أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 20 مايو 2023

ماذا يعني انتمائي للقسام د. أحمد البشيتي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ماذا يعني انتمائي للقسام

د. أحمد البشيتي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب الوجيز، بمحاوره الثلاثة عشر، يجسد العقيدة العسكرية لأكبر جيش مقاوم على الأرض الفلسطينية، والذي يقدر عدده بالآلاف، ولعل الغرض الأساس من وضعه هو تعزيز الانتماء لهذا الجيش، ولحركته السُّنيّة التي انبثق عنها، ليكون الانتماء هو المفهوم الأوسع والأكثر شمولاً من مجرد الانضمام والقتال في صفوف هذا الجيش، فالانتماء يشمل المحبة الصادقة، والدعم المستمر، والنصرة في سبيل تحرير هذه الأرض، وعلى ذلك فإن قضية الانتماء هي قضية عقدية بامتياز، ولا يعذر فيها أحد.

أما السياق الموضوعي للكتاب، فهو إعادة هيكلة وترتيب للقاعدة الإيمانية لدى جيل النخبة وطلائع المجاهدين في كتائب القسام، وهو مساهمة متواضعة في تعزيز العقيدة العسكرية والفكرية والروحية والثقافية في هذا الجيش، الذي له الخبرة العميقة، والرصيد الجهادي الضخم، وذلك في كافة المجالات والمستويات، باعتباره جزءاً من حركة النهضة الإسلامية، والتعبير العملي عن تيار شعبي واسع ومتجذر في الشعب الفلسطيني.

ولا شك أن طرق مثل هذه المواضيع أمرٌ في غاية الأهمية، حيث يجعل عقيدة هذه الطائفة أكثر وضوحًا واستنارة، سيما مع كثرة المتخاذلين والمغيبين من علماء وأفراد هذه الأمة، ولذا ينبغي على الحركات الجهادية في فلسطين أن تعنى به عناية إضافية، وتدخل إلى الترغيب فيه من أبواب متعددة.

والناظر لكتائب القسام يجدها تمثل النموذج الحقيقي للمقاومة الإسلامية بوجهها السُّني المعتدل، وهي الامتداد المشرق لجهاد العالم الكبير عز الدين القسام، وهي أيضاً ثمرة من ثمار الحركة الجهادية لجماعة الإخوان المسلمين، المتصلة بسلسلة المعارك المشرفة التي خاضتها هذه الأمة في وجه كل ما أراد النيل من مقدارتها، والسيطرة على أرضها.

ملخص الكتاب…
____________________________________________

أولاً: رواسخ الاعتقاد في الانتماء عقيدة وشريعة:

۱) غاية الوجود:

نؤمن بأن الله تبارك وتعالى، لم يخلق الكون عبثاً ولا سدى، بل خلقه لغاية وهدف، وهي معرفته سبحانه، وطاعته وعبادته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﷺ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا ليَعبُدُونِ}، وَأَنْ تكون هذه العبادة مقرونة بالإخلاص الله وحده، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.

۲) تشریع کامل:

نؤمن بأن الإسلام منهج متكامل، وتشريع شامل، لكل مجالات الحياة، فهو إيمان وعمل، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكر وعاطفة، أخلاق وعُمْران، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

۳) مهمة الرسل:

نؤمن بأن الله تبارك وتعالى قد أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ لتعريف الناس به، وبغاية خلقهم ومَنْشَئِهِمْ ومعادهم، وأن خاتمهم هو محمد الله المؤيد بالقرآن الكريم المعجزة الخالدة: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.

٤) عقيدة الجزاء:

نؤمن بالجزاء من الله سبحانه وتعالى، كل إنسان حسب عمله وكسبه، فجزاء المؤمن المحسن الجنة، وجزاء الكافر النار {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}، ولابد لعقيدة الجزاء أن في نفوس المجاهدين، فهي التي تدفعهم للبذل والعطاء، حيث يوقن المجاهد أن بذله وجهاده مرصود له عند ربه، محسوب في ميزان حسناته {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ}.

٥) توكل وإقدام:

نؤمن بأن الله عز وجل له من صفات الكمال والجلال، ما يدفعنا إلى التوكل والاعتماد عليه في كلّ أمورنا، وهو ما يبعث فينا القوة والعزيمة التي نستيسر بها الصعاب {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فهو حسبة}.

٦) محبة واستزادة:

نؤمن بأن الله عز وجل يستحق أن نحبه حباً يجعل قلوبنا مشغوفةً بجلاله متعلقة به، ذلك الحب الذي يدفعنا إلى الاستزادة من الخير دائماً، وإلى التضحية في سبيله أبداً، لا يمنعنا من ذلك حطام دنيا، أو وشيجة قربى، قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلُ اقْتَرَفْتُمُوهَا وتجرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّن اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ}.

۷) دستورنا القرآن:

نؤمن بمنهج القرآن الشامل؛ فهو أحسن الحديث على الإطلاق، وأحسن الكتب المنزلة، ولأنه شفاء من أمراض القلوب والنفوس والجوارح، ومن أمراض السياسة والاقتصاد والحياة والحضارة {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَةٌ}.

٨) التشريع حق الله:

نؤمن بأن التشريع حق الله وحده، ولا يجوز تعديه، وأنه لابد لنا أن نقبل شريعته بكل تفاصيلها، وأن نحتكم إليها في جميع أمورنا، وأن نسعى إلى تمكينها وتطبيقها في واقعنا، {وَمَا أَخْنَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}.

٩) ولاء وبراء:

نؤمن بلزوم الولاء الله ولرسوله، وللمؤمنين، والبراء ممن حارب الله ورسوله والمؤمنين ووالى الكافرين والمنافقين {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

١٠) نحارب المنكر:

نؤمن بوجوب محاربة المنكرات والبدع، بأنفع الوسائل وأفضل السبل {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

۱۱) تفکر ونظر:

نؤمن بأن الإسلام يحرر العقل، ويحثُ على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالنافع الصالح في كلّ شيء، ويُوجِبُ علينا معرفة كل ما يجب معرفته من الدين؛ حتى نعبد الله على بصيرة وهدى، وأن نعرف من أمور الدنيا مِن كُلِّ فَنَّ فنَّاً.

۱۲) الاستخلاف .. وعد الله:

نؤمن إيماناً قطعياً، بصدق الوعد الإلهي في التمكين لعباده المؤمنين واستخلافهم في الأرض، ودحر أعداء الدين وأنصار الباطل من الطغاة والمتجبرين {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى هَمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمَنَا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أوليك هم الفنسِقُونَ}.

____________________________________________

ثانياً: الانتماء للقسام أخلاقاً وسلوكاً، وأثر الأخلاق في مجتمعنا المسلم:

١) الصدق:

إِنَّ الاستمساك بالصدق في كُلِّ شأن، وتحريه في كُلِّ قضية، والمصير إليه في كُلّ حكم، دعامة ركينة في خلق المسلم، وصبغة ثابتة في سلوكه، وقد كان بناء المجتمع في الإسلام قائم على محاربة الظنون، ونبذ الإشاعات، وإطراح الريب؛ لأنَّ الحقائق الراسخة وحدها هي التي يجب أن تظهر وتغلب، فعن ابن مسعود ، عَنِ النبي ﷺ قال: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً".

۲) سلامة الصدر:

ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه، مِن أَنْ يعيش سليم القلب مبرءاً من وساوس الضغينة، وثورات الأحقاد، وبها يحيا المسلم ناصع الصفحة راضياً عن الله وعن الحياة، مستريح النفس وَمِن نزعات الحقد الأعمى، مشرق النفس، هادئ البال والضمير.

٣) القصد والعفاف:

تضمن الإسلام طائفة من الإرشادات المتصلة بحياة المسلمين الخاصة، وقصد بها تنظيم شؤونهم البدنية والنفسية، ووضعها على أساس كريم، هي آداب تتعلق بمطعم الإنسان وملبسه ومأكله ومسكنه، وسائر آماله التي يسعى إليها في هذه الحياة، لا يجنح بها إلى الرهبانية المغرقة ولا إلى المادية الجشعة فهي تقوم على التوسط والاعتدال، فالإسلام يقرن بين مطالب الجسم والنفس في تعاليمه، ويكف طغيان إحداهما على الأخرى، ويرى تنسيق حاجاتهما عوناً للمرء على أداء رسالته في هذه الحياة وما بعدها.

٤) الحياء:

الحياء أمارة صادقة على طبيعة المسلم، فهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه، وهو دليل على أَنَّهُ حي الضمير، نقي المعدن، زكي العنصر، أما الشخص بليد الشعور الذي لا يبالي ما يأخذ وما يترك، فهو امرؤٌ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا، وقد وصى الإسلام أبناءه بالحياء، وجعل هذا الخلق السامي أبرز ما يتميز به المسلم من الفضائل، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ لِكُلِّ دِينِ خُلقاً، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ".

٥) التواضع:

على المسلم أن يكون متواضعاً وبخاصة بين إخوانه، لا يفرق في ذلك بين صغير ولا كبير، ولا غني ولا فقير، وكان له يستعيذ بالله من نفخة الكبرياء، وعن عبد الله بن مسعود لله، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كَيْرِ".

٦) الجود والكرم:

الإسلام دين يقوم على البذل والإنفاق، ولذلك حَبَّبَ إلى بنيه أن تكون نفوسهم سخية، وأكفهم ندية، وأوصاهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر، وَأَنْ يجعلوا تقديم الخير إلى الناس شغلهم الدائم لا ينفكون عنه في كل صباح ومساء، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. 

٧) الحلم والصبر:

إِنَّ مِن أبرز الصفات التي يجب أن تتوفر في المسلم صفة الصبر والحلم، فالعمل للإسلام يمتلئ بالمكاره، وابن الدعوة هو الذي يحملها لكُلِّ الناس على مختلف أمزجتهم وعقولهم وطباعهم، إلى العاقل والعاطفي، إلى المرن والمتحجر، وهذا وحده بحاجة إلى طاقة ضخمة من الصبر والتحمل والحلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةُ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّبِرِينَ}، وعن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ "، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ".

٨) صون اللسان:

المؤمن الحق يصون لسانه عن فضول الكلام وفحشاء الحديث، وبذاءة الألفاظ والتعابير وعن عموم اللغو والغيبة حمل والنميمة، قال الإمام النووي: " اعلم أنه ينبغي على المكلف أَنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتَرْكُهُ في المصلحة، فالسُّنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد يجرُّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يُعْدِها شيء".

٩) الرحمة:

للرحمة كمال في الطبيعة، يجعل الإنسان يرق لآلام الخلق، ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهم الهداية، هي كمال في الطبيعة، لا تبلد في الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان، ويسلبه أفضل ما فيه، وهو العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة.

۱۰) غض البصر وحفظ الفرج

قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى هَمَّ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، إِنَّ غَضَّ البصر يورث الحكمة، والنور في القلب، فَمَنْ ترك النظر إلى ما حرم الله بنور عينه، عوضه الله تعالى بالنور في القلب، فيُطلق له نور بصيرته؛ ليبصر به الحق والباطل، والجزاء من جنس العمل، كما أنه أعظم السبل لحفظ الفرج، ولذلك عقب الله بذكر حفظ الفروج بعد الأمر بغض الأبصار، وقد قال أهل العلم والعقل: "أَنَّ مبدأ طريق الزنا بنظرة"، وجاء في وصفها بأنّها "سهم من سهام إبليس يُصاب بها المرء؛ فيقع في مصيدته"، واعلم أيها المجاهد: "إنَّ العين التي تنظر إلى الحرام، لا ترى الهدف في سبيل الله".

____________________________________________

ثالثاً: الانتماء للقسام دعوياً وفكريا:

١) أساس التكوين الفكري:

إِنَّ الإسلام بالنسبة لنا هو أساس التكوين الفكري والروحي، وذلك لأَنَّ نظرة الإسلام للكون والحياة تتميز بالشمول لكُل جوانبها المادية والروحية، ولأنه يترك للعقل حرية الانطلاق والاجتهاد والاستنباط، بما يلائم طبيعة الحياة وظروفها المتغيرة، في إطارٍ من النظم والتشريعات التي توجه هذا الانطلاق، فهي تشريعات تتسم بالقدرة على استيعاب الحياة ومشاكلها من خلال منهج متكامل يوازن بين الاحتياجات المادية والروحية للإنسان، ويربط الدنيا الزائلة بالحياة الخالدة

۲) مَنْ نحن:

كتائب الشهيد عز الدين القسام هي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تعتبر امتداداً الجماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث التي تمتاز بالفهم العميق والتصور الدقيق لكل مفاهيم الإسلام، وفي شتى مجالات الحياة في التصور والاعتقاد، والسياسة والاقتصاد، وفي التربية والاجتماع، وفي الحكم والقضاء، وفي الدعوة والتعليم، وفي الفن والإعلام، وفي باقي مجالات الحياة.

٣) البنية والتكوين:

تتكون البنية الأساسية لكتائب القسام من مسلمين أعطوا ولاءهم الله، وعرفوا واجبهم تجاه أنفسهم وأهليهم ووطنهم، ورفعوا راية الجهاد في وجه المحتلين الغاصبين؛ لتخليص البلاد والعباد من دنسهم وأرجاسهم وشرورهم، آخذين بالأسباب، وعالمين بمراحل الصراع، وواجبات التمكين؛ تحقيقاً لقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا نَصِفُونَ}. 

٤) نرحب بالجميع:

كتائب القسام تُرَحِبُ بكل مسلم اعتقد عقيدتها، وأخذ بفكرتها، والتزم منهجها ، وحفظ أسرارها، ورغب أن ينخرط في صفوفها لأداء الواجب، وأجره على الله. وكتائب القسام، إِنَّما تعطي ولاءها لله، وتتخذ من الإسلام منهج حياة، وتعمل على رفع راية الله على كل شبر من فلسطين، ففي ظل الإسلام يمكن أن يتعايش أتباع الديانات جميعاً في أمن وأمانٍ على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم، وفي غياب الإسلام ينشأ الصراع، وينتشر الظلم، ويستشري الفساد.

٥) نظرتنا للجهاد:

وَإِنَّنا ننظر إلى (الجهاد) على أنه فرض عين على كلّ مسلم؛ حتى تتحرر أرض فلسطين، وَأَنَّه لا بُدَّ مِن رفع راية الجهاد في مواجهة اليهود الذين يغتصبون أرضنا، وذلك يتطلب نشر الوعي في أوساط الجماهير محلياً، وعربياً، وإسلامياً، وبثَّ رَوْح الجهاد في الأمة، ومنازلة الأعداء، والالتحاق بصفوف المجاهدين

٦) مسيرتنا الجهادية:

وما نحن إلا حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة العدو الصهيوني، حيث تتصل بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام، وتمضي لتتصل بحلقات أخرى تضم جهاد المخلصين في بقاع العالم الإسلامي كافة.

٧) نظرتنا للقضية الفلسطينية:

إنَّ كتائب القسام تنظر إلى القضية الفلسطينية على أنّها قضية دينية، ولابُدَّ مِن ربطها في أذهان الأجيال المسلمة على هذا الأساس، فهي تضم مقدسات إسلامية؛ حيث المسجد الأقصى الذي ارتبط بالمسجد الحرام ارتباطاً وثيقاً، لا انفصام له، ما دامت السماوات والأرض، بمعراج رسول الله منه إلى السموات العلا.

٨) تربية الأجيال:

ولا بُدَّ مِن تربية الأجيال تربية إسلامية تعتمد أداء الفرائض الدينية، ودراسة كتاب الله تعالى بتعمق ووعي، والحث على العمل بتعاليمه، ودراسة السنة النبوية المطهرة، والاطلاع على التاريخ والتراث الإسلامي من مصادره الموثوقة، وبتوجيهات المتخصصين من أهل العلم، واعتماد المناهج التي تكون لدى المسلم تصوراً سليماً في الفكر والاعتقاد.

۹) دروس النصر:

وَإِنَّ كتائب القسام تنظر إلى الوقائع التاريخية التي جرت أحداثها على أرض فلسطين نظرةً جادة، تستلهم منها الدروس والعبر، فالهجمة الصهيونية الحالية سبقتها هجمات مدمرة من الشرق والغرب، فكما واجه المسلمون تلك الهجمات، وخَطَّطوا لمنازلتها وهزموها.

١٠) منهجنا الوسطي:

تتبنى كتائب القسام المنهج الوسطي في جميع مناحي الحياة، وبخاصة في موضوع الجهاد في سبيل الله، حيث إنَّ الجهاد هو الفكرة الأساسية، والسبب الأبرز لوجود الكتائب على أرض فلسطين، وكان لابدَّ لهذا الجهاد أنْ يكون على علم وبصيرة؛ حتى يحقق غاياته وأهدافه، وَإِنَّنَا لنسأل الله تعالى أَنْ يرزقنا العلم والحكمة والبصيرة في فقه الشرع والواقع.

۱۱) عمقنا العربي والإسلامي:

تَعْتَبِرُ كتائب القسام العالم العربي والإسلامي عمقاً استراتيجياً لها، وتنظر إلى الشعوب العربية والإسلامية على أنها سند وظهير ومدد للقضية الفلسطينية، وَأَنَّه يجب على كُلِّ دولة لتلك الشعوب أن يكون لها دور في مدافعة العدو الصهيوني، حتى يتم جلاؤه عن أرضنا من البحر إلى النهر، فجهاد القسام ليس دفاعاً عن فلسطين فحسب؛ بل هو دفاع عن شرف الأمة جمعاء، وهو رأس حربة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني الكبير، وسَدُّها المنيع.

۱۲) المرأة ودورها الجهادي:

إِنَّ دائرة الجهاد كبيرة، وتشمل الناس جميعاً، بكُل أوصافهم وقدراتهم وأجناسهم، فالجهاد ليس حكراً على الرجال فقط، فللمرأة المسلمة في معركة التحرير دور لا يقل أهمية عن دور الرجل، فهي مصنع الرجال ودورها في توجيه الطاقات وتربية الأجيال دور كبير، فلا بد إذاً من التركيز على دور المرأة الريادي في كل مراحل العمل الجهادي، وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من منظومة العمل المقاوم.

۱۳) نعرف عدونا:

إن معركتنا مع العدو الصهيوني توجب علينا دراسة جبهته، ومعرفة إمكاناته المادية والبشرية والتعرف على مواطن ضعفه وقوته، ومعرفة القوى التي تناصره وتقف بجانبه، وكذلك التعرف على الأحداث الجارية والمستجدات، ودراسة التحليلات والتعليقات، مع ضرورة التخطيط للحاضر والمستقبل، فلا بُدَّ أَنْ يعيش المجاهد على علم بغايته وهدفه وطريقة ما يدور حوله.

١٤) الحرية فطرة الله:

الحرية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإِنَّ أيَّ اعتداء أو احتكار لها لا يعتبر مجرد اعتداء على حق من حقوق الإنسان النبي والمجتمع فحسب؛ بل هو تحدٍّ لإرادة الله تعالى، فعن أبي ذر عن فيما روى عن الله تبارك وتعالى أَنَّهُ قال: " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَا، فَلَا تَظَالَمُوا"، وعن ابن عباس أَنَّ النبي ﷺ قال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ".

____________________________________________

رابعاً: الانتماء إلى القسام سياسياً:

۱) نقتدي بأسلافنا:

وَإِنَّنا إذ نتبنى المواقف السياسية، إِنَّما نقتدي بأسلافنا رضوان الله عليهم الذين تكلموا في نظم السياسة، وجاهدوا في مناصرة الحق، وتحملوا عبء سياسة الأمة؛ حتى ظهروا على الصفة التي وصفوا بها بأنهم (رهبان بالليل فرسان بالنهار)؛ لأنَّ العمل السياسي تكليف شرعي عند سلفنا رضوان الله عليهم.

۲) من قواعد النظام السياسي:

إِنَّ الدين الإسلامي الحنيف يفترض وجود الحكومة كقاعدة من قواعد النظام السياسي، فهو لا يُقِرُّ الفوضى؛ فعن أبي هريرة الله أَنَّ رسول الله ﷺ قال: "إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤْمَرُوا أَحَدَهُمْ 

٣) بين الحزبية والسياسة:

هناك فرق بين (الحزبية) و(السياسة)؛ فنحن حين نتكلم عن السياسة، إنما نريد السياسة المطلقة، وهي النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية، وتحقيق مصالح الناس، فهي سياسة قائمة على نبذ الفرقة والخلاف، وَإِنَّ ديننا الإسلامي دين الوحدة في كلّ شيء، ودين سلامة القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بني الإنسان، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. 

٤) إلى المعاني الأصيلة:

إِنَّ أعداء الدين حين أعياهم أمر الإسلام، ورسوخه في نفوس الناس، ولمسوا استعدادهم ليفدوه بالنفس والمال، لم يحاولوا أن يجرحوا في نفوسهم اسم الإسلام، ولا مظاهره، ولكنهم حاولوا حصره في دائرة ضيقة تذهب بكل ما فيه من نواح عملية قوية، وَنَحْنُ في كتائب القسام ندعم العمل السياسي وندعو أصحاب الفكر السليم إلى الخروج من هذه الدائرة، بالانخراط في هذا المجال، وطرح البرامج التي تهدف إلى خدمة الشعب؛ لتحقيق مصالحه وأهدافه، وحثه على السير والمضي نحو آماله وتطلعاته

٥) خطان متوازيان:

ويظهر أنّ العمل السياسي (من وجهة نظرنا) لابد أن يسير في خطين متوازيين، من خلال السياسة الداخلية والخارجية؛ بحيث تؤديان عملاً تكاملياً في خدمة الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، أما داخليلاً فإيجاد حكومة تقوم على رعاية مصالح الناس، وتوفير العيش الكريم، وأما خارجياً: فتهدف إلى استقلال الأمة وحريتها، ولا بد لهذه السياسات سواء كانت داخلية أو خارجية أن تكفل حقوق غير المسلمين.

٦) المرجعية الحاكمة:

والإسلام يعتبر المرجعية الحاكمة لكتاب الله وسنة رسوله، ويؤكد ذلك قوله تعالى: {وَأَنِ أَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ }. وتحكيم الشريعة يعني الالتزام بكلِّ ما أَمَرَتْ به، واجتناب كل ما نهت عنه، فلا يجوز لأحد أن يتنكر لأي أمرٍ جاء فيها، أو أَنْ يرتكب أيّ نهي نهت عنه.

٧) القاعدة الأم.. في المنهج السياسي الإسلامي:

تعتبر قاعدة (درء المفاسد وجلب المصالح)، هي القاعدة (الأم) في المنهج السياسي الإسلامي، فالعمل السياسي في الإسلام قائم على أمرين، إما جلب مصلحة ومنفعة، أو دفع مضرة ومفسدة.

٨) الاتجاهات السياسية غير الإسلامية:

السياسة الإسلامية، لا تُفرّق بين (الغاية والوسيلة) في طريقة تحصيلها؛ فهما محكومتان بقواعد الشرع، وتعاليم الإسلام، وبذلك يكون السياسيون مُقَيَّدين بحدودٍ وضوابط والتزامات عقائدية وأخلاقية، ليس لهم أن يجيدوا عنها، أو يُغَيّروا فيها، فهم لا يعملون لتلبية رغباتهم وشهواتهم، ولا وفق ما تمليه ذواتهم.

خامساً: الانتماء إلى القسام مالياً واقتصادياً:

۱) ارتباط الاقتصاد بالإيمان:

إِنَّ الاقتصاد في شريعتنا مرتبط بالإيمان، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}؛ فهذه الآية تبين أنَّ الإيمان والتقوى من أهم أسباب النمو الاقتصادي، وهما كذلك سبب للازدهار والرفاه، فإذا أردنا اقتصاداً سليماً يحقق الرفاه فعلينا بالتقوى والإيمان، كما يدل على ذلك أيضاً حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ القَضَاءَ، وَإِنَّ البِرَّ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ".

۲) اقتصادنا مستقل:

كما أنَّ الاقتصاد الإسلامي اقتصاد مستقل، قائم على توجيهات الوحي، فهو ليس حصيلة أفكار مرقعة من الشرق والغرب، وليس مصدره بشراً يبدلون ويغيرون، وأفكارهم معرضة للصواب والخطأ، فجميع المعاملات تقاس بمدى مطابقتها لأحكام الشرع.

٣) العمل على كل قادر:

لقد أوجب الإسلام العمل على كل قادر، وحثّ على الكسب، وأثنى على العمال والمحترفين، وأعلن أنَّ مِن أفضل العبادة العمل، وأنَّه من سنن الأنبياء، وَأَنَّ أفضل الكسب ما كان من عمل اليد، فعن المقدام عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ، خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَل يَدِهِ".

٤) استغلال الثروات:

لقد لفت الإسلام النظر إلى ما في الوجود من منابع الثروة ومصادر الخير، وحث على العناية بها وأوجب استغلالها، وأشار إلى أن كل ما في هذا الكون العجيب مسخر لخدمة الإنسان، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَهِرَةً وَبَاطِنَةٌ }.

٥) تحريم الكسب الخبيث:

ومن تعاليم الإسلام تحريم الكسب الخبيث وموارده، كثمن الخمر والخنزير والمخدرات، وما كان بغير مقابل من عمل كالربا والقمار، فكل هذه موارد لا يبيحها الإسلام، ولا يعترف بها.

٦) فريضة التكافل:

عمل الإسلام على تقريب الشقة بين الطبقات، وحثّ على رفع مستوى معيشة الفقراء، وأكثر من الحثّ على الإنفاق في وجوه الخير، ورغب في ذلك، وذمَّ البخل والمَنَّ والأذى، وقرر طريق التعاون والقرض الحسن {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

٧) احترام الملكية:

قرر الإسلام حرمة المال واحترام الملكية الخاصة، ما دامت لا تتعارض مع المصلحة العامة؛ فعن أبي هريرة له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ".

٨) تنظيم الشؤون المالية:

شرع الإسلام تنظيم المعاملات المالية في حدود التوازن بين مصلحة الأفراد والمجتمع، وأوجب احترام العقود والالتزامات، والدقة في شؤون النقد والتعامل به.

۹) الضمان الاجتماعي:

قرر الإسلام وجوب تأمين معيشة المواطن، وراحته؛ كائناً مَنْ كان، مادام مؤدياً لواجبه، أو عاجزاً عن هذا الأداء، لسبب قهري لا يستطيع أن يتغلب عليه؛ فقد مَرَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب له بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: "مَا أَنْصَفْنَاكَ، أَنْ كُنَّا أَخَذْنَا مِنْكَ الجِزْيَة فِي شَبِيبَتِكَ ثُمَّ ضَيَّعْنَاكَ فِي كِبَرِكَ"، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يُصلحه.

١٠) حفظ المال العام:

وأعلن الإسلام مسؤولية الدولة عن النظام المالي، ووضع قواعد التصرف في المال العام، فعليها أن تأخذه بحقه، وتصرفه بحقه، وتعدل في جبايته وتوزيعه؛ فَإِنَّ تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة بمفهومها الشرعي.

١١) محاربة الربا:

وتوجب علينا روح الإسلام أن نحارب الربا حالاً، وَأَنْ نُحَرِّمَه، ونقضي على كلِّ تعامل على أساسه لآوَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الربوا}.

۱۲) تشجيع الإنتاج الوطني:

ولابد من تشجيع الصناعات المحلية، فهو باب التحول إلى الروح الصناعية والوضع الصناعي، وكذلك هو باب إلى الاكتفاء الذاتي، والازدهار الاقتصادي.

١٣) من أين لك هذا؟

حظر الإسلام استغلال السلطة والنفوذ، ولعن الراشي والمرتشي والرائش بينهما، وحَرَّم الهدية على الحكام والأمراء، وكان عمر الله يقاسم عماله ما يزيد عن ثرواتهم، ويقول لأحدهم: "مِنْ أين لك هذا؟ إنكم تجمعون النار، وتُورثون العار"!.

١٤) مَنْ لا يملك قُوتَه لا يملك قراره:

لا شكّ أَنَّ مصير الدول غالباً ما يرتبط بالعوامل الاقتصادية؛ حيث إنَّ العوامل الاقتصادية تؤثر في مدى استقرار الدولة واستقلاليتها، وكذلك لها تأثير على قرارها السياسي، وغالباً ما تكون الدولة ذات الاقتصاد الضعيف تابعةً لغيرها، ولا تملك قرارها، وهو الأمر الذي يسمح لغيرها من الدول بالتدخل في شؤونها.

١٥) المال المشروط لا مكان له عندنا:

إِنَّ كل مَنْ يدعم ويتبرع للمقاومة والجهاد في فلسطين، لا يحق له أن يشترط مقابلاً للدعم المالي أو العيني بما يتناقض مع سياستنا ومبادئنا وديننا، أو يحرفَ بوصلتنا وإجماعنا الوطني.

١٦) التيسير ورفع الحرج:

إِنَّ الاقتصاد الإسلامي يعتمد على قاعدة (الأصل في المعاملات الإباحة)؛ حيث إنَّ الشريعة الإسلامية كلها قائمة على التيسير ورفع الحرج عن الناس {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٌ}.

١٧) بالمال ندفع مسيرة الجهاد:

إنَّ المال له أثر كبير في دفع مسيرة الجهاد، حيثُ يوفّر الإمكانات المادية والتقنية، ويساعد في تحقيق الأهداف الكبرى، وتنفيذ المخططات والمشاريع الاستراتيجية: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

____________________________________________

خامساً: الانتماء إلى القسام اجتماعياً:

١) واجب الأخوة:

إِنَّ أَيَّ عمل نقوم به في أي جانبٍ مِن الجوانب، إِنَّما هو تلبية لنداء الضمير الإنساني، وقيام بحق الأخوة الإسلامية، وعلى أبناء كتائب القسام أن يعوا ذلك جيداً، وَأَنْ يعلموا حقيقة العبء الواقع عليهم، وأَلَّا يَدَّخِروا جهداً للقيام بهذا الواجب؛ بل لا بُدَّ أَنْ ينتشروا في كُلِّ ناحية؛ ليمدوا يد العون والمساعدة، وليكون لهم أثر بارز في حياة الناس العامة والخاصة، وَأَنْ يَسْعَوْا إلى تعزيز مبادئ التكافل بين الناس في كُلّ الظروف والأحوال.

۲) واجبنا تجاه المجتمع:

من التكافل تقديم المساعدة لكل محتاج، سواءً كانت ماديةً أَمْ معنوية، وكذلك المشاركة في إنجاز بعض الأعمال، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَن}، وعلى أبناء القسام أن ينظروا إلى مصالح الجماهير نظرتهم إلى مصلحتهم الخاصة، وعليهم أَلَّا يدخروا جهداً في سبيل تحقيقها، فعن أنس، عن النبي ﷺ قال: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". وعليهم أَنْ يَحُولُوا دون التلاعب بكُلِّ ما يؤثر على الأجيال، أو يعود على مجتمعهم بالخسارة، وَأنْ يحافظوا على مجتمعهم في جميع النواحي الأمنية والأخلاقية والفكرية والثقافية والسلوكية فالجماهير منهم ولهم، وقوتها قوة لهم، ومستقبلها مستقبلهم.

٣) نشارك الناس:

وعليهم أن يشاركوا الناس في أفراحهم وأتراحهم، وَأَنْ يتبنوا مطالب الجماهير، بما يحقق مصالحها ومصالحهم، فيوم أن تسود هذه الروح تتعمق الألفة، ويكون التراحم والتعاون، وتتوثق الوحدة، ويقوى الصف في مواجهة الأعداء، فنحن أبناء القسام جند في الميدان عند النزال، وسفينة النجاة لشعبنا عند المحن والكوارث.

٤) بين الحاضر والمستقبل:

إننا نبني الحاضر من واقع البيئة الاجتماعية لشعبنا الفلسطيني، بعيداً عن المؤثرات التي لا تنسجم مع طبيعة التكوين الثقافي والفكري لشعبنا. ونتطلع كذلك إلى بناء مستقبل أفضل، متفاعلين ومتجاوبين مع التقدم العلمي والحضاري، ومندمجين مع حياة العصر، دون أنْ ننسلخ من قيمنا الروحية والأخلاقية والثقافية التي نستمد منها الاستمرارية الحضارية ونساير بها تطور الحياة، ونستوعب من خلالها مشاكل الحضارة الإنسانية المعاصرة

____________________________________________

سادساً: الانتماء إلى القسام عسكرياً:

۱) فريضة الجهاد:

فرض الله الجهاد فريضةً لازمةً حازمةً لا مناص منها ولا مفر معها، ورغب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم؛ إلا مَنْ عمل بمثل عملهم، واقتدى بهم في جهادهم ومنحهم مِن الامتيازات الروحية والعملية ما لم يمنحه لسواهم، وجعل دماءهم الطاهرة الزكية عربون النصر في الدنيا، وعنوان الفوز والفلاح في العقبى.

٢) استنفار الأمة:

وَإِنَّك لست تجد نظاما قديماً أو حديثاً دينياً أو مدنياً، عُني بشأن العسكرية والجندية واستنفار الأمة، وحشدها كُلَّها صفاً واحداً؛ للدفاع بكُلِّ قواها عن الحق، كما تجد ذلك في دين الإسلام وتعاليمه، وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فياضةٌ بِكُلِّ هذه المعاني السامية، داعية بأفصح عبارة، وأوضح أسلوب، إلى الجهاد والقتال والجندية، وتعلم الفنون العسكرية، وتقوية وسائل الدفاع والكفاح بِكُلِّ أنواعها برية وبحرية وجوية وغيرها على كل الظروف والأحوال.

٣) نُحلّق بجناحين:

إِنَّ تصوُّر كتائب القسام للعمل الجهادي تصور شامل وواسع، يأخذ الجهاد بكُل مفاهيمه وأنواعه، ووسائله ومتطلباته، فالعمل الأدبي جهاد، والعمل الإعلامي جهاد، والتكافل المجتمعي جهاد، وأبرز مراتب الجهاد ما يمكن أنْ نُسَمِّيه (الجهاد السياسي، والجهاد العسكري)، إذ إنَّهما قرينان متلازمان، يقومان بدور تكاملي؛ لاستثمار النجاحات والوصول إلى الغايات، وتحقيق الأهداف والتطلعات، ضمن رؤية واضحة الحدود بينة المعالم، ووفق تخطيط مدروس، يوازن بين المتطلبات المرحلية والمستقبلية.

٤) خيار الجهاد:

إِنَّ كتائب القسام تتبنى الجهاد كخيار استراتيجي يقطع الطريق على المنتفعين، ويأخذ بيد المجاهدين المخلصين؛ لتحفظ جهادهم من الانحراف عن مساره القويم وتحقق للأمة وحدتها، وتعيد لها هيبتها، وترفع لها قدرها. وَإِنَّنا نرى أنَّ العمل العسكري الذي يمثل أداة الجهاد بحاجة إلى توجيه وترشيد، وتطوير وإبداع، كما هو بحاجة إلى إعداد الجندي.

٥) شجرة باسقة لا تقلعها العواصف:

إِنَّ روح الأخوة التي تسود صفنا المجاهد، هي أُخوة في الله على منهج الله، لتحقيق أمر الله، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، إِنَّهَا أُخوة تنبثق مِن التقوى والإسلام، وعلى أساس من الاعتصام بحبل الله، وليست تجمع على أي تصور آخر، ولا على هدف آخر، ولا بواسطة حبل آخر، فهي أُخوة مبنيةٌ على الحبّ الفياض الرائق، والود العذب الجميل والتكافل الجاد العميق، وهي الطريق إلى وحدة الصف التي أشار الله إليها بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ}، فهذه هي الغاية التي أرادها ربُّنا.

٦) كرٌ وَفر:

وقد أوجب الإسلام على المؤمنين أن يثبتوا في حروبهم إذا حاربوا، وحرَّم عليهم أن يفروا أو يُوَلُّوا الأدبار، إلا في حالتين ذكرهما القرآن واعتبر النبي التولي يوم الزحف من السبع الموبقات؛ أي من الكبائر السبع المهلكة للفرد والجماعة. قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا رَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَبِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيَّرًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَنَهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، فلم يرخص القرآن الفرار أو تولية الأدبار إلا في حالتين استثناهما، ونصّ عليهما، وهما: التحرُّفُ لقتال، والتحيز إلى فئة.

٧) ميدان التربية قبل ميدان العمل:

أيها الأخ القسامي/ إِنَّ طريق الحق شاق، وأهواله كثيرة، والمسير فيه طويل، فعليك أنْ تُعِدَّ نفسك جيداً لمواجهة الصعوبات وتحمل التبعات، وتجاوز العقبات والتحديات، وأهم مظاهر هذا الإعداد أنْ تُعِدَّ نفسك روحياً، وَأَنْ تتزود لهذا الطريق بزادي الإيمان والتقوى، قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.

٨) من واجبات الجهاد في سبيل الله:

فمن الجهاد عاطفة حيّة قويّة تفيض حناناً إلى عزة الإسلام ومجده، وتهفو شوقاً إلى سلطانه، وتبكي حزناً على ما آل إليه حال المسلمين من ضعف وهوان.

وَمِنَ الجهاد في سبيل الله أيها القسامي الحبيب: أن يحملك الهم الدائم على التفكير الجدي في طريق النجاة، وتلمس سبيل الخلاص، ونصرة المستضعفين وإعانة المجاهدين.

 وَمِنَ الجهاد في سبيل الله أيها القسامي الحبيب : أَنْ تَنْزِل عن بعض مَالِكَ، وبعض وقتك، وبعض مطالب نفسك، لخير الإسلام والمسلمين.

وَمِنَ الجهاد في سبيل الله أيها القسامي الحبيب: أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وَأَنْ تنصح لقادتك في العمل العسكري، وَأَنْ تقبل النصح مِنْهم.

وَمِنَ الجهاد في سبيل الله أيها القسامي الحبيب: أَنْ توالي مَنْ والى الله ورسوله، وَأَنْ تحارب مَنْ حارب الله ورسوله.

٩) إنسانيون.. قانونيون وصناع حياة:

نحن نلتزم بمبادئ السلم وأحكام الحرب، وبالحفاظ على المدنيين، والزرع والشجر والحيوان والبيئة؛ وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وما تعارفت عليه الأمم والشرائع الأرضية؛ ولا يتناقض ذلك مع ديننا الحنيف، فلا نقطع شجراً، ولا نهدم منزلاً، ولا ندمر دار عبادة لأي دين أو ملةٍ، ولا نقتل طفلاً، أو امرأة، ولا شيخاً مسناً، نحترم المواثيق والعهود، ونعاملهم بإنسانية، ونساعد اللاجئين، ونعطف عليهم؛ لأننا دعاة سلام وأمن وحضارة.

۱۰) عتادنا عدتنا:

أيها الأخ القسامي / لقد عَهِدَ إليك إخوانك بالسلاح الذي بين يديك وكلهم ثقةٌ وأمل أن تكون على قدر هذه الأمانة؛ وأهلاً لحملها، وقد تعلم كم بذل إخوانك من الجهد والمال؛ بل والدماء؛ لتوفير هذا السلاح الذي انتهى إليك، فلا تضيع جهد إخوانك، وكُنْ عند حُسنِ ظنهم، فلا تَسْتَخْدِمُهُ إلا فيما أرادوا، وكُن حريصاً على جهوزيته ونظافته، ولا تصرف قوته في غير محلها.

۱۱) واجب الإعداد العسكرى:

وإذا كان الإعداد واجباً من واجبات الأمة المسلمة؛ فَإِنَّه اليوم أكثر ،وجوباً، ولا بُدَّ أن يتناسب مع مستجدات الحياة المعاصرة، وَأَنْ يسير كذلك وفق الرؤية الإسلامية المتكاملة في الإعداد حتى تظل الأمة أمة جهاد، تمتلك أسباب القوة مادياً ومعنوياً؛ لكي تحمي بها وجودها البشري والرسالي، وتمنع أي طامع فيها من العدوان عليها، وعلينا أن نمتلك القوة في كل جوانبها.

۱۲) ثابتين حتى اللقاء:

أيها الأخ القسامي/ عليك أن تظل عاملاً مجاهداً في سبيل غايتك، مهما بعدت المدة، وتطاولت الأيام، حتى تلقى الله على ذلك، وقد فزت بإحدى الحسنيين، فإما الغاية، وإما الشهادة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.

۱۳) جاهزین... جاهزين

تحت الأرض وفوق الأرض، في نقاط الرباط، وفي أعماق البحر، على الحدود وفي المرابض ونقاط الرصد، في ورش التصنيع، وميادين الإعداد، وفي المساجد والمؤسسات على الأجهزة الذكية والحواسيب، كُن مستعداً .. كُنْ مُستعداً.

____________________________________________

سابعاً: الانتماء إلى القسام وطنياً:

١) الوطن جزء من العقيدة:

إِنَّ الوطن والوطنية من وجهة نظرنا جزء من العقيدة الدينية، وليس أبلغ في الوطنية مِن أَنه إذا وطئ العدو أرض المسلمين؛ فقد صار جهاده والتصدي له فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ولا يوجد مثل ذلك في أي من النظم الأخرى، وتلك حقيقة لا مراء فيها، وإذا كانت الوطنيات المختلفة ترتبط بأسبابٍ مادية وبشرية وإقليمية؛ فَإِنَّ وطنيتنا لها كُلّ ذلك، وفوق ذلك لها أسباب ربانية تعطي لها روحاً وحياة.

۲) فلسطين أرض وقف إسلامي:

إِنَّنا ننظر إلى أرض فلسطين على أنها أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط فيها أو التنازل عنها، ولا بجزء من ذلك كُلَّه، ولا يَمْلُكُ ذلك مَلِكٌ ولا رئيس، ولا دولةٌ ولا منظمة، فهي أرض ارتبطت بعقيدة المسلمين بإسراء النبي -صلى الله عليه وسلم -إليها ومعراجه منها، وبوجود المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين، وعلى ذلك فقد كان التفريط بفلسطين تفريطاً بجزء من عقيدة المسلمين، وبما أنَّ فلسطين أرض وقف على أجيال المسلمين؛ فلا أحد يملك حق النيابة عنهم.

٣) نحن والحركات الوطنية:

إِنَّنا نبادل الحركات الوطنية في مجتمعنا الاحترام، ونقدر ظروفها والعوامل المؤثرة فيها، ونشدُّ على يدها؛ ما دامت لا تعطي ولاءها لأحدٍ على حساب المشروع الوطني، وَإِنَّنَا لنؤكد لِكُلِّ منتسب إلى تلك الحركات، وكل مَنْ هو متعاطف معها، أَنَّ غاياتنا الجهادية تقوم على أُسس ومبادئ أخلاقية واعية لا تتمنى للغير إلا الخير، فهي لا تسعى لمكاسب مادية، أو شهرة ذاتية، ولا تبتغي أجراً إلا من عند الله.

٤) الوحدة الوطنية طريق لتحرير فلسطين:

إِنَّ الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كُلَّ المخاطر التي تهدد حياتنا واستقرارنا، وهي التي تدفعنا إلى العمل على تحرير أرضنا.

٥) نظرتنا إلى الولاء الوطني:

الولاء الوطني مبدأ شريف، لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع التبعية؛ أياً كان شكلها أو نوعها، فالولاء للوطن بمفهومه هو شعور بالانتماء إلى وحدة اجتماعية متماسكة متميزة بالعقيدة الإسلامية، والحياة الحرة الكريمة. فالولاء للوطن بمفهومه هذا ولاء الله، وعلى ذلك؛ فإن الدفاع عنه دفاع عن العقيدة، والتخلي عنه تخلّ عن العقيدة.

٦) التعاون مع المحتل خيانة للدين والوطن:

إِنَّ مِنْ أحطّ الأخلاق والصفات في المفهوم الإنساني: هو خيانة الوطن، وتعامل أي إنسانٍ مع العدو ضد شعبه وقومه وبني جلدته، وقد اعتبرت كل الحضارات والقيم أنَّ مَن يقوم بهذا العمل خائن خيانة عظم،ى يستحق العقوبة المشددة، ويُعتبر العدو بكل أشكاله وصوره خيانةً، فَمَنْ يخون في التعامل مع الصغيرة يخون في الكبيرة، وقد حذّر الله منه في كتابه، فقال: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَنَتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ويقول تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ}.

____________________________________________

ثامناً: الانتماء إلى القسام دولياً وإقليمياً:

١) العلاقات الدولية جزء من منظومة جهادنا:

إِنَّنا ننظر إلى العلاقات الدولية على أنها جزء من منظومة نضال متكاملة ضد العدو الصهيوني، ولا بُدَّ لتلك المنظومة أَنْ تسير وفق رؤية واضحة، واستراتيجية محددة للعمل الدولي، تتوائم مع فكرة التحرير الكامل للأرض الفلسطينية، آخذين بعين الاعتبار مصلحة الشعب الفلسطيني؛ بحيثُ لا تؤثر على قراره السياسي واستقلاليته، ولا بُدَّ أن تكون جميع الجهود والتحركات المبذولة ضمن إطار واضح من الضوابط، والقواعد، والأخلاقيات الإسلامية.

۲) دوائر ثلاث:

وننظر إلى قضية التحرير على المستوى الدولي على أنها قضية متعلقة بدوائر ثلاث: العربية، والإسلامية، والدول المحبة للإنسانية، وَكُلَّ دائرة مِنْ هذه الدوائر الثلاث لها دورها في الصراع ، مع الصهيونية، ونأمل من تلك الدول جميعاً أن تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، وأن تؤيدها وتدعم نشاطها، وأن تتبنى مواقفها، وتعمل على تحقيق مطالبها، وكسب التأييد لها، وَأَنْ تكون سنداً للقضية، وبعداً استراتيجياً لها على جميع المستويات ومختلف الأصعدة، وعمقاً للمدد والدعم الذي لا ينقطع.

٣) بوصلة جهادنا:

ننظر إلى العدو الصهيوني على أنه العدو الوحيد للشعب الفلسطيني وقوات المقاومة، وأنَّ العمل العسكري يتحدد إطاره بالأرض المحتلة، فهو موجّه بشكل مباشر إلى المحتل الصهيوني، وبناءً على ذلك؛ فَإِنَّ كتائب القسام لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا ضمن السياسة العامة للكتائب، وهو جزء من مشروعها المقاوم، فهي ليست موجهةً ضد دولة أو طرف.

٤) موقفنا من الحل السلمي:

إنّ التفريط بجزء مِنْ فلسطين تفريط بجزء من الدين، وكتائب القسام تُربي أفرادها على رفع راية الجهاد فوق تراب وطنهم؛ حتى يأتي وعد الله وهم كذلك {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

____________________________________________

تاسعاً: الانتماء إلى القسام إدارياً وفنياً:

۱) نحترم سلطة الغير:

إنَّ الجهاز العسكري لا يتدخل في سير الشؤون المدنية للسلطة، فهو يحترم العمل المؤسسي، ويحترم ملكية الأفراد الخاصة؛ حيث لا يجوز أخذها أو مصادرتها إلا لمصلحة عامة على أساس التعويض العادل لصاحب الحق، وكذلك فهو يحترم الملكية العامة التي تعود منفعتها على سائر أبناء المجتمع، وهي تعمل قدماً لجعل أفرادها سواسية مع غيرهم أمام القانون.

٢) الكيف قبل الكم:

إنَّنا في كتائب القسام نقوم ببناء قواتنا على الكيف قبل الكم، بانتقاء أفضل وسائل التدريب والتعليم، وكذلك فَإِنَّنا نقوم بتحديث القوات والتخصصات بما يساير روح العصر، وتطور وسائل الحرب الحديثة؛ بحيثُ نصل إلى المستوى الذي يُمَكِّنُنَا مِن تحرير أرضنا، وحماية شعبنا، وأداء واجبنا تجاه وطننا.

٣) الشورى من مبادئنا:

إنَّ الشورى هي الضمانة التي يجب أن تحكم تصرفاتنا وممارساتنا في جميع مجالات الحياة، ولا بُدَّ أن تقوم على الأساسيين التاليين:

أ- أن تكفل جميع الحقوق والحريات في إطار من الانضباط والالتزام، فممارستها بعيداً عن هذه الأسس يسوق إلى الفوضى، كما أن تحريم ممارسة تلك الحقوق والحريات يسوق إلى الطغيان، وكلٌّ مِنْهُما يتنافى مع مبادئ الإسلام. 

ب- أنْ يملك أصحاب الحق في الانتخاب كُلَّ القدرة على اختيار من يُمَثَلُونَه في مختلف المؤسسات والدوائر والوحدات، وكذلك القدرة على استمرار مراقبتهم ومنعهم من الانحراف عبر الآليات التي يحددها الجهاز والشورى تُعنى بفرز قيادات ذات قدرة وكفاية من غير أن يستأثر بها أحد دون أحد، أو فئة دون أَنْ فئة، فالجميع في كتائب القسام سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي، وفي كل الحقوق والواجبات.

٤) إدارة الأفراد

إنَّ مما يقتضي التركيز عليه هو ذلك الجانب المتعلق بإدارة الأفراد وتوجيههم، والتي تعتبر روح كل قيادة، حيث أن الأفراد هم الركن الأساسي في المنظومة العسكرية وهم أكثر الفئات حاجة إلى حسن الإدارة، فعلينا أن نوليها اهتماماً بالغاً لما لها من آثار بارزة في تنمية الكفايات التعبوية والمقومات القتالية لدى الجنود.

____________________________________________

عاشراً: الانتماء إلى القسام بدنياً وصحياً:

١) الوقاية خير من العلاج:

إن من مظاهر القوة الجسد المعافى السليم، وهناك نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، ولقد حثّ الرسول الكريم في عدد من الأحاديث على ضرورة التداوي، وعدم الإهمال في علاج الأدواء والعلل، سواءً النفسية أم البدنية، وكان نصيب ذلك عبر سلسلة من الأحاديث المتواترة والصحيحة.

٢) جسدك أمانة:

أيها الأخ القسامي: إِنَّ الجسد ليس ملكاً لك تتصرف فيه حسب الهوى والشهوة، بل هو ملك لله تعالى، فعليك أن تصرف قوته وحركاته وسكناته في طاعة مَنْ خلقه، فعن أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فَيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ)؛ فاهتم بطعامك (كماً ونوعاً)، وبادر إلى الكشف الصحي، وخصص أوقاتاً محددة للأنشطة الرياضية، فاللياقة راحة المقاتل، والسباحة سياحة الجسد، والجري قوة للعقل وطرد للداء، وحمل الأثقال تنمية للعزيمة والإرادة وتقوية للساعد.

٣) ادخار النية

ولا تنسى أيها الأخ القسامي: أنْ تدَّخر ذلك كُلَّه بنية النكاية في العدو، والصبر عند اللقاء، وإغاظة أعداء الله، والتلذذ بعبادة الله، بنية صالحة وقصد سليم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوى).

____________________________________________

حادي عشر: الانتماء إلى القسام جماهيرياً وإعلامياً:

١) الإعلام الذي نريد:

وحتى يكون لهذا الإعلام تأثير قوي في أوساط الجماهير؛ فلا بُدَّ أَنْ يكون متصفاً بالمصداقية؛ مِن خلال نشر الإحصائيات الدقيقة، والأرقام والبيانات، وأن نجسد الواقع بطريقةٍ حِرْفِيَّة، وَأَنْ يكون على مستوى عالٍ مِن الإتقان والإبداع في التوثيق والتجهيز والعرض، وهذا ما يجعل إعلامنا اعلاماً قوياً يُحتذى به، ومصدراً معلوماتياً موثوقاً لجميع الدارسين والباحثين، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرُ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.

۲) دور الفن الإسلامي:

إن قضايا التحرير الإسلامية بحاجة إلى الفن الإسلامي الذي يسمو بالروح، ولا يغلب جانباً في حياة الإنسان على الآخر، بل يسمو بجميع الجوانب في توازن وانسجام، فالكتاب والمقالة والموعظة والنشرة والرسالة والزجل، والقصيدة والأنشودة والمسرحية، كُلُّ ذلك وغيره إذا توافرت فيه خصائص الفن الإسلامي، وتجنَّب المحاذير الشرعية، فهو من لوازم التعبئة الفكرية، وهو من الغذاء المتجدد لمواصلة المسيرة، وللترويح عن النفس، فلا شكّ أن الطريق طويل، والعناء كثير، والنفوس تَمَلُّ، والفن الإسلامي يجدد النشاط، ويبعث الحركة، ويثير في النفس المعاني الصحيحة والمفاهيم السليمة.

٣) الشائعات وسبل مواجهتها:

تعتبر الشائعات أخطر أساليب الحرب النفسية، وأكثرها تأثيراً؛ حيثُ يسعى العدوُّ مِن خلالها إلى اختراق صفنا، والنيل من مقاومتنا، فالحرب النفسية لا تَقِلُّ ضراوةً عن حرب الأسلحة الفتاكة والمدمرة، وخاصةً بعد موجة التقدم التقني التي ساعدت في تطوير أساليبها، وتسهيل نشرها.

٤) خذوا حذركم:

وهنا علينا أن ننبهكم أيها المجاهدون لأمر في غاية الأهمية، وهو ضرورة التحري والتثبت من المعلومات، سواء كنت مرسلاً أم مستقبلاً، وعدم نشر أي معلومة تتعلق بالعمل العسكري وتوابعه الفنية أو الإدارية والحذر في التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، ولنتذكر جميعاً قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}. 

٥) كيف تخدم المقاومة إعلامياً:

شهدت السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها وأغلب تلك الوسائل يتم استخدامها بشكل شخصي، الأمر الذي يوجب علينا استخدامها وتطويرها بما يخدم مشروعنا المقاوم، من خلال التعبئة الجماهيرية العامة، والعمل على تنمية الروح الجهادية لدى أبناء شعبنا، وتحشيد الطاقات وتوجيهها، وإبراز المواقف المشرفة للمقاومة.

____________________________________________

ثاني عشر: الانتماء إلى القسام مستقبلاً وطموحاً:

إننا اليوم في عمل دؤوب وإعداد متواصل لا نعرف للعودة طريقاً سوى البندقية؛ حتى نحرر أقصانا من دنس المحتلين الغاصبين، ونفكّ قید أسرانا المجاهدين، وَأَنْ نوحد أمتنا تحت لواء الحق والدين: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا}.

____________________________________________

ثالث عشر: الانتماء إلى القسام صدح وانتماء:

١) الله غايتنا:

الله غايتنا: هو وحده المعبود والمقصود، فأعمالنا كُلُّها طاعة له عز وجل، حتى جوعنا وعطشنا، ومشينا ومعاناتنا، كل ذلك مرصود لنا عند ربنا، محسوب في ميزان حسناتنا، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُةٍ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَلح}.

٢) الرسول قدوتنا:

الرسول قدوتنا؛ لأنه أشرف مخلوق، وأعظم إنسان في الوجود، رحمة مهداة ونعمة مسداة، وسراج منير، وبشير ونذير {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَكَ شَهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ، وَسِرَاجًا مُنِيرًا}.

٣) القرآن دستورنا:

القرآن دستورنا؛ لأنَّ مسيرتنا الدعوية، ورحلتنا الجهادية من أجل تحقيق العزة والكرامة لابد أن ترتبط بالقرآن الكريم، وتستنير بنوره وتسير وفق توجيهاته، وبذلك نعود لمصدر عزتنا، ومكمن قوتنا، وسر نهضتنا.

٤) الجهاد سبيلنا:

الجهاد سبيلنا؛ لأنه طريقٌ لنيل الدرجات الكبرى، والسعادة الأخرى؛ وَلأَنَّ أفضل سوق لبيع النفس هو ميدان المعركة، حيثُ الجلاد والضراب {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

٥) الموت في سبيل الله أسمى أمانينا:

أسمى أمانينا؛ لأَنَّها رُتبةٌ عظيمةٌ، ومنزلةٌ سامية، لا يُلقاها إلا ذو حظ عظيم، ولا ينالها إلا من سبق له القدر بالفوز المقيم؛ {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَيْكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَيْكَ رَفِيقًا}.




الجمعة، 19 مايو 2023

رسائل الإصلاح محمد الخضر حسين بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

رسائل الإصلاح

محمد الخضر حسين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ رسائل الإصلاح هي رسائل إيمانية أدبية، تعبر عن هوية المسلم الحقيقية، وأخلاقه الراقية، بما تضمنته من الأدب النزيه، والمروءة السامية، والعفة الكاملة، وهي انعكاس مضيء لفكر العلامة محمد الخضر حسين، المدرس بكلية أصول الدين، وعضو مجمع اللغة العربية، ورئيس جمعية "الهداية الإسلامية"، وهو رجل جعل عبء الدعوة والإصلاح من أولويات حياته، واستمر في هذا السبيل القويم حتى آخر عمره المبارك.

ولا شك أن هذه الرسائل تستمد حيويتها من منهج الإِسلام، الذي أرشد إلى جميع الأخلاق التي تزدهر بها المدنية، وتستحكم بها عرا السيادة، فإذا ظهر المسلمون بخلق عظيم، فإنما يقتبسونه من حكمة دينهم، وسيرة عظمائهم.

يقول أحمد الشرباصي عن هذا الكتاب: (هو من أمهات الكتب الإسلامية الحديثة التي يجب على كل مسلم يريد أن يصحح عقيدته، وأن يعرف دينه على حقيقته، أن يقرأها مثنى وثلاث.. وسيرى المطالع لكتاب "رسائل الإصلاح" أنه ثمرة لجهاد علمي طويل، بذل فيه صاحبه ما بذل من وقته وجهده وتفكيره)

وكثيراً ما يستشهد المؤلف بآيات الكتاب الحكيم، وسنة النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، مع ما نظمته العرب من الشعر، وما قالته من الأمثال، وما نثرته من الخطب، وما قالته الحكماء والبلغاء من بديع الألفاظ، ومحسنات المعاني، فيضفي على الجمل إشراقات بلاغية رائعة ومثيرة.

وتقع رسائل الإصلاح -والتي بلغت خمسة وثلاثين موضوعاً - في الجزء الثامن من سلسلة الأعمال الكاملة للشيخ العلامة محمد الخضر حسين، المنشورة في مجلة (الهداية الإسلامية)، ومجلة (نور الإسلام)، وأصل هذا الكتاب ثلاثة أجزاء، جمعت فيها الموضوعات والمقالات الكثيرة للشيخ، ولكن رأى الطابع أن يجعل ببعضها تحت أبواب أخرى مناسبة لها، ونبّه على ذلك في المقدمة، وذكر المحقق عند كل مقال مجلته التي صدر فيها.

أولاً المروءة:

المروءة: صيانة النفس عن كل خلق رديء، واتصاف المرء بالسمت الحسن، وحفظ اللسان، وتجنب المجون، وفائدتها: بلوغ النفس كمال الرجولية، أو قربها منها.

* ومن صفات أهل المروءة ما يلي:

١-أن يكون ذا أناة وتؤدة، فلا يطيش في غضب، ولا يُدهش في فرح.

٢-لا يتخذ الظهور والملق والرياء سلماً للوصول إلى مبتغاه.

٣- ألا يفعل في الخفاء ما لو ظهر أمام الناس لذموه عليه، لأن عمل القبيح في السر يعني أن تجنبه في العلانية تصنُّعٌ ورياء.

٤-حفظ اللسان عن ألفاظ أهل الخلاعة والمجون، وعن سفه القول.

ثانياً: الإلحاد أسبابه، طبائعه، مفاسده، أسباب ظهوره، علاجه:

الإلحاد: هو نطق المرء بآرائه الزائعة، من الطعن في وجود الإله الحق، أو في صدق النبوة وحكمة التشريع.

ولعل أبرز الأسباب لنشأة الملحدين، هو: أن ينشأ الشخص في بيت خالٍ من آداب الإسلام، ومبادئ هدايته، ويمكن مقاومة الإلحاد عن طريق رجال الإصلاح، الذين يُبينون للناس حقيقة دينهم، ويمثلون مشعل الهداية والإصلاح في المجتمع.

* ومن أبرز صفات هؤلاء الملحدين: 

فرحهم بتهمة عالم كبير بالإلحاد، واستهزاؤهم بالدين، وانهماكهم في الفسوق، وتناقضهم في الأقوال، وإنكارهم المعجزات الكونية، ودسُّهم في الشريعة ما ينافي حكمتها، وإنكارهم العمل بالحديث، وتأويلهم القرآن على حسب أهوائهم، وصداقتهم للمجاهرين بالجحود، وإلحاحُهم في الدعوة إلى حرية الرأي في الدين، وبَسْطُ ألسنتهم في رجال الدين، ودعوتهم إلى الإلحاد، واتباع الشهوات، والانطلاق في الإباحية.

ثالثاً: في مفاسد البغاء:

إن الزنا والبغاء إذا فشا في المجتمع؛ فإنه يفتك بالفضيلة، ويقتلع الحياء من منابته، فلا يبقى في نفس صاحبه ذرة من الحياء، ويلبس وجهه رقعة من الصفاقة، ومن لم يستح، هان عليه ارتكاب ما لا يليق بالإنسانية أن ترتكبه.

ولا شك أن هذه المهنة الوضيعة تذهب بكرامة الفتاة، وتكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها.

ولما يحتوي عليه الزنى من المفاسد الكبيرة، حذَّر الدين الحنيف من القرب منه، وسلك في التحذير منه طرقا حكيمة، فحزَم أموراً شأنها أن تكون ذريعة إليه؛ كالاختلاء بالأجنبية، أو النظر إليها نظر شهوة، ووضع له عقوبة رادعة في الدنيا، وتوعَّدَ فاعله بعذاب الهون في الأخرى.

رابعاً: كلمة في المسكرات:

المسكر: هو كل ما أذهب العقل، وجعل المرء تحت تصرف الخيال، فتنبعث إرادتها عن غير تعقل، وتصدر أفعالها في غير حكمة، ولا تزال تنقص من عقل المولع بها شيئاً فشيئاً، حتى يقع في خبال، أو ما يقرب من الخبال.

ومن مفاسد المسكرات: أنها تندفع بالشهوات إلى الفسوق، وهل في إمكانك أن تجد مولعاً بالخمور يحفظ فرجه عن موبقة الزنا، أو ما يشبه الزنا؟ بالإضافة إلى أنها تجعل من يتعاطى المسكر  ضعيف الفكر، خفيف العقل، ولا يصل -ولو بعد صحوه -إلى ما يصل إليه أقرانه الأذكياء؛ من آراء سامية، ونتائج صادقة، وإنفاق المال في غير فائدة.

خامساً: الشجاعة:

لا بد للأمة أن تكون عزيزة الجانب، صلبة القناة، وذلك بمقارعة الباطل، ومدافعة الطغيان، وهي قسمان: شجاعة حربية، وشجاعة أدبية.

فبالشجاعة الحربية تحمي الأوطان من مهاجمة الأعداء، ويسود الأمن في البلاد، وبالشجاعة الأدبية يقيم الناس الحق، ويرجعون إلى الصواب.

سادساً: المساواة في الإسلام:

والمراد بالمساواة: أن يكون الناس في عصمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وفي التمتع بكل ما هو حق لهم، على سواء.

والواقع أن عدم المساواة في التنفيذ يعد جناية على التشريع والقضاء؛ حيث يجعلهما عملاً بلا ثمر، وحبراً على ورق، وماذا ينفع تشريع أو قضاء لا نفاذ له؟.

سابعاً: إباءة الضيم وأثرها في سيادة الأمم:

والضَّيْم: الظلم والاضطهاد، وإباءته: كراهته والنفور منه، ولهذا الخالق ارتباط وثيق بعزة النفس، والبطولة، فمن لم يغضب لوقوع الضيم، أو لم يبذل وسعه في التخلص أو الحذر منه، فهو محروم من هذا الخلق المجيد.

ثامناً: عِظَمُ الهمّة:

وإنّا لو أخذنا نبحث عن مفاخر أولئك الذين يلهج التاريخ بأسمائهم، لوجدنا معظم مفاخرهم قائمة على الهمة التي حملوها بين جوانحهم، وساروا بها بين الأنام، وكيف فتحوا لنا طرقاً قيمة للتعرف على هذا العلم، وجعلوه في تجدد ونماء.

تاسعاً: الإسلام والمدنية الحديثة.

إن الإسلام يحث أبناءه على العمل وفق القوانين الأخلاقية العالمية من عدل ووفاء وإحسان ونحو ذلك وهو ما يعرف بالمجد الأخلاقي، بينما المجد القومي فهو سيطرة واستغلال وتسخير للأمم الضعيفة لمصلحة الأمم الكبيرة، ولو اضطرها ذلك إلى إسالة الدماء البريئة، وإذلال الأعزة، ورفع شأن الأذلة، وهذا ليس من الأخلاق في شيء، والسياسي الماهر في المدنية الحديثة هو من استطاع أن يذل الأمم المحكومة ويكبت صوتها، ويعلي من شأن أمته ويظهر سيطرتها

عاشراً: صدق اللهجة

للصدق صورة واحدة، وهي أن تصوغ القول على نحو ما تعتقد، ويكون اعتقادك مطابقاً للواقع، ولا يستقيم لأحد سؤدد، أو يحرز في قلوب الناس مكانة، إلا حيث يهبه الله لساناً صادقاً.

الحادي عشر: فضيلة الإخلاص:

ومدار الإخلاص على أن يكون الباعث على العمل أولاً امتثال أمر الله، ولا حرج على من يطمح بعد هذا إلى شيء آخر، بنعيم الآخرة، أو النجاة من أليم عذابها، بل لا يذهب بالإخلاص -بعد ابتغاء وجه الله -أن يخطر في باله أن للعمل الصالح آثاراً في هذه الحياة؛ كطمأنينة النفس، وأمنها من المخاوف، وصيانتها من مواقف الهون، إلى غير هذا من الخيرات التي تعقب العمل الصالح، ويزداد به إقبال النفوس على الطاعات قوة على قوة.

الثاني عشر: الأمانة في العلم:

الأمانة زينة العلم وروحه الذي يجعله زاكي الثمر، لذيذ المطعم، وإذا قلبت النظر في تراجم رجال العلم، رأيت بين العالم الأمين وقرينه غير الأمين بونًا شاسعًا، ترى الأول في مكانة محفوفة بالوقار، وانتفاع الناس منه في ازدياد، وترى الثاني في منزلة صاغرة، ونفوس طلاب العلم منصرفة عن الأخذ عنه، أو متباطئة.

وقد تقرأ كتاباً، فتراه حافلاً بالمسائل النادرة، فيكبر صاحبه في عينك، ومتى عرفت أنه من المطعون في أمانتهم، شعرت بأن شطرًا من ذلك الإكبار قد ذهب، وخالطك الريب في صحة ما أعجبت به من المسائل الراجعة إلى الرواية.

الثالث عشر: القضاء العادل في الإسلام:

قال ابن عبد السلام يصف القضاة العادلين: "وربما كان بعضهم يحكم على من ولّاه، ولا يقبله إن شهد عنده". ومن القضاة العادلين من تطرح بين يديه قضية يدلي فيها أحد الخصمين بشهادة الخليفة نفسه، فيرد الشهادة في غير مبالاة.

الرابع عشر: الإنصاف الأدبي:

والإنصاف الأدبي من الخصال التي لا ترسخ إلا في نفس نبتت في بيئة صالحة، وارتضعت من ثدي التربية الصحيحة لبناً خالصاً، والجماعة التي تفقد هذا الخلق تفقد جانباً عظيماً من أسباب السعادة، ويدخلها الوهن بعد الوهن، حتى تتفرق أيدي سبأ.

الخامس عشر: العلماء والإصلاح:

ومن أدب العلماء: أن ينصحوا للأمة فيما يقولون أو يفعلون، ويحتملوا ما ينالهم في سبيل النصيحة من مكروه، وكم من عالِم قام في وجه الباطل، فأوذي فتجلد للأذى، وأجاب داعي التقوى متأسياً بقوله - صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون".

ولا يستحق لقب عالم أو مصلح ذلك الذي يدعو الناس إلى العمل الصالح، ويقبض عنه يده، أو ينهاهم عن العمل السيئ، ولا يصرف عنه وجهه، فمن أدب العلماء: أن يسابقوا الأمة إلى اجتناب ما يُؤاخَذُ به، وعمل ما يحمد عليه؛ كأن ينفقوا في وجوه البر والمشروعات الصالحات ما ينفقه أمثالهم من المكثرين أو المقلين؛ فإن ذلك أدل على إخلاصهم، وأدعى إلى توقيرهم وقبول نصائحهم.

السادس عشر: المدنيَّة الفاضلة في الإسلام 

إن الإسلام لم يدع مكرمة إلا نبه على مكانها، وندب على التجمل بحليتها، وقد عُني بمزايا هي أساس رقي الأمة وانتظام حياتها الاجتماعية؛ كالصدق والأمانة، والعفاف، والحلم، والعفو، والتراحم، والعدل، وعزة النفس والشجاعة، وحرية الضمير والإقدام على قول الحق وبذل المال في وجوه البر.

وإذا شاءت الشعوب الإسلامية أن تكون المثل الأعلى للمدنية الفاضلة، ففي استطاعتها أن تتحرى نصائح الدين الحنيف، وفي احترام رؤسائها وزعمائها لأحكام الدين ونصائحه أخْذ بالسياسة الرشيدة، وهي التصرف في شؤون الأمة على مقتضى إرادتها.

السابع عشر: أصول سعادة الأمة:

سعادة الأمة: أن تستنير عقولها، وتسمو أخلاقها، وتغتبط بالنظم التي تساس بها، وترضى عن طريق تطبيقها، وترتاح إلى تنفيذها، وتأمن أن تمتد يد غريبة إلى حق من حقوقها.

الثامن عشر: صدق العزيمة أو قوة الإرادة:

وتنشأ قوة الإرادة من كمال بعض السجايا الأخرى، وبلوغها غاية قصوى؛ كسجية إباءة الضيم تهز الضعيف، وتثير في نفسه العزم على أن يدافع القوي عن حقوقه ما استطاع دفاعه، وكذلك خُلُق الشجاعة يجعل الرجل أمضى عزماً، وأسبق إلى الحروب من الجبان الذي يتمثل له الموت في كل سبيل.

التاسع عشر: الغيرة على الحقائق والمصالح:

الغيرة على الحق من مقتضيات الإيمان به، تقوى بقوته، وتضعف بضعفه، وتفقد حيث لا يكون القلب مؤمناً؛ فلا يجتمع الإيمان بالحق مع موالاة من يحاربه في السر أو العلانية. والغيرة الصادقة: هي التي تنهض بصاحبها إلى مكافحة المبطل أو المفسد، وتقويم عوجه في تثبت وحزم.


وكذلك الغيرة على الحقائق تكون على قدر تفاضلها فيما يترتب عليها من العواقب، فالغيرة الصادقة: أن يتألم الرجل من الجهل على مقام الإلهية، أو الرسالة العظمى أشد مما يتألم للطعن في نفسه، أو في أخ له، أو صديق، ويتألم مسجد، أو إلغاء مدرسة أشد مما يتألم لهدم بيت، أو إهمال حديقة.

العشرون: الشجاعة وأثرها في عظمة الأمم:

 والشجاعة، هي: الإقدام في المواطن التي ينبغي فيها الإقدام؛ كمواقف الدفاع عن النفس، أو العرض، أو الدين، أو المستضعفين من الناس. ويكفي في شجاعة الرجل أن لا يعظم في نفسه الخوف حتى يمنعه من الإقدام، أو يرجع به إلى انهزام.

الحادي والعشرون: كبر الهمّة في العلم:

كبر الهمة في العلم، هي: أن تقضي الوقت في درس أو مطالعة أو تحرير، وأن تقتحم في سبيل ذلك المصاعب، وتدافع ما يعترضك من العوائق، وأن تبسط النظر في كل مسألة تصديت لبحثها؛ حتى تنفذ إلى لبابها، وأن تضع يدك في كل علم استطعت إليه طريقاً، ثم تحط رحلك في علم تكون فيه النجم الذي يهتدي به المدلجون، والغيث الذي ينتجعه الظامئون، وكبر همتك في العلم يأبى إلا أن يكون للعلم مظهر، هو: العمل به، والسير على ما يرسمه من الخطط الصالحة في هذه الحياة.

الثاني والعشرون: الدهاء والاستقامة:

إن الغفلة وضعف الفطنة عن نواحي الشر، دينية أو دنيوية، لا تدخل في سلك الكمال، ولا تستدعي مدحًا، وإنما الكمال في اليقظة والكياسة، ولا يصح أن يكون الإيمان - الذي هو أساس استنارة الفكر - سببَ الانخداع لتمويه مبطل، أو مخاتلة ذي مأرب. ولا يعتمد رئيس القوم على القوة يستطيع أن يخمد بها كل فتنة، ويرى أنه في غير حاجة إلى أن ينظر في منابت الفتن بدهاء، فللدهاء مواضع يظهر فيها فضله على القوة، ويحتاج الحكم إلى الدهاء في استبانة الحقوق؛ حيث ترفع إليه الدعاوى مجردة من كل بينة؛ فيستطيع نقد البينات، وتمييز زائفها من صحيحها.

الثالث والعشرون: الانحراف عن الدين علله، آثاره، دواؤه:

حقّ علينا أن نبحث عن علل انحراف هذه النفوس حتى نعرف طريق علاجنا، فنزيح أو نخفف مرضًا لو خلينا سبيله، لسرى إلى نفوس كثيرة، وعاقنا أن نسير إلى السعادة كيف نشاء. وأسباب الانحراف كثيرة، وجماعها: الجهل، والدعايات الباطلة، وأما آثار هذا الانحراف أن هذا الشخص لا يمكث أن ينحط في المآثم، وينبذ الأدب الرفيع والعمل الرشيد.

الرابع والعشرون: ضلالة فصل الدّين عن السّياسة:

ومناسبة هذا المقال هو الرد على بعض العلمانيين الذين كتبوا في ذم التدين، وضرورة فصل الدين عن الدولة، يقول: ما كدنا ننتهي من إماطة أذى ذلك الذي ادعى أنه يفسر القرآن بالقرآن (وهو أبو زيد الدمنهوري)، حتى خرجت إحدى المجلات تحمل مقالاً تحت عنوان: "داء الشرق ودواؤه"، وفي هذا المقال دعاية إلى فصل الدين عن السياسة، وبلغ بكاتبه الحال أن زعم أن سبب تأخر المسلمين عدم فصلهم الدين عن السياسة.

وقد جاء الإسلام بأحكام وأصول قضائية، ووضع في فم السياسة لجاماً من الحكمة، فإنما ينكره من تجاهل القرآن والسنّة، ولم يحفل بسيرة الخلفاء الراشدين؛ إذ كانوا يزنون الحوادث بقسطاس الشريعة، ويرجعون عند الاختلاف إلى كتاب الله، أو سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الخامس والعشرون: سماحة الإِسلام في معاملة غير المسلمين:

المخالفون في نظر الإِسلام: محاربون، أو معاهدون، أو أهل ذمة، والمراد: ذمة الله؛ أي: عهده، فهذا الاسم يشعر بأن من مسهم بأذى، فقد خان عهد الله، وعهد دينه الحنيف. ومن رضي من المعاهدين بالإقامة تحت راية الدولة الإِسلامية، فقد قرر لهم الدين من الحقوق ما يكفل لهم حريتهم، ويجعلهم أعضاءً حية مرتبطة بسائر أعضاء الأمة المسلمة ارتباطَ ألفة وعطف وتعاون. توجد هذه الروابط في القرآن والحديث، وآثار الصحابة، وأقوال أهل العلم من بعدهم.

السادس والعشرون: العزّة والتواضع:

تمتاز عزة النفس في الأذهان عن الكبرياء امتياز الصبح من الدجى؛ إذ العزة: ارتفاع النفس عن مواضع المهانة، بينما الكبرياء: استنكاف النفس أن تأتي صالحاً، بتخيل أن ذلك العمل لا يليق بمنزلتها، أو تعظمها عن أن تجامل ذا نفس زاكية بزعم أنه غير كفء لها. ويقابل العزَّةَ: الضِّعةُ، وهي انحدار النفس في هوة المهانة، ويقابل الكبرياء: التواضع، وهو إذعانها للحق، ونظرها إلى ذي النفس الزاكية، أو المستعدة لأن تكون زاكية، نظرَ احترام، أو عطف وإشفاق.

السابع والعشرون: المداراة والمداهنة:

والمداراة ترجع إلى حسن اللقاء، ولين الكلام، وتجنب ما يشعر ببغض أو غضب أو استنكار، إلا في أحوال يكون الإشعار به خيراً من كتمانه. فالمداراة خصلة كريمة، يحكمها الأذكياء، ولا يتعدى حدودها الفضلاء.

بينما المداهنة، إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل، أو عمل مكروه، وأصلها الدِّهان، وهو: الذي يظهر على الشيء، ويستر باطنه. وتضم المداهنة تحت جناحيها: الكذب، وإخلاف الوعد.

الثامن والعشرون: الرفق بالحيوان:

امتنَّ الله تعالى بالأنعام والخيل وما عطف عليها، ونبه على ما فيها من جَمال وزينة، وفي هذا ما يرشد إلى أن يكون الاستمتاع بها في رفق ورعاية؛ فإن إرهاقها، أو قلة القيام على ما تستمد منه حياتها، يجعل نفعها ضئيلًا، ويذهب بما فيها من جَمال وزينة.

التاسع والعشرون: محاكاة المسلمين للأجانب:

إن الحقيقة الماثلة اليوم هي أن الأمة إذا كانت ذات معارف وسطوة، تهافت الناس على محاكاتها في غير تدبر واحتراس، وربما سبقوا إلى ما يعدّ من سقط متاعها، ومستهجن عاداتها، فصبّوا هممهم في تقليدها فيه، فزادوا شعبهم وهناً على وهن، وكانوا كالعثرات تعترضه، فتعوقه عن السير، أو تجعل سيره في الأقل بطيئاً.

الثلاثون: الاجتماع والعزلة:

خُلق البشر لحكمة سامية، هي: عبادة مبدع الكائنات وحده، والعبادات: عقلية؛ كالإيمان بالخالق، وبدنية؛ كالصلاة، ومالية؛ كالزكاة، ومركبة من ماليّ وبدنيّ؛ كالحج والجهاد، فالعبادات لا تقام على وجهها إلا بوسائل هي: صحة الفكر، وسلامة البدن، وذات اليد، ولهذه الوسائل وسائل تسبقها؛ كالزراعة، والصناعة، والتفقه في الدين، وبعض العلوم النظرية؛ كالمنطق، أو الكونية؛ كالطب، وليس في استطاعة الفرد أو الرهط من الناس الاستقلال بهذه الوسائل، فاحتاج الناس بمقتضى فطرتهم وما خلقوا من أجله إلى التعارف والتعاون، ولا تعارف ولا تعاون إلا بالاجتماع.

الحادي والثلاثون: علّة إعراض الشبّان عن الزواج:

وإذا نظرت إلى أن حكمة الله تعالى قد اقتضت بقاء النسل؛ لإقامة الشرائع، وعمران الكون، وإصلاح الأرض، وأن النسل الصالح لا يبقى إلا بالزواج، رأيت كيف كان الزوج وسيلة إلى تحقيق أمور عظيمة أحبّ الله أن تكون، وحبب للناس القيام عليها.

الثاني والثلاثون: النبوغ في العلوم والفنون:

النابغة أو العبقري هو الذي يحدث علماً أو فناً من فنون الأدب لم يكن شيئاً مذكورًا؛ كما صنع الخليل بن أحمد في علم مقاييس الشعر، أو ينقله من قلة إلى كثرة؛ كما صنع عبد القاهر الجرجاني في علم البلاغة، ودون هذه الدرجة درجات، وسموّ كعب العالم أو الأديب في العبقرية على قدر ما يأتي به من أفكار مبتكرة، أو ما يستطيعه من حل المسائل المعضلة.

الثالث والثلاثون: متى تكون الصّراحة فضيلة:

والحقيقة: أن الصراحة التي تعد من خصال الحمد، واقعة بين طرفين مذمومين، فطرف التفريط فيها يرجع إلى علة الجبن، أو الطمع، أو الجهل بما تأتي به الصراحة من خير كثير. وطرف الإفراط فيها يرجع إلى علة العجلة، وقلة التروي فيما تثير بعض الأقوال الصريحة من عداوات خاصة، أو فتن عامة.

الرابع والثلاثون: رسائل الإصلاح:

يقول الكاتب أحمد الشرباصي: إنه مجموعة من المقالات الممتعة التي كان يزين بها الأستاذ الخضر جيد مجلته "الهداية الإسلامية"، والجزء الأول من الكتاب يتحدث عن مسائل الأخلاق والاجتماع، فتقرأ فيه القول الفصل، والكلام الجزل، والحديث المؤيد بكتاب الله وسنّة رسوله، وأقوال السلف الصالح، وتراه يتناول أبحاثًا لها أهميتها، فيجيد في الدراسة والعرض، والاستتتاج والحكم؛ مثل حديثه عن: العلماء والإصلاح، والإنصاف الأدبي، والدهاء والاستقامة، والرفق بالحيوان، والتعاون في الإسلام، والنبوغ في العلوم والفنون، وغير ذلك.

الخامس والثلاثون: المكتبة العربية رسائل الإصلاح:

يقول الشيخ عبد الفتاح مصطفى: زوّد السيد محمد الخضر حسين المكتبة العربية بكتابه: "رسائل الإصلاح" الذي صدر الجزء الأول والثالث منه في الأخلاق والاجتماع، تناول فيه كثيراً من المسائل الحيوية التي تتصل بحياة الإنسان اتصالًا وثيقًا، وبحثها بحثًا منطقيًا غيرَ متعصب لآراء السابقين، أو مشايم فيها جنوح المجددين المندفعين، وإنما سار فيها مستضيئاً بنور اليقين، وكتاب الله وسنّة سيد المرسلين، فجاعت البحوث آية من آيات البيان، دالّة على صدق إخلاصه لرسالته، وإيمانه بدعوته، معتمداً على الله في سبيل نجاح غايته.




اكتب لها (write to her) محمد الباقر السعد بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

اكتب لها (write to her)

محمد الباقر السعد

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ وهبَ الله للإنسان لساناً يعبر به عما يجول في نفسه من آراء ومشاعر، من حب وبغض، وسرور وحزن، ولذة وألم، لكن بعض المتحدثين قد لا يحكم لسانه إذا تكلم، ولا قلمه إذا كتب، فيفرط في صراحته حتى ينساب في وديان السراب، ويبحر في أعماق الظلام واليأس، وقد يلام على ذلك؛ لأن النفوس عادة لم تتهيأ لقبول مثل هذه الأشياء؛ لما طبعت عليه من الغيرة الشديدة، ولذلك فإن إظهارها ينافي المروءة، وخير الأمور في هذه الحالة خزن اللسان، فإن ذلك أدعى إلى استقامة القلب وصلاحه.

ونحن لا ننكر الحب أو نقف منه موقف العداء والرفض، لأن الحب غريزة في كل إنسان، وإنكاره يعني إنكار وجود الإنسان نفسه، لأن الإنسان في جملته كتلة من المشاعر والأحاسيس، وقد أقرَّ الإسلام وجود هذه الأمور، لكنه نظمها وهذبها وجعل لهذا الحب قنواته المشروعة، التي تحدد مسار سلوك الفرد، بحيث لا يقع في الانحراف الخلقي أو الاجتماعي أو النفسي، ولا يرتكب ما يشينه في دينه أو دنياه.

وقد آثرت وضع هذه الكلمات في مقدمة المقال؛ حتى لا يعترض علينا أحد فيما ننشر أو نكتب، ومن المؤسف أن يكون المحب طول عمره في حيرة وتيه، فلا يظفر بمن يحبه، ولا يدع التعلق به، فالأمر كما يقول: (يشبه أن تقف طوال عمرك في منتصف غرفة، ولا يسمح لك بالاستناد على شيء)، كذلك الحب الذي يأتي على غفلة، لا يمنحك الكثير من الوقت لتفعل ما تشاء، لكن الذاكرة والخيال قد يسعفانك ببعض الأمنيات، التي قد لا تتحقق فيما بعد. 

وبهذه الكلمات يبدأ الكاتب هجرته في رسالته، وربما كان هذا الحب من طرف واحد، فيأتي باهتاً لا لون له ولا طعم، ويعد هذا النوع أخطر أنواع الحب، لانه حب صامت أو ميت، لا حركة فيه ولا تجاوب، وهو أقرب إلى العبث منه إلى الحب، وأخيراً لا فائدة في استمراره.. كما أنه يجعل الحب محطم القلب، مضيع الوقت، مشتت الفكر، خائب السعي.

 يقول الكاتب: «اعرف ان عمري سرق، ونفسي سرقت، وقطار الحياة أوشك على الفوت»، ولكنه مع ذلك يتمادى في هذه المحبة، وأسلم نفسه للضياع.

وربما يكون صمت المحب وكتمانه أشد عليه من الحب نفسه، ومع ذلك فإن هذه المجهدة العظيمة يرى ثمرتها في نفسه وعقله وتفكيره، والأصعب من ذلك تفلت الكلمات وشرودها أمام إجلال الحبيب وهيبته، فصورته تمحو كل الكلمات التي تتبادر إلى الذهن، وتبقى لغة العينين تنطق بطريقتها في التعبير.. 

ويستغرق المؤلف فصول كتابه بعبارات تغمرها حسرات الأسف على فقدان المحبوب، كأنه قدر مكتوب؛ فيقول: «كم تمنيت أن يطول الحديث بيننا لساعات طويلة دون انقطاع لكن كانت (مجرد امنيات)».. 

لا شك أن رحلة العشق دائماً ما تكون محفوفة بالبؤس وفقدان الشعور، لأن ربيع المحبوب يغلبني، وأحس بأن عطر هواك يسري في جميع أجزائي..  ويحاور المؤلف نفسه متسائلاً: ماذا فعلت بي حتى اختل عقلي وجعلت كل الكلمات تتلاشى من افكاري.. 

ثم يواسي نفسه بعبارات لطيفة ملؤها الحنين، فيقول: سأبقى بجوار قلبك دائما رغم المسافة والبعد؛ وختاماً لقد أصبح حبها مصدراً للتشتت والانهيار .. ولا شك أن هذا الحب الصعب (ضرب من الجنون).