أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 أغسطس 2021

الأربعون البلدانية أربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين مدينةً لأربعين من الصحابة- لابن عساكر

الأربعون البلدانية

أربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين مدينةً لأربعين من الصحابة

للإمام الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر

(499 -571 هـ)

تحقيق: عبدو الحاج محمد الحريري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، جمع فيه الحافظ ابن عساكر أربعين حديثاً عن أربعين صحابياً، وأربعين شيخاً في أربعين بلداً، والتي عُرفت بـ(الأربعين البلدانية)، وقد قلَّد في ذلك الإمام الحافظ أبي طاهر السِّلَفي؛ حيث جمع أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً في أربعين بلداً، وزاد عليه ابن عساكر: أن يروي كل حديثٍ عن واحدٍ من الصَّحابة، قال: وهي إذا اعتبرت تخرج في أربعين باباً، كل حديثٍ بابٌ منها، إذا جُمع إليه ما يليق به صار كتاباً. 

وقد تكلم على كل حديثٍ بما يليق به، من حيث الصحة والضعف، والقبول والرد، وذكر من أخرجه من الأئمة، وإذا ما اتفق عليه الشيخان أو انفرد بإخراجه أحدهما، مع الدقة في ضبط الألفاظ، والتعريف بأسماء الرواة، وأعيانهم، وأنسابهم، وكناهم، والتعريف بكل بلدٍ ذكره بسطرٍ واحد، وذكر أقوال أهل العلم  في كل حديث مُسندةً إليهم، وما يتفق له من علو ونزول أو موافقة أو مساواة.

ويعتبر الحافظ ابن عساكر من أحد العلماء، والحفاظ المتقنين، والأئمة المذكورين. حج إلى بيت الله الحرام، ورحل إلى بغداد مرتين، ودخل خراسان، والعراق، وأصبهان، في طلب الفقه والحديث. وجمع الأبواب والطرق والمعجم بأسماء شيوخه، وأملى في كل فن، وجمع للشام تاريخاً لم يسبق إلى مثله في ثمانمائة جزء، وكتاب الأشراف في أطراف الكتب الأربعة: أبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة ورتبها، وأتقنها إتقاناً لم يسبق إلى مثله. وتقدم وتصدر في بلده، وشهد له أهلها بالحفظ والفضل، وبنى له نور الدين الملك العادل محمود ابن قسيم الدولة داراً للحديث، وحدث بها، ونشر العلم، واجتهد في إفادته وبلغت أماليه قريب الأربعمائة، كل مجلس في فن. =قاله البكري.

وقد وضع أول الكتاب مقدمة رائقة في مدح أهل الحديث والثناء عليهم، بما لا مزيد عليه، وبادر بها إلى بيان مقصوده من هذه لأربعين، وذكر اشتغال المحدثين بتصنيفها، وأغراضهم منها، وذكر بعض من صنَّف فيها، وذكر أنه جمع ثلاث أجزاء في الأربعينات، وهي (الأربعين الطوال)، و(الأربعين في الأبدال العوال)، و(الأربعين في الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد).

وقد وقع حديثين عن صحابيين تكررا مرتين: وهما علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجميع أحاديث هذا الجزء صحيحة أو حسنة، إلا حديثاً واحداً، وهو ما جاء في الكتاب السادس عشر، وطرفه (فضل العلم أفضل من فضل العبادة وخير دينكم الورع)، قال: هذا حديث غريب.

وأما عن منهجه؛ فقد أوضحه بقوله: فأول ما أبدا به ذكر أحاديث في الحث على حفظ أربعين حديثاً من السنة، وأن من حفظها يكون فقيها مستوجبا للشفاعة، ودخول الجنة، ثم أردف ذلك بذكر حديث حديث أولاً في كل بلد دخلته من سائر الآفاق؛ من الحجاز والشام وخراسان والجبال والجزيرة والعراق، وأول ما أبدأ به ذكر الحرمين الشريفين المعظمين المكرمين، ثم الشام والعراق وأصبهان ومدن كور خراسان إلى غير ذلك من الأمصار التي دخلتها في سائر الأقطار، وقد أخرجت لذكر ذلك معجما مفرداً؛ فمن وقف عليه وجد ذكرها فيه مقيداً، ولا يتأتى ذلك إلا لذي رحلة واسعة، وصفاق آفاق =كثير أسفار، وجوَّاب بلاد شاسعة، قد أذرع الأهوال، وقطع الفراسخ، وأنفق الأموال في لقاء المشايخ ، واستهان الشدائد، وانتهز الفوائد، وقد رزق الله ـ سبحانه ـ من ذلك ما يسره، وسهل منه ما شاءه وقدره ، فله الحمد على ما أعطى ومنح ، وله الشكر على ما منَّ به وفتح، والله يعصمنا من المباهاة، ويعيننا من المنافسة والمراءاة؛ فإنه الموفق للسداد، والمعين على بلوغ المراد.

قال: وقد دخلت مدناً غير ما ذكرتُ، منها ما سمعتُ به شيئاً نازلاً، أو إنشاداً، أو لم يتفق لي فيها سماع شيءٍ: كبعلبك، وتدمر، وعرض، والرصافة، وماكسين، ورأس العين، ودُنيسر، وماردين، وأرزن، وبدليس، وخِلاط، وهيت، وعانة، والحديثة، وخور الريّ، ومرّينان، وبامين، وبورجان، وقرميسين، وقاشان، وكنكور.

ويذكر الإمام الحافظ ابن عساكر موضحاً منهجه، بقوله أول كل حديث:

 أولاً: التعريف بالبلد.

 ثانياً: الحديث وراويه

ثالثاً: درجة الحديث

وذكر أول الكتاب حديث (من حفظ على أمتي) من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي ذر، وهي أحاديث ضعيفةٌ جداً، ثم قال: وقد رُوي هذا الحديث أيضاً عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة الدوسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة الباهلي، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم -عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بأسانيد فيها كلها مقال، ليس فيها ولا فيما تقدمها للتصحيح مجال، لكن الأحاديث الضعفة إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض أخذت قوَّةً، لا سيما ما ليس فيه فرض.

ذكر الشيخ -والبلد -والصحابي:

أبو محمد عبد الله بن محمد الغزال المصري -بمكة -عمر بن الخطاب.

أبو الفتوح عبد الخلاق بن عبد الواسع الهروي -بالمدينة -علي بن أبي طالب.

أبو الحسن مكي بن أبي طالب -بمنى -عثمان بن عفان.

 أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس -بدمشق -أبي ذر الغفاري.

أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد العلوي -بالكوفة -علي بن أبي طالب.

أبو الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري -ببغداد -جابر بن عبد الله.

أبو القاسم عبد الواحد بن محمد المديني -بجي وهي شهرستان -حذيفة.

أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك المعروف بالخلال -بأصبهان -معاذ بن جبل.

أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن الحسين الهمذاني -بمرو الشاهجان -ابن عباس.

أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي -بنيسابور -قدامة بن عبد الله.

أبو القاسم تميم بن أبي سعيد المؤدب -بهَراة -معاوية بن حَيدة القُشيري.

أبو القاسم الحسين بن علي الزُّهري البُوشنجي -ببوشنج -عثمان بن حُنيف.

أبو نصر أسعد بن الموفق بن أحمد اليعقوبي -ببون -أبي شريح الخزاعي.

أبو المعالي عمر بن محمد بن عبد الله -ببُغ -خولة بنت قيس بن فهد.

أبو نصر محمد بن محمود السرخسي -بسرخس -أبي هريرة.

أبو القاسم عبد الملك بن عبد الله العمري -بأزجاة -ثوبان.

أبو نصر زهير بن علي بن زهير السرخسي -بميهنَة -جابر بن سَمُرة.

أبو المكارم محمد بن أحمد بن الطوسي -بطابران -أم حبيبة.

أبو سعد ناصر بن سهل النوقاني -بنوقان -أم الدرداء.

فاطمة بنت أبي نصر منصور البيهقية -بسانزوار =شان زوار -أبو قتادة.

أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن علي البيهقي -بخُسرو جرد -عبد الرحمن بن عوف.

أبو الحسين محمد وأبو بكر عمر ابنا محمد البسطاميان -ببسطام -كُرز بن علقمة.

أبو القاسم عبد الكريم بن محمد  الرماني -بدَامَغان -سعد بن أبي وقاص.

أبو عبد الله الحسين بن محمد السِّمناني -بسمنان -العباس بن عبد المطلب.

أبو سعد عبد الرحمن بن أبي القاسم الرازي -بالري -عمرو بن الحارث.

أبو العلاء حمد بن مكي بن حستويه الزنجاني -بزنجان =زنكان -العرباض بن سارية.

أبو اليسر عطاء بن نبهان الأبهري -بأبهر -عائشة.

أبو الفضل محمد وأبو القاسم محمود الحداديان -بتبريز -ابن مسعود.

أبو الفضل نعمة الله بن محمد المرندي -بمرند -أبي أُسيد.

أبو الخير سعادة بن إبراهيم الخُويَّيَ -بخُوّي -زيد بن خالد الجُهني.

أبو علي أحمد بن إسماعيل وأبو جعفر محمد بن عبد الواحد وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجفقاني، وأبو علي حسكا الكوركي -بجرباذقان -زُهير بن صُرد.

أبو علي أحمد بن سعد، أبو بكر هبة الله بن الفرج الهمذانيان -بهمذان -عقبة بن عامر.

أبو الحسن علي بن محمد المشكاني -بمشكان -واثلة بن الأسقع.

أبو بكر أحمد بن يحيى الروذراوري -برُوذرَّاور -عُبادة بن الصامت.

 أبو الفضل عبد الملك بن سعد التميمي -بأسداباذ -عبد الله بن عمرو.

أبو يعقوب يوسف بن بكران السهروردي -بحُلوان -زر بن حُبيش.

أبو مسعود محمود بن ابي شجاع اليزدي -بآرجيش -صهيب بن سنان.

أبو الفوارس خليفة بن محفوظ الأنباري -بالأنبار -المغيرة بن شعبة.

 أبو علي الحسن بن أبي منصور الجزري -برحبة مالك بن طوق -أبي أيوب الأنصاري.

أبو الطيب أحمد بن عبد العزيز السُّلمي -بالرافقة =الرقَّة -أبي سعيد الخدري.

ذكر البلدان التي ترجم لها:

 مكة: حرسها الله تعالى وهي البلد الأمين.

مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم: وتسمى أيضا طابة وكان اسمها في الجاهلية يثرب حرسها الله .

منى: كانت مدينة بها آدر =دور، وسوق ومسجدها مسجد الخيف مسجد شريف.

دمشق: هي أم الشام وأكبر مدنه وهي من الأرض المقدسة 

الكوفي، وهو: كوفان من أرض العراق مصرت في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

بغداد: وفي تسميتها خمس لغات وهي مدينة السلام وقبة الإسلام ودار الإمام.

جي:  وهي شهرستان مدينة أصبهان القديمة ويقال إنها من بناء ذي القرنين.

 أصبهان: وتعرف باليهودية.

مرو الشاهجان: قصبة خراسان يقال إنها من بناء الفرس.

نيسابور وتعرف بنشاور وهي أبو شهد مدينة قديمة من مدن خراسان.

هراة: مدينة من مدن خراسان.

بوشنج: مدينة من ناحية هراة.

بون: وتعرف ببنية مدينة من اعمال هراة بناحية بادغيس.

سرخس: مدينة من مدن خراسان بين مرو ونيسابور.

ارجاة: مدينة من ناحية خابران من نواحي ابيورد من خراسان.

ميهنة: مدينة خابران من ناحية ابيورد.

طابران: قصبة طوس من نواحي نيسابور.

نوقان: من طوس.

سابزوار: مدينة بهيق من نواحي نيسابور.

خسروجرد: وهي قصبة بيهق القديمة من ناحية نيسابور.

بسطام: وهي مدينة من مدن قومس.

دامغان: وهي مدينة من مدن قومس.

سمنان: وهي مدينة من مدن قومس.

الري: مدينة كبيرة من مدن قهستان.

زنجان: مدينة من مدن قهستان.

 أبهر: وهي مدينة من مدن قهستان.

تبريز: وهي قصبة أذربيجان.

مرند: وهي مدينة من مدن أذربيجان.

خوي: مدينة من مدن أذربيجان.

جرباذقان: وهي مدينة من أعمال أصبهان.

همذان: وهي مدينة كبيرة من بلاد الجبل .

 مشكان: وهي مدينة من أعمال همذان.

روذر اور: مدينة من كورة همذان

أسد آباد: وهي مدينة من نواحي همذان.

 حلوان: وهي مدينة اخر حد العراق.

أرجيش: وهو من فرج أرمينية بين خلاط وخوى.

الأنبار: من العراق وهي مدينة على شاطىء الفرات من ناحية الجزيرة.

رحبة مالك بن طوق: وهي مدينة على شاطىء الفرات مما يلي الشام.

الرافقة: وتعرف اليوم بالرقة وهي مدينة على شاطىء الفرات من الجزيرة



الاثنين، 9 أغسطس 2021

الأربعين المستغني بتعيين ما فيه عن المعين؛ للحافظ السلفي

الأربعين المستغني بتعيين ما فيه عن المعين

للإمام الحافظ الثقة الضابط

 أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني 

(ت 576 هـ)

تحقيق: مسعد بن عبد الحميد الحسيني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، تضمن أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً بأربعين مدينةً، ابتدأ فيها ببلاد الحرمين مكة والمدينة ثم غيرهما من البلاد، وقد كان السِّلفي إماماً رَحْلَة، رحل من أصبهان إلى العراق، وبلاد الجبل، وأذربيجان، وهمذان، ودخل بغداد، ودخل الشام، ودمشق، وسمع بها من مشايخ وقته، ورحل إلى الديار المصرية، فسمع بها، واستوطن الإسكندرية، وبنيت له مدرسة يدرس بها مذهب الشافعي، وجلس يملي الحديث والفقه، وعمَّر إلى المائة.

 وقد جعل السِّلفي لكتابه مُقدمة ذكر فيها استحباب العلماء لتصنيف الأربعينات، وذكر أول من صنَّف في ذلك، وبيَّن البلاد التي دوَّن فيها هذه الأربعين، وذكر مستند من صنف فيها، وهو حديث (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله يوم القيامة في زمرة العلماء والفقهاء)، وهو حديثٌ ضعيفٌ جداً، جاء عن معاذ، وأبي الدرداء، قال السِّلفي: هذا ما رواه معاذ وأبو الدرداء، وقد رواه أبو هريرة بلفظٍ هو أرجى للراوي من هذا اللفظ، والحصول على الأجر قبل الحفظ.

ثم ذكر ثلاثةً من الأحاديث الموضوعة عن ابن عباس، منها: (مَن حَفِظ عَلى أُمَّتي حَديثًا واحدًا كانَ له أجرُ واحدٍ وسَبعينَ نبيًّا صِدِّيقًا)، وهو موضوع، و: (من حفظ على أمتي حديثاً واحداً من أمر دينهم، أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً)، وهو موضوعٌ أيضاًُ، و: (مَن أَدّى إلى أمتي حديثًا يُقِيمُ به سُنَّةً، أو يُثْلِمُ به بدعةً، فله الجنةُ) وهو موضوع. 

وأكثر الأحاديث في هذا الجزء صحيحة، وقد بلغ عددها (٣٢) حديثاً صحيحاً مع ضرورة الإشارة إلى أن بعض أسانيدها ضعيفة أو ضعيفة جداً وقليلٌ منها متواتر، وأما الأحاديث الضعيفة فبلغت (٦) أحاديث على أن بعضها منكر، وأما الأحاديث الموضوعة فبلغت (حديثان).

ذكر الشيوخ والبلدان التي حدَّث عنهم بها: 

أبو الحسن حمد بن إسماعيل الهمداني -بمكة.

أبو الفرج محمد بن محمود القزويني -بالمدينة بين القبر والمقام

أبو الخطاب نصر بن أحمد القاري -ببغداد

أبو عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي -بأصبهان

أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي البرمكي -بالكوفة

أبو الحسن محمد بن جعفر العسكري -بالبصرة

أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني -بمصر

أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه -بزنجان

أبو المحاسن عبد الواحد إسماعيل بن أحمد الروياني -بالرّي

أبو الفتح إسماعيل بن عبد الجبار الماكي -بقزوين

أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني -بدون

أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد القاري المزكي -بهمذان

أبو علّان سعد بن علي بن حميد المضري -بالمراغة

أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي المعدل -بالإسكندرية

أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد الحنائي -بدمشق

أبو منصور محمد بن عبد الرحمن بن عمرو النهاوندي -بنهاوند

أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد الشافعي -بأبهر

أبو نعيم محمد بن علي بن زبزب الواسطي -بواسط

أبو القاسم محمود بن سعادة بن أحمد الهلالي-بسلماس

أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن قدويه -بالحلة المزيدية على الفرات

أبو سعيد أحمد بن الحسن بن أحمد بن علي الخانساري -بجرباذقان

أبو العباس أحمد بن إسحاق بن أحمد الأديب الساوي -بساوه

أبو طالب نصر بن الحسين الدينوري -بدينور

أبو الحمد الموحد بن محمد بن عبد الواحد الحنفي -بتُستر

أبو طاهر حمد بن محمد الكوسج -بالكَرَج

أبو محمد راشد بن علي الأسدأبادي -بالأهواز

أبو نصر أحمد بن عمر بن محمد بن ناتان -بثغر تفليس

أبو منصور محمد بن أحمد بن مهدي السَّربُجي -بنصيبين

أبو طاهر أحمد بن علي بن السيرن -بشابرخواست

أبو نصر عبد الواحد بن محمد بن عمر الولاشجردي -بالكنكور

أبو الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الآدمي -بشهرستان

أبو تمام محمد بن محمد بن محمد بن حامد -بالنعمانية

أبو عبد الله محمد بن علي بن حجيجة الدمشقي -بداريّا

أبو عمرو مسعود بن علي بن الحسين الملحي -بأردبيل

أبو منصور سالم بن محمد بن منصور العمراني -بآمد

أبو علي عبد الجبار بن سعد بن بُندار السعدي -بالأشتر

أبو الفتح أحمد بن محمد بن حامد الأسدي الحراني -بماكسين

أبو العميد عبد الكريم بن حمد بن علي الجرجاني -بالمأمونية

أبو القاسم عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن طاهر البصري -بنهر الدير

أبو القاسم ميمون بن عمر الفقيه البابي -بباب الأبواب =بدربند




الأحد، 8 أغسطس 2021

كتاب الأربعين على مذهب المتحققين من الصُّوفية؛ لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

كتاب الأربعين على مذهب المتحققين من الصُّوفية

تأليف الإمام أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (336 -430 ه)

تحقيق بدر بن عبد الله البدر

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا جزءٌ حديثي، جمع فيه الإمام أبو نُعيم أربعين أصلاً من أصول المتصوفة التي بنى عليها (المحققين من المتصوفة) مذهبهم في السلوك والاعتقاد، وتضمنت هذه الأصول ستين حديثاً، واستثنى بذلك الأصول التي وضعها الفُسَّاق وأهل الزيغ والإلحاد ممن ينتسب إلى الصوفية، وكثيراً ما كان يُشنِّع عليهم، والفائدة من وضع هذه الأصول هو التمييز بين التصوُّف الحقيقي والبدعي، وهذه الأصول وإن كان في بعضها شطط، وتكلُّف إلا أن جملتها قريبةً من زهد أهل السُّنة، لذا نرى كثيراً منها يخالف النهج العقيم الذي ارتضاه كثيرون من المنتسبين إلى التصوُّف، ممن لابس الفسق والفجور والإلحاد.

وجعل أبو نُعيم هذه الأصول كالعمدة لمن أراد أن يقتفي آثارهم، وينتحل أخلاقهم، ويعلم أنهم كانوا من أقول الناس بالحق، وآخذهم بالكتاب والسُّنة، وقد رتبها بطريقة جيدة، وعبَّر عنها بالسَّجع القصير المتضمن لبعض التكلف، أو ذكر معاني غير ظاهرة في الحديث، وبالجملة فهو في كل أصل يُعبر عن كل حالة من حالاتهم، سواءً ظهر وجه ذلك في الحديث أو لم يظهر.

وقد تضمن هذا الجزء الكثير من الأحاديث الضعيفة التي لا تصلح للاعتضاد، وبنى أبو نُعيم عليها أصول تصوف المتحققين، فجملة الأحاديث الضعيفة ثلاثين حديثاً، وأما الضعيف جداً، والوهي بمرة فهي خمسة أحاديث، وبالتالي فإن ما لا يحتجُّ به من هذه الأحاديث خمسة وثلاثين حديثاً من أصل ستين.

وهنا أذكر الباب، وأردفه بتعليق أو تعقُّب أو انتقاد:

١ - باب البيان عن علو مراتبهم وترفيع منازلهم.

التعليق: في إيراد أبي نُعيم لحديث فضالة في أهل الصُّفة، إشارةٌ إلى أمرين: الأول اختيار الفقر للمتصوف، والثاني: نسبة التصوف إلى أهل الصُّفة، ويُجاب على هذين الأمرين، بأن الصحابة لم يختاروا الفقر مع وجود الغنى، وإنما هي حالةٌ سجلها التاريخ في مرحلة من المراحل، وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم له ميأتي على وجه التثبيت، وبيان فضلهم وأجرهم عند الله، وأما بالنسبة لنسبة التصوف إلى أهل الصُّفة؛ فهو غلط من الناحية الصرفية، لأن المنسوب إلى الصُّفَّةِ هو الصُّفيُّ وليس الصُّوفيّ، وإنما التصوُّف هو لبس الصُّوف، وكان أوائلهم مختصون بلبسه.

٢-  باب البيان عن ذكر أوصاف المتحققين بالفقر

التعليق: إن اختيار الفقر كطريقة للتقرب إلى الله عز وجل أمرٌ خاطئ تماماً، وليس فيه تحقيقٌ كما يقول أبو نُعيم، وقد اشتهر المتصوفة الأوائل بذلك في البصرة، حتى أنهم سموا الجوعية أو الفقراء، وامتهن بعضهم التسوُّل، وتخلى بعضهم عن أملاكه، وتركوا الكسب، واتجه كثيرون منهم إلى التسوُّل، ولكبار الصُّوفيَّة قصص مأساوية تتحدث عن فقرهم المدقع والشديد، والصواب: أن المال الصالح مطيَّةٌ حسنة للعبد الصالح في طريقه إلى الله عز وجل، وخير عمل المرء ما كان من حلال.

٣- ومن أصولهم: السكون إلى ضمانه، والتعري من الإعراض وطغيانه

التعليق: يقصد أبو نعيم بهذا الأصل: دوام الإنفاق في سبيل الله ثقةً بما عند الله، وألا يتخلى عنها بحال، أو إيثار جمعه لطغيان حُبِّه في القلب. وهي حالةٌ حسنة لمن وُفِّق لها.

٤- ومن أصولهم: العدول عن الإدخار، والتبرؤ من الاختيار

التعليق: وهذا يشبه الأصل الذي قبله، ولعله تفصيلٌ له، وأن النفقة والبذل أولى من حالة الادخار والإمساك، وكما أن الرزق لا يأتي بالاختيار، كذلك نفقته لا تكون بالاختيار، وإنما بالموافقة لأمر الله فيه، وهذه حالٌ حسنةٌ أيضاً.

٥- ومن أصولهم: خروجهم من التبييت حذراً من التعبير والتبكيت

التعليق: لم يظهر لي وجه هذا الأصل من الحديث، ولا أجد لها معنىً حاضرٌ في ذهني، ويبدو أن أبا نُعيم كان يكتب بمشاعره لا بما يُعبر الحديث عنه، وادِّعاء تناسق ذلك مع الحديث تكلُّفٌ ظاهرٌ، لا ينبغي لعاقل أن يفعله.

٦- ومن أصولهم: التجزي بالكفاف تزييناً للعفاف

التعليق: وهذا أصلٌ جيِّد، وهو أن يقتصر الإنسان في طلب قوته على ما يكفيه، وإن كان لديه ما يفيض عن حاجته فإنه يتصدق به سداً لما نقص من كفاية غيره، وأن حالة صاحب الكفاف ينبغي أن تكون العفَّة، فيترك سؤال ما زاد عن الحاجة، وهذه زينةٌ ظاهرة وباطنة، وحالةٌ محمودة.

٨- ومن أصولهم: الإعراض عما يُلهي رعايةً لما يُدني

التعليق: وهذا أصلٌ جيدٌ أيضاً، وهو إيثار ما يُقرب من الله عز وجل، وترك كل ما يُلهي عنه، لأن في القرب تعرُّضٌ لما يُدني إلى الله وما يُحبُّه الله سبحانه، وفي التلهي بُعدٌ وإعراض عن الله، وهي حالةٌ مذمومة، ولو كان ذلك في أيسر الأشياء.

٩- ومن أصولهم: التبرُّم بما ينقضي ويبلى حنيناً إلى ما يدوم ويبقى

التعليق: وهذا أصلٌ جديرٌ بالعناية، وهو الملل والضجر بكل ما فناؤه متحققٌ ولو مآلاً، ومنها هذه الدنيا الفانية بمتاعها ومُتعها، ويدخل في ذلك المُتع المحرمة التي تنقضي بسرعة وتبقى عواقبها وندامتها في الآخرة، وهذا التبرُّم المحمود يقتضي إفراغ القلب مما يشغله من هذه الملهيات، وشغله بالحنين إلى ما يدوم ويبقى، وهو الله والدار الآخرة، فيعمل لما عساه يوفيه حسابه، ويزيده من فضله، والله يرزق من يشاء بغير حساب.

١٠- ومن أصولهم: اعتمادهم على حميد كفاية الله في الانقطاع إليه، واحترازهم من عرض الدُّنيا خوفاً من الركون إليه

التعليق: الانقطاع إلى الله عز وجل محمودٌ إذا كان المُراد به الانقطاع القلبي المقرون باعتقاد أن كمال قدرة الله، والثقة بموعوده، واللجوء إلى رحابه، وكذلك يكون محموداً إذا كان فيه احترازٌ عن كل ما يقطع عنه من أمور الدنيا، ففرق بين الانقطاع عنه والانقطاع منه، وبالطبع لا يُقصد بذلك العزلة عن الناس الناتجة عن الألم والمرارة والحسرة؛ فهذه حالة مذمومة، أو غيرها أكمل منها.

١١- ومن أصولهم: إدمانهم المراقبة في الإعلان والمخافتة

التعليق: وهذا أصل الأصول، وهو إحسان العبادة إليه، وإحسان الشكر له، وإحسان الصبر على قدره، فيراقب الله في خواطره وجوارحه، وظاهره وباطنه، وعلانيته وسره، ولا يقصد بذلك غير الله، ومن أدمن مراقبة الله عز وجل في الباطن لا بُدَّ وأن يُشرق ظاهره بالكملات التي أولها اتِّباع السُّنة، وترك البدع، وترك الحظوظ النفسانية.

١٢- ومن أصولهم: الجدُّ والمواظبة على جهاد النفس والمخالفة

التعليق: ويدخل في هذا المعنى كل مجاهدةٍ للنفس، وينبغي التفريق بين المجاهدة والكبت والحرمان؛ وإنما تظهر المجاهدة إذا اجتمع حقان أحدهما لله، وحقيقة ذلك إيثار ما يُحبُّه الله على محابِّ العبد ومرغوباته، ومن المحمود مخالفة النفس في غالب الأحيان؛ لأنها كثيراً ما تتصف بالرغبة إشباعاً للهوى واستجابةً لوساوس الشيطان، وإليه يُشير قول البوصيري في بردته:

وخالف النفس والشيطان واعصهما … وإن هما محّضاك النُّصح فاتَّهمِ

١٣- ومن أصولهم: تنفيرهم أبناء الدنيا عن ارتضاعها والاستهانة بمؤثرها واتضاعها

التعليق: يُشير بهذا الأصل إلى حقيقة أن هذه الدُّنيا كالأمِّ الرؤوم التي لا تفتأ تُرضع أبناءها، ولا يشبعون من هذا الرّضاع، لأن درَّها لذيذ، وهي حانيةٌ على كل من تعلق بها، وكلمازاد درُّها ازداد تعلُّق الطفل بها، فإن استمر العبد على هذه الحال، أخرج من الدنيا وهو لم يشبع منها بعد، كذلك لا ينبغي للعبد الصالح أن يفرح بها ويزهى إذا أقبلت بزينتها وجمالها، ولا يحزن عليها إذا أدبرت بمنغصاتها وآلامها.

١٤- ومن أصولهم: أنهم الرُّعاة لكل حق، والحُماة لكل حد

التعليق: يُشير بذلك إلى ما ينبغي عليه أن يكون المؤمن الصالح، وهو رعاية حقوق الله، وحقوق النفس والأهل، وحقوق العباد، فيردون المظالم إلى أهلها، ويعرفون لكل ذي حقٍّ حقَّه؛ فلا يغشون ولا يكذبون ولا يمتهنون عباد الله، ولا يسخرون من الناس، كما أنهم الحماة لكل حدٍّ من حدود الله؛ بصفتهم آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، حافظون لحدود الله، فيكون حرصهم على عدم ارتكاب أسباب الفسق الظاهرة، ولا يتلبسوا بخوارم المروءة المذهبة للعدالة، وهم ليسوا معصومين قطعاً، وحفظهم جارٍ قدراً ولا يمنع ذلك ارتكاب صغيرةٍ أو تلبُّسٍ بكبيرة، ولكن إذا أذنبوا تابوا، وإذا عصوا لم يُجاهروا، ومن ليس هذه حاله، فإنه منافقٌ كبير، وزنديقٌ خطير؛ فليُحذر منه أشدَّ الحذر.

١٥- ومن أصولهم: تحسين المخالفة وتمهيد العذر للموافقة

التعليق: وهذا من أصول الصُّحبة والاجتماع على الخير، وهو الارتفاق بالأصحاب والإحسان إليهم، وأن المخالفة في الرأي لا تُفسد الود، وفي هذا ردٌّ عن الثرثارون المتشدقون الذين يزعمون أنهم يكشفون ستر الله عن عباده، ويطلعون على أحوالهم وأسرارهم، ويتخلقون بأخلاق العتاة والمتكبرين، كذلك من الأصول تمهيد العذر بجعله أصلاً وركيزةً لكل من يظهر منه تكاسلٌ وتخلُّف وتقاعس، لأجل دوام الموالفة والمحبة والود، ويشترط أن لا تكون الموالفة في معصية أو بدعة عملية كانت أو اعتقادية، فإن كانت الموالفة في بدعة أو شرك أو معصية؛ فبئس الجليس جليسهم.

١٦- ومن أصولهم: رعاية حقوق المجاورة وصيانة النفس عن المحاورة

التعليق: فيرعى كل واحدٍ حق صاحبه المجاور له في طريقه إلى الله عز وجل، ويدخل فيه أدب المسلم مع أخيه المسلم، بل أدب المسلم مع جيرانه ولو كانوا غير مسلمين، كذلك ينبغي صيانة النفس عن الجدل العقيم الذي يثير مكامن الأحقاد ويظهر أسوأ ما في النفوس، إذا كان للدُّنيا، وأما الجدل لإظهار السُّنة وإبطال البدعة، ومحو الشرك ونشر التوحيد الذي جاء به السَّلف؛ فهذا أمرٌ محمود.

١٧- ومن أصولهم: إيثار الفقراء والغرباء على النفس والأهل والقرباء

التعليق: وهذا ليس على إطلاقه، فلكلِّ واحدٍ ممن ذكرهم حقٌّ ينبغي مراعاته، وإنما ذلك بحسب الأولى والأصلح؛ حتى لا يضيع الحقوق الواجبة بالحقوق المندوبة، فلكل مقام مقال.

١٨- ومن أصولهم: اختيار البذل والإنفاق والسلو عن خوف العوز والإملاق

التعليق: وهذا الأصل يشبه الأصل الرابع والخامس، فلا معنى للإعادة، ولا اعتراض على التكرار؛ فإن في الإعادة إفادة.

١٩- ومن أصولهم: اغتنامهم خدمة الشيوخ والفقراء استناناً بسيد النبيين والسفراء.

التعليق: يُستحب خدمة الصالحين والعلماء وأهل الفضل من أصحاب السُّنة والاستقامة، خلافاً للمبتدع وصاحب الخرافة، فإنه تكره خدمته، أو حضور مجلسه، أو التسليم عليه بالسيادة، أو تقبيل يده، فإن في ذلك إعانةً على هدم الدين، وترك السُّنة، وخدمة الصالحين والعلماء سُنَّة السَّلف رضوان الله عليهم؛ لإظهار فضلهم، وإعلاءً لمكانة حملة الشريعة والسُّنن، وهم ورثة الأنبياء حقاً وصدقاً، ودعك من أصحاب الدعاوي، فما أكثرهم في الطرق المبتدعة، ولا تغتر بأصحاب المظاهر أو عمائم الجهال؛ فكم سار فيها من الرمائم وذميمي الخصال.

٢٠- ومن أصولهم: نصبهم الموائد لاغتنامهم الفوائد.

التعليق: المراد بالفوائد أي الأجور والثواب عند الله سبحانه، فيطعمون الفقراء وجوعى المسلمين احتساباً لا يطلبون على ذلك مدحاً ولا ثناءاً ولا شكوراً، وهذا خُلقٌ حميد ينبغي لكل مسلم الاتصاف به، ومانراه اليوم من بعض المتصوفة من ينصب الموائد فخراً ورياءاً وسُمعةً وطلباً للثناء الحسن والجميل، ومنهم من ينصب الموائد لأصحاب المراكز والرتب ابتغاء الرفعة والعلو في الأرض، والظهور في الناس، غير البدع والأهواء التي تملأ أركانهم وقلوبهم، نسأل الله تعالى أن يُريح البلاد والعباد منهم.

٢١- ومن أصولهم: الرعاية للتزاور والتآخي طلباً للتحابب والتباهي

التعليق: المراد أنهم يحرصون على زيارة إخوانهم في الله طلباً لرضوان الله، وطلباً لمباهاة الله جل وعلا بهم في الملأ الأعلى؛ فنعم الجليس الصالح للجليس الصالح، وبئس الجليس السوء للجليس السوء، .

٢٢- ومن أصولهم: المثابرة على مصاحبة الأولياء والمسارعة إلى مؤاكلة الأنقياء

التعليق: الأولياء هم الأتقياء، وذكر الترادف من باب التنويع، فالمسلم الصادق يسعى لصحبة أولياء الله عز وجل من المؤمنين والصالحين والعلماء، لأنه ينال بصحبتهم كل خير، وفي المقابل ينفر عن أدعياء الولاية الذين يُظهرون التمسُّك بالسُّنن وهم أبعد الناس عنها، ويتشبثون بالبدع وقد أشربت قلوبهم حُبَّها، فعليك بصحبة أهل السُّنة، أصحاب الاعتقاد الخالص، والعمل الصحيح، كذلك مؤاكلتهم، فإن المؤاكلة تورث المشاكلة أو المجانسة.

٢٢- ومن أصولهم: الاجتماع على الأكل والإطعام والالتماس للبركة والإكرام.

التعليق: ومعلومٌ أن الاجتماع على الأكل والطعام سُنَّة، وكذلك الاجتماع فيه رجاء البركة والخير، شرط أن يكون الاجتماع على خيرٍ وسُنَّة، أما إذا كان الاجتماع على بدعةٍ عملية أو انحرافٍ عقدي، أو معصيةٍ ظاهرة؛ فهذا يورث الشرَّ والفساد في القلوب والأبدان.

٢٣- ومن أصولهم: رفضهم للتصنع والتكلف صيانةً للتكرم والتعفف

التعليق: وهذا ظاهرٌ جداً، فعلى المسلم ألا يتكلف إحضار ما لا يجده، بأن يستدين أو يكلف نفسه فوق طاقته لأجل الإطعام أو الضيافة، وخير الضيافة مما حضر.

٢٤- ومن أصولهم: عدولهم عن الترفُّه والتنعم، احترازاً من التولي والتصرم

التعليق: لا ينبغي لعباد الله سبحانه أن يُنسيهم ما هم فيه من النعيم حلاوة مناجاة المُنعم، ولذة القرب منه، وإلا كانت العقوبة العاجلة إعراض الله عنه، وقسوة قلوبهم لأنها لم تعد مطالع لإشراق الذكر والعبادة والمعرفة.

٢٥- ومن أصولهم: أنهم هجروا المراقد واستوطنوا المساجد

التعليق: والمراد باستيطان المساجد، أي: تعلُّق القلب بها، لا دوام المكوث فيها، وإنما يأتيها الفينة بعد الفينة، والصلاة بعد الصلاة، وإذا مكث لا يُطيل مكوثه؛ لئلا تتعطل مصالحه الدنيوية التي هي حقوقٌ أوجبها الله عليه، كذلك يستوطنون المساجد في الليل، وهي مساجد البيوت التي هي سُنَّةٌ هجرها كثيرٌ من الناس، فيقيمون الليل، ويقفون بين يدي الله سبحانه لمناجاته، ويلتمسون الأوقات الفاضلة، لا سيما الثلث الأخير من الليل؛ حيث النزول الإلهي.

٢٦- ومن أصولهم: توطين النفس على القناعة توقياً من الملامة والشفاعة

التعليق: أي تعويد النفس على القناعة بما أفاضه الله عليك من خزائن جوده، وسحائب عطفه وإحسانه، لئلا تخرج النفس عن طور العبودية بالرضا إلى الملامة والخُسران، في هذا الأصل تكلُّفٌ في الألفاظ.

٢٧- ومن أصولهم: التحرز من مخالطة الأغنياء، والتشمير في ملاحقة الأصفياء

التعليق: ولم يكن أبا نُعيمٍ موفقاً حينما ابنتى كثيراً من أصوله على الأحاديث الضعيفة، التي في الصحيح غُنيةٌ عنها، وهي أرشدُ من غيرها، والتحرز من مخالطة الأغنياء ليس على إطلاقه، بل التحرز من مخالطة عموم البشر مُقيَّدٌ بمجالس الغفلة واللهو، وأما المجالس التي يجتمع فيها الأغنياء والفقراء على طاعة الله وتعلم أحكام دينه، فلا يحترز منها، كذلك لا بُد من المسارعة في صحبة الأتقياء وأهل الفضل والسُّنة.

٢٨- ومن أصولهم: الاستقامة في التوحيد مع الملازمة للتجريد

التعليق: الاستقامة هي اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلزم سنته، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، وأعلى ذلك الاستقامة في توحيد الله عز وجل، برف جميع العبادات الباطنة والظاهره له وحده، فلا يتخذ من دون الله أنداداً يدعوهم أو يستغيث بهم أو يشركهم في الدعاء والعبادة، فكل ذلك كفرٌ لا ينبغي لمن يدعي الزهد والصلاح أن يقترفه، بل ولا أن يخطر بباله وهذه هي حقيقة الملازمة للاستقامة في التوحيد، لكي يكون القلب دائماً متجرداً مما سوى الله سبحانه، فيهدم كل تلك التعلقات بغيره سبحانه.

٢٩- ومن أصولهم: الظفر بالخصال التي ظفر بها العمال

التعليق: لا ينبغي للعبد الصالح أن تفوته الخصال الحسنة والأخلاق الكريمة، والمرأة الصالحة التي تُعينه على خيري الدنيا والآخرة، ولا يُلتفت لأولئك المتصنعون الذين يزعمون الزهد بالرهبنة وتحريم ما أحلَّه الله من المآكل والمشارب، فأولئك هم الضلال فاحذرهم.

٣٠- ومن أصولهم: التحقق بالإيمان الجامع، والتمكن من العلم النافع

التعليق: وهذا الأصل ظاهر، ولا يحتاج إلى بيان، والعلم النافع: هو كل ما يُقربك إلى الله، وشرطه أن يكون مبناه على المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الخروج عن شريعته قيد أنملة.

٣١- ومن أصولهم: لوامع اليقين للمتحققين يدافع دعاوى المدعين

التعليق: أن اليقين إذا وقر في قلوب الصادقين من عباد الله، فإنه يُدافع كل ما يُناقضه أو يُحاول أن يُنقصه أو يُنغصه، فكلما عرضت فترة أو كسل أو تراجع، اشتعل ذلك اليقين في القلب ليعود به إلى حالته الأولى؛ حيث يتعافى مما اجترحه من الآثام والسيئات.

٣٢- ومن أصولهم: القلبُ المُعمَّر بالنور والمحبَّة سالٍ عما يعقب المذبة والسبَّة

التعليق: لا شكَّ أن المحبة لله عز وجل ولنبيه صلى الله عليه وسلم توجب للعبد أن لا يلتفت لكل أولئك الذين ينتقدون في سبيل التزامها والتقيُّد بأحكامها، فلا عليك من لوم اللائمين، ولا مسبَّة الشامتين، لأن النهاية حتماً ستكون مشرقة وسعيدة، نسأل الله سبحانه أن يتولانا برحمته، ويرزقنا حسن الخاتمة.

٣٣- ومن أصولهم: التقرُّب بالنوافل يوجب أشرف المنازل

التعليق: وهذا أصلٌ لا شكَّ فيه، فكثرة الطاعة على هدى، يورث العبد أعلى المنازل وأرفعها وأشرفها.

٣٤- ومن أصولهم: إخفاء محن الأسرار من ذخائر الأبرار

التعليق: ويقصد بذلك ما يتعرض له القلب من الإحن والآلام وما يعانيه من الغربة التي يحتاج معها إلى الشكوى والعتاب والبوح، ولكن كتمان ذلك ابتغاء رضوان الله من أجل العبادات، وذخيرةٌ يدخرها الله للصالحين من عباده.

٣٥- ومن أصولهم: القلب الفارغ التقي، ترده المعارف الخفي

التعليق: وفي هذا الأصل تكلُّفٌ ظاهر في السجع، والمعنى واضح.

٣٦- ومن أصولهم: تقديم مقام المعارفين على مقامات المريدين 

التعليق: وينبغي ترك هذه التقسيمات، فإنه لا طائل تحتها، فكلنا عباد الله، وقد أقرَّ المتصوفة بأن أقصى مقامات العارف الجهل، ونحن إنما نريد المؤمن اليقظ الذي يُديم المراقبة لأوامر الله ونواهيه، ودع عنك هذه التكلفات والدعاوى التي لا يصلح بها حال، ولا يرتفع منها عمل.

٣٧- ومن أصولهم: العارف مصون عن .. والتطيش، مأمورٌ خلاف النفس والتفتش

التعليق: التكلف في ألفاظ هذا الأصل ظاهر، وهو من السجع المكروه، فليته ترك كثيراً من هذه الألفاظ، ويزيد الطين بِلَّةً الأحاديث الواهية والضعيفة جداً التي يُعلق عليها مثل هذه الأصول، فيالله الثبات.

٣٨- ومن أصولهم: من راعى من نفسه التحفُّظ والتحرُّس صحَّ منه الاعتبار والتفرُّس

التعليق: وهذا واضح؛ فمن حفظ سمعه وبصره وقلبه من خواطر السوء ونظر السوء؛ فإن فراسته ونظره في العواقب صحيحة، وليس معنى ذلك أن الغيوب تتكشَّف له أو أن الله سبحانه يهتك له ستر أخيه؛ فيطلع على خاصة أحواله، فمن زعم ذلك فهو على ضلال، فاحذره.

٣٩- ومن أصولهم: إباحة التنسُّم بشجى الأغاني، عند فتور النفس والتواني

٤٠- ومن أصولهم:مما يستحب سماعه من الغنا ما يصفو عن اللغو والخنا

التعليق: والذي أريد الإشارة إليه في هذين الأصلين إلى أن سماع القصائد والأناشيد الزهديات مُباحٌ، شرط ألا يشتمل هذا السّماع على موسيقى مُحرَّمة، أو خمور ودخان وطبول، أو رقص وخلاعة ومجون، ويحرم الانشاد بالكلمات الشركية؛ كالاستغاثات بغير الله تعالى، ودعاء غيره مما هو كفرٌ معلوم لدى العامة والخاصة، والأولى ترك هذه السماعات التي تورث القلب النفاق والقسوة بما تحويه من الكذب والمبالغات.




السبت، 7 أغسطس 2021

الأربعون المخرجة من مسموعات الفراوي

الأربعون المخرجة من مسموعات الفراوي 

تأليف أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي (ت 530 هـ)

تحقيق الشيخ الحبيب: 

قاسم محمد ضاهر أبو محمد البقاعي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا جزءٌ فيه أربعين حديثاً من الأربعينات النفيسة؛ التي يرويها أبو عبد الله الفراوي رحمه الله تعالى -بأسانيد عالية إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد اشترط فيها أن يكون شيخة كأنه سمع الحديث من البخاري (ت 256 هـ) أو من مسلم (ت 261 هـ)، أو منهما جميعاً، ولكن يأتي به من طريق آخر عن شيوخه، وهو بالنسبة لشيوخ الفراوي يُعدُّ من نوع "المصافحة"، وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف الذي روى عنه؛ فكأنه صافح ذلك التلميذ، وقد وقع المساواة في حديثٍ واحد، وهو الحديث السابع والثلاثين.

وهو في الجملة من العلوم المتعلقة بعلو الإسناد، ولطائفه.. وقد صنفه الفراوي للطلبة الراغبين في الحديث العالي، وقد بيَّن الفراوي ذلك عقب كل حديث.

الأحاديث التي وقعت عالية لشيوخ الفراوي، وترتيب ذلك بحسب مناسبة عدد الرواة، ووقوع الرواية لهم عن الشيخين أو أحدهما:

أ- ما وقع عنهما جميعاً، وجملتها "سبعة أحاديث"  (1، 2، 3، 4، 8، 9، 38).

ب- ما وقع عن البخاري وحده، وجملتها "عشرة أحاديث" (5، 10، 13، 14، 22، 25، 26، 30، 33، 35).

ج- ما وقع عن مسلم وحده، وجملتها "اثنين وعشرين حديثاً" (6، 7، 11، 12، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 23، 24، 27، 28، 29، 31، 32، 34، 36، 39، 40).

د-ما وقع للفراوي كأنه سمع مباشرةً من الإمام مسلم، وذلك في حديثٍ واحد (37). 

ذكر شيوخ الفراوي الذين وقع لهم هذا العلو، في هذا الجزء:

  • إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني (ت 455 ه)، وله حديثان (= 1، 38).

  • أحمد بن الحسن الأزهري (ت 463 هـ) (= 15).

  • أحمد بن منصور بن خلف المغربي (ت 459 هـ) (= 5).

  •  عبد الغافر بن محمد الفارسي (ت 448 هـ)، وله أربعة أحاديث (= 3، 16، 24، 39).

  • عبد الله بن محمد … (ت ؟!!) وفي مخطوط المكتبة الظاهرية غير مفهوم بمقدار كلمة، وقال المحقق إنه الطوسي (= 11).

  • عمر بن أحمد بن مسرور الزاهد (ت 448 هـ) (= 33).

  • سعيد بن أبي سعيد العيار الصوفي (ت 457 هـ)، وله أربعة أحاديث (4، 9، 13، 29).

  • سعيد بن محمد البحيري، ويُقال له: "المُزكّى"، و "العدل"، و"المُلقباذي" (ت 451 هـ) وقد أشار إلى ذلك المحقق جزاه الله خيراً، وله ست عشرة أحاديث (= 2، 6، 8، 10، 12، 13، 18، 21، 25، 28، 30، 32، 34، 36، 37، 40).

  • محمد بن عبد الرحمن الأديب، ويُقال له "الكنجروذي" (ت 453 هـ)، وله خميسة أحاديث (= 7، 17، 22، 26، 31).

  • محمد بن محمد الهاشمي (ت 479 هـ)، وله حديثان (= 19، 27).

  • محمد بن علي الخشاب الصوفي (ت 456 هـ)، وله ثلاثة أحاديث (= 20، 23، 35)..