أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 سبتمبر 2023

فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة إعداد عبد المحسن بن حمد العباد البدر بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة

إعداد عبد المحسن بن حمد العباد البدر

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه رسالة مختصرة في فضل أهل البيت عند أهل السنة والجماعة، ذكر فيها المؤلف عشرة فصول تدل على علو مكانتهم، ورفعة منزلتهم، وتتضمن عقيدة أهل السنة فيهم، وفي هذا المقال تطرقنا إلى بعض موضوعات الكتاب، مثل: (مجمل عقيدة أهل السنة في أهل البيت)، و(الفتنة بين الصحابة)، و(مقارنة بين عقيدة أهل السنة وغيرهم في الآل)، و(تحريم الانتساب إلى أهل البيت بغير وجه حق)، و(عقيدة الشيعة في الصحابة).

ويشتمل على عشرة فصول، بيانها فيما يلي: 

الفصل الأول: من هم أهل البيت؟ 

الفصل الثاني: مُجمل عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت. 

الفصل الثالث: فضائل أهل البيت في القرآن الكريم. 

الفصل الرابع: فضائل أهل البيت في السنة المطهرة. 

الفصل الخامس: علو مكانة أهل البيت عند الصحابة وتابعيهم بإحسان. 

الفصل السادس: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابة من أهل البيت. 

الفصل السابع: ثناء بعض أهل العلم على جماعة مـر الصحابيات من أهل البيت

الفصل الثامن: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من التابعين وغيرهم من أهل البيت. 

الفصل التاسع: مقارنة بين عقيدة أهل السنة وعقيدة غيرهم في أهل البيت. 

الفصل العاشر: تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت

مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت 

عقيدة أهل السنة والجماعة وسط بين الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء في جميع مسائل الاعتقاد، ومـن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرسول ، فإنهم يَتوَلُّونَ كلَّ مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب، وكذلك زوجات النبي جميعاً، فيُحبُّون الجميع، ويُثنون عليهـــم، ويُنزلونَهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعسُّف.

ويعرفون الفضلَ لِمَن جَمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله ، فإنهم يُحبُّونَه لإيمانه وتقواه، ولصُحبَتِه إيَّاه، ولقرابَتِه منه الله. ومن لم يكن منهم صحابياً، فإنهم يُحبُّونَه لإيمانه وتقواه، ولقربه من رسول الله .

ويرون أنَّ شرف النِّسَب تابع لشرف الإيمان، ومَن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن، ومَن لَم يُوَفِّق للإيمان، فإنَّ شرف النِّسَب لا يُفيده شيئاً، وقد قال الله عز وجل: ﴿إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقال في آخر حديث طويل رواه مسلم في صحيحه (٢٦٩٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ومَن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه».

وقد قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله -في شرح هذا الحديث في كتابه جـامع العلوم والحكم (ص: ٣٠٨): معناه أنَّ العمل هو الذي يَبْلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾، فَمَن أبطأ عمله أن يبلُغَ به المنازل العالية عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبه، فيبلغه تلك الدرجات؛ فإنَّ الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾.

وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال، كما قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَاءِ وَالضَّرَّاء وَالكَاظِمِينَ الغيظ﴾ الآيتين.

وقال: ﴿إن الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجلَةٌ أَنْهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُون فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ ثمَّ ذَكَرَ نصوصاً في الحث على الأعمال الصالحة، وأنَّ ولايةَ الرَّسول له الله إنما تُنالُ بالتقوى والعمل الصالح، ثمَّ ختمها بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح البخاري (٥٩٩٠) وصحيح مسلم (۲۱٥)، فقال: ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول: «إِنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليّي الله وصالِحُ المؤمنين»، يشير إلى أنَّ ولايته لا تُنال بالنِّسَب وإن قَرب، وإنما تُنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيماناً وعملاً فهو أعظم ولايةً له، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن.

وفي هذا المعنى يقول بعضهم: 

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه .. فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب 

لقد رفع الإسلام سلمان فارس  .. وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب

الفتنة بين الصحابة

وما جرى من الفتنة بين الصحابة بعد مقتل عثمان؛  فهم فيه مجتهدون فمن أصاب فله أجران، أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته الحق، ومن أخطأ فهو معذور، والخطأ مغفور، وله أجر الاجتهاد، وهو لم يتعمد الخطأ. فيجب الاسترجاع على تلك المصائب، والاستغفار للقتلى من الطرفين، والترحم عليهم، والترضي عنهم، وحفظ فضائل الصحابة وسبقهم إلى الإيمان، والاعتراف لهم بسوابقهم في نصرة الدين، والجهاد والهجرة، ونشر مناقبهم، عملاً بقول الله وجَل: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُو مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَالإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَنِ﴾ (الحشر : ١٠).

 أولاً: قتال أهل الجمل

* موقعة الجمل كانت بمحض فعل السبئية، قبحهم الله تعالى، فإن طلحة والزبير وعائشة و قد بايعوا علياً لكنهم طالبوا بالثأر لعثمان له، لكنه استمهلهم حتى يلتئم شمل المسلمين، فاتفقوا، حتى أن عليا والزبير وطلحة هم باتوا متصالحين بخير ليلة، فحزن أهل الفتنة حزنًا شديدا، وأنشبوا القتال بين الفئتين في الغلس بقتل الناس وهم نيام، فثار الناس من نومهم إلى السلاح، حتى انكشف الحال عن تلك المصيبة العظيمة، وكانت سنة ست وثلاثين للهجرة . 

ولما انتهت المعركة مر علي بن أبي طالب له بين القتلى، فوجد طلحة بن عبيد الله حوله، فأجلسه التراب عن وجهه وقال: عزيز علي أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء أبا محمد وبكى، وقال: وددت أني قد مت قبل هذا بعشرين سنة. [ تاريخ دمشق لابن عساكر وأسد الغابة ٣/ ٨٨].

ولما دخل ابن جرموز قاتل الزبير على عليه ومعه سيف الزبير وهو يقول: قتلت الزبير، قتلت الزبير، فلما سمعه علي قال: إن هذا السيف طالما فرج كرب رسول الله ﷺ [أسد الغابة ١٩٩/٢]، وقال: قال ﷺ: «بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ، ولم يأذن له بالدخول» [طبقات ابن سعد ٣/ ١٠٥].

وكان ابن جرموز قد طعنه من خلفه وهو يصلي، وقال بنو تميم قوم ابن جرموز يوبخونه: فضحت اليمن بأسرها، فقتلت الزبير رأس المهاجرين، وفارس رسول الله ﷺ، وحواريه، وابن عمته، والله الفتنة ليزيدنك علي بن أبي طالب له أن يبشرك بالنار. 

ويقول ابن العربي المالكي: وأما خروج عائشة منها إلى حرب الجمل، فما خرجت الحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما حاروا إليه من عظيم وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، فخرجت مقتدية بقول الله تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ ذلك هي مِّن نَّجْوَنهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاح بَيْنَ النَّاسِ﴾ (النساء:١١).

 وممن وافق عائشة في السير إلى البصرة حفصة بنت عمر، لكن أخوها عبد الله بن عمر عزم عليها ألا تخرج، ومما يؤكد موافقة أمهات المؤمنين لعائشة لها أنهنَّ خرجن مودعات لها حين خروجها للبصرة والتشجيع لها على أمرها، حيث خرجت للإصلاح، من فروض الكفاية الذي يسقط بقيام البعض به، وكانت عائشة لها مؤهلة لتلك المهمة، فهي أكثر هنَّ فقها بإجماع جمهور المسلمين، قال عروة بن الزبير منها: لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة ولا بسنة ولا بقضاء منها. [ سير أعلام النبلاء ١٨٣/٢]

ومرور أم المؤمنين عائشة على ماء الحوأب =(الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة إلى مكة لا يُعد ذمّا وقدحًا كما تزعم الرافضة، فإن النبي ﷺ لم يأمر بشيء أو ينهى عن شيء في الرواية الصحيحة، وإنما قال لنسائه رضي عنهنَّ: كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الحَوْابِ .» [صحيح : رواه أحمد ٥٢/٦ وابن حبان ۱۸۳۱ والحاكم في المستدرك ۳ ۱۲۰ وصححه ووافقه الذهبي وقال إسناده جيد وصححها الألباني في الصحيحة ٤٧٤] 

هذه هي الرواية الصحيحة، أما الزيادة التي بها لفظ: (إياك أن تكوني يا حميراء) فهي زيادة ضعيفة لم يصححها علماء الحديث، قال الذهبي: كل حديث فيه: ( يا حميراء ) لا يصح . [سير أعلام النبلاء ٢/ ١٦٧-١٦٨] 

ثانياً: قتال أهل صفين 

وأما في قتال الإمام علي لأهل الشام الذين كانوا مع معاوية له في موقعة صفين سنة سبع وثلاثين للهجرة، فقد كان معاوية له متأولاً يطالب بدم عثمان منه، ويرى أنه وليه، وأن قتلته موجودون في جيش عليه، فكان معذورًا في خطئه ذلك، وهو لم يطلب الخلافة ولا البيعة لها، ولم يَدَّعِ أنه أحق بها من علي بن أبي طالب، بل كان يقر بأحقية علي بن أبي طالب في الخلافة. [مجموع الفتاوى ٧٢/٣٥] و

أما علي فكان مجتهدًا مصيباً، يريد جمع كلمة الأمة، حتى إذا كانوا جماعة، وخمدت الفتن، و طفئت نارها، أخذ بالحق من قتلة عثمان له، وكان عليّ أعلم بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان رضي الله عنه.

شروط قتال أهل البغي 

لما قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب له أهل الجمل وصفين: 

۱ - لم يَسْبِ لهم ذرية. 

٢ - ولم يغنم لهم مالاًز

 ٣- ولم يجهز على جريح. 

٤ - ولم يتبع مدبرًا .

٥- ولم يَقْتُل أسيرًا. 

٦- وأنه صلى على من قُتِلَ منهم 

* وقال: « إخواننا بغوا علينا» فسماهم إخوانًا، وأخبر أنهم ليسوا بكفار ولا منافقين؛ لأن الله تعالى لم يرفع عنهم صفة الإيمان في قوله تعالى : ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ (الحجرات ۹). 

* وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يروي الحديث التالي في أثناء خلافته ليكف القلوب والألسنة عن أن تتكلم في مخالفيه من أهل بدر إلا بالحسنى: في الصحيحين أن حاطب ابن أبي بلتعة بعث كتابًا إلى أهل مكة، تحمله امرأة، يخبرهم فيه بغزوة الفتح، فجاء الوحي إلى النبي ﷺ بذلك، فبعث عليا والزبير فأحضرا الكتاب فقال النبي ﷺ: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ قَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كُنْتُ امْرَأَ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ هُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَاهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، فَقَالَ عُمَرُ لَه : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ إِنَّةَ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» [صحيح البخاري ٤٢٧٤ ومسلم ٢٤٩٤].

ثالثاً: قتال الخوارج 

وهذا بخلاف قتاله وقتله للخوارج الذين كَفَّروه وكَفَّروا سائر المسلمين قال رسول الله له حين وصفهم وأمر بقتالهم: «يُحْقِر أَحَدُكُم صَلاتَهُ مع صَلاتِهم وصِيَامَهُ مع صِيامِهِم، يَقْرءونَ القُرآن لا يُجَاوِز حَنَاجِرَهُم، يَمْرِقُون من الدين كما يَمْرُقُ السَهُمُ من الرمية» [صحيح البخاري ٣٦١٠ وصحيح مسلم ١٠٦٤ ].

قال علي بن أبي طالب: «لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا حَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [صحيح مسلم ١٠٦٦] 

الفرق بين قتال أهل الجمل وقتال الخوارج

١ - فرح علي بن أبي طالب بقتل الخوارج لما ثبت من أجر قاتلهم، ولكنه حزن حزنا شديدًا على قتال أهل الجمل وصفين حين راجع ذلك هو وابنه الحسن.

٢ - كان الإمام علي هه يصلي على قتلى الجمل وصفين، ولم يصل على قتلى الخوارج.

 ٣- كان الإمام علي له أهل الجمل وصفين إخواننا، وكان يقول عن أهل حروراء - الخوارج: هم من قال الله فيهم : ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ حَسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا ﴾ (الكهف : ١٠٤).

الإمام علي أولى بالحق 

فقد كان الإمام على أولى بالحق ممن قاتله في جميع حروبه. والدليل على ذلك كان الصحابة في بناء المسجد النبوي في المدينة يحملون لبنة لبنة، وكان عمار للنه يحمل لبنتين لبنتين، فرآه النبي ﷺ، فكان ينفض التراب عنه، ويقول : «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» [صحيح البخاري ٤٤٧ ومسلم ٢٩١٥]، فقتله أهل الشام، فكانوا هم الفئة الباغية. 

قال رسول الله ﷺ: «تَمرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ» [صحيح مسلم ١٠٦٥]، والذي قاتلهم هو الإمام علي له معه، فكانوا أولى بالحق. وكان الإمام علي يقول: " يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفتري" [حسن رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٣٧٤/٦ وأحمد في فضائل الصحابة ٩٥١ ومن عاصم في السنة ٩٨٤ وحسنه الألباني] 

فالمحب المفرط هو الذي يرفعه فوق درجته، ويصفه بما ليس فيه، والمبغض هو الذي يتهمه بما لم يفعله. 

وقال له أيضًا: "ليحبني رجال يدخلهم الله بحبي النار، ويبغضني رجال يدخلهم الله ببغضي النار" [صحيح رواه أحمد في فضائل الصحابة ٩٥٢ وابن أبي عاصم في السنة ٩٨٣ وصححه الألباني] 

وكان الإمام علي يقول: «لا أوتيت بأحد قدمني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري، وفي رواية: إلا جعلته نكالا لأمة محمد ﷺ".

مقتل الحسين في كربلاء يوم عاشوراء 

البلاء سنة الله الجارية على عباده الصالحين سئل رسول الله ﷺ: «أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءٌ؟ فقال: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَة» [صحيح : رواه الترمذي ۲۳۹۸ وابن ماجه ٤٠٢٣ وصححه الألباني في الصحيحة ١٤٣] 

لم يحدث للحسن له ولا للحسين له بلاء كالذي حدث لأبيهما على ابن أبي طالب، ولا لأمهما فاطمة بنت رسول الله ﷺ، ولا لعمهما جعفر بن أبي طالب، ولا حمزة له، ولا لجدهما رسول الله ﷺ، لأنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في دولة النبوة، ثم دولة الخلافة وفي وسط صحابة يعرفون لهما فضلهما، فكان لابد من الابتلاء لكي يصلا إلى الدرجة التي أعدها الله لهما، وإنما فعل الله ذلك كرامة للحسين ورفعًا لمنزلته، ليبلغ منازل الشهداء، ويلحق بأهل بيته الذين ابتلوا قبله فأتم الله عليهما نعمته بالشهادة، فقضى الحسين نه مقتولا والحسن مسموماً. 

سعدوا هم بتلك الكرامة وشقى من أعان على قتلهما، أو رضى به أو استشفى بهذا المصاب، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ولقد انتقم الله تعالى من قتلة الحسين له جميعا، وعلى رأسهم من باشروا قتله : سنان بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن، وقائد الجيش عمر بن سعد، والذي أمر بقتله عبيد الله بن زياد، حتى يزيد بن معاوية الذي لم يقتص له ممن قتله، فقد ضل سعي أكثرهم، فَقُتِلَ أكثرهم شر قتلة، ومن لم يقتل أصابه الجنون أو العمى أو الخرس، جزاءً وفاقا على هذا الجرم العظيم. 

وقد قتل مع الحسين كثيرًا من إخوانه الذين سافروا معه لنصرته، رغم أنهم إخوانه من أبيه علي بن أبي طالب، فقد كانوا يحبونه ويريدون أن يقتلوا دونه لفضله ومكانته، ولم يكونوا يغارون منه كالإخوة الغير أشقاء في هذا الزمان، وقد استشهد معهم الكثير من أبنائهم في كربلاء دفاعًا عن الحسين.

أقوال العلماء في قتلة الحسين 

قال أبو بكر الخلال: لعن الله من قتل الحسين بن على، ولعن الله من قتل عمر ولعن الله من قتل عثمان، ولعن الله من قتل علياَ. [ كتاب السنة للإمام الخلال ٥٢٢/٣] 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضى بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين [مجموع الفتاوى ٤٨٧/٤ ومنهاج السنة النبوية ٤/ ٥٥٠] 

وقال الإمام القرطبي في الحسين -رحمه الله -ولا رحم قاتله، وقال: رضي الله عنه ولا رضي عن قاتله . [ التذكرة للقرطبي ٢/ ٢١٥]

بدع عاشوراء 

استشهد الحسين له يوم عاشوراء في أرض كربلاء أمام أهل بيته، ومرت سنوات وهم متمسكون بسنة رسول الله ﷺ لا يحدثون مأتما ولا نياحة، وإنما يصبرون ويسترجعون كما أمر رسول الله ﷺ عند المصيبة قال الله تعالى : ﴿وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَن يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي معروف﴾ (الممتحنة : ١٢)، والبهتان هو النياحة . 

قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ» [صحيح البخاري ١٣٠٤ ومسلم ٩٢٤]، يعني أنه لا بأس بحزن القلب ودمع العين، وإنما مَنَع عما سوى ذلك من لطم الخدود والدعاء بالويل والثبور. 

قال رسول الله ﷺ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ» [صحيح البخاري ١٢٩٤ ومسلم ١٠٣ ]، ودعوى الجاهلية هي النياحة. 

قال رسول الله ﷺ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» [صحيح مسلم ٩٣٤]

 وقد تبرأ النبي ﷺ من «الحالقة والصالقة» [صحيح مسلم ١٠٤ ]، فأما الحالقة فهي التي تحلق شعرها عند المصيبة، وأما الصالقة فهي التي ترفع صوتها بالنياحة. 

قال جرير بن عبد الله: «كُنَّا نَرَى الاجتماعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنْ النِّيَاحَةِ» [صحيح: رواه ابن ماجه ١٦١٢ وصححه الألباني] يعني إطعام المعزين من النياحة. إنما السنَّة أن يصنع الناس لأهل الميت الطعام. 

وقال ﷺ حين أخبر باستشهاد جعفر بن أبي طالب في مؤتة: «اصْنَعُوا لأهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» [حسن: رواه الترمذي ۹۹۸ ١٦١٠ وأحمد ١/ ٢٠٥ وحسنه الألباني] إنما السنة أن يقول من أصابته مصيبة «إِنَّا اللَّهَ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». فإن المصاب من حرم الثواب.

إنما السنة صيام يوم عاشوراء، فإن النبي ﷺ صامه وأمر بصيامه وقال: «صِيَامُ يَوْمٍ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» [صحيح مسلم ١١٦٢ ]؛ لأنه في هذا اليوم أنجى الله موسى عالية، وقومه وأغرق فرعون وقومه. فلما وجد النبي ﷺ اليهود يصومونه أراد أن يخالفهم، فندب إلى صيام التاسع والعاشر حتى يستقل المسلمون بعقيدتهم. قال رسول الله ﷺ: « لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ.» - فإن الله قد يجمع في يوم واحد بين نعمة توجب الشكر و محنة توجب الصبر، كما جمع في يوم السابع عشر من رمضان بين موقعة بدر ومقتل الإمام علي نه، وكما جمع لنبينا له يوم الاثنين من ربيع الأول مولده وهجرته ووفاته. [ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في فضل آل البيت ]

ومن البدع ما يفعله الشيعة في ذلك اليوم من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتطبير، وهو تعذيب الأنفس بالحديد. فالعجب أنهم لا يفعلون ذلك يوم مقتل علي بن أبي طالب له، ولا يوم وفاة النبي ﷺ  قالت أم سلمة عن النبي ﷺ قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهَ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أَجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» [صحيح مسلم ۹۱۸]

شهدت فاطمة بنت الحسين مقتل أبيها الحسين هم، فروي عنها أنها قالت: «من تذكر مصيبته وإن قدمت فاسترجع، أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطاه يوم أصابته» 

أفعال العوام عند القبور خالفوا ما جاء به الرسول 

مخالفات عند أضرحة آل البيت والأولياء، أو ما يَدَّعُون أنها قبور آل البيت والأولياء:

١ - نهى النبي عن الصلاة إلى القبور، ولكنهم يصلون إليها : 

قال رسول الله ﷺ: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ .. مَسَاجِدَ» [صحيح البخاري ١٣٩٠ ومسلم ٥٣١]

 قال رسول الله ﷺ قبل موته: «وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ..» [صحيح مسلم ٥٣٢] 

قال رسول الله ﷺ لما ذكروا له كنيسة في الحبشة فيها من التصاوير قال: «أولَئِكَ إِذا مَاتَ الرَجُل فِيهِم بَنَوا على قَبْرِه مَسْجِدًا وَصَوَرُوا فيه تِلكَ الصُّوَرِ، أولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ الله يَومَ القِيَامَة» [صحيح البخاري ٤٢٧ ومسلم ٥٢٨] 

قال رسول الله ﷺ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» [صحيح مسلم ٩٧٢] 

۲- نهى النبي ﷺ عن اتخاذ الموالد والأعياد عند القبور لكنهم يقيمون الموالد والأعياد عند قبور صالحيهم. قال ﷺ: «لا تَتَخِذُوا قَبْرِي عَيْدًا، وَحَيْتُها كُنتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» [رواه أحمد ٣٦٧/٢ وأبو داوود في سننه ٢٠٤٢ الألباني] يعني لا تجتمعوا عند قبري وتحتفلوا كما يفعل أصحاب الموالد . 

قال رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنَّا يُعْبَدُ» [صحيح لغيره، رواه مالك في الموطأ ٤١٦ مرسلًا ووصله البزار ١ / ٢٢٠/ ٤٤٠ وابن عبد البر في التمهيد ٥ / ٤٢-٤٣ وصححه الألباني في تحذير الساجد ص ٢٥]، أي لا تأتوا إلى قبري وتطلبوا مني ما لا يقدر عليه إلا الله أو تطوفون به، أو تصلون إليه.

قال علي بن أبي طالب: «بعثني رسول الله ﷺ فَأَمرني أَنْ لَا أَدَعَ تِثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» [صحيح مسلم ٩٦٩] وهذه الأحاديث قد رواها أهل البيت مثل علي بن الحسين عن أبيه نهم جده، ومثل عبد الله بن الحسن عن علي بن أبي طالب بشه، فهم الذين أمروا الأمة بما أمرها به رسول الله ﷺ، ولم يأمروا الأمة بتلك البدع والمنكرات، بل نهوا عن ذلك. 

* قال الله تعالى : ﴿وَأَنَّ الْمَسَ جِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ( الجن: ۱۸) قال ﷺ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» [صحيح: رواه الترمذي ٢٩٦٩ وابن ماجه ٢٨٢٨ وصححه الألباني في أحكام الجنائز ٢٤٦] فكيف الدعاء لغير الله؟ وكيف يبتغى به المخلوق من دون الخالق ؟! 

كان ﷺ إذا خرج إلى مقابر البقيع يسلم عليهم ويدعو لهم، وعلم أصحابه أن يقولوا إذا زاروا القبور: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» [صحيح مسلم ٢٤٩] وفي رواية قال: «أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَإِنَّا بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَا بَعْدَهُمْ .» [ حسن لغيره، رواه ابن ماجه ١٥٤٦ وأحمد ٦/ ٧١ وحسنه لغيره الألباني] فعجبًا لمن بدل ذلك وصار يدعوهم عند كرباته بدل أن يدعو لهم. 

٣- نهى النبي أن يُدعى الميت من دون الله، وإنما أمر أن يُدعَى للميت

٤- نهى الله تعالى أن نشبه بيت المخلوق الذي هو قبره ببيت الخالق سبحانه الذي هو الكعبة: فأمرنا أن نحج بيته ونسافر إليه ومنعنا أن نسافر إلى غيره من المساجد. قال رسول الله ﷺ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثِ مَسَاجِدَ إِلَى الْمَسْجِدِ الحرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى» [صحيح البخاري ١١٨٩ ومسلم ١٣٩٧] فعجبًا لأصحاب الموالد يسافرون إليها ويقطعون إليها مسافات طويلة بشق الأنفس، يخالفون أمر نبيهم، فكيف يطلبون ثوابًا على فعلهم 

٥- أمرنا الله تعالى بالطواف ببيته، ولكنهم يطوفون بالأضرحة يلتمسوا بذلك البركة وما رجعوا إلا بالمحق والخسارة. 

٦- أمرنا الله تعالى أن تُقبل الحجر الأسود، ونستلم الركن اليماني من البيت، وهم يستلمون أركان الأضرحة ويقبلونها. ساء ما يعملون . 

٧-شرع لنا الله تعالى أن نكسوا الكعبة وتُعَلِق عليها الأستار تعظيما لها، وهم يكسون أضرحتهم ويعلقون عليها الأستار فعظموا ما لم يعظمه الله، وفعلوا ما لم يأذن به الله . 

٨- شرع لنا الله تعالى إضاءة المساجد للمصلين في الظلمات وهم يضيئون الأضرحة للطائفين بها والمتمسحين بجنباتها. قال رسول الله ﷺ: «لَعَنَ الله زَوَارَات القُبُورِ والمُتَخِذَينَ عَليها المَسَاجِد والسرج» [حسن: رواه الترمذي ١٠٥٦ وابن ماجه ١٥٧٦ وأحمد ٢/ ٣٣٧ وحسنه الألباني] لقد لعن النبي ﷺ من يفعل ذلك، فكيف يبدل الناس كلام نبيهم، ويدعون أن إضاءة الأضرحة طاعة الله وقربى إليه سبحانه ؟! 

۹- نهى الله أن تُوجه أنواع العبادة إلا إليه، وسمى توجيه العبادة لسواه شركا وهؤلاء ينذرون للقبر وللولى، والنذر عبادة لا تُوجّه إلا لله، وهذا الفعل منهم شرك في العبادة ومعصية . قال رسول الله ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» [صحيح البخاري ٦٦٩٦] وفي رواية: قال رسول الله ﷺ: «لا نَدْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» [صحيح مسلم ١٦٤١] وفي رواية: قال رسول الله ﷺ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» [صحيح مسلم ١٦٤٥]

فنذر الطاعة مكروه؛ لأنه لا يأتي بخير ولا يغير قدرًا، وإنما يستخرج به من البخيل، رغم أن الوفاء به واجب. قال: « إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» [صحيح البخاري ٦٦٠٨ ومسلم ١٦٣٩] إلا نذر الشرك والمعصية فإنه لا يجوز نذره ولا يجوز الوفاء به. 

١٠- نهى الله عن دعاء غيره لكشف الضر، ولكنهم يدعون الأموات من دونه.

قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ، فَلَا يَمْلِكُونَ كَشَفَ الضُّرِ عَنكُمْ وَلَا تحويلا﴾ (الإسراء : ٥٦)، فهذا الميت لا يستطيع أن ينفع نفسه، أو يدفع الضر عنها فكيف ينفع غيره أو يكشف ضره ؟ 

قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا المليكة وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: ٨٠) فالله تعالى جعل دعاء الملائكة والنبيين عبادة لهم، ودعائهم يعني تعظيمهم واتخاذهم أربابًا من دون الله ؛ لأن الدعاء لا يُوجه إلا إلى الله، فإن دعاء غير الله عبادة للمدعو من دون الله. 

١١- أخبر تعالى أنه يملك الشفاعة جميعًا وأنه لا يشفع عنده إلا بإذنه، وأنه لا يقبل الشفاعة إلا إذا رضي عن المشفوع له. قال تعالى: ﴿قُل لِلَّهِ الشَّفَعَةُ جَمِيعًا﴾ (الزمر : ٤٤)، وهم يدعون أولئك الموتى ليشفعوا لهم من دون الله وبغير إذنه، وبدون أن يرضى، ويظنون أن ذلك ينفعهم أو يجدي شيئًا.

 * قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ﴾ (الزمر : ٤٣)

* قال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ (البقرة : ٢٥٥)

* قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ (الأنبياء : ۲۸)

* قال تعالى: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (سبأ : ٢٣) وكل هذا من الشرك الخفي. 

* قال رسول الله ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشَّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْل» [حسن لغيره: رواه أحمد في مسنده ٤٠٣/٤ وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب ٣٦] 

وعلم رسول الله ﷺ أصحابه أن يقولوا: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ» [حسن لغيره: رواه أحمد ٤٠٣/٤ وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب ٣٦].

١٢ - إعطاء الصدقة لأجل إرضاء المقبور من آل البيت أو الصحابة حرام لأن التصدق عمل صالح، لكنه لم يقصد به الله، فكأنها أشرك المقبور مع الله في القصد وأصبح هذا الفعل ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل، ويقال زورًا: أن هذا محبة لآل البيت، وكذبوا في ذلك، لو أحبوا آل البيت لأطاعوا صاحب البيت، وهو الرسول ﷺ، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ٣١).

والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له سبحانه قال الله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَنْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَا لَهُ يَتَرَكَ وَمَالِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نَعْمَةٍ تُجْزَى إلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعلى﴾ (الليل : ۱۷ - ۲۰).

 وقال الله تعالى: ﴿وَمَا ءَاتَيْتُم مِّن رِبَالْيَرَبُوا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ وَمَا انَيْتُم مِّن ذَكَوْةٍ تُرِيدُونَ وَجَدَ اللَّهِ فَأُوْلَيْكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ (الروم : ٣٩)

وقال الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةِ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَتَانَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ﴾ (البقرة : ٢٦٥)

 وقال الله تعالى: ﴿إِمَانُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان : ٩)

مقارنة بين عقيدة أهل السنة وعقيدة غيرهم في أهل البيت

تبيَّن مِمَّا تقدَّم أنَّ عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي ﷺ وَسَط بين الإفراط والتفريط، والغُلُو والجفاء، وأنهم يُحبُّونَهم جميعاً، ويتولونهم، ولا يَحْفُون أحداً منهم، ولا يَعْلُون في أحد، كما أنهم يحبون الصحابة جميعاً ويتولّونَهم، فيجمعون بين محبة الصحابة والقرابة، وهذا بخلاف غيرهم من أهل الأهواء، الذين يغلون في بعض أهل البيت ويجفون في الكثير منهم وفي الصحابة رضي الله عنهم. و

من الله أمثلة غلوهم في الأئمة الاثني عشر من أهل البيت، وهم: علي والحسن والحسين رضي عنهم، وتسعة من أولاد الحسين ما اشتمل عليه كتاب الأصول من الكافي للكليني من أبواب منها:

- أرضه وأبوابه التي منها يُؤتى (۱۹۳/۱). باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام هم العلامات التي ذكرها عزَّ وجل في كتابه (٢٠٦/١): وفي هذا الباب ثلاثة أحاديث من أحاديثهم تشتمل على تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، بأنَّ النجم: رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنَّ الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عزَّ وجلَّ في العلامات الأئمة.

- باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام نور الله عزّ وجلَّ .(١٩٤/١) ويشتمل على أحاديث من أحاديثهم، منها حديث ينتهي إلى أبي عبد الله (وهو جعفر الصادق) في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: والله نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قال ـ كما زعموا: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾: فاطمة عليها السلام، وفِيهَا مِصباح الحسن، و﴿المصباح في زُجَاجَةٍ﴾: الحسين، و﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِيٌّ﴾ فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا، و﴿تُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾: إبراهيم عليه السلام، و﴿زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: لا يهودية ولا نصرانية ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضيء﴾: يكاد العلم ينفجر بها، ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُور﴾: إمام منها بعد إمام، ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾: يهدي الله للأئمة مَن يشاء.

- باب أن الآيات التي ذكرها الله عزّ وجلَّ في كتابه هم الأئمة (٢٠٧/١). وفي هذا الباب تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بِأَنَّ الآيات: الأئمة !! ومعنى ذلك أنَّ العقاب الذي حل بآل فرعون سببه تكذيبهم بالأوصياء الذين هم الأئمة !! وفيه تفسير قوله تعالى: ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا﴾ بِأَنَّ الآيات: الأوصياء كلُّهم.

- باب: أنَّ أهلَ الذِّكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السلام (۲۱۰/۱).

- باب : أنَّ القرآن يهدي للإمام (٢١٦/١). وفي هذا الباب تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ بأنه يهدي إلى الإمام!! وفيه تفسير قول الله عزّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ عَقْدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بأنه إنما عنى بذلك الأئمة عليهم السلام، بهــم عقد الله عزَّ وجل أيمانكم !! 

- باب: أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة عليهم السلام (۲۱۷/۱). وفيه تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا﴾ بالزعم بأنَّ عليا رضي الله عنه قال: نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده، وبنـا يـفـوز مـن فاز القيامة !! وفيه تفسير قول الله عزّ وجل في سورة الرحمن: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، قال: أبالنبي أم بالوصي تكذبان!

-باب: عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام (۲۱۹/۱). 

-باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل، وأنهم يعرفونهـا علـى اختلاف ألسنتها (۲۲۷/۱). 

- باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله (۲۲۸/۱). 

-باب : أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام (١/ ١٠٠).

- باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم. (٢٥٨/١). 

باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم .

- باب: أنَّ الله عزّ وجلَّ لَم يُعلم نبيه علماً إلا أمره أن يُعلِّمه أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه كان شريكه في العلم .(٢٦٣/١)

- باب: أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم السلام، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل (۳۹۹/۱). 

وهذه الأبواب تشتمل على أحاديث من أحاديثهم وهي منقولة من طبعة الكتاب، نشر مكتبة الصدوق بطهران، سنة (۱۳۸۱هـ). نقلته منه نماذج من غلو ويُعتبرُ الكتابُ مِن أجل كتبهم إن لم يكن أجلها، وفي مقدمة الكتاب ثناء عظيمٌ على الكتاب وعلى مؤلّفه، وكانت وفاته سنة (٣٢٩هـ)، وهذا الذي المتقدمين في الأئمة.

أمَّا عَلُوُّ المتأخرين فيهم، فيتضح من قول أحد كبرائهم المعاصرين الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» (ص: ٥۲) من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى - طهران -: «وثبوت الولاية والحاكمية للإمام (ع) لا تعني تجردَه عن منزلته التي هـي لـه عنـد الله، ولا تجعله مثلَ مَن عداه مِن الحُكّام؛ فإنَّ للإمام مقاماً محموداً ودرجةً سامية وخلافة تكوينية، تخضعُ لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإنَّ من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبي مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث، فإنَّ الرَّسول الأعظم (ص) والأئمة (ع) كانوا قبل هذا العالم أنواراً، فجعلهم الله بعرشه،محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال جبرائيل كما ورد في روايات المعراج: لو دنوتُ أنْمُلة لاحترقتُ، وقد ورد عنهم (ع): إنَّ لنا مع الله حالات لا يسعها مَلَكٌ مقرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مرسل»!!! 

ولا يملك المرء وهو يرى أو يسمعُ مثل هذا الكلام إلا أن يقول: ﴿ربَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ﴾. وكل من له أدنى بصيرة يجزم أن ما تقدم نقله عنهم وما يشبهه كذب وافتراء على الأئمة، وأنهم بُرآء من الغلاة فيهم وغلوهم.

تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت 

أشرفُ الأنساب نسَبُ نبينا محمد ﷺ، وأشرف انتساب ما كان إليه الا الله وإلى أهل بيته إذا كان الانتساب صحيحاً، وقد كثُرَ في العرب والعجم الانتماء إلى هذا النسب، فمن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمن، فقد جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب.

ومَن ادَّعى هذا النسب الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرَّماً، وهو متشبع بما لم يُعط، وقد قال النبي ﷺ: «المتشبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور»، رواه مسلم في صحيحه (۲۱۲۹) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تحريم انتساب المرء إلى غير نسبه.

ومِمَّا ورد في ذلك حديث أبي ذر رضي الله سمع النبي ﷺ يقول: «ليس من رجل ادعــى لـغـيـر أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار»، رواه البخاري (٣٥٠٨)، ومسلم (۱۱۲)، واللفظ للبخاري. 

وفي صحيح البخاري (۳۵۰۹) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِن أعظم الفِرى أن يَدَّعِيَ الرَّحِلُ إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله ما لم يقل»، ومعنى الفرى: الكذب، وقوله: «أو يُري عينه ما لم ترَ»، أي: في المنام.

 وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (۹۳/۳۱) أنَّ الوقف على أهل البيت أو الأشراف لا يستحقُ الأخذ منه إلا مَن ثبت نسبه إلى أهل البيت، فقد سُئل عن الوقف الذي أُوقف على الأشراف، ويقول: إنهم أقارب، هل الأقارب شرفاء أم غير شرفاء؟ وهل يجوز أن يتناولوا شيئا من الوقف أم لا؟ فأجاب: «الحمد لله، إن كان الوقف على أهل بيتِ النبي ﷺ أو على بعض أهل البيت، كالعلويين والفاطميين أو الطالبيين، الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عقيل، أو على العباسيين ونحو ذلك، فإنه لا يستحقُ مِن ذلك إلا مَن كان نسبه صحيحاً ثابتاً، فأمَّا مَن ادَّعى أنه منهم أو عُلِم فلا يستحق هذا الوقف، وإن ادعى أنه كبني عبد الله بن ميمون القداح؛ فإنَّ أهل العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس منهم، وأنه ليس لهـم نـسـب صحيح.

وقد شهد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضر شرعيَّة، وهذا مذكور في كتب عظيمة من كتب المسلمين، بل ذلك مِمَّا تواتر عند أهل العلم. وكذلك من وقف على الأشراف، فإنَّ هذا اللفظ في العُرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النِّسَب من أهل بيت النبي ﷺ. 

وأما إن وقف واقف على بني فلان أو أقارب فلان ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي، وكان الموقوف ملكاً للواقف يصح وقفه على ذرية المعين، لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف".

الروافض (الشيعة)

الشيعة هم الذين رفضوا خلافة أبي بكر وعمر وفضَّلوا علياً، فهم أخبثهم السبئية والنُصَيْرِية الذين قالوا له بالألوهية لعلي والسبئية كان كبيرهم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام. 

ومنهم من قالوا بالرسالة لعلي، وأن جبريل الأمين خان الرسالة، فنزل بها على محمد، بدلاً من علي عليه السلام.

ومنهم أصحاب الرجعة الذين يدعون أن الله رفع عليا له، كما رفع  عیسی بن مریم، وأنه سيرجع كما سيرجع عيسى ابن مريم.

ومنهم من يدعون أنه الوصي، وأن رسول الله ﷺ أوصاه بأمته فغلبه على الخلافة أبو بكر وعمر. 

ومنهم من يدعون له العصمة، وأنه أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر ويشتمون الخلفاء المبشرين بالجنة. 

وأخفهم الزيدية، الذين يفضلون عليا على سائر العشرة المبشرين بالجنة، ويُقدمون علي بن أبي طالب  في الخلافة هو وذريته، ويعادون معاوية، ولكنهم لا يشتمون المبشرين بالجنة.

 قام الإمام علي يخطب على منبر الكوفة فقال: «ألا إنه بلغني أن قومًا يفضلونني على أبي بكر وعمر، من قال شيئًا من ذلك فهو مفتر، عليه ما على المفتري، وخير الناس كان بعد رسول الله ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم أحدثنا أحداثًا بعدهم ! يقضي الله فيها ما شاء» [حسن رواه ابن أبي عاصم في السنة ٩٩٣ وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ۱۲۷/۱ وفي السنة ١٣٩٠ وحسنه الألباني].

عقيدة الشيعة الروافض في الصحابة 

* ويعتقد الشيعة سب الصحابة، ولعنهم، وكتبهم تطفح بذلك، ومن أهمها: بحار الأنوار للمجلسي ٩/ ٢٥٢ و ٢٢/ ٣٥٢ و ٢٧ / ٥٨ و ۲۸/ ۲۸۲ و ۳۱/ ۲۹۷ و ۷۲/ ۱۳۷، ورجال الكشي ٧، والكافي ٢٤٥/٨، وتفسير العياشي ٢/ ١١٦. 

وقدم إمامهم الخميني لدعاء صنمي قريش الذي يلعنون فيه أبا بكر وعمر منها، وجاء فيه: (اللهم العن صنمي قريش وجبتهما وطاغوتهما) [تحفة العوام مقبول ٤٢٣]

 وهم يستحلون متعة النساء، قال شيخهم المجلسي: ومما عُد ضروريات دين الإمامية استحلال المتعة، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان

 * قال مرجعهم وآيتهم محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن ما يروونه مثل أبي هريرة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، ونظائرهم ليس لهم عند الإمامية مقدار بعوضة. [أصل الشيعة وأصولها ٧٩]

 الشيعة يعتقدون كفر الصحابة الذين زكاهم الله، وجعلهم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين. ويسبون خيارهم: أبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبا هريرة، وغيرهم له أجمعين. وهم يلعنون الصحابة ويبغضونهم ومعاوية. [ الاعتقادات للمجلسي ٩٠] وقال شيخهم وآيتهم حسين الخراساني: تُجيز الشيعة لعن الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما. [ الإسلام في ضوء التشييع ۸۸] 

* وعلى عكس عقيدة الشيعة الفاسدة يأتي قول الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين عندما سُئل عن حلية السيف فقال: (لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه). فقال له أحد شيعته: وتقول (الصديق)؟ فوثب الإمام الباقر واستقبل القبلة ثم قال: (نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق) ثلاثا، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة. [كشف الغمة ٢/ ٣٦٠]

عقيدة الشيعة الروافض في أمهات المؤمنين عائشة وحفصة

 يعتقد الشيعة أنهما كافرتين . [ الكافي ٨/ ٢٤٥ ورجال الكشي ٦] ويلعنوهما [ تحفة العوام مقبول ٤٢٣] ويبغضونها ويتهمونهما بالأباطيل والفظائع، وكتبهم تطفح بذلك، 

ومنها: حياة القلوب للمجلسي ۲/ ۷۰۰ وسليم بن قيس ١٥٤ و ۲٤٢ و ۳۵۹ والإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي ۷۹ وقرب الإسناد للقمر ۹۹. 

قال إمامهم المازندراني: تزوج - يعني رسول الله ـ عائشة وحفصة، وفعلتا النفاق [ شرح أصول الكافي ١٠٦/١٠]

* فهل يدعي بعد ذلك أحد أنه ليس هناك فرق بين السنة والشيعة، ويحاول التقريب بينهما ؟ 

عقيدة الشيعة الروافض في القرآن الكريم 

* يعتقد الشيعة عصمة أئمتهم من الكبائر والصغائر، ومن السهو والغفلة والنسيان، وأنهم بذلك أعلى شأنا وأجَلَّ قدرًا من الأنبياء والشيعة يأخذون بالتقية، وهي الكذب ونكران كل ما قالوا أو كتبوا في كتبهم إذا ضُيّق عليهم في السؤال، أو واجههم أهل السنة بما هم عليه من الكفر وبوار الحال. 

والشيعة يعتقدون أن الصحابة حرفوا القرآن، وكذبوا بقول العظيم الرحمن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ ﴾ ( الحجر : ٩) وكتبهم طافحة بذلك، منها: تحفة العوام مقبول ٤٢٣ والتفسير الصافي للكاشاني ٤١/١ وبحار الأنوار للمجالسي ٨٩/ ٥٥ و ٦٣/٨٩ وتفسير القمي ١/ ١٢٢ وأوائل المقالات للمفيد ٨٠. 

والشيعة ادعوا أن القرآن (سبعة عشر ألف آية) وهو ثلاثة أضعاف القرآن الذي يقرؤه المسلمون الآن . [ أصول الكافي ٢/ ٦٣٤].

وادعى الشيعة تحريف قول الله تعالى : ﴿وَإن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ﴾ (البقرة : ۲۳)، وقالوا أنها نزلت هكذا: «وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فاتوا بسورة من مثله» [أصول الكافي ٤١٧/١] 

وادعوا تحريف قول الله تعالى : ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزَا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (البقرة : ٥٩) وقالوا أنها نزلت هكذا: «فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولًا غير الذين قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون» [تفسير العياشي ٤٥/١ وتفسير الصافي ١٣٦/١ وبحار الأنوار للمجالسي ٢٤/ ٢٢٢] 

وادعوا تحريف قول الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: ٧١) وقالوا أنها نزلت هكذا: «ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة عليهم السلام من بعده فقد فاز فوزا عظيمًا» [ تفسير القمي ١٩٨/٢ وبحار الأنوار للمجالسي ٣٥/ ٥٧]

 قال شيخهم المفيد: «واتفقوا (أي الشيعة الإمامية) على أن أئمة الضلال (أي أبا بكر وعمر وعثمان) خالفوا في كثير من تأليف القرآن» [ أوائل المقالات ٤٦] 

وقال شيخهم هاشم البحراني: «إن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله شيء من التغييرات» [ تفسير البرهان ٣٦] 

وقال إمامهم النوري الطبرسي بوقوع التحريف في القرآن. [فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ٣١]

 قال علامة الشيعة المازندراني: وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا . [شرح الكافي ٨٨/١١].

- فكيف نتقارب معهم وقد قالوا في كتابنا ما لم يقله اليهود والنصارى ؟ وكذبوا بقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ﴾ (الحجر: ٩)

- وكيف نتفق معهم وعندهم قرآن غير قرآننا ؟ 

- وقد كفروا كل أئمة الدين وقالوا بردتهم، فهدموا بذلك كل ما نقلوه لنا من العقائد والشرائع، والحلال والحرام، فهل بقى في الإسلام شيء حتى نتفق عليه 




الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

الشيعة وأهل البيت إحسان إلهي ظهير بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الشيعة وأهل البيت

إحسان إلهي ظهير

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: شيعة المرء أنصاره وأعوانه، الموالون له ولمذهبه، وقد غلب مصطلح "الشيعة" على الذين شايعوا علياً وناصروه، ثم تطور هذا المفهوم تحت تأثير الغلو والأحداث التاريخية المأساوية، حتى تبلورت نظرية "النص والوصية"، التي أصبحت محور الفكر الشيعي، ومعياره الممييز بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، واختلف الشيعة بعد ذلك في أعيان الأئمة المنصوص عليهم من بنيه؛ فظهرت بناءً على ذلك طوائف شيعية كثيرة، ثم استقر الأمر على ثلاثة تيارات كبرى، وهي: "الإسماعيلية"، و"الاثنا عشرية"، و"الزيدية".

وبدأ التشيع رسالته من منطلق موالاة أهل البيت، واعتقاد أحقيتهم في بالإمامة، والانتصار لمظلومية الأئمة، وما تعرضوا له من التنكيل والتعذيب والمطاردة، واختلف المؤرخون الشيعة في الوقت الذي نشأت فيه هذه الفرقة:

١- فقالت طائفة: بدأ التشيع في الوقت الذي اجتمع فيه المسلمون في سقيفة بني ساعدة لمبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويزعم الشيعة أن الفرقة الأولى تضمنت طائفة من بني هائم بالإضافة إلى المقداد، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وهؤلاء لم يتعدَّ دورهم أمنياتهم في ولاية علي وبنيه، مع دخولهم فيما دخل فيه المسلمون من طاعة الخلفاء الثلاثة، وإقرارهم بفضلهم.

ولما بويع لعلي بن أبي طالب بالخلافة، دخل هؤلاء في نصرته وحربه مع كُلٍّ من: طلحة بن عُبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله عنهما، ثم مع معاوية بن أبي سفيان والخوارج، لكن مصطلح التشيع بالمعنى المعهود لم يكن قد تبلور بعد.

٢- بينما يؤرخ آخرون بداية الفرقة إلى عصر الإمام جعفر الصادق في منتصف القرن الثاني الهجري، حيث استطاع هشام بن الحكم الشيعي (ت ١٩٠ هـ) أن يضع قواعد الفكر الشيعي المعروف الآن، وأن يهندس نظرية "الوصية"، فألف فيها كتباً عديدة، منها: "كتاب الإمامة"، و"الرد على من أنكر الوصية"، و"كتاب الحكمين" وأخذه عنه من أتوا بعده كالحداد، وأبي عيسى الوراق، وابن الرواندي، وغيرهم.

ومن تأمل كتاب "الكافي" للكليني، وهو أهم مصادر الشيعة، التي يستندون إليها في مسألة "النص والوصية"، يجد أن معظم الروايات الواردة في هذه المسألة، جاءت عن ثلاثة من أئمة أهل البيت، وهم: أبو جعفر محمد بن علي (ت ١١٤ هـ)، وأبو عبد الله جعفر الصادق (ت ١٤٨ هـ)، وأبو الحسن علي بن موسى الرضا (ت ٢٠٣ هـ) ما يؤكد حقيقة تبلور هذه الفكرة بشكلها الحالي في تلك الفترة بالتحديد، والتي أدت إلى انقسام المسلمين.

٣- وهناك رأي ثالث: يرى أن عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم، هو سبب نشأة التشيع الغالي، وظهر ابن سبأ في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان يتنقل من الحجاز إلى أمصار المسلمين، لإضلال المسلمين، وكان أحد المحرضين على قتل عثمان، وشارك في إفساد المصالحة التي كادت تكون بين طلحة والزبير وعلي بن أبي طالب في البصرة، ثم دعوته الناس إلى الغلو المفرط في علي بالكوفة، ولكن أغلب الشيعة ينكرون وجود هذه الشخصية أصلاً، وعلى فرض وجودها فإنهم لم يرووا عنه، وغاية ما يروى عنه أنه كان يُفضّل علياً على أبي بكر وعمر وعثمان! وبالتالي لا يعد ابن سبأ المؤسس الأول للتشيع، ولا دوره كدور هشام بن الحكم.

وبعد أن تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة، على أن يكون الأمر له من بعده، أي: يكون ولي العهد لمعاوية، أعلن معاوية أن وعده للحسن كان ضرورة حرب، حتى تجتمع كلمة الأمة، وقد اجتمعت الأمة على معاوية، فأعلن تنصله من وعده للحسن.

وحينها قام سليمان بن صُرد (ت ٦٥ هـ) وجماعة من أشراف العراق، ودخلوا على الحسن، ولاموه أنه لم يأخذ يستوثق من معاوية بوعد مكتوب، يشهد عليه وجوه أهل المشرق والمغرب، وطالبوه بالقيام على معاوية مرةً ثانية، ومعهم ثمانين ألف مقاتل، ولم يكن التشيع قد أخذ منحاه المعروف تلك اللحظة، بل لم يتكلم أحدٌ في قضية الإمامة بعد.

ويذكر ابن النديم: أن أول من تكلم في "الإمامة" عند الشيعة هو علي بن إسماعيل بن ميثم الطيار الكوفي (=كان حياً قبل ١٧٩ هـ)، وألف فيها كتابين، هما: "الإمامة" و"الاستحقاق" وكان ذلك بعد خلافة علي بن أبي طالب بمدة طويلة، ويُضيف المؤرخون أن الرجل كانت له مجالس مع هشام بن الحكم المؤسس الحقيقي للتشيع المعروف.

ونظراً للمنازعة التي أبدها الشيعة في أول أمرهم على السلطة والسلطان، أدى ذلك إلى تجريد السيوف، وإراقة أنهار الدماء، لأجل الخلافات السياسية، والصراعات على الإمارة، أدى ذلك إلى نشوء خلافات كبيرة استعصت على التجاوز رغم مرور الزمان، وارتبطت خلافات الأسلاف الموتى الذين بليت منهم العظام، بعقائد أصبحت موروثة، واستعصى على الأحياء تجوزها أو القفز عنها.

وزاد الطين بِلَّةً ما كانت تمارسه الدولة الأموية من اضطهاد وتعذيب ضد أنصار آل البيت، فعاش هؤلاء المأساة، وكان الربط الذهني بينها وبين محبة آل البيت، وفي خضم ذلك تطلع الشيعة إلى سلطة إلهية عادلة، تتمثل في إمام معصوم، لديه علم الأنبياء، ولم يشترك الناس في اختياره أو إعطائه البيعة، وإنما اختارته السماء، ومن ثم اعتقد الشيعة بالإمامة كأصل من أصول ديانتهم، واستندوا إلى جملة كبيرة من المرويات أهمها "حديث غدير خم"، و"حديث المنزلة"، وحديث الدار"، وجعلوها في الإمامة السياسية والدينية.

ولم يكن التيار الشيعي يحمل نفس الأفكار تماماً، بل حصل الخلاف في تسلسل الأئمة المعصومين، فاتفقوا أن الأئمة الثلاثة علي وابنيه الحسن والحسين على رأس القائمة، ثم اختلفوا؛ فجعلها الإمامية أو الجعفرية محصورة في أولاد فاطمة، وكل إمامٍ ينص على من بعده، حتى بلغوا بهم اثني عشر إماماً آخرهم محمد بن الحسن العسكري (ولد ٢٥٦ هـ) الذي يعتقدون اختفاءه في سرداب بمدينة سامراء، ويعتقدون حياته إلى الآن، ويسألون الله تعالى أن يُعجل ظهوره، ويزيل حرجه، ويسهل فرجه.

 بينما ترى "الكيسانية" أن الإمامة انتقلت من علي لابنه محمد بن الحنفية (ت ٨١ هـ)، واستمرت عبد ذلك في شيوخ هذه الطائفة، أما الإسماعيلية فقالوا: إنها بعد جعفر الصادق كانت لابنه إسماعيل (ت ١٤٣ هـ)، وليس لموسى الكاظم كما تقول الإمامية. أما "الزيدية"؛ فقصروا الوصية على الحسن والحسين، فكانت الإمامة فيهم نصاً، بينما في غيرهم وصفاً، فمن توافرت فيه شروط الإمامة عندهم، كان جديراً بها، شريطة أن يكون ثائراً، خارجاً، شاهراً سيفه ضد أئمة الجور والفساد، وهذه الشروط توفرت عندهم في زيد بن علي (ت ١٢٢ هـ) ثم لأئمة الزيدية من بعده.

وقد واجهت الشيعة قضية خطيرة، فرضها العامل الزماني، وافتقار الناس إلى إمام بعد غيبة مهدي الزمان عندهم، فاضطروا مع ذلك إلى تبني فكرة "نيابة المجتهد" أو "ولاية الفقيه"، والذي يعد مرجعاً للشيعة كلهم، ويمكن تعريف هذا الفقيه: بأنه المجتهد الجامع للشروط، ويعد هذا المجتهد حاكماً ورئيساً مطلقاً، تجب طاعته، وتحرم مخالفته، وطاعته من طاعة الإمام وطاعة الله، ومعصيته أو محاولة نقده ردة عن دين الله!

ومن صفات الإمام عند الشيعة: أن يكون معصوماً، وأفضل الخالق على الإطلاق، وعالماً بالسياسة، وبجميع أحكام الشريعة، وكونه حجة فيها، شجاعاً، ولديه قوة إلهام قوية، لا تخطئ، وتسمى بالقوة القدسية، بالإضافة إلى العصمة، وكل ذلك بالقياس على النبوة، لأنهم يرون أن النبوة والإمامة انبثقتا في وقت واحد.

وعل كُلٍّ فالمؤمن عند الشيعة ليس من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فحسب، وليس دخول الجنة عندهم مبنياً على فعل الواجبات وترك المحرمات، بل الإيمان عندهم من آمن بعلي إماماً معصوماً، تتلقى منه وحده أحكام الدين، وتتبع أقواله وأعماله، وأما تكفير الخطايا عندهم هو اعتقاد أن علياً هو "باب حطة" تأويلا لقوله تعالى: «وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم»، 

والشيعة أنفسهم هم الذين خذلوا علياً رضي الله عنه في معاركه، وجبنوا في مواطن اللقاء، وهم الذين خذلوا الحسين في ثورته، وتسببوا في كثير من المشكلات مع الأمويين، مع ما اتصفوا به من الجبن والخور والضعف والتخاذل، وكل هذا مسطرٌ في كتبهم المعتمدة.

هذا الكتاب: 

يعرض المؤلف في هذا الكتاب أربعة أبواب، تحدث فيها عن العلاقة بين الشيعة وأهل البيت، وبين أنها علاقة زائفة، لا أصل لها، وكل ما يفتريه الشيعة على أهل البيت هو من بنات أفكارهم، ولا يمثل أهل البيت، ولا أخلاقهم، ولا آدابهم ولا عقائدهم، وذلك بالرجوع إلى الآثار المروية عن أهل البيت من كتبهم المعتمدة، بيان ذلك فيما يلي:

الباب الأول: إلى تعريف أهل البيت في اللغة، والاصطلاح، ومفهوم الشيعة لأهل البيت، ومفهوم التشيع في اللغة، ومعنى التشيع لدى الشيعة، وأنهم لا يوالون أهل بيت عليٍّ رضي الله عنه كلهم، وإنما رجالاً معدودين منهم، وذكر بعض العقائد الكفرية التي يدين بها بعض الشيعة من تفضيل الأئمة على الرسل والأنبياء، وأشار إلى كتابه "الشيعة والسنة" في بيان هذه العقائد، 

بينما تحدث في الباب الثاني: عن مخالفة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام، وذلك في موقفهم من الصحابة، حيث أن أئمة أهل البيت كانوا يوقرون الصحابة، ويُجلونهم، ولا يتعرضون لهم بسوء، ولا يرضون المساس بكرامتهم، بل بايعوهم على إمرتهم، وشاركوهم في جهادهم، وسموا أبناءهم بأسمائهم، وصاهروا الكثير منهم، بينما ذهبت الشيعة إلى كفر جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة، وبين موقف أهل البيت من الصديق، والفاروق، وعثمان، وما يكنوه لهم من المودة، والمحبة، والإقرار بالفضل، والتقدم، وفي المقابل نجد الموقف الشيعي من الخلفاء الثلاثة على النقيض تماماً، من الطعن والسب والتعرض لديانتهم وأمانتهم، في مخالفة صريحة لمذهب أهل البيت.

وفي أثناء ذلك تعرض إلى بعض عقائد الشيعة في أئمة أهل البيت من العصمة، والتفضيل على الأنبياء، ودعوى علم الغيب، والتصرف بالكون، إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة.

وفي الباب الثالث: تحدث عن أكاذيب الشيعة على أهل البيت، وبعض ما نسبوه إليهم زوراً وبهتاناً، ومن هذه الأكاذيب (المتعة)، وما ينبني على ذلك من (إعارة الفروج)، و(استئجارها)، وكذلك (اللواط بالنساء)، و(تعطيل الشريعة)، من الفرائض والنوافل، فزعموا أن صحائفهم تملأ من غير أعمال، ولكن بمحبة آل محمد! ونقلوا آثاراً مكذوبة في (الزيارة)، و(علم الأئمة للغيب)، و(خروج الإمام القائم) آخر الزمان، وإحيائه -بحسب زعمهم -أعداء أهل البيت وقتلهم، ثم ذكر عنهم شيئاً من المسائل الغريبة التي خالفوا فيها المذاهب الأربعة، منها (طهارة المذي والودي) وأن نزولها لا يقطع الصلاة، ونحو ذلك، ثم بعض الأكاذيب التي نقلوها في كتبهم من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ارتضع من ثدي عمه أبو طالب، وأن طنين باب الجنة هو يا علي، وأنه لولا سيف ابن ملجم لكان علي بن أبي طالب من الخالدين في الدنيا.

وناقش في الباب الرابع: إهانة الشيعة لأهل البيت من أول إمام إلى آخر إمام، بل تطاولوا على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فيجعلونه في مرتبة ثانية بعد علي رضي الله عنه، بل جعلوا رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم محصورة في إبلاغ الأمة لولاية علي، ولم يقتصر هذا التطاول على خاتم النبيين، بل بلغ ذلك جميع الأنبياء والمرسلين، ثم ذكر إهانتهم للعباس عم الرسول، وابنيه عبد الله وعُبيد الله، بل بلغ بهم الأمر أن استصغروا شأن ابن النبيّ إبراهيم في مقابل حفيديه الحسن والحسين، وأهانوا بنات النبي غير فاطمة، فزعموا أنهن كُنَّ ربيباتٍ عنده، بل أهانوا فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبوا إليها أشياء هي بريئة منها، ونسبوا إلى أهل البيت من ذريتها كثيراً من الأوصاف الذميمة من النفاق والكذب والجن والخيانة والغدر.

ويمكن تلخيص الكتاب في النقاط التالية:

١- أن الشيعة هم قوم يدعون موالاة أحد عشر شخصاً من أولاد علي، وعلياً رضي الله عنه، واصطلحوا على تسميتهم (الأئمة الاثنا عشر).

٢-أنهم يعتقدون عصمة هؤلاء الأئمة كالأنبياء ورسل الله، وأنهم أفضل منهم، وأفضل من الملائكة المقربين.

٣-أنهم يدعون أن مذهبهم مؤسس على آراء أهل البيت وأفكارهم.

٤-أن الشيعة في حقيقتهم لا يهتدون بهدي أهل البيت، ولا يقتدون برأيهم، ولا ينهجون منهجهم، ولا يسلكون مسلكهم، ولا يتبعون أقوالهم وآرائهم.




الاثنين، 4 سبتمبر 2023

حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها صالح بن فوزان الفوزان بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها

صالح بن فوزان الفوزان

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: لقد أغنى الله عباده المؤمنين به عن كل ما سواه، وجعل ميراث هذه الأرض لخلفائه من الرسل والأنبياء والمتقين من عباده، ثم هو سبحانه يرث الأرض ومن عليها، ونحن بهذا نعتز ونفتخر، فلا نعتز بآثار الأقوام المعذبين، ولا نفتخر بمساكن الظلمة والجبارين، ولا نتباهى بحضارات الوثنية والإلحاد، ولا نرتضي أن نرتبط بماضي هؤلاء الأقوام، الذين كذبوا الرسل، وجحدوا ربهم.

بـل إننا نعتز بديننا، ونفاخر بتراثنا، ونتمدح بتاريخنا، فلا يليق بالمسلمين أن يتركوا الاعتزاز بالإسلام والمسلمين، ويذهبوا إلى الاعتزاز والافتخار بالجاهلية وأهلها؛ لأنَّ هذا إحياء للجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام، وأبدل المسلمين خيراً منها.

فلله قد أذهب عن المسلمين عبية الجاهلية، وفخرها، بل وذمها، وحذر منها، وكذلك الأمر في كل الأمور المضافة إلى الجاهلية، فهي مذمومة وإحياء لفخر الجاهلية وتمجيد لرجالاتها، بل إن محاولات إحياء هذه الآثار هو تنكر للإسلام ولمعالمه وجحود لفضله، فأي عزّةٍ يبتغيها هؤلاء الظلمة بإحياء هذه المعابد والكنائس والمقابر، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن سخط الله وغضبه على من (يبتغي فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ).

وللأسف، فإن من خطط الماسونية العالمية إحياء آثار الجاهلية، خصوصاً في بلاد الإسلام، فقامت فيها دعاية لإحياء آثار أهل الجاهلية في بلاد الإسلام؛ لأجل جلب السياح للمفاخرة والاستثمار، وتشجعهم على ذلك منظمات أجنبية.

وبيّن المؤلف -وفقه الله -حكم هذه الآثار، وأنواعها، وقصد الناس من النظر إليها، سواء كانت تتعلق بها أحكام شرعيَّة، أو أحداث تاريخية:

وبين أنه لا يجوز إحياء الأماكن التي فيها علم من أعلام المشركين،أو نزل بأهلها نوعٌ من أنواع العذاب، أو كان يقام بها عيد من أعيادهم، فإنها تترك وجوباً، ولا يجوز الإقامة فيها، ولا استثمارها، ولا الاعتناء بها، ولا ترميم ما اندرس منها، ولا الاحتفاظ بالأصنام التي فيها، ولا بأجزائها، ولا التنقيب عنها، ولا جلبها من بلاد الكفار.

بل تهمل هذه الآثار المقيتة، حتى تذبل وتذهب كسائر الخرابات، ويُقاس على ذلك القبور والأضرحة التي يتبرك بها، ويُدعا أصحابها من دون الله، وكذلك الأماكن التي تقام فيها الأعياد المبتدعة، والأماكن التي يُعصى الله تعالى فيها.

وأما إن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين، ولم ينزل بأهلها عذاب، وإنما هي مساكن ومرابع وأراضٍ لهم، فلا بأس باستغلالها في الخير، وزراعتها بما يعود نفعه على المسلمين، ويحسن والحالة هذه تغيير معالمها إلى معالم المسلمين، وإقامة شعائر الدين بها.

القصد من النظر في الآثار

 ١ - الكُفَّار ينظرون إلى الآثار إعجاباً بها وتعظيماً لأصحابها من الفراعنة والجبابرة والطغاة، واستثمارا لها بما يحصلون عليه من الزوار، ويفتخرون بها وبأصحابها من الكفرة والطغاة والمجرمين؛ لأنهم ينهجون منهجهم ويسيرون على طريقتهم. وأيضاً يريدون بإحيائها الإبقاء على الكفر، ومحاربة ديـن الأنبياء عليهم السلام. 

٢- وأما المسلمون فإنهم ينظرون إلى هذه الآثـار نـظـر اعتبار واتعاظ عملاً بقول الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقَبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (النمل: ٦٩).

وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ اذَانُ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: ٤٦)، وذلك بعد قوله تعالى: ﴿فكأيّن مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِثْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ (الحج: ٤٥).

وقال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ (النمل: ٥٢)، ولا ينظرون إليها نظر افتخار وإعجاب، ولا يعتنون بها، ولا ينقبون عما تحت الأرض منها

حكم إحياء الآثار

  - أنواع الآثار:

أولاً: الآثار النبوية الحديثية:

ویراد بها ما ورد عن النبي ﷺ من الأحاديث الشريفة، ويطلق عليها اسم السُّنَّة، وتأتي في المرتبة الثانية في التعظيم، وفي الاستدلال بها بعد القرآن الكريم، وتطلق الآثار أيضًا على ما ورد عن السلف الصالح من اجتهادات وأقوال في الأحكام الشّرعيّة، وهذه الآثار النبوية، والأقوال والاجتهادات السَّلفيَّة، يجب العناية بها والاحتفاظ بها، فهي مصادر الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم.

وقد اعتنى بها العلماء حفظًا وضبطاً وروايةً، وتفقهوا في معانيها، وسموا ذلك بفن الأثر أو علم الأثر، وألقوا فيه المؤلفات الكثيرة من السنن والصحاح والمسانيد والآثار. وقد شبه النبي ﷺ ما جاء به من الكتاب والسنة بالغيث النازل على الأرض: 

فمنها -أي من الناس -طائفة: حفظت الماء وأنبتت الكلأ، وهـو العـشـب فـارتوى النَّاس من مخزونات مياهها، ورعوا من كلئها، وذلك مثل العلماء الحفاظ الفقهاء.

ومنها طائفة: أمسكت الماء ولم تنبت كلاً؛ لأنها أجادب لكنها أمسكت الماء فارتوى الناس من مخزون مياهها، وهذا مثل الحفاظ غير الفقهاء. وفي كلا الطائفتين خير.

وطائفة ثالثة: لم تمسك ماءً ولم تنبت كـلاً، وهـذا مـثـل مـن لم يقبـل هدى الله الذي جاء به الرسول ﷺ، ولم يرفع بذلك رأسًا. 

ثانياً: الآثار النبوية المنفصلة عن جسمه الشريف: 

من عرق وريق وشعر والملابس التي لامست جسمه، فيتبركون بها، ويستشفون بما بقى منها، وهذا خاص بالنبي ﷺ دون غيره.

ثالثاً: الآثار عند المؤرخين الجغرافيين: 

الذين يحددون الديار والأقاليم، ويؤلفون فيه المؤلفات مثل عجم البلدان لياقوت الحموي، وصفة جزيرة العرب للهمداني، وصحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، فإن كانت هذه الآثـار تتعلق بها أحكام شرعيَّة، أو أحداث تاريخية، أو جاء ذكرها في أشعار العرب فهي شواهد للغة العربية، فهذه الآثار يستفاد منها تاريخيا ولغويا وغير ذلك، وكان الشعراء يتغنون بها في أشعارهـم تـذكرًا لعشيقاتهم الساكنة فيها، فيفتحون بها قصائدهم، مثل معلقة امرئ القيس:

قفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل *** *** بِسقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُوْلِ فَحَوْمَل

ومثل قول لبيد: 

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلَّهَا فَمُقَامُهَا *** بِمِنِّي تَابَدَ غَوْهُنَا فَرِجَامُهَا 

وقول النابغة: 

يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ أَقْوَتْ *** وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ 

وقول الأعشى: 

وَدَّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ *** وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ 

وقال عنترة: 

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِن مُتَرَدَّم *** أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُم 

يا دار عبلةَ بالجواء تكلّمي *** وعِمَي صَباحَاً دارَ عَبْلَةَ وَاسلَمِي 

رابعاً: الآثار السياحية التي صارت مرفقًا اقتصاديًا من مرافق بعض الدول:

وهـي محـل بحثنا، وهذه الآثار أقسام:

١ - منها آثار الأمم الهالكة المعذبة: مثل ديار ثمود بالحجر، وديـار عـاد بالأحقاف، وديار مدين، وقوم لوط، قال تعالى فيها: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾، وآثار عاد بالأحقاف.

وهذه الآثار ينظر فيها للعظة والاعتبار، كما قال تعالى: ﴿فَكَأَين من قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِثْرِ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ مَاذَانُ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: ٤٥ - ٤٦).

ولما مرَّ النَّبي ﷺ بديار ثمود في طريقه لغزوة تبوك، قال لأصحابه: (لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذِّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ)، فنحن لا ننظر إليها نظر إعجاب ونفتخـر بهـا، أو ننظر إليهـا اقتصاديًا، كما تفعل الدُّول غير المسلمة، أو المسلمة المقلدة لها؛ لأنَّ هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوهـا، مـن عـدم العناية بهـا وحمايتهـا، فـضـلاً عـن استثمارها، ولا تجوز الإقامة فيها، ولا فتح مشاريع استثمارية فيها من مطاعم ومقاهي وفنادق ممـا يرغب في زيارتها ويجلب السياح الكفـار إلى بلاد المسلمين.

٢- ومنها آثار جاهليّة مما قبل الإسلام، فإذا كانت هذه الآثار أمكنة عبادة الجاهلية، فنحن مأمورون بطمسها، وإتلاف معالمها حفاظًا على عقيدتنا من الموروث الجاهلي، الذي يجر إلى الشرك، وقد أمر النبي بكسر الأصنام وإتلافها، وإزالة معالمها، ونهى عن إحيائها ومشابهة أهلها. 

ومن ذلك لما سأله رَجُلٌ: نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ -اسم موضـع قـريـب مـن رابغ -قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ). قَالُوا: لا. قَالَ: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ). قَالُوا: لَا، قَالَ: (أَوْفِ بِنَدْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ).

ولا يجوز الاحتفاظ بهذه الأصنام أو بأجزائها أو التنقيب عنها، أو جلبهـا مـن بلاد الكُفَّار، كما فعل عمرو بن لحي لما جلب الأصنام من بلاد الشام إلى أرض الحجاز وغيَّر دين إبراهيم، وأمر بعبادتها من دون الله. 

وإن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين، ولم ينزل بأهلها عذاب، وإنما هي مساكن ومرابع لهم، فإنها تترك ولا يعتني بها ولا ترمم حتّى تندرس وتذهب كسائر الخرابات.

٤-وإن كانت تصلح للسكن أو الزراعة، فإنها تعمر وتزرع. 

٥- وإن كانت هذه الآثار مساكن للمسلمين، وقد تركت وهجرت واستغني عنها، فإنها تترك ولا يُلتفت إليها ولا تكون ذات أهمية دينية ولا دنيوية، ولا تنزع ملكيتها من أهلها الذين ورثوها عمن قبلهم. 

٦- وإن كانت هذه الآثار لها ارتباط بالصَّالحين أو المعظمين من الملوك كمساجدهم ومجالسهم وقصورهم، وسائر استعمالاتهم، وقــد خـربـت وهجرت، فلا تجوز العناية بها وإحياؤها؛ لأنَّ هذا يفضي إلى الشرك بالتبرك بها، والاعتقاد بأصحابها، كما حصل لبني إسرائيل لمـا تتبعـوا آثـار أنبيائهم وصالحيهم فآل بهم ذلك إلى الشرك. 

ولما رأى عمر -رضي الله عنه -قوماً يذهبون إلى شجرة بالحديبية يزعمون أنهـا الشَّجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان ليصلوا عندها أنكر عليهم، وأمر بقطع الشجرة. 

ومن باب أولى المساجد القديمة المهجورة كـمـسـجـد عـلي، كما يسمونه في خيبر، ومثل المساجد السبعة في المدينة، ومسجد الكوع، ومسجد عداس في الطائف، فأنها لا تحيى هذه المساجد ولا تزار، كما لا يبنى على آثار الصَّالحين، ولا على قبورهم مساجد؛ فقد لعن من يفعل ذلك، لأن هذا وسيلة من وسائل الشرك وذرائعه. 

فقد (لعن النبيُّ ﷺ زوارت القبور، والمتخذين عليه بالمساجد والسرج)، وأخبر أن من فعل ذلك فهو (من شرار الخلق عند الله)، فلا يجوز للمسلمين أن يعملوا عملهم ويتشبهوا بهم؛ لأن ديننا يمنع من ذلك.

 وقد قامت الآن منظمات دولية تعتني بهذه الآثار، وتحييها وتحافظ عليها ويقلدهم بعض جهلة المسلمين فاشتركوا مع هذه المنظمات. وعلى ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا ذلك، ويطهروا بلادهم منه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُل حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ (الروم: ۳۱-۱۳۲)، ولا نعتز بها، ولا نفتخر بها، ولا نقول إنّها تربطنا بالماضي كما يقوله الجهال؛ بـل نعتز بديننا ونتمسك به، فقد أغنانا الله به عن كل ما سواه، وفي الاعتزاز بغيره ذلة، وهوان، كما قال عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه: ( نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله).

ولا نرتبط بالجاهليّة بأي رباط وقد حذرنا النبي ﷺ من كل ما يرتبط بالجاهلية، ولا يجوز الافتخار بأهل الجاهلية والاحتفال بشخصياتهم: وكذلك لا يجوز إحياء آثار أهل الجاهلية والاحتفال بشخصياتهم، وإقامة المناسبات لها، وجلب الشعراء والأدباء لإحياء هـذه الذكريات الممقوتة. 

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (نـحـن أمـة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله)، فلا يجوز للمسلمين أن يفتخروا بأهل الجاهلية: وهم من كان قبل الإسلام. 

والجاهلية: مذمومة وأهلها مذمومون – ولا يليق بالمسلمين أن يتركوا الاعتزاز بالإسلام والمسلمين، ويذهبوا إلى الاعتزاز والافتخار بالجاهلية وأهلها؛ لأنَّ هذا إحياء للجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام، وأبدل المسلمين بها بخير منها – وكل ما نسب إلى الجاهلية، فهو مذموم مثل: حمية الجاهليّة، وظن الجاهليّة، وتبرج الجاهلية، وعزاء الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحكم الجاهلية.

قال النَّبِي ﷺ: (مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُوهُ بهن أبيه وَلا تَكْنُوا)، وقال ﷺ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهُ مِنَ الجعلان، إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُيَّة الجَاهِلِيَّةِ، وَفَحْرهَا بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ مِن آدَم وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ).

وكل ما هو منسوب إلى الجاهليّة من أشخاص وآثار ونخوات، فهو مذموم لا يفتخر به؛ لأنَّه إحياء لأمور الجاهلية وتناس لنعمة الإسلام وما فيه من العز والكرامة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَالرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: ۲۸).

وقال تعالى: ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: ١٣٩)، وقال تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ (المائدة: ٣)، فما كان من عز وخير فهو في ديننا، لأنَّ الله أكملـه وأتمـه ورضـيـه لـنـا ومـا سواه، فهو ذلة ومهانة خصوصاً ما يرجع إلى أمور الجاهلية وأهلها.

فالله قد أذهب عنا عبيتها وفخرها والعبية هي: الفخر والنخوة والكبر وإضافة هذه الأمور الجاهلية ذم لها وتحذير منها، وكل الأمور المضافة إلى الجاهلية، فهي مذمومة وإحياء لفخر الجاهلية وتمجيد لرجالاتها، والتشبه بهم تنكر للإسلام وجحود لفضله وهذا كفران للنعمة ونسيان لأمجاد الإسلام ورجوع إلى الوراء. 

وما عرف عن الجاهليّة إلَّا التَّفرق والاختلاف والكفر والشرك، وأكل الربا وأكل الميتات ووأد البنات والظلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهُ ثَلَاثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ وَمُبْتَغِ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٌّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ، وقال: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ). 

وقال عمر بن الخطاب: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية). فالذي يريد أن يجتر أمور الجاهلية، ويعظم شخصياتها ويحتفل بها ويقيم لها المناسبات، إنما يريد أن يرفع ما وضعه الرسول ﷺ ويحيي عاداتها وتقاليدها، فلا يفتح هذا الباب الذي أغلقه الرسول ، فيجب الأخذ على يديه لئلا يفتح على النَّاس شراً.

ولما أراد يهودي أن يذكر الأوس والخزرج بـمـا كـان بينهم في الجاهلية من حروب بـعـدمـا مـن الله عليهم بالإسلام والائتلاف أنزل الله تعالى قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: ١٠٣). 

فالواجب أن نرفض أمور الجاهلية ولا نفتخر بها ولا برجالاتها وشخصياتها؛ لأنَّ ذلك من إحياء الجاهلية وموالاة الكفار، فتصبح كل قبيلة تريد أن تحيي ذكر من ينتسبون إليهم من أهل الجاهلية، فيعود إلينا التفاخر بالآباء ويحصل بيننا التفرق والاختلاف والانقسام.

والله قد جعلنا إخوانًا في الإسلام لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبـيـض على أسود إِلَّا بِالتَّقوى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقاكُمْ ﴾ (الحجرات: ١٣). ففخرنا وعزنا بديننا لا بأنسابنا، ولا ببلادنا، ولا بآبائنا وقبائلنا، ولا بأمجاد الجاهلية ومفاخرها نسأل الله تعالى أن يبصرنا بدينه ويمسكنا به. (رضينا بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلَّم نبيا ورسولاً).

وإذا كان لا يجوز إقامة احتفال بذكرى معظمي الإسلام فكيف يجوز الاحتفال بذكر معظمي الجاهلية والافتخار بذلك، سواء كان المعظم شجاعًا كعنترة، أو كريماً كحاتم وابن جدعان، فما عندهم من الكفر والشرك يغطي ما عندهم من الكرم والشجاعة 

مقتطفات من كلام أهل العلم في تحريم إحياء الآثار:

 ۱- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما بنى رسول الله ﷺ بمكة غير المسجد الحرام، ولا شرع لأمته زيارة موضع المولد وغيره، ولا زيارة موضع العقبة الذي خلف مني، ولم يأت هو وأصحابه غار حراء، ولا شيئاً من البقاع التي حول مكة. انتهى.

٢ـ وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: أما اتخاذ دار الأرقم بن أبي الأرقـم مـزاراً للوافدين إلى البيـت الحرام يتبركون بـه بأي وسيلة كان ذلك سواء كانت إعلان كتابة دار الأرقم عليها وفتحها للزيارة أو اتخاذها مكتبة أو متحفاً أو مدرسة فهذا أمر لم يسبق إليه الصحابة الذين هم أعلم بما حصل في هـذه الـدار مـن الدعوة إلى الإسلام والاستجابة لها؛ بل كانوا يعتبرونها دار الأرقـم لـه التعرف فيها شأن غيرها من الدور. انتهى.

٣- وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: في رده على كاتب صحفي يدعو إلى إحياء الآثـار لمـا ذكـر الشيخ الأدلة الشرعية على تحريم ذلك، قال: إذا عرفـت مـا تقـدم مـن الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في هذا الباب علمت أن ما دعا إليه الكاتب المذكور من تعظيم الآثار الإسلامية كغار ثور ومحل بيعة الرضوان وأشباهها، وتعمير ما تهدم منها، والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها، واتخاذ المصاعد الكهربائية لمـا كـان مرتفعـا منهـا كالغارين المذكورين، واتخاذ الجميع مزارات، ووضع لوحات عليها، وتعيين مرشدين للزائرين كـل ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد الذرائع، ذرائع الشرك والبدع، والنهي عنها ولو حسن قصد فاعلها، أو الداعي إليهـا لمـا تفـضـي إلـيـه مـن الفساد العظيم، وتغيير معالم الدين، وإحداث معابد، ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله، وقد قال الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: ٣). انتهى.

وأقول: قد يقول قائل : هذا الكلام في الآثار التي يقضي إحياؤها إلى الشرك. وأما الآثار التي تقصد للسياحة والنزهة، ويُقصد استثمارها فليست كذلك ونقول له: إن إحياءها للزائرين والسائحين وسيلة لتعظيمها والتبرك بها من قبل الخرافيين، فقد نشطوا لمـا فـتـح هذا الباب، وفرحوا بهذه الفكرة، واتخذوها حجة لهم في إحياء الآثار الشركية، والممارسات البدعية. فيجب سد هذا الباب من أصله، ثم في هذا العمل لمجئ الكفار إلى بلاد المسلمين، ونشر أخلاقهم، وعاداتهم بين المسلمين. وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم