أحكام المسح على الجبائر وما يقوم مقامه في الفقه الإسلامي
د. محمد محمود عبود العيساوي
تمهيد/ تعتبر مسألة المسح على الجبائر من المسائل الحيوية في الفقه الإسلامي، والتي تمسُّ الواقع بصورة مباشرة، فكلُّ إنسانٍ مُعرَّضٌ للإصابة بما يكسر عظماً، أو يقطع عضواً، أو يُحدث جرحاً، أو يُحرق جلداً، أو ما يُمزق أربطةً، أو أوردة، ، ونحو ذلك. نسأل الله لنا ولكم العافية..
فيحتاج من هذه حاله إلى وضع العصابات المختلفة على العضو المصاب، والأدوية والمراهم المختلفة على المواضع المحترقة من الجلد أو المجروحة منه، وفي هذا البحث تعرَّض الباحث (العيساوي) إلى معنى الجبيرة في اللغة والاصطلاح، وبيَّن أنها كل ما يُوضع على الجرح أو موضع الألم لإيقاف نزيف الدم ولمنع تلوثه وطلباً لبرئه أو الكسر لتثبيته.
وقسَّم الباحث -العيساوي- دراسته إلى سبعة مطالب أساسيَّة، وهي:
المطلب الأول: حكم المسح على الجبيرة؛ وفيه حكمان:
أولاً: مشروعية المسح على الجبيرة:
ذهب جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنفية والمالكية إلى مشروعية المسح على الجبيرة، ودليلهم الأثر والإجماع والنظر.
وذهب الظاهرية وبعض الزيدية إلى عدم مشروعية المسح على الجبيرة، وأدلتهم عموم التيسير ورفع الحرج.
ثانياً: صفة المشروعية عند الفقهاء في المسح:
مذهب الشافعية والحنابلة الوجوب مطلقاً.
مذهب أبو حنيفة الندب مطلقاً.
مذهب المالكية وجمهور الحنفية إلى الوجوب إذا خاف على نفسه الهلاك، وأما إذا لم يخف على نفسه فيغسل وجوباً، ويُندب له المسح.
المطلب الثاني: حكم المسح على ما في معنى الجبيرة.
أولاً: العصائب والأربطة والخرق التي توضع على موضع الجراحة والقروح لحمايتها من الجراثيم، والأربطة التي توضع على العين التي بها رمد.
ويستدلُّ لمشروعية المسح عليها بما استدلَّ به الجمهور من الأحاديث والآثار ولإجماع، والقياس، ومن النظر: يُقل إن العصابة أو الخرقة حائلٌ على موضعٍ يُخاف الضرر من غلسه؛ فأشبه الشد.
ثانياً: المسح على اللواصق المختلفة؛ كاللواصق الطبية التي تُوضع على الجروح والقروح؛ لحمايتها من التلوث، أو لمعالجة بعض المواضع المصابة في البدن.
ويستدلُّ لها بالقياس: فاللصوق الذي تحته جُرحٌ، ولا يتمكن من نزعه، أو يُخاف بنزعه حصول الضرر على الإنسان، أو تأخُّر برئه؛ فإنه يُشرع له المسحُ عليه قياساً على الجبيرة، والمسح بدلٌ عن الغسل.
ثالثاً: المراهم والأدوية التي توضع على الجروح والشقوق والقروح في البدن، وتكون بمثابة حائل يمنع وصول الماء، والغرض منها تعجيل البُرء، أو منع تلوثها بالجراثيم والميكروبات.
وهذا كالذي قبله: ولا يترك المسح عليه، بل يضع عليه خرقةً أو جبيرةً فوق الجُرح الذي عليه المرهم وإن أدَّى ذلك إلى زوال ذلك المرهم.
المطلب الثالث: شروط المسح على الجبيرة وما في حكمها.
وجماهير العلماء الذين قالوا بمشروعية المسح على الجبائر وما في معناها؛ اتفقوا على شروط، واختلفوا في شروط:
أما الشروط التي اتفقوا عليها:
أن يتضرر العضو المصاب بالغسل أو يتأخَّر برؤه.
أن المسح يتناول منطقة الإصابة (الضرورة) فقط، وما يُحتاج إليه من الصحيح في تثبيت الجبيرة.
أن توضع هذه الجبيرة على طُهرٍ.
المطلب الرابع: المقدار الواجب مسحه من الجبيرة، وما في حكمها.
-فذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى وجوب استيعاب الجبيرة وما في حكمها بالمسح، وهو الأرجح.
-وذهب الحنفية إلى أن المطلوب مسح أكثره، أو ما يقع عليه اسم المسح.
المطلب الخامس: كيفية طهارة لابس الجبيرة، وما في حكمها.
يغسل لابس الجبيرة الصحيح من أعضائه، ثُمَّ يمسح على الجبيرة وما في حكمها، ويستوعب مسحها على الصحيح، وهل يجب عليه أن يتيمَّم أم لا؟
-ذهب الشَّافعيُّ في أظهر قوليه، وهو الأصح عند جمهور أصحابه، وهو مذهب الحنابلة إلى وجوب التيمُّم إذا تجاوز موضع الجبيرة موضع الحاجة أو وضعها على غير طهارة، وهو الصحيح الراجح.
-وذهب المالكية والحنفية، وهو قولٌ للشَّافعيِّ في القديم، وإليه ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجب التيمُّم مع غسل الصحيح من الأعضاء، والمسح على الجبيرة.
المطلب السادس: حكم الصلاة التي صلاها صاحب الجبيرة، وما في حكمها.
وهذا له حالتان:
الأولى: أن يضع الجبيرة على طُهرٍ؛ فذهب جمهور العلماء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يُعيد الصلاة،و هو الصحيح.
الثانية: أن يضع الجبيرة على غير طُهرٍ؛ فذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب إعادة الصلاة.
المطلب السَّابع: حكم سقوط الجبيرة وما في حكمها عن العضو المصاب.
لو سقطت الجبيرة عن موضعها التي رُبطت فيه بعد المسح عليها.
فلذلك حالات:
أولاً أن تسقط الجبيرة أثناء الصلاة:
-ذهب الحنفية إلى بطلان الصلاة إن كان سقوطها قبل البُرء، وإن كان سقوطها بعد البُرء فلا تبطل.
-وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى بطلان الصلاة سواءً كان سقوطها قبل البُرء أو بعده.
ثانياً: أن تسقط الجبيرة في غير الصلاة:
-ذهب الحنفية إلى وجوب غسل موضع الجبيرة إن كان ذلك بعد البُرء وهو طاهرٌ، أما إن كان مُحدثاً فيستأنف الوضوء من جديد، أما إن كان قبل البُرء فيُعيدها ولا يمسح إن كان طاهراً، أو يمسح إن كان مُحدثاً.
-وذهب المالكية إلى وجوب مسحها قبل البرء بعد ردِّها، أما بعد البرء؛ فلا بُدَّ من غسل موضعها.
-وذهب الشافعية والحنابلة إلى بطلان الطهارة والصلاة، وأنه يستأنفهما من جديد.
-وذهب الظاهرية إلى أنه لا يجب عليه شيء؛ لسقوط حكم الطهارة عن العضو المصاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق