أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 يوليو 2023

كتب فقه الشافعية د. مهند فؤاد استيتي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

كتب فقه الشافعية

د. مهند فؤاد استيتي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: تسلسلت كتب السادة الشافعية منذ تدوينها وإلى وقت قريب عبر عدة حلقات متصلة، ابتداءً بحلقة التأسيس، ثـم حلقـة انتشار المذهب، ثم حلقة الطرق في عرض المذهب، ثم حلقة التحقيق والمعتمد، ثم حلقة الانتشار والذيوع، ثم الترتيب والتهذيب، وبعد قيام الباحث بتحليل كتب المذهب، تبين مدى التكامل والترابط بين هذه الكتب، بما يشبه قـصة الشجرة، فجعل هذه الدراسة، على صورة الشجرة؟.

فالجذور التي تمثل كتب الإمام، والساق (التي تمثل انطلاق فقه الإمام من خلال الرواة عن الإمام)، والأغصان (التي تمثل طرق المذهب)، والفروع (التي تمثل انتشار المذهب)، والثمار (التي تمثل خلاصة كتب المذهب وهي خمسة كتب)، وهي: (مختصر المزني، ومهذب وتنبيه الشيرازي، ووسيط ووجيز الغزالي)، ثم الأوراق (التي تمثل تحرير المذهب في صورته النهائية، وتشمل المختصرات، و الشروحات، والحواشي).

وبالجملة فالكتاب جيد في بابه، حيث يتمكن القارئ من الاطلاع على أهم كتب المذهب، ومعرفة الكتب المعتمدة في المذهب، والتعرف على أهم شخصيات الفقه الشافعي، وجملة من تراجمهم، وأهم كتب الشروحات، والحواشي، وينبغي التنبيه إلى أن الباحث وقع في خطأين الأول: نسبته فتح الجواد شرح الإرشاد للعسقلاني، وإنما هو للهيتمي، وقوله: المنهج القديم، وإنما هو القويم.

ملخص البحث

ترجم الإمام الشافعي مذهبه الفقهي في كتابه "الحجة"، والذي ألفه فـي بغـداد، ليعرف فيما بعد ذلك الكتاب "بالمذهب القديم"، ثم بعد رحيله إلى مصر، وقبل وفاته، انتهى قوله من المسائل الفقهية في كتاب ألفه وسماه بـ"الأم"، ليعرف بعد ذلك "بالمذهب الجديد"، وبعدها قام تلاميذ كل مذهب بنشر فقه الإمام، ومن أشهر رواة المـذهب الجديـد الإمـام المزني الذي وضع مختصره "مختصر المزني" من علم الإمام الشافعي، ثم تشكلت مدارس الشافعية التي تميزت عن بعضها في طريقة عرض المذهب، وهي: مدرسـة العراقيين، والخراسانيين، لتأتي بعدها المدرسة الجامعة التي جمعت بين المدرستين، ومن أشهر رواد المدرسة الجامعة: الإمام الجويني، في كتابه "نهاية المطلب"، وتلميذه الإمام الغزالي فـي كتبه: "البسيط"، "الوسيط"، و"الوجيز"، والتي مصدرها كتاب شيخه الجويني، ثم جاء بعـد ذلك دور تحقيق المذهب وتحريره، من خلال: الإمام الرافعي والإمام النووي، فأما الرافعي في كتابيه: "فتح العزيز" وهو شرح لوجيز الغزالي، و"المحرر" وهو أيضاً مقتـبس مـن وجيز الغزالي، وأما النووي ففي كتابيه أيضا":الروضة في الفروع"، وهو مختصر من فتح العزيز للرافعي، و"منهاج الطالبين" وهو مختصر لكتاب المحرر للرافعي،  وأخيـراً كـان لمتأخري الشافعية مهمة تثبيت المذهب، ومن أشهرهم: الإمام الرملي فـي كتابـه "نهايـة المحتاج"، وابن حجر الهيثمي في كتابه"تحفة المحتاج"، وكليهما شرح لمنهاج النووي.

المقدمة:

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا محمـد إمام المتقين والمجاهدين، وعلى آله وصحبه كلهم أجمعين، ومن سار على نهجه ودربه إلى يوم الدين، وبعد: 

يعتبر الفقه الإسلامي من أولى العلوم استحقاقاً لصرف الهمة، وبذل الجهد، فـي البحـث والتحقيق والعناية، وصور العناية تظهر جلية بالبحث في المسائل الفقهية وصولاً للحكم الشرعي، غير أن هناك من الصور الأخرى، والتي لا تقل شأنا لمقام العناية والخدمة للفقه الإسلامي، وذلك من خلال النظر في الكتب الفقهية التي سطرها علماء المذاهب، وخاصة المذاهب الأربعة.

سبب اختيار الموضوع وأهميته

إن كل مذهب فقهي من المذاهب الأربعة قد لاقى قبولاً واسعاً من العلماء الذين أفنوا عمرهم في تعلم وتعليم ونشر وتحقيق المذهب، وتمثل جهدهم السابق بتأليف الكتب المعبرة عن مذاهبهم. فأولئك العلماء قد اختلفت مؤلفاتهم تبعا لمذاهبهم، ومن بين أولئك العلماء علماء الشافعية، حيث تعد كتبهم الكثيرة دليلاً عظيما على مدى خدمتهم لمذهبهم، وبعد النظر فيها تبين للباحث أن كتب الشافعية ترتبط مع بعضها البعض ضمن عدة حلقات: حلقة التأسيس، ثـم حلقـة انتشار المذهب، ثم حلقة الطرق في عرض المذهب، ثم حلقة التحقيق والمعتمد، وقد تيسر لمذهب الإمام الشافعي الكثير ممن كتبوا في مذهبه ضمن تلك الحلقات المختلفة، ولكثرة تلك الكتب بحلقاتهـا، وما يواجهه طالب العلم من اختلاط في تمييزها ومعرفة قيمتها، كان هذا البحث.

مشكلة البحث

تحددت مشكلة البحث في جملة من التساؤلات، جاء البحث للإجابة عنها، ومن أهمها:

- ما كتب الإمام الشافعي ؟

- ما هي أشهر كتب رواة المذهب القديم والجديد ؟

- ما هي أشهر كتب طرق الشافعية: العراقيين، والخراسانيين، والجامعة ؟

- ما هي أشهر كتب المحققين ؟

- ما هي أشهر كتب الشروح والحواشي ؟

- ما هو شكل التسلسل الفريد بين كتب الشافعية ؟

- ما هي أشهر كتب الشافعية على الإطلاق ؟

الدراسات السابقة

يبرز الحديث عن كتب فقه الشافعية من طريق كتب التعريـف بفقهـاء وعلماء الشافعية، والمعروفة بطبقات الشافعية وتراجمهم، ويمكننا أيضا معرفتها من خلال مقدمة الكتـب الفقهيـة؛ حيث وجدنا فيها التعريف بالكتاب وأصله وعلاقته بغيره، وهناك بعض العلماء الذين ذكروا جانباً معيناً من كتب الشافعية، كما قام الشيخ علوي بن أحمد في كتابه "مجموعة سبعة كتب مفيدة" .

غير أني قمت بجمع ما يخص كتب الشافعية في بحث مستقل مختص، جمعت فيه بين حلقات الشافعية، من لحظة تأسيسه من الإمام الشافعي وكتبه، سواء أكانت على منهجه القديم أم الجديد، ثم انتشاره من قبل تلاميذه وكتبهم، وأيضا على المنهج القديم والجديد، ثم طـرق الشافعية في عرض المذهب وعلمائهم وكتبهم، ثم التحرير والتحقيق والمعتمد وكتبهم وعلمائهم، لنـصل فـي النهاية إلى أهم كتب الشافعية والمعتمد منها.

منهجية البحث

قامت الدراسة على المنهجية العلمية القائمة على المنهج الاستقرائي الوصفي والتحليلي، والمتمثل بالنظر في كل ما له من علاقة بكتب الشافعية من كتب الطبقـات العامـة، والطبقـات الخاصة بالشافعية، وبعض مقدمات كتب الفقه الشافعية.

ليتم الوصف بعد ذلك لحياة الإمام، ومؤلفاته، وتلاميذه، ورواة مذهبه، ومـدارس وطـرق الشافعية، وكتبهم، ومن ثم المقلدين للإمام، وكتبهم.

وبعد تحليل كل ما سبق، تبين للباحث أن قصة كتب الشافعية فيها من الترابط ما يشبه قـصة الشجرة، فكانت الدراسة لتلك الكتب وفق أقسام الشجرة: الجذور، والساق، والأغصان، والفروع، والثمرة، تشبيها لتطور وتسلسل وترابط كتب الفقه عند الشافعية بأجزاء وأقسام الشجرة


المطلب الأول: الساق

(انطلاق فقه الإمام وتحديد أصول مذهبه ومنهجه)

ثم خرج الإمام الشافعي إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة (١٩٩ هـ)، وبدأ بتصنيف الكتب الفقهية هناك، وترجم جهده بتأليف عدة كتب، أشهرها كتاب"الأم"، وأظهر فيها الأصول التي اعتمدها للوصول إلى الأحكام الشرعية، وهي موضحة في قوله: "والعلم طبقات شتى الأولـى: الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة، ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنّة، والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي صلى االله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفاً منهم، والرابعة: اختلاف أصـحاب النبي صلى االله عليه وسلم في ذلك، والخا : القياس على بعض الطبقات، ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى".

وأشار الإمام الشافعي في أكثر من مناسبة على منهجه الفقهي، وذلك بتصريحه المـأثور "إذا

وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول االله صلى االله عليه وسلم فقولوا: بسنة رسـول االله صـلى االله

عليه وسلم ودعوا قولي").(2

ولقد أدى تمسك الشافعي بأصول مذهبه ومنهجه في الفقه إلى أن تكون مجمل تـصانيفه فـي مصر تخالف مجمل أحكامه في بغداد، أو بالأحرى ما جاء في كتابه "الحجة"، كأن يكون قد وجـد حديثاً صحيحاً في مسألة ما غيرت من حكمه الذي مبناه الرأي والقياس مثلاً، أو عثر على قـول بعض الصحابة لم يجده سابقاً، أو عدل عن قياس إلى آخر أولى منه، كل ذلك عكس لنـا مـدى أمانة الإمام في تحري الصدق، وذلك الاختلاف في الأحكام أظهر ما يعرف بالقول القديم والقول الجديد في المذهب الشافعي، ويقصد بالقول القديم مجموعة الآراء الفقهية التي صرح بها الإمـام الشافعي في بغداد، وكانت مدونة في كتابه "الحجة"، وأما القول الجديد فهو كل ما ألفه أو قالـه الشافعي بعد دخول مصر، وعلى رأس تلك المؤلفات كتابه "الأم" والذي أطلق عليه القول الجديد.

وأما المعتمد في النهاية هو القول الجديد بالجملة، وفي ذلك قال الإمام النووي": كـل مسألة فيها قولان للشافعي - رحمه االله - قديم وجديد ، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل؛ لأن القـديم مرجوع عنه، واستثنى جماعة من أصحابنا نحو عشرين مسألة أو أكثر ، وقـالوا: يفتي فيهـا بالقديم ، وقد يختلفون في كثير منها".

المطلب الثاني: الفروع

(انتشار المذهب)

توفي الإمام الشافعي -رحمه االله- وقت صلاة العشاء، ودفن في مصر بعد صلاة العصر من يوم الجمعة ٣٠ رجب سنة (٢٠٤ هـ)، وبعد أن خلف تراثاً فقهياً ضخماً في كتبه العديدة، والتي وصلت إلى أيدي تلاميذه الأمناء، الذين أدوا واجبهم في نقل المذهب إلى طلابهم ليقوموا بنشره في أنحاء المعمورة، وهم في عملهم ذلك لم يكتفوا بنقل أقوال إمامهم، بل عملـوا علـى تنميـة المـذهب، وتوسيعه باجتهـاداتهم، وتخريجاتهم.

وأشهر رواة المذهب القديم هم:

١) أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ)، وقد صحب الشافعي طيلة مكثه فـي بغـداد، وأصبح إمـام المذهب الحنبلي.

٢) الزعفراني (ت ٢٦٠ هـ)، وهو أثبت رواة القديم.

٣) الكرابيسي (ت ٢٤٥ هـ)، كان على مذهب أهل الرأي أولاً، ثم أخذ الفقه عن الشافعي.

٤) أبو ثور (ت ٢٤٠ هـ)، وهو مفتي العراق.

وأشهر رواة المذهب الجديد:

٥) البويطي (ت ٢٣١ هـ)، قال الشافعي: "ليس أحد أحق بمجلسي مـن أبـي يعقـوب" يقصد البويطي.

٦) المزني (ت ٢٦٤ هـ)، قال الشافعي: "المزني ناصر مذهبي"، روى مختصره "مختصر المزني" من كلام الشافعي، وللمزني مؤلفات أخرى، منها "المنثور" و "المـسائل المعتبرة" و"الوثائق" و" العقارب" و"نهاية الاختصار".

٧) الربيع المرادي (ت ٢٠٧ هـ)، قال الشافعي: "الربيع روايتي"، وقال فيـه أيضاً: "أحفـظ أصحابي"، وكان أكثرهم رواية عن الشافعي.

٨) الربيع الجيزي (ت ٢٥٦ هـ).

٩) يونس بن عبد الأعلى (ت ٢٦٤ هـ)، قال الشافعي: "يا أبا الحسن ما يـدخل مـن بـاب المسجد أعقل من يونس بن عبد الأعلى".

١٠) عبد الله بن الزبير الحميدي المكي (ت ٢١٩ ه،)، رفيق الشافعي في رحلته إلى الديار المصرية).

ا١١) محمد بن عبد االله بن عبد الحكم(ت ٢٦٨ هـ)، انتهت إليه الرياسة بمصر.

١٢) حرملة (ت ٢٤٣ هـ) ، صنف "المبسوط في فروع الشافعية" و"المختصر".

ثم انتشر بفضل هؤلاء الفقهاء ورواياتهم عن الإمام الفقه الشافعي في أكثر أنحاء المعمورة، فمن خلال القاضي أبي العباس بن سريج البغدادي انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق، وكـان انتشاره في بعض الأماكن الخاصة، يعود لبعض الفقهاء بعينهم، فمثلا وصل إلى:

* بغداد: عن طريق أبو القاسم عثمان بن سعيد الأنماطي، والذي أخذ الفقه عن الربيع والمزني.

* دمشق: وكان لأبي زرعة محمد بن عثمان بن إبراهيم الثقفي الدمشقي الفضل في إدخال مذهب الشافعي إلى دمشق.

* ما وراء النهر: من خلال القفال الكبير الشاشي، صاحب كتاب "أدب القضاء"، ودرس على يد أبي العباس بن سريج.

* مرو وخراسان: من خلال عبداالله بن محمد بن عيسى المروزي.

* اسفرايين: من خلال أبي عوانة يعقوب بن إسحق بن إبراهيم النيسابوري، وهو ممن أخذ عن الربيع والمزني.

المطلب الثالث :الأغصان

طرق الشافعية

وبعد أن انتشر علم الشافعي في أنحاء المعمورة، بفضل الرواة وتلاميذهم، أخـذ الفقه الشافعي ينحى منحى المدارس، بحيث تميزت الواحدة فيها عن الأخـرى فـي طريقـة عـرض المذهب، ويكون سببها أحد الفقهاء ثم يتبعه الكثير، وذلك على النحو التالى:-

- طريقة العراقيين:

١) أبو حامد الإسفراييني (ت ٤٠٦ هـ)، وهو حامل لواء تلك الطريقـة، شـرح مختـصر المزني في تعليقة، بعنوان "تعليقة على المختصر") ،وتبعه جماعة لا يحصون منهم.

٢) القاضي أبو الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ)، صاحب "الحـاوي الكبيـر" و "الأحكـام السلطانية" و "الإقناع".

٣) القاضي أبو الطيب الطبري (ت ٤٥٠ هـ)، شرح مختصر المزني، ومن تصانيفه أيضاً: "التعليق" و"المجرد" و "شرح الفروع".

٤) القاضي أبو علي البندنيجي (ت ٤٢٥ هـ)، صاحب كتاب "الذخيرة ".

٥) المحاملي (ت ٤١٥ هـ)، ومن تصانيفه: "المجموع" و"المقنع" و "اللباب".

٦) سليم الرازي (ت ٤٤٧ هـ)، ومن كتبه: كتاب "الفروع" و"رؤوس المسائل" و"الكـافي" و"الإشارة".

وبقيت طريقة العراقيين وحيدة في الميدان الفقهي الشافعي، حتى ظهرت:

- طريقة الخراسانيين:

٧) القفال الصغير المروزي (ت ٤١٧ هـ)، حامل لواء تلك الطريقة، ومن كتبـه فـي المذهب: "شرح فروع ابن الحداد" و "شرح التلخيص" و"الفتاوى"، ثم تبعه كثير، منهم:

٨) أبو محمد الجويني (ت ٤٣٨ هـ)، ومن كتبه: "الفروق" و"المختصر" و"التبصرة"، و"السلسلة".

٩) الفوراني (ت ٤٦١ هـ)، ومن كتبه: "الإبانة" و "العمد".

١٠) القاضي حسين (ت ٤٦٢ هـ)، ومن كتبه: "أسرار الفقه" و "الفتاوى".

١١) المسعودي: أبو عبد االله محمد بن عبد الملك المعروف بالمسعودي، شـرح مختصر المزني.

ثم ظهر بعد ذلك من العلماء الذين حملوا فكرة الجمع بين الطريقتين، وسميت مدرستهم بالمدرسة الجامعة، ومن روادها:

١٢) أبو علي السنجي، من كتبه "شرح التلخيص" و"شرح فروع ابن الحداد"، وهو أول من قام بالجمع بين المدرستين.

١٣) الروياني (ت ٥٠٢ هـ)، ومن كتبه : "البحر" و"الحلية" و"المبتدي".

١٤) الشاشي (ت ٥٠٧ هـ)، ومن كتبه: "حلية العلماء" و"المعتمد" و"الترغيـب فـي المذهب" و"العمدة" و"الشافي".

١٥) ابن الصباغ (ت ٤٧٧ هـ)، ومن كتبـه: "الـشامل" و"الطريق السالم" و "الكامل".

١٦) المتولي (ت ٤٧٨ هـ) صاحب "التتمة" إلاّ أنه لم يكمله بسبب وفاته، فأتمه غير واحد، وله أيضا مختصر في الفرائض.

١٧) إمام الحرمين الجويني (ت ٤٧٨ هـ)، ومن كتبه: "نهاية المطلب" و"مختصر النهاية" و"الأساليب في الخـلاف" و"الرسالة النظامية في الكلام".

١٨) الغزالي (ت٥٠٥ هـ)، ومـن كتبـه: "البسيط" و"الوسيط" و "الوجيز" و"الخلاصة" و"إحياء علوم الدين".

المطلب الرابع: الأوراق

تحرير المذهب وتعدد أغراض المصنفين

جاء الإمامان الجليلان الرافعي والنووي، اللذان كان لهما الدور الأكبر في تحريـر المذهب وإرساء قواعده. وكانت أغراض المصنفين من بعدهم في الغالب تدور حـول مؤلفات الرافعي والنووي: شرحاً أو اختصاراً أو حاشيةً.

وأما سبب اهتمام الشافعية لكتب الرافعي والنووي، وبالأخص بكتب النـووي، نفهمـه مـن السؤال الموجه للإمام الرملي، وهو: عما إذا خالف نص الشافعي الجديد ما عليه الشيخان فمـا المعمول به؟ إن قلتم النص؛ فما بال علماء عصرنا ينكرون على من خالف كلام الـشيخين، أو مـا عليه الشيخان؟ فقد صرحا بأن نص الإمام في حق المقلد كالدليل القاطع؟ وكيف يتركانه ويذكران كلام الأصحاب؟ 

فأجاب: "بأن من المعلوم أن الشيخين -رحمهما الله- قد اجتهدا فـي تحريـر المذهب غاية الاجتهاد ولذلك كانت عنايات العلماء العاملين، وإشارات من سبقنا مـن الأئمـة المحققين متوجهة إلى تحقيق ما عليه الشيخان، والأخذ بما صححاه بالقبول والإذعان مؤدين ذلك بالدلائل والبرهان.

وإذا انفرد أحدهما عن الآخر؛ فالعمل بما عليه الإمام النووي في المذهب؛ فما ذاك إلا بحسن النية، وإخلاص الطوية وقد اعترض على الشيخين وغيرهما بالمخالفة لنص الـشافعي، وقد كثر اللهج بذلك؛ حتى قيل: إن الأصحاب مع الشافعي كالشافعي ونحوه من المجتهدين مـع نصوص الشارع، ولا يسوغ الاجتهاد عند القدرة على النص. 

وأجيب بأن ذلك ضعيف؛ فإن هـذه رتبة العوام أما المتبحر في المذهب؛ فله رتبة الاجتهاد المفيد كما هو شأن أصحاب الوجوه الـذين لهم أهلية التخريج والترجيح، وترك الشيخين لذكر النص المذكور لكونه ضعيفاً أو مفرعاً علـى ضعيف.

وقد ترك الأصحاب نصوصه الصريحة؛ لخروجها على خلاف قاعدته، وأولوها كما في مسألة من أقر بحريته، ثم اشتراه لمن يكون إرثه، فلا ينبغي الإنكار على الأصحاب فـي مخالفـة النصوص، ولا يقال: لم يطلعوا عليها، وإنها شهادة نفي بـل الظاهر أنهـم اطلعوا عليها، وصرفوها عن ظاهرها بالدليل، ولا يخرجون بذلك عن متابعة الشافعي كما أن المجتهد يصرف ظاهر نص الشارع إلى خلافه لذلك، ولا يخرج بذلك عن متابعته وفي ذلك كفاية لمن أنصف" انتهى.

في حين أن بعض الفقهاء قد ألّف متوناً مختصرة من فقه الشافعي، معتمداً على ما دُوّنَ مـن جهود العلماء السابقين، وذلك ما سنراه في التفصيل التالى:-

- الإمام الرافعي (ت ٦٢٣ هـ)، قام بخدمة كتاب "الوجيز" للغزالي، من خلال:

١) شرح الوجيز شرحاً كبيراً سماه "العزيز"، وله شرح صغير في كتاب لم يسمه.

٢) اختصره في كتاب وسماه "المحرر".

- الإمام النووي(ت ٦٧٦ هـ)، قام بخدمة كتابي الرافعي السابقين، من خلال:

٣) اختصر "المحرر" في كتاب سماّه "المنهاج" أو "منهاج الطالبين".

٤) اختصر "العزيز" في كتاب سماه "الروضة" أو "روضة الطالبين".

وللإمام النووي مؤلفات أخرى في الفقه الشافعي منها:

٥) التحقيق، يعتبر أول كتب النووي اعتمادا عند اختلاف النقل عنه، ثم:

٦) المجموع شرح المهذب، ثم ٧) التنقيح، ثم ٨) الروضة، ثم ٩) المنهاج، ثم ١٠) الفتاوى.

١١) شرحه لصحيح مسلم.

ثم ١٢) تصحيح التنبيه، ثم ١٣) نكت التنبيه.

وفي ذلك قال ابن حجر الهيتمي في "تحفته": الغالب تقديم ما هـو متتبـع فيـه كـالتحقيق؛ فالمجموع فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة فالمنهاج ونحو فتاواه فشرح مسلم فتـصحيح التنبيه ونكته".

ثم جاء بعد ذلك خدمة الأثر المتمثل في كتب الرافعي والنووي كما يلي:

- المحرر للرافعي:

١٤) شرحه القاضي الحصكفي(ت ٨٩٤ هـ)، في كتابه المسمى "كشف الـدرر فـي شـرح المحرر".

- العزيز للرافعي:

١٥) اختصره القزويني(ت ٦٦٥ هـ) في كتابه المسمى "الحاوي الصغير".

- المنهاج للنووي

انكب العلماء على خدمة المنهاج؛ مما يدل على قيمته في المذهب، وتلك الجهود انصبت على الشرح، والاختصار، فمن شروح المنهاج:

١٦) الابتهاج" للتقي السبكي (ت ٧٥٦ هـ)، لم يكتمل فأكمله ابنه بهاء الدين (ت ٧٧٣ هـ).

١٧) "كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين" للمحلي (ت ٨٦٤ هـ).

١٨) "قوت المحتاج" للأذرعي (ت ٧٨٣ هـ).

١٩) "الغنية" للأذرعي أيضاً.

٢٠) "شرح المنهاج" للسنكلومي (ت ٧٤٠ هـ).

٢١) "الإشارات إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والمعاني واللغات" لابـن الملقن (ت ٨٠٤ هـ).

٢٢) "الفروق" للأسنوي (ت ٧٧٢ هـ).

٢٣) "تصحيح المنهاج" للبلقيني (ت ٨٠٥ هـ).

٢٤) "الإبهاج" لابن النصيبي (ت ؟).

٢٥) "التاج في إعراب مشكل المنهاج" للسيوطي (ت ٩١١ هـ)

٢٦) "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج " للشربيني (ت ٩٧٧ هـ).

٢٧) "شرح المنهاج" للحصني (ت ٨٢٩ هـ).

٢٨) "نظم المنهاج" للطوخي (ت ٨٩٣ هـ).

٢٩) "النجم الوهاج" للدميري(ت ٨٠٨ هـ)، لخصه من شرح السبكي والإسنوي.

٣٠) "إرشاد المحتاج إلى توجيه المنهاج" ، و"بداية المجتهد" للأسدي (ت ٨٧٤ هـ).

٣١) "هادي أو مغني الراغبين إلى منهاج الطالبين"، لابن قاضي عجلون(ت ٨٧٦ هـ).

٣٢) "المشرع الروي في شرح منهاج النووي" للمراغي (ت ٨٥٩ هـ).

٣٣) "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" لابن حجر (ت ٩٧٤ هـ).

٣٤) "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرملي (ت ١٠٠٤ هـ).

وهناك من العلماء من شرح المنهاج أيضا ولم تشتهر أسماء كتبهم، ومنهم:

٣٥) شرح الغزي (ت ٧٧٩ هـ).

٣٦) وشرح الحسيني (ت ٥٧٨ هـ).

٣٧) وشرح ابن قاضي شهبة (ت ٨٥١ هـ).

ومن مختصرات المنهاج:

٣٨) اختصره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري)(ت ٩٢٦ هـ) في كتابه: "المـنهج" أو"مـنهج الطلاب".

٣٩) اختصره أبو حيان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ) في "الوهاج في اختصار المنهاج".

- الروضة للنووي:

وقد خدم بأكثر من صورة، منها :

٤٠) شرح الزركشي(ت ٧٩٤ هـ) الروضة في "خادم الرافعي والروضة".

٤١) والأذرعي (ت ٧٨٣ هـ) في "التوسط والفتح بين الروضة والشرح",

٤٢) والأسنوي (ت ٧٢٢ هـ) في "المهمات"، و"المبهمات على الروضة".

٤٣) واختصر ابن المقري (ت ٨٣٧ هـ) الروضة في كتابه المشهور: "الروض".

٤٤) واختصر السيوطي (ت ٩١١ هـ) الروضة أيضا في "الغنية" مع زوائد كثيرة.

٤٥) ثم نظم السيوطي الروضة في كتاب آخر، سماه "الخلاصة".

٤٦) وحاشية ابن العماد (ت ٨٠٨ هـ) وهي على المهمات للأسنوي.

٤٧) وللبلقيني (ت ٨٠٥ هـ) عدة حواشٍ على الروضة.

- وأما "الحاوي الصغير "للقزويني"، والذي هو مختصر "العزيز" للرافعي، فخدم كما يلي:

٤٨) أتى ابن الوردي (ت ٧٤٩ هـ) ونظم "الحاوي الصغير" في كتاب سماه "البهجة الوردية"، وهي خمسة آلاف بيت.

٤٩) وأتى ابن المقري (ت ٨٣٧ هـ)، واختصر الحاوي الصغير إلى "الإرشـاد".

- ومـن شروح الإرشاد:

٥٠) شرح ابن حجر الهيتمي، في "فتح الجواد".

٥١) وشرح ابن حجر الهيتمي في " الإمداد في شرح الإرشاد".

-الروض لابن المقري مختصر الروضة للنووي:

٥٢) شرحه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت ٩٢٦ هـ) في كتاب سماه "أسنى المطالبفي شرح روض الطالب".

· المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري:

٥٣) اختصره نفس الشيخ في كتاب سماه "فتح الوهاب".

· ونذكر في ما تبقى بعض الكتب المهمة، وعلاقتها بغيرها أو غرضها:

٥٤) جمع الزركشي (ت ٧٤٩) المسائل التي ذكرها الشيخان: الرافعي في شرحه للوجيز والنووي في روضته في كتاب واحد سماه "خبايا الزوايا".

٥٥) وضع الشيخ عبد االله بافضل الحضرمي (ت ٩١٨ هـ) متنًا في الفقه، واقتـصره في علـى العبادات سماه "المقدمة الحضرمية".

٥٦) شرح ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ هـ) المقدمة الحضرمية في "المنهج القويم بشرح مـسائل التعليم".

٥٧) وضع الماوردي (ت ٤٥٢ هـ)كتاباً مختصراً من مذهب الشافعي وسماه "الإقناع فـي الفروع".

٥٨) وضع الشيخ أبو شجاع الأصفهاني متنًا في الفقه، اشتهر بـ" متن أبي شجاع"، أو"الغاية في الاختصار" ، وكان عليه عدة شروح منها:

٥٩) "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني.

٦٠) الإقناع" للمنوفي (ت ٩٣١ هـ).

- وهناك من الحواشي ما يصعب حصرها، نذكر منها:

٦١) حاشية البجيرمي (ت ١٢٢١ هـ) على شرح الخطيب، وهي على شرح الإقناع للخطيب الشربيني.

٦٢) حاشية الشبراملسي (ت ١٠٨٧ هـ) على نهاية المحتاج للرملي.

٦٣) حاشية الرشيدي (ت ١٠٩٦ هـ) على نهاية المنهاج للرملي أيضاً.

٦٤) حاشية الإمام عبد الحميد الشرواني على التحفة.

٦٥) حاشيتا قليوبي (ت ١٠٦٩ هـ)، وعميرة (ت ٩٥٧ هـ) على شرح المحلي للمنهاج.

٦٦) حاشية علي الزيادي (ت ١٠٢٤ هـ) على شرح المنهج لزكريا الأنصاري.

المطلب الخامس: الثمار

(الكتب الخمسة المشهورة)

ذكر النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" الكتـب المشهورة والمتداولة بـين الشافعية، ومن كلامه: "وقد جمعت في هذا النوع كتابا سميته (تهذيب الاسماء واللغات)، جمعـت فيه ما يتعلق بمختصر المزني والمهذب والوسيط والتنبيه والوجيز والروضة الذى اختصرته مـن شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي رحمه االله" ، ثم قال": وخصصت هذه الكتب بالتصنيف؛ لأن الخمسة الأولى منها مشهورة بين أصحابنا يتداولونها أكثر تداول، وهـى سـائرة فـى كـل الأمصار، مشهورة للخواص والمبتدئين فى كل الأقطار، مع عدم تصنيف مفيـد يستوعبها".

وعليه فترتيبها على النحو التالي:-

١) "مختصر المزني" (ت ٢٦٤ هـ). 

قال المزني -رحمه االله-، وهو أول من صنف في مذهب الشافعي في مقدمة كتابه: "اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله لأقربه علـى من أراده مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه".

ومن الذين خدم ذلك المختصر الإمام الماوردي، عندما شرحه فـي كتابـه المـشهور: "الحاوي الكبير".

٢) المهذب" للشيرازي" (ت ٤٧٦ هـ).

ذكر الشيرازي منهجه في كتابه قائلاً: "هذا كتاب مهذب أذكر فيه إن شاء االله تعالى أصـول مذهب الشافعي  -رحمه االله -بأدلتها وما تفرع على أصوله من المسائل المشكلة بعللها".

وقد خدم الإمام النووي ذلك المهذب عندما شرحه في كتابه المعروف "المجموع"، والذي لم يكتمل كما هو معروف.

٣) التنبيه" للشيرازي (ت ٤٧٦ هـ):

وهو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية، وأكثرها تداولا كمـا صـرح بـه النووي في تهذيبه، وقد خدم النووي التنبيه في شرحه له في كتابه المشهور "تحرير ألفاظ التنبيه"، بقولـه فـي مقدمته: "فإن التنبيه من الكتب المشهورات النافعات المباركات المنتشرات الشائعات؛ لأنه كتـاب نفيس حفيل صنفه إمام معتمد جليل فينبغي لمن يريـد نصح الطالبين وهداية المسترشدين، والمساعدة على الخيرات والمسارعة إلى المكرمات؛ أن يعتني بتقريبه وتحريره وتهذيبه ومن ذلك نوعان أهمها: ما يفتى به به من مسائله وتصحيح ما ترك المصنف تصحيحه أو خولف فيه أو جزم به خلاف المذهب أو أنكر عليه من حيث الأحكام وقد جمعت ذلك كله في كراسة قبل هـذا، والثاني: بيان لغاته وضبط ألفاظه وبيان ما ينكر مما لا ينكر والفصيح من غيره".

٤) الوسيط" للغزالي (ت ٥٠٥ هـ):

وهو مختصر من كتابه "البسيط"، ويعتبر ذلك الكتاب واحداً من أهـم كتـابين فـي فقـه الشافعي، كانت شغل الدارسين وبحث المحصلين، أما الثاني: فهو "المهذب"، وفي ذلك قال الإمام النووي: "ثم إن أصحابنا المصنفين -رضي االله عنهم أجمعين- ، وعن سائر علماء المـسلمين، أكثروا التصانيف كما قدمنا، وتنوعوا فيها كما ذكرنا، واشتهر منها لتدريس المدرسين، وبحث المشتغلين: المهذب، والوسيط، وهما كتابان عظيمان صنفهما إمامان جليلان: أبو إسـحاق  إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، وأبو حامد محمد بن محمد الغزالي رضـي االله عنهمـا، وتقبل ذلك، وسائر أعمالهما منهما. وقد وفر االله الكريم دواعي العلماء من أصحابنا رحمهم الله تعالى الاشتغال بذينك الكتابين؛ وما ذاك إلا لجلالتهما، وعظم فائدتهما، وحسـن نيـة ذينـك الإمامين، وفي هذين الكتابين دروس المدرسين، وبحث المحصلين المحققين، وحفظ الطـلاب المعتنين فيما مضى، وفي هذه الأعصار، في جميع النواحي والأمصار".

٥) "الوجيز" للغزالي (ت ٥٠٥ هـ): (ت ٥٠٥ هـ):

وهو مأخوذ من البسيط والوسيط له، وكان محور الدراسة من قبل المتأخرين عنه.

الخلاصة والنتائج:

١-كتب الشافعية عبارة عن أربع حلقات متصلة:

الأولى: كتب الإمام الشافعي نفسه، وأصحابه: كالمزني والبويطي.

والثانية: كتب إمام الحرمين الجويني وتلميذه الغزالي.

والثالثة: كتب الشيخين: الرافعي والنووي.

والرابعة: كتب أصحاب: الشروح والحواشي والمتأخرين.

٢- أهم كتابين في فقه الشافعية، والتي شغلت الدارسين وبحث المحصلين: "المهذب" للشيرازي و"الوسيط" للغزالي.

٣-الكتب الخمسة المشهورة والمتداولة بين الشافعية هـي: "مختصر المزني" و "المهذب للشيرازي" و "التنبيه للشيرازي" و "الوسيط" و "الوجيز" وكلاهما للغزالي.

٤-هناك تسلسل فريد في كتب الشافعية، يجعل القلب مطمئناً لسلامة ارتباطها بالمؤسس الإمـام الشافعي، يظهر في أن المزني ألف "مختصره" من كلام الشافعي، والذي شرحه إمام الحرمين الجويني في "نهايته"، ثم اختصر الغزالي  كتاب "النهاية" في "البسيط"، ثم من "البسيط" إلى "الوسيط"، ومن "البسيط والوسيط كان "الوجيز"، ثم جاء الرافعي مختصراً "الوجيز" إلى "المحرر"، ثم ليختصره النووي إلـى "المنهاج"، ثم شرح الرافعي أيضاً "الوجيز" في "العزيز"، ثم ليختصره النووي إلى "الروضـة"، حتـى جاء خير خلف لخير سلف، رأسهم الإمامان ابن حجر والرملي، من خـلال شـروحهما علـى المنهاج للنووي.




لباس الرسول والصحابة والصحابيات مع نبذة من عيش النبيّ وصحابته الكرام محمد يونس عبد الستار بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

لباس الرسول والصحابة والصحابيات

مع نبذة من عيش النبيّ وصحابته الكرام

محمد يونس عبد الستار

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: من رحمة الله بنا أنه خلق لنا ما نستر به عوراتنا، وما يحمينا من برد الشتاء، وحر الصيف، وبأس الحرب، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَم قد أنزلنا عَلَيْكُم لِباسا يُوَارِي سَوءَاتِكُم وَريشاً}، ثم جعل خير ما يلبسه المرء في دنياه تقوى الله عز وجل، {وَلِبَاسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلك من آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف: ٢٦)؛ قال القرطبي رحمه الله: بيّن سبحانه أن التقوى خير لباس، ولباس التقوى (هو) الحياء، وقال ابن عباس: هو العمل الصالح، وقيل: لباس التقوي: لبس الصوف والخشن من الثياب، مما يتواضع به لله تعالى ويتعبد له، وهو خير من غيره.

وهو في ذلك يُحذرنا من التشبه بالمشركين في لباسهم، أو التشبه بالنساء وما في معناهم من الشواذ والمخنثين، وحذرنا كذلك من لباس الشهرة، واللباس الذي فيه خرم المروءة، وكما لا يخفى على أحد أنه انتشر في السنوات الأخيرة مظاهر خلل كبير في أمر اللباس، وبدأت الأسواق تلفظ ألواناً من الألبسة السيئة، والعباءات المتبرجة، وللأسف رأينا من أشباه الرجال من يلبس تنانير النساء، بل تزايد الأمر مع ظهور الشواذ، الذين يضعون المكياج النسائي، ويلبسون لباس النساء.

ثم تزايدت هذه المخالفات الشرعية وعرفها كثير من النساء بسبب الجهل، وأصبح نقص الوعي في أحكام اللباس سيمة عامة بين الرجال والنساء؛ حتى بين كثير من الملتزمين، وكل هذا يستدعي هذا النوع من الكتب التي تعالج مثل هذه الظواهر الكارثية والخطيرة.

وهذا الكتاب يحدثنا عن صفة لباس النبيّ صلى الله عليه وسلم، والذي هديه أفضل الهدي، ولباسه ولبسه أحسن اللباس، والذي كان زينةً للثياب، بل زينةً للدنيا كلها، صلوات ربي وسلامه عليه، حتى وصفه أصحابه بأنه أجمل من القمر ليلة البدر، لم يقتصر الكتاب على لبس القماش، بل إنه ذكر لبس الخواتم، والخفاف، والنعال، والخوذ، والدروع، وغير ذلك، وفي هذا حثٌّ على اقتفاء هديه، والتماس آثاره حتى في اللباس.

وأعق ذلكه ذكر لباس أصحابه من الرجال والنساء، الذين كانوا أشدَّ الناس اتباعاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأشدهم حرصاً على امتثال أمره، واجتناب نهيه، 

 وقسم المؤلف كتابه إلى بابين رئيسين: 

الباب الأول مشتمل على (٤) فصول: 

الفصل الأول: أهمية السنة المطهرة في ضوء الكتاب والسنة، وذلك للترغيب فيها واختيارها في جميع شئون الحياة. 

والفصل الثاني: صفة لباس الرسول والصحابة رضي الله عنهم وآداب لبسه.

 والفصل الثالث: فصل هام جداً: في لباس الصحابيات وهو خاص بلباس النساء وزينتهن، وفيه صفة لباس الصحابيات رضي الله عنهن، واجتنابهن التبرج، لكي يسهل على بنات الإسلام الإقتداء بهن، لأنهن: إما أمهات أصحاب الرسول أو بناته، أو أزواجه، وقد قال تعالى في شأنهم: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} (التوبة: ١٠٠). 

والفصل الرابع: صفة لباس أهل الجنة وحليهم ومناديلهم وفرشهم وسررهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم وآرائكهم وغير ذلك من حسن الجنة وجمال أهلها من الرجال والنساء.

والباب الثاني: نبذة من عيش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، بالإضافة إلى جملة من الفصول المهمة المتعلقة بالزينة والتبرج والاختلاط ونحو ذلك.

لباس النبيّ صلى الله عليه وسلم في سؤال وجواب (١٦) سؤالاً:

١) هل لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم العمامة، وما لونها؟

نعم، لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم العمامة، وكانت عند عمامة تُسمى "السحاب"، وألبسها علياً بن أبي طالب، وكان يلبس تحتها القلنسوة، وأحياناً يضع القلنسوة فوقها، وأحياناً لا يلبسها وحدها دون قلنسوة، وفي الخديث عن جابر، قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء)، وفي روايةٍ: (قد أرخى طرفيها بين كتفيه).

٢) ما هي الأشياء التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبسها؟

لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم القميص: وهو اسم لما يلبس من مخيط الثياب، وله كمان وجيب، وكان من القطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين إلى الرسغ، وهو أحب الثياب إليه؛ لحديث أم سلمة: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص).

ولبس الجبة (وهي رداء مفتوح الصدر إلى الذيل، وكان يُصنع من الصوف أو الكتان)، ومنها الجبة الشامية أو الرومية، وكانت ضيقة الكمين، لخبر المغيرة بن شعبة: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، توضأ وعليه جُبّة من صوف -شامية، وكان ذلك في غزوة تبوك).

ولبس الحلة -وهي البدلة -(وهي الثوب المجتمع من الإزار -وهو ما يوضع على أزر الإنسان أي وسطه وكشحه- وكان إزاره غليظاً من القطن، والرداء -وكان خشناً غليظاً أيضاً)، وسُمي حُلةً لأن أحدهما يحلُّ على الآخر، ودل على ذلك حديث البراء بن عازب، وأو رمثة التيمي (أنهما رأيا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ولبس المِرط (وهو العباءة من الشعر)، لحديث عائشة (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخرج ذات غداة، وعليه مرط من شعر أسود).

ولبس البُرود (وهي الشملة منسوج في حاشيتها)، وتُسمى الشملة وهي ما يلتحف بها، وتُسمى العباءة، وكانت تُصنع ربما من القطن، أو الصوف، أو الكتان، 

ولبس الخميصة (وهي كساء من صوف مربعة الشكل، لها أعلام تشبه الزركشة في الثوب)، ولبس السراويل (وكان يشتريها ويلبسها)، والقباء (وهو ما له شقٌّ من خلفه، ويُسمى الفرجية؛ لأنه مُفرّج الظهر)،  ولبس المستقة (وهي الفراء طويلة الأكمام).

٣) ما هي الألوان التي لبسها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟

كان أكثر لباس النبيُّ صلى الله عليه وسلم البياض، وكان يحث على لبسه؛ فقال: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)، ولا شك أن الثياب البيض تدل على النقاء والطهارة، وتكسب المرء المحبة والهيبة، وفي رواية: (فإنها أطهر وأطيب)، وهي أبعد الألوان علن الخيلاء، ولبس كذلك حُلة حمراء أي عليها خطوط حُمر، وثبت ذلك في حديث البراء بن عازب، وأبي جحيفة، وعمامة سوداء، لحديث جابر، وبردان أخضران أي عليها خطوط خُضر، لحديث أبي رمثة، والثوب الأسود، لحديث عائشة، والخميصة المعلمة لخبر ابن عباس، والساذجة (ليس بها نقش).

٤) هل يجوز لبس الثياب التي عليها صورة؟

نعم يجوز؛ إذا كانت الصورة مما لا روح فيه؛لحديث عائشة: (أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مرط مُرحّل-ثوب عليه صورة الرحل-من شعر أسود)، والرحل هو ما يوضع على البعير.

٥) ما حكم إسبال الثياب وما في معناها من الملبوسات؟

ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (من جرّ ثوبه خُيلاء -وفي رواية (عُجباً وبطراً) -لم ينظر الله إليه يوم القيامة)؛ فقال أبو بكر: يا رسول الله: إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال: (إنك لست ممن يفعله خُيلاء).

فالوعيد في هذا الحديث يتناول من جر ثوبه خيلاء، أي: كبراً على الناس وإعجاباً بنفسه، ولا يقتصر الأمر على إسبال الإزار، بل يتعدى ذلك إلى القميص والعمامة وكل ما يلبسه الإنسان؛ لحديث ابن عمر أيضاً: (الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جرّ ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة).

٦) من أراد أن يرفع إزاره إلى كم يرفعه؟

يرفعه إلى نصف الساق، وهو الأكمل، وإلى حذو الكعبين وهو القدر الجائز، وما فوق ذلك مكروه، لحديث جابر بن سُليم، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعهد إليّ! فكان مما أوصاه: (وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين).

٧) ما حكم إسبال الإزار في الصلاة؟

إسبال الإزار في الصلاة مكروه، لحديث أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً مُسبلاً إزاره؛ فأمره بالوضوء، فتوضأ، ثم جاء -وهو مُسبل -فقال له: اذهب فتوضأ، ولما سئل عن ذلك؛ قال: (إنه كان يُصلي وهو مُسبلٌ إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مُسبل)، قلت (محمد): ولعل إسباله كان سبباً في عدم إسباغه الوضوء.

٨) ما حكم إسبال الثوب للنساء؟

لما سمعت أم سلمة حديث (من جرّ ثوبه خُيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، قالت: فكيف يصنع النساء بذيولهنّ؟ قال: (يُرخينه شبراً)، قالت: إذن تنكشف أقدامُهنَّ، قال: (فيُرخينَه ذراعاً لا يزدن)، واستدل بهذا الحديث من يرى أن القدمين ليستا بعورة.

٩) هل يجوز للإنسان أن يتميز بلباسه دائماً عن الناس؟

لا يجوز، لحديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها).

١٠) هل أمر الإسلام بلبس الثوب البالي والمزري بالإنسان، حتى يكون ذلك أدعى لزهده وتقشفه؟

لا، بل أمر الإسلام بالتجمل في الملبس، من باب إظهار النعمة، لا تكبراً على الناس، وفي نفس الوقت أمر بلباس عامة ما يلبسه الناس، فلا يتميز عليهم. لخبر: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده

١١) ما حكم لبس الحرير والذهب؟

الحرير والذهب لبسه مباح للنساء، محرم على الرجال، لحديث  علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً، فجعله في يمينه، وذهباً فجعله في شماله، ثم قال: (إن هذين حرام على ذكور أمتي)، ولخبر عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)، وفي حديث حذيفة: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه).

١٢) هل يجوز لبس الحرير لمن به حكة من الرجال؟

نعم، فقد رخص النبيُّ صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف، بلببس الحرير، لحكةٍ كانت بهما، ويجوز أيضاً لابسه لمن لا يجد ثوباً يستر عورته، ويكون في حقه رخصة.

١٣) هل يجوز لبس جلد النمور، أو افتراشها، والصلاة عليها، أو الركوب عليها؟

لا يجوز، وذلك مكروه، لأن فيه نوع من الكبر، وفي الحديث: (لا تركبوا الخز ولا النمار)، وفي خبر آخر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع).

١٤) ما هي النعال السبتية، وما سبب تسميتها بذلك؟

قيل، هي المدبوغة، أو التي نُزع عنها الشعر بالحلق ونحوه، وسُميت بذلك من السبت وهو القطع، وقيل لأنها تسبتت بالدباغ، أي: لانت، ولبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم النعال المخصوفة، أي: المخيطة والمخروزة، وقيل: المرقعة.

١٥) ما الحكمة من الأمر بالانتعال في كلا القدمين، والنهي عن المشي في نعل واحدة؟

ذكر العلماء حكماً كثيرةً لذلك، أبرزها:

-أنه يحتاج لأن يتوقى للأخرى من الشوك والحصا، وما قد يلقاه في الطريق، وهذا يخرجه عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار.

-لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نُسب فاعل ذلك إلى اختلال العقل، وضعف الرأي.

-لأنها مشية الشيطان، وقد أخرج بها عن حد الاعتدال.

-لأنها مشية الشهرة، لما تلفت الأنظار إليه، وقد نهى النبيُّ عن لباس الشهرة.

١٦) من لبس ثوباً جديداً، ماذا يقول؟

يقول الدعاء الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)، أما إذ كان الثوب قديماً؛ فيُسمي الله تعالى، ستراً ما بينه وبين أعين الجن، ويندب له أن يقول: (بسم الله الذي لا إله إلا هو). 


























الأحد، 2 يوليو 2023

الحسين بن منصور الحلاج (شهيد الصوفية) طه عبد الباقي سرور بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الحسين بن منصور الحلاج (شهيد الصوفية)

طه عبد الباقي سرور

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: أن المأساة الحقيقية هي أن يأتي الكاتب بشخصية لا قيمة لها في التاريخ، وينسج حولها أساطير فاتنة، محاولاً تزييف الحقائق، والتهوين من أفكار رجلٍ، حاول الانقلاب على الخلافة السُّنية، مع ما يحمله ويبثه من الأفكار الإلحادية، وترك المئات بل الآلاف من مآسي المسلمين الفردية والجماعية، في بلاد المشرق والمغرب، وأسوأ من ذلك تصوير الخلافة العباسية برمتها -وهي في أوج مجدها- بمنظر المضطهد للحريات، وقامع الأفكار، وهذا الأمر غير صحيح غالباً.

ثم تصوير العباسيين ألعوبة في يد الحنابلة وحدهم، مع تغييب تام لأرباب المذاهب الأخرى، وكأن الأمر لا يتعلق بهم، فإذا كان الأمر كذلك فلم يفتى علماء ذلك العصر بكفر الحلاج وقتله، ليلقى مصيره الأسود، مقتولاً مصلوباً على جسر بغداد، سنة ٣٠٩ هـ.

ولا شك أن القارئ فهم السبب وراء تلفيق تهمة التكفير للحنابلة، ليكون صوغ المبررات أكثر ظاهرية وبعيداً عن التأويلات، مما يسهل الأمر أمام قفل الوجدان والضمير الذي يتمتع به هؤلاء المدسوسون، ولعلكم عرفتم وجه الربط بين الحنابلة والحقد على المتصوفة من وجهة نظر المؤلف الفصيح، وغيره ممن جاء بعده.

ولك أن تتصور اتفاق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأنهم أجمعوا على قتله وصلبه، وقال أبو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل، وغبياً يتبالغ، وخبيثاً مدعياً، وراغباً يتزهد، وفاجراً يتعبد.

يقول ابن تيمية رحمه الله: "ومن اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإنَّ المسلمين إنما قتلوه على الحلول والإتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله:"أنا الله" 

يقول ابن تيمية: "وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض : الله، الله! وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب؛ فقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء-وقد شهد مقتله-وكما ذكر إسماعيل بن على الخطيب في تاريخ بغداد- وقد شهد قتله-وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه، وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبو بكر بن الطيب، وأبو محمد بن حزم وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني، وأبو الفرج بن الجوزي، فيما جمعا من أخباره ".

لم يكن الحلاج نبئاً عظيماً كما يُصور الكاتب، ولا هو بطل الناموس الخارق لقوانين الطبيعة، ومهما وضع المغرورين من هالات التقديس والخطوط المضيئة حول هذه الشخصية الرديئة، والمفعمة بالتناقضات فلن يغيروا من الحقيقة شيئاً، أما الحسين بن منصور الحلاج؛ فقد أبان عن معتقده على الملأ، ليكون أول من يبتدع عقيدة الاتحاد والامتزاج بالله.

ولكن لماذا الحلاج وتراث الحلاج بالذات؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نجد أن الكاتب قد أتقن الربط بين الحلاج ومعاصريه من المتصوفة، ليتبين لنا ثلاثة أمور:

الأول: حالة النفاق المستشرية في قادة التصوف، والتقية التي مارسها كثيرٌ منهم، مما جعل بعضهم يكتم عقائده، فالحلاج كان زميلاً وصاحبًا لكبار رجال التَّصوف المشهورين في القرن الثالث كالجنيد البغدادي والشبلي؛ فالجنيد نفسه قد أرسل إليه عندما حكم عليه بالقتل والصلب يقول: "أنك أفشيت أسرار الربوبية فأذاقك طعم الحديد" ! وأما الشبلي فيقول: "كنت أنا والحسين بن منصور الحلاج شيئًا واحدًا غير أنه تكلم وسكت أنا " .

الثاني: أن منهج التصوف إبان نشأته وحتى القرن الخامس كان واحد، ومآله في السير إلى كان إلى الإلحاد والزندقة، حتى أنقذه الغزالي، وفي السابق لم يكن هناك اختلاف في المنهج بين ما تم اختراعه لاحقاً من تقسيم للتصوف إلى سني وفلسفي، وأن كلا الأمرين مرجعهما واحد، والأهم من ذلك كما يقول الكاتب: أن فرق التصوف إنما نشأت على وقع نغمات الحلاج ودعواته.

الثالث: التلون العجيب لهذه الفرقة، بحسب مصلحة التخفي والظهور، وكان هذا في أول الأمر حيلة من حيل عصمة دماء هؤلاء، وقد حاول ا إفساد الإسلام، لكن الله قتلهم، قال أبو الفرج بن الجوزي : "كان الحلاَّج متلوناً تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم : إن كانوا أهل سنة، أو رافضة، أو معتزلة، أو صوفية، أو فساقاً، أو غيرهم".

أما الإجابة الواضحة عن العناية البالغة التي نالها هذا الرجل في الأعصار المتأخرة، وهذا التمجيد الكبير،فهي ارتباط أفكار هذا الرجل بأفكار الإلحاد والغنوصية، التي تدمج بين الثقافات الغير إسلامية -والوثنية بالأحرى -مع العقائد الإسلامية، وهذا الاهتمام يأتي ضمن تمجيد النصارى لعقيدة الصلب والفداء، والتي كان الحلاج صورة من صورها بحسب اعتقاد المستشرقين، الذين أظهروا صورة الرجل في صورة البطل الأسطوري، واتفاق ذلك مع ما كان يدعو إليه من الاتحاد، والذي ينطبق تماماً على قصة النصارى مع المسيح عليه السلام.

وقد ذكر إسماعيل بن علي الخطيب البغدادي في (تاريخه) الحلاج، وقال فيه: وظهر أمر رجل يقال له : الحلاج الحسين بن منصور، وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس، من جهات تشبه الشعوذة والسحر، وادعاء النبوة، وترقى به الأمر إلى أن ادعى الربوبية، وسعى بجماعة من أصحابه إلى الخليفة فقبض عليهم ووجد عند بعضهم كتب تدل على تصديق ما ذكر عنه، وأقر بعضهم بذلك بلسانه، وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله . فأمر الخليفة بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمره أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرى في ذلك خطوب طوال، ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر عنه، وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء فأمر بقتله وإحراقه بالنار .

وإذا عُرف السبب بطل العجب، فاعتقد في الحلاج ما شئت من خير أو شر؛ فلن تُسأل عنه، ولكن لن يُعفيك الله من اعتقاد صحة كلام هذا الرجل في الكفر، ولن يُعفيك في تفضيله على كثير من الصالحين من عباد الله، سيما وأن الرجل في أقصى حدوده مختلف في إسلامه؛ أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ والذي ندين به في الأحكام الربانية والشرائع الإلهية، أن الحلاج كافر زنديق، وأن قتله كان جزاء ردته وشعبذاته، وأنه يستحق ذلك، ويحرم اعتقاد أنه ولي من أوليائه الله، أو تقديسه، أو تمجيده، بل هو خارج عن شريعة الله، والله المستعان.