ألفية السند
للإمام الحافظ المحدث اللغوي محمد مرتضى الحسيني الزبيدي
(11145- 1205 هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذه منظومة لطيفة مفيدة، للإمام الحافظ المحدث محمد مرتضى الزبيدي الحسيني، والمسماة (بألفية السند)، وهي جامعة لأسانيد شيوخه، والبالغ عددهم سماعاً وإجازةً ومكاتبةً (٥٣) شيخاً، وقد بلغ عدد أبيات هذه المنظومة (١٥٠٠) ألف وخمسمائة بيت، ويرروي فيها الزبيدي أكثر من ٢٢ كتاباً حديثياً من أمهات الكتب والأصول المعتمدة.
وشرحها الزبيدي بنفسه في عشرة كراريس، واشتهرت هذه المنظومة في الآفاق، وكثر رواتها، وقد فرغ من تأليفها في إشراق يوم الجمعة ٣ محرم سنة ١١٤٥هـ بمنزله بسويقة (لالا) بمصر.
ومن يطالع هذه المنظومة يجد فيها الفوائد الغالية، والفرائد العالية، مع ما تميزت به من سلاسة النظم، ووضوح المعنى، وجزالة الألفاظ، وقد وصفها الحافظ عبد الحي الكتاني في (فهرس الفهارس: ١/ ٢٠١)؛ فقال: (وهي منظومة معتبرة، سلسةٌ جامعة).
ويعد الزبيدي من كبار أئمة الحديث المتأخرين، وعليه مدار كثير من الأسانيد، وقد ضمنها أسانيده عن الشيوخ الأكابر، وإلى ذلك أشار بقوله:
وقد اشتملت مقدمة هذه الألفية على عشرة مباحث نفيسة في بيان أنواع الحديث ومراتب نقله، وأنواع الإجازة.
وقد أشار إلى أنواع علوم الحديث؛ فذكر أن ابن الصلاح ذكر منها (65) خمسةٌ وستون نوعاً، واعترض عليه بأن فيها أنواعاً متداخلة، وأرشد الزبيدي في دراسة المصطلح إلى كتاب (المقدمة) لابن الصلاح، و(عجالة المبتدي وفضالة المنتهي) للحازمي، فقال:
وقد أورد المحقق (سلامة بن عزوز) في بداية الكتاب بعض مراسلات الإمام الزبيدي يستجيز بها بعض شيوخ الآفاق، ويذكر في ذلك بعض أحواله، ونهمته في طلب العلم، وتصانيفه وتآليفه التي فرغ منها، وما جرى له من الدروس والمكاتبات، وما استعصى عليه منها، منها: رسالته لشيخه سليمان بن يحيى بن عمر الحسني.
ثم استدعاء تلميذه ابن عبد السلام الناصري للإجازة منه بمؤلفاته. ثم إجازة الزبيدي للقاضي محمد بن إسماعيل الربعي وأولاده في سنة ١٩٩٥ هـ. ونقل صورة إجازة الزبيدي للشيخ أحمد العطار.
وذكر الزبيدي بعض آداب طالب علم الحديث؛ فيقول:
ويوصي من يتصدر لتحديث الناس بتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول:
وختم منظومته بوصايا نافعة تهم طالب العلم، نظمها للآخذين عنه، ومن استجاز منه، جاء في مطلعها:
وفي الخاتمة يمتدح الزبيدي ألفيته، مُبيناً أنه أخذ عن مشايخ كثر من أماكن متعددة في العالم الإسلامي: من بلاد الحرمين، وبلاد الشام، ومصر، والمغرب واليمن، كما أنه يشيد بأنه ما من كتاب إلا وله فيه سند، وما من عالمٍ إلا وله به اتصال، فيقول:
أشهر رواة ألفية الزبيدي من تلاميذه مرتبين حسب تقدم سن الوفاة.
1- على الونائي (ت١٢١٢ه).
2- أحمد بن عبيد العطار الدمشقي (ت ١٢١٨ ه).
3- صالح الفلاني المدني (ت ١٢١٨ه).
4- محمد بن علي الشنواني المصري (ت ١٢٣٣ه).
5- أبو حامد العربي بن المعطي الشرقي العمري (ت١٢٣٤ه).
6- علي بن محمد سعيد السويدي (ت ١٢٣٧ ه).
7-ابن عبد السلام الناصري الدرعي (ت ١٢٣٩ ه).
8- أحمد بن علي الدمهوجي المصري (ت ١٢٤٦ه).
9-محمد سعيد السويدي البغدادي (ت ١٢٤٦ ه.).
10- عمر بن عبد الرسول العطار المكي (ت ١٢٤٩ ه).
11-عبد الرحمن بن سليمان الأهدل (ت ١٢٥٠ ه).
12- أحمد الطبولي الطرابلسي (ت ١٢٥٤ ه).
ورواها الحافظ عبد الحي الكتاني بعلو من طريق خمسة من تلاميذ الإمام الزبيدي:
١ - عمر بن مصطفى الآمدي الديار بكري الدمشقي.
2-حامد بن أحمد بن عبيد العطار الدمشقي.
3-عبد الرحمن بن محمد الكزبري.
4- عبد اللطيف بن علي فتح الله البيروني.
٥ - محمد بن أحمد البهي الطندتائي.
أسماء شيوخ الإمام الزبيدي في ألفيته "بالإجازة والمكاتبة" (53) شيخاً:
1-الشيخ محمد بن علاء الدين المزجاجي (ت ١١٨٠ هـ).
2-الشيخ عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي (ت ١١٨١ هـ).
3-الشيخ سليمان بن يحيى الأهدل (ت ١١٩٧ هـ).
4- الشيخ سليمان بن أبي بكر الهجام الحسني الأهدل.
5- الشيخ مشهور بن المستريح الأهدل.
6- الشيخ عبد الإله بن عمر بن الأمين البُرعي.
7- الشيخ عبد الله بن سليمان الجرهزي.
8-الشيخ إسماعيل بن محمد المقرئ الحنفي البازي.
9- الشيخ مساوي بن إبراهيم الحشيبري.
10- الشيخ عبد الله بن أحمد دائل الحسني الضرير.
11- الشيخ عبد الله بن إبراهيم الميرغني الحسني (ت ١٢٠٧ هـ).
12- الشيخ عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس.
13- الشيخ نور الحق بن عبد الله الحسني.
14- الشيخ عمر بن عقيل السّقاف (ت ١١٧٤ هـ).
15- الشيخ عبد الرحمن بن أسلم الحسني المكي الحنفي.
16- الشيخ عطاء الله بن أحمد المصري.
17- الشيخ إبراهيم بن محمد بن سعيد المنوفي.
18- الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الإشبيلي.
19- الشيخ أبو الحسن السندي الصغير (ت ١١٨٧ هـ).
20- الشيخ مُشيَّخ بن جعفر العبودي.
21- الشيخ جعفر بن حسن البرزنجي (ت ١١٨٤ هـ).
22- الشيخ إسماعيل بن عبد الله الحنفي (ت ١١٨٢ هـ).
23- الشيخ محمد بن الطبيب الشركي (ت ١١٧٠ هـ).
24- الشيخ محمد بن سالم الحِفني.
25- الشيخ أحمد بن عبد الفتاح الملوي (ت ١١٨١ هـ).
26- الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم الخالدي.
27- الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي.
28- الشيخ حسن بن علي المدابغي.
29- الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري المذاهبي.
30- الشيخ محمد بن محمد البليدي.
31- الشيخ عبد الحي بن الحسن البهنسي المالكي (ت ١١٨١ هـ).
32- الشيخ عمر بن علي بن يحيى الطحلاوي (ت ١١٨١ هـ).
33- الشيخ علي بن موسى بن النقيب.
34- الشيخ عبد الوهاب العفيفي (ت ١١٧٢ هــ).
35- الشيخ محمد بن عيسى الدمياطي (ت ١١٧٨هـ).
36- الشيخ إبراهيم بن أحمد الأباصيري.
37-الشيخ مصطفى بن عبد الفتاح التميمي (ت ١١٨٣ هـ).
38-شعيب بن إسماعيل الكيالي (ت ١١٧٢ هـ).
39-الشيخ خليل الرشيدي.
40-محمد المنور بن عبد الله التلمساني (ت ١١٧٣ هـ).
41-الشيخ محمد بن علي الحنفي.
42- الشيخ محمد بن أحمد بن علي العشماوي (ت ١١٦٧ هـ).
43- الشيخ محمد التاودي بن الطالب بن سودة (ت ١٢٠٩ هـ).
44- الشيخ علي بن محمد بن العربي السقاطي الفاسي (ت ١١٨٣ هـ).
45-الشيخ سالم بن أحمد النفراوي (ت ١١٦٨ هـ).
46-الشيخ أحمد بن أحمد المؤقت (ت ١١٧١ هـ).
47-الشيخ علي بن أحمد الصعيدي.
48-الشيخ سليمان بن مصطفى المنصوري (ت ١١٦١ هـ).
49- الشيخ أحمد بن علي بن عمر المنيني.
50-الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان.
51-محمد بن صالح المواهبي.
52-محمد بن أحمد بن سالم السفاريني.
53-الشيخ محمد بن علي الغرياني التونسي.
الكتب الشهرة التي يرويها الزبيدي في ألفيته:
1-سنده إلى صحيح الإمام البخاري (برواياته الشهيرة والمعروفة).
2- سنده إلى صحيح الإمام مسلم.
3-سنده إلى سنن الإمام أبي داود.
4-سنده إلى سنن الإمام الترمذي.
5-سنده إلى سنن الإمام النسائي.
6-سنده إلى سنن الإمام ابن ماجه.
7-المسلسل بالحنفية.
8-سند الخرقة الصوفية (القادرية).
9-سنده إلى الحديث المسلسل بالرحمة.
10-سنده إلى القراءات.
11-سنده إلى أحزاب الشاذلي.
12-سند الفاتحة من طريق الجن.
13-سنده إلى موطأ الإمام مالك (رواية يحيى الليثي -ورواية محمد بن الحسن).
14-سنده إلى مسند الإمام أحمد.
15-سنده إلى مسند أبي حنيفة -تخريج الحارثي.
16-سنده إلى مسند الشافعي -تخريج الأصم.
17-سنده إلى الشفا -للقاضي عياض.
18-سنده لدلائل الخيرات -لمحمد الجزولي.
19-سنده إلى الشمائل للترمذي.
20-سنده إلى الجامع الصغير.
21-سند المصافحة من طريق المعمرين.
22-سنده إلى سلسلة الفقه.
ترجمة موجزة للإمام محمد مرتضى الزبيدي
اسمه ونسبه:
هو الشيخ أبو الفيض وأبو الجود وأبو الوقت السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق، الشهير بمرتضى، الحسيني العلوي الواسطي البلجرامي الهندي المولد والنشأة، الزبيدي ثم المصري.
مولده ونشأته:
ولد بالهند في بلدة بلجرام، على خمسة فراسخ من قنوج في سنة ١١٤٥ هـ، ونشأ بها وبقي فيها فترة يسيرة لم تحدد، ثم ارتحل عن الهند في طلب العلم إلى مدينة زيد باليمن، وأقام بها زمنا طويلا، حتى نسب إليها، واشتهر باسم- الزبيدي.
وسافر إلى الحجاز في سنة ١١٦٣ هـ، فكانت سله آنذاك في الثامنة عشرة، كما سافر إلى مصر في سنة ١١٦٧، فكان عمره ٢٢ سنة، وتوطنها وبقي بها ٣٨ سنة إلى آخر حياته.
شيوخه: انظر شيوخه في هذه الألفية.
صفته وحليته:
قال تلميذه الجبرتي في آخر ترجمته: وكان صفته ربعة، نحيف البدن، ذهبي اللون، متناسب الأعضاء، معتدل اللحية. قد وخطه الشيب في أكثرها، مترفهاً في ملبسه، ويعتمُّ مثل أهل مكة عمامة منحرفة. لونها أبيض، ولها عذبة مرخية على قفاه، ولها حبكة حرير طولها قريب من فتر، وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافها ظاهر. وكان لطيف الذات، حسن الصفات، بشوشا بوما، وقورا محتشماً، مستحضراً للنوادر والمناسبات، ذكياً لوذعياً، فطناً ألمعياً، روض فضله نضير، وماله في سعة الحفظ نظير، جعل الله مثواه قصور الجنان، وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران
شهرته وبعد صيته وعظم قدره عند العلماء:
قال حافظ المغرب عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس»: «واشتهر أمره، وانتشر في الدنيا خبره، بعد استيطانه بمصر، وكان هذا الرجل نادرة الدنيا في عصره ومصره، ولم يأت بعد الحافظ ابن حجر وتلاميذه أعظم منه اطلاعاً، ولا أوسع رواية وتلماذاً، ولا أعظم شهرة، ولا أكثر منه علما بهذه الصناعة الحديثية، كاتب أهل الأقطار البعيدة بفاس وتونس والشام والعراق واليمن وكاتبوه، وقد كنت في مغري وقفت على أوراقي تتضمن ورود استدعاء على الحافظ أبي العلاء العراقي المغربي من المشرق، فلم أشك أنها للزبيدي المترجم، حتى ظفرت بعد ذلك بما أيد ظني. فهر خريت هذه الصناعة، ومالك زما تلك البضاعة، وكان الناس يرحلون إليه ويكاتبونه، لتحرير أسانيدهم وتصحيحها من المشرق والمغرب، ويظهر من ترجمته وآثاره أن هذه الشعلة الضئيلة من علوم الرواية الموجودة الآن في بلاد الإسلام، إنما هي مقتبسة من أبحاثه وسعيه، وتصانيفه ونشره، وإليه فيها الفضل يعود، لأنه الذي نشر لها الألوية والبنود.
ولعظم شهرته كاتبه ملوك النواحي من المغرب، والترك، والحجاز، والهند، واليمن، والسودان، وفزان، والجزائر... وبعث له سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله، صلة جزيلة مع شيخ الحجيج، فلما بلغته الرسالة ومكته منها، قال له: إني سائلك هل علماء المغرب يستوفون حقهم من بيت المال؟ قال: نعم. فهل أشرافهم وضعفائهم ليس بهم خصاصة؟ فسكت، فقال - الزبيدي: لا يجل لي أخذ شيء من ذلك، وإني في غير إيالته ـ أي في غير أرضه التي يحكمها، ثم رجع بها لمحله.
وقال عنه من أعلام المغرب الحافظ ابن عبد السلام الناصري في: (رحلته) لما ترجمه فيها، وقد استغرقت ترجمته فيها نحو عشر كراريس، بعد أن حلاه فيها بالحافظ الجامع البارع المانع: «ألفيته عديمة النظير في كمال الاطلاع على الأحاديث النبوية وتراجم الرجال، وله مع ذلك كمال الاطلاع والحفظ للغة والأنساب. وقد طار صيته في هذه البلاد المشرقية، حتى بالعراق واليمن والشام والحرمين وإفريقيا: المغرب، تونس، طرابلس، وغيرها، تأتى إليه الأسئلة الحديثية وغيرها من أقطار الأرض، جمع الله له من دواوين الحديث والتفسير واللغة وغيرها من أشتات العلوم، ما لم يجمعه أحد فيما شاهدناه من علماء عصرنا شرقا وغربا، ولا شيخنا الحافظ إدريس العراقي. وتراه يشتري، وينسخ دائماً بالأجرة، يستعير من الأقطار البعيدة، ويؤتى إليه بالكتب هدية، ومع ذلك يحبس ويعطي، وله اليد الطولى في التأليف، فهو والله سيوطي زمانه، انخرق له من العوائد فيها ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي ولو أنهم جمعوا لتيقنوا أن الفضيلة لم تكن للأول. انتهى.
إحياؤه إملاء الحديث على طريق السلف:
كانت سنة الإملاء انقطعت بموت الحافظ ابن حجر وتلاميذه كالحافظين السخاوي والسيوطي، وبهما ختم الإملاء، فأحياه المترجم بعد مماته. ووصلت أماليه إلى نحو أربع مائة مجلس، وقد جمع ذلك في مجلدات.
قال تلميذه الجبرتي: «وأحيا إملاء الحديث على طريق السلف، في ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين، من حفظه على طرق مختلفة، وكل من قدم عيه يملي عليه حديث الأولية برواته ومخرجيه، ويكتب له سنداً بذلك وإجازة وسماع الحاضرين.
وكان إذا دعاه أحد الأعيان من المصريين إلى بيوتهم يذهب مع خواص الطلبة والمقرئ، والمستملي، وكاتب الأسماء، فيقرأ لهم شيئاً من الأجزاء الحديثية أو بعض المسلسلات، بحضور الجماعة، وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده، وبناته ونساؤه من خلف الستائر، وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة، ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، على النسق المعتاد، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان، واليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ تحت ذلك:
(صحيح ذلك) وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمان السالف كما رأيناه في الكتب القديمة».
العلماء الذين رووا عنه:
قال الحافظ عبد الحي الكتاني: «ويروي عن المترجم أعلام كل بلد ومصره فسمى من المصريين ١٣ عالما وغيرهم، وسمى من الحجازيين ٤ علماء وغيرهم، ومن الشاميين ٨ علماء وغيرهم، ومن العراقيين ٥ علماء وغيرهم، ومن الجزائريين ٧ علماء وغيرهم، ومن الطرابلسيين عالمين ٢، ٥ علماء وغيرهم، ومن المغاربة ١٩ عالما وغيرهم، ومن التونسيين ١٦، ومن اليمنيين عالمين ٢ وغيرهم من الأعلام، عدد من سماه منهم ٦٥ عالماً، يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة: «وهذا أقل من القليل من العلماء الذين رووا عنه، أو استجازوا منه، فهذا العدد كالنموذج، وليس هو بالاستقصاء والاستقراء. ولذا قال وراء أسماء علماء كل بلد: وغيرهم».
وقال الجبرتي: «ثم إن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة، فقال لهم: لا بد من قراءة أوائل الكتب، واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس، تباعدا عن الناس، فشرعوا في «صحيح البخاري» بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني إمام المسجد وخازن الكتب، وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها. وتناقل في الناس سعي علماء الأزهر، مثل الشيخ أحمد السجاعي، والشيخ مصطفى الطائي، والشيخ سليمان الأكراشي وغيرهم، للأخذ عنه. فازداد شأنه وعظم قدره، واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والأكابر والأعيان، والتمسوا منه تبيين المعاني، فانتقل من الرواية إلى الدراية، وصار درساً عظيماً، فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية».
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى - بعدما أورد كلام الجبرتي: لأن الأزهريين أبقاهم الله تعالى، وأعزهم بالعلم والدين، ونفع المسلمين، وكثر سوادهم في الصالحين المخلصين المتقين، يتقن كبارهم علوم الدراية إتقاناً جيداً ممتازاً، وفي رأسها: أحاديث الأحكام، وما يتصل بذلك، الفقه، والأصول، والتفسير، وشرح وعلوم العربية، فلذا لما انتقل الحافظ الزبيدي إلى علوم الدراية انقطعوا عنه، وأما علوم الرواية وخاصة منها: الحديث الشريف وروايته ورجاله وصناعته الحديثية وتخريجه فهم فيه مقلون جداً، بعد عصر الحافظ ابن حجر وأقرانه وتلامذته وشيوخه».
مؤلفاته:
له (١٠٧) مؤلفا، وله في الحديث وعلومه (٤٧) مؤلفا - انظر: مقدمة تحقيق (لغة الأريب): ١٦٦. وقد تتبع مؤلفاته العلامة عبد الفتاح أبو غدة.
وفاته:
توفي يوم الأحد في شهر شعبان سنة ١٢٠٥ه - رحمه الله تعالى -
انظر ترجمته في (تاريخ عجائب الآثار) ٢ ١٠٣ - ١١٤ للجبرتي. و(أبجد العلوم) لصديق حسن خان، و(فهرس الفهارس) ٥٢٦١ - ٥٤٣ للحافظ عبد الحي الكتاني، و(الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) ج ١١٠٨ - ١١١٣ - ط ـ دار ابن حزم - وقد توسع في ترجمته الملامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في مقدمة تحقيقه لكتاب (بلغة الأريب في مصطلح آثار الحب) ١٤٨ - ١٨٧.
وفي ختام الكتاب ذكر بعضاً من آداب طالب العلم والحديث، وضمنها أرجوزة ذكرها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 581 -583)، وهذا النظم بعضهم ينسبه إلى اللؤلؤي، وبعضهم ينسبه إلى المأمون، يقول فيه:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ *** وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّفَهُّمِ
وَالْعِلْمُ قَدْ يُرْزَقُهُ الصَّغِيرُ *** فِي سِنِّهِ وَيُحْرَمُ الْكَبِيرُ
وَإِنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ *** لَيْسَ بِرِجْلَيْهِ وَلَا يَدَيْهِ
لِسَانُهُ وَقَلْبُهُ الْمُرَكَّبُ *** فِي صَدْرِهِ وَذَاكَ خُلْقٌ عَجَبُ
وَالْعِلْمُ بِالْفَهْمِ وَبِالْمُذَاكَرَةِ *** وَالدَّرْسِ وَالْفِكْرَةِ وَالْمُنَاظَرَة ِ
فَرُبَّ إِنْسَانٍ يَنَالُ الْحِفْظَا *** وَيُورِدُ النَّصَّ وَيَحْكِي اللَّفْظَا
وَمَا لَهُ فِي غَيْرِهِ نَصِيبٌ **** مِمَّا حَوَاهُ الْعَالِمُ الْأَدِيبُ
وَرُبَّ ذِي حِرْصٍ شَدِيدِ الْحُبِّ *** لِلْعِلْمِ وَالذِّكْرِ بَلِيدُ الْقَلْبِ
مُعْجِزٌ فِي الْحِفْظِ وَالرِّوَايَةِ *** لَيْسَتْ لَهُ عَمَّنْ رَوَى حِكَايَةٌ
وَآخَرُ يُعْطِي بِلَا اجْتِهَادِ *** حِفْظًا لِمَا قَدْ جَاءَ فِي الْإِسْنَادِ
يَهْدِهِ بِالْقَلْبِ لَا بِنَاظِرِهِ *** لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إِلَى قَمَاطِرِهِ
فَالْتَمِسِ الْعِلْمَ وَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ *** وَالْعِلْمُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا بِالْأَدَبِ
وَالْأَدَبُ النَّافِعُ حُسْنُ السَّمْتِ *** وَفِي كَثِيرِ الْقَوْلِ بَعْضُ الْمَقْتِ
فَكُنْ لِحُسْنِ السَّمْتِ مَا حَيِيتَا *** مُقَارِفًا تُحْمَدُ مَا بَقِيَتَا
وَإِنْ بَدَتْ بَيْنَ النَّاسِ مَسْأَلَةٌ *** مَعْرُوفَةٌ فِي الْعِلْمِ أَوْ مُفْتَعَلَةٌ
فَلَا تَكُنْ إِلَى الْجَوَابِ سَابِقًا *** حَتَّى تَرَى غَيْرَكَ فِيهَا نَاطِقَا
فَكَمْ رَأَيْتُ مِنَ عَجُولٍ سَابِقٍ *** مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ بِالْخَطَأِ نَاطِقُ
أَزْرَى بِهِ ذَلِكَ فِي الْمَجَالِسِ *** عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَالتَّنَافُسِ
وَقُلْ إِذَا أَعْيَاكَ ذَاكَ الْأَمْرُ *** مَالِي بِمَا تَسْأَلُ عَنْهُ خَبَرُ
فَذَاكَ شَطْرُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَا *** كَذَاكَ مَا زَالَتْ تَقُولُ الْحُكَمَا
وَالصَّمْتُ فَاعْلَمْ بِكَ حَقًّا أَزْيَنُ *** إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مُتْقَنُ
إِيَّاكَ وَالْعُجْبَ بِفَضْلِ رَأْيِكَا *** وَاحْذَرْ جَوَابَ الْقَوْلِ مِنْ خَطَائِكَا
كَمْ مِنْ جَوَابٍ أَعْقَبَ النَّدَامَةَ *** فَاغْتَنِمِ الصَّمْتَ مَعَ السَّلَامَةِ
الْعِلْمُ بَحْرٌ مُنْتَهَاهُ يَبْعُدُ *** لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إِلَيْهِ يُقْصَدُ
وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ قَدْ حَوَيْتَهُ *** أَجَلْ وَلَا الْعُشْرَ وَلَوْ أَحْصَيْتَهُ
وَمَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْهُ أَكْثَرُ *** مِمَّا عَلِمْتَ وَالْجَوَادُ يَعْثُرُ
فَكُنْ لِمَا سَمِعْتَهُ مُسْتَفْهِمَا *** إِنْ أَنْتَ لَا تَفْهَمُ مِنْهُ الْكَلِمَا
الْقَوْلُ قَوْلَانِ فَقَوْلٌ تَعْقِلُهُ *** وَآخَرُ تَسْمَعُهُ فَتَجْهَلُهُ
وَكُلُّ قَوْلٍ فَلَهُ جَوَابٌ *** يَجْمَعَهُ الْبَاطِلُ وَالصَّوَابُ
وَلِلْكَلَامِ أَوَّلٌ وَآخِرُ *** فَافْهَمْهُمَا وَالذِّهْنُ مِنْكَ حَاضِرُ
لَا تَدْفَعِ الْقَوْلَ وَلَا تَرُدَّهُ *** حَتَّى يُؤَدِّيَكَ إِلَى مَا بَعْدَهُ
فَرُبَّمَا أَعْيَى ذَوِي الْفَضَائِلِ *** جَوَابُ مَا يَلْقَى مِنَ الْمَسَائِلِ
فَيُمْسِكُوا بِالصَّمْتِ عَنْ جَوَابِهِ *** عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي صَوَابِهِ
وَلَوْ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ *** مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ عِنْدَ النَّاسِ
إِذًا لَكَانَ الصَّمْتُ عَيْنٌ مِنَ الذَّهَبِ *** فَافْهَمْ هَدَاكَ اللَّهُ آدَابَ الطَّلَبِ
يقول الزبيدي في خاتمة ألفيته:
إلى هنا قد انتهى المنقول ** هديت الرشد ما أقـول
العلم أصل الذين والإحسان ** طريق كل الخير والجنان
دل على تفضيله البرهان ** وسنة النبي والقرآن
هل يستوي الذين يعلمونا ** وعصبةٌ بالعلم يجهلونا
لا تذع إلا العلم أناسا ** لغيرهم لا ترفعن رأسا
وهو مع الشقي هدى ونور ** وهو مع الزيغ بذي وبور
فالعلم إن زاد ولم يزدد هدى ** صاحبه لم يستفد إلا الردى
فلا تعد ذاته فضيلة ** إن لم يكن إلى الهدى وسيلة
فإنه كالكذب والخيال ** يكون عند الخلق للأعمال
فحق أهل العلم صدق النية ** والاجتهاد في صفا الطوية
والجد في التقوى بخير سيرة ** ليستقرَّ العلم في البصيرة
فعلم ذي الأنوار في جنانه ** وعلم ذي الأوزار في لسانه
وإن عنوان علوم الذين ** في الصدق والخشية واليقين
وأفضل العلوم علم يقترب ** به الفتى من ربه فيما يجب
فليبذل الجهد بما يزيده ** نور الهدى في كل ما يفيده
وبالأهم فالأهم ينتقي ** من كل فن ما يفيد ما بقي
فإن أنواع العلوم تختلط ** وبعضها بشرط بعض ترتبط
فما حوى الغايات في ألف سنة ** شخص، فخذ من كل فن أحسنه
بحفظ متن جامع للراجح ** تحله على مفيد ناجح
ثم مع الفرصة فابحث عنه ** حقق ودقق ما استجد منه
لكن ذاك باختلاف الفهم ** مختلف وباختلاف العلم
فالمبتدي والفدم لا يطيق ** بحثاً بعلمٍ وجهه دقيقُ
ومن يكن في فهمه بلاده ** فليصرف الوقت إلى العبادة
أو غيرها من كل ذي ثواب ** ولو بحسن القصد في الأسباب
وليعمر العمر فكلُّ ذرة ** منه رخيصة بألف دُرَّة
والعلم ذكر الله في أحكامه ** على الورى كالشكر في إنعامه
فذكره في الذات والصفات ** كالذكر في الأحكام والآيات
لكن كثيراً غفلوا بالعلم ** وحكمه عن ربه ذي الحكم
وأدخلوا فيه الجدال والمرا ** فكثرت آفاته كما ترى
فصار فيهم حاجبا لنوره ** عنه فما ذاقوا جنى مأثوره
فهلكوا بقسوة وكبر ** وحسد وعجب ومكر
نعوذ بالله من الخبال ** والعود بعد الحق في الضلال
فالذم منهم لا من العلوم ** فإنها من طاعة القيوم
فحق من يخشى مقام ربه ** أن يعتني بعين معنى قلبه
وليجتهد بكل ما في دينه ** يزيده بالحق في يقينه
وأن يديم الذكر بالإمعان ** والفكر فيه وفي جميع الشان
ليغرس التحقيق باليقين ** في قلبه بالحق والتمكين
حتى يكون عند موت جسمه ** حي الحجا بنورة وعلمه
طوبى لمن طاب له فؤاده ** بالعلم والتقوى عليه زاده
فسار في الحق على طريقة ** بالحق تهديه إلى الحقيقة
على اتباع المصطفى مبنية ** في القول والفعل وعقد النية
فيبلغ القصد بكل جود ** ببركات أحمد المحمود
صلى عليه ربتا وآله ** وصحبه وتابعي أحواله
مسلماً عليه بالدوام ** والحمد لله على التمام