مُلحق شرح حديث المُسيء صلاته من "فتح الباري شرح صحيح البخاري"
لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
(773 -852 هـ)
بعناية بسام عبد الوهاب الجابي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزء صغير في شرح حديث المسيء صلاته، من كتاب "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني، مجموعاً من مواضع متفرقة منه (2/ 243، 2/ 277، 11/ 37، 11/ 553)، وقد ورد هذا الحديث خمس مراتٍ في كتاب "صحيح البخاري": (757، 793، 6251، 6252، 6667) وقد أورد جامع هذه الرسالة شرح ابن حجر من تلك المواضع المتفرقة؛ فجاء تامَّاً وافياً.
ولا شكَّ أن هذا الحديث هو العمدة في استنباط أحكام الصلاة، ومعرفة فروضها وأركانها، وقد اتفق المحدثون والفقهاء على جلالته وعظيم قدره، لأنه جاء في مقام التعليم والبيان للجاهل الذي لا يعلم، وذلك يقتضي انحصار أكثر واجبات الصلاة فيه.
ولذلك قرر الفقهاء: أن كل موضعٍ اختلف في وجوبه في الصلاة، أن لمن تمسَّك بهذا الحديث وجهٌ قويٌّ في وجوبه، ولا بُدَّ مع ذلك من جمع طرق الحديث من كتب السُّنة، والنظر إليها نظرةً جمعيَّة حتى تكتمل صورة الصلاة المجزئة وتتضح.
وقد تكون هناك أشياء واجبة ولكنها لم تُذكر في هذا الحديث، ولكن يُعلم وجوبها من أدلةٍ أخرى قوية ترجح فيها جانب الوجوب، وما عدا ذلك فهو مُستحبٌّ ومن الهيئات قطعاً.
وقد جمع الحافظ ابن حجر طرق هذا الحديث الورادة من حديث أبي هريرة، ورفاعة بن رافع استجابةً لأمر ابن دقيق العيد الذي رأى ضرورة ذلك في شرحه لعمدة الأحكام، وجمع الزيادات التي في هذه الروايات، وما فيها من الواجبات التي ذُكرت فيها، والواجبات التي لم تُذكر فيها، كالنية، والقعود الأخير، والتشهد الأخير، والصلاة على النبيِّ فيه، والسلام في آخر الصلاة.
وقد قدَّم جامع هذه الرسالة بترجمة وافية للصَّحابي المعروف بـ(المسيء صلاته) وهو خلاد بن رافع الزُّرقي، من كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" (2278) لابن حجر أيضاً. وقد أتى خلاّد المسجد فصلَّى فيه ركعتين تحيَّة المسجد، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يرمقه، وقد أخفَّ صلاته وأسرع فيها.
وقد جاء هذا الحديث عند البخاري من رواية أبي هريرة، رواه البخاري عن محمد بن بشّار، ومُسدَّد كلاهما، عن يحيى بن سعيد، عن عُبيد الله بن عُمر العُمري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبُري، ععن أبيه، عن أبي هريرة، (ح) وعن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة وعبد الله بن نُميرٍ كلاهما، عن عُبيد الله بن عُمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.
وبعضهم ذكر عن سعيد المقبُري عن أبيه، وبعضهم ذكرها بدون أبيه، قال ابن حجر: لكل من الروايتين وجه مرجح أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ وأما الرواية الأخرى فللكثرة ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة. انتهى. وعليه فكلتا الروايتين صواب.
ومجموع ألفاظ هذا الحديث كما ورد في "البخاري" كما يلي:
(إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ،
ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ؛
فَكَبِّرْ
ثم اقرأ بِمَا تيسَّر معك من القرآن،
ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ (تستوي) قَائِمًا،
ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ (تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ) جَالِسًا،
ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا،
وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا)
وفي هذا الحديث من الفوائد:
وفي هذا الحديث دليلٌ على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة الفعلية.
وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة.
وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال.
وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه.
وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال.
وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصوداً لذاته وإنما يقصد للقراءة فيه.
وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه.
وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ.
وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب.
وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته.
وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة...
وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا قاله عياض.
وقال النووي وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها.
وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لامن الكلام فيما لا معنى له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق