ظاهرة الافتراق في الدين وأدلة صحة مذهب السلف
إعداد: سلطان بن عبد الله العُميري
كتاب الكتروني، لا يوجد رقم طبعة، ولا تاريخ نشر.
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة
تمهيد/ لقد شهد التاريخ الإسلامي ظهور كثير من الفرق والمذاهب المختلفة في مناهجها الكلية ومنطلقاتها المعرفية، ودارت بين أتباعها حوارات واختلافات واسعة الأرجاء، وكل طائفة من تلك الطوائف تدعي أنها الموافقة للحق، والمتابعة لما كان عليه النبي صلى االله عليه وسلم، دون أن تلمس من هذه الادِّعاءات أيَّة حقائق عملية تُوحي بصدق تلك الدعوى أو ثبوتها.
وقد دلَّت النصوص المستفيضة على أنه لا بد أن تكون طائفةٌ قائمة بالحق في الواقع، وتكون هذه الطائفة مُستمسكةٌ بما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالقدر الواجب، وتسعى إلى تحقيق القدر المستحب في اتباعهم قدر الطاقة، وتُحقق سبيل "المتابعة الفعلية" لهم، ولا تخرج عن هديهم لا في مسائل الاعتقاد الأساسية، ولا في الأصول الكلية العلمية والعملية، وهذه الطائفة هم (أهل السُّنة والجماعة) الذين ذهبوا مذهب السلف في الاعتقاد، والعلم والعمل عموماً.
وفي هذه الورقة يناقش الباحث (العُميري) عدداً من القضايا المتعلقة بحديث الافتراق: حول ثبوته، ومعناه، ومقتضاه… من أجل إيجاد أجوبة واضحة لعدد من الإشكالات والأسئلة المثارة حول قضية افتراق الأمة !.
أهمية هذا البحث (إجمالاً):
1-بيان أن حديث الافتراق متعلق بأمة الإجابة وليس بأمة الدعوة، ومعنى ذلك أن الطوائف المندرجة في ظاهرة الافتراق، معها قدر من إصابة ما كان عليه النبي- صلى االله عليه وسلم- وأصحابه، ولكنها خالفت السلف في مسائل إجماعية وأصول كلية، ولو لم يتفق لها قدرٌ من الحق، لكانت كافرة خارجة عن دائرة الإسلام.
2-بيان أن الافتراق في الحديث متعلق باختلاف مخصوص، له طبيعة وماهية منضبطة، لأن الحديث جاء بتركيبة دلالية معينة، فلا بد من فهم فقرات الحديث وجمله بناء على ذلك التعلق وتلك التركيبة الدلالية.
3-بيان أن إصابة الحق في المسائل الإجماعية وأصول الدين لا يقبل التفرق في الطوائف المختلفة، وأنه لا بد أن تكون طائفة واحدة من طوائف الأمة تجمع الحق في أصول الدين ، ولا يخرج الحق عنها ولا تخرج عنه.
4-بيان أن المسلمين مُطالبون بالسعي إلى الاجتماع، والحرص على الألفة والابتعاد عن التفرق والتشرذم، وأن الحقَّ محصورٌ في طائفة واحدة، وهم أهل السُّنة والجماعة.
5- بيان بطلان قول من جعل هذا الحديث دليلاً على مشروعية التعددية العقدية في الدين الإسلامي؛ لأنه لم يأتِ في سياق مدح الافتراق، بل جاء في سياق الذم للفُرقة والاختلاف.
6-الرد على من قال بأن الافتراق والاختلاف والتنازع قدر حتم لا راد له، وما علينا إلا أن نستسلم له ونرضخ ونتنازع من هي الفرقة الناجية والهالكة ؟! وبيان أن المقصود الصحيح منه: هو النفور من كل تلك الفرق الضالة، والدخول في الفرقة الناجية، وهم (أهل السُّنة والجماعة).
7-بيان أنَّ الفرقة الناجية لا تتحمَّل مسؤولية انحراف أي طائفة من الطوائف، وأخصُّ بالذكر الشيعة والصوفية المعاصرة وغيرها ممن فرط وأخطأ في تعامله مع الدين، لأنَّ مسؤولية أهل السُّنة هي بيان الحقِّ (الذي هو سبيل النجاة)، ودعوةُ الناس إليه.
8-الرد على من قال: إن الحق موزع بين طوائف الأمة، بحيث أن كل طائفة يمكن أن تتفرد بالحق الذي كان عليه الصحابة في مسألة ما، وتختص به دون غيرها من الطوائف، بل الحق لا يخرج عن طائفة أهل السنة، وإن كانت الطوائف الأخرى تشاركهم في إصابة قدر من الحق يقل ويكثر بحسب اقترابهم مماكان عليه النبي- صلى االله عليه وسلم- وأصحابه الكرام .
ويخلص الكاتب إلى أن المقصود بالافتراق في الحديث، أمران:
الأول: الافتراق الذي يعني مخالفة الأصول الكلية، والأمور الإجماعية التي استقر عليها إجماع السلف؛ ومن الأمور الإجماعية عند الصحابة كل ما يدخل في أصول الدين وأمور الاعتقاد.
الثاني: الافتراق الفعلي الذي يُفضي إلى انشطار الأمة الواحدة إلى طوائف وأحزاب وجماعات بناءً على أسس ومنطلقات وأصول حقيقية؛ وبالتالي وجود مدارس مُتباينة وكيانات متمايزة؛ لها معتقداتها ومواقفها المخصوصة؛ كالخوارج مثلاً.
ما هي الأدلة على أن أئمة السلف لم يخرجوا عما كان عليه الصحابة في الاعتقاد والعمل ؟
الدليل الأول: الترابط العلمي:
فإن أئمة التابعين كانوا في جملتهم من تلاميذ الصحابة- رضي االله عنهم، فقد تتلمذوا عليهم عشرات السنين، وأخذوا منهم ، وفقهوا طريقتهم في العلم والنظر والعمل، فهم من أخبر الناس على الإطلاق بما كان عليه الصحابة رضي االله عنهم- في الدين والدنيا، وهم أولى الناس بإصابة ماكانوا عليه من الحق؛ وكذلك من جاء بعدهم من تلاميذهم، ومن جاء بعدهم من أهل الحديث والسُّنة من الفقهاء والعلماء والمحدثين والمُفسرين.
الدليل الثاني: استقامة المنهج الاستدلالي:
فإن المنهج الذي يعتمد عليه أئمة السلف لا يخرج في مجمله عما كان متبعاً عند الصحابة، فلا يوجد عند أئمة أهل السنة والجماعة أصلٌ كليٌّ يعارضون به النصوص الشرعية وما جاء عن الصحابة- رضي االله عنهم-، وأما من عداهم من الطوائف المشهورة في التاريخ الإسلامي، فإنه ما من طائفة إلا ولديها أصل كلي أو أكثر تحاكم إليه نصوص الشريعة وأقوال الصحابة.
ومن أمثلة هذا المنهج: أنه لا يقبل من أحدٍ قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده ولا مكاشفاته؛ ولذا قالوا: لا قياس مع النص. وقالوا: إذا تعارض العقل مع النقل، قُدِّم النقل على العقل.
الدليل الثالث: اكتمال الأدوات والمؤهلات:
فإن أئمة السنة من لدن التابعين إلى أتباعهم ومن جاء بعدهم، يملكون كل الأدوات التي تؤهلهم لإصابة ما كان عليه الصحابة من الحق، فقد اتصفوا بكثرة العلم ودقته، وقوة الذكاء والفطنة وحدته، وعمق الإدراك وانضباطه، وكثرة الاشتغال بما كان عليه الصحابة والتوغل في أرجائه، وبقوة البلاغة والفصاحة وسلامة اللغة، فاجتماع هذه الأوصاف وغيرها يجعل من المستبعد في العقل والواقع أن يكون أئمة السلف ممن فاتهم شيءٌ من الحق الذي كان عليه الصحابة- رضي االله عنهم.
الدليل الرابع: تحقيق التطابق الشرعي:
ويعني تحقيق التطابق بين ما يُقرره أئمة السلف والصحابة رضوان الله عليهم، وهذا الأمر مبثوثٌ في كتب العقائد كما هو معلوم، ومعنى هذا الدليل أن الاستقراء يثبت أن أئمة السلف لم يجمعوا على خلاف ما كان عليه الصحابة- رضي االله عنهم- في أصول الدين ولا فروعه.
أما أصول الدين –المسائل والدلائل العلمية والعملية- فقد كانوا مجمعين عليها، وأما فروع الدين العلمية والعملية، فقد كان يقع الخلاف بينهم فيها، ولكن لم يكن الحق الذي كان عليه الصحابة خارجاً عن مجموع ما اختلفوا فيه من الأقوال.
الدليل الخامس: تحقيق التطابق الحالي (الواقعي):
وذلك أن أئمة أهل السنة حققوا أهم الأوصاف الحالية التي تبين اتفاقهم مع الصحابة- رضي االله عنهم-، وهو تحقيق الاجتماع في أصول الدين، ونبذ الفرقة والتحزب، فأئمة أهل السنة من أكثر طوائف الأمة اتفاقاً وإجماعاً على أصول الدين؛ فلو جمعت كل ما جرى على ألسنتهم من العقائد وما نقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، على اختلاف أقطارهم، وتباعد أمصارهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق