متن النبذة أو الهدية العظيمة فيما يجب على الإنسان علمه وتعليمه
للعلامة الحبيب عبد الرحمن المشهور
(١٢٥٠ - ١٣٢٠ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن أشرف العلوم بعد علوم الكتاب والسنة علم الفقه في الدين، ذلك أن مادته تفيض من عيون الوحي، ونوره يقتبس من مشكاة النبوة، ولما سمع المسلمون أمر الله عز وجل: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (التوبة: ١٢٢)، شمروا عن ساعد الجد، واجتهدوا في طلب العلم، حتى جابوا البلدان، وجمعوا السُّنن، وتباحثوا في معاني القرآن والحديث، إلى أن استقرت بهم سبل الفقه، وجاء الأئمة الفقهاء، فأسسوا للنظريات العلمية، والقواعد الفقهية، وخرجوا عليها كل ما يستجد من المسائل والقضايا، وكشفوا عن وجه العلل، وحيثيات الأحكام، فبدت بهم كل بيضاء مزهرة، وانطفأت بهم كل جهالةٍ وعصبيّة.
حتى صعد بهذا العلم الشريف كل من أقبل عليه وأخذه بحقه، عن أهله الذين هم أهله، فشمّر في طلبه عن ساعده، وارتسم بأصوله وقواعده، كما شقي كل من أدبر عنه، وتولى برداء كبره، وإزار حيائه، فلا ينال هذا العلم مُستحٍ ولا مستكبر، هذا هو الفقه، البحر الزاخر، الذي من شرب منه أخذ بحظه الوافر، تصديقاً لخبر سيد الأوائل والأواخر: (من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
وهذا المتن الوجيز اللطيف، وضعه الإمام الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور، الحضرمي اليمني المتوفى (١٣٢٠ هـ)، الذي اقتصر فيه على رُبع العبادَاتِ، ملتزماً فيه بمذهب الإمام أَبي عبدِ اللَّهِ محمد بن إدريس الشافعي- رَضِيَ اللهُ عنه، وقد سماه ابمتن (النبذة)، أو (الهدية العظيمة فيما يجب على الإنسان علمه وتعليمه)، وهو سهل العبارة جدًّا، يصلُحُ للعوام، ومبتدِي الطَّلبة.
واشتمل هذا الكتاب على مقدمة قصيرة ضمنها أركان الإيمان، والإسلام، والإحسان، وما يجب على المسلم اعتقاده في الله تعالى، وفي نبيه صلى الله عليه وسلم إجمالاً، ثم بيّن فرائض الوضوء، ونواقضه، وموجبات الغسل وفروضه، وشروط التيمم وكيفيته، وشروط الصلاة وأركانها وأبعاضها، وسننها، ثم صفة الصلاة عموماً من التكبير إلى التسليم، ثم وضّح بعض أحكام صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، ثم صلاة الجنازة، يليها بعض أحكام الزكاة والصوم.
وهذا المتن شرحَهُ غيرُ واحدٍ مِنَ الأفاضل منهم:
١-الشَّيخُ الفاضِلُ: عَلَوي بنُ عبدِ اللَّهِ العَيْدَروس في كتابه (إشراقةُ النُّورِ بشرحِ نُبَذَةِ الحبيب عبدِ الرَّحمن بن محمد المشهور).
٢- الشَّيخُ الدكتور: لبيب نَجيب في كتابه (الدُّرَّةُ الفَذَّةُ شَرحُ النُّبذَةِ)، وله شرحٌ ماتِعٌ على كتابه في (اليوتيوب) كانَ سببًا في انتباهنا لهذا المَتنِ الْمُبَارَكِ.
٣-الشَّيخُ الفاضلُ: محمَّد الجَفري في (روضةِ النَّعيمِ) بجوار سيِّدِنا الحُسّينِ. (يوتيوب) الشَّيخُ الفاضل: على العقرباوي (يوتيوب).
ترجمة مختصرة للشيخ عبد الرحمن مشهور
اسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر بن عبد الله بن محمد المشهور، ينتهي نسبه إلى علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهو إمام وفقيه شافعي ونسابة ومفتي الديار الحضرمية. كان متوسعًا في مختلف العلوم، في الفقه والحديث والفلك والأنساب وعلوم الآلة وغيرها. وصنف مصنفات فقهية صارت مراجع لمن جاء بعده مثل كتاب «بغية المسترشدين». وهو أول من تولى شؤون المعهد العلمي رباط تريم عند افتتاحه.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ مشهور في تريم بحضرموت في ٢٩ من شهر شعبان سنة ١٢٥٠ هـ، ووالدته شيخة بنت عبد الرحمن بن علي الحداد.
كان منذ نشأته متورعًا محبًا للخير وأهله، ويحب إخفاء الصدقة وإخفاء الطاعة، وكان ينسخ الكتب في صغره ويتصدق بما حصل له من أجرة النساخة وغيرها.
ختم حفظ القرآن وهو ابن اثني عشر سنة، ثم طلب العلم واجتهد فيه حتى فاق على جميع أقرانه، وأذن له في التدريس وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وأقبل إليه الطلبة والمستفتون من مختلف الجهات حتى كان الكثير من شيوخه يحضرون دروسه في زاوية مسجد الشيخ علي بن أبي بكر السكران وفي سواها من مجالسه الخاصة والعامة، وروحاته المسائية بعد العصر في التصوف والحديث والسيرة.
شيوخه:
أخذ الشيخ مشهور عن كثيرين من أهل العلم من كبار شيوخ وادي حضرموت والحرمين الشريفين، منهم: أحمد بن علي الجنيد - أحمد بن زيني دحلان - أحمد بن محمد المحضار -أبو بكر بن عبد الله العطاس - حامد بن عمر بافرج -عمر بن عبد الله الزاهر - علوي بن سقاف الجفري - عمر بن حسن الحداد - محسن بن علوي السقاف - محمد بن عبد الله باسودان - عبد الله بن أحمد بلفقيه - عيدروس بن عمر الحبشي -أحمد بن عبد الله عيديد -عبد الرحمن بن علي السقاف -محمد بن حسين الحبشي -محمد بن إبراهيم بلفقيه -حسن بن صالح البحر -عبد الله بن حسين بن طاهر.
تلاميذه:
ومن الذين استقوا من علمه كثير، فممن تخرج عليه: ابنه علي بن عبد الرحمن المشهور - علوي بن عبد الرحمن المشهور -عبد الله بن علي بن شهاب الدين -عبد الله بن علوي الحبشي - محمد بن سالم السري - محمد بن حسن عيديد - عمر بن عيدروس العيدروس -عبد الباري بن شيخ العيدروس - أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين - حسين بن أحمد الكاف - سالم بن حفيظ بن الشيخ أبي بكر بن سالم -عبد الله بن عمر الشاطري - أبو بكر بن أحمد الخطيب -محمد بن عوض بافضل -محمد بن أبي بكر باذيب.
أعماله:
كان يقضي معظم أوقاته في الدراسات العلمية والإفادة. فقد كان بحرًا في أنواع العلوم وعديدها من فقه وتفسير وحديث وأصول وتصوف ونحو حتى في علم الفلك.
وإذا لم يكن مشتغلا بتدريس كان مشتغلا بالإفتاء والتأليف والمطالعة والمراجعة، أو بكتابة شجرات الأخذ والنسب، أو بعمل جداول في علم الفلك لمعرفة أوائل أوقات الصلوات إلى غير ذلك من المنافع العامة غير العلمية كالسعي في إصلاح ذات البين وفي صلاح ما تخرب من الزوايا والمعابد والترب بتريم وغيرها.
وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري تم افتتاح المعهد العلمي رباط تريم لتدريس العلوم الدينية والعربية، وأسند الإشراف التام والرئاسة العلمية إلى عبد الرحمن بن محمد المشهور. ثم تولى إدارته من بعده تلميذه عبد الله بن عمر الشاطري.
مؤلفاته:
وقد أبقى المؤلف عدداً من المصنفات وهي:
١-«بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين»
٢-«غاية المراد من تلخيص فتاوى ابن زياد»
٣-«حاشية على ربع التنبيه»
٤-«نبذة يسيرة في أحكام الحج وسننه»
٥-«منحة العزيز الكريم في زيارة تربة تريم»
٦-«شمس الظهيرة الضاحية المنيرة» في أنساب السادة العلوية -الشجرة العلوية الكبرى»
٧-«الهدية العظيمة لمن أراد التعلم وتعليمه» نبذة في الفقه
٨-«الدر المنثور المستخرج من أبحر شجرة السادة البدور»
٩-جدول لمعرفة الأوقات وزيادة الليل والنهار وضدها ومعرفة النجوم والأبراج.
وفاته:
توفي منتصف شهر صفر سنة ١٣٢٠ هـ بتريم، وكان ذلك ليلة السبت، وأما تشييعه إلى مدفنه فقد كان بعد صلاة عصر يوم السبت، وضريحه بتربة زنبل مشهور يزار بجانب قبر محمد بن عبد الله باعلوي صاحب مسجد (مقالد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق