السر المكنون في تفطير سبق الماء في الغُسل المسنون
عبد البصير سليمان المليباري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذه رسالة صغيرة الحجم في بيان مسألةٍ مُشكلة من كتاب (فتح المُعين بشرح قُرة العين)، اعترض علىها بعض الشُّراح والطلبة، وهي بطلان الصوم بسبق الماء إلى الجوف في الغُسل المسنون، وهي مسألةٌ كثرت فيها المنقاشات بين الدارسين، وخطّأ بعضهم الشيخ أحمد المليباري: كالسيد البكري، والسيد السقاف وغيرهما، وقد دافع المؤلف عن الشيخ أحمد بن عبد العزيز المليباري الهندي الشافعي (ت 987هـ)، وبيَّن توجيه عبارته في هذا الكتاب، وأنها جاءت موافقةً للمعتمد في المذهب وقواعده ولا مخالفة فيها.
وقد جاءت هذه الرسالة في ستة فصول:
الأول: إيراد العبارة المشكلة وما تكلموا عليها.
الثاني: إيراد تأويلات قاصية وأجوبة واهية.
الثالث: في تحقيق مسائل يضطر الباحث إلى معرفتها.
الرابع: في بيان القاعدة المقررة.
الخامس: في بيان الخلاف في المسألة.
السادس: في بيان معنى العبارة الصحيحة.
وما نورده هنا ثلاثة أمور، وهي:
الأول: عبارة الشيخ أحمد المليباري:
وهي قوله (ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن نحو جنابة كحيض ونفاس إذا كان الاغتسال بلا انغماس في الماء … وخرج بقولي عن "نحو جنابة": الغسل المسنون وغسل التبرد؛ فيفطر بسبق ماءٍ فيه، ولو بلا انغماس).
فحاصل الكلام -على ما يظهر -أنه لو اغتسل الصائم بلا انغماسٍ؛ فسبق الماء إلى الجوف: فإن كان الغسل فرضاً لا يُفطر، وإلا بأن كان مسنوناً أو لنحو تبرُّدٍ؛ فإنه يُفطر. الأمر الذي يُخالف المذهب في كون حكم ذلك واحدٌ وأنه لا يُفطر به ولو كان الغسل مندوباً، وهو ظاهر ما في النهاية والتحفة والمغني وفتح الجواد والإمداد، وغيرها أنه لا يُفطر حتى في المسنون.
الثاني: بعض مسائل يحتاجها من يدرس هذه المسألة:
1-في سبق الماء إلى الجوف بالمضمضة، أو الاستنشاق المشروعين ثلاثة أقوال: الأول -وهو المذهب -أنه إن بالغ أفطر، وإلا فلا. الثاني: يُفطر سواءً بالغ أم لا، الثالث: لا يُفطر سواءً بالغ أم لا، كما في المنهاج وشروحه، والنهاية والمغني وفتح المُعين.
2-سبقه إليه في الاستنشاق أو المضمضة غير المشروعين، كأن يجعل الماء في أنفه أو فمه لا لغرضٍ شرعي، يُفطر كما صرح به في النهاية والمغني وشرح الروض.
3-سبقه إليه في غسل التبرد أو التنظف أو فيما زاد على المرة الثالثة من المضمضة -كرابعة، أو الاستنشاق مفطر كما في التحفة والنهاية والمغني، وقيل: لا يفطر في شيءٍ منها، لأن دخول الماء إلى جوفه بدون اختياره.
4-سبقه إليه بالانغماس في الغسل الواجب أو المسنون إذا لم يغلب على ظنه سبقه بالإنغماس لا يفطر عند الرملي، خلافاً لابن حجر.
5-وإن عُرف من عادته سبقه إليه بالانغماس -بأن غلب على ظنه سبقه -فإن لم يتمكن من الغسل إلا على تلك الحالة فلا يُفطر أيضاً عن الرملي، خلافاً لابن حجر، وإذا تمكن من الغسل لا على تلك الحالة أفطر.
6-الغسل المسنون كالغسل الواجب في عدم بطلان الصوم بسبق الماء فيه إذا كان بلا انغماس باتفاق الشيخين الرملي وابن حجر -رحمهما الله تعالى، وبطلانه به إن كان بانغماس عند ابن حجر خلافاً للرملي.
7-يُسن لصائمٍ خشي من الغسل مفطراً ترك جميع الأغسال المسنونة؛ فلا يطلب من الخاشي الغسل المسنون كما في التحفة وفتح المعين وحاشية البجيرمي على شرح المنهج وبشرى الكريم.
8-لا يجب على الصائم إذا كان عليه غُسلٌ واجبٌ -أن يغتسل قبل الفجر، بل يُسنُّ كما صرحوا به.
9-إذا تنجس الفم فاحتاج لتطهيره إلى غرغرة أو مبالغة في المضمضة، فسبق الماء منها إلى جوفه لا يفطر كما في التحفة والنهاية والنهاية والمغني وغيرها.
10-عُلم مما سبق أن الغسل المسنون والواجب يفترقان في أن الصائم إذا خشي سبق الماء من الغسل المسنون فغسله غير مطلوب، بل المطلوب منه تركه وإن سبقه من غير المطلوب يفطر، وإذا خشيه من الغسل الواجب لا يتركه وأنه لا يفطر بالسبق، إلا إذا كان من فعلٍ غير مطلوب فيه كالمبالغة أو المرة الرابعة، هذا كله على المعتمد، وهناك قولٌ بعدم البطلان بالسبق حتى في غسل التبرد والتنظف.
الثالث: في معنى عبارة الشيخ وتوجيهها:
أنه جرى فيها على الخاشي؛ فإن في قول (وخرج بقولي عن جنابةٍ: الغسل المسنون) فإن فيه تفصيلاً كما مرَّ، فيُفطر بسبق الماء لمن خشي ذلك، ولذا فإنه يُسن له ترك جميع الأغسال المسنونة، خلاف سبقه في الغسل الواجب إلى جوف الخاشي، فإنه لا يُفطر… وأما غير الخاشي فلا يُفطر بسبق الماء إلى جوفه في الغسل المسنون على المعتمد، وهناك قولٌ بالإفطار مطلقاً كما سبق. وعليه فيكون قول الشيخ أحمد المليباري جارٍ على المعتمد في المذهب بالنظر إلى الخاشي، وأما بالنظر إلى غيره فيكون جارٍ على غير المعتمد.
وختم الباحث بقوله: وحمل عبارة الشيخ على هذا المعنى أولى … وخيرٌ من تخطئته، بل إن كلامه فيه فطنه لمن تنبَّه له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق