أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 أغسطس 2020

وضوء المستحاضة لكل صلاة -إعداد: أ. محمد حنونة

وضوء المستحاضة لكل صلاة

إعداد: 

أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

غزَّة -فلسطين


ذهب جمهور السلف، والفقهاء الأربعة إلأى أنَّ المُستحاضة لا يجب عليها  الغسل لشئ من الصلاة إلا عند انقطاع حيضها؛ فتغتسل مرةً واحدةً حينما ينقطع حيضها.


واختلف الفقهاء في وضوء المستحاضة لكلِّ صلاة:

1-فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية والحنابلة إلى أن المستحاضة تتوضأ وجوباً لكلِّ صلاة؛ واختلفوا في الموجب:

فذهب بعضهم إلى أن الموجب لذلك هو الأثر الذي فيه ذكر زيادة (الوضوء) وهو قول أبي حنيفة وأحمد، وذهب بعضهم إلى أن موجب ذلك هو القياس، وهو قول الشافعيّ؛ وذلك أن زيادة (الوضوء) ضعيفةٌ عنده؛ لاضطرابها بين الرفع والوقف.

2-وذهب مالكٌ في المشهور عنه، والظاهرية: أنها تتوضأ استحباباً، لا وجوباً إلا بحدثٍ آخر، وهو قول ربيعة، وأيوب، واختاره الشوكاني، وابن عثيمين من المتأخرين.


  • واستدلَّ المالكية بأدلَّةٍ كثيرةٍ، منها:


1-ما رواه مالك في "موطأه": عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي».

قال المالكية: فأمرها بالغسل والصلاة، ولم يذكر لها الوضوء، فدلَّ ذلك على عدم وجوبه، ولو كان واجباً لأمرها به، وتأخير البيان عن وقت الحاجة مُمتنعٌ، فدلَّ ذلك على أنه غير واجبٍ.


2-واستدلوا من النظر؛ فقالوا: إن الدمُ الخارج من المستحاضة هو دمُ عرق؛ والدمُ الخارجُ من العروق لا يُوجب الوضوء؛ فهو يُشبه خروج الدم من أيِّ عرقٍ من أيِّ موضعٍ من الجسم؛ فيغسل موضعه ثُم يُصلي.


3-وقالوا: إنكم يا معشر الجمهور توجبون الوضوء على المستحاضة كلما دخلت وقت صلاةٍ مكتوبة، ومعلومٌ أن دخول الوقت وخروجه لا ينقض الوضوء هذا بالاتفاق؛ ومن قال إن الوقت ينقض الوضوء؛ فليس على أثارةٍ من علمٍ ولا عقل.


4-وقالوا: أيها الجماهير إن كنتم تعدُّون خروج دم الاستحاضة حدثاً في الوقتِ، فإنَّها لا تكون حَدثًا بعد خروجه، فخروجُ الوقتِ ليس من نواقِضِ الوضوءِ، ونحن متفقون وإباكم على أنَّه إذا خرج الدَّمُ في الصَّلاةِ أتمَّتها وأجزَأتْها.


5-وقالوا: كيف لكم يا معشر الجمهور أن تُفرقوا بين الدم الخارج من المستحاضة قبل دخول الوقت والشروع في الصلاة وبين الدم الخارج بعد دخول الوقت والشروع في الصلاة، وفي الحقيقة أنَّه لا فَرقَ بين الدَّمِ الذي يخرُجُ من المستحاضةِ قبل الوضوءِ، والدم الذي يخرجُ في أثناء الوُضوءِ، وكذلك الدَّم الخارج بعد الوضوءِ؛ لأنَّ دمَ الاستحاضة إن كان يوجِبُ الوضوءَ؛ فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقت كان يوجِبُ الوضوءَ، وإن كان لا يوجِبُ الوضوءَ فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقت كان، لا يوجِبُ الوضوءَ.


  • ويستدلُّ الجمهور، بأدلَّةٍ كثيرةٍ، منها:


1-ما رواه البخاريُّ ومُسلمٌ في "صحيحيهما" وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها؛ قَالَتْ: جَجاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِإني امرأةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطهُر، أفأدع الصلاة؟ قَالَ: «لا، إنما ذكل عرقٌ ولس بحيض، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم، ثُمَّ صَلِّي». وَلِلْبُخَارِيِّ: قال: وقال أبي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حتَّى يجيء ذلك الوقت».

قال الجمهور: وهذه الزيادة فيها إثبات الوضوء لكل صلاة للمُستحاضة.

ولكن يُجيب المالكية ومن وافقهم؛ بأن هذا الحديث رواه مالكٌ في موطأه، وليس فيه هذه الزيادة، وهو -أي الإمام مالكٌ إنما ذهب إلى ما رواه؛ فكأنَّ مالكاً رأى أن هذه الزيادة موقوفةٌ على عروة، ففصل بين المرفوع والموقوف.

وأجاب عليهم الجمهور: إن القول بأن هذه الزيادة من كلام عروة خلاف الظاهر؛ لأنه لما كانت على مشاكلة الكلام الأول؛ لزم كونه من القائل الأول، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان حجةً لنا.


  • مناقشة زيادة هذه اللفظة (ثم توضئيي لكلِّ صلاة):

وقد اختلف العلماء في زيادة (قال) أي هشام بن عروة، (وقال أبي) عروة: (ثم توضأي لكل صلاة حتَّى يجيء ذلك الوقت) فذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الزيادة موقوفةٌ على عروة، وأن رفعها غير محفوظ. 

وهو قول الشَّافعيِّ في "الأم"، والبيهقيِّ في "السنن الكبرى"، وإليه ذهب مُسلمٌ في "صحيحه"؛ حيث أخرجها بدون هذه الزيادة، وهو قول ابن رجب الحنبلي في "شرحه على البخاري"، والزيعلي في "نصب الراية".

 وقال البيهقيُّ في "الكبرى": "وكأنه يعني -مسلماً -ضعَّفه لمخالفته سائر الرواة عن هشام". وزعم النسائيُّ أن (حماد بن زيد) هو الذي تفرَّد بهذه الزيادة عن هشام بن عروة.

ولكن هذه الزيادة ثبتت عن تسعةٍ غير حماد، كلهم يرويها عن هشام بن عروة؛ فهي محفوظةٌ -إن شاء الله -.

وقد فنَّد الحافظ ابن حجر في "الفتح" زعم من قال بأن الزيادة موقوفة على عروة وليست مرفوعة؛ فقال: وفيه نظر! لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر، شاكل الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله (فاغسلي)".

وقال الحافظ أيضاً: "وادعى بعضهم أن هذا مُعلَّقٌ، وليس بصوابٍ بل هو بالإسناد المذكور عند الترمذيّ، وفيه تابع أبو مُعاوية حماداً، ورفعه"؛ فزال بذلك أنه مُعلَّق أو ليس موصولاً.

وتابع حماد بن زيد أيضاً-(في رواية ذكر الوضوء): حماد بن سلمة كما في سنن "الدرامي"، وأبو حمزة السُّكري، وأبو عوانة كلاهما كما في "صحيح ابن حبان"، وأبو حنيفة كما في "المعجم الكبير للطبراني، وشرح معاني الآثار للطحاوي"، والحجاج بن أرطأة كما "المعجم الكبير للطبراني"، ومحمد بن عجلان كما في "السنن الكبير" للبيهقي، ويحيى بن سُليم كما في "الفتح" لابن حجر، ويحيى بن هاشم كما في "التمهيد" لابن عبد البر.

ولكن رواة هذا الحديث الذين لم يذكروا زيادة هذه اللفظة أكثر:

وممن رواه عن عروة بدون هذه الزيادة (خمسةٌ وعشرون راوياً)، وهم: مالكٌ في "موطأه"، وسفيان بن عُيينة ، وزُهير بن معاوية، وحماد بن أسامة كما في "البخاري"، ووكيع بن الجراح، وعبد العزيز بن محمد الدارودي، وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن نُمير كما في "صحيح مسلم"، ويحيى بن سعيد القطان كما في "مسند أحمد"، وجعفر بن عون كما في "سنن الدارمي"، ومعمر كما في "مصنف عبد الرزاق"، وابن جريج كما في "مصنف عبد الرزاق"، وعبدة كما في "سنن الترمذي"، ومحمد بن كناسة كما في "سنن البيهقي"، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد،  وأيوب السختياني كما في "مسند أبي عوانة"، وخالد بن الحارث كما في "السنن الكبرى للنسائي"، وسفيان الثوري، وشعبة، وزائدة، ومسلم بن قعنب، وعبد العزيز بن أبي حازم، ويحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري كما في "المعجم الكبير للطبراني". 

بل إن بعض من روى ذكر الوضوء، جاءت عنه روايات بدون ذكر الوضوء؛ كأبي معاوية رواها عنه "البخاري" و"الترمذي" بذكر الوضوء، ورواه عنه "مسلم"، و"النسائي" بدون ذكر الوضوء، وأبو حنيفة رواها عنه "ابن عبد البر في التمهيد" بدون ذكر الوضوء، ورواها الطبراني في "الكبير" بذكر الوضوء.

والإمام الشافعي رواه في "الأم" عن شيخه مالك بدون ذكر الوضوء، ورواها عنه البيهقي في "المعرفة" بذكر الوضوء موقوفاً على عروة.

وروى مالك في "موطأه" الحديث عن عائشة مرفوعاً بدون ذكر الوضوء، وعن عروة موقوفاً بذكر الوضوء.

ولكن هذه الزيادةُ صحَّت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وزيادة الثقة مقبولة، فالمصيرُ إليها مُتعيِّنٌ؛ فالأظهر هو ما ذهب إليه الجمهور.


2-واستدلوا بما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" من طريق عاصم بن سليمان قُمير امرأة مسروق، عن عائشة أنها سئلت عن المستحاضة، فقالت: «تجلس أيام أقرائها، ثم تغتسل غسلاً واحداً، وتتوضأ لكل صلاة».

وذكر ابن عبد البر في "التمهيد": متابعة عامر الشَّعبي، لعاصم بن سليمان، عن قُمير، به. فيتقوى بهذه المتابعة إلى درجة الحُسن.


3-واستدلوا بما رواه أبو داود في "سننه" عن عكرمة: أن أم حبيبة بنت جحش استُحيضت؛ «فأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت».

وهذا الحديث سكت عليه أبو داود؛ فو صالحٌ عنده، وقال الخطابيُّ في "معالم السنن": منقطع، وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في "مقدمة الأحكام الصغرى"، وقال ابن رجب في "شرحه للبخاري": والظاهر أنه مرسل، وقد يكون آخره موقوفاً على غكرمة"، وقال العظيم آبادي في "غاية المقصود": "فيه إرسالٌ وانقطاع"، وقال الأرناؤوط: "رجاله ثقات، ولكن فيه انقطاع"، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" بشواهده.


4-واستدلوا بما رواه الحاكم في "المستدرك" من حديث عثمان بن سعيد القرشي، عن ابن أبي مليكة؛ قال: جاءت خالتي فاطمة بنت أبي حُبيش إلى عائشة؛ فقالت: إني أخاف أن أقع في النار، إني أدعُ الصلاة السنة والسنتين لا أُصلي، فقالت: انتظري حتى يجيء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاء فقالت عائشة: هذه فاطمة تقول كذا وكذا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «قولي لها فلتدع الصلاة في كل شهر أيام قرئها، ثم لتغتسل في كل يوم غسلاً واحداً، ثم الطهور عند كل صلاة، ولتنظف ولتحتشِ، فإنما هو داءٌ عَرَضَ، أو ركضة من الشيطان، أو عرق انقطع».

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وعثمان بن سعيد الكاتب بصري ثقة عزيز الحديث يُجمع حديثه"، وقال الذهبيُّ في "التلخيص": "كلا، صورته مُرسل". وقال البيهقيُّ في "الخلافيات": فيه عثمان بن سعيد تكلم فيه، وفيه لين، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، وتابعه الحجاج بن أرطأة. وعليه يرتقي الحديث إلى مرتبة الحسن.


5-واستدلوا بما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من طريق شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المُستحاضة: «تدعُ الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، والوضوء عند كل صلاة»

وهذا الحديث: ضعيف، ضعفه أبو داود. وقال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ تفرَّد به شريك عن أبي اليقظان، وقال البُخاريُّ: لا أعرف اسم جدِّ عديّ، وقال: ذكرتُ له قول يحيى ابن معين: أن اسمه دينار، فلم يعبأ به"، وضعفه أحمد شاكر في "حاشية الترمذي"، وقال: أبو اليقظان: اسمه ععثمان بن عُمير، وهو ضعيفٌ جداً. قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه. وجدُّ عدي بن ثابتٍ لم يُعرف، وتضاربت فيه الأقوال جداً. والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله في "الإرواء" لشواهده.


6-واستدلوا بما رواه أبو داود في "سننه"، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت حُبيش، أنها كانت تُستحاض، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا كان دمُ الحيضِ فإنَّه دمٌ أسودُ يُعرَفُ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاةِ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلِّي، فإنما هو عِرْقٌ».

وقال أبو داود: قال ابن المثنى: حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا به بعدُ حفظاً؛ فقال: عن عروة عن عائشة: أن فاطمة.

ورواه النسائيُّ، وقال مثل قول أبي داود، ثم أعقبه بقوله: "قد روى هذا الحديث غير واحدٍ، ولم يذكر أحدٌ منهم ما ذكر ابن أبي عديّ، والله أعلم (يقصد ذكر الوضوء). وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، ووافقه الذهبيُّ في "التلخيص"، وقال ابن عبد البر في "التمهيد": مضطرب. وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى": صحيح الإسناد. وقال الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة": له طريقٌ بمعناه في "المراسيل"،  وحسَّنه في "تخريج مشكاة المصابيح". وحسنه الإمام الألباني في "صحيح أبي داود"، وقال شعيب الأرناؤوط في "تخريج أبي داود": صحيحٌ لغيره.


7-واستدلوا بما رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر خبرها، وقال: «ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي». وزاد كلهم إلا أبا داود «وإن قطر الدم على الحصير»

قال أبو داود: حديث الأعمش عن حبيب ضعيفٌ لا يصح، ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب أن حفص بن غياث أوقفه عن الأعمش على عائشة، وأنكر حفص أن يكون حديث حبيب مرفوعاً، وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش على عائشة، قال العظيم آبادي في "عون المعبود": ضعيف. 

ورواه أبو داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة. ودل على ضعف حديث حبيب أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة؛ قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة، وأنكر يحيى بن معين هذا الحديث كما في "تهذيب الكمال"، وأعلَّه أبو زُرعة بأن حبيب لم يسمع هذا الحديث من عروة. وقال الترمذيُّ عن البخاري: لم يسمع -يعني حبيب -من عروة بن الزبير شيئاً. وقال أبو داود: روي عن الثوريِّ أنه قال: ما حدثنا حبيبٌ إلا عن عروة المزني.

ويُلخصُ لنا ذلك الحافظ ابن حجر؛ حيثُ يقول في "التلخيص": 

"لم ينسب أبو داود عروة، ونسبه ابن ماجه في روايته فقال: ابن الزبير، وكذا الدارقطني… وقد أخرج البزار وإسحاق بن راهويه هذا الحديث في ترجمة عروة بن الزبير، عن عائشة؛ فإن كان عروة هو المزني فهو مجهول، وإن كان ابن الزبير فالإسناد منقطع؛ لأن حبيب بن أبي ثابت مدلس".

 ومع ذلك؛ فهذا الحديث صححه الإمام الألبانيّ في "الإرواء"، وفي "صحيح أبي داود"، بمتابعة هشام بن عروة لحبيب في الرواية عن عروة، وشعيب الأرناؤوط في "تخريج سنن أبي داود"، دون زيادة: "وإن قطر الدم على الحصير".


8-واستدلوا من القياس؛ بأن خروج النجاسة من أحد السبيلين مؤثر في زوال الطهارة شرعاً، وإذا زالت الطهارة؛ فعند إرادة الصلاة يتوجه عليه خطاب الوضوء، وهو تطهير الأعضاء الأربعة.

وأجاب المالكية: بأن دمها هذا نادرٌ غير مُعتاد لأنه دم عرق؛ فالأولى قياسه على غيره من الدماء، وأنه لا ينقض الوضوء.

وردَّ عليهم الجمهور؛ فقالوا: إن القياس هنا جرى على غير المعتاد، وهو الودي، فكما أن الودي ينقض الوضوء، كذلك دم الاستحاضة ينقض الوضوء؛ وبناءً عليه؛ فتتوضأ لكل صلاةٍ قياساً على أصحاب الأعذار.

وقال الجمهور أيضاً: إن العلة التي أوجبت الوضوء هو خروج الدم من مخرج مخصوص، وليست العلة في الخارج.


والخلاصة

أن جملة ما يستدل به المالكية أن الأحاديث التي فيها ذكر الوضوء مضطربة، وأن الأحاديث التي ليس فيها ذكر الوضوء هي أصحُّ ما جاء في هذا الباب، ولذا قال الإمام ابن عبد البر الأندلسي: " وأما الأحاديث المرفوعة في الوضوء لكل صلاة، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة"، وقال ابن رجب: "والصواب أن هذا من قول عروة". والصحيح أن هذه الزيادة مرفوعة، وقد رواها مرفوعة أيضًا أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححها؛ فالمُتعيِّنُ هو قول الجمهور، والله أعلم



المصادر والمراجع:

-الدرر السنية؛ علوي بن عبد القادر السقاف.

-فقه السُّنة؛ سيد سابق.

-الموسوعة الفقهية الكويتية.

-توضيح الأحكام من بلوغ المرام.

-التلخيص الحبير؛ لابن حجر.

-الأم؛ للشافعي.

-بحر المذهب؛ للروياني.

-التمهيد؛ لابن عبد البر

-روضة المستبين في شرح كتاب التلقين؛ لابن بزيزة..

-النظر فيما علق الشافعي عليه بصحة الأثر.

-الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني.

-المحيط البرهاني في الفقه النعماني؛ لبرهان الدين البُخاري.

-التنبيه على مشكلات الهداية؛ لابن أبي العز الحنفي.

-الجامع لعلوم الإمام أحمد.

- كلمات السداد عَلى مَتنِ الزّاد.

-منية الساجد بشرح كفاية العابد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق