أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 أبريل 2023

صفة الجنة لأبي نُعيم بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

صفة الجنة لأبي نُعيم

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ الجنة هي دار الكرامة التي أعدها الله لعباده المؤمنين، وحظرها على الكفار والمشركين، وجعل ثلثي أهلها من هذه الأمة، وشرفها بكونها أول الأمم دخولاً لها، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن عامة من يدخلها هم الفقراء والمساكين، وقد جعلها ربنا -سبحانه -خضراء ناعمة، ذات أنهار مطردة، وثمار طيبة، وزينها لأهلها عند قدومهم إليها، ولم يجعل فيها كدر ولا قذر ولا حجر ولا مدر، ووهبهم فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأعلاها جنة عدن التي هي منازل الأنبياء والشهداء والصالحين، ودونها الجنات عن يمينها وعن يسارها.

أما عن نفقات البناء في الجنة؛ فيقول الحسن البصري: الملائكة يعملون لبني آدم في الجنان، يغرسون ويبنون، فربما أمسكوا، فقيل لهم: قد أمسكتم! فيقولون: حتى تأتينا النفقات، فقال الحسن: فابعثوهم -بأبي أنتم وأمي -على العمل.

ومن العجيب أن أهل الجنة يتحسرون لا لأنهم عصوا ربهم في الدنيا، بل لأنهم تركوا فيها ساعة لم يملأوها بذكر الله عز وجل، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعةٍ مرّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها) [رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، كما في صحيح الجامع (5322)].

ويشرح ذلك الإمام الأوزاعي -رحمه الله -بقوله: "ليس ساعةٌ من ساعات الدنيا إلا وهي معروضةٌ على العبد يوم القيامة، يوماً فيوماً، وساعة فساعة، ولا تمرُّ به ساعة لم يذكر الله فيها إلا انقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرّت به ساعة مع ساعة، ويوم مع يوم، وليلة مع ليلة" [مع العارفين (ص 19)].

وهذا الكتاب بأجزائه"الأول والثاني والثالث" يتناول الأحاديث الواردة في الجنة، وخلقها، ومكانها، ومفتاحها، وسعتها، ودرجاتها، وثمنها، وطلبها، وعددها، وأبوابها، وأول من يدخلها والسابقين إليها، وأصناف أهلها، وذكر من يدخلها بغير حساب، والمكارم التي حوتها، وكونها محفوفة بالمكاره، والأمر بتذكرها وعدم نسيانها، وعامة ساكنيها، وطيب نسيمها واعتدال هوائها، ولونها وتربتها، وحجبتها وخزانها، ونسائها، وحورها، وأسنان أهلها، ورؤيتهم لمولاهم، وأنهارها، وكلام أهلها، وعموم نعيمها الوارد في الحديث الصحيح الثابت: «في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».

وجملة ما في هذا الكتاب من الأحاديث (٣٥٤) حديثاً ما بين مرفوع وموقوف ومقطوع، صحيح وضعيف وشديد الضعف، وفيه بعض الموضوعات، وهو بالجملة كتاب نافع من الأمهات، ينبغي الاعتناء به.

أهمية الكتاب:

يمكن أن نتلمس أهمية الكتاب من عدة أمور:

۱- شخصية المؤلف المشهورة، وخصوصاً من خلال كتابه «حلية الأولياء».

۲ -أنه مرجع جيد في بابه، وموضوعه، وخصوصاً لمن ألف في هذا الموضوع، من أمثال المحقق ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح»، والحافظ ابن كثير في كتابه «النهاية»، والحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب»، وغيرهم.

٣- تنوع مادته، وعلو إسناده نسبةً لغيره من العلماء كالحافظ المقدسي مثلاً في كتابه «صفة الجنة» ، والذي لم يصلنا كاملاً.

٤-ـ التعرف على ثروة ضخمة من مشايخه.

٥- هناك أحاديث قد يتفرد بها المؤلف كالحديث الذي عزاه المنذري في الترغيب : (٥٢٣/٤ ) رقم (٦٢)، فدراسة هذه الأحاديث تمكننا من الحكم على أسانيدها، ومن ثم الحكم على درجتها من صحة، أو ضعف.

ترجمة الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني

أ-اسمه ونسبه: 

هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني.

وذكر الذهبي، والسبكي: أنه سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء، إلا أن الدكتور محمد لطفي الصباغ ذكر أن المؤلف نفسه قد ذكر أن أباه هو سبط محمد بن يوسف، ثم أضاف الدكتور: وجد الوالد جد للولد، فقد يكون هناك تساهل يُجيزه العرف.

ب ـ أصله: 

فارسي، وجده الأعلى مهران مولى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

ج - ولادته وبلده: 

ولد في رجب سنة ٣٣٦ هـ على الراجح في أصبهان.

هـ ـ ثناء العلماء عليه: 

قال الحافظ الذهبي: وكان حافظا مبرزاً عالي الإسناد، تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي، وهاجر إلى لقية الحفاظ. وكان الذهبي قد ذكر في بداية ترجمته، قوله: الإمام الحافظ، الثقة العلامة، شيخ الإسلام.

وقال أحمد بن محمد بن مردوية: كان أبو نعيم في وقته مدخولاً إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كل يوم نوبة واحد منه. يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره، ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء، وكان لا يضجر، لم يكن له غداء سوى التصنيف والتسميع.

وقال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقى أبو نعيم ١٤ سنة بلا نظير، لا يوجد شرقاً، ولا غرباً أعلى منه إسناداً، ولا أحفظ منه، وكانوا يقولون: لما صنف كتاب (الحلية) حمل الكتاب إلى نيسابور حال حياته، فاشتروه بأربعمائة دينار.

وقال الخطيب البغدادي: (لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين هما: أبو نعيم الأصبهاني، وأبو حازم العبدوي الأعرج).

وقال الحافظ ابن كثير: (الحافظ الكبير ذو التصانيف المفيدة الكثيرة الشهيرة).

وكذا أثنى عليه السبكي، وابن خلكان، وابن النجار، وابن تيمية.

وقال الحافظ الكبير ابن عساكر الدمشقي: الشيخ الإمام أبو نعيم الحافظ، واحد عصره في فضله، وجمعه، ومعرفته صنف التصانيف المشهورة مثل (حلية الأولياء وطبقة الأصفياء)، وغير ذلك من الكتب الكثيرة في أنواع علوم الحديث والحقائق وشاع ذكره في الآفاق، واستفاد الناس من تصانيفه لحسنها.

وقال ابن العماد الحنبلي: تفرد في الدنيا بعلو الإسناد مع الحفظ والاستبحار من الحديث وفنونه.

و - مذهبه: كان أشعري الاعتقاد، شافعي المذهب، زاهداً على طريقة الأوائل رحمه الله تعالى.

ز - شهرته ومنزلته: يقول الدكتور الصباغ: أتيح لأبي نعيم في حياته شهرة نادرة المثال، وأهم أسباب ذلك فيما يبدو لي:

۱ - طول عمره، فلقد عمر أربعاً وتسعين سنة، وكان متمتعاً بقواه العقلية ونشاطه العلمي.

٢ – علو أسانيده.

٣- تفرد بالرواية عن أقوام متقدمين، وكان الفضل في ذلك بعد الله لأبيه، وهذا التفرد بالرواية عن أولئك المتقدمين مكنه من إلحاق الصغار بالكبار.

٤ - كثرة مؤلفاته وكان يوصف دائماً بأنه صاحب التصانيف.

٥- جمعه لجوانب عديدة فهو محدث كبير، وصوفي شهير، ومشارك في الأمور الأخرى، فقد وصفوه بالعلم والحفظ والفقه.

٦ - حيويته وسعة اتصالاته وكثرة تلامذته ومشايخه.

ح - مؤلفاته: ذكر الدكتور الصباغ لأبي نعيم خمسين مؤلفاً.

ط - مواقف العلماء من أبي نعيم ومآخذهم عليه: 

ذكر الدكتور الصباغ في كتابه (أبو نعيم وكتابه الحلية) ( ص ٣٧ - ٥١ ): بحثاً مطولاً ممتعاً في الكلام على مواقف العلماء منه، ولولا خشية الإطالة لنقلته بتمامه، غير أني أذكر هنا ملخصاً لبعض ذلك من «سير أعلام النبلاء» (١٧ / ٤٥٩ - ٤٦٢ ):

فمن ذلك معتقده الأشعري المخالف للحنابلة، - وقول الخطيب البغدادي: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة: أخبرنا من غير أن يبين، إلا أن الذهبي رد عليه بقوله: هذا شيء قل أن يفعله أبو نعيم ، وكثيراً ما يقول : كتب إليَّ الخُلدي، ويقول: كتب إلي أبو العباس الأصم .... ولكني رأيته يقول في شيخ له: أخبرنا عبد الله ابن جعفر بن فارس فيما قريء عليه، فيوهم أنه سمعه، ويكون مما هو له بالإجازة، ثم إطلاق الإخبار على ما هو له بالإجازة مذهب معروف قد قد غلب استعماله على محدثي الأندلس، وتوسعوا فيه ... فبطل ما تخيله الخطيب، وتوهمه، وما أبو نعيم بمتهم، بل هو صدوق عالم بهذا الفن، ما أعلم له ذنباً ـ والله يعفو عنه ـ أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه، ثم يسكت عن توهينها.

ي - وفاته: 

مات رحمه الله ، في ۲۰ من المحرم سنة ٤٣٠ هـ وله ٩٤ سنة.

فهرست الموضوعات

مقدمة التحقيق ٧

 ترجمة المؤلف ١٧

 كتاب صفة الجنة لأبي نعيم الحافظ ٢٩

ذكر تحثيث الله تعالى على المسابقين إلى جنته العريضة وساحته الفسيحة التي خلقها عدة لمن وحده وألقى الشرك وعبده  ٣١

قوله تعالى: والله يدعو إلى دار السلام ٣٣

ذكر جنات عدن وأنها دار الرحمن والجنان حولها ٣٦

ذكر الأرض التي جعل الله للصالحين من عبيده ميراث راثاً ومآباً ٤٠

ذكر خلق الجنة وأمر الله عز وجل إياها بعد الخلق بالكلام  ٤١

ذكر المكارم التي حوت الجنة، وحث النبي ﷺ على الاستباق إليها والتشمير والمجاهدة في الظفر بها ٤٩

نوع آخر تحثيثه على طلب الجنة وتشويقه إلى ما فيها ٥٤

ذكر الجنة وأنها محفوفة بالمكاره ٦٥

ذكر الجنة وأنها معروضة لمن اختارها وسلعة لمن ابتاعها ٧٠

ذكر ثمر الجنة ومفتاحها ٧١

ذكر تفضيل قيد سوط من الجنة على الدنيا وما فيها ٧٥

ما ذكر من الجنة أنها محظورة إلا على الموحدين ٨٢

أمر النبي ﷺ بتذكار الجنة وتسميته إحدى العظمتين ٨٩

ذكر مسألة الجنة وشفاعتها إلى الله في من طلبها واشتاق إليها ٩٠

 ما ذكر من أن عامة ساكنها الضعفاء والفقراء ٩٥

ذكر أول من يسبق إلى الجنة ويدخلها ١٠١

ذكر من اشتاقت إليهم الجنة ١١١

ذكر اشتياق الحور العين إلى أزواجهن المؤمنين ١١٤

ذكر الأمان لأهل سكان الجنة من الموت والطعن فيها وما ينادون به من التباشير عند دخولها ١١٥

ذكر تحية الرب تعالى وتسليمه على سكانه في جواره ۱۱۸

ذكر دخول الملائكة - عليهم السلام ـ واستئذانهم عليهم بالتسليم  ۱۲۱

ذكر الملك الكبير لمن أسكن جواره في داره ١٢٤

ذكر ما يبشرون به من الخلود والفرح بالذبح لقوله تعالى آمنين لا يذوقون فيها الموت ۱۳۱

ذكر القصور المنجدة والمقاصير المعدة مما عجزت عن رؤيته العيون وعن إدراكه الخواطر والظنون أعدها الله تعالى لأوليائه نُزُلاً ١٣٥

ذكر اتفاق أسماء ما فيها من النعيم، أسامي ما في الدنيا واختلاف طعمها وذوقها ١٤٧

ذكر طيب نسيمها واعتدال هوائها ١٤٨

ذكر لون الجنة ١٥٠

ذكر مكان الجنة وقراره ١٥٢

ذكر بناء الجنة ١٥٧

ذكر أرض الجنة وبياض تربتها ١٦٣

فهرس الأحاديث الواردة في الجزء الأول حسب ترتيبها هجائيا ١٧١

فهرست الموضوعات ١٧٩

________________________

فهرس الموضوعات الواردة في الجزء الثاني والثالث

ذكر تربة الجنة ٥

ذكر عدد أبواب الجنة ٩

صفة أبواب الجنة ٢٠

ذکر مسافة ما بين المصراعين من مصاريع الجنة وسعتها ۲۱

ذكر اليوم الذي تفتح فيه أبواب الجنة ٢٨

ذكر حلق أبواب الجنة ٣٠

ذكر حَجَبَةِ الجنة وحُزانها ٣٣

ذكر مفتاح الجنة ٣٨

ذكر ريح الجنة ٤٠

صفة الجنة ٤٨

ذكر أسامي الجنة ٤٩

صفة نعيم أهل الجنة ودورها ٤٩

باب صفة أرض الجنة ٥١

ذكر نهار الجنة ونورها ٥٢

ذكر سرج أهل الجنة ٥٥

ذكر رفع النوم عن أهل الجنة ٥٦

ذكر بكر الجنة وعشيها ٥٧

ذكر عدد درجات الجنة ٦١

صفة درج الجنة  ۷۱

صفة حيطان الجنة ٧٢

ذكر عدد صفوف أهل الجنة ٧٥

ذكر ما أعطي أهل الجنة من الصورة الحسنة الفاضلة وتمام الخلقة والجثة الكاملة ٧٨

ذكر أسنان أهل الجنة وميلادهم وقامتهم ۹۹

صفة رجال أهل الجنة ١١٠

صفة أساوير أهل الجنة ١١١

صفة كلام أهل الجنة ١١٢

ذكر إسماع الرب تعالى كلام القرآن لأهل الجنة ١١٤

ذكر قراءة أهل الجنة القرآن ١١٥

ذكر قول سكان أهل الجنة عند استقرارهم فيها ١١٥

ذكر ما أخبر من أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس ١١٧

ذکر سروره بتعجيل شهوته إذا اشتهي في الجنة شهوة ۱۱۹ 

ذكر ما يُستقبلون به من الكرامات عند مصيرهم إلى الجنة ودخولها ۱۲۳

ذكر غاية أماني أهل الجنة وشهوتهم ۱۳۱

ذكر ما يُعطون من شدة السرور وغاية الفرح عند دخولها ١٣٤

الجزء الثالث ۱۳۷

ذكر معرفتهم منازلهم في الجنة وتهديهم إليها ۱۳۸

ذكر ما يُنادون به حين دخولها من البشارة العظيمة والمواهب السنية ١٤١

ذكر تطهير هم بانتزاع الغل من صدورهم وانسلال السخائم من قلوبهم ١٤٦

ذكر ما فيها من العيون والأنهار ١٥١

صفة جري أنهارها وأنها سابحة تجري في غير أخدود ١٦٠

ذكر نهر من الأنهار يُنبت الجواري الأبكار  ١٦٦

ذكر ما أعطى أهل الجنة من القوة على الأكل والشهوة له ١٧٢

ذكر أصناف لحوم الطير وأنواع اللحمان ۱۸۰

ذكر ما فيها من الأواني والصحاف ١٨٤

ذكر ثمار الجنة وتشابه ألوانها وأجناسها واختلاف طعومها ولذتها ١٨٥

ذكر لباس أهلها وكسوتهم ١٩٤

ذكر نكاح أهلها وتعانقهم حورها وسكان مقاصيرها ۱۹۹

ذكر نساء أهل الجنة وأنهن يَعُدنَ أبكاراً ۲۲۱

ذكر زيارة أهل الجنة معبودهم تعالى وتنعمهم بتجلية تعالى لهم ٢٢٥

ذكر مضارب أهلها وخيمهم ۲۳۰

ذكر الغراس والزراعة ۲۳۱

ذكر أشجارها وبساتينها ۲۳۱

ذكر شجرة طوبى ٢٤١

ذكر السرر والكلال والأرائك والحجال ٢٤٩

ذكر قصورها ومساكنها ٢٥١

ذكر أسواقها ٢٥٣

ذكر تزاور أهلها بعضهم بعضاً ٢٥٨

ذكر مطايا أهلها ومراكبهم وخيولهم ٢٦١

ذكر حبور أهلها واجتماعهم على الغناء والطرب ٢٦٨

ذكر سدرة المنتهى ٢٧٤

ذكر الفردوس وأنهار أعلى الجنة وأوسطها ٢٧٥

ذکر خزانها و قهارمة سكانها ۲۷۹

صفة الجنان وفضل درجاتها، وذكر ما يعطي الله تعالى آخر من يدخلها من النعيم والحبور ۲۸۳

ذكر أسفل أهل الجنة منزلاً و مقاماً ٢٨٥

الفهارس العامة ۲۹۷

فهرس الأحاديث والآثار ۲۹۸

فهرس الرواة المترجم لهم ٣٠٦

الكنى والألقاب ۳۱۷

المصادر والمراجع ۳۱۹

فهرس الموضوعات ٣٤١



صفة الجنة للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد الحنبلي أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد ٥٦٧- ٦٤٣ هـ بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

صفة الجنة

للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد الحنبلي 

أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد 

٥٦٧-  ٦٤٣ هـ

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ هذا الجزء الحديثي الجميل، للإمام الحافظ ضياء الدين المقدسي، فيه ذكر صفة الجنة وما أعده الله فيها لعباده المؤمنين من الفضل العظيم والنعيم المقيم، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وينبغي تجديد ذكر الجنة ونعيمها على الدوام، وتكرير ذلك سيمان في هذه الأزمان، التي ساد فيها التكاسل والتشاغل عن أمور الآخرة بأمور الدنيا، وذلك تقوية لمن كانت له همة، وتنشطياً لمن يعيش الفِترة، وعلى العلماء والدعاة بيان ذلك تحريكاً للقلوب وتقوية للعزائم.

فالجنة هي دار النعيم .. ودار المُقامة .. المقام الأمين .. ودار السُّرور.. وهي الحياة الأبدية الخالية من الأكدار، والسعادة السرمدية الأصفى من الماء العذب، والأنصع من اللبن الأبيض، وهي الحياة التي لا شقاء فيها، ولا سقم ولا جوع ولا حزن ولا نصب؟، حياة ينسى صاحبها الشقاء .. وتُزفُّ إليه السعادة صافية غرَّاء.

ويتضمن هذا الجزء بيان الأحاديث التي تحدثت عن صفة الجنة ونعيمها، وجُلّها أحاديث صحيحة ثابتة، وقد اقتصر الضياء فيها على الراوي الأعلى، مع بيان مخرج الحديث، ودرجته، وطرقه، ومن رواه من الأئمة، واختلاف ألفاظه، وما فيه من موافقة ومساواة وعلو، وجملة الأحاديث في هذا الكتاب مائتين واثني عشر (٢١٢) حديثاً، في اثنين وستين (٦٢) باباً، يأتي سردها فيما يلي:

سرد أبواب كتاب صفة الجنة:

ذكر عدد أبواب الجنة نسأل الله من فضله أن يدخلناها (وذكر أنها ثمانية).

ذكر أول من يفتح له باب الجنة وأول من يقرعه (محمد صلى الله عليه وسلم).

ذكر سعة أبواب الجنة اللهم أدخلنا الجنة بفضل رحمتك (أربعين عاماً)

ذكر ما بين البابين من أبواب الجنة (سبعين عاماً).

ذكر مفتاح الجنة نسأل الله من فضله (شهادة أن لا إله إلا الله).

ذكر أن الجنة لا يدخلها أحد إلا بجواز (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان…).

ذكر أول زمرة تدخل الجنة (صورهم على صورة القمر ليلة البدر).

ذكر الزمرة الثانية من أهل الجنة (على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة..)

ذكر أن الله عز وجل فضل بعض أهل الجنة على بعض، وأن الله يبلغ بفضله من أراد من المؤمنين درجة الأنبياء عليهم السلام ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف … رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين).

ذكر أعلى منزلة في الجنة وما اسمها (الوسيلة والفضيلة).

ذكر أعلى الجنات وأفضلها نسأل الله من فضله (الفردوس الأعلى: جنتان من ذهب.. وجنتان من فضة).

ذكر أفضل أهل الجنة منزلة نسأل الله من فضله (من ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين).

ذكر أفضل ما يعطى أهل الجنة نسأل الله من فضله (أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).

ذكر عدد درجات الجنة (الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام).

ذكر أن الله عز وجل بفضله وكرمه أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

ذكر تكلم الجنة (وقولها: قد أفلح المؤمنون).

ذكر بناء الجنة نسأل الله من فضله أن يدخلنا الجنة (لبنة ذهب ولبنة فضة).

ذكر تربة الجنة نسأل الله الجنة بفضله وكرمه (ترابها المسك).

ذكر لون الجنة نسأل الله بفضله وكرمه (الجنة بيضاء).

ذكر نور الجنة نسأل الله بفضله وكرمه (كما تكون الدنيا قبل طلوع الشمس فذلك نورها).

ذكر موضع سوط في الجنة ونحوه (وأنه خير من الدنيا وما فيها).

ذكر الخيام في الجنة نسأل الله من فضله بفضله (خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً).

ذكر غرف الجنة نسأل الله من فضله بفضله (يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها).

ذكر شجر الجنة (يسير الراكب في ظلها مئة عام).

ذكر ثمر الجنة نسأل الله من فضله (رأى النبيُّ في الكسوف عنقود عنب، فقال: لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا).

ذكر طعام أهل الجنة وذكر أكلهم وشرابهم نسأل الله من فضله

ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة (زيادة كبد الحوت).

ذكر أنهار الجنة نسأل الله الجنة بفضله وكرمه (حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف).

ذكر ما في الدنيا من أنهار الجنة (سيحان وجيحان والفرات والنيل).

ذكر سوق الجنة نسأل الله من فضله وكرمه (يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال).

ذكر لباس أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه (لا تبلى ثيابه).

ذكر فرش أهل الجنة نسأل الله من فضله بفضله (وارتفاعه ما بين السماء والأرض).

ذكر صفة أهل الجنة وصفة كلامهم نسأل الله الجنة بفضل رحمته (جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين، على صورة يوسف، وهم على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع).

ذكر نساء أهل الجنة (لكل منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم).

ذكر غناء حور العين (نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرن بقرة أعيان..).

ذكر نكاح أهل الجنة (يعطى قوة مئة).

ذكر أن أهل الجنة لا يموتون فيها (وإن لكم أن تعيشوا أبدا ولا تموتوا أبداً).

ذكر أن أهل الجنة لا ينامون (النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون).

ذكر معرفة أهل الجنة منازلهم فيها نسأل الله من فضله (وإن أحدهم أدل منه بمسكنه كان في الدنيا).

ذكر الأولاد في الجنة (كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة).

ذكر طير الجنة نسأل الله من فضله (كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة).

ذكر يوم المزيد في الجنة نسأل الله من فضله بفضله وكرمه (إن هذه الجمعة فيها..).

ذكر قوله تعالى: {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} (شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله).

ذكر ما يركب أهل الجنة من الدواب نسأل الله من فضله (فرس من ياقوتة له جناحان).

ذكر ريح الجنة نسأل الله من فضله بفضله (من قتل قتيلاً من أهل الذمة).

ذكر فرح الحور العين بأزواجهن (فيستخف إحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها).

ذكر الأمر بطلب الجنة (اطلبوا الجنة جهدكم).

ذكر أن الله جل وعلا أمر بالمسارعة إلى الجنة، قال الله عز من قائل: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض}، وقال عز وجل: {والله يدعو إلى دار السلام}.

ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا مشمر للجنة) نسأل الله من فضله؟

ذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم

ذكر أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم (أبو بكر).

ذكر أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء (بخمسمائة عام).

ذكر صفة الفقراء (من إذا تغدى لم يجد عشاء وإذا تعشى لم يبت له غداء).

ذكر أول من يدعى إلى الجنة (الحمادون الذين يحمدون الله تعالى في السراء والضراء، والشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال).

ذكر أن الله يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له.

ذكر أن الله عز وجل يرفع قوما إلى الدرجات العلى بذكره.

ذكر أن الله عز وجل بفضله وكرمه يرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن لم يبلغوا عمله (لتقر بهم عينه).

ذكر أهل الجنة من هم (كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره).

ذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الأمم في الجنة (ثلثي أهل الجنة).

ذكر من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب اللهم اجعلنا منهم (هم سبعون ألفا تضيء وجوههم وضاءة القمر ليلة البدر، هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).

ذكر أدنى أهل الجنة منزلة وآخرهم دخولاً











الأحد، 19 مارس 2023

مدخل إلى التصوف الإسلامي د. أبو الوفا التفتازاني بقلم: أز محمد ناهض عبد السلام حنونة

مدخل إلى التصوف الإسلامي

د. أبو الوفا التفتازاني

بقلم: أز محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ ما أسلم امرؤ نفسه إلى الجدل في الدين، إلا وقد سمح لعقله أن يتحرر من قيود النصوص، وأن يبتدع في الدين ما ليس منه، وإن حاول أن يجد لمقالته دليلاً ما من كتاب أو سنة فلن يُفلح، لأنه سيقع -والحالة هذه -في زلة لا تُقال، وفي عثرة ليس بعدها جبرة! وإن زعم أنه بلغ من العلم الغاية، فهو ممتحن بالإخلاص، وإن زعم أنه بلغ في الزهد النهاية فهو ممتحن بالاتباع، ولا بد للمؤمن من التصديق بالحق والمحبة له.

وقد قيل لمن جعل دينه غرضاً للخصومات والجدل أنه يكثر الحدث، وما أكثر الحدثان في هذه الأمة، والذي كدّر سماءها الصافية، وعطّل أنهارها الجارية، وخرّب قصورها العامرة، من شياطين إنسية زينت للناس البدع، وتحدثت على المنابر بألسنة الخطابة والوعظ، حتى وجدت مساغاً بين صفوف العامة وتدين الناس بها، واتخذوها شرعاً؛ فتبدلت الأحوال، وتغيرت الموازين.

 وأصبح الغش الثقافي هو الطابع السائد، والعملة المتداولة بين القوم، ولا عجب فإن السلطان -أو الرئيس أو الزعيم -هو المستفيد الوحيد باستبقاء هؤلاء الجهال والمشعوذين، ولذا نرى كيف يقربون أرباب المطامع النازلة والمقاصد الوضيعة، وينصرونهم على غيرهم.

لكن وظيفة المسلم الدائمة هي أن يُصلح نفسه أولاً، ويصلح الحياة معه ثانياً، ثم ينصح لإخوانه من المسلمين ثالثاً، فيأخذ ما صح وصفا، ويدع ما ضعف وكدر، وما ندري ماذا يكون حال الأمة لولا النصاحون من أبنائها، الذين يُبينون للناس أمر دينهم، ويميزون الطيب من الخبيث، والجيد من الرديء، إنه لمقام عظيم، وجهاد ليس بالهيّن، أن يطارد هؤلاء تلك الأقذار المستعلنة في بيئات البدع،التي تُقرُّ بالزلل وتُرحب بها.

إن تشجيع التصوف بصورته المعاصرة والأخيرة، يُعد نوعاً من الدعوة إلى التعلق بما نسميه بالإسلام الإنسحابي، الذي يُقلص التدين في دائرة روحية لا يتجاوز حدودها، وهو ما يضعف مقاومة الاستعمار الغربي، ولذلك شواهد كثيرة ليس هذا موطن ذكرها، ولعلي أفردها في بحث مستقل، أو مقالة تفي بالغرض.

ومن المؤسف أن نجد اليوم على شاشات التلفزة وفي قنوات الإعلام هذا الكم الهائل من فوضى التحريض والعبث، الذي يملأ ميدان الوعظ والإرشاد، والمؤسسات الرسمية في العالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى العمليات الحثيثة لاختزال الدين في تلك القنوات، وتكميم الأفواه باسم العلم والمعرفة والمؤسسات الدينية.

ثم نرى -بعد ذلك -اقتحام الغوغاء والأغمار ميدان التهكم والسخرية من الدعاة إلى الله تعالى، غير آبهين بما يولده ذلك من الحقد والكراهية بين أبناء الصف المسلم، ويقتضي الأمر إذن أن يتخذ الناس من العنف مبدءاً، ومن الكره والنفاق قاعدةً! 

ومن المصائب التي نراها ويعتمد عليها العوام، هو الحكم على الأشخاص من مظهرهم، فإذا رأوا في زيّه التشخع والتبذل؛ قالوا: هذا الإمام الزاهد وإن كان السارق المارق، سيما المتلونين من متصوفة السلطان، والمتسلفة كذلك، الذين مالت أشداقهم بالكذب على الله ورسوله، وعلى كُلٍّ فليست المرائي عندما مستنداً نعتمد عليه في تقييم إنسان ما في الخير أو الشر، وإنما نأتي به على سبيل الاستئناس حتى ننظر في حاله عند الأمر والنهي، والسُّنة والبدعة، والتوحيد والشرك.

وفي الحقيقة أن هذه الأزياء هي صورة يخاطبون بها الانفعالات الداخلية للرائي وللمجتمع الذي يعيشون فيه، لكن إياكم وتصديقهم، فإنهم فتنة متحركة، وطالما لبسوا الزي فقد حقّت الدعوى، وكل مُدَّعٍ ممتحن، والدعوى لا تصح بدون برهان أو دليل، سيما وأن الكل يتذرع بالحق، والكل يستهدف المجتمع، والكل يُعبر عن نفسه بعبارات التيسير والحرية في التفكير، والكل يُعلن عن مبدأ الصفاء والتسامح، وفي الواقع نجد التنابز والخصومة والاختلاف، 

وهذا الكتاب تناول فيه مؤلفه بعد المقدمة، فصولاً سبعةً (٧) في التصوف.

وبيانها فيما يلي:

أما الفصل الأول: فتحدث فيه عن مقدمات ضرورية في التصوف، والخصائص العامة للتصوف، واختلاف الغاية منه، ومراحل تطوره، وأصل اشتقاقه.

والفصل الثاني: تناول فيه الحديث عن مصادر التصوف، ورجح أن مصدره إسلامي إلا أنه تأثر بالديانات والفلسفات التي كانت سائدة في المشرق، وبين مصدر التصوف من القرآن، ومصدره من حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، وحياة الصحابة وأقوالهم.

وفي الفصل الثالث: بيان حركة الزهد في القرنين الأول والثاني الهجريين، ثم مفهوم الزهد وخصائصه، وعوامل نشأته، والتي أرجعها إلى عاملين اثنين، الأول: القرآن والحديث، والثاني: الأحوال السياسية والاجتماعية، ثم مدارس الزهد الأربعة التي نشأت في الصدر الأول، وهي: البصرية، والكوفية، والمدنية، والمصرية، ثم تطور الزهد إلى التصوف على يد رابعة العدوية.

وفي الفصل الرابع: تحدث فيه عن التصوف في القرنين الثالث والرابع الهجريين، والفجوة التي ظهرت بين الفقه والتصوف، والاتجاهات التي غيرت مسار التصوف، وهما اتجاهان: التصوف السني الذي ارتبط بالفقه والتصوف الفلسفي الذي حاد عن سنن الشريعة، ثم تطرق إلى نظرية المعرفة، والأخلاق، ومراحل السلوك إلى الله تعالى، وبين فيه معاني الفناء والحلول والاتحاد، وإجمال الخصائص العامة للتصوف في هذين القرنين.

ثم تناول في الفصل الخامس: التصوف في القرن الخامس الهجري، وتعرضه للنقد على يد ثلاثة من أعلام التصوف، وهم: القشيري الذي حطّ على كثير من الأدعياء والجهال المنتسبين إلى طريق التصوف، والهروي الذي كان له موقف شديد من أصحاب الشطح، والغزالي الذي دعا إلى التصوف السني، وزاوج بين الفقه والتصوف، وجعل من التصوف طريقا واضح المعالم إلى المعرفة والفناء في التوحيد والسعادة، ثم توسع في الحديث عن الغزالي، فذكر من سيرته وتصوفه ونظرته إلى المعرفة والفناء والمكاشفة التي أحدثها المتصوفة.

وفي الفصل السادس: تطرق إلى ذكر التصوف الفلسفي، والذي برز فيه ثلاثة من أعلامه، وهم: السهروردي المقتول، صاحب حكمة الإشراق، وابن عربي الذي كرّس نظرية وحدة الوجود، وتلميذه ابن سبعين الذي نشرها، ثم ظهور شعراء الحب الإلهي، وكان من أبرزهم: ابن الفارض، والجلال الرومي.

وفي الفصل السابع والأخير: تحدث عن التصوف العملي، المتمثل في أصحاب الطرق الصوفية، وأبرز هذه الطرق في القرنين السادس والسابع الهجريين، مع تعقيب انتقد فيه بعض سلوكيات هذه الطرق.

يقول الشاعر:

ليس التصوف بالتصفيق والطرب ----- ولا بكثرة أكل القات والحطب

ولا بقهوة قشر البن إذ شُربت ----- ولا بلبس عباءة القمل والقشب

ولا بنكس رؤوس عند مطلبها ----- ولا ببوس أكف الشخص والركب

ولا بضرب دفوف أو معازفها ----- ولا العُكاف على المزمار والقصب

ولا برقص عنيف عند مسمَعِها ----- ولا بتقلـيب كم عند مُنْتَـحب

بل التصوف موت النفس فاسع لها ----- واسلك سبيلا لخير الأنبيا تُصِبِ

وقال آخر:

ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ----- ولا بكاؤك إن غنى المغنونا

ولا صياح ولا رقص ولا طرب ----- ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر ----- وتتبع الحق والقرآن والدينا

وأن تُرى خاشعاً لله مكتئبا ----- على ذنوبك طول الدهر محزونـا

آراء التفتازاني الصوفية في هذا الكتاب:

١-أن كلمة التصوف وإن كانت شائعة، إلا أنها في نفس الوقت من الكلمات الغامضة، والتي تتعدد مفهومها، وتتباين أحياناً، والسبب في ذلك أن التصوف خطٌ مشترك بين ديانات وفلسفات وحضارات متباينة في عصور مختلفة، ومن الطبيعي أن يُعبر كل صوفي عن تجربته في إطار ما يسود مجتمعه من عقائد وأفكار، ويخضع أيضاً لما يسود حضارة عصره من ازدهار أو اضمحلال، فالاختلاف بين كل صوفي وآخر إنما هو في تفسير التجربة ذاتها تحت تأثير الحضارة التي ينتمي إليها كل واحد منهما.

٢-أن التصوُّف كما يقول التفتازاني نوعان: "ديني، والآخر فلسفي، -وبتعبير آخر إرادي، وغنوصي (Gnosis) -فالتصوُّف الديني ظاهرة مشتركة بين جميع الأديان سواءً في ذلك الأديان السماوية والأديان الشرقية القديمة.

٣-أنه لا ينكر الأثر اليوناني على التصوف الإسلامي، فقد وصلت الفلسفة اليونانية عامة والأفلاطونية المحدثة الخاصة إلى صوفية الإسلام عن طريق حركة الترجمة والنقل، أو الاختلاط مع رهبان النصارى في الرها وحرَّان.

٤-من الأدق عدم إطلاق اسم الصُّوفيَّة على زهاد المسلمين حتى أواخر القرن الثاني، وذكر أن مثل هذا الزهد لا تنطبق عليه خصائص التصوف.

٥-أن صوفية الاسلام فيما نرى لم يكونوا مجرد نقلة عن الفرس أو المسيحيين أو اليونان أو غيرهم، لأن التصوف متعلق أساسا بالشعور والوجدان، والنفس الانسانية واحدة على الرغم من اختلاف الشعوب والاجناس، وما تصل اليه ناس بشرية بطريقة المجاهدات والرياضات الروحية قد تصل اليه أخرى دون اتصال واحدة منهما بالأخرى ، وهذا يعنى وحدة التجربة الصوفية، وإن اختلف تفسيرها من صوف الى آخر بحسب الحضارة التي ينتمي إليها كما ذكرنا من قبل. 

٦-أن تصوف الشاذلي والمرسي وابن عطاء-وهم أركان المدرسة الشاذلية- هو تصوف يبتعد تماماً عن مدرسة ابن عربي في وحدة الوجود، فلم يكن واحدٌ منهم قائلاً بهذا المذهب، ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن صلات بين مدرسة ابن عربي والمدرسة الشاذلية، فالمدرستان تفرعتا عن أستاذ مغربيٍّ واحد هو (أبو مدين الغوث شعيب بن الحسين التلمسانيّ) المتوفى سنة (٥٩٤ هـ/ ١١٩٧ م)، وهو الذي يُمثِّل مذهب الفناء في التوحيد خير تمثيل، وتتلمذ عليه ابن عربي وكثيرٌ من شيوخ الشاذلي، ثم هناك إلى جانب هذا اتصال بين الشاذلي وبين بعض أصحاب ابن عربي، وقع في مصر، وتبادل فيه الطرفان الكلام في حقائق التصوُّف.

٧-أن الشاذلي والمرسي وابن عطاء ثلاثتهم لم يطعن واحدٌ منهم في القائلين بالوحدة والحلول، ولا في حكيم الإشراق السهروردي المقتول، الذي كان المرسي أحياناً يتمثل ببعض شعره في الحب، ولا في أبي يزيد البسطامي.

٨-ظهرت طرق صوفية متعددة في العالم الإسلامي. وانتشرت فيه على نطاق واسع، ولا يزال بعضها يمارس نشاطه في عصرنا هذا، ولكن الطرق الصوفية في القرون المتأخرة، خصوصا منذ عصر العثمانيين تدهورت عن ذي قبل وذلك لأسباب حضارية ولم تصدر عن صوفية هذه الفترة مصنفات مبتكرة، وإنما صدرت عنهم في الجملة شروح وتلخيصات لكتب المتقدمين من الصوفية، وانصرف اتباع هذه الطرق شيئاً فشيئاً إلى الشكليات والرسوم، وابتعدوا عن العناية بجوهر التصوف ذاته، وسيطرت على جماهير المنتسبين الى تلك الطرق الأوهام والمبالغة في التحدث بمناقب الأولياء وكراماتهم، التي لم يكن يأبه لها المحققون من أوائل شيوخ التصوف، ولم يكونوا يعتبرونها دالة على كمال العلم والعمل. ومن هنا استهدفت الطرق لنقد شديد في العصور الحديثة من المصلح الديني محمد بن عبد الوهاب وأتباعه.

وهكذا 

تقدیم

لم يعد موضوع التصوف الإسلامي يجذب إليه الدارسين المتخصصين من المسلمين والمستشرقين فقط، وإنما هو يجذب إليه أيضاً القارىء العادي الذي أصبح يحس بوطأة المذاهب المادية والعبثية المعاصرة على نفسه، وبحاجته الى ما يرضى عقله، ويشبع روحه، ويعيد اليه ثقته بنفسه وطمأنينته التي بدا يفقدها فى زحمة الحياة المادية وما فيها من ألوان الصراع العقائدى المختلفة، وبهذا يحقق معنى إنسانيته.

وليس التصوف هروباً من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة من الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها، وبهذا المفهوم يصبح التصوف إيجابياً لا سلبياً، ما دام يربط بين حياة الإنسان ومجتمعه.

وفي التصوف الاسلامى من المبادئ الايجابية ما يحقق تطور المجتمع الى الأمام، فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الانسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويكملها بالفضائل، ويجعل نظرته إلى الحياة معتدلة فلا يتهالك على شهواتها وينغمس فى أسبابها الى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاء لا حد له، والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، يأخذ منها الانسان كفايته ولا يخضع لعبودية حب المال والجاه، ولا يستعلى بهما على الآخرين ، وبهذا يتحور تماما من شهواته وأهوائه وبإرادة حرة .

وقد يكون على صفحات هذا الكتاب ما يوجه الانتباه إلى قيم الاسلام الخلقية والروحية التي بني عليها التصوف ، ورسم لمعالم فلسفة خاصة يحس الناس أنهم في حاجة إليها. 

وقد توخينا في هذا الكتاب تقريب مفاهيم التصوف ومذاهبه الى الأذهان، وكذلك راعينا بقدر الامكان أن يكون أسلوبه سهلاً واضحاً.

ويشتمل الكتاب على ستة فصول، جعلنا الفصل الأول منها بمثابة التمهيد، فبحثنا فيه عن الخصائص العامة للتصوف عموما والتي رأينا أنها تنطبق على جميع أنواع التصوف فى الحضارات المختلفة ومنها التصوف الإسلامي، وشرعنا فى الفصول التالية نطبق وجهة نظرنا هذه على المراحل المختلفة للتصوف الإسلامي.

وفي الفصل الثاني عرضنا للنظريات التي قيلت في عوامل نشأة التصوف وردها الى مصادر أجنبية عن الاسلام ، وبينا بشواهد كثيرة أن التصوف الاسلامى إسلامي النشأة، ومردود أساسا إلى القرآن والسنة وحياة الصحابة وأقوالهم.

ويعالج الفصل الثالث حركة الزهد في القرنين الأول والثاني، وهى مرحلة سابقة على التصوف بمعناه الدقيق، ووضحنا أيضا أن الزهد اسلامی تماما من نشأته خلافا لما ارتآه بعض الباحثين من المستشرقين، كما أبنا عن تطوره ومدارسه وخصائصه العامة.

أما الفصل الرابع فقد خصص للكلام عن التصوف لأول نشأته في الاسلام في القرنين الثالث والرابع ، وكيف تميز عن علم الفقه من ناحية المنهج ، وكشفنا فيه عن اتجاهين: أحدهما سني والآخر شبه فلسفی، فالأول يربط أصحابه تصوفهم بالكتاب والسنة بوضوح، والثاني يتضمن آراء في الاتحاد أو الحلول الذى يصل اليه الصوفى انطلاقا من حال الفناء، وتحدثنا عن أبرز صوفية هذين القرنين من خلال الموضوعات الكبرى للتصوف لذلك العهد.

وقد استمر التصوف السنى بعد ذلك في القرن الخامس، وثبتت دعائمه تماما بمجيء الإمام الغزالي، ولذلك خصصنا الفصل الخامس من الكتاب لتصوفه، وقدمنا له بالكلام عن بعض صوفية القرن الخامس من السنيين، كالقشيرى والهروي، وقد حاولنا فيه إعطاء صورة متكاملة عن آراء الغزالى مبينين أهميتها في التصوف.

على أن القرنين السادس والسابع قد شهدا لونا آخر من التصوف الفلسفي، الذي مزج فيه أصحابه بين الأذواق الصوفية والانظار العقلية وقد قدموا نظريات فى الوجود قائمة على دعائم من الذوق، ومصطبغة بصبغة فلسفية واضحة ، وهذا التصوف هو الذي تأثر فيه أصحابه بعناصر أجنبية عن الاسلام . وقد جعلنا هذا التصوف موضوعا للفصل السادس من هذا الكتاب.

أما الفصل السابع والأخير، فيعالج التصوف العملي عند أصحاب الطرق المتأخرة الذين بدأوا فى الظهور أيضا منذ القرنين السادس والسابع واستمر تصوفهم إلى العصر الحاضر . وتصوفهم -في جملته -امتـــــــداد لتصوف الغزالي السني، وقد تحدثنا فيه عن خصائص هذا التصوف بوجه عام، وعن أبرز الطرق فى العالم العربي وإيران وتركيا والهند.

والكتاب كما يلاحظ القارىء له مدعم بنصوص كثيرة من أقوال الزهاد والصوفية على اختلاف اتجاهاتهم وعصورهم، ولهذا فائدة من حيث وقوف الدارس أو القارىء على مصطلح الصوفية أنفسهم ، وهو ينقله الى أجوائهم ليعايشهم في أذواقهم ومواجيدهم، فضلاً عن أن إيراد النصوص يجيء في الكتاب مدعماً لوجهات نظرنا التي ذهبنا إليها فيه.

وأرجو أن يكون هذا الكتاب محققا للفائدة التي نرجوها منه لدارسي التصوف المتخصصين وقرائه العاديين على السواء، وبالله التوفيق

أول يناير ۱۹۷۹م

أبو الوفا الغنيمي التفتازاني

محتويات الكتاب:

تقديم …. ز

الفصل الأول ١

مقدمات ١

الخصائص العامة للتصوف ٣

اختلاف الغاية من التصوف ٨

هل حالات التصوف سوية ؟ ١٠

مفهوم التصوف في الاسلام ١١

نظرة إجمالية إلى مراحل تطور التصوف ١٧

أصل كلمة تصوف ٢٠

الفصل الثاني ۲۳

مصدر التصوف في الاسلام ۲۳

هل التصوف الاسلامى من مصدر أجنبي ٢٥

تعقیب ٣٤ 

المصدر الإسلامي للتصوف ٣٧ 

مصدر التصوف من القرآن ٣٩

حياة النبي وأخلاقه وأقواله ٤٣

حياة الصحابة وأقوالهم ٥٠

الفصل الثالث ٥٧

حركة الزهد في القرنين الأول والثاني ٥٧

مفهوم الزهد في الاسلام ٥٩

عوامل نشأة الزهد في الاسلام ٦٠

العامل الأول : القرآن والحديث ٦٣

العامل الثاني: الأحوال السياسية والاجتماعية ٦٨

مدارس الزهد ۷۲

١-مدرسة المدينة ۷۲

٢-مدرسة البصرة ۷٤

٣-مدرسة الكوفة ٧٨

٤-مدرسة مصر ۸۰

من الزهد إلى التصوف ۸۱

تطور الزهد على يد رابعة العدوية ٨٤

خصائص الزهد في القرنين الأول والثاني ۹۰

الفصل الرابع ۹۳

التصوف في القرنين الثالث والرابع ۹۳

التمهيد ٩٥

التمييز بين التصوف والفقه على أساس منهجي ٩٦

اتجاهان للتصوف ٩٩

المعرفة ۱۰۰

الأخلاق ومراحل الطريق الى الله  ١٠٣

الفناء ۱۰۹

الفناء في التوحيد ۱۱۳

الفناء والاتحاد ۱۱۷

الفناء والحلول ۱۲۳

الطمأنينة ۱۳۲

الرمزية في التعبير ١٣٥

إجمال الخصائص العامة لتصوف القرنين الثالث والرابع ١٤٠

الفصل الخامس ١٤٣

التصوف السني في القرن الخامس ١٤٣

تمهيد ١٤٥

القشيري ونقده الصوفية عصره ١٤٦

الهروى وموقفه من أصحاب الشطح ١٤٩

الامام الغزالي والتصوف السني ١٥٢

سيرة الغزالي ومصنفاته ١٥٢

ثقافته وأثرها على تصوفه ١٥٩

نقد الغزالي للمتكلمين والفلاسفة والباطنية ١٦٣

تصوف الغزالي ١٦٧

الطريق ١٦٨

المعرفة ۱۷۱ 

الفناء في التوحيد أو علم المكاشفة ١٧٦

التعبير عن علم المكاشفة رمزاً ۱۸۰

الســـــــــــعادة ۱۸۱

تعقيب ۱۸۳

الفصل السادس ١٨٥

التصوف الفلسفي ۱۸۷

موضوعات التصوف الفلسفي وخصائصه ۱۸۹

السهروردي المقتول وحكمة الإشراق ۱۹۳

تصوف وحدة الوجود ۱۹۸

وحدة الوجود عند ابن عربی ۲۰۰

الوحدة المطلقة عند ابن سبعين ٢٠٥

شعراء الحب الالهى ووحدة الشهود ۲۱۲

ابن الفارض ۲۱۳

جلال الدين الرومي ٢٢٤

الفصل السابع ۲۳۳

تصوف أصحاب الطرق ۲۳۳

أبرز الطرق منذ القرنين السادس والسابع ٢٣٦

تعقيب ٢٤٦