أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أغسطس 2023

صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين عبد الفتاح أبو غدة بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين

عبد الفتاح أبو غدة

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه رسالة لطيفة طريفة تعرض جانباً مهماً من علوم السنة المطهرة، وهو جانب الرواية والسماع، وتعكس صورة رائعة ممتعة، تُعرّفنا بما كان عليه المحدثون الكبار من الضبط والإتقان والعناية البالغة والتجويد العجيب لرواية الحديث بالسماع، وكيف كان الإسناد في مجالسهم وفي أخذ الرواة عنهم، وقد سجلت عصور الرواية -رغم قِدَمِها -ما نشهده اليوم في الوسائل الضابطة الدقيقة المصورة كالتلفاز، وكأننا نشاهد تلك المجالس الحديثية أمامنا، حيث يظهر لنا حال الشيخ المحدث، وحالَ العلماءِ الطَّلابِ الحاضرين فيها: سَماعاً وتلقياً، وحُضوراً وغياباً، ويَقَظَةً ونَوْماً، وانتباهاً واشتغالاً، وتحدثاً ونسخاً، وفَوَاتاً واستكمالاً.

فقد سجلت تلك المجالس بطريقة، تجعل منها صورة صافية واعية، لسماع وتحمل وأداء الحديث، بأمانة علمية بالغة، ودقة كبيرة في الوصف، الأمر الذي تميّز بها آباؤنا وعلماؤنا المحدّثون رضي الله عنهم، وأصل هذا الموضوع محاضرة ألقاها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على طلاب الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.

ويعرض الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في هذه الرسالة نَصَّاً من نصوص سَمَاع الحديث الشريف، وتلقيه عن أئمته بالمُشافهة والإسناد، وقد نقله عن المجلد الثامن من كتاب «السنن الكبرى» للإمام البيهقي، رحمةُ الله تعالى عليه. والذي رواه مسنداً إليه الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح، في دار الحديث الأشرفية بدمشق الشام سنة ٦٣٤، في مجالس بلغت ۹۰ مجلساً، وأسمعه ابن الصلاح لمن بعده من شيوخ العلم والحديث وطلابه، في أدقّ صورةٍ وأضبط سماع لتلك المجالس، التي كانت تُساقُ فيها رواية ذلك الكتاب الجليل، مع العَرْض والمُقابلة له على نسخة المؤلّف الإمام البيهقي ونسخة الحافظ ابن عساكر الدمشقي. 

وقد جعل أيضاً مدْخَلاً هاماً للموضوع، تضمن بعض النصوص من الأحاديث الشريفةِ الواردة في لزوم الأخذ بالسنة المطهرة، إلى جانب وجوب الأخذ بالقرآن الكريم، والمحذَّرَةِ من الإعراض عن السنة، والمفيدة لجملة من الأحكام الشرعية التي استقلت السُّنَّةُ وحدها ببيانها وتشريعها. 

كما تعرض بعد ذلك لذكر (الإسناد) وأهميته، وأنه لم يقتصر التزامه على رواية الحديث النبوي الشريف، بل شَمِلَ روايةً كلام الصحابة، ورواية كلام التابعين في إطار الشرع الحنيف، ودَخَلَ في سائر علوم الدين، حتى دخل في كل منقول من تفسير، أو فقه، أو لغة أو أدب أو تاريخ، أو شعر، أو نثر، بل دَخَلَ في نقل الحكايات الواعظة والأخبار المسلية أو المضحكة والأقوال الحكميَّة، التي لا يترتب عليها شيء من الأحكام الشرعية.

ونبّه إلى ما يَتذرّعُ به بعض المستشرقين ومقلدوهم من المسلمين، من الاستشهاد بما يرويه الإمام ابن جرير أو أمثاله من الأئمة الكبار إذ يروونه بالسند، فيتخذ أولئك المفسدون من رفعة مقام ابن جرير في العلم، مستنداً إلى توهيمهم صحة ما ينقلونه عنه من خبر تالف أو حديث زائف،  وذكر أن قيمة ما يرويه الإمام ابن جرير قيمةُ سَنَدِه ، فإنه قد يروي الصحيح والضعيف والمقبول والمردود، كشأن غيره من جمهرة المحدثين، للإطلاع على ما جاء في الباب. 

ثم أتبع ذلك بكلمة تمهيد أمام نص «السَّماع» الذي أشار إليه، وبين فيه عناية المحدثين بتلقي الحديث وروايته وتحملِهِ وأدائه في كل كتاب صغير أو كبير، بحيث تتحقق الطمأنينة للواقفِ عليه في ضَبْطِ النقل، وذكر أن المحدثين في هذه العناية على طبقات متصاعدة في ذواتهم وفي مؤلفاتهم أو مروياتهم، لما خَصَّ الله به كلَّ واحدٍ منهم من المزايا. 

ثم تحدث على كتاب «السُّنَن الكبرى» للإمام البيهقي والذي شمل مجلداته العشرة، كما ألمع إلى أهم الأمور التي جاءت في السماع للمجلد الثامن من الحافظ ابن الصلاح، مما تُعرفنا بعنايتِهِ التي تميّز بها فيما ألَّفَهُ أو قُرِئَءَ عليه، وذكر أنَّ بعض كتب السُّنَّةِ المعتدِلَةِ الحجم، مثل الكتبِ السِّتَّةِ لَقِيَتْ من العناية وتكرار السماع والقراءة ما لم يَلْقه كتاب مؤلّف، وأن لمؤلفيها المحدثين خصيصةً كريمة ومنقبة رفيعة، وهي ذكر أسمائهم مع اسم النبي صلى الله عليه وسلم كلما روي الحديث عنهم. 

ثم أورد بعد هذا ترجمةً موجزة للحافظ ابن الصلاح، زيادة في معرفة مقامه العلمي، ثم أتبعها بإيرادِ نماذج كثيرة من صيغة إثبات كل مجلس من مجالس السماع، ومعه ذكرُ عَدَدِهِ والتأكيد من الحافظ ابن الصلاح على العَرْضِ والمُقابلة مع السماع فيه.

ثم أورد صُورة (السَّماع) مُرَقْماً أسماء السامعين الذين بلغ عددهم ۹۳ شيخاً، وترجم لبعضهم ممن ورد اسمه في مَدْخَل السماع وأوله، وضبط من الأسماء ما استطعتُ ضبطه، كما علق على بعض المواضع من السماع بإيجاز حيناً وبإسهاب حيناً آخر، استكمالاً لبيان المقام.

وأتبع نَصَّ (السماع) بكلمة ختام بينتُ فيها ما يُمكن أن يكون لدى ناظرِهِ وقارئه من انطباعاتٍ رائقةٍ مُعجِبة مُدْهِشة، يتحسَّسُ بها آثار خدمة هؤلاء العلماء الأجلاء المحدثين الكبار لحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ويَلْمَسُ عنايتهم العجيبة بحفظ السُنَّةِ المُشَرَّفة وضبطها، ويتجلى له بيقين ووضوح وطُمَأْنِينَة - من ذلك السماع الذي قرأه  -صِدقُ قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

______________________________

كتاب سنن البيهقي (ص ١٠٠– ١٠٤)

ولقد حظيت الكتب التي ألفها، أو قرأها أو قرئت عليه، بقسط وافر من هذه العناية العظيمة التي تنوّقَ وتَفَوَّقَ فيها نبهاءُ المحدثين، وتفوق عليهم فيها الإمام الأفيق الحافظ ابن الصلاح، كما تشهد بذلك كتبه ومؤلفاته التي وَصَلَتْ إلينا. 

ومما سلم من عوادي الزمن، وحُفِظ من التَّلَفِ والضَّيَاع: تسجيلُ سَمَاع عليه، لكتاب من أكبر كتب السنة الشريفة سَعَةً وبَسْطاً وشمولاً وفقها وتفقيهاً واستدلالاً، وهو كتاب السنن الكبري» للحافظ الإمام أبي بكر البيهقي ، شافعي زمانه، ونابغ أقرانه، والممتن على كلِّ ،شافعي، بما ألفه في تأييد مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنهما، وحشرنا معهما تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. 

هذا الكتاب العظيم، والديوان الحديثي الفقهي الاستدلالي الحافل، الضخم الكبير النادر المثال، طُبع في الهند في مدينة حَيْدَر آبادِ الدَّكَّن، في مدة إحدى عشرة سنة، من سنة ١٣٤٤ حتى سنة ١٣٥٥ ، في عَشَرة مجلدات ضخام، بحرف صغير، فجاء في هذا الحجم الكبير من الضخامة وعدد الأجزاء، فسعَةُ الصفحة فيه طُولاً ٣٤ سنتيمتر، وعَرْضاً ٢٤ ، تتضمن كل صفحة نحو ٤٠ سطراً، طُولُ السطر ١٦ سنتيمتر، يتراوح عدد كلماته بين ٢١ ــ ٢٥ كلمة.

وعدد صفحات المجلد الأول منه ٤٦٦ صفحة، والثاني ٥٠٢، والثالث ٤١٦، والرابع ٣٥٨، والخامس ٣٥٨ أيضاً، والسادس ٣٧٢، والسابع ٤٨١، والثامن ٣٤٥، والتاسع ٣٦١ ، والعاشر ٣٥٠ ، دون صفحات الفهارس في كل جزء، فبلغت صفحات الكتاب على هذا ٤٠٠٩ صفحة. 

نعم معه في هذه الصفحات الكتابُ الآخَرُ المسمى «الجوهر النقي في الرد على البيهقي» للحافظ علاء الدين ابن التركماني، ولكن غالب الصفحات يكون خالياً هذا الرد والتعليق، وبعضُها لا يأخُذُ التعليق فيها أكثر من أسطرٍ معدودة، وقل أن يبلغ عشرة أسطر إذا كَثُرَ هذا الكتابُ أُقدِّرُ لو طبع من جديدٍ بحرف معتاد غير صغير، مع مراعاة الفواصل، وتفصيله إلى مقاطع تبدأ من أول السطر، بالمقاس المعتاد اليوم ٢٣×١٦، لخرج في نحو خمس وعشرين مجلداً فيها أقدر. 

هذا الكتاب الفَحْمُ الضَّخْمُ حَظِيَ بعناية الحافظ ابن الصلاح، وقراءته وسماعه منه، من أوله إلى آخره في ٧٥٧ مجلس ، وسَمِعَ المجلد الثامن منه عَدَدٌ كبير ٩٣ مُحدثاً في ٩٠ مجلساً، في مدينة دمشق في دار الحديث الأشرفية، التي بناها الملك الأشرف رحمه الله تعالى، وكان الحافظ ابن الصلاح أوَّلَ من دَرس الحديث فيها... وسترى في هذا السماع لهذا المجلد الثامن أموراً يبدو عليها طابع عناية الحافظ ابن الصلاح، من أهمها: 

١- الضبط لِعَددِ تجالس السَّماع التي بلغت في هذا المجلد الثامن: تسعين ۹۰  مجلساً كما تقدم، وأولها في هذا المجلد بعدَدِ ٥٢٧، وآخِرُهَا بِعَدَدِ ٦١٧. 

٢-وتعيينها بخط الشيخ ابن الصلاح المقروءة عليه، كالشهادة منه بذلك. 

٣-وذكر السامعين منه بألقابهم وكُناهم وأسمائهم وأنسابهم تعريفاً بهم . 

٤- وضبط أحوال السامعين: من سَمِعَ المجالس كلها بغير فَوَات، ومن سمعَها بفَوَات، ومن سَمِعَها مع نوم في بعضها أو إغفاء أحياناً، وهو يتحدث خلال السماع، ومن سَمِعَها وهو ينسَخُ خلال ذلك، ومن سَمِعَ وقد جمع كل ذلك، وتعيين حال كل واحد منهم. 

٥-وتاريخ الفراغ من إسماع الشيخ ابن الصلاح هذا المجلد.

٦ - وتعيين المكان الذي أَسْمَعَ فيه هذا الكتاب.

٧- وتعيين اسم كاتب الأسماء ومثبت السماع، وذكرهُ أَن تَحْضَرَ السَّماع المكتوب هو بخطه. إلى أمور أخرى تتبدى لدارس السماع بأناةٍ ودِقة. 

وقد وقفت على سماعات كثيرة جداً، في الكتب الحديثية وغيرها المخطوطة والمطبوعة، فلم أر فيها مثل هذا السماع ضبطاً واستيفاء وإتقاناً ودقة وعناية، وهذا مما يفيد أن الإمام ابن الصلاح كان هو الموجة لرعاية هذه الأمور وتسجيلها في هذا السماع الفريد من نوعه. 

وإذا وازنت بين السماع المذكور هنا والسماعات التي تُثبت عادة في آخر الكتب المقروءة المسموعة: ازددت اقتناعاً بمزايا هذا السماع. - وانظر ــ إذا شئت - على سبيل المثال : السماعات الكثيرة السبعة عشر، الموجودة في جزء «الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان» لأبي علي محمد بن علي الصوري شيخ الخطيب البغدادي، المتوفى سنة ٤٤١ رحمه الله تعالى، والجزء في ٢٤ صفحة من الحجم الصغير جداً، فإنك ترى تلك السماعات السبعةَ عَشَرَ وفيها سماع الحافظ المزي - مقتصراً فيها على ذكر الأسماء وتاريخ السماع ومكانه، انظر فيه ص ۲۱ ، ۳۳ ـ ۳٤ ، ۸۹ - ۹۷؛ ففيها نص السماعات. 

فهذا السماع الذي بين يديك ـ وقد تميز بالضبط والإتقان والإحصاء والتسجيل ـ يَدُلُّ على ما كان عليه المحدّثون الكبار، من عناية بالرواية ضبطاً وأداء، ومن عناية الرُّوَاةِ المتلقين عنهم سَماعاً وتحملاً، في كتاب كبير، فكيف يكون ضبطهم وعنايتهم بكتاب صغير أو جزء لطيف.

هذه عنايتهم في مثل هذا الكتاب الضخم الكبير، الذي لا يَنْشَطُ لقراءتِهِ وإسماعه إلا مثل الإمام ابن الصلاح ومن تأسى به أو تأثر بنشاطِهِ وعُلو همته. 

فكيف تكون العناية التي لَقِيتُها الكتبُ السِّتَّةُ: صحيح البخاري، وصحيحُ مسلم، وسنن أبي داود وجامع الترمذي، وسُنن النسائي، وسُنن ابن ماجه، وغيرها مِثلُ موطأ مالك، وسُنَنِ الدَّارِمي، من الكتب المُعْتَدِلَةِ الحَجم، والتي أولى المراجع الحديثية، فقد لَقِيَتْ من العناية والضبط والإتقان والحفظ والرواية والدراية ما لم يَلْقَهُ كِتابٌ الْقَه إنسان. 

فقد قُرِئَتْ مِئات آلافِ المَراتِ من زمن مؤلفيها إلى اليوم، فليس هناك كتابٌ دُرِسَ مِئات آلاف المراتِ مِثلَها من تفسير، أو فقه، أو أصول، أو توحيد، أو لغة، أو أدب، أو نحو، أو شعر، أو تاريخ. 

وهذا مُعْلِم لنا بمتانَةِ ضَبْطِها وخدمتها وتسلسل العناية بها والثقة في نقلها قم مؤلّفيها إلى سَمْعِ آخِرِ من سَمِعَها ويَسْمَعُها من علماء الحديث، فهذه خَصِيصَةٌ لهذه الكتب في هذا العلم الشريف، وهناك خَصِيْصَةً أخرى رفيعة لمؤلفيها وتَكْرِمةً لهم حَظُوا بها، وهي أنهم يُذكَرُون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّما رُوِيَ الحديث عنهم، في الكتب أو في المعاهد أو في المنابر أو في المدارس أو في الإذاعات، فذلك وسامُ شَرَفٍ ورفعةٍ وتكريم تفرَّدُوا به، والله يَختَصُّ بفَضْلِهِ ورحمته من يشاء. 

صور السماع في آخر المجلد الثامن من سنن البيهقي، ص ١١١-١٤٨

صورة «السَّماع» كما جاءت في آخِرِ المجلد الثامن من السنن الكبرى» للإمام البيهقي:

- جاء في آخر المجلد الثامن المذكور، قبل ذكر «السماع»، ما يلي: «صورة السَّمَاعِ المُثبَتِ في آخر المجلد الثامن من نسخة رامفُور بالهند، نقلا عن نسخة الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى: «بَلَغْتُ وبَلَغَ سَمَاعُهُم والعَرْضُ - على الإتقان ــ بالأصلين، في المجلس السابع عشر بعد ست المئة، بدار الحديث الأشرفية، والله سبحانه الحمد الأتم، في الخامِسَ عَشَر أو السادِسَ عَشَر من جُمَادَى الأولى سنة أربع وثلاثين وست مئة». انتهى. 

وكان هذا المجلد الثامنُ بدَأَ السماعُ والعَرْضُ فيه بالمجلس السابع والعشرين بعد الخمسمائة. فبلغت المجالس فيه ٩٠ مجلساً. 

وقد حُدِّدَتْ تلك المَجالِسُ وعُيِّنت مع ذكر مكان السماع، بخط الشيخ الحافظ ابن الصلاح، كما قال ذلك مُثبت السماع بآخِرِه: «والمجالس المعيَّنة للطلبة فَوَاتٌ في هذا التسميع مَرْقُوماً في حواشي هذا المجلد على كل مجلس، بخط الشيخ الإمام المُسْمِع، أعادَ اللهُ مِن بركاته، ومُتعَ للإسلام بطول بقائه، فليعلم ذلك». انتهى. 

وابتدأ المجلد الثامن ببقية (كتاب النفقات)، الذي تقدم أولُهُ في أواخر المجلد السابع ص .٤٦٥:

١- فجاء في المجلد الثامن ص ۷، في آخر (أبواب نفقة المماليك): (بلغ سماعهم والعَرْضُ في السابع والعشرين بعد خمس المئة، بدار الحديث، والله الحمد).

٢- وجاء في ص ۱۳، في آخر (باب التشديد على مَنْ خَبَّبَ خادماً على أهله) : (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في الثامن والعشرين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد). 

٣ - وجاء في ۲۱، في كتاب الجنايات في أواسط (باب تحريم القتل من السنة) : بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في التاسع والعشرين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد).

 ٤- وجاء في ص ٢٥ ، في آخر (باب إيجاب القِصَاص في العَمْد): (بَلَغ سماعهم والعَرْضُ فِي المُوْفِي ثلاثين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

٥- وجاء في ص ۳۰، في آخر (باب فيمن لا قِصَاصَ بَيْنَهُ، باختلافِ الدينين): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الحادي والثلاثين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد)

٦ - وجاء في ص ۳۱ في آخر (باب) بيان ضعف الخبر الذي رُوي في قتل المُؤْمِنِ بالكافر): بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الثاني والثلاثين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد).

٧-  وجاء في ص ۳۷، في آخر (باب) ما رُوي فيمن قتل عبده أو مَثْلَ به): (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في الثالث والثلاثين بعد خمس المئة، بالدار ولله الحمد). وسيأتي تسجيل المجلس الرابع والثلاثين بعد خمس المئة) برقم، تبعاً لوروده كذلك في النسخة المطبوعة. 

٨- وجاء في ص ٤٨، في آخر (باب الحال التي إذا قُتِلَ بها الرجلُ أُقِيدَ منه): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الخامس والثلاثين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

٩-ـ وجاء في ص ٥١ في آخر (باب الرجل يحبس الرجل للآخر فيقتله) : (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في السادس والثلاثين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد). 

١٠- وجاء في ص ٦٠٨ في أوائل (باب ما جاء في الترغيب في العفو عن القصاص): (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في الرابع والثلاثين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد).

١١ ــ وجاء في ص ٥٧، في آخر (باب ما جاء في قتل الغِيْلَةِ في عَفْوِ الأولياء): (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في الثامن والثلاثين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد).

١٢ ـ وجاء في ص ٦١ ، بآخر باب يَحفَظُ الإمام سيفَهُ ليأخُذَ سيفاً صارماً ... ): (بلَغ سماعُهم والعَرْضُ في التاسع والثلاثين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

۱۳ وجاء في ص ٦٤ ، بآخر جماع أبواب القصاص فيما دون النفس): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في المُؤفِي أربعين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد).

١٤-- وجاء في ص ٦٨ ، بآخر باب ما جاء في الاستثناء بالقصاص من الجرح والقطع) : (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الحادي والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد).

١٥ ـ وجاء في كتاب الديات ص ۷۲ بآخر (باب أسنانِ دية العمد إذا زال فيه القصاص . . . ) : (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الثاني والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

١٦ ـ وجاء في ص ٧٦ ، بآخر (باب من قال أخماس . . . ): (بلغ سماعهم والعَرْضُ في الثالث والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد).

۱۷ -وجاء في ص ۸۱ ، بآخر جماع أبواب الديات فيها دون النفس): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الرابع والأربعين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد). 

١٨- وجاء في ص ٨٤ ، بآخر باب ما دُونَ المُوضّحة من الشَّجَاج) : (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الخامس والأربعين بعد خمس المئة، ولله الحمد).

١٩ - وجاء في ۸۷، بآخر (باب ما جاء في نقص البصر): (بلغ سماعهم والعَرْضُ في السادس والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد). 

٢-وجاء في ص ۹۰ بآخر (باب دِيَة اليدين والرجلين والأصابع): بلغ سماعُهم والعَرْضُ في السابع والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

٢١ ـ وجاء في ص ٩٦، (بأواسط باب ما جاء في جراح المرأة): (بلغ سماعهم والعَرْضُ في الثامن والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

٢٢-وجاء في ص ۱۰۰، بآخر (باب ما جاء في كسر الذراع والساق): بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في التاسع والأربعين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد). 

٢٣-وجاء في ص ۱۰۳، بآخر باب دِيَةِ أهل الذمة): (بَلَغ سماعهم والعَرْضُ في المجلس المُوْفي خمسين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد).

٢٤ ـ وجاء في ص ۱۰۸، بآخر (باب مَنْ في الدِّيوَانِ ومن ليس فيه من العاقِلَةِ سَوَاءٌ): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الحادي والخمسين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد).

٢٥ ـ وجاء في ص ۱۱۱، في وسط باب ما وَرَد في البئرُ جُبَارِ والمَعْدِنُ جبار): (بلغ سماعُهم والعَرْضُ في الثاني والخمسين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد).

 ٢٦ ــ وجاء في ص ١١٥، بآخر باب دِيَة الجنين): (بَلَغ سماعهم والعَرْضُ في الثالث والخمسين بعد خمس المئة، بالدار، والله الحمد). 

۲۷ - وجاء في ص ۱۱۸ في كتاب القَسَامَة، بأوائل باب أصل القَسَامَةِ والبداية فيها . . . ) : (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الرابع والخمسين بعد خمس المئة، بالدار ولله الحمد. 

٢٨ ـ وجاء في ص ۱۲۲ في الباب نفسه : (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في الخامس والخمسين بعد خمس المئة، بالدار، ولله الحمد).

٢٩- وجاء في ص ۱۲۷، بآخر (باب ما جاء في القتل بالقَسَامَة): (بلغ سماعهم والعَرْضُ في السادس والخمسين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد). 

٣٠ -وجاء في ص ۱۳۰، بآخر باب (روى أبو داود في المراسيل ... ): (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في السابع والخمسين بعد خمس المئة، بدار الحديث، ولله الحمد). 

وهكذا تتابعت إثباتات مجالس السماع، وتعيين كل مجلس منها، إلى آخر مجلس في هذا المجلد: (المجلس السابعَ عَشَرَ بعد ست المئة)، الذي جاء فيه في نسخة الحافظ ابن الصلاح بخطه رحمه الله تعالى كما قدَّمتُه ما يلي: (بلَغْتُ وبَلَغ سماعهم والعَرْضُ على الإتقان بالأصلين، في المجلس السابع عشر بعد سِت المئة، بدار الحديث الأشرفية، والله سبحانه الحمد الأتم، في الخامِسَ عَشَرَ أو السَّادِسَ عَشَرَ من جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وست مئة ). (انتهى).

ويبدو جلياً من هذه المجالس أنها كانت تَطُولُ وتَقصُرُ بحسب نشاط الشيخ الحافظ ابن الصلاح وفراغ وقتِهِ، أو بحسب ما يقع في المجلس أحياناً من مذاكرة يقتضيها المقروء، فتأخُذُ جانباً كبيراً من الوقت، فيقل المقروء ويقصر فلذلك جاء بعض المجالس في أقل من صفحتين وهو أقصرها، وجاء أطولها في ثماني صفحاتٍ وعشر صفحات، وأكثرها بين ذلك.

قال في الأم المنقول منها - وهي نسخة الحافظ ابن الصلاح ــ : سَمِعَ جميع هذا الكتاب ـ وهو المجلد الثامِنُ، من «السنن الكبير» للبيهقي ـ على الشيخ الإمام العالم العامل البارع الفاضل، الضابط المتقين، الحافظ المُفنن صدر الحفاظ، مفتي الشام، بقية السلف الصالح، تقي الدين أبي عمر و عثمان بن عبد الرحمن الشَّهْرَزُورِي النَّصْرِي الشافعي، أيده الله بطاعته، وأثابه الجنة برحمته بسَمَاعِهِ - منع للإسلام بطول بقائه ـ من الشيخ الزكي أبي بكرٍ أبي القاسم أبي الفتح منصور بن أبي المَعالي عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الصّاعِدي الفُرَاوِي بنيسابور، خيرها الله قال: أخبرنا الشيخ أبو المَعَالي محمد بن إسماعيل بن محمد الفارسي، قال: أخبرنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخُسْرُ وجَرْدِي رحمه الله.

(=يلاحظ أن هذا الشيخ له ثلاث كُنى: أبو بكر، وأبو القاسم، وأبو الفتح. قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء » ٤٩٤:٢١ هو: منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الشيخ الجليلُ العَدْلُ المسند، ابن مسندِ وقتِهِ أبي المعالي عبد المنعم، ابن المحدث أبي البركات عبد الله ابن فقيه الحرم أبي عبد الله، الصَّاعِدي الفُرَاوي ثم النيسابوري. ولد في سنة ٥٢٣ . سَمِعَ أباه وجده ، وأكثر عن جد أبيه، وعن عبد الجبار بن محمد الخواري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، ووجيه الشحامي، وطائفة. وحدث عنه ابنُ نُقطة، والزكي البرْزَالي، وأبو عمرو بن الصلاح، والسِّرَفُ المُرْسِي، والرضي بن البرهان، وعبد العزيز بن هلالة).

هذا ختام المجالس وتاريخُ خَتمِها في المجلد الثامن فقط، أما ختامها في آخر الكتاب ونهايته في المجلد العاشر، فقد جاء فيه ص ٣٤٦، في كتاب عتق أمهات الأولاد، في أواخر (باب الرَّجُلُ يَطَأُ امَتَهُ بالملكِ فَتَلِدُ له) ما يلي: (بَلَغ سماعُهم والعَرْضُ في السادس والخمسين بعد سبع المئة، بدار الحديث الأشْرَفِيَّةِ، رَحِمَهُ اللهُ، ولله الحمد). 

ثم جاء بعده مجلس الختام الأخير، فلم يُذكَرْ رقم تعدادِه، وهو المجلس ٧٥٧، وبه انتهت مجالس الكتاب كافة. وقد نقلت بآخر السماع في ص ١٤٠ ما جاء بآخر الكتاب بخط الحافظ ابن الصلاح، فانظره إذا شئت. 

وجاء في المجلد الثامن بعد هذا المجلس ٦١٧، الذي أثبته الحافظ ابن الصلاح هنا في نسخته، سَمَاع آخَرُ أُثبت على نسخة ابن الصلاح بعد ٤٠ سنة، عند الفراغ من قراءة المجلد وسماعه وهذا نصه: بلغ السيد الشريف عز الدين أيده الله تعالى سماعاً، بقراءته من أول كتاب السنن الكبير» إلى ها هنا ووافَقَ فراغه من ذلك الخامِسَ والعِشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وست مئة، في الميعاد الخامس والخمسين من هذا المجلد، فلله الحمد، بلغ سماع الجماعة حرسهم الله تعالى بجامع مِصرَ حَماها الله تعالى في الثاني والعشرين، ولله الحمد». انتهى. 

قال عبد الفتاح: وهذا سماع متأخر، حَصَلَ بعد وفاة الحافظ ابن الصلاح بإحدى وثلاثين سنة : فهو لا يَدخُلُ في سماع الكتاب على ابن الصلاح، ولذا ذكرته تعليقاً لانفصاله عن سماع ابن الصلاح وللتنبيه إلى ذلك لمن نظر في المجلد الثامن من «السنن الكبرى». 

وقد كان الشيخ ابن الصلاح في أثناء تحديثه بكتاب «السنن الكبرى للبيهقي، في دار الحديث الأشرفية قائماً بالتدريس أيضاً في المدرسة الرواحية، وفي المدرسة الشامية السنن الصغرى، كما تقدم في ترجمته. 

وقد أملى كتابه المعروف بمقدمة ابن الصلاح: «معرفة أنواع علم الحديث في خلال سَمَاع السنن الكبرى منه، أملاه في دار الحديث الأشرفية، بداً في إملائه في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة ٦٣٠، وفرغ من إملائه يوم الجمعة آخر المحرم من سنة ٦٣٤ . فكان الباعث على تأليفه قراءة «السنن الكبرى» وأجاز للحافظ عبد العظيم المنذري، وللفخر علي، وللشمس ابن خلكان وجماعة. ـ ووقع في «السير»: (ابن علان) وهو تحريف!

قال ابنُ نُقطة: كان شيخاً ثقة مكثراً صدوقاً، سمعتُ منه صحيح البخاري» بسماعه من وجيه الشحامي ومحمد بن إسماعيل الفارسي وعبد الوهاب بن شاه، و«صحيح مسلم، ومات سنة ٦٠٨. قال الذهبي : وحَجٌ، وحدث ببغداد مع والده رحمهما الله تعالى.

قال الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء»: ۹۳:۲۰، في ترجمته: «أبو المعالي الفارسي : الشيخ الثقة الجليل المسند، محمد بن إسماعيل بن محمد بن حسين، الفارسي ثم النيسابوري . ولد سنة ٤٤٨ . قال السمعاني في «التحبير» ٢: ۹۷ ثقةً مكثر، سَمِعَ «السنن الكبيره من أبي بكر البيهقي، وسَمِعَ منه أيضاً المدخل إلى «السُّنَن»، وسَمِعَ «صحيح البخاري من سعيد العيار، وسَمِعَ من أبي حامد الأزهري. 

وروى عنه ابن عساكر، والسمعاني، ومنصورُ بنُ الفُرَاوي، وإسماعيل بن علي بن حمك المُغِيني، والمؤيد الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم الشعرية، وطائفة، وتوفي سنة ٥۳۹ رحمه الله تعالى 

 قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء»: ١٦٢:١٨ – ١٧٠ ، في ترجمته: هو الحافظ الثَّبْتُ الفقيه - الشافعي - شيخ الإسلام ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرُ وجَرْدِي ، الخراساني. وبَيْهَقُ عِدَّةُ قُرَى من أعمال نيسابور على يومين منها. ولد في سنة ٣٨٤، وسَمِعَ وهو ابن خمس عشرة سنة من ... ـ وذكر خَلْقاً كثيراً من شيوخه. وبُورِك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة، ولم يكن عنده «سنن النسائي، وسُنن ابن ماجه وجامع أبي عيسى الترمذي. وانقطع بقريته مقبلاً على الجمع والتأليف، فعَمِلَ السُّننَ الكبير» في عشر مجلدات، ليس لأحدٍ مثله، وألف ـ وذكر تأليفه الكثيرة التي زادت على العشرين كتاباً ثم أطال في ترجمته، ثم قال : قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني : ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي - الإمام - عليه منة، إلا أبا بكر البيهقي فإن المنة له على الشافعي، لتصانيفه في نصرة مذهبه. 

قلتُ: القائل الذهبي - : أصاب أبو المعالي، هكذا هو. روى عنه أبو عبد الله محمد بن الفضل - جَدُّ والدِ منصور الفُراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان، ...، وطائفة سواهم. توفي سنة ٤٥٨ وعاش ٧٤ سنة رحمه الله تعالى .

بقراءة الشيخ [=قوله (بقراءة الشيخ) متعلق بقوله قبل أسطر : (سَمِعَ جميع هذا الكتاب ..... )]  الفقيه مجد الدين أبي عبد الله محمدِ بن محمد بن عمر بنِ الصفار الإسفرائيني:

۱ - علم الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد العطار الإشبيلي. 

٢-وشهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي. 

٣ - وشَرَفُ الدين أحمد بن محمد بن عبد الله المَوْصِلي 

٤-وعماد الدين داود بن سليمان بن علي الحموي. 

٥- وكمال الدين إسحاق بن أحمدَ بنِ عثمان المَقْدِسِ .

٦ - ومُوفِّقُ الدين أبو الفتح نَصْرُ بنُ عِزّ الدولة بن عيسى الحَنَفِيُّ.

٧-وفخر الدين عُمر بن يحيى بن عُمَر الكَرَجِيُّ. 

٨-وزين الدين يحيى بن خليل بن عُمَر الصَّمْصَاطِيُّ. 

٩- وركن الدين محمدُ بنُ محمد الطوسي. 

١٠ ـ-ويوسف بن عبد الله بنِ رَجَاء. 

١١-والشيخ أبو الحسن علي بن حسن بن علي الحنبلي. 

١٢ - والشيخ محمد بن عبد الله بنِ اليَمَني. 

١٣-وشمس الدين أبو بكر بن عثمان بن عُبيد الحافظ الأنصاري البخاري. ما خلا عَلَمَ الدين علي بن أحمد بن العطار الإشبيلي المبدوء باسمه، فإنه حضر مجلس السماع، ونَسَخَ في بعضه. وآخرين من هؤلاء بقوات. وموفق الدين نَصْرَ بنَ عِزّ الدولة الحنفي، فاته - المجلس - الحادي والسبعون بعد خمس المئة 

. أ ـ ونَسَخَ ونامَ منهم: 

١٤ - زين الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن هارون بن محمد التغلبي، ما خلا المجلس الحادي والأربعين بعد خمس المئة، ومن المجلس المُؤفِي تسعين بعد خمس المئة إلى الخامس والتسعين ومن المجلس المُؤفِي ثمانين بعد خمس المئة إلى الحادي والتسعين بعد خمس المئة. 

١٥-وجمال الدين عبد المعطي بن عبد الكريم بن أبي المكارم المصري، ما خلا المجلس الثامن والثمانين، والسابع والثمانين بعد خمس المئة . 

١٦-والضياء محمد بن عبد الملك الأصلي، ما خلا المجلس الثاني والثلاثين، والثاني والسبعين، والسادس والثمانين بعد خمس المئة، والمجلس الثالث بعد ست المئة، والسابع بعد ست المئة. 

١٧-ومحمد بن عمر بن أبي بكر المَيُورْقِيُّ ، ما خلا المجلس الثالث والثلاثين، والخامس والثلاثين والثامن والتاسع والثلاثين بعد الخمس مئة. 

١٨-وعمر بن علي بن عبد الرحمن الصقلي، ما خلا المجلس الثامن والعشرين، والثالث والثلاثين بعد الخمس مئة، والسابع بعد ست المئة 

١٩ - وجمال الدين أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن محمد اليَعْقُوبي، ما خلا المجلس السابع والثلاثين بعد الخمس مئة، والرابع والتسعين بعد خمس المئة. 

٢٠-وعز الدين أحمد بن هاشم بن أبي الفضل التَّفْلِيسِيُّ ما خلا المجلس الرابع والثلاثين والحادي والثمانين، والثامن والثمانين بعد خمس المئة. 

۲۱ - وتَامُ الدِّين محمدُ بنُ عَرَبْشَاهُ بن أبي بكر الهَمَذَانِيُّ، ما خلا المجلس السابع والأربعين والخامس والأربعين بعد الخمس مئة. 

۲۲ ـ ونجم الدين أبو بكر بن أبي بكر بن أبي القاسم البَعْلَبَكي، ما خلا المجلس الحادي والثلاثين والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثلاثين بعد الخمس مئة والتاسع والتسعين بعد الخمس.

٢٣- وفخر الدين عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البَعْلَبَكي، ما خلا المجلس السابع والعشرين إلى الثامن والأربعين، بعد الخمس مئة. 

٢٤ ـ ومجد الدين أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن سُرُورٍ المَقْدِسي، ما خلا المجلس الخامس والسادس والسابع والثامن والأربعين بعد الخمس مئة ، والموفي سبعين، والسابع والسبعين بعد الخمس مئة، والثامن والثمانين بعد الخمس مئة، والحادي والتسعين والسادس والتسعين بعد الخمس مئة. 

٢٥ ـ وعبد القادر بن عبد الحميد بن محمد المقدسي، ما خلا المجلس السادس والثامن والثلاثين بعد الخمس مئة ومن الخامس والأربعين إلى التاسع والأربعين بعد الخمس مئة ، والثالث والثامن والسبعين بعد خمس المئة، والتاسع والثمانين بعد خمس المئة، والثالث والتسعين، والمُوْفِي سِت المئة. 

٢٦ -وزين الدين عبد الدائم بن عمر بن نِعْمَة المَقْدِسِي، ما خلا المجلس الحادي والأربعين، بعد خمس المئة، والخامس والثمانين والثامن والثمانين بعد الخمس مئة. 

۲۷ - وشَرَفُ الدين بن أحمدُ بنُ زيد: أحمد المَقْدِسي، ما خلا المجلس الثامن والعشرين، والثالث والرابع والثلاثين، والحادي والأربعين، بعد خمس المئة، والرابع والثمانين بعد خمس المئة . 

٢٨- وجمال الدين محمدُ بنُ عبدِ الرحمن بن سَلَامة العَسْقَلانيُّ، ما خلا المجلس السابع والثلاثين بعد الخمس مئة، والثالث والتسعين بعد الخمس مئة. 

٢٩- وبرهان الدين إبراهيمُ بنُ سِبَاع بنِ ضِيَاء الفَزَارِيُّ، ما خلا المجلس الحادي والتسعين بعد الخمس مئة .

٣٠ - وأحمد بن سعيد بن أبي الغنائم البغدادي، والده الشريف الحسيني، ما خلا المجلس الحادي والثمانين بعد الخمس مئة. 

٣١ ـ وعفيف الدين أحمد بن علي بن عُمَر الهَمَدَاني، ما خلا المجلس الخامس

٣٢- وسعيد بن حسن بن إبراهيم الزرزاري، ما خلا المجلس الثاني والتسعين

٣٣ ــ وعفيف الدين يعقوب بن محمد بن خليل البُرْدِيُّ، ما خلا المجلس الثامن

٣٤- وإبراهيم بن أبي الحسن المُخَرِّمي، ما خلا المجلس الرابع والثلاثين، والسابع والثلاثين والخامس والأربعين، والتاسع والسبعين بعد ست المئة. والتسعين بعد خمس المئة. الخمس مئة. 

٣٥ - وشعيب بن محمد بن موسى السلمي الجيلي، ما خلا المجلس السابع والثامن والأربعين، والحادي والتسعين والحادي والسبعين بعد الخمس مئة. 

منهم: ب - وحَضَرَ مجلس السماع طائفة كانوا يَنْسَخُون حالةَ السَّماع. من نسخ في جميع مجالس السماع، ومنهم من نَسَخ في بعضها. فمنهم: 

٣٦ - صفي الدين يوسف بن موسى بن عبد الله العماري . 

٣٧- وناصر الدين محمد بن داود بن ياقوت الصَّارِف.

٣٨- والشيخ أبو العباس أحمد بن غانم بن عامر التونسي. 

٣٩ - وشَرَفُ الدين أبو محمد شَرْوَةُ بنُ عُمَر بنِ حُسَينُ القَزْوِيني، المدعو: شَرَفاً وشَرْوَةً أيضاً. بابن الحجام. 

٤٠ -ومحب الدين علي بن حَدِيد بن عُبيد السستي ـ كذا ـ المصري. 

٤١-والشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد اللخمي المعروف.

٤٢ ـ وأبو بكر بن علي بن المنير المصر أرياجي

 ٤٣ -وبرهان الدين إبراهيم بن هلال بن نجيم السويدي. 

٤٤- وجمال الدين يوسف بن إقبال بن سُلطان السلمي 

ت-وآخرون من هؤلاء بفَوَاتٍ، منهم: 

٤٥ - صفي الدين خليل بن أبي بكر بن محمد المَرَاغِيُّ، ما خلا المجلس الثاني والرابع والثلاثين، والثاني والثالث والسبعين، والثاني والثمانين بعد الخمس مئة. 

٤٦-وشمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن عُمارة السرجي، ما خلا المجلس التاسع والعشرين بعد الخمس مئة. 

٤٧-والشيخ أبو محمد عبد الله بن مالك بن مرحب اللبلي، ما خلا المجلس - الثاني والتسعين بعد الخمس مئة. 

٤٨-ونور الدين علي بن أحمد بن علي الأوسِيُّ، ما خلا المجلس الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والستين بعد الخمس مئة.

٤٩- وشَرَفُ الدين أحمد بن رضوان بن إسماعيل المَوْصِلي ثم المَقْدِسِيُّ

٥٠-وصدر الدين عبد الملك بن عبد الوهاب بن الحسن بن عساكر، ما خلا المجلس السابع والعشرين بعد الخمس مئة، إلى المجلس الثالث والأربعين بعد الخمس مئة والحادي والثمانين بعد الخمس مئة، والمجلس الأول بعد ست المئة . ما خلا المجلس الثالث والسادس والتاسع والثلاثين بعد الخمس مئة، والثالث والأربعين بعد الخمس مئة، والثالث والثمانين بعد الخمس مئة، والخامس والخمسين بعد خمس مئةٍ أيضاً. 

٥١-وتمام الدين أبو نصر مُحمَّد بن عَرَبْشَاه بن أبي بكر الهمذاني، ما خلا المجلس السابع والثامن والأربعين بعد خمس المئة

٥٢-وعز الدين علي بن محمد بن محمد الأصفهاني، ما خلا المجلس الرابع والثلاثين . وجمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن سلامة العَسْقَلانيُّ، ما خلا المجلس السابع والثلاثين بعد الخمس مئة، والسابع والخمسين بعد الخمس مئة، والرابع والتسعين بعد خمس المئة

٥٣-وصدر الدين عبد الرحيم بن نَصْرٍ البَعْلَبَكي، ما خلا المجلس الثاني والثلاثين بعد الخمس مئة والرابع والثمانين بعد الخمس مئة . ونجم الدين داود بن عبد الرحمن بن عثمان بن أحمد المَرَاغِيُّ، ما خلا المجلس المُوفي أربعين بعد الخمس مئة.

٥٤- ونجم الدين إبراهيم بن يوسف بن عمر، المعروف والده بابن خطيب بيت الآبار، ما خلا المجلس السابع والثامن والعشرين، والثالث والخامس والسابع والثلاثين بعد الخمس مئة والخامس والخمسين بعد الخمس مئة، والحادي والثاني والسبعين بعد الخمس مئة، والثاني والثالث والستين بعد الخمس مئة. 

٥٥-وشرف الدين محمد بن علي بن أبي بكر الحنفي، ما خلا المجلس السابع والعشرين، والحادي والثلاثين والثالث والرابع والثلاثين بعد الخمس مئة، والخامس والسبعين بعد خمس المئة، والموفي ثمانين بعد الخمس مئة . 

٥٦-والشيخ أبو الثناء محمود بن ناصر بن عُبيد الله العَجَمِي، ما خلا من - المجلس السابع والعشرين إلى المُؤفِي ثلاثين بعد خمس المئة. 

و- وسَمِعَ هذا المجلد طائفة كانوا يتحدثون في بعض المجالس حالة السماع، منهم: 

٥٧ - علي بن موسى بن يوسف الأرْمَوِيُّ . 

٥٨-وعفيف الدين عبد الله بن رجاء بن فارس الحوراني الدمشقي.

 ٥٩ - وولَدُهُ يُوسُف 

٦٠- وأبو بكر بن الشيخ أحمد بن غانم التَّونُسِي. 

٦١-ومجد الدين عبد المنعم بن المظفر بن الحسن المصري. 

٦٢-ومحمد بن عبد الله بن محمد ا محمد اللخمي، المعروف والده بالحجام

 ج - وآخرون من هؤلاء بفَوَاتٍ، منهم: 

٦٣ - تاج الدين أبو بكر بن علي بن خليل الكُرْدِيُّ، ما خلا المجلس المُوْفِيَ أربعين، والسابع والسبعين بعد الخمس مئة. 

٦٤ - وجمال الدين أبو الحسن بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن محمد اليَعْقُوبي، ما خلا المجلس السابع والثلاثين بعد الخمس مئة، ومن التاسع والأربعين إلى الحادي والخمسين بعد الخمس مئة، والمُوْفِي ستين بعد خمس المئة، والرابع والتسعين بعد خمس المئة. 

٦٥- وجمال الدين أحمد بن عُمَر بن رَشِيدٍ الصوَّافُ التِّكْرِيتي، ما خلا المجلس الثالث والثلاثين والسابع والأربعين، والثامن والأربعين بعد خمس المئة، والسادس والسبعين بعد خمس المئة.

٦٦ - وعِز الدين عُمرُ بن سعد بن غالب الإريلي، ما خلا المجلس الحادي والسبعين بعد خمس المئة، والسادس والتسعين بعد خمس المئة. 

٦٧-وفخر الدين عبد الله بن يوسف بن محمد البعلبكي، ما خلا المجلس الأول من المجلدِ إلى آخر السابع والثلاثين بعد خمس المئة، والسابع والثامن والأربعين بعد خمس المئة، والتاسع والخمسين بعد خمس المئة.

 ٦٨ - وصفي الدين إسحاق بن إبراهيم بن يحيى الفُراوِيُّ، ما خلا المجلس الثالث والرابع والثلاثين بعد خمس المئة والحادي والثاني والثمانين بعد الخمس مئة والرابع والخامس والسادس والتسعين بعد خمس المئة، والمُوفِي سِت المئة.

٦٩- وشمس الدين محمدُ بنُ إِلْيَاس بن أبي الفتح الآمدي، ما خلا المجلس الحادي والثلاثين والسابع والأربعين بعد الخمس مئة، والمجلس الأخير من هذا المجلد. 

ح- وسَمِعَ هذا المجلَّدَ طائفة كان النومُ يَعْتَرِيهم حالة السماع أحياناً، منهم: 

 ۷۱ - والشيخ يوسف بن أحمد بن ربيعة السافري. 

۷۲ - وسعيد بن أبي الغنائم البغدادي . 

۷۰ - رشيد الدين حسن بن محمد بن حسين الفارسي. 

خ - وآخرون من هؤلاء بفَوَاتٍ، منهم: 

۷۳ - الشيخ محمد بن باديس البوني، ما خلا المجلس التاسع والعشرين والحادي والثاني والثلاثين، والموفي أربعين. 

٧٤-وعبد العزيز بن أبي نصر بن سليمان المَوْصِلي، ما خلا المجلس الخامس والثلاثين.

٧٥- وأحمد بن تمام الصَّفّارُ الأعرَجُ ما خلا المجلس المُؤفِي ثلاثين بعد خمس المئة.

٧٦- وتقي الدين عبد الكريم بن عبد الملك بن أحمد السَّمَرْقَنْدِي، ما خلا الثالث والثلاثين بعد الخمس مئة والحادي والثمانين بعد خمس المئة، والخامس والتسعين بعد الخمس مئة..

٧٧-وسراج الدين عُمر بن أبي بكر بن محمد الترحرى ـ كذا، ما خلا المجلس الثاني والثلاثين والخامس والأربعين بعد الخمس مئة، والسادس والسابع والخمسين بعد الخمس مئة، والثالث والسادس والسبعين بعد الخمس مئة، والسابع والسبعين بعد خمس المئة. 

 ٧٨-وعبد العزيز بن أبي بكر بن عبدِ اللَّهِ الحروبي، ما خلا المجلس السابع والعشرين، والحادي والثالث والثلاثين والسابع والخامس والخمسين بعد الخمس مئة، والسابع والثمانين، والثاني والتسعين بعد خمس المئة.

 ۷۹ - ورَضِي الدين يوسف بن يحيى بن علي السلمي، ما خلا المجلس السابع والعشرين، والرابع والثلاثين والثامن والأربعين بعد الخمس مئة، والمجلس المُوْفي تسعين بعد الخمس مئة. 

٨٠-وخليفة بن مسعود بن محمد المربالي، ما خلا المجلس الرابع والأربعين بعد الخمس مئة.

۸۱ - وجمال الدين محمد بن إبراهيم بن محمد الإريلي، ما خلا المجلس الثامن والثلاثين بعد الخمس مئة. 

٨٢-والشيخ يوسف بن حسين بن عبد المعطي الصقلي، ما خلا المجلس كذا والثلاثين والثالث والسادس والثلاثين، والسابع والتاسع والثلاثين، والثالث والسادس والأربعين بعد خمس المئة، والمجلس الثالث بعد ست المئة.

٨٢- وأبو بكر بن الشيخ أحمد بن غانم التَّونُسِي . ومجد الدين عبد المنعم بن المظفر بن الحسن المصري. 

٨٣ - والشيخ أبو الحسين علي بن عبد الملك البغدادي، ما خلا المجلس الرابع والثلاثين بعد خمس المئة. وضح ذلك وثَبَت.

د- وحضر مجلس السماع طائفةٌ كانوا يَنْسَخون في بعض مجالس السماع وينامون ويتحدثون، ولهم فَوَاتٌ أيضاً، منهم:

٨٤ ـ جمال الدين علي بن محمد بن مبارك القَرْقَسِيُّ ، فَاتَهُ المجلسُ المُوْفِي أربعين، والثامن والأربعون بعد الخمس مئة، والثالث والسبعون، والثامن والسبعون بعد الخمس مئة والتاسع والثمانون بعد خمس المئة، والثاني والتسعون والسادس والتسعون بعد الخمس مئة، والمجلس الثالث بعد ست الميَّة. 

٨٥ - ونور الدولة علي بن عبد الواحد بن أبي الحسنِ بنِ الصَّيْقَل، فاتَهُ المجلس الثالث والرابع والخامس والثامن والتاسع والتسعون بعد الخمس مئة، وفاته المجلس المُؤفِي سِتّ المئة والسابعَ عَشَرَ بعد ست المئة. 

٨٦--وشَرَفُ الدين محمد بن علي بن أبي بكر الحنفي، فاته المجلس السابع والعشرون، والحادي والثلاثون، والثالث والرابع والثلاثون بعد الخمس مئة، والرابع والسبعون بعد الخمس مئة، والتاسع والسبعون بعد الخمس مئة 

٨٧-ونجم الدين إبراهيم بن يوسف بن عُمر بن خطيب بيتِ الآبار، فاتهُ المجلس السابع والعشرون والثامن والعشرون بعد خمس المئة، والثاني والثالث والثلاثون بعد خمس المئة، والخامس والثلاثون بعد الخمس مئة، والسابع والثلاثون بعد الخمس مئة، والثالث والخمسون بعد الخمس مئة، والحادي والثاني والسبعون بعد الخمس مئة، والثاني والثالث والثمانون بعد خمس المئة. 

٨٨-وتقي الدين أبو عبد الله محمدُ بنُ طَرْخَان بن أبي الحسن الحنبلي، فاتَهُ المجلس الخامس والثلاثون بعد الخمس مئة، والخامس والسابع والأربعون بعد الخمس مئة، والثالثُ والخامس والخمسون بعد خمس المئة، والسادس والتسعون بعد خمس المئة.

٨٩- وضياء الدين عيسى بنُ عُمَر بن عيسى الكُرْدِيُّ الكوددي الشافعي، فاته المجلس التاسع والعشرون بعد الخمس مئة، والثامن والأربعون بعد خمس المئة، والرابع والخمسون بعد خمس المئة، والسادس والسابع والستون بعد خمس المئة، والحادي والسبعون بعد الخمس مئة، والحادي والتسعون بعد الخمس مئة 

 ٩٠- وشَرَفُ الدين علي بن يوسف بن أبي الفضل الشريف الحُسَيْنِيُّ الحَنَفِيُّ، فاته المجلس الحادي والثلاثون، والثالث والرابع والخامس والثلاثون بعد خمس المئة، والرابع والخمسون والسابع والثامن والخمسون بعد الخمس مئة، والمجلس المُؤفِي سبعين، والسادس والسابع والسبعون بعد خمس المئة، والسادس والثمانون بعد خمس مئة، والمجلس الحادي بعد ست المئة 

٩١- والفقير عبد الله بن يوسف بن أبي الفوارس المَعْدِني الحنبلي، فاتَهُ المجلس السابع والستون بعد خمس المئة، والمجلس المُؤفِي سبعين بعد خمس المئة، والمجلس المُوْفِي ثمانين بعد الخمس مئة، والثامن والثمانون أيضاً. 

ذ -سَمِعَ هذا المجلد ثلاثة كان النوم يعتريهم أحياناً حالة السماع، وكانوا يتحدثون أحياناً، ولهم فوات، وهم: 

٩٢- صفي الدين أبو بكر بن تمام بن أبي الحسن بن محبور البَعْلَبَكي الشافعي، فاته المجلس السابع والعشرون بعد الخمس مئة، وهو المجلس الأول من هذا المجلد، والثامن والتاسع والمُوفِي ثلاثين بعد خمس المئة، والحادي والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثلاثون بعد الخمس مئة. 

٩٢-وصلاح الدين صالح ابنُ الشيخ الزاهد الورع: إبراهيم بن أحمد العَادِليُّ، وَفَاتَهُ المجلس التاسع والعشرون بعد خمس المئة، والمجلس الموفي ثلاثين، والحادي والثاني والثلاثون بعد خمس المئة، والرابع والثلاثون بعد خمس المئة، والرابع والأربعون بعد الخمس مئة، والثامن والأربعون بعد الخمس مئة والرابع والخامس والخمسون بعد الخمس مئة، والمجلس المُوْفِي ستين بعد الخمس مئة، والثاني والستون، والسادس والثمانون بعد الخمس مئة. 

٩٣- وأخوه تاج الدين أحمد ابن الشيخ إبراهيم الفارقي، فاته المجلس الثامن والعشرون بعد الخمس مئة ، والتاسع والعشرون - والمُوفِي ثلاثين بعد خمس المئة، والحادي والثاني والثالث والرابع والخامس والثلاثون بعد المئة، والرابع والأربعون بعد خمس المئة، والرابع والخمسون بعد المئة، والثاني والستون بعد الخمس مئة، والمجلس المُؤفِي ثمانين بعد الخمس مئة، والرابع والثمانون بعد الخمس مئة، والسابع والثمانون بعد الخمس مئة . وصح ذلك وثَبَتَ في تسعين مجلساً ، آخِرُها في يوم الخميس سادس عشر جُمادَى الأولى، من سنة أربع وثلاثين وستُ مِئَة ، بدار الحديثِ السُّلْطَانِيَّة المَلَكِيَّة الأشرفية، وفق الله سبحانه واقفها وغَفَر له. 

٩٤- وسَمِعَ مُثبِتُ الأسماءِ سَمَاعاً صحيحاً، من (باب دِيَة أهل الذمة) إلى آخر هذه المجلدةِ، العبد الفقير إلى رحمة ربه عبد الرحمن بن علي بن الفتح بن عبد الله الدمشقي الشافعي، المرتب بدار الحديث الأشرفية والنقيب بها، والخط له، عَفَا الله عنه ورَحِمَهُ 

(مثبت الأسماء) أو (مُثْبِتُ السماع) أو (كاتب) السماع) أو (كاتب الطباق) كلها بمعنى واحد، وهناك (كاتب الغَيْبَة)، وهذه كلمةً عنه وعن كتابة (الإجازة) أو (الطباق)، كتبها العلامة المؤرخ الأمين الشيخ محمد أحمد دهمان الدمشقي أمتع الله تعالى به، في مقدمته لكتاب القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية لابن طولون الدمشقي ٢١:١- ٢٢، من الطبعة الثانية بدمشق سنة ١٤٠١ . قال أحسن الله إليه: «في الأزمانِ المتأخرة : القرن الثامن والتاسع وما بعدهما، كان من نظام الواقفين والوقف ترسيمُ (كاتب الغَيبة)، وهو موظف أمين معروف بالاستقامة، يقوم بكتابة اسم من يتخلف عن حضور الدرس، ويُقدِّمُهُ إلى ناظر المدرسة أو الوقف أو نائبه ، فيَحْسِمُ عليه من راتبه بمقدار أيام غيابه إن رأى في ذلك مصلحة . 

وكاتبُ الغَيْبَة) أيضاً: من يقوم بكتابة أسماء الطلبة الذين حضروا بعض الأيام وغابوا بعضاً، عند قراءة كتاب مثل صحيح البخاري أو كتب الفقه أو غيرها من العلوم ليُسجل اليوم الذي تخلف الطالب فيه، ويُسجِّل الموضع من الكتاب الذي تخلف سماعه أو قراءته، فيكتب اسم الطالب، ويكتُبُ عنوان البابَ الذي فاته.

وجاء في آخر المجلد العاشر ص ٣٥٠ ما يلي: في آخر نسخة رامفُور تَمَّ الكتاب المبارك بحمد الله ومَنهِ وحُسنِ توفيقه، فالحمد لله على إعانته وتيسير نساختِه، وتسهيله، أحمده حمداً كثيراً على ذلك، فأسأل الله تعالى المغفرة والرضوان، وذلك يوم السبت الخامسَ عَشَرَ من شَهْرِ ذي الحجة المبارك، من سنة تسعَ عَشْرَة وثماني مئة ، برسم مولانا وبركتنا الإمام العالم العلامة، جمال الدين بركة المسلمين، وخَلَفِ السَّادَةِ الصالحين، نَفَع الله به: محمد بن أبي بكر بن صالح ، المشهور بابن الخياط ، متع الله بحياتِهِ ونَفَع ، آمین ثم آمين. \

وذلك على يد العبد الفقير المعترف بالذنوب والخطايا، الراجي رحمة ربه وغفرانه عن الزَّلَلِ والخَطايا: علي بن محمد بن حُضَير، غفر الله لكاتبه ولمالكه ولمن نَظَر إليه، ولمن طالع فيه، ولمن قابَلَهُ وتأملَهُ وأصلَحَ ما به من تصحيف، وعلى . . .أصلَحَهُ وجميع المسلمين برحمتِهِ ومَنْهِ وَكَرَمِه، والحمد الله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآلِهِ خاتم النبيين وسلم تسليماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نقلتُ خط العلامة الحافظ أبي عَمْرو تقي الدين بن الصلاح: بلغ سَمَاع الجماعة ـ بدار الحديث الأشرفية رَحِمَ اللهُ واقِفَها ـ وعَرْضُ هذه النسخة على الإتقان من أولها إلى آخرها، بأصلين: 

أحدهما أصل الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن علي، المعروف بابن عساكر رحمه الله، الجَدِيدُ المُقابَلُ، وفيه: رِوَايَتُهُ للكتاب، كان عَنْ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشَّحْامي، عن مُصَنِّفه، و: رِوَايَةُ وَلَدِهِ أَبي محمد القاسم، عن زاهر وأبي المعالي محمد بن إسماعيل، الفارسي إجازة، عن المصنف، وهو أصل ،معتمد، وعلامة ما كان منه في هذه النسخة (ص). 

والثاني أصل أبي المواهب الحسن بن هبة الله بنِ صَصْرَى، وفيه سَمَاعُهُ على الحافظ أبي القاسم، وذكرُ مُعَارَضَتِهِ إياه، لا أدري أبأصل الحافظ، أو بأصل أصلِهِ ؟ وعلامة ما كان منه في هذه النسخة (خ ر). 

وكان الفراغ من سَمَاعِهم للكتاب مني ، ومِن عَرْض هذه النسخة: يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، سنة خمس وثلاثين وست مئة بدمشق -حَرَسَها اللهُ وسائر بلاد الإسلام وأهله، وهو عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن الصلاح، غفر الله له ولهم آمين. 

ونقلتُ من خَط العلامة قاضي القضاة تقي الدين محمدِ بنِ الحسين بن خَط عثمان بن رزين، ما نصه: وجدت بخط الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المصنف رحمه الله ورضي عنه، في نسخة الأصل التي بخطه، في آخر الكتاب، ما صورته : فرغت منه بحمد الله ومَنه يومَ الاثنين الثاني عشر من جمادى الآخرة، سنةَ اثنتين وثلاثين وأربع مئة، والحمد لله رب العالمين. الحمد لله رب العالمين حمداً يُوافِي نِعَمَهُ ويُكافىءُ مَزِيدَهُ كما يُحِبُّ ويَرضى، وصَلَواتُه على سيدنا محمد نبيه وعبده، وعلى آلِهِ وذُرِّيَّتِه، وأزواجه وأهل بيته ، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، والملائكة المقربين، وعلى الأولياء والصالحين، وسلامه عليهم أجمعين . وبعد فقد يسر لنا الله إتمامَ مُقابلة هذا الكتاب المبارك، من أوله إلى آخره، وتصحيحه، علَى بَذْلِ الوُسْع في الإتقان، وذلك على أصله المنقول، وهو أصل الشيخ الإمام تقي الدين ابن الصلاح، الذي بخط عبد الجليل بن عبد الجبار بن عبد الواسع الأبْهَرِي، كتبه للشيخ تقي الدين سوى المجلدة السابعة فهي قديمة . ولم أغادر مما في الأصل من الرواياتِ والطَّرَرِ وَضَبْطِ المُشْكِل والمشتبِهِ شيئاً بحمد الله. 

وما نقلته من ذلك من خَطَّ الحافظ أبي عَمْرِو بنِ الصلاح عَزَوْتُه إِليه ، أو أعلمتُ عليه (ع)، وما كان مضبوطاً بوجهين، أو عليه (كذا)، أو من اختلافِ رواية (ص) و (خ)، فهو كله من خطه ، وكذلك كلُّ ضَبْطِ لما يَلْتَبِسُ ويُشكل فليس إلا من خطه، إلا ما صَرَّحتُ به، وإلا قليلاً أَهْمَلَ ضبطه، ورَجَعْتُ فيه إلى قول أئمة هذا الشأن في الأسماء.

وما كان عليه من خَطَّ المؤلف، أو بخطه، المؤلف، فهو من خط الشيخ تقي الدين ابن رزين أحَدٍ سامعي الكتاب على الشيخ تقي ابن الصلاح، فإنه ظفر بنسخة المصنف، فأثبَتَ ما وجده بخطه مغايراً لما في أصل الشيخ تقي الدين، وقد يكون شيء من هذا القبيل بخط غيره، وأرجو أن هذا الأصل قد صار عُمْدَةً ووثيقةً لمن اعتمد عليه واستَوثَقَ إن شاء الله تعالى. 

وأسأله بكَرَمِ وَجهِهِ وعِزّ جَلَالِهِ أَن يُصلِّي على نبيه محمد، ويَجْزِيَهُ عن أُمَّتِهِ أفضَلَ جَزَاء المرسلين، وأن يجزي خيراً: علماءنا ومشايخ ديننا الذين نقلوا السُّنَن، ومَشَوْا مِن الحقِّ على سَنَن ويرحمهم ويرحمنا ببركتهم، وينفعنا بكتابه وسُنَّة نبيه، ويتقبل سَعْيَنا، ولا يُخيب رجاءنا ، فهو الجواد الكريم، كثير العطاء، والمبتدىء بالنعم على غير استحقاق ربَّنَا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رحمةً وَهَيِّىء لنا مِن أمرِنَا رَشَداً. وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا فإنك أنت الغفور الرحيم.

الفقير إلى الله تعالى محمد بن أبي بكر ابن الخياط الشافعي، تاب الله عليه، وغفر لوالديه ولمشايخه وإخوانه والمحبيه وشَانِئيه وجميع المسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصَحٌ ذلك في صبيحة يوم الأحد سادس عَشْرَيْ رمضان سنة ٨٤٤ بَتَعِزُّ حَرَسَها الله

قال عبد الفتاح : انتهى ما أُثبت في آخر المجلد العاشر، وإنما أثبته هنا لما جاء فيه من ذكر عناية الحافظ ابن الصلاح بنسختِهِ ضبطاً وإتقاناً ومُقابلة، ولذكرِهِ كلمة في ختام هذا السماع : يلحظ الناظر في هذا السماع الجامع لهؤلاء الأفاضل الأعلام المحدثين : الأصلين اللذين قابل نسخته بهما.

أنه قد اجتمع فيه علماء ومحدثون من مختلف جَنَبَاتِ أرض الإسلام، المشرقي والمغربي والجنوبي والشمالي، فإذا لاحظنا الأسماء المنسوبة فيه إلى البلدان والأماكن، رأينا فيها – بالنظر إلى ظاهر النسبة المذكورة ـ العالم الإشبيلي، والموصلي، والكرخي، والحموي، والمَقْدِسي، والطوسي، واليَمَني، والبخاري، والمصري، والميورقي: المغربي، والصقلي، والتفليسي: الروسي. ورأينا : الهمذاني، والبَعْلَبكي، والعَسْقَلاني، والبغدادي، والمُحرمي، والجيلي، والتونسي، والقزويني، والمراغي، واللبلي: المغربي، والأصفهاني، والآباري، والدمشقي، والاريلي، والفُرَاوي، والتكريتي، والآمدي، والبوني، والقَرْقَسِي، والسِّمَرْقَنْدِي ، و ... ، و ... ، وغيرهم.

وهذا جمع مبارك نادرُ المثال تقاطر فيه هؤلاء العلماء من مختلف البقاع، إلى مجلس مُحَدِّثِ زمانه، وإمام السُّنَّةِ وعلومها في أوانه : الحافظ ابن الصلاح، فقد كان ــ بما آتاه الله من مزايا ومواهب نادرة - يَجْمَعَ الفضائل، وموثل الأعلام الأماثل، رحمة الله تعالى عليه وعليهم أجمعين.

إن من ينظر في مجالس السماع هذه وأمثالها، لتتملكه الدهشة، ويستولي عليه العجب، مما كانت عليه هذه المجالس المباركة من دِقَّةٍ ونظام وأمانة، في تسجيل الرجال الرواة الذين حضروا للاستماع وتلقي الحديث الشريف، من بلادٍ متباعدة، وأجناس متعدّدة، وألوان مختلفة، وألسنة متباينة، في تقييد أحوالهم وأوضاعهم وهيآتهم أثناء السماع، مع تحديد كل مجلس وتأريخه وذكر مكان السماع بآخر الكتاب. فهذا يسمعُ ما يُقرأ على الشيخ ولكن تأخُذُهُ سِنَةٌ من النوم، وهذا يسمع ويتشاغَلُ أحياناً بالتحدث مع زميله وينام وهذا يسمع ولا ينسخ ، وهذا يسمع وينسخ ، وهذا نَسَخ ونام، وهذا نَسَخَ ونامَ ،وتحدَّث، وهذا نسخ في جميع مجالس السماع، وهذا نَسَخ في بعضها. وهذا حضر مجالس السماع بفَوَاتٍ ما خلا المجلس الحادي والأربعين بعد خمس المئة، وهذا حَضَر مجالس السماع ما خلا المجلس الثامن والعشرين، والثالث والثلاثين بعد الخمس مئة، والسابع بعد ست المئة. وهذا يسمع ويُحضِرُ معه ولَدَهُ ليَسمع الحديث من صغره، ويُسجل اسمه في تَحْضَرِ السماع مع المحدثين. 

ويقوم على ضبط هذه المجالس، وإحصاء أسماء الحاضرين، وتقييد حركاتهم وسكناتهم وأحوالهم : شيخ أمينٌ عَدْلٌ حاذِقٌ نبيه، يُسمى (مُثبِتَ السماع) أو (كاتب الغَيْبَة)، ويُقدِّمُ بعد انتهاء المجلس وانتهاء الكتاب ما أثبته من أحوال الطلبة في السماع إلى الشيخ المحدث - وهو هنا : الإمام ابن الصلاح ، فيُوقع عليه الشيخ بخط يده وكتابة اسمه بآخره، ليكون هذا السماع بتوقيع الشيخ المُحدِّثِ المُسْمِع وثيقةً هامة في تقويم الرجال الرواة الذين سَمِعُوا الكتاب وإنزالهم منازلهم من قوة الضبط والإتقان والرواية . إنها العناية البالغة، والدِّقَةُ المتناهية، في ضَبْطِ العلم ونقله من الأسلافِ إلى الأخلاف، بالطُّرق الضابطةِ المُتاحة في ذلك العصر قبل أكثر من ٧٥٠ سنة، لا سيما نقل الحديث الشريف، نقلاً دقيقاً كلَّ الدقة، أميناً كل الأمانة، نقياً لا تَشُوبُهُ شائبة من شك أو لَبْس . فهل بلغَتْ أُمَّةٌ في تاريخ الإنسانية هذا الشأوَ العالي، الذي بلغته الأمة الإسلامية، من الدقة والأمانة والإخلاص والصدق

في نقل تراثها وحفظه وصيانته وتبليغه للناس؟!! وإنما كان حرصهم على السَّماع كل الحرص، لأن قراءة الكتب ـ أو سَمَاعَ الأشرطة المسجلَةِ اليوم - من غير مُعلم أو موقف، لا تُعطي المعرفة الصحيحة الكاملة، ولا تفيد العلم النَّقِيُّ المضبوط ،القويم ، فهي مُعِينَةٌ لا مُعَلِّمة، ومذكرة لا مُقَومَة، ولهذا قالوا : من كان شيخه الكتاب كان خطوه أكثر من الصواب، لأن التلقي من الكتب تسود فيه المتابعة، وقد قال الخليفة المأمون العباسي: العلم فانظر كيف ذكر اسم الكتاب، وذكر معه أنه حازه ولكن بدون سماع من شيوخه إلى المؤلف، وهذا يشعر بأهمية السماع جداً، لأن ثقته بمضمون الكتاب وضبطه ضعيفة إذ لم يتلقه ولم يسمعه من مؤلفه أو شيخ اتصل سماعه له بمؤلفه . هذا إلى جانب حرمان كسب القدوة الحسنة الصالحة بالمُشَامَّةِ والمُجالسة والمذاكرة والمشاهدة، التي تُجَسِّمُ الفضائل، وتَغرِسُ التأسِيَ بها وتُحببهُ : لقد كان لكم في رسولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) على المناقشة أثبَتُ ـ وأصَحُ وأَجْلَى وأنقى . منه على المتابعة.

ومن أجل هذا كانوا ينبهون على الكتاب الذي تلقوه بالسماع، والكتاب الذي ليس لهم به سماع، لكبير المفارقة بين الحالين جداً، فهذا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري يقول في كتابه «معرفة علوم الحديث: النوع الثاني والعشرون من علوم الحديث: معرفة الألفاظ الغريبة في المتون، وهذا علم قد تكلم فيه جماعة من أتباع التابعين، ، فأول من صنف الغريب في الإسلام النضر بن شميل له فيه كتاب، هو عندنا بلا سماع، ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير الذي أخبرناه محمد بن محمد بن الحسن الكارزي . ، فشأن (السماع) عندهم شأن عظيم، وله لديهم موقع جسيم ، عليه كل الحرص، واعتنوا بحفظه وصيانتِهِ كلَّ العناية، لأنه بمنزلة الشهادة بسماع الكتاب من مؤلفه أو ممن: تلقاه . ولذا ألزموا مَنْ كان لديه سماعٌ مشترك بينه وبين زميله ومُشارِكِهِ في التلقي

عن الشيخ، الزموه بأنْ يُمكِّنَ مُشاركَهُ من استعارة الكتاب المسموع لهما، ونقل السماع الذي له فيه ، وحَظَرُوا عليه مَنْعَهُ (السماع) عن صاحبه، حتى وصل هذا التمسك بالسماع بين بعض المشتركين فيه - إذا منعه صاحبه إلى ساحة القضاء، فصدرَتْ أقضية تُلزِمُ مالك الكتاب بإعارة نسخته المسموعة لمشاركه في سماعها، وإليك بعض النصوص في ذلك: قال الإمام الحافظ ابن الصلاح في مقدمته، في آخر (النوع الخامس والعشرين في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده): إن من ثبت سماع غيرِهِ في كتابه فقبيح به كتمانه إياه، ومَنْعُهُ من نقل سماعه، ومن نسخ الكتاب، وإذا أعاره إياه فلا يُبطىء به.

روينا عن الزهري أنه قال : إياك وغُلُولَ الكتب. قيل له : وما غُلُولُ الكتب؟ قال: حَبْسُها عن أصحابها. وروينا عن الفُضَيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال : ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظَلَمَ نفسه . فإن منعه إياه فقد رُوِّينا أن رجلاً ادعى على رجل بالكوفة سماعاً منعه إياه، فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب : أخرج إلينا ، فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك الزمناك، وما كان بخطه أعفيناك منه . قال ابنُ خَلاد - هو القاضي الحَسنُ بن عبد الرحمن الرَّامَهُرْمُزِيُّ ، صاحب كتاب «المحدث الفاصل» فيه (۲) : سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا، فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسَنُ من هذا، لأنَّ خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه . وقال غيره : لَيْسَ بشيء . وروى الخطيب الحافظ أبو بكر، في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، قال: حُدِّثْتُ، قال: حُدِّثْتُ عن القاضي أبي الحسن علي بن الحسن الجراحي، قال أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت، قال: رأيت رجلاً قدم رجلاً إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي، فادعى عليه أن له سماعاً في الحديث في كتابه، وأنه قد أب أن يُعيره، فسأل إسماعيل المدعى عليه، فصدقه فقال: له في كتابي سماعٌ ، ولستُ أُعيره، فَأَطرَقَ إسماعيلُ ثم رفع رأسَهُ مَلِيّاً، إلى المدَّعَى عليه، فقال له: عافاك الله، إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تُعيره، وإن كان سماعُهُ في كتابك بخط غيرك، فأنت أعلم . - قال: سماعُهُ في كتابي بخطي، ولكنه يُبطىء برده علي، فقال: أخوك في الدين أحب أن تُعيره، وأقبل على الرجل فقال : إذا أعارك شيئاً فلا تبطىء به .

 قلت -القائل الإمام ابن الصلاح-: حفص بن غياث: معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة، وأبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي، وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك وإمامهم، وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك، ويُرجعُ حاصلها إلى أن سماعَ غيره إذا ثبت في كتابه برضاه، فيلزمه إعارَتُهُ إياه . وقد كان لا يَبِينُ لي وجههُ ، ثمَّ وجَهتُهُ بأنَّ ذلك بمنزلة شهادة له عنده، فعليه أداؤها بما حَوَتْهُ وإن كان فيه بَذْلُ مالِه ، كما يَلْزَمُ متحمل الشهادةِ أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها، والله تعالى أعلم». انتهى. 

قال القاضي عياض في كتابه «الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وآداب السماع»، في (بابٌ جامع لآثار مفيدة، وآداب حميدة)، بعد أن ساق هذين الخبرين : عن حفص بن غياث وعن إسماعيل بن إسحاق، وبعد أن ذكر نقل ابن خلاد استحسان أبي عبد الله الزُّبَيري لهذا الحكم، وقول ابن خلاد بعده: «وقال غيره : ليس بشيء

ويتجلي للقارىء من هذه الوقائع والأقضية قيمة (السماع ) العلمية، فإنَّ السماع شهادة صادقة، تمثلُ الكلمة العلمية المنقولة: توثيقاً وتحقيقاً، وفهماً وضبطاً، وتحملاً وأداءً. وإذا كانت الأسانيد أنساب الكتب، فالسماعات هي البينات الناطقة وشهادات العدول الثقات لها، فلذا كان الحرص عليها شديداً، وتدخل القضاء في الحكم فيها كما علمت. هذا الذي قدَّمتُه لك أيها القارىء الكريم : تكون قد وقفت على نموذج من عناية هذه الأمة المحمدية ومحدثيها، بنقل السنة المطهرة الشريفة بالإسناد، وتُدرك كيف حَفِظَ اللَّهُ تعالى : الذكر العظيم والسُّنَّةَ المطهرة : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا له لَحَافِظون). والحمد لله رب العالمين

_______________________________

فوائد من الكتاب:

١- جاء في حديث أنس مرفوعاً عند مسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه).

قال ابن حجر: «والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتُخرِجُ المنهيات، لأن اسم الخير لا يتناولها. والمحبة إرادة ما يعتقده خيراً. قال النووي: المحبة الميل إلى ما يوافق المحب وقد تكون بَحَواسه كحُسنِ الصورة أو بفعله إما لذاته كالفضل والكمال، وإما لإحسانه كجَلْبٍ نفع أو دفع ضَرَر. انتهى ملخصاً. والمراد بالميل هنا: الاختياري، دون الطبيعي والقسري». انتهى كلام الحافظ ابن حجر. 

وقال العلامة القسطلاني في إرشاد الساري» ٩٦:١، ويحتمل أن يكون قوله: (لأخيه)، شاملاً للذمي أيضاً بأن يُحِبُّ له الإسلام». انتهى. 

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في الفتح المبين بشرح الأربعين ص ١٤٦ الظاهر أن التعبير بالأخ هنا جَرَى على الغالب، لأنه ينبغي لكل مسلم أن يُحبُّ للكافر الإسلام وما يتفرع عليه من الكمالات».

٢-وقد تفنن العرب وفرقوا في تسمية الطعام بحسب السبب الداعي له، على اثني عَشَرَ اسماً، فقال بعض الفضلاء ناظماً لها: 

أَسَامِي الطعام اثنانِ مِن بعدِ عشرة.. ساسردها مقرونة ببيان 

وليمة عُرْس ثم خُرْسُ وِلادةٍ.. عقيقة مولود وكيرة باني 

وَضِيْمَةُ ذي موت نقيعة قادم .. عذيرة أو إعذار يوم ختان 

ومأدبة الخلان لا سبب لها.. جذاقُ صَغِير يومَ خَتُم قُرَانِ 

وعاشرها في النظم تحفة زائر.. قرى الضيف، مع نُزِّل له بقرانِ

انتهى من النكت الوفية بما في شرح الألفية للحافظ البقاعي (مخطوط) من الورقة ٨٣، وقد شرحها بما يصلح أن يكون رسالة لطيفة مستقلة. 

وقال: ومعنى قوله: (لا سَبَب لها) أنها غير مقيدة بسبب دون سبب لا بمعنى أنها مقيدة بنفي السبب، فهي أعم الكل، أي (الماذَبَة) الاسم العام لجميع الطعام المدعو إليه، وهي بضم الدال وفتحها. وقال في «القاموس»: الوليمة طعامُ العُرْس، أو كل طعام صُنِعَ لدعوة وغيرها. وأَوْلَمَ: صَنَعَها». انتهى كلام الحافظ البقاعي.

٣-وبعد فنحن الآن أمامَ عَشَرة مجلداتٍ كبارٍ ضخام، هي كتاب «السُّنَنُ الكبرى» للإمام الحافظ الجليل أبي بكر أحمد بن الحسين علي النيسابوري البيهقي الشافعي، المولود سنة ٣٨٤، والمتوفى سنة ٤٥٨ رحمه الله تعالى ورضي عنه، وجزاه عن السنة والدين والفقه والإسلام خير الجزاء. 

وهذه المجلداتُ العَشَرَة في هذه النسخة المطبوعة، رواها الإمام الحافظ التقي النقي المحدث الناقد البصير، تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الشَّهْرَزُورِي الشَّرَحَانِي المَوْصِلي ثم الدمشقي الكُرْدِيُّ الشافعي، المولود سنة ٥٧٧، والمتوفى سنة ٦٤٣ رحمه الله تعالى ورضي عنه، بالإسناد إلى مؤلّفها ، فتَتَّخِذُ منها دَرْساً لصورةِ السَّمَاعِ الذي نُقِلَتْ به وكان عليه المحدثون، فإنها صورة صادقة جامعة، تستحق الدرس والاعتناء. 

قلت: كتاب السنن الكبرى للبيهقي أحد دواوين الإسلام، ومنزلته رفيعة القَدْرِ جداً، قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء» ۱۹۳:۱۸، في ترجمة الإمام ابن حزم: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحَدَ المجتهدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل (المحلى) لابن حزم، وكتابِ (المغني) للشيخ موفق الدين ابنِ قدامة الحنبلي.

قلت: -القائل الذهبي: لقد صَدَق الشيخ عز الدين وثالثها: (السنن الكبرى) للبيهقي، ورابعها: (التمهيد) لابن عبد البَرِّ. فمن حَصل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المُفْتِين، وأدمَنَ المطالعة فيها، فهو العالم حقاً». انتهى. 

قلت: وكتاب ابن حزم سماه الحافظ الذهبي في ترجمته ١٩٤:١٨ باسم (المحلى في شرح المُجَلَّى بالحجج والآثار. وهي ترجمةً صحيحةً عَذبة.

٤-(تتمة) لِشَرْح بيتٍ من الشعرِ تقدم ذكره

ذكرت تعليقاً فيما تقدم ص ۱۲۳، بيتاً من الشعر للأعشى أبي بصير، وهو: 

شَتانَ ما يَوْمِي على كُوْرِها .. ويَوْمُ حَيان أخي جابر

- وأحلت القارىء إلى شرح البيت وبيان معناه إلى هذا المكان، ودعاني إلى شرحه غموض معناه ـ من حيث الاستشهاد به ـ على بعض طلبة العلم، فأردت إيضاحه هنا، ليفهم وجه الاستشهاد به. 

هذا البيتُ لأعشى بكر، ويقال له أيضاً أعشى قيس، وكلاهما من أجداده، ويقال له : الأعشى الكبير والأكبر، وهو أشهَرُ من وُصِفَ بالأعشى، أبو بصير ميمون بن قيس بن جَنْدَل البَكْرِيُّ النَّجْدِيُّ، من قرية منفوحة التي دَخلَتْ في مدينة الرياض الآن، الشاعر الجاهلي، ولقبَ بصَاجَةِ العَرَب لجودة شعرِهِ ولأنه يُتغنى به، وكان أعشى العينين فلقب بالأعشى، وهو الذي لا يُبصر ليلاً ويُبصِيرُ نهاراً، وكُني بأبي بصير تفاؤلاً له بشفاء بصره، وكان له ولد اسمه بصير أيضاً، كان يقوده في سوق عُكاظ، مات سنة ٧ من الهجرة، ولم يُسلم. 

والبيت من بحر السريع، من قصيدة له في ديوانه» ص ٩٢ ـ ٩٦ من طبعة صادر ببيروت، في ستين بيتاً، يهجو بها الشاعر علقمة بن عُلَاثة، ويمدح الشاعر عامر بن الطفيل، في المُنَافَرة التي جَرَتْ بينهما. 

وهذا البيتُ من شواهد النحو، استشهد به الإمام ابن هشام الأنصاري النحوي، في كتابه «شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب»، في (باب الأسماء التي تعمل عمل الأفعال)، السادس منها : اسم الفعل (شَانَ)، اسم فعل ماض، بمعنى افترق وتباعَدَ وتباين 

و(الكُورُ) بضم الكاف وسكون الواو، بعدها راء مهملة : الرِّحْلُ الذي يُوضَعُ على الناقة ليُركَبَ عليه. و(يَوْمِي) و (يَوْمُ حَيَّان) بفتح الياء المثناة من تحت، بعدها وأوثم میم.

و(ما) في قوله: (ما يَوْمِي زائدة و (يَوْمِي) فاعل ۳۲۲ ووقع في أكثر طبعاتِ «شرح الشذور غير طبعاتِ الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى، وفي كثير من الكتب غيره  (ما نومي) و(نَوْمُ حَيَّان)، بالنون بدلاً من الياء، من (النوم) ضِد اليقظة، وهو تحريف لا ريب فيه، وإن أقرهُ وجَوْزَه بعضُهم، كالشيخ عبادة في حاشيته على شرح شذور الذهب ۲: ۲۳۱، من طبعة الوهبية سنة ١٢٩٢، وكالشيخ عبد المتعال الصعيدي في تعليقه على «شرح الشذور» ص من طبعة صُبيح سنة ١٣٨٥، وغيرهما. وهو في طبعاتِ «شرح الشذور» بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد الشاهد ٢١٤. 

ومعنى البيت: يَذكُرُ الشاعرُ المُفَارَقَةَ الكبيرة بين يومِهِ الذي يقضيه على كُورِ الناقة، تتقلقل به في شمس الصحاري في سَفَرٍ ،وتعب ويوم حَيَّان أخي جابر الذي يقضيه في قصْرِهِ المنيع الرفيع في شرب ولهو وطرب، فهما يومان مختلفان شتان ما هما. 

هذا ما فهمته من معنى البيت، ولكن الشراح جعلوا اليومين كليهما للشاعر نفسه، يُفاضل بينهما، مع أن اليوم الثاني مضاف إلى حَيَّان أخي جابر)، فجعلوه للأعشى عند حيان. وما أدري لماذا كان هذا منهم؟ وليس في الأبيات ما يَشْهَدُ له. 

قال الإمام أبو محمد عبد الله بن السِّيْد البَطَلْيَوْسِي الأندلسي رحمه الله تعالى ـــ ولد سنة ٤٤٤ ومات سنة ٥٢١ ـ، في «الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، ٢٤٣:٣ «البيتُ لأعشى بكر، وحيان وجابر ـ ابنا عُميرة - رجلان من بني حنيفة، وكان حَيَّانُ نديماً للأعشى. يقول: يَوْمِي على رَحْلِ الناقةِ، ويَوْمِي مع حَيَّانَ أخي جابر مختلفان لا يستويان، لأن أحدهما يومُ سَفَرٍ وتعب، والثاني يوم لهو وطرب، وبعده: 

أرمي بها البيدَ إِذْ هَجْرَتْ .. وأنت بين القَرْوِ والعَاصر». انتهى. 

وقال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي البغدادي رحمه الله تعالى ـ ولد سنة ٤٦٦ ومات سنة ٥٤٠ ـ، في «شرح أدب الكاتب» ٢٩٤ ، ما يلي: 

وقد أُسَلِّي الهم حين .. اعتَرَى بجسرَةٍ دَوْسَرة عاقر

شتان ما يَوْمِي على .. كُورِها ويوم حيان أخي جابر 

الجَسْرَةُ: العظيمة من النوق، والدَّوْسَرَةُ مِثلُها. والعاقِرُ: التي لم تحمل، وذلك أصلَبُ لها. يقول: أُسَلِّي الهم بركُوبِ ناقةٍ هذه صفتها. 

ثم قال: شَتَانَ ما يَوْمِي على كُورِها. والكُوْرُ: الرِّحْلُ بأداتِه. وحَيانُ رجل من بني حنيفة، كان يُنادِمُ الأعشى، وله أخ يقال له: جابر. يقول: إِنَّ يَوْمِي في الرَّحِيلِ والركوب على كُورِ هذه الناقة، 

ليس مِثلَ يَوْمِي مع حَيَّانَ وشُربنا ونعيمنا، أي هذا مفترق. وحَيَّانُ كان خليلاً للأعشى، ولم يكن جابرٌ مِثلَه، فغَضِبَ - حَيَّانُ - لما ضمه الأعشى إليه، ولم يُنادمه، فاعتذر إليه بالقافية». انتهى. وهذا الذي قاله هذان الإمامان في شرح البيت لا تُساعد عليه الأبيات التي قبله والتي بعده في القصيدة، وأنا أوردها ليظهر للقارىء أي المعنيين هو الصحيح، وإليك الأبيات: 

وقد أُسَلِّي الهُم حِينَ اعْتَرَى ..حَيَّانَ أخي جابر 

شَتانَ ما يَوْمِي على كُورِها .. بحسرة دَوْسَرَةٍ عَاقِر 

زيَّافَة بالرُّحْل خَطَارَةٍ .. تلوي بِشَرْخَيْ مَيْسَةٍ قَاتِرِ 

أرمي بها البيدَ إِذْ هَجْرَتْ .. وأنتَ بَينَ القَرْمِ والعَاصِرِ

في مجدل شُيد بنْيَانُهُ .. يَزِلُ عَنْهُ ظُفُرُ الطَّائِرِ 

وهذا شرح مفردات هذه الأبيات: 

أُسَلِّي الهَمُ: أدفعُهُ عني إذا اعتراني. والجَسْرَةُ والدَّوْسَرَةُ: الناقَةُ الصِّحْمَةُ القوية. وعاقر: لا تَحمل فهي أقوى مما تَحْمِلُ وتَلِدُ. وزيَّافَة: سريعةٍ تتمايلُ بالرِّحْلِ. خَطَّارَةٍ تَضْرِبُ بذَنَبِها يميناً وشمالاً. تُلْوِي بِشَرْخَيْ مَيْسَةٍ: تَذهَبُ بقادِمَةِ الرَّحْلِ وَمُوْخُرَتِهِ من قُوتِها وسُرعتها. والمَيْسَةً: شَجَرَةٌ تُعمَلُ منها الرِّحَال. والقَاتِرُ من الرِّحال والسرج: الجيد الوقوع على الظهر، أو اللطيف منها الذي يقي الظُّهْرَ ولا يَعْقِرُه أَرمي بها. البِيْدَ : أَقتَحِمُ بها قلبَ الصَّحَارِي المُهْلكة في وقتِ الهاجرة اللاهب. والقَرْوُ: قَدَحُ الخمر ومِعْصَرَتُها، والعاصيرُ عاصرها. والمِجْدَلُ: القَصْرُ الظَّاهِرُ عنه: يَزْلَقُ عنه ظُفُرُ الطائرِ لمَلَاسَتِه، فقد بُني من حجارةٍ صَمَّاءَ مَلْسَاء، لا يتمكن الطائر من الوقوفِ عليه.

والبيت الرابع من الأبيات الخمسة هنا أورده ابن السيد في «الاقتضاب» كما تقدم، والحافظ السيوطي في شرح شواهد المغني ٩٠٦:٢ وعُزي للأعشى أيضاً في (قرو) في «تهذيب اللغة ٩: ٢٦٧ ، و«اللسان» ١٥: ١٧٤ ، و «تاج العروس» ۲۹۲:۱۰. وقال الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيقه لتهذيب اللغة ومقاييس اللغة ٧٨:٥ البيت للأعشى في ديوانه ٢٤٥. انتهى

فكيف لم يقع للأستاذ محمد محمد حسين حين شرح «الديوان» ؟! والسبب أنه قصر عملَهُ ونظرَهُ في شرح «الديوان على الطبعة التي قام بها المستشرق الألماني رودولف جاير، فقصر عن الغاية، ووقع له مثل هذا. وبهذا البيت يزداد المعنى الذي ذكرتُهُ وضوحاً، وهو أن اليومين المذكورين، المُفارَقَ بينهما، أحدهما يوم الأعشى على كُورِ الناقة في البِيْدِ مع الرِّمَالِ والشمس المحرقة، والآخَرُ يومُ حَيَّانَ في قَصْرِهِ المُنيف مع لهوه وطريه. 

وقد مشى العلامة المحقق الأديب الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله تعالى، في «شرح الديوان ص ١٩٦، على أن اليومين أحدهما (للأعشى)، والآخَرُ (لحيان)، ولم يذهب فيهما إلى أنهما جميعاً للأعشى، كما ذَهَب إليه الإمامُ ابنُ السيد والإمام الجواليقي، فقال: «وإن لي فوقَ ظَهْرِ تلك الناقة ليوماً عسيراً، هو أشد هَوْلاً من يوم جابر». انتهى. 

وقد أصاب في هذه التفرقة (حَيَّان) أخي ولكنه وهم في تفسير البيت الخامس الذي هنا فجعَلَ (حَيَّانَ) في يومِهِ كان محبوساً في حصن میشید؛ فقال في شرح قول الأعشى: 

في مجدل شُيد بنْيَانُه .. يَزِلُ عنه ظفر الطائر 

المجدَلُ: القصر. أي وقد حُبِسَ - حَيَّانُ ـ في حصن عال مشيد، بني من حجارة صَاءَ مَلْسَاء، يَزِلُّ عنها ظُفُرُ الطائر». انتهى. ولا ذكر للحَبْس في سابق الأبيات أو لاحقها، وإنما دعاه إلى تفسير (المجدل) بالحبس بعدما فسره بالقصر: غِيَابُ البيتِ الرابع من رواية الديوان التي أمامَهُ! فاضطر أن يجعلَ (المِجْدَل): (حَبْساً)، لتتم المفارقة بين اليومين في شِدَّتِهما. 

والبيتُ الرابع فيه ذكرُ المُفارقة بين اليومين واضحةً جلية. فعدم ورودِهِ في رواية الديوان ساقه إلى هذا التفسير. وغفلة الإمام ابن السيد البَطَلْيَوْسِي عن ملاحظةِ البيت الرابع الذي أورده في شرحه، دَعَتْهُ إلى أن يَجعَلَ اليومين كليهما للأعشى! وهي غفلة شديدة. ولو أنه هو والإمام الجواليقي ومَنْ شَرَحَ البيتَ بمثل شَرْحِهِما، استحضروا عند شرحه ما قبله وما بعده، لما أبعدوا عن الصواب في تفسيره وهذا لازم عند شرح الأبيات المفردات، كما نبه إليه الإمام ابن السيد في «الاقتضاب»، في تقدميه لشرح أبيات (كتاب أدب الكتاب). 

قال في «الاقتضاب» ٣: ٥ - ٨ وغَرَضِي أن أقرن بكل بيت منها ما يتصل به من الشعر من قَبْلِهِ أو من بَعْدِهِ، فإنا رأينا كثيراً من المفسرين للأبيات المستشهد بها، قد غَلِطوا في معانيها، حين لم يعلموا الأشعار التي وقعت فيها، لأن البيت إذا انفرد احتمل تأويلات كثيرة، ... وكقول من قال في قول الفرزدق : وإن الذي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي كسَاع إلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبيلُها إن معنى (يَسْتَبِيلُها) يقول لها : ما بالكِ؟». انتهى.

 ومعنى (يَستبيلُها) أي يأخُذُ بولها في يده أو يَطْلُبُ منها أن تبول في يده !! وهذا الذي حَذْرَ منه ونبه إليه الإمام ابن السيد، قد وقع فيه هو والإمامُ الجَوَاليقي في شرحها لبيت الأعشى، إذ لم يستحضيرا البيت الرابع المذكور كما سبق بيانه، فقالا ما لا يُرتَضى في تفسير معنى البيت، كما رأيت، والله أعلم. ومعذرةً من سعة هذه التتمة وطولها، فقد جر الكلام بعضه بعضاً لاستكماله.

٥- انظر على سبيل المثال: السَّمَاعَاتِ المثبتة على جزء الجهاد» للحافظ ابن أبي عاصم : أبي بكر أحمد بنِ عَمْرو بن الضحاك النبيل أبي عاصم بن مخلد الشيباني البصري، المولود سنة ٢٠٦، والمتوفى سنة ۲۷۷ رحمه الله تعالى في مقدمة النسخة المطبوعة ۱ : ۸۲ - ١٠٢، وفي ص ٩١ - ٩٦ منها بيان ما عليه هذا الجزء في نسخته المخطوطة من العناية البالغة والضبط الشديد والإتقان التام في حفظ الكلمات إسناداً أو متناً من التحريف والاشتباه وفي التنبيه إلى ما فيه خطأ. وقد طُبعَ هذا الجزء في مجلدين للتوسع في تخريجه ـ وهو في أصله دون ثلاثين ورقة -، بدار القلم بدمشق سنة ١٤٠٩، بتحقيق الشيخ مساعد بن سليمان الراشد الحميد. 

ومما يستحق العناية والدراسة بدقةٍ وشُمول وتفصيل: السماعات التي حَظِي بها كتاب المحدّث الفَاصِلُ بين الراوي والواعي للقاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، المولود نحو سنة ٢٦٥، والمتوفى سنة ٣٦٠ رحمه الله تعالى، الذي حققه الأستاذ الفاضل الدكتور محمد عَجَاج الخطيب، وصَبَرَ على نقل السماعات الموجودة في النسخ الأربع التي اعتمدها فجزاه الله خير الجزاء، وإن كانت ليست بدقة هذا السماع على ابن الصلاح وإتقانه. 

وقد بلغت السماعات في تلك النسخ الأربع أكثر من ۸۰ صفحة، وبلغت في تعدادِهِ لها ٦٣ سَماعاً، وهي عند دراستها بدقة وشمول وتفصيل ستزيد على هذا القدر كثيراً والكتاب ليس بالكبير، فهو في مخطوطته ۱۹۰ صفحة وفي مطبوعته نحو ٤٠٠ صفحة، وقد بذل الأستاذ عَجَاج الخطيب في ضبط هذه السماعات ونقلها، وفي خدمة هذا الكتاب الفذ العُجَابِ وتحقيقه : جهوداً ممتازةً فائقة، ولكن المطبعة التي طبع فيها الكتاب ووثق بها! دمرت عليه تلك الجهود بالنقيض، فدخل الكتاب وسماعاته التحريف والتصحيف، فذَهَب بجماله ونفاسته. 

فحبذا لو أعاد الدكتور الفاضل طباعة هذا العِلْقِ النفيس، بعنايته وإشرافه على إخراجه، ليظهر بما يليقُ به من تجويدٍ وضبط وإتقان ورواء. وكم في سماعاته من فوائد وفرائد، وكثير منها يستحق الدراسة لسعتِهِ وشُمولِهِ ودقتِهِ ، ليُشهَدَ منه : كيف كان الناسُ يهتمون بتلقي العلم عامة، وبتلقي بعض علوم الحديث خاصة : كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، أسرة وأفراداً، الضبط الدقيق للسَّمَاعِ والسامعين والمكان والزمان، والفَوَاتِ والكمال . فهذا الكتاب بسماعاته من خير الشواهد التي لا تُحصى على عناية المسلمين بضبط العلم وحفظه وإتقان نقله بأمانة وتعبد فيه، وبخاصة: الحديث الشريف وعلومه. 

فسماعات هذا الكتاب جديرة بأن تُخرج بعد دارستها في كتاب مستقل، لتعرف الأجيال اللاحقة، بجهود الآباء السامقة السابقة، فيتعلموا منها حَاسَةَ الضبط والدقة والإتقان، التي اقتبسها المستشرقون من كتبنا الإسلامية، وظَنَّ بعض الغافلين أنهم ابتكروها ! وانظر ١٦٠.

٦-الإجازة أو الطباق:

حينما تُكتب الإجازة للحاضرين والمستمعين، يُذكر فيها أسماؤهم، ويُكتب للمتغيب اسمه، وإلى جانبه: (وفاته من باب كذا إلى كذا. وقد يُجْمَلُ التحديدُ للفَوَاتِ) فيُكتَبُ اسمُهُ وإلى جانبه: سَمِعَ هذا الكتاب مع فوتٍ دون تحديد وتعيين لمكان الفائت. وهذا أقل دقةٌ من الأول. - وتكتب هذه الإجازة ـ الشهادة ـ غالباً في آخر صفحات الكتاب، ويُذكر فيها أسماء الحاضرين، واسم كاتبها، ويُوقعُ الشيخ في آخرها بعد أن يُؤرخها، ويذكر المكان الذي قُرثَتْ فيه، كاسم المسجد أو المدرسة أو داره أو البستان أو اسم البلد أو القرية أو نحو ذلك، وتُسمى هذه: طَبَقَة، وجمعها طباق، وهي المراد بما يُذكر كثيراً في تراجم بعض العلماء: (وكتب الطباق)، وهو وَصْفُ مَدْح ، أي إن المترجم كاتِبٌ ضابط ثقةٌ حَسَنُ الخَط.

وتُحفظ النسخة التي عليها الطباق في المسجد أو في المدرسة، كسجل لأسماء الطلاب الذين قرأوا الكتاب على الأستاذ وسَمِعُوهُ بحضوره. وكثيراً ما يلجأ المؤرخون إلى هذه الطَّبَاقِ، لمعرفة مشايخ من يُريدون ترجمته وما سَمِعَه من كتب . وحينما يدعي شخصٌ سَمَاعَ كتاب، يُطالَبُ بنصُ الطَّبَقَةِ التي فيها سَمَاعُهُ له، ليُبرزها إن كان الشيخ كتب له ذلك على نسخته الخاصة، وإلا فعليه أن يعين المكان الموجود هذا الكتاب، وفي آخره شهادة الشيخ بحضورِهِ السَّمَاعَ. 

وكثيراً ما يُزوِّرُ بعض الناس هذه الطباق، فيمجي أو يحك اسم أحد السامعين للكتاب، ويَضَعُ مكانه اسم نَفْسِه! ولكن العلماء ينتبهون إلى ذلك ويُبينون تزويره، ويطعنون في أمانته، ويَصِمُونه بأنه كذاب. أما إذا اضطر الكاتب إلى حَلٌّ كلمةٍ فعليه أن يكتب إلى جانبها : (صح)، ويُوقِّعَ الشيخ باسمِهِ إلى جانبها». انتهى بتصرف يسير وزيادة . 

بلغ عدد الشيوخ السامعين على الإمام ابن الصلاح لهذا المجلد الثامن، من کتاب السنن الكبرى» للإمام البيهقي ۹۳ شيخاً، وهذا الإحصاء في (محضر السماع) لحفظ (حقوقهم): سَمَاعِهم وروايتهم ومروياتهم، وبيان الحافظ والأحفظ والمُتَّقِن ومن دون فيه نسخة . من ذلك . ولعل الحاضرين لسماع الكتاب كانوا ضِعْفَي هذا العددِ أو أكثر، فإن مثل هذا المجلس المبارك يؤمه الناس عامة: عالِمُهم ومتعلمهم ومُستمعهم، وكبيرهم وصغيرهم، ورجالهم ونساؤهم وأطفالهم، للتبرك بسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن (المثبت) للسماع إنما أَثَبَتَ اسم من يَصدُقُ عليه وَصْفُ الشيخ (والطالب)، وهو الذي حَضَر للتحمل والأداء، وتَرَكَ المستمعين الآخرين الذين ليسوا كذلك.

وللأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي رئيس المجمع العلمي العراقي، كلمة تتصل بهذا المقام أوردها عنه، قال في مقاله «الرواية والأسانيد» الذي سبقت الإشارة إليه في ص ٤٩ من المعلوم أن العلم كان مفتوحاً للجميع، يستطيع كلُّ من أراد أن يطلبه، فلم يكن هناك ما يُقيَّدُ حُضور الطلبة أو يَحصُرُ عدَدَهم، وبذلك صار عدَد أهل العلم كبيراً، لأن حلقات العلماء مفتوحة، والتقاليد السائدة أن لا يَبخَلَ الرجلُ في عِلمه، لذلك كان من الممكن أن يَسمَعَ من الشيخ عدد كبير ، يختلفون في مستواهم وفهمهم ودقتهم وأمانتهم. 

غير أن التمسك بالإسناد، القائم على أساس أن المعيار الأساسي لصحة العلم . كفاية الراوي وأمانته، أدى إلى ضرورة تقييد المعتمدين وحَصْرهم واختيار عَدَدٍ منهم». قوله: (وتيسير نَسَاخَتِه). أي تيسير نَسْخِهِ وكتابته. والفعل (نَسَخَ) ليس من مصادره (نَسَاخَةً)، ولكن إخواننا ومشايخنا في اليَمَن يُعبرون بهذا اللفظ عن (النسخ).















السبت، 19 أغسطس 2023

الإسناد من الدين (وصفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين) عبد الفتاح أبو غدة بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الإسناد من الدين

(وصفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين)

عبد الفتاح أبو غدة

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص الأمة المحمدية، لم يؤتها أحدٌ من الأمم قبلها، وهو أحد الفروض الكفائية، وتبرز أهمية هذه الخصيصة في تبليغ الشريعة المطهرة وعلومها من السلف إلى الخلف، فقد كان الإسناد الشرط الأول في كل علم منقول فيها، حتى في الكلمة الواحدة، يتلقاها الخالف عن السالف، واللاحق عن السابق بالإسناد، حتى إذا مَنَّ الله تعالى على الأمة بتثبيت نصوص الشريعة وعلومها، وأصبحت راسخة ،البنيان محفوظة من التغيير والتبديل، تسامح العلماء في أمر الإسناد، اعتماداً منهم على شيوع التدوين وثبوت معالم الدين.

ولعل كلمة الإمام عبد الله بن المبارك (الإسناد من الدين) من أفضل ما تشخص به منزلة الإسناد، ومكانته من الدين؛ إذ لولا الإسناد لدَرَس مَنَارُ الإسلام، وتمكّن أهل الإلحاد والبدع منه، بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرّت عن وجود الإسنادِ فيها كانت بتراً.

وعبارات الأئمة جميعها تتجه إلى إبراز أهمية (الإسناد)، وفوائده، ومزاياه، ولزوم العناية به، وأنه من خصائص علوم الإسلام، فالإسناد هو الأجنحة، وهو القوائم، وهو السلم، وهو السلاح، وهو الكرامة، وهو نسب هذه الأمة، 

وفي العلم بالأسانيد: ضبط للمتون، وعدٌّ لكلماتها، وحفظٌ للألفاظ من الزلل بالزيادة والنقصان، وأمن لها من الإرسال والانقطاع والعضل والوضع، وبها يتميز الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود، والمعروف من المنكر، حيث يضبط اسم كل راوي ونسبه وبلده ورحلته ومولده ووفاته وشيوخه وتلاميذه وعدالته وأمانته وديانته، وحفظه.

وهذا الكتاب الشيّق الممتع تضمن موضوعين هامين من موضوعات علم الحديث: الموضوع الأول: الإسناد، في تعريفه لغة واصطلاحاً، وما يتصل بذلك، وما نُقل عن السلف وأئمة الحديث في تعظيم أمر الإسناد، وبيان موقعه من الدين، وما جاء من أقوال الأئمة المحدثين في طلبه، وشرفه، والحرص عليه، وتفرد الأمة الإسلامية به، وأهميته، وموقعه من سائر العلوم، ودخوله في تحمل الخالفين عن السالفين، وكونه كمالاً وزينة لطالبه، وغير ذلك من الأبحاث المهمة.

وفي أتون ذلك نبّه إلى حديث موضوع استشهد به طائفة من كبار المحدثين على فضل الإسناد، كما نبّه إلى تصحيفات وقعت لبعضهم في كلمة الإمام ابن المبارك (الإسناد من الدين)؛ حيث حذف بعضهم الزيادة الواردة فيها؛ لغموض معناها، وذكر النصوص التي تؤكد صحة هذه العبارة، وتوضيحها، وتوجيه معناها في لغة العرب.

وساق في ذلك نصوصاًً كثيرة مما تحرَّفَتْ فيها، وقعت لكبار العلماء والمحققين، ثم أورد النصوص الجمة، والتي بلغت ۱۸ نصاً شواهد على تصويب هذه العبارة وتوضيحها، وذكرتُ توجيه استعمالها في لغة العرب ومُنَاطَقَاتِهم، وقد فَرَغ من إعادة النظر في هذه الرسالة (الإسنادُ من الدِّين) ضحى يوم الثلاثاء ١٣ من المحرم سنة ١٤١٠ ، في مدينة فانكوفر من كندا.

أما الموضوع الثاني؛ فهو: سماع الحديث، وهو جانب مهم من العلم، تحدث فيه عن العناية الفائقة التي قام بها المحدثون الكبار في رواية الحديث وإسماعه لناقليه عنهم، وما كانوا عليه من الدقة العجيبة والضبط الشديد، والإتقان البالغ، والأمانة التامة في خدمة السُّنة المطهرة ونقلها وحفظها.

___________________________________________

قطوف من الكتاب

١- عرفوا (الإسناد) بقولهم: هو حكاية طريق متن الحديث. وعرفوا (السند) بأنه طريق متن الحديث. وسُمِّي (سَنَداً) لاعتماد الحفاظ عليه في الحكم بصحة الحديث أو ضعفه، أخذاً من معنى (السِّنَد) لغةً، وهو ما استندت إليه من جدارٍ أو غيره. 

٢-وعلى هذا: فـ(الإسنادُ) هو قولك أو قول البخاري مثلاً: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان . . . ، و (السِّنَدُ) هو أولئك الرواة الناقلون المذكورون قبل متن الحديث.

٣- ومتن الحديث هنا قوله صلى الله عليه وسلم: «من يَقُلْ على ما لم أقل . . . . . والمحدثون يستعملون كلا من (السَّند) و (الإسناد) في موضع الآخر، ويُعرف المراد بالقرائن,

٤-وقال بعضُهم في فضل الإسناد، يَذْكُرُ قوماً لا رواية لهم: 

ومِن بُطُونِ كَرَارِيس رِوَايَتُهُمْ .. لو ناظرُوا بَاقِلا يوماً لَمَا غَلَبُوا 

والعلم إن فَاتَهُ إِسنادُ مُسْنِدِهِ .. كالبيت ليس له سَقْفٌ ولا طُنُب 

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي (علي بن الحسن)، المتوفى سنة ٥٧١ رحمه الله تعالى كما في ترجمته في الوفيات» لابن خلكان: 

 ألا إن الحديث أَجَلُ عِلْمٍ. .. وأَشْرَفُهُ: الأحاديثُ العَوَالي

 وأنفَعُ كل نوع منه عندي.. وأحسَنُهُ: الفوائد والأمالي

وإنك لن ترى للعلم شيئاً .. يُحققهُ كَأَفْوَاهِ الرِّجالِ 

فكُنْ يا صاح ذَا حِرْص عليهِ …  وخُذْهُ عن الرجال بلا ملال 

ولا تأخذهُ من صُحُفٍ فترمَى..  من التصحيف بالدَّاءِ العُضَالِ

٥- حدیث موضوع في فضل الإسناد: أما الحديث الموضوع ! فهو ما جاء في شرح المواهب اللدنية»، لخاتمة المحدثين العلامة الزرقاني رحمه الله تعالى وذلك قوله فيها: «أخرج الحاكم وأبو نعيم وابن عساكر عن علي مرفوعاً: إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر، وإن يك باطلاً كان وِزْره عليه». وفيه شَرَفُ أصحاب الحديث، ورَدُّ على من كَرِهَ كتابته من السِّلَف. والنهي عنه في خبر آخر: منسوخ أو مؤول. انتهى كلام العلامة الزرقاني. 

ونقله عنه العلامة الشيخ عبد الحي اللَّكْنَوِي في كتابه «الأجوبة الفاضلة»، على الاعتمادِ والاستناد إليه دون أي تردد فيه! وسبقهما إلى نقله والاستدلال به على الإذنِ بكتابة الحديث شيخ الإسلام سِرَاجُ الدين البلقيني عُمَرُ بن رَسُلان شيخُ الحافظ ابن حجر في كتابه «محاسن الاصطلاح» المطبوع مع «مقدمة ابن الصلاح»، فقال: فقد جاء عن على مُسنداً مرفوعاً: إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بسَنَدِه». انتهى. 

ونقَلَه عنه وتابعَهُ عليه متابعةً تامة الحافظ البقاعي، في «النكت الوفية بما في شرح الألفية للعراقي»، ولم يَعْزُوَاهُ إلى مصدر حديثي.

وهذا منهم رحمهم الله تعالى عجيب فإنهم محدثون وناقدون بصيرون، فكيف غَفَلوا عنه وأقروه في كتبهم؟ والظاهر أنهم نقلوه على المتابعة دون توجه للكشف عنه، وهذا يقعُ مثله لكثير من كبار العلماء والأئمة. 

والحديث ذكره السيوطي في «الجامع الصغير»، وقال شارحه العلامة المناوي في «فيض القدير»: قال الذهبي في الميزان: «موضوع ». 

٦- أما التحريف العجيب الذي وقع في كلمة الإمام عبد الله بن المبارك، فإليك بيانه وكشفه وشواهده العديدة، وهي على طولها وكثرتها: لطيفة طريفة في مضمون أخبارها، تتضمن جانباً مهماً من تاريخ بعض حياة المحدثين والعلماء، وقوة حفظهم ومباراتهم به. 

رَوَى مسلم في مقدمة صحيحه، بسنده إلى عبدانَ بن عثمان يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء: ما شاء». 

ورَوَى هذه الكلمةَ أيضاً الترمذي في كتابه «العِلل الصغير» الملحق بآخر كتابه «الجامع»: «السنن»، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»، وابن حبان في كتاب «الضعفاء والمتروكين»، والرَّامَهُرْمُزي في «المحدث الفاصل»، والحاكم في «معرفة علوم الحديث»، وابن عبد البر في «التمهيد». كما رواها الخطيب البغدادي في «شرف أصحاب الحديث»، و«الكفاية»، و«الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، وابن الصلاح في «علوم الحديث»، وابن تيمية في «منهاج السنة النبوية»، وابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»، والذهبي في «تذكرة الحفاظ»، في ترجمة «أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس»، والتاج السبكي في «طبقات الشافعية»، والسخاوي في «فتح المغيث»، والسيوطي في «تدريب الراوي»، والزرقاني في «شرح المواهب اللدنية» 

وذكرها بعض هؤلاء الأئمة من غير سند ، وأكثرهم اقتصر على هذا القدر المذكور منها، وأتمها بعضُهم فذكرها بلفظ: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد شاء: ما شاء، فإذا قيل له: من حدَّثك؟ بَقِي!». أي بَقِيَ ساكتاً مُفْحَاً، أو بَقِيَ ساكتاً مبهوتاً منقطعاً عن الكلام.

ولفظ (بَقِي) بصيغة الفعل الماضي، كما جاء في «العلل الصغير» للترمذي ، و«الضعفاء والمتروكين» لابن حبان و«التمهيد لابن عبد البر، و«الكفاية» للخطيب البغدادي، و«تذكرة الحفاظ» للذهبي. 

وكما رأيته في أكثر من نسخة مخطوطة موثوقة من سنن الترمذي». ومنها: ثلاث نسخ في المكتبة الظاهرية بدمشق، إحداها كُتِبَتْ سنة ٥٤٠، وفي آخرها سماعات كثيرة جداً، وقد قُرئت هذه النسخة على حافظ الدنيا أبي الحجاج المزي رحمه الله تعالى، ورقمها في المكتبة الظاهرية (ح: ٥٢٨). والثانية كُتبت سنة ،۱۰۹۹ ورقمها (ح: (٧٩٤)، والثالثة كتبت سنة ١٢٠٢ ورقمها عام (٦٣٤٢). والرابعة: نسخة في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، عليها شرحُ أبي الطيب السندي. 

وقد كُتِبَتْ كلمةُ (بَقِي) في جميع النسخ التي رأيتها بصيغة الفعل الماضي واضحةً جلية، لا لبس فيها ولا احتمال . الأسف الشديد قد تلوّن التحريفُ فيها ألواناً شتى من النساخ، وذلك لبعد فهمهم عنها، لانقطاع استعمالها في الأزمان المتأخرة، فتخبط فيها النساخ، ثم تبعهم كثير غيرهم من المصححين والمحققين، واستنكروا صحة هذه الكلمة لعدم وقوفهم على استعمالها ومعناها والإنسانُ ـ كما قيل ـ عَدوُّ ومع ما جَهل.

وأذكر هنا بعض العبارات التي حُرِّفت فيها هذه الكلمة، ليقف القارىء على وجوه التحريف فيها، ثم أسوقُ شواهد صحة استعمالها، ليتضح للقارىء في أيامنا هذه كيف كانت هذه الكلمة شائعةً متداولة قبل أكثر من ألف سنة. 

أ- روى الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في «التمهيد»، من طريق الحسين بن الحسن المروزي، عن ابن المبارك، قال: «لولا الإسناد لقال كل من شاء: ما شاء، ولكن إذا قيل له: عمن؟ بقي!». انتهى. ولم يُوفِّق محققا كتاب «التمهيد» لفهم العبارة، فعلقا عليها بقولها: «كذا ورد في النسخ التي بين أيدينا، ولعل في الكلام بَتْراً؟ نشأ عن عدم تثبتِ الناسخين، لأن المعنى غير ظاهر ما بقي التعبير على حاله». انتهى تعليقهما وتغليطهما لصحة الكلمة التي وردت على الصحة في جميع النسخ التي بين يديهما! والتعبير سليم قويم، لا شِيَةَ فيه، ولكن لما فاتهما الوقوف على أصل هذه الكلمة ومعنى استعمالها، غلطاها وقالا: ما قالا ! 

ب- وعندما أورد الترمذي الكلمة بتمامها في كتابه «العِلل» الصغير آخر كتابه (الجامع)، تردَّد شارحُهُ المباركفوري في «تحفة الأحوذي» في شرح معناها، فقال: «قوله : (فإذا) قيل له: من حدثك؟ بقي!) بفتح الموحدة وكسر القاف، كذا ضُبِطَ بالقلم في النسخة الأحمدية، وقال محشيه: أي سَكت. قلتُ القائل المباركفوري: لم أجد في كتب اللغة: البقاء بمعنى السكوت، والظاهر عندي أن المراد بَقِيَ حيران، أو بَقِيَ ساكتاً. وفي بعض النسخ: يقي بفتح الياء التحتية، وكسر القاف، من وَقَى يَقِي ، أي يَصُونُ نفسه عن التحديث بلا إسناد، قال في «القاموس»: وَقَاه وَقْياً ووَاقِيَةً: صانه» . انتهى 

ج- وجاء في «شرح علل الترمذي» للحافظ ابن رجب الحنبلي، من رواية الترمذي في «العِلَل»، من طريق «عَبْدَان، عن ابن المبارك . . . فإذا قيل حدثك؟ نفى». انتهى. ومَرَّ عليه محققه على الإقرار والموافقة له من دون توقف !. 

د-ـ وجاء فيه أيضاً وخرج البيهقي من طريق علي بن حجر، قال: قال ابن المبارك: لولا الإسنادُ لذهب الدِّينُ، ولقال امرؤ ما شَاءَ أن يقول، ولكن إذا قلت: عمن؟ يبقى». انتهى. ومَرَّ عليه محققه أيضاً دون تردد أو استشكال !. وعندما وقف الأستاذ عزيز القادري محقق كتاب «الضعفاء والمتروكين» لابن حبان، على هذه الكلمة : (بقي)، توقف فيها، وعلق عليها في الحاشية بقوله: كذا في نسخة ح ونسخة و، وعليه بين السطور حاشية (كذا)». انتهى. وسبب هذا التوقف منه وممن وقف عليه قبله على هذه اللفظة في تينك النسختين: غموض معناها بالنسبة لمخاطبات الناس ومكاتباتهم في معهودهم 

ه- وجاء في «مناقب الشافعي» لابن أبي حاتم الرازي: سمعتُ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعتُ الشافعي يقول: اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير المؤمنين - هارون الرشيد ـ ، فتكلموا في الوُقُوفِ وما يُحبسه الناس - فقال يعقوب – أبو يوسف: هذا باطل قال شُرَيحٌ: جاء محمد صلى الله عليه وسلم - بإطلاق الحبس، فقال مالك: إنما أطلق ما كانوا يُحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، فأما الوُقُوفُ فهذا وَقْفُ عمر رضي الله عنه، قد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال - له: حَبس أصْلَها، وسَبِّلْ ثَمَرتَها ، وهذا وَقْفُ الزُّبَير، فأَعجَبَ الخليفة ذلك منه، ونفى يعقوب». وعلق عليه شيخنا عبد الغني عبد الخالق رحمه الله تعالى بقوله: «قوله : ونَفَى يعقوب كذا بالأصل و «المناقب» - يقصد «مناقب الشافعي» للفخر الرازي ص ١٣ - ١٤، وفي السنن الكبرى للبيهقي ١٦٣:٦ (وبقي)، وهو تصحيف». انتهى.

 وما حَكَم عليه بأنه تصحيف هو الصواب، وما صَوَّبه هو تصحيف كما ترى - وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض، في ترجمة الإمام ابن عبدوس (محمد بن إبراهيم بن عَبْدُوس القَيْرَوَاني) فقيه المالكية بعد شيخه سحنون، المولود سنة ۲۰۲، والمتوفى سنة ٢٦٠ رحمه الله تعالى: ودَخَل محمد بن عَبْدُوس على سحنون وعنده ابنه محمد، وأبو داود العطار أحمد بن موسى الأزدي وعبد الله بن الطَّبْنَة، وعبد الله بن سَهْل القِبْرِيَاني، وجماعةٌ من كبار أصحابه، وقد ألقى عليهم مسألة، فبقي عليهم في الجواب. فقال: أيش تتكلمون؟ فقال سحنون: أخبروه، فأخبروه، فقال: قال فيها بعض أصحابنا كذا وبعضُهم كذا، وذكر الجواب والاختلاف. فقال سحنون: نعم انظروا من يَدْرُس، وأنتم تركتم الدرس!». 

وجاء في أدب الإملاء والاستملاء للإمام أبي سعد السمعاني، بسنده إلى «ضَمْرَةَ بن ربيعة الرَّمْلي، عن عبد الله بنِ شَوْذَب، قال: مَثَلُ الذي يروي عن عالم واحد، كمثلِ رَجُل له امرأة - واحدة ــ إذا حاضَتْ نَقِي». كذا وقع فيه بالنون مشكولاً كله ، وصوابه : (بَقِي) بالباء الموحدة من تحت لا غير. 

و-- وجاء في كتاب «الاستقامة» للإمام ابن تيمية قول أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى: «عَمِلتُ في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدتُ شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلافُ العلماء لتفتت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد». انتهى.

وقوله : (ولولا اختلافُ العلماء لتفتت تحريف عن (لبَقِيتُ) أي لبَقِيتُ في مَشَقَّةٍ وعذاب . وقد جاءت هذه الكلمة على الصحة والصواب في «الرسالة القشيري»: ( ولولا اختلاف العلماء لبقيتُ). وعلق المحقق الدكتور رشاد سالم على كتاب «الاستقامة» بقوله: (لَتَفَتِّتُ، كذا في الأصل. وفي الرسالة القشيرية: لبقيتُ). انتهى. فبقي المحقق متردّداً في صحة إحدى الكلمتين، والصواب: لبَقيتُ. 

ز- وجاء في «منهاج السنة النبوية» للشيخ ابن تيمية: «... لولا الإسناد لقال من شاء: ما شاء، فإذا يُسأل عمن لقي»,

ح - وجاء في «الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي ... ولكن إذا قيل : من حدَّثك نَفَى» هكذا وقعت العبارة في الطبعة البولاقية. ووقعت هذه العبارة في الكتاب نفسه، في طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، بتحقيق الدكتور رشاد سالم:٣٦٠، على وجه آخر من التغيير والتصرف فجاءت: (لولا الإسناد لقال ما شاء، فإذا سُئِلَ: وَقَف وتحير. 

وعلق عليه محققه بقوله: (ن ـ أي في مخطوطة نور عثمانية – فإذا سُئِلَ عمن بقي . س ـ أي في مخطوطة جامعة الإمام الخامسة ــ فإذا سُئِلَ - عمن لقي. ب ــ أي في النسخة المطبوعة البولاقية - فإذا يُسأل عمن لقي). انتهى . 

وهذا اضطراب شديد فيه ألوان من التحريف ما عرفت اللفظ المثبت من أي نسخة ؟ ولم يُشر المحقق إلى شيء، فإن كان هو اختيارَهُ وأثبتهُ من عنده فقد زاد الأمرَ بَلْبَلَةً وسُوءاً، فالله أعلم . 

 هكذا وقع في النسخة المطبوعة بالمطبعة الخيرية ص ٢٦٨. وهكذا وقع أيضاً: (نَفَى)، في ص ٣٧٥ طبعة دار الإفتاء بالرياض سنة ١٤٠٣، بتحقيق العلامة الفاضل المحقق من الشيخ إسماعيل الأنصاري.

وكلُّه تحريف عن لفظ (بقي). كما أن كلمة (يسأل) في «منهاج السنة» تحريف عن (قيل)، وهو مسبب عن تحريف (بقي) لغموض معناها، فتحريف جَرَّ تحريفاً ! والذي يبدو لنظر العبد الضعيف أن هذه الكلمة: (فَبَقِي)، كانت تقال على نحو هذا الوجه: فَبَقِيَ ساكتاً لا يَنطِقُ بحرف، أو: فبقي واجماً لا يَنْبِسُ بكلمة. كما ترى هذا الأسلوب كثيراً منتشراً في الأخبار، في كتب الأدب أو التارخ أو التراجم، وأقربها مني الآن ما جاء في كتاب أعلام النساء لعمر كحالة، في خبر (محبوبة)، وذلك أن الخليفة المتوكل العباسي، «طلب من الشاعر علي بن الجهم أن يقول شيئاً في إحدى جواريه، فبَدرَتْ محبوبة فقالت فيها شعراً من غير فكر ولا رَويَّة، وبَقِي علي بن الجهم واجماً لا يَنطِقُ بحرف». انتهى. 

والخبر هناك بتمامه منقول عن «الأغاني» و «مروج الذهب». فلما اشتهرت هذه الجملة وعُرف المراد منها، صار لفظ (فَبَقِي) دالا لسامعه على ما بعده، فطَوَوْا بقية الجملة اكتفاء بفهم المراد، كما يقع دائماً في مخاطبات الناس في كل عصر ومصر: أنهم يطوون من الذكر ما عُرِف، اختصاراً واكتفاء، فحذفوا بقية الجملة للعلم بها وأدباً منهم لأنها تكشف عن ضعف المقولة فيه، كما تقدمت الإشارة إليه، ورحم الله تعالى إمام النحاة ابن مالك الجياني الأندلسي، إذ قال في ألفيته: «الخلاصة»: وحَذْفُ ما يُعلَمُ جائز كما تقولُ: زيدٌ، بَعْدَ مَنْ عِندَكُما؟ وإليك بعد هذا طائفة من نصوص العلماء القدامى، تُؤنِسُك بهذا التعبير، وتُحدد لك معناه، وتُعرّفك بشيوعِهِ واستعمالِهِ في مُناطَقَاتِ علماء القرن الثاني حتى أوائل القرن الخامس مرتبة بتسلسل أزمان قائلي تلك النصوص: 

* رَوَى الحافظ الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، بسنده إلى ابن شَوْذَب، عن مَطَرٍ ـ الوراق التابعي البصري المتوفى سنة ١٢٩ رحمه الله تعالى - قال: العِلْمُ أكثر من مَطَرِ السماء، ومَثَلُ الرَّجُلِ الذي يروي عن عالم واحدٍ كرجل له امرأة واحدة، فإذا حاضَتْ بَقِي». 

وقد وقع في طبعة الأخ الفاضل الدكتور محمود طحان: (فإذا حاضت هي)، وعلَّقَ عليه بقوله: وهكذا جاء النص في المخطوطة بدون جواب الشرط، وذلك للعلم به، وتقدير الجواب: حاضَ مَعَها حُكْماً). انتهى. وهذا كله خطأ بُني على تحريف (بَقِي) إلى (هي)، لغموض المعنى عند الناسخ ، أو عند الشيخ الراوي للخبر! فأوقع المحقق في هذه الغلطة.

* وروى الحافظ البيهقي في «مناقب الشافعي»، والحافظ ابنُ عبد البر في «الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء»، في (باب فصاحة الشافعي واتساعه في فنون العلم)، وذكر أيضاً القاضي عياض في «ترتيب المدارك»، والحافظ ابن حجر في توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس»: «عن المُزَني قال: قَدِمَ الشافعي، وكان بمصر ابن هشام صاحب «المغازي»، وكان عالم مصر بالغريب والشعر، فقيل له: لو أتيت الشافعي، فأَبى أن يأتيه، فلما كان بعد ذلك قيل له: لو أتيته فأتاه فذاكره أنساب الرجال. فقال له الشافعي بعد أن تذاكرا طويلاً: دَعْ عنك أنساب الرجال، فإنها لا تذهَبُ عنا وعنك، وخُذْ بنا في أنساب النساء، فلما أَخَذَا فِيها بَقِي ابن هشام ! أي انقطع ، فكان ابن هشام بعد ذلك يقول: ما ظننتُ أن الله عزّ وجل خَلَقَ مثل هذا. انتهى. قال البيهقي في ختام الخبر في الموضع الأول: «أي انقطع». وقال سكت. يعني ابن حجر.

وجاء في كتاب المُحَدِّث الفَاصِل بين الراوي والواعي»، للرامَهُرْمُزي : حدثني عبد الله بن محمد بن أبان الخياط من أهل رامهرمز، ثنا القاسم بن نصر المُخَرِّمي ، ثنا سليمان بن داود المنقَرِي، قال: وجه المأمون عبد الله بن هارون، إلى محمد بن عبد الله الأنصاري ــ البصري المحدث قاضي البصرة، المولود سنة ١١٨ والمتوفى سنة ٢١٥ رحمه الله تعالى خمسين ألف درهم، وأمَرَهُ أن يقسمها بين الفقهاء بالبصرة، فكان هلالُ بنُ مُسْلِم يَتكلم عن أصحابه، قال الأنصاري: وكنتُ أنا أتكلم عن أصحابي، فقال هلال: هي لي ولأصحابي، وقلت أنا: بل هي لي ولأصحابي، فاختلفنا . فقلت لهلال: كيف تتشهدُ ؟ فقال هلال: أو مثلي يُسأل عن التشهد؟ ! قلتُ: إنما عليك الجواب، والجواب عن الواضح السِّهْل أولى، فتشهد هلال على حديث ابن مسعود، فقال له الأنصاري: من حدثك به؟ ومن أين ثَبَتَ عندك؟ فَبَقِيَ هِلال، ولم يجبه ! فقال الأنصاري: تُصلّي في كل يوم وليلة خمس صلوات، وتُرَدِّدُ فيها هذا الكلام، وأنت لا تدري من رواه عن نبيك صلى الله عليه وسلم؟ قد باعَدَ اللهُ بينك وبين الفقه ! فقسمها الأنصاري في أصحابه.

* وجاء في تاريخ الأمم والملوك للإمام ابن جرير الطبري، في حوادث سنة ٢١٨، في خبر مُحادثة العتابي للمأمون: «... ثم أخذوا في المُفاوَضَةِ والحديث، وغَمَز عليه ـ أي على العتابي - إسحاق بن إبراهيم، فأقبل لا يأخُذُ العتابي في شيء إلا عارضه إسحاق بأكثر منه، فَبقي متعجباً، ثم قال : يا أمير المؤمنين . . . » . وجاء في الجزء المطبوع من مسند يعقوب بن شيبة»، وهو قسم من (مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، جاء فيه: حدثنا محمد، قال: حدثنا جدي ــ هو يعقوب بن شيبة مؤلفُ المُسْنَد -، قال : سمعتُ علي بن عبد الله هو ابن المديني - يقول: كنت عند سفيان - هو ابنُ عُيَينة - معي ابنُ ابنِ حماد بن زيد، فحدث سفيان بحديث: عمرو - هو ابن دينار ، عن طاوس - في المواقيت، مُرسَل. قال علي: فقلت له: حماد بن زيد يقول: عن ابن عباس، ـــ يعني يرويه عن طاوس عن ابن عباس، فقال سفيان: أُحَرِّجُ عليك بأسماء الله لَمَا صَدَقْتَ: أنا أعلمُ بِعَمْرِو أو حَمَّادُ بنُ زيد؟ فبَقِيتُ! ثم قلتُ: أنت يا أبا محمد أعلَمُ بعَمرو من حماد بن زيد، وابن ابنه حاضر، فلما قُمتُ قال لي ابن ابنه : عَرَّضَتَ جَدِّي حين قلت له : إنَّ حَمَّاد بن زيد يقول: كذا وكذا». انتهى. وواضح من قوله: فَبقيتُ. أي أُفحِمتُ وبَقِيتُ ساكتاً، بدليل قوله بعد: ثم قلت. 

* وجاء في «تَقْدِمَةِ الجرح والتعديل»، وفي «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي، في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، و «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي، قال أحمد بن حنبل: مات هشيم وأنا ابنُ عشرين سنة، وأنا أحفَظُ ما سمعتُ منه ، ولقد جاء إنسان إلى باب ابن عليّة، ومعه كتُبُ هُشَيم، فجعَلَ يُلقيها عليَّ وأنا أقول: إسنادُ هذا كذا، فجاءَ المُعَيْطِيُّ وكان يحفظ، فقلت له: أجِبهُ فيها، فبقي !». انتهى. 

وجاء هذا الخبر في «الحلية» لأبي نعيم، بلفظ ( .. فقلتُ له : أحبه فيها، فَسهَا) انتهى. ولفظ (فَسهَا) تحريف عن (فبقي)، ولعله بتصرف من الناسخ أو الطابع؟ إذ لم يفهم معنى (فبقي)، فقدَّرها محرفةً عن (فَسَهَا)، فَسَهَا! 

وجاء في «تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، في ترجمة (أحمد بن حنبل)، وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، وفي تاريخ الإسلام للذهبي -مخطوط -من طريق ابن أبي حاتم في ترجمة (أحمد بن حنبل): «قال إسحاق بن راهويه: كنتُ أجالس بالعراق أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وأصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، فيقول يحيى بن معين من بينهم : وطريق كذا، فأقول: أليس قد صح هذا بإجماع منا؟ فيقولون: نعم فأقول : ما مُرادُه؟ ما تفسيره؟ ما فِقْهُهُ؟ فَيَبْقَوْن. كلهم! إلا أحمد بن حنبل.

ونقل هذا النص شيخنا العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى، في «مقدمته» على مسند الإمام أحمد» ٦٤:١، ووقع فيه: (فيقفون كلهم إلا ...)، وهو تحريف عن (فَيبْقَون)، ووقع محرفاً إلى (فيقفون) أيضاً في مخطوطة دار الكتب المصرية من تقدمة الجرح والتعديل المرموز لها في المطبوعة بحرف (م). 

وجاء في «ذيل طبقات الحنابلة» للحافظ ابن رجب، و«المنهج الأحمد» للعليمي، في ترجمة (يحيى بن مَنْدَه الأصبهاني): «قال فوران: ماتت امرأة لبعض أهل العلم: فجاء يحيى بن مَعِين والدورقي، فلم يجدوا امرأة تغسلها إلا امرأة حائضاً، فجاء أحمد بن حنبل وهم جلوس، فقال ما شأنكم؟ فقال أهل المرأة : ليس نَجِدُ غاسِلةً إلا امرأةً حائضاً، فقال أحمد بن حنبل: أليس تَرْوُون عن النبي صلى الله عليه وسلم  «يا عائشة ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدكِ. يجوز أن تغسلها، فخجِلُوا وبَقُوا !» 

* وجاء في «سير أعلام النبلاء» للذهبي، في ترجمة الإمام أبي عبد الله البخاري : «قال محمد بن أبي حاتم ورَّاقُ البخاري : قَدِمَ إِلى بُخَارَى رجاءُ بنُ مرجى - الإمام الحافظ الناقد المصنف - فصار إلى أبي عبد الله، فقال لأبي عبد الله: ما أعددت لقدومي حين بلغك؟ وفي أي شيء نظرت؟ فقال: ما أَحْدَثْتُ نظراً، ولم أستعد لذلك، فإن أحببت أن تسأل عن شيء فافعل، فجعل يناظره في أشياء، فبقِيَ رَجَاءٌ لا يَدْرِي أين هو».

* وجاء في تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، «قال عبد الرحمن - هو ابن أبي حاتم -: قيل لأبي زُرْعَة - الرازي عُبَيدِ الله بن عبد الكريم -: بلغنا عنك أنك قلت: لم أرَ أحداً أحفظ من ابن أبي شيبة؟ فقال: نعم في الحفظ، ولكن في الحديث، كأنه لم يَحْمَدُه. فقال: رَوَى مَرَّةً حديثَ حُذَيْفَة في الإزار، فقال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي مُعَلَّى، عن حذيفة. فقلتُ له: إنما هو أبو إسحاق، عن مُسْلِم بن نُذَيْر، عن حُذَيْفَة، وذاك الذي ذكرت عن أبي إسحاق، عن أبي المُعَلَّى، عن حُذَيْفَةَ قَالَ: «كنتُ ذَرِبَ اللسان . . . ». فبقي. فقلت للوراقِ: أحضرُوا «المسنَدَ»، فَأَتَوْا مُسْنَدِ حُذَيْفَة، فأصابه كما قلت. 

* وجاء في «تقدمة الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي، في ترجمة والده (أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي)، و«طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي: قال عبد الرحمن - هو ابن أبي حاتم -: سمعت أبي يقول: كان محمد بن يزيد الأسْفَاطي يحفظ التفسير، فقال لنا يوماً: ما تحفظون في قول الله عز وجل: {فَنَقَبُوا في البلاد}؟، فبَقِيَ أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض وفي طبقات الشافعية»: فسكتوا، فقلتُ أنا: حدثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {فنقبوا في البلادِ} قال : ضَرَبُوا في البلاد، فاستَحْسَن». 

* وجاء في «مجالس العلماء» للزَّجَّاجي: «أن أبا العباس المبرد قال لأبي إسحاق الزجاج: فإن قيل لك: إذا قلت: شيءٌ أحسن زيداً، فقد أخبرت ولم تتعجب، فإذا وضعت (ما) في موضع (شيء)، فمن أين وقع التعجب؟ قال الزجاج : فبَقِيتُ! ولم يكن عندي جواب». 

* وجاء في مناقب الشافعي للبيهقي، في آخر حكاية أوردها البيهقي عن أبي القاسم الأنماطي: (عثمان بن سعيد بن بشار)، أحد أصحاب المزني رحمهما الله تعالى، جاء في آخرها قول أبي القاسم الأنماطي: فقلتُ له ـ أي لرئيس الجهمية الذي اجتمع معه ليناظره: القرآن غير مخلوق، وأدُلُّ عليه بكتاب الله تعالى وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حُجَجِ العُقول التي ركبها الله في عباده، قال: فأوردت عليه ذلك، فبقي متحيراً». انتهى. وإجماع أمته.قال عبد الفتاح: وهنا قد صرَّح المتكلم بحال الذي (بَقِي)، فقال: (فبقي متحيراً).

* وجاء في تاريخ بغداد للخطيب، في ترجمة (الإمام أبي زُرْعَة الرازي): «... حدثنا صالح الأسدي هو صالحُ جَزَرَة، قال حدثني سلمة بن شَبِيب، حدثني الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا زهير بن معاوية، قال حدثتنا أم عمرو بنتُ شِمْر، قالت: سمعتُ سُويدَ بنَ غَفَلَة يقرأُ وعِيسَ عِين، يُريدُ : حُوْرٌ عِين. قال صالح: القَيْتُ هذا على أبي زُرْعَة فبَقِيَ مُتعجباً، وقال: أنا أحفظ في القراءات عَشَرَةَ آلاف حديث، قلتُ: فتحفَظُ هذا؟ قال: لا.

*ـ وجاء في معرفة علوم الحديث للحاكم، في (النوع الثالث والثلاثون من علوم الحديث: مذاكَرَةُ الحديث)، وفي «تذكرة الحفاظ» للذهبي، في ترجمة (أبي علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ): «قال الحاكم : سمعت أحمد بن الخضر الشافعي غير مرة يقول : قَدِمَ علينا - نيسابور - أبو علي عبد الله بن محمد بن علي الحافظ البلخي حاجاً، فعجَزَ أهل بلدنا عن مذاكرته الحفظة. فاجتمع معه جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ الحصيري النيسابوري، فذاكره بأحاديث الحج، فكان عبد الله يسردها، فقال له جعفر: تحفظ عن سليمان التيمي، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بحَج وعُمْرَة؟ فبقي أبو علي، فقال جعفر: حدثنا به يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا مُعْتَمِرُ بن سليمان، عن أبيه، عن أنس، فقطع المجلس بذلك.

* وجاء في «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي و«تذكرة الحفاظ» للذهبي، في ترجمة (أبي العباس أحمد بن عُقدة)، وقد كان أحفَظَ مَنْ في عصرِهِ من الحفاظ، قال الخطيب: «قال أبو أحمد - هو الحاكم الكبير النيسابوري ـ قال لي أبو العباس بنُ عُقدة : دخَلَ البَرْدِيجي الكوفة، فزَعَمَ أنه أحفَظُ فقلت: لا تُطَوِّل، تَتقَدَّمُ إلى دُكانِ وَرّاق، وتَضَعُ القَبَّانَ، وتَزِنُ من الكتب ما شِئتَ، ثم تلقى علينا فَنَذكره، فبقي !». انتهى. 

* وجاء في «معرفة علوم الحديث» للحاكم، في (النوع الثالث والثلاثون: مُذاكرة الحديث، وفي «تذكرة الحفاظ» للذهبي، في ترجمة (الحافظ المُفِيدِ أبي حفص عُمَرَ البصري، تلميذ ابن عُقدة) ما يلي: «قال الحاكم، سمعتُ عُمر بن حفص البصري، يقول: دخلت الكوفة سنة من السنين وأنا أُريدُ الحج، فالتقيت بأبي العباس بن عُقدة، وبتُ عنده تلك الليلة. وتوقف المصحح لكتاب تاريخ بغداد في صحة هذه الكلمة! فعلَّق عليها بقوله: «هكذا في الأصلين من تاريخ بغداد». 

وتوقفه إنما نشأ من عدم معرفته بصحة هذه الكلمة ومعناها ! فأخذ يُذاكرني بشيءٍ لا أهتدي إليه ـ قال الخطيب في «تاريخ بغداد»: وكان أبو العباس أحفظ من في عصرنا للحديث ـ ، فقلت: يا أبا العباس، عند أيوب السختياني عن الحسن؟ فذكر حديثين، فقلتُ : تحفظ: أيوب، عن الحسن، عن أبي بَرْزَة أن رجلاً أغلظ لأبي بكر، فقال عُمَرُ: يا خليفة رسول الله، دَعْني فأضرِبَ عُنُقَه ! فقال: مَهُ يا عمر، ما كانَتْ لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَقِيَ ! وكَبَّرتُ. 

 * وجاء في «تذكرة الحفاظ» أيضاً، في ترجمة الحاكم أبي عبد الله النيسابوري «قال الحافظ خليل بن عبد الله: دخلت على الحاكم أبي عبد الله، ويُقرأُ عليه في «فوائد العراقيين»: سُفيان الثوري، عن أبي سلمة، عن الزهري، عن سهل بن سعد: حديث الاستئذان ـ أي حديث إنما جُعِلَ الاستئذان أجل البصر، فقال: من أبو سَلَمة؟ قلت: هو المُغيرةُ بنُ مُسْلِم السراج، قال: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبَقِيتُ! - ثم قال: قد أمهلتك أسبوعاً، فتفكّرتُ ليلتي، فلما وقعتُ ـ أي وَصَلتُ بتفكيري إلى أصحاب الجزيرة - تذكَّرتُ محمد بن أبي حَفْصَة، فإذا كُنْيَتُهُ أبو سلمة، فلما أصبحت حضرت مجلسَهُ وقرأتُ عليه نحو مئة حديث، فقال لي: هل تذكَّرت فيما جَرَى؟ فقلتُ: نعم، هو محمد بن أبي حفصة، فتَعَجَّبَ وأثنى علي». انتهى. 

فهذه ثمانيةَ عَشَرَ نصَّاً - والنصوص غيرها كثير يراها الباحث المنقب في كتب التاريخ والتراجم والأدب وغيرها - تدلّ أوضح الدلالة على صحة كلمة ابن المبارك رحمه الله تعالى: «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قِيلَ له : مَنْ حَدَّثك؟ بَقِي !». أي أفْحِمَ وبَقِي ساكتاً .وإنما أُعْفِلَتْ هذه الجملة في كثير من الكتب، عند نقل كلمة ابن المبارك على توالي العصور، لغموض المعنى المقصود منها شيئاً فشيئاً، استعمال هذا التعبير، ولكنها من تمام المعنى المراد لابن المبارك، في بيان شأن أهمية الإسناد في الدين والله تعالى أعلم. وهكذا يتبدى من هذه الشواهد أن بعض الألفاظ في العربية تعيش في قرون وتموت في قرون كشأن الأفكار وغيرها. 

٧-حذف الكلمة المكروهة عند العرب: ولحذف الكلمة المكروهة في مُحاوَرَاتِ العرب - كِيَاسَةً وأدباً وترفعاً ورِفْقاً، واستغناء بذكر ما قبلها عنها ـ شواهد كثيرةً في كلامهم، بل في كلام الناس اليوم من ذلك شيء كثير.

أ- فمن شواهدِ حَذْفِها في كلام الصحابة الكرام، لرعاية ما أشرتُ: ما جاء في تاريخ بغداد للخطيب ٤ : ١٣٥ عن محمد بن السائب بنِ بَرَكة، عن أُمِّهِ قالت: طُفتُ عائشة بالبيت في نسوة من بني المغيرة، فذكَرْنَ حَسَّانَ بنَ ثابتٍ ووَقَعْنَ فيه، فقالت عائشة: ابنُ الفُرَيْعَةِ تَسُبُونَهُ منذ الليلة قُلْنَ يا أم المؤمنين إنه ممن، قالت: أليس هو  القائل: - أي في الرد على أبي سفيان قبل إسلامه : 

هَجوتَ مُحَمداً وأَجِبتُ ..  وعندَ اللهِ في ذاكَ الجَزَاءُ

فإِنْ أَبِي وَوَالِدَهُ وعِرْضِي .. لِعِرْضِ مُحمدٍ منكم وقَاءُ 

والله إني لأرجو أن يُدخِلَهُ اللهُ الجنة». انتهى. أي بذَبِّهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسَانِه.

 وقَوْهُنَّ: (إِنَّهُ يُنْ، يَعْنِينَ أنه من خاص في خَبَرِ الإفك. 

ب - ومن الشواهد أيضاً ما جاء في «صحيح البخاري» ٥٣٢:١، في كتاب الصلاة (باب: نوم المرأة في المسجد) عن عائشة رضي الله عنها أن وَلِيدَةً كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها فكانَتْ معَهُمْ قالَتْ - أي الوليدة -: فخرجَتْ صَبِيَّةٌ لهم عليها وِشَاحٌ أحمر من سُيُور، قالَتْ: فوضَعَتْهُ أو وَقَعَ منها. فمَرَّتْ به حُدَيَّاةً وهو مُلْقَى، فَحَسِبَتْهُ لَحْماً، قالت: فكانت تأتيني عندي، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت فاتهموني به، قالت: فَطَفِقُوا يُفتشون حتى فتشوا قبلها - تعني الوليدة نفسها ولكنها أسندت الكلام بلفظ الغيبة أدباً منها وخجلاً، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مَرَّتْ الحُدَياةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فوقع بينهم: فقلتُ: هذا الذي اتهمتوني بهِ زَعَمْتُم، وأنا منه بَرِيئَةٌ وهُو ذَا هُو. قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خِبَاءٌ في المسجد أو حِفْش - بيت ضيق صغير متواضع من بيوت الأعراب، قالت: فتحدث قالت: فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت: 

ويوم الوشاح من تعاجِيبِ رَبِّنا .. ألا إنه من بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجاني 

قالت عائشة: فقلتُ لها: ما شأنك لا تقعدين مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث». انتهى. والشاهد أنها طَوَتْ من الذكرِ مفعول (زَعَمْتُمْ)، وهو (أني سرقته)، كراهة التصريح به ولمعرفته من السياق. وقوله : (من سيور) أي من سُيُورِ الجلد، وهي الخيوط العريضةُ التي تُقَدُّ من الجلد. 

وقولها في البيت (أنجاني) روايةً أوردها البخاري هنا، وأورد رواية ثانية: (نَجاني) بتشديد الجيم، في الجزء ٧: ١٤٨، في كتاب مناقب الأنصار (باب أيام الجاهلية). والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها: خَيْطانِ من لؤلؤ وجوهر منظومانِ، يُخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر، ونسيج عريض من أديم يُرضعُ بالجواهر، وتَشُدُّه المرأة بين عاتقها وكشحها. ومعذرةً من الإطالة ففي الحديث قصة طريفة، ولذا أوردته بطوله.

ج- ومن الشواهد أيضاً قولُ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حين رَوَى الحديث المرفوع: «الطَّيَرَةُ شرك»، قالَ بعدَهُ: «وما مِنَّا إِلَّا، ولكنَّ اللَّهَ يُذهِبهُ بالتوكل . رواه أبو داود ٤ : ٢٣٠، في كتاب الطب (باب) الطَّيَرَة)، والترمذي ٤ : ١٦٠، في كتاب السِّير (باب ما جاء في الطيرة)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه ۲ : ۱۱۷ في الطب (باب: من كان يُعجِبُهُ الفَأل). قال الإمام الخطابي: قوله : (وما مِنا إلا)، معناه إلا مَنْ يَعتريه التطيرُ، وَيَسبِقُ إلى قلبه الكراهة منه ، فحذف اختصاراً للكلام، واعتماداً على فهم السامع.

٨-قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في فاتحة كتابه اللطيف: «الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ»، مشيراً إلى مَزيَّةِ ما خُصَّتْ به هذه الأمة المحمدية: «أما بعد فإن الله عز وجل خَصَّ أمتنا بحفظ القرآنِ والعِلم، وقد كان مَنْ قبلنا يقرأون كتبهم من الصُّحُف، ولا يَقدِرُون على الحفظ، فلما جاء عُزير فقرأ التوراة من حفظه قالوا : هذا ابن الله . فكيف نقوم - نحن معشر المسلمين ـ بشُكْرِ مَنْ خَوَّلَنَا أَنَّ ابنَ سَبْع سنين منا يَقرأُ القرآنَ عن ظَهْرِ قلب. 

ثم ليس في الأمم ممن يَنقُلُ عن نبيه أقواله وأفعاله على وَجْهِ يَحصُلُ به الثقةُ إلا نحن، فإنه يروي الحديثَ مِنَّا خَالِفٌ عن سالِف، وينظرون في ثقة الراوي إلى أن يَصِلَ الأمر إلى رسول الله . وسائر الأمم يَرْوُونَ ما يذكرونه عن صحيفةٍ، لا يُدرَى من كتبها، ولا يُعرَفُ من نَقلَها . وهذه المنحة العظيمة نفتقِرُ إلى حفظها، وحفظها بدوام الدراسةِ ليبقى المحفوظ، وقد كان خَلْقُ كثيرٌ من سَلَفِنا يحفظون الكثير من الأمر ـ كذا، وصوابه : من العِلم - ، قال الأمر إلى أقوام يَفِرُّون من الإعادةِ ميلا إلى الكسل، فإذا احتاج أحدهم إلى محفوظ لم يقدر عليه !. انتهى .

وقال الحافظ الخطيب البغدادي في «الكفاية» ص ۲۳۰: «قال مروان بن محمد : ثلاثة ليس لصاحب الحديث عنها غنى : الحفظ والصدق، وصحة الكتب، فإن أخطأته واحدة وكانت فيه ثنتان لم يَضُره : إن أخطأ الحفظ، ورَجَعَ إلى صِدقٍ وصِحْةِ كتب لم يَضره وقال أيضاً: طال الإسنادُ وسَيَرجِعُ الناس إلى الكتب . انتهى 

وقد رسم الإمام ابن الجوزي طريقة إحكام الحفظ وإتقانِهِ في كتابه المذكور، فقال فيه ص ٣٥: الباب الرابع في بيان طَريقِ إحكام المحفوظ: الطريقُ في إحكامه: كثرة الإعادة، والناس يتفاوتون في ذلك، فمنهم من المحفوظ مع قلة التكرار، ومنهم من لا يحفظ إلا بعد التكرار الكثير. معه.

وكان أبو إسحاق الشيرازي يُعيدُ الدرسَ مِئَةَ مرَّة، وكان الْكِيَا - الهَرَّاسِي . يُعِيدُ سبعين مرة. وقال لنا الحَسَنُ بنُ أبي بكر النيسابوري الفقيه: لا يحصل الحفظ إلا حتى يُعاد خمسين مرة. وَحَكَى لنا الحسَنُ أن فقيهاً أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة، فقالت له عجوز في بيته قد واللهِ حَفِظتُهُ أنا، فقال: أَعِيدِيهِ فأعادَتْهُ، فلما كان بعد أيام قال: يا عجوز، أعيدي ذلك الدرس، فقالت ما أحفَظُهُ قال أنا أكرر هذا الحفظ لئلا يُصِيبَني  ما أصابك». انتهى.

فينبغي للإنسان أن يُعيد بعد الحفظ ليثبت معه المحفوظ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعاهَدُوا القرآن فإنه أشَدُّ تَفَصِّياً من صُدُور الرجال من النَّعَم من عُقْلِها» رواه البخاري ومسلم.. وانظر أخبار طائفة ممن كان على هذه الهِمَّة العلياء، من نُبَغاء العلماء، في كتابي «صفحات من صبر العلماء» على شدائد العلم والتحصيل  ١٩٤.

ووقفت بعد فراغي من هذه الرسالة على مقال ماتع جامع للعلامة الأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي رئيس المجمع العلمي العراقي، بعنوان (الرِّوَايَةُ والأسانيد وأثرهما في تطور الحركة الفكرية في صَدْرِ الإسلام)، نَشَرَهُ في مجلة المجمع العلمي العراقي، في المجلد ٣١ في العدد ١ عدد صفر سنة ١٤٠٠ كانون الثاني ۱۹۸۰، في ۲۱ صفحة من ص ۱۱ - ۳۳، فأحيل القارىء الباحث إلى الوقوف عليه، ففيه لمحات طيبة في موضوع الإسناد والرواية. 

٩-من أغرب ما وقع للعلامة المؤرخ المحقق الزركلي رحمه الله تعالى، في كتابه الماتع النفاع: «الأعلام» ٦: ١٨٣، أنه قال في ترجمة (ابن عبدوس هذا: «ولد سنة ٢٠٢ وتوفي سنة ٢٦٠:  فقيه زاهد من أكابر التابعين  انتهى. وكيف يكون من أكابر التابعين من يُولَدُ بعد المائتين؟! ولكنها الغفلة التي لا يخلو عنها الإنسان!

وإنما وقع له هذا الغلط بسبب ما جاء في ترجمته عند من ترجموه: «قال أحمد بن زیاد ما أظنُّ كان في التابعين مِثلُه؟». قال القاضي عياض في «ترتيب المدارك»، في ترجمته عقب هذه الكلمة: يعني في الفضل والزهد. وهذا غُلُو». انتهى .

وقع في ترتيب المدارك من طبعة بيروت: (عبد الله بن الطبية)، أي بتقديم الباء الموحدة على الياء! وعلق عليه محققه هنا تخليطاً وتخبيطاً! وأما تحقيقه لهذا الكتاب العظيم فيستحق عليه التعزير! وقد وقع في الطبعة التي حققها تحريفات وتصحيفات لا تعد! ثم نقص وسقط لتراجم عددها ٤١٠ فقط !! اكتفى بالإشارة إليها بقوله في حاشية الجزء: ٢٧٥ بقوله: لعل بالأصل نقصاً من الناسخ». وهذه التراجم الناقصة تراها في طبعة المغرب التامة في الجزء ٤٠٢:٤ حتى ٢٥٣:٥.

وجاء في طبعة المغرب: عبد الله بن الطيبة أي بتقديم الياء المثناة على الباء الموحدة! وكلاهما تحريف وصوابه كما في ترجمته بين أيدي المحققين لهذا الكتاب ١٢٧:٣ و ٤ : ۲۳۱ (عبد الله بن الطبية)، بضم ثم بسكون الباء الموحدة ثم نون ثم تاء مربوطة، وكما جاء في ترجمة ابنه : (حمدون بن عبد الطبنَة) ١٠٠:٥ الطاء الله بن من طبعة المغرب. ووقع نحو هذا التحريف في ترجمة (حمدون) في كتاب «علماء إفريقية» لمحمد بن الحارث الخشني ص ٢١٤، فاعرفه.

١٠- قال عبد الفتاح هذا النص (يعني الذي يخبر فيه عن حفظ الإمام أحمد) يُفيدنا بجلاء أن المعرفة التامة بعلم الحديث ـ ولو من أولئك الأئمة الكبار أركان علم الحديث في أزهى عصور العلم - لا تجعل المحدِّثُ الحافظ (فقيهاً مجتهداً)، إذ لو كان الاشتغال بالحديث يَجعلُ (الحافظ): (فقيهاً مجتهداً)، لكان الحفَّاظُ الذين لا يُحصَى عَدَدُهم، والذين بلغ حفظ كلّ واحدٍ منهم للمتون والأسانيد، ما لا يحفظه أهل الأمصار اليوم: أولى بالاجتهاد ولكنهم صانهم الله فما زعموه مصر من لأنفسهم. 

بل إن سَيِّدَ الحفاظِ الإمام (يحيى بن سعيد القطان البصري)، إمام المحدثين، وشيخ الجرح والتعديل : كان لا يجتهد في استنباط الأحكام، بل يأخذ بقول أبي حنيفة، كما في «تذكرة الحفاظ» للحافظ الذهبي ٣٠٧:١، في ترجمة (وكيع بن الجراح). 

وفي «تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ٤٥٠:١٠ قال أحمد بن سعيد القاضي: سمعت يحيى بن معين ـ تلميذ يحيى القطان ـ يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: لا تَكْذِبُ الله، ما سَمِعْنا رأياً أحسَنَ من رأي أبي حنيفة، وقد أَخَذْنا بأكثر أقواله». 

وكان إمام أهل الحفظ في عصره وكيع بن الجراح الكوفي، محدث العراق، لا يجتهد أيضاً، ويُفتي برأي الإمام أبي حنيفة الكوفي، ففي تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي ۳۰۷:۱، و«تهذيب التهذيب» ١١ : ١٢٦ – ١٢٧ قال حُسَينُ بن حِبَّان، عن ابن مَعِين تلميذ وكيع -: ما رأيتُ أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة، ويحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويَسرُدُ الصوم، ويُفتي بقول أبي حنيفة». 

وكذلك هؤلاء الحفاظ الأئمة الأجلة، الذين عناهم إسحاق بن راهويه في كلمته المذكورة ومنهم يحيى بن معين كانوا لا يجتهدون، وقد أخبر عنهم أنهم كانوا يفيضون في ذكرِ طُرُقِ الحديث الواحِدِ إفاضةً زائدة، فيقول لهم: ما مُراد الحديث؟ ما تفسيره؟ ما فِقهُهُ؟ فَيَبْقَون كلهم إلا أحمد بن حنبل». وهذا عُنوان دينهم وأمانتهم وحَصَافتهم، إذْ وَقَفوا عند ما يُحسنون، ولم يخوضوا فيما لا يُحسنون . وذلك لصعوبة الفقه الذي يعتمد على الدراية، وعُمقِ الفهم للنصوص من الكتاب والسنة والآثار، وعلى معرفة التوفيق بينها، وعلى معرفة الناسخ والمنسوخ، وما أجمع عليه وما اختلف فيه، وعلى معرفة الجرح والتعديل والترجيح بين الأدلة، ومعرفة العرب ألفاظاً وبلاغة ونحواً ومجازاً وحقيقة. 

ومن أجل هذا قال الإمام أحمد لما سأله محمد بن يزيد المستملي، عن المحدث الحافظ الكبير (عبد الرزاق بن هَمَّامٍ الصَّنْعاني) صاحب التصانيف، ومنها «المصنف» في أحد عشر مجلداً ضخماً، وشيخ الإمام أحمد نفسه، وشيخ إسحاق بن راهويه، ويحيي بن معين، ومحمد بن يحيى الذهلي أركان علم الحديث في ذلك العصر، وشيخ سواهم، المتوفى سنة ٢١١ عن ٨٥ سنة: أكان له فقه ؟ فقال الإمام أحمد: ما أقل الفقه في أصحاب الحديث. كما في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ۱ : ۳۲۹، في ترجمة (محمد بن يزيد المستملي). 

وقال الحافظ أبو عُمر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢ : ١٦٠ ، تعقيباً على قول الإمام أحمد: من أين يَعرِفُ يحيى بن معين الشافعي؟ هو لا يعرف الشافعي، ولا يعرفُ ما يقول الشافعي. قال أبو عمر: صَدَق أحمد بن حنبل رحمه الله: إن ابن معين كان لا يعرفُ ما يقول الشافعي. وقد حكي عن ابن معين أنه سئل عن مسألة من التيمم فلم يعرفها. 

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال حدثنا قاسم بن أصبغ، قال حدثنا ابن زهير، قال : سُئل يحيى بن معين وأنا حاضر عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها؟ فقال: سَلْ عن هذا أهل العلم. وسيأتي شاهد آخر لعدم معرفته بالفقه في هذا، ولا شك في يُسر الرواية بالنظر لمن توجه للحفظ والتحمل والأداء، وآتاه الله حافظة واعية، فلهذا كان المتأهلون للرواية أكثر جداً المتأهلين للفقه والاجتهاد.

روى الحافظ الرامهرمزي في كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، ص ٥٦٠، بسنده عن أنس بن سيرين، قال: أتيتُ الكوفة، فرأيتُ فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث، وأربع مئةٍ قد فَقُهُوا». انتهى. وفي هذا ما يَدلُّ على أن وظيفة الفقيه شاقة جداً، فلا يكثر عدده كثرة عدد النقلة الرواة، وإذا كان مثلُ يحيى القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الرزاق، ويحيى بن معين، من وأضرابهم، لم يجرؤا أن يخوضوا في الاجتهاد والفقه فما أجرأ المدعين للاجتهاد في عصرنا هذا؟! مع تجهيل السلف بلا حياء ولا خَجَل ! نعوذُ بالله من الخذلان.