أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 مارس 2021

كيف تشرح حديثاً الشيخ محمد بن عبدالله الخضير

كيف تشرح حديثاً

الشيخ محمد بن عبدالله الخضير

محاضرة علمية في جامع الأميرة الجوهرة بحي التعاون 

في مدينة الرياض عام 1421ه

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن علم الحديث علمٌ جليل، رفيع القدر، عظيم الفخر، شريف الذكر، لا يعتني به إلا كل حبر، ولا يُحرَمه إلا كلُّ غَمر، لا تفنى محاسنه على مرِّ الدهر، فالاشتغال بالحديث وعلومه، وتحصيله، والتصنيف فيه، خير ما يشغل المرء به وقته، وأفضل ما يسعى إليه في العمر؛ إذ هو إرث الأنبياء، ومطلب العلماء الأتقياء.

وقد توجهت جهود علماء الأمة إلى خدمة السنة، خدمةً لا مثيل لها في عهد البشرية جمعاء، تحقيقاً وتنقيحاً، وشرحاً وتوضيحاً، ونقداً لرجالها ومتونها، وجمعاً بين مشكلها، وإعمالاً لقواعد الفهم فيها، وقد تتابعت جهود العلماء في هذا العلم الشريف (علوم الحديث) تأليفاً وتصنيفاً، فألفوا في شتى جزئياته، فضلا عن كلياته؛ وتنوعت تلك التصانيف بين مختصر، ومطول، وشارح، وناظم، وما إلى ذلك ؛ فجزاهم الله خير الجزاء.

ومن هذه الجهود التي أفاد منها العلماء والطلاب هي خدمة الكتب الحديثية بالشرح والتفسير، ولا شكَّ أن شرح الأحاديث وتفسيرها، وتتبع الروايات في الأبواب المؤتلفة أمرٌ يحتاج إلى دُربة واتقان، ولا بُد أن يضاف إلى ذلك ملكة الموازنة والربط، والأهم من ذلك كله تجرُّد الطالب في البحث الحديثي للوصول إلى الحق، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليُبرئ ذمته أمام الله تعالى، فلا يتعصَّب لشخص أو مذهب أو طريقة أو طائفة، بل يكون همُّه الوصول إلى الحق، ومعرفة مراد الله تعالى من هذا الأمر أو النهي أو الخبر، 

وقبل ذلك لا بُدَّ من التأكُّد من ثبوت الخبر، ومعرفة دلالته، وسبب وروده، وحل وجه التعارض بينه وبين غيره إن وجد، ومعرفة كونه ناسخاً أو منسوخاً، وكونه راجحاً أو مرجوحاً.

ويمكن شرح الحديث بعد أن نقسّمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية ( إجمالاً).

1/ الراوي الأعلى لهذا الحديث من الصحابي أو من دونه.

2/ لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم (متن الحديث ).

3/ تخريج الحديث والحكم عليه.

أولاً: الراوي الأعلى: 

ويُمكن أن يكون صحابياً أو غير صحابي، كالتابعي ومن بعده، وإذا أردت التعريف بالصحابي تعريفاً تاماً، فعليك أن تستعرض خمس نقاط:

1/ اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره .

 2/ كُنيته.

 3/ بعض فضائله ومناقبه: ويُقتصر في ذلك على فضيلتين أو ثلاث.

 4/ عدد أحاديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ فمن الصحابة من هو مكثرٌ في الرواية، ومنهم من هو متوسط أو مُقل.

 5/ وفاته زماناً ومكاناً، وإذا لم تجد ذلك تذكر أنك لم تجده.

كيف أصل إلى معلومات بالصحابي؟

أولاً: عدد رواياته: أما الكتب التي أُلفت في عدد أحاديث كل صحابي فأصلها وأهمها كتاب للإمام ابن حزم، أسماه (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد). والعدد الذي يُطرح أمام كل صحابي ليس كل ما رَوى، بل هو عدد نسبي لما رواه في مسند بقي بن مخلد الأندلسي، كما نص عليه السخاوي في "فتح المغيث".

وخُصَّ مسند بقي بن مخلد لسببين:

1. أن ابن حزم تكفّل بعد مرويات الصحابة في هذا المسند.

2. أن هذا المسند يُعتبر أعظم موسوعة في الإسلام.

ومسند بقي بن مخلد مفقود. وقد نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي أنه موجود في مكتبة برلين بألمانيا.

ثانياً: بقية المعلومات عن الصحابي؛ فثمَّة ثلاث طرق تؤدي إليها:

الطريقة الأولى: هي معرفة الكتب المؤلفة في الصحابة خاصة. 

مثل كتاب الاستيعاب لابن عبد البر

 وكتاب أسد الغابة لابن الأثير

وكتاب تجريد الصحابة للذهبي

وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.

الطريقة الثانية: وهي معرفة الكتب المؤلفة في رجال الكتب الستة:

مثل: الكمال في أسماء الرجال لعبد الغني بن عبد الواحد الجمّاعيلي المقدسي، وهذا الكتاب له ميزتان:

الأولى: أنه أول من كتب في رجال الكتب الستة.

الثانية: أنه حنبلي المذهب.

كذلك: تهذيب الكمال للمزي.

 وتذهيب تهذيب الكمال للذهبي.

والكاشف للذهبي.

وتهذيب التهذيب لابن حجر.

وتقريب التهذيب لابن حجر.

والخلاصة للخزرجي.

الطريقة الثالثة: معرفة الكتب المؤلفة في رجال السير عموماً.

منها: سير أعلام النبلاء للذهبي، ومختصراته وتهذيباته.

كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان.

وكتاب الوافي بالوفيات للصفدي.

 وكتاب البداية والنهاية لابن كثير.

إذا كان الراوي الأعلى غير صحابي، كيف أُعرِّف به؟

1/ اسمه ونسبه بما يُميزه.

 2/ كُنيته.

3/ ذكر شيخين من شيوخه أحدهما مذكور في الإسناد؛ حتى يُستدل به على اتصال الحديث أو عدم اتصال السند. 

4/ ذكر تلميذين من تلاميذه: أحدهما في الإسناد، وذلك لمعرفة الاتصال في السند، ولارتفاع جهالة العين عن الراوي.

5/ معرفة منزلته من حيث القبول وعدمه (هل هو ثقة أو غير ثقة). 

6/ وفاته زماناً ومكاناً.

كيف أصل إلى المعلومات عن الراوي إذا لم يكن صحابياً؟

يمكن الوصول إلى المعلومات عن الراوي غير الصحابي بطريقتين:

الأولى: عن طريق الكتب العامة في التراجم.

الثانية: عن طريق الكتب الخاصة.

ومثال الكتب العامة: مثل سير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام، والتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وغيرها.

وأما الكتب الخاصة، فمنها:

  • الكتب المؤلفة في تراجم رجال كتب مُعينة 

-الكتب المؤلفة في الثقات: 

مثل ثقات ابن حبان.

وثقات ابن شاهين.

وثقات العجلي.

-والكتب المؤلفة في الضعاف خاصة، مثل: 

الضعفاء والمتروكين للنسائي، وكذا للدارقطني.

والضعفاء للبخاري.

والضعفاء للعُقيلي.

ومن أهمها الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. 

وأيضاً ميزان الاعتدال للذهبي.

 ولسان الميزان لابن حجر.

-أو كتب ال الكنى خاصة، مثل: 

كنى الدولابي.

وكُنى البخاري.

وكُنى مسلم.

والاستغناء في معرفة حملة العلم بالكنى لابن عبد البر.

- الكتب المؤلفة في البلدان مثل: 

تاريخ بغداد.

وتاريخ دمشق.

وتاريخ حلب.

وتاريخ جُرجان.

وتاريخ داريا.

أو الكتب المؤلفة في الأنساب، مثل:

الأنساب للسمعاني.

والُلباب للسيوطي، ولُب اللباب.

***

ثانياً ما يتعلق بلفظ الحديث (متنه):

وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إما كلام مُفصَّل ومُبيَّن بحيث لا يحتاج إلى مزيد إيضاح وشرح، أو كلامٌ مُجمل يحتاج إلى تبيين وتفصيل بالنظر إلى الروايات الأخرى من الشواهد والمتابعات.

 كيف أصل إلى معاني الحروف ؟

يُمكن الوصول إلى معاني الحروف وأصول الكلمات بالرجوع إلى الكتب المؤلفة في كتب الحروف والمعاني، وهذه الكتب كثيرة منها:

الجنى الداني للمُرادي، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي، ومعاني الحروف للرماني، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، واللامات للزجاجي، واللامات لابن كيسان، والنحاس أيضاً، وابن فارس، وأبو الحسن الهروي. وغيرهم.

كيف يمكن الوصول إلى معاني الألفاظ؟

والجواب أن ذلك يتمُّ بطريقتين:

الطريقة الأولى: عن طريق الكتب المؤلفة في غريب حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ومنها: 

غريب الحديث للهروي، وغريب الحديث لابن قُتيبة، وغريب الحديث لابن الجوزي، وغريب الحديث لإبراهيم بن إسحاق، وغريب الحديث لابن قدامة، الفائق في غريب الحديث للزمخشري، وأعظم هذه الكتب وأهمها وأولها وأساسها وأجمعها النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.

الطريقة الثانية: عن طريق الكتب المؤلفة في معرفة معاني ألفاظ لغة العرب، والكتب المؤلفة في بيان ألفاظ اللغة العربية كثيرة منها:

الصحاح للجوهري وشروحه، مختار الصحاح وتاج العروس للزبيدي، القاموس المحيط للفيروزأبادي، لسان العرب لابن منظور، وتهذيب اللغة لابن فارس، ومنها أيضاً المُحكم والمخصص لابن سِيدَه، وغيرها.

أنواع الأحكام المستمدة من لفظ الحديث ؟

وهي نوعان:

 1/ إما حُكم مُجمعٌ عليه، ويُنمكن الوصول إليه بطريقتين: 

(الأولى): وهي الكتب المؤلفة في الإجماع خاصّة. مثالها: كتاب الإجماع والأشراط والأوسط لابن المنذر، وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم مالم ينتقده شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمراتب الإجماع، وكتاب الإفصاح لابن هُبيرة، وكتاب موسوعة الإجماع للسعدي أبي حبيب.

(الثانية): التنصيص عليه من إمام . والتنصيص عليه من إمام سواءً نص عليه إمام في كتب شروح الفقه أو في كتب شروح الحديث وغيرها.

 2/ حكم مختلف فيه، ويُمكن الوصول إليه بطريقتين أيضاً:

(الأولى): الكتب المؤلفة في المذاهب المتبوعة.

أ. المذهب الحنفي: 

الهداية للمرغيناني وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي.

وشرحه فتح القدير لابن الهُمام.

ب. المذهب المالكي: 

المدونة للإمام مالك.

والتمهيد والاستذكار والكافي في مذهب أهل المدينة لابن عبد البر.

ج. المذهب الشافعي: 

الأم للإمام الشافعي.

مختصر المُزني وشرحه المسمى بـالحاوي الكبير للماوردي.

والمهذّب لأبي إسحاق الشيرازي وشرحه المسمى بالمجموع، وقد تناوله بالشرح ثلاثة: أولهم الإمام النووي، ثم السبكي، وأكمله المُطيعي.

قال العلامة الكبير الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: من وقف في مسائل الخلاف على المجموع وعلى المغني فقد استوفى المسألة .

د. المذهب الحنبلي: 

العمدة والكافي والمقنع والمغني كلها لابن قدامة المقدسي.

ولا بُدَّ من التنبُّه هنا: إلى ضرورة معرفة الاصطلاحات الخاصة في كل مذهب، ومعرفة الراجح والمرجوح؛ فمثلاً: لا بُدَّ من معرفة:

-أيُّ الرواة أقوى عند الاختلاف على الإمام مالك.

-متى يُعمل بالقديم والجديد من قولي الإمام الشافعي.

-وأيُّ الرواة المعتمدة في مذهب أحمد.

-وأيُّ الرواة المعتمدة في مذهب أبي حنيفة.

* * * * *

ثالثاً: كتب شروح الحديث:

فننظر أولاً إلى من أخرج هذا الحديث ثم نرجع إلى شرحه.

* فإن كان الحديث في البخاري:

فنرجع إلى شروح البخاري الكثيرة ومنها:

أعلام الحديث للخطابي. 

فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي.

فتح الباري لابن حجر العسقلاني.

 إرشاد الساري للقسطلاني.

عمدة القاري للعيني.

شرح الكِرماني .وغيرها..

* وإن كان الحديث في مسلم:

 فنرجع إلى شروح مسلم الكثيرة ومنها:

المُعلم بفوائد صحيح مسلم للمازري. 

إكمال المُعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض.

المُفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي.

شرح النووي على مسلم .

 شرح الأُبي على مسلم.

فتح المُلهم بشرح صحيح مسلم للشبّير بن أحمد العثماني .وغيرها.

* وإن كان في سنن أبي داود:

معالم السنن للخطابي.

 شرح بدر الدين العيني.

عون المعبود وغاية المقصود للعظيم أبادي.

بذل المجهود في حل سنن أبي داود للسهارنفوري.

المنهل العذب المورود لمحمود محمد خطاب.

 وتكملته المسمى فتح الملك المعبود لابنه أمين محمود خطاب.

* وإن كان في سنن الترمذي:

عارضة الأحوذي لابن العربي.

النفح الشذي لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي.

قوت المغتذي للسيوطي.

تحفة الأحوذي للمباركفوري.

* وإن كان في سنن النَسائي:

حاشية السيوطي على سنن النسائي ، حاشية السندي ، شرح للشنقيطي ، شرح لمحمد الأثيوبي المولوي.

* وإن كان في سنن ابن ماجه:

حاشية للسيوطي. 

حاشية السندي.

 شرح ابن قُليج الحنفي وهو أعظم شروحه، وقد حقق أجزاء منه الشيخ عبدالعزيز الماجد رحمه الله.




الأربعاء، 24 مارس 2021

القول المعروف في فضل المعروف -العلامة مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي

القول المعروف في فضل المعروف

العلامة مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي

 (ت 1033 هـ/ 1624 م)

تحقيق: محمد أبو بكر عبد الله باذيب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ تميزت الأمة الإسلامية بعدة مقومات وخصائص، جعلت منها خير أُمَّةٍ أخرجت للناس، ومن أبرز هذه المقومات والعوامل: الإيمان بالله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت هذه الأمة أنفع الأمم للبشر، وأكثرها تبعاً للأنبياء، وامتلكت موازين دقيقة للتصورات والأحكام؛ فلا يمكن أن تجتمع على ضلالة، وقد فُضلت بأعظم كتاب في الوجود وهو القرآن الكريم خير الكتب السماوية، كما أنها تشرف برسول صلى االله عليه وسلم أفضل الأنبياء، كما أن الأمة الإسلامية هي أكثر أهل الجنة عدداً.

والمعروف في اللغة ضد المنكر، وهو كل ما عرفته العقول والقلوب والطبائع، ويُطلق على المعلوم الذي هو ضدُّ المجهول، ويُطلق على ما يُستحسن من الأقوال والأعمال، ويُطلق على العُرف وهي العادة التي عرفها الناس، وقد عرَّفه العلماء: بأنه اسمٌ جامعٌ لكل ما عرفه الشارع من الطاعات والقُرب. 

والمنكر: هو الذي أنكرته العقول والقلوب والطبائع، فهو ما لا أصل له، أو المجهول المنكر في أصل الخلقة، ويشمل ذلك المعاصي.

أنواع المعروف:

والمعروف نوعان: قولي وعملي، فمن القولي: طيب الكلام وحسن البشر، والتودُّد بجميل القول. والباعث عليه: حسن الخلق ورقة الطبع، لكن لا يسرف فيه فيكون مَلِقًا مذمومًا، وإن توسط واقتصد فهو به محمود، وفي منثور الحكم: من قلَّ حياؤه قلَّ أحبَّاؤه.

ومن العملي: بذل الجاه، والإِسعاف بالنفس، والمعونة في النائبة، والباعث عليه: حب الخير للناس، وإيثار الصلاح لهم، وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حد. بخلاف الأولى، فإنها -أي: الأفعال-، وإن كثرت: أفعال تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر، ونفع على المُعان بها في التخفيف والمساعدة.

من المعروف قضاء الحوائج:

ومن المعروف قضاء حوائج الناس، وتسليتهم عند الشدائد، ومواساتهم في المصائب، قال الغزالي -رحمه الله: وقضاء حوائج الناس له فضل عظيم، والعبد في حقوق الخلق له ثلاث درجات:

الأولى: أن ينزل في حقهم منزلة الكرام البررة، وهو أن يسعى في أغراضهم رفقًا بهم وإدخالًا للسرور عليهم. 

الثانية: أن ينزل منزلة البهائم والجمادات في حقهم فلا ينلهم خيره لكن يكف عنهم شره. 

الثالثة: أن ينزل منزلة العقارب والحيات والسباع الضارية، لا يرجى خيره ويتّقى شره، فإن لم تقدر أن تلحق بأفق الملائكة، فاحذر أن تنزل عن درجة الجمادات إلى مراتب العقارب والحيات، فإن رضيت النزول من أعلى عليين فلا ترضَ بالهوي في أسفل سافلين، فلعلك تنجو كفافًا لا لك ولا عليك.

هذا الكتاب من المصنفات في الأربعينات:

ويُعد هذا الكتاب من الكتب المصنفة في الأربعينات، فقد جمع الشيخ الكرمي أربعين حديثاً في فضل المعروف ومساعدة الآخرين، وغالبها من الجامع الصغير للسيوطي، وقليلٌ منها لم تُذكر فيه، وقد حقَّق الشيخ (باذيب) هذا الكتاب تحقيقاً جيداً، مع ذكر شرحٍ حسن عقب الحديث بحسب الحاجة إلى ذلك.

الشيخ مرعي الكرمي:

ومؤلفه هو الشيخ الفلسطيني مرعي بن يوسف الكرمي -نسبةً إلى طور كرم -قرية تقع شمال غرب نابلس، وكانت تُسمى في عهد صلاح الدين (الطراز الأخضر)، الحنبلي مذهباً، وكان أحد محققي مذهب الحنابلة، ويقول في ذلك:

ولئن قلَّد الناس الأئمة إنني … لفي مذهب الحبر ابن حنبل راغب

أقلد فتواه وأعشق قوله  … وللناس فيما يعشقون مذاهب


  • أطراف الحديث مع الحكم على إسناده:

اطْلُبوا الخيرَ عِنْدَ حِسَانِ الوُجُوه/ حسن لغيره ؟!!.

اطْلُبُوا المعْروفَ من رُحَماء أُمَّتي/ ضعيف.

إنَّ الله تَعالى جَعَل للمَعْروفِ وجُوهًا مِنْ خَلْقه/ ضعيف.

إِنَّ أوَّلَ أَهْلِ الجنةِ دُخُولًا الجنةَ أهلُ المعرُوفِ/ ضعيف.

إنَّ أهْلَ المعرُوفِ في الدُّنيا أَهْلُ المعروفِ في الآخِرَة/ صحيحٌ لغيره.

صَنَائِعُ المعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ/ ضعيف.

إنَّ أحَب عِبادِ اللهِ إِلَى اللهِ مَنْ حُبِّبَ إليهِ المعروف/ ضعيف.

إِن مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ للخَيْر مَغَالِيقَ للشَّرِّ/ ضعيف.

طُوبَى لِمنْ جَعَلْتُ مَفَاتِيحَ الخيرِ عَلَى يَدَيْه/ ضعيف.

إن الله تَعَالَى جَعَلَ للمعْرُوفِ وُجُوهًا مِنْ خَلْقِهِ/ ضعيف.

كلُّ معروفٍ صدقةٌ/ حسن.

كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة/ ضعيف.

لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا/ صحيح.

إنكم لا تَسَعون الناسَ بأموالِكم/ ضعيفٌ جداً

كلُّ معروف صدقة، والدالُّ على الخير كفاعله/ ضعيف.

إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان/ ضعيف.

من أغاثَ ملهوفًا كتَبَ الله تعالى له ثلاثًا وسبعين حسنة/ موضوع.

إن لله عزَّ وجل خَلقًا خَلَقَهم لحوائج الناس/ ضعيف.

إن لله عبادًا استخصَّهم لنفسه لقضاء حوائج الناس/ لا أصل له.

من قضى لأخيه حاجة كنتُ واقفًا عند ميزانه، فإن رجح وإلَّا شفعت/ موضوع.

منْ مشى في حاجة أخيه كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة/ موضوع.

من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن حج واعتمر/ موضوع.

من مشى مع أخيه في حاجة ...جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق/ لا يُعرف.

من قضى لأخيه حاجة كان كمن عبد الله عُمْرهُ/ موضوع.

من كان وصلةً لأخيه المسلم…  أعانه الله على إجازة الصراط/ إسناده تالف.

من ستر مسلمًا … من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته/ صحيح.

من فرَّج…. والله عزَّ وجلّ في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه/ صحيح.

إن لله عبادًا اختصَّهم بالنِّعَمِ لِمنافع العباد/ ضعيف.

أفضل الصدقة صدقة اللسان/ ضعيفٌ جداً.

إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك.../ ضعيف.

 أيُّ العمل أفضل؟ قال: أن تُدخل على أخيك المسلم سرورًا/ ضعيف.

لا يضعُ الله الرحمة إلَّا على رحيم/ موضوع.

إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي/ موضوع.

الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن/صحيح.

الخلق عيال الله فأحبُّهم إلى الله أنفعُهُم لعيالِه/ ضعيف جداً.

خير الناس أنفعهم للناس/ حسن.

هَلْ تُنْصَرُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُم بِدَعْوَتِهمْ وإخْلاَصِهمْ/ صحيح.

مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد/ صحيح.

المؤمنُ أَخو المؤمن… يَكُفُّ عَلَيه ضَيْعتَه ويحفظُه من وَرَائِه ويحُوطُه/ حسن.








الثلاثاء، 23 مارس 2021

التسديد شرح حديث النزول من كتاب التمهيد -للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري

التسديد شرح حديث النزول من كتاب التمهيد

للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري

القرطبي المالكي (ت 463 هـ)

عناية وتعليق: د. محمد يُسري إبراهيم

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ لما كان توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته من أعظم المهمات المتحتمات، اشتدَّت عنايةُ سلفنا الصالح بتأصيله، وتفصيله، والاستدلال له وتعليله، فتارةً يُفردون له المصنفات المستقلة، وأخرى يعرضون له في ثنايا شروح الآيات البيِّنات، والأحاديث المحكمات، ومن ذلك النوع من العناية بتوحيد الصفات هذه الرسالة التي شرح فيها الإمام ابن عبد البر حديث النزول في كتابه التمهيد الذي هو شرح موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى.

وقد نقل الشيخ المُحقق جزاه الله خيراً في مُقدمة كتابه آثاراً عظيمة، يُبرهن من خلالها اتحاد منهج السلف في الأسماء والصفات نقلاً عن أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب، وغيره من الصحابة، والتابعين، وأصحاب المذاهب المتبوعة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد، والأئمة المحدثين كالترمذي، والدارمي، وابن خزيمة، وغيرهم. مُبيناً أن عقيدة السلف تقوم على الإيمان بالصفات جميعاً، وحملها على الحقيقة اللائقة بالله تعالى، بغير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل.

وذلك في مقابل التردد والتذبذب، والحيرة و التناقض الذي وقع فيه الخلف من أهل الأهواء، والفرق غير المستقيمة.

=============================

● أهمية هذه الرسالة:

1- أن مؤلفها هو إمامٌ مُتفق على إمامته وجلالته، فتوثيقه، والترضي عنه، والإشارة إليه بمنصب الإمامة في الدين، موضع اتفاق بحمد الله من أهل السنة جميعاً مُحدثين وفقهاء.

2- أنه ولد بيقين بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وبعد انتشار مذهبهما في الأمصار، فكان سُنياً وسلفياً، ولم يكن مُتكلماً، ولا أشعرياً، ولا ماتريدياً.

3- أن منهج الإمام ابن عبد البر هو التعامل مع أحاديث الصفات على وفق صحيح منهج السلف، وذلك قبل أن يُعرف التأويل والتعطيل، وقبل أن يُسمع تفويض المعاني، أو تحريفها، وهو منهج خير القرون السالفات على الهدى، وهو ما قفاه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن جاء بعده في مدرسته، ومن ينظر في كلام ابن تيمية وتلامذته، ويُقارن بينه وبين كلام ابن عبد البر يعلم أنه يخرج من مشكاةٍ واحدة، مع كون ابن عبد البر مات قبل ولادة ابن تيمية بنحو قرنين من الزمان !.

4- وليس هذا هو منهج تفرد به ابن عبد البر ولا غيره، بل هو على التحقيق معتقد أهل الإسلام الصافي من لوثات فلسفات اليونان، وهرطقة المناطقة، وشُبه المتكلمين، والحمد لله رب العالمين.

=============================

● منهج الإمام ابن عبد البر في كتابه هذا:

1- أنه يثبت هذا الحديث، ويوثقه، ويتكلم عن رواياته ورجاله، من باب تثبيت الأصل المستند إليه في بيان العقيدة.

2- أنه تناول إثبات العلو والفوقية له تعالى، لأن النزول يدل عليه، وعرَّج على إثبات الاستواء على العرش؛ لأنه دليل الاستعلاء، وعرَّض بأقوال الجهمية المخالفين مُنكِراً لها.

3- أنه تناول أقوال المخالفين وشبهاتهم بالتفنيد، ورد على دعوى المجاز في الاستواء، وبيَّن أن الأصل في الكلام الحقيقة، وحدَّد معنى الاستواء في اللغة، وردَّ أثراً مُنكراً عن ابن عباس يستدلُّ به المخالفون على ان الله في كل مكان !!.

4- رتب الأدلة على العلو ترتيباً صحيحاً، فجاء بدلالة الفطرة على العلو، ثُم ثنَّى بالأدلة النقلية، ثُم ثلَّث بالأدلة العقلية، ونفى جريان القياس بينه تعالى وبين خلقه.

5- أنه تناول صفة النزول ببيان الموقف الصحيح منها، وذكر عقيدة أهل السنة في باب الصفات إجمالاً، وانتقد طريقة المتكلمين المتأولين، وردَّ على من نقل التأويل عن الإمام مالك وغيره، كما ردَّ على المتكلمين المفوضين لمعاني الصفات.

6- وأنه أثبت لله تعالى الرؤية في الآخرة، وذلك في ثنايا رده الشبهات، وردَّ الشبهة الواردة حول الرؤية.

7- أنه استكمل شرح الحديث ببيان فضيلة الاستغفار وأهميته، والدعاء في ثلث الليل الآخر، ومزيَّتُه.

=============================

● نصُّ حديث النزول (من الموطأ):

(30) قال عُبيد الله بن يحيى الليثي: وحدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا، تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا. حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ "

=============================

● قال ابن عبد البر رحمه الله:

1-  درجة الحديث:

قال: وهو حديث منقول من طرق متواترة ووجوه كثيرة من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم.

2- الاستدلال على علو الله، واستوائه على عرشه:

قال: وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش .

3- الاستدلال بالفطرة على علو الله عز وجل:

قال: ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع، أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم، إذا كربهم أمر، أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرارٌ لم يؤنبهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.

4- الدليل النقلي على علو الله عز وجل:

قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم للأَمَةِ التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: من أنا؟ قالت: رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة. فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه.

5- الدليل العقلي على علو الله عز وجل:

قال: وأما احتجاجهم بأنه لو كان في مكان لأشبه المخلوقات؛ لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق ؟!

فهذا شيء لا يلزم ولا معنى له؛ لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه، ولا يقاس بشيء من بريته، لا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس، لا إله إلا هو كان قبل كل شيء، ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما، وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له.

وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه: لا يعقل كائن لا في مكان ما، وما ليس في مكان فهو عدم.

6- الرَّدُّ على من قال استوى بمعنى استولى:

قال: وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى: استولى فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز.، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، والاستواء معلوم في اللغة، ومفهوم، وهو: العلو، والارتفاع على الشيء، والاستقرار، والتمكن فيه.

7- الردُّ على أثرٍ ضعيفٍ باتفاق:

قال: وأمامن نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن واقد الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الصمد، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى}، قال: استوى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان ؟!

فالجواب: أن هذا حديث منكر عن ابن عباس، ونقلته مجهولون ضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي، وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان. وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يُعرف. وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا أو أنصفوا .

8- إثبات صفة النزول:

قال: وقد أكثر الناس التنازع في  هذا الحديث (ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا) والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصدقون بهذا الحديث، ولا يكيفون. والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة.

9- خُلاصة اعتقاد الإمام أبو عمر ابن عبد البر:

أ- قال أبو عمر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة. والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة.

وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبهٌ. وهم عند من أثبتها نافون للمعبود. والحقُّ فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمد لله.

ب - قال أبو عمر: الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة، وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد والكيفية في شيء منه.

10- انتقاد ابن عبد البر طريقة المتكلمين من الأشعرية وغيرهم:

قال أبو عمر: الذي أقول أنه من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن، وسائر المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجاً علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجباً، وفي الجسم ونفيه، والتشبيه ونفيه لازماً ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من عملهم مشهوراً، أو من أخلاقهم معروفا لاستفاض ذلك عنهم، ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات.

وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) عندهم، مثل قول الله عز وجل: {فلما تجلى ربه للجبل}، ومثل قوله: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً}، كلهم يقول: ينزل، ويتجلى، ويجي،ء بلا كيف.

ولا يقولون: كيف يجيء؟ وكيف يتجلى؟ وكيف ينزل؟ ولا من أين جاء ؟ ولا من أين تجلى ؟ ولا من أين ينزل؟  لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء.

وفي قول الله عز وجل: {فلما تجلى ربه للجبل} دلالةٌ واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجلياً للجبل، وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل.

ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز وجل {فلما تجلى ربه للجبل}، فلينظر في تفسير بقي بن مخلد، ومحمد بن جرير (9/ 52- 54)، وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية. وبالله العصمة والتوفيق

11- فضيلة الاستغفار والدعاء في الثلث الأخير من الليل:

قال أبو عمر: وفي هذا الحديث أيضاً دليلٌ على غفران الذنوب، وإجابة الدعوة. ودليلٌ على أن من أجزاء الليل وقتاً يُجاب فيه الدعاء. ولكن من مقدار ثلث الليل الآخر. وقد قيل من مقدار نصف الليل إلى آخره. وكل هذا قد روي في أحاديث صحاح. ولم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث، ولقوله عز وجل {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران: 17).

=============================

اختصره، وهذبه: أ. محمد حنونة.