أن يخرجوا منها فيخرجون قد امتحشوا وصاروا حمماً، فيُطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

الثامنة: شفاعته في أقوامٍ تساوت حسناتهم وسيئاتهم ولم يؤمر بهم إلى الجنة ولا إلى النار؛ فيشفع فيهم بعد أن يستأذن الله فيهم؛ فيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته، وبشفاعته صلى الله عليه وسلم.

التاسعة: شفاعته في  تخفيف العذاب عن بعض الكفار، وهذه خاصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب.

العاشرة: شفاعته  صلى الله عليه وسلم في رفع درجات أقوام من أهل الجنة، وزيادة نعيمهم فيها.

نسأل الله جل في عُلاه أن يُثيبنا الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم، ويرفع مقامنا فيها بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.