أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

ألفية السند للإمام الحافظ المحدث اللغوي محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (11145- 1205 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ألفية السند

للإمام الحافظ المحدث اللغوي محمد مرتضى الحسيني الزبيدي

(11145- 1205 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذه منظومة لطيفة مفيدة، للإمام الحافظ المحدث محمد مرتضى الزبيدي الحسيني، والمسماة (بألفية السند)، وهي جامعة لأسانيد شيوخه، والبالغ عددهم سماعاً وإجازةً ومكاتبةً (٥٣) شيخاً، وقد بلغ عدد أبيات هذه المنظومة (١٥٠٠) ألف وخمسمائة بيت، ويرروي فيها الزبيدي أكثر من ٢٢ كتاباً حديثياً من أمهات الكتب والأصول المعتمدة.

وشرحها الزبيدي بنفسه في عشرة كراريس، واشتهرت هذه المنظومة في الآفاق، وكثر رواتها، وقد فرغ من تأليفها في إشراق يوم الجمعة ٣ محرم سنة ١١٤٥هـ بمنزله بسويقة (لالا) بمصر. 

ومن يطالع هذه المنظومة يجد فيها الفوائد الغالية، والفرائد العالية، مع ما تميزت به من سلاسة النظم، ووضوح المعنى، وجزالة الألفاظ، وقد وصفها الحافظ عبد الحي الكتاني في (فهرس الفهارس: ١/ ٢٠١)؛ فقال: (وهي منظومة معتبرة، سلسةٌ جامعة).

ويعد الزبيدي من كبار أئمة الحديث المتأخرين، وعليه مدار كثير من الأسانيد، وقد ضمنها أسانيده عن الشيوخ الأكابر، وإلى ذلك أشار بقوله:

وهذه ألفيةٌ منيفة

منظومةٌ رائعةٌ لطيفة

ضمنتها ما لي من الإسنادِ

عن الشيوخ السادة الأمجادِ

ممّن لقيته من الأخيارِ

في سائر البلدان والأقطارِ

وقد اشتملت مقدمة هذه الألفية على عشرة مباحث نفيسة في بيان أنواع الحديث ومراتب نقله، وأنواع الإجازة.

فهاك مني قبل ذا مُقدمة

مفيدةٌ موجزةٌ مفهمه

مُشيرةً لبعض الاصطلاحِ

وجُملة الآداب بالإفصاحِ

      وقد أشار إلى أنواع علوم الحديث؛ فذكر أن ابن الصلاح ذكر منها (65) خمسةٌ وستون نوعاً، واعترض عليه بأن فيها أنواعاً متداخلة، وأرشد الزبيدي في دراسة المصطلح إلى كتاب (المقدمة) لابن الصلاح، و(عجالة المبتدي وفضالة المنتهي) للحازمي، فقال:

فانظر كتاب الحازميّ فيه

وابن الصلاح جمعه يليه

وقد أورد المحقق (سلامة بن عزوز) في بداية الكتاب بعض مراسلات الإمام الزبيدي يستجيز بها بعض شيوخ الآفاق، ويذكر في ذلك بعض أحواله، ونهمته في طلب العلم، وتصانيفه وتآليفه التي فرغ منها، وما جرى له من الدروس والمكاتبات، وما استعصى عليه منها، منها: رسالته لشيخه سليمان بن يحيى بن عمر الحسني.

       ثم استدعاء تلميذه ابن عبد السلام الناصري للإجازة منه بمؤلفاته. ثم إجازة الزبيدي للقاضي محمد بن إسماعيل الربعي وأولاده في سنة ١٩٩٥ هـ. ونقل صورة إجازة الزبيدي للشيخ أحمد العطار.

       وذكر الزبيدي بعض آداب طالب علم الحديث؛ فيقول:

لطالب الحديث فيما يُذكر

جملة آدابٍ لها أُفسّرُ

فالأول الخلوصُ في النيّاتِ

وثانياً فالصدق في اللهجاتِ

ويبتدي بالستة الصحاحِ

ثُم المسانيد على الإفصاحِ

وبعدَ هذا فسمعُ المعاجمِ

وبعد ذا الأجزاء والتراجمِ

وليكتُب الحديث بالإتقانِ

والضبط والتصحيح بالإمكانِ

      ويوصي من يتصدر لتحديث الناس بتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول:

وليجلسن بهيئةٍ موقّرا

ممكناً، مطيّباً، مُطهّراً

وليفتح المجلسَ بالثّناءِ

والحمدِ وليتختمه بالدُّعاءِ

وليذكر الحديث بالإسنادِ

مُفسّراً بالضبط والسداد

وليُحسن ثناءَ من عنه روى

وليذكر الألقاب من غير هوى

وختم منظومته بوصايا نافعة تهم طالب العلم، نظمها للآخذين عنه، ومن استجاز منه، جاء في مطلعها: 

فهاك مني تحفة الطلاب

عروس بكر زق للأحباب

أرجوزة شريفة لطيفة

من قدس أنوارها منيفة 

وفي الخاتمة يمتدح الزبيدي ألفيته، مُبيناً أنه أخذ عن مشايخ كثر من أماكن متعددة في العالم الإسلامي: من بلاد الحرمين، وبلاد الشام، ومصر، والمغرب واليمن، كما أنه يشيد بأنه ما من كتاب إلا وله فيه سند، وما من عالمٍ إلا وله به اتصال، فيقول:

فهؤلاء سادتي مشايخي

ذوي الصّلاح والكمالِ الرّاسخِ

أوردتُهم هُنا بالاختصارِ

لرغبةِ الطّلاب في الأسفارِ

فبعضهم بأرض مصر قد ثوى

وبعضهم بالشام والغرب استوى

وبعضهم بالحرمين واليمن

وبعضهم أجازني بكل فن

وقلّ أن ترى كتاباً يُعتمد

إلا ولي فيه اتصالٌ بالسند

أو عالماً إلا ولي إليه

وسائطٌ توقفني عليه

أشهر رواة ألفية الزبيدي من تلاميذه مرتبين حسب تقدم سن الوفاة. 

1- على الونائي (ت١٢١٢ه). 

2- أحمد بن عبيد العطار الدمشقي (ت ١٢١٨ ه). 

3- صالح الفلاني المدني (ت ١٢١٨ه). 

4- محمد بن علي الشنواني المصري (ت ١٢٣٣ه). 

5- أبو حامد العربي بن المعطي الشرقي العمري (ت١٢٣٤ه). 

6- علي بن محمد سعيد السويدي (ت ١٢٣٧ ه). 

7-ابن عبد السلام الناصري الدرعي (ت ١٢٣٩ ه).   

8- أحمد بن علي الدمهوجي المصري (ت ١٢٤٦ه). 

9-محمد سعيد السويدي البغدادي (ت ١٢٤٦ ه.). 

10- عمر بن عبد الرسول العطار المكي (ت ١٢٤٩ ه). 

11-عبد الرحمن بن سليمان الأهدل (ت ١٢٥٠ ه). 

12- أحمد الطبولي الطرابلسي (ت ١٢٥٤ ه). 

ورواها الحافظ عبد الحي الكتاني بعلو من طريق خمسة من تلاميذ الإمام الزبيدي: 

١ - عمر بن مصطفى الآمدي الديار بكري الدمشقي. 

2-حامد بن أحمد بن عبيد العطار الدمشقي. 

3-عبد الرحمن بن محمد الكزبري. 

4- عبد اللطيف بن علي فتح الله البيروني. 

٥ - محمد بن أحمد البهي الطندتائي.

أسماء شيوخ الإمام الزبيدي في ألفيته "بالإجازة والمكاتبة" (53) شيخاً:

       1-الشيخ محمد بن علاء الدين المزجاجي (ت ١١٨٠ هـ).

       2-الشيخ عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي (ت ١١٨١ هـ).

       3-الشيخ سليمان بن يحيى الأهدل (ت ١١٩٧ هـ).

       4- الشيخ سليمان بن أبي بكر الهجام الحسني الأهدل.

       5- الشيخ مشهور بن المستريح الأهدل.

       6- الشيخ عبد الإله بن عمر بن الأمين البُرعي.

       7- الشيخ عبد الله بن سليمان الجرهزي.

       8-الشيخ إسماعيل بن محمد المقرئ الحنفي البازي.

       9- الشيخ مساوي بن إبراهيم الحشيبري.

       10- الشيخ عبد الله بن أحمد دائل الحسني الضرير.

       11- الشيخ عبد الله بن إبراهيم الميرغني الحسني (ت ١٢٠٧ هـ).

       12- الشيخ عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس.

       13- الشيخ نور الحق بن عبد الله الحسني.

       14- الشيخ عمر بن عقيل السّقاف (ت ١١٧٤ هـ).

       15- الشيخ عبد الرحمن بن أسلم الحسني المكي الحنفي.

       16- الشيخ عطاء الله بن أحمد المصري.

       17- الشيخ إبراهيم بن محمد بن سعيد المنوفي.

       18- الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الإشبيلي.

       19- الشيخ أبو الحسن السندي الصغير (ت ١١٨٧ هـ).

       20- الشيخ مُشيَّخ بن جعفر العبودي.

       21- الشيخ جعفر بن حسن البرزنجي (ت ١١٨٤ هـ).

       22- الشيخ إسماعيل بن عبد الله الحنفي (ت ١١٨٢ هـ).

       23- الشيخ محمد بن الطبيب الشركي (ت ١١٧٠ هـ).

       24- الشيخ محمد بن سالم الحِفني.

       25- الشيخ أحمد بن عبد الفتاح الملوي (ت ١١٨١ هـ).

       26- الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم الخالدي.

       27- الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي.

       28- الشيخ حسن بن علي المدابغي.

       29- الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري المذاهبي.

       30- الشيخ محمد بن محمد البليدي.

       31- الشيخ عبد الحي بن الحسن البهنسي المالكي (ت ١١٨١ هـ).

       32- الشيخ عمر بن علي بن يحيى الطحلاوي (ت ١١٨١ هـ).

       33- الشيخ علي بن موسى بن النقيب.

       34- الشيخ عبد الوهاب العفيفي (ت ١١٧٢ هــ).

       35- الشيخ محمد بن عيسى الدمياطي (ت ١١٧٨هـ).

       36- الشيخ إبراهيم بن أحمد الأباصيري.

       37-الشيخ مصطفى بن عبد الفتاح التميمي (ت ١١٨٣ هـ).

       38-شعيب بن إسماعيل الكيالي (ت ١١٧٢ هـ).

       39-الشيخ خليل الرشيدي.

       40-محمد المنور بن عبد الله التلمساني (ت ١١٧٣ هـ).

       41-الشيخ محمد بن علي الحنفي.

       42- الشيخ محمد بن أحمد بن علي العشماوي (ت ١١٦٧ هـ).

       43- الشيخ محمد التاودي بن الطالب بن سودة (ت ١٢٠٩ هـ).

       44- الشيخ علي بن محمد بن العربي السقاطي الفاسي (ت ١١٨٣ هـ).

       45-الشيخ سالم بن أحمد النفراوي (ت ١١٦٨ هـ).

       46-الشيخ أحمد بن أحمد المؤقت (ت ١١٧١ هـ).

       47-الشيخ علي بن أحمد الصعيدي.

       48-الشيخ سليمان بن مصطفى المنصوري (ت ١١٦١ هـ).

       49- الشيخ أحمد بن علي بن عمر المنيني.

       50-الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان.

       51-محمد بن صالح المواهبي.

       52-محمد بن أحمد بن سالم السفاريني.

       53-الشيخ محمد بن علي الغرياني التونسي.

       الكتب الشهرة التي يرويها الزبيدي في ألفيته:

       1-سنده إلى صحيح الإمام البخاري (برواياته الشهيرة والمعروفة).

       2- سنده إلى صحيح الإمام مسلم.

       3-سنده إلى سنن الإمام أبي داود.

       4-سنده إلى سنن الإمام الترمذي.

       5-سنده إلى سنن الإمام النسائي.

       6-سنده إلى سنن الإمام ابن ماجه.

       7-المسلسل بالحنفية.

       8-سند الخرقة الصوفية (القادرية).

       9-سنده إلى الحديث المسلسل بالرحمة.

       10-سنده إلى القراءات.

       11-سنده إلى أحزاب الشاذلي.

       12-سند الفاتحة من طريق الجن.

       13-سنده إلى موطأ الإمام مالك (رواية يحيى الليثي -ورواية محمد بن الحسن).

       14-سنده إلى مسند الإمام أحمد.

       15-سنده إلى مسند أبي حنيفة -تخريج الحارثي.

       16-سنده إلى مسند الشافعي -تخريج الأصم.

       17-سنده إلى الشفا -للقاضي عياض.

       18-سنده لدلائل الخيرات -لمحمد الجزولي.

       19-سنده إلى الشمائل للترمذي.

       20-سنده إلى الجامع الصغير.

       21-سند المصافحة من طريق المعمرين.

       22-سنده إلى سلسلة الفقه.

ترجمة موجزة للإمام محمد مرتضى الزبيدي

اسمه ونسبه:

هو الشيخ أبو الفيض وأبو الجود وأبو الوقت السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق، الشهير بمرتضى، الحسيني العلوي الواسطي البلجرامي الهندي المولد والنشأة، الزبيدي ثم المصري. 

مولده ونشأته: 

ولد بالهند في بلدة بلجرام، على خمسة فراسخ من قنوج في سنة ١١٤٥ هـ، ونشأ بها وبقي فيها فترة يسيرة لم تحدد، ثم ارتحل عن الهند في طلب العلم إلى مدينة زيد باليمن، وأقام بها زمنا طويلا، حتى نسب إليها، واشتهر باسم- الزبيدي. 

وسافر إلى الحجاز في سنة ١١٦٣ هـ، فكانت سله آنذاك في الثامنة عشرة، كما سافر إلى مصر في سنة ١١٦٧، فكان عمره ٢٢ سنة، وتوطنها وبقي بها ٣٨ سنة إلى آخر حياته. 

شيوخه: انظر شيوخه في هذه الألفية. 

صفته وحليته: 

قال تلميذه الجبرتي في آخر ترجمته: وكان صفته ربعة، نحيف البدن، ذهبي اللون، متناسب الأعضاء، معتدل اللحية. قد وخطه الشيب في أكثرها، مترفهاً في ملبسه، ويعتمُّ مثل أهل مكة عمامة منحرفة. لونها أبيض، ولها عذبة مرخية على قفاه، ولها حبكة حرير طولها قريب من فتر، وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافها ظاهر. وكان لطيف الذات، حسن الصفات، بشوشا بوما، وقورا محتشماً، مستحضراً للنوادر والمناسبات، ذكياً لوذعياً، فطناً ألمعياً، روض فضله نضير، وماله في سعة الحفظ نظير، جعل الله مثواه قصور الجنان، وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران 

 شهرته وبعد صيته وعظم قدره عند العلماء: 

قال حافظ المغرب عبد الحي الكتاني في «فهرس الفهارس»: «واشتهر أمره، وانتشر في الدنيا خبره، بعد استيطانه بمصر، وكان هذا الرجل نادرة الدنيا في عصره ومصره، ولم يأت بعد الحافظ ابن حجر وتلاميذه أعظم منه اطلاعاً، ولا أوسع رواية وتلماذاً، ولا أعظم شهرة، ولا أكثر منه علما بهذه الصناعة الحديثية، كاتب أهل الأقطار البعيدة بفاس وتونس والشام والعراق واليمن وكاتبوه، وقد كنت في مغري وقفت على أوراقي تتضمن ورود استدعاء على الحافظ أبي العلاء العراقي المغربي من المشرق، فلم أشك أنها للزبيدي المترجم، حتى ظفرت بعد ذلك بما أيد ظني. فهر خريت هذه الصناعة، ومالك زما تلك البضاعة، وكان الناس يرحلون إليه ويكاتبونه، لتحرير أسانيدهم وتصحيحها من المشرق والمغرب، ويظهر من ترجمته وآثاره أن هذه الشعلة الضئيلة من علوم الرواية الموجودة الآن في بلاد الإسلام، إنما هي مقتبسة من أبحاثه وسعيه، وتصانيفه ونشره، وإليه فيها الفضل يعود، لأنه الذي نشر لها الألوية والبنود. 

ولعظم شهرته كاتبه ملوك النواحي من المغرب، والترك، والحجاز، والهند، واليمن، والسودان، وفزان، والجزائر... وبعث له سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله، صلة جزيلة مع شيخ الحجيج، فلما بلغته الرسالة ومكته منها، قال له: إني سائلك هل علماء المغرب يستوفون حقهم من بيت المال؟ قال: نعم. فهل أشرافهم وضعفائهم ليس بهم خصاصة؟ فسكت، فقال - الزبيدي: لا يجل لي أخذ شيء من ذلك، وإني في غير إيالته ـ أي في غير أرضه التي يحكمها، ثم رجع بها لمحله. 

وقال عنه من أعلام المغرب الحافظ ابن عبد السلام الناصري في: (رحلته) لما ترجمه فيها، وقد استغرقت ترجمته فيها نحو عشر كراريس، بعد أن حلاه فيها بالحافظ الجامع البارع المانع: «ألفيته عديمة النظير في كمال الاطلاع على الأحاديث النبوية وتراجم الرجال، وله مع ذلك كمال الاطلاع والحفظ للغة والأنساب.  وقد طار صيته في هذه البلاد المشرقية، حتى بالعراق واليمن والشام والحرمين وإفريقيا: المغرب، تونس، طرابلس، وغيرها، تأتى إليه الأسئلة الحديثية وغيرها من أقطار الأرض، جمع الله له من دواوين الحديث والتفسير واللغة وغيرها من أشتات العلوم، ما لم يجمعه أحد فيما شاهدناه من علماء عصرنا شرقا وغربا، ولا شيخنا الحافظ إدريس العراقي. وتراه يشتري، وينسخ دائماً بالأجرة، يستعير من الأقطار البعيدة، ويؤتى إليه بالكتب هدية، ومع ذلك يحبس ويعطي، وله اليد الطولى في التأليف، فهو والله سيوطي زمانه، انخرق له من العوائد فيها ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي ولو أنهم جمعوا لتيقنوا أن الفضيلة لم تكن للأول. انتهى.

إحياؤه إملاء الحديث على طريق السلف: 

كانت سنة الإملاء انقطعت بموت الحافظ ابن حجر وتلاميذه كالحافظين السخاوي والسيوطي، وبهما ختم الإملاء، فأحياه المترجم بعد مماته. ووصلت أماليه إلى نحو أربع مائة مجلس، وقد جمع ذلك في مجلدات. 

قال تلميذه الجبرتي: «وأحيا إملاء الحديث على طريق السلف، في ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين، من حفظه على طرق مختلفة، وكل من قدم عيه يملي عليه حديث الأولية برواته ومخرجيه، ويكتب له سنداً بذلك وإجازة وسماع الحاضرين. 

وكان إذا دعاه أحد الأعيان من المصريين إلى بيوتهم يذهب مع خواص الطلبة والمقرئ، والمستملي، وكاتب الأسماء، فيقرأ لهم شيئاً من الأجزاء الحديثية أو بعض المسلسلات، بحضور الجماعة، وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده، وبناته ونساؤه من خلف الستائر، وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة، ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، على النسق المعتاد، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان، واليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ تحت ذلك: 

(صحيح ذلك) وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمان السالف كما رأيناه في الكتب القديمة». 

 العلماء الذين رووا عنه: 

قال الحافظ عبد الحي الكتاني: «ويروي عن المترجم أعلام كل بلد ومصره فسمى من المصريين ١٣ عالما وغيرهم، وسمى من الحجازيين ٤ علماء وغيرهم، ومن الشاميين ٨ علماء وغيرهم، ومن العراقيين ٥ علماء وغيرهم، ومن الجزائريين ٧ علماء وغيرهم، ومن الطرابلسيين عالمين ٢، ٥ علماء وغيرهم، ومن المغاربة ١٩ عالما وغيرهم، ومن التونسيين ١٦، ومن اليمنيين عالمين ٢ وغيرهم من الأعلام، عدد من سماه منهم ٦٥ عالماً، يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة:  «وهذا أقل من القليل من العلماء الذين رووا عنه، أو استجازوا منه، فهذا العدد كالنموذج، وليس هو بالاستقصاء والاستقراء. ولذا قال وراء أسماء علماء كل بلد: وغيرهم». 

وقال الجبرتي: «ثم إن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة، فقال لهم: لا بد من قراءة أوائل الكتب، واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس، تباعدا عن الناس، فشرعوا في «صحيح البخاري» بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني إمام المسجد وخازن الكتب، وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها. وتناقل في الناس سعي علماء الأزهر، مثل الشيخ أحمد السجاعي، والشيخ مصطفى الطائي، والشيخ سليمان الأكراشي وغيرهم، للأخذ عنه. فازداد شأنه وعظم قدره، واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والأكابر والأعيان، والتمسوا منه تبيين المعاني، فانتقل من الرواية إلى الدراية، وصار درساً عظيماً، فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية». 

وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى - بعدما أورد  كلام الجبرتي: لأن الأزهريين أبقاهم الله تعالى، وأعزهم بالعلم والدين، ونفع المسلمين، وكثر سوادهم في الصالحين المخلصين المتقين، يتقن كبارهم علوم الدراية إتقاناً جيداً ممتازاً، وفي رأسها: أحاديث الأحكام، وما يتصل بذلك، الفقه، والأصول، والتفسير، وشرح وعلوم العربية، فلذا لما انتقل الحافظ الزبيدي إلى علوم الدراية انقطعوا عنه، وأما علوم الرواية وخاصة منها: الحديث الشريف وروايته ورجاله وصناعته الحديثية وتخريجه فهم فيه مقلون جداً، بعد عصر الحافظ ابن حجر وأقرانه وتلامذته وشيوخه». 

       مؤلفاته:

له (١٠٧) مؤلفا، وله في الحديث وعلومه (٤٧) مؤلفا - انظر: مقدمة تحقيق (لغة الأريب): ١٦٦. وقد تتبع مؤلفاته العلامة عبد الفتاح أبو غدة.

 وفاته: 

توفي يوم الأحد في شهر شعبان سنة ١٢٠٥ه - رحمه الله تعالى -

انظر ترجمته في (تاريخ عجائب الآثار) ٢ ١٠٣ - ١١٤ للجبرتي. و(أبجد العلوم) لصديق حسن خان، و(فهرس الفهارس) ٥٢٦١ - ٥٤٣ للحافظ عبد الحي الكتاني، و(الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) ج ١١٠٨ - ١١١٣ - ط ـ دار ابن حزم - وقد   توسع في ترجمته الملامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في مقدمة تحقيقه لكتاب (بلغة الأريب في مصطلح آثار الحب) ١٤٨ - ١٨٧. 

وفي ختام الكتاب ذكر بعضاً من آداب طالب العلم والحديث، وضمنها أرجوزة ذكرها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 581 -583)، وهذا النظم بعضهم ينسبه إلى اللؤلؤي، وبعضهم ينسبه إلى المأمون، يقول فيه:

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ *** وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّفَهُّمِ

وَالْعِلْمُ قَدْ يُرْزَقُهُ الصَّغِيرُ *** فِي سِنِّهِ وَيُحْرَمُ الْكَبِيرُ

وَإِنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ *** لَيْسَ بِرِجْلَيْهِ وَلَا يَدَيْهِ

لِسَانُهُ وَقَلْبُهُ الْمُرَكَّبُ *** فِي صَدْرِهِ وَذَاكَ خُلْقٌ عَجَبُ

وَالْعِلْمُ بِالْفَهْمِ وَبِالْمُذَاكَرَةِ *** وَالدَّرْسِ وَالْفِكْرَةِ وَالْمُنَاظَرَة ِ

فَرُبَّ إِنْسَانٍ يَنَالُ الْحِفْظَا *** وَيُورِدُ النَّصَّ وَيَحْكِي اللَّفْظَا

وَمَا لَهُ فِي غَيْرِهِ نَصِيبٌ **** مِمَّا حَوَاهُ الْعَالِمُ الْأَدِيبُ

وَرُبَّ ذِي حِرْصٍ شَدِيدِ الْحُبِّ *** لِلْعِلْمِ وَالذِّكْرِ بَلِيدُ الْقَلْبِ

مُعْجِزٌ فِي الْحِفْظِ وَالرِّوَايَةِ *** لَيْسَتْ لَهُ عَمَّنْ رَوَى حِكَايَةٌ

وَآخَرُ يُعْطِي بِلَا اجْتِهَادِ *** حِفْظًا لِمَا قَدْ جَاءَ فِي الْإِسْنَادِ

يَهْدِهِ بِالْقَلْبِ لَا بِنَاظِرِهِ *** لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إِلَى قَمَاطِرِهِ

فَالْتَمِسِ الْعِلْمَ وَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ *** وَالْعِلْمُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا بِالْأَدَبِ

وَالْأَدَبُ النَّافِعُ حُسْنُ السَّمْتِ *** وَفِي كَثِيرِ الْقَوْلِ بَعْضُ الْمَقْتِ

فَكُنْ لِحُسْنِ السَّمْتِ مَا حَيِيتَا *** مُقَارِفًا تُحْمَدُ مَا بَقِيَتَا

وَإِنْ بَدَتْ بَيْنَ النَّاسِ مَسْأَلَةٌ *** مَعْرُوفَةٌ فِي الْعِلْمِ أَوْ مُفْتَعَلَةٌ

فَلَا تَكُنْ إِلَى الْجَوَابِ سَابِقًا *** حَتَّى تَرَى غَيْرَكَ فِيهَا نَاطِقَا

فَكَمْ رَأَيْتُ مِنَ عَجُولٍ سَابِقٍ *** مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ بِالْخَطَأِ نَاطِقُ

أَزْرَى بِهِ ذَلِكَ فِي الْمَجَالِسِ *** عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَالتَّنَافُسِ

وَقُلْ إِذَا أَعْيَاكَ ذَاكَ الْأَمْرُ *** مَالِي بِمَا تَسْأَلُ عَنْهُ خَبَرُ

فَذَاكَ شَطْرُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَا *** كَذَاكَ مَا زَالَتْ تَقُولُ الْحُكَمَا

وَالصَّمْتُ فَاعْلَمْ بِكَ حَقًّا أَزْيَنُ *** إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مُتْقَنُ

إِيَّاكَ وَالْعُجْبَ بِفَضْلِ رَأْيِكَا *** وَاحْذَرْ جَوَابَ الْقَوْلِ مِنْ خَطَائِكَا

كَمْ مِنْ جَوَابٍ أَعْقَبَ النَّدَامَةَ *** فَاغْتَنِمِ الصَّمْتَ مَعَ السَّلَامَةِ

الْعِلْمُ بَحْرٌ مُنْتَهَاهُ يَبْعُدُ *** لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إِلَيْهِ يُقْصَدُ

وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ قَدْ حَوَيْتَهُ *** أَجَلْ وَلَا الْعُشْرَ وَلَوْ أَحْصَيْتَهُ

وَمَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْهُ أَكْثَرُ *** مِمَّا عَلِمْتَ وَالْجَوَادُ يَعْثُرُ

فَكُنْ لِمَا سَمِعْتَهُ مُسْتَفْهِمَا *** إِنْ أَنْتَ لَا تَفْهَمُ مِنْهُ الْكَلِمَا

الْقَوْلُ قَوْلَانِ فَقَوْلٌ تَعْقِلُهُ *** وَآخَرُ تَسْمَعُهُ فَتَجْهَلُهُ

وَكُلُّ قَوْلٍ فَلَهُ جَوَابٌ *** يَجْمَعَهُ الْبَاطِلُ وَالصَّوَابُ

وَلِلْكَلَامِ أَوَّلٌ وَآخِرُ *** فَافْهَمْهُمَا وَالذِّهْنُ مِنْكَ حَاضِرُ

لَا تَدْفَعِ الْقَوْلَ وَلَا تَرُدَّهُ *** حَتَّى يُؤَدِّيَكَ إِلَى مَا بَعْدَهُ

فَرُبَّمَا أَعْيَى ذَوِي الْفَضَائِلِ *** جَوَابُ مَا يَلْقَى مِنَ الْمَسَائِلِ

فَيُمْسِكُوا بِالصَّمْتِ عَنْ جَوَابِهِ *** عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي صَوَابِهِ

وَلَوْ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ *** مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ عِنْدَ النَّاسِ

إِذًا لَكَانَ الصَّمْتُ عَيْنٌ مِنَ الذَّهَبِ *** فَافْهَمْ هَدَاكَ اللَّهُ آدَابَ الطَّلَبِ

يقول الزبيدي في خاتمة ألفيته:

إلى هنا قد انتهى المنقول ** هديت الرشد ما أقـول

العلم أصل الذين والإحسان ** طريق كل الخير والجنان

دل على تفضيله البرهان ** وسنة النبي والقرآن

هل يستوي الذين يعلمونا ** وعصبةٌ بالعلم يجهلونا

لا تذع إلا العلم أناسا ** لغيرهم لا ترفعن رأسا

وهو مع الشقي هدى ونور ** وهو مع الزيغ بذي وبور

فالعلم إن زاد ولم يزدد هدى ** صاحبه لم يستفد إلا الردى

فلا تعد ذاته فضيلة ** إن لم يكن إلى الهدى وسيلة

فإنه كالكذب والخيال ** يكون عند الخلق للأعمال

فحق أهل العلم صدق النية ** والاجتهاد في صفا الطوية

والجد في التقوى بخير سيرة ** ليستقرَّ العلم في البصيرة

فعلم ذي الأنوار في جنانه ** وعلم ذي الأوزار في لسانه

وإن عنوان علوم الذين ** في الصدق والخشية واليقين

وأفضل العلوم علم يقترب ** به الفتى من ربه فيما يجب

فليبذل الجهد بما يزيده ** نور الهدى في كل ما يفيده

وبالأهم فالأهم ينتقي **   من كل فن ما يفيد ما بقي

فإن أنواع العلوم تختلط **   وبعضها بشرط بعض ترتبط

فما حوى الغايات في ألف سنة ** شخص، فخذ من كل فن أحسنه

بحفظ متن جامع للراجح ** تحله على مفيد ناجح

ثم مع الفرصة فابحث عنه ** حقق ودقق ما استجد منه

لكن ذاك باختلاف الفهم ** مختلف وباختلاف العلم

فالمبتدي والفدم لا يطيق ** بحثاً بعلمٍ وجهه دقيقُ

ومن يكن في فهمه بلاده ** فليصرف الوقت إلى العبادة

أو غيرها من كل ذي ثواب ** ولو بحسن القصد في الأسباب

وليعمر العمر فكلُّ ذرة ** منه رخيصة بألف دُرَّة

والعلم ذكر الله في أحكامه ** على الورى كالشكر في إنعامه

فذكره في الذات والصفات ** كالذكر في الأحكام والآيات

لكن كثيراً غفلوا بالعلم ** وحكمه عن ربه ذي الحكم

وأدخلوا فيه الجدال والمرا ** فكثرت آفاته كما ترى

فصار فيهم حاجبا لنوره ** عنه فما ذاقوا جنى مأثوره

فهلكوا بقسوة وكبر ** وحسد وعجب ومكر

نعوذ بالله من الخبال ** والعود بعد الحق في الضلال

فالذم منهم لا من العلوم ** فإنها من طاعة القيوم

فحق من يخشى مقام ربه ** أن يعتني بعين معنى قلبه

وليجتهد بكل ما في دينه ** يزيده بالحق في يقينه

وأن يديم الذكر بالإمعان ** والفكر فيه وفي جميع الشان

ليغرس التحقيق باليقين ** في قلبه بالحق والتمكين

حتى يكون عند موت جسمه ** حي الحجا بنورة وعلمه

طوبى لمن طاب له فؤاده ** بالعلم والتقوى عليه زاده

فسار في الحق على طريقة **   بالحق تهديه إلى الحقيقة

على اتباع المصطفى مبنية ** في القول والفعل وعقد النية

فيبلغ القصد بكل جود ** ببركات أحمد المحمود

صلى عليه ربتا وآله ** وصحبه وتابعي أحواله

مسلماً عليه بالدوام ** والحمد لله على التمام


 




صلاة التراويح للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

صلاة التراويح

للشيخ محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا الكتاب يبحث في صلاة التراويح عامة، وتحقيق عدد ركعاتها بصورة خاصة، ويناقش فيه العلامة الألباني مسألة إحداث سيدنا عمر رضي الله عنه في (التراويح)، وأن عدد العشرين ركعة لا يثبت عنه فعلاً ولا سنداً، وبنى الإمام الألباني قضيته على أن الأصل في الدين الاتباع لا على التحسين العقلي والابتداع، وأن العمل المقبول يقتصر فيه على الصحيح الثابت، دون الواهي والضعيف، وأن أفعال النبيّ صلى الله عليه وسلم العبادية توقيفية في كل جوانبها، والأمر بالاقتداء به فيها محمولٌ على الوجوب، وأن الزيادة على الإحدى عشرة ركعة لا يجوز لأي سببٍ من الأسباب، بينما يجوز النقص منها لثبوته.

ويلخص لنا الإمام الألباني هذه المسألة بما نقله عن الإمام السيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوي" (1/ 415)؛ حيث يقول: "فالحاصل أن العشرين ركعة لم تثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وما نقله عن صحيح ابن حبان غاية فيما ذهبنا إليه من تمسكنا بما في البخاري عن عائشة: (أنه كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة)، فإنه موافق له من حيث إنه صلى التراويح ثمانياً، ثم أوتر بثلاث، فتلك إحدى عشرة.

ومما يدل لذلك أيضاً: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملاً واظب عليه)، كما واظب على الركعتين اللتين قضاهما بعد العصر مع كون الصلاة في ذلك الوقت منهيا عنها. ولو فعل العشرين ولو مرة لم يتركها أبدا، ولو وقع ذلك لم يخف على عائشة حيث قالت ما تقدم"، والله أعلم.

ويعد هذا الكتاب هو الكتاب الثاني من سلسلة الإمام الألباني بعنوان (تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة)، وهو بعنوان (صلاة التراويح)، ويليها (صلاة العيد في المصلى)، و(البدعة)، و(الصلاة في المساجد المبنية على القبور)، و(التوسل)، أما الرسالة الأولى فقد كانت في الرد على بعض الاعتراضات الموجهة إلى بعض تقريرات الإمام الألباني رحمه الله في بعض كتبه.

ويتكون الكتاب من مقدمة، وثمانية فصول:

الأول: تمهيد في استحباب الجماعة في التراويح.

الثاني: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُصلي التراويح أكثر من إحدى عشر ركعة.

الثالث: اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الإحدى عشرة ركعة دليلٌ على عدم جواز الزيادة عليها.

الرابع: إحياء عمر لسنة الجماعة في التراويح، وأمره بإحدى عشرة ركعة.

الخامس: أنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة أنه صلاها عشرين.

السادس: وجوب الالتزام الإحدى عشرة ركعة والدليل على ذلك.

السابع: الكيفيات التي صلى بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة الوتر.

الثامن: الترغيب في إحسان الصلاة والترهيب من إساءتها.

أهم النتائج التي تضمنها الكتاب:

1-صلاة التراويح في رمضان مشروعةٌ، جماعةً، في المسجد، بفعله وقوله تقريره صلى الله عليه وسلم.

2-وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى التراويح ثلاث ليالٍ في المسجد، ثم تركها مخافة أن تُفرض على المسلمين.

3-وكانت أول صلاته ليلة الثالثة والعشرين، ولم يُصلِّ ليلة السادس والعشرين.

4-وبين أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة.

5-وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ التراويح أكثر من أحد عشر ركعة، وفيه حديثان، الأول: عن عائشة رضي الله عنها (متفق عليه)، والثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (رواه الطبراني بإسناد حسن).

6-وأن حديث العشرين ضعيف جداً، عارضه ما هو أصحَّ منه، ولذا لا يجوز العمل به! لأنهم اشترطوا في الحديث الضعيف ألا يشتد ضعفه (لكن يمكن أن يُجاب الألباني لأنه لهذا الفعل أصلٌ). وروي حديث العشرين عن ابن عباس (رواه ابن أبي شيبة)، وقال السيوطي في "الحاوي": حديث ابن عباس ضعيفٌ جداً. وقال الهيتمي في "الفتاوي الكبرى": هو شديد الضعف.

7-ويرى الألباني أن اقتصاره على الإحدى عشرة ركعة، دليلٌ على عدم جواز الزيادة عليها، يؤيد ذلك أن التراويح من السنن المؤكدة، وليست من النوافل المطلقة، ثم إنها تُطلب في جماعة، فأشبهت الفرائض في الكيفية (الصفة) والتعيين.

8-ثم ما المانع من الأخذ بهذا الهدي المحمدي، لا سيما وان كثيراً ممن يؤدون صلاة التراويح عشرين ركعةً يُسيئون أداءها، للسرعة الزائدة التي يفعلونها بها، حتى إنهم ليخلون ببعض أركانها أو يخلون بالطمأنينة فيها.

9-أن عمر رضي الله عنه -كان يأمر الناس بصلاة إحدى عشرة ركعة في رمضان في التراويح، وكان يُصلي بالناس هو وتميم الداري بذلك العدد.

10-أنه لم يثبت عن عمر رضي الله عنه -أنه أمر الناس بصلاتها عشرين ركعة، والروايات الواردة في ذلك ضعيفة مضطربة، ولا تقوم للروايات الصحيحة، وقد ضعّف الإمام الشافعي والترمذي لعدد العشرين عن عمر رضي الله عنه.

11-والروايات الواردة في العشرين لا تتقوى، ولا يعضد بعضها بعضاً، لأنه ليس لدينا إلا رواية السائب بن يزيد المتصلة، وأما رواية يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد الأنصاري فمنقطعة، ومع التخالف ترد الرواية المنكرة والشاذة، ويتمسك بالصحيح المعروف.

12-والعشرون لو صحَّت رواياته، فيكون ذلك لعلّةٍ وقد زالت، فيزول ذلك الحكم المقيد بالأكثرية، وهذا مع كونه بعيداً إلا أنه يفرض من باب الجدل، والصواب فإن الاقتداء بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، ولا يجوز إهدار قول النبيّ وفعله لقول أحدٍ من الناس، إن ثبت ذلك عنهم.

13-ولم يثبت أن أحداً من الصحابة صلى التراويح عشرين ركعة، وكل الروايات الواردة عن الصحابة في ذلك ضعيفة، منها: أثر علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، رضوان الله عليهم.

14-لم يُجمع الصحابة رضوان الله عليهم على العشرين ركعة، ولم يثبت عنهم فيها شيء، وما بني على ضعيف فهو ضعيف، وقد جزم بذلك العلامة المباركفوري في (التحفة)، وصديق حسن خان في (السراج الوهاج).

15-وقد اختلفت آراء الفقهاء في أعداد صلاة التراويح، على ثمانية أقوال: (41، 36، 34، 28، 24، 20، 16) والقول الثامن (11) ركعة. حكى هذه الأقوال العيني في "العمدة" (5/ 356 -357)، وذكر أن القول الأخير هو اختيار مالك لنفسه، واختاره أبو بكر بن العربي.

16-وقد أنكر الزيادة على الإحدى عشرة ركعة عددٌ من العلماء، منهم: الإمام مالك، وابن العربي، والإمام الصنعاني في "سبل السلام".

17-وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كيفيات عدة للوتر، منها:

أ-أنه كان يُصلي (13) ركعة يفتتحها بركعتين خفيفتين -هما سنة العشاء، وفيه حديث خالد بن زيد الجهني، وابن عباس، وعائشة.

ب- أنه كان يُصلي (13) ركعة، منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة ولا يُسلم إلا في الخامسة، وفيه حديث عائشة، وله شاهد من حديث ابن عباس.

ج- أنه كان يُصلي (11) ركعة: يصلي ثم يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وفيه حديث عائشة.

د-أنه كان يُصلي (11) ركعة: أربعاً بتسليمة واحدة، ثم أربعاً مثلها ثم ثلاثاً، وفيه حديث عائشة.

هـ- أنه كان يُصلي (11) ركعة، منها ثمان ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة، يتشهد ويُصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، وفيه حديث عائشة.

و-أنه كان يُصلي (6) ركعات، منها: ست ركعات لا يقعد إلا في السادسة منها، يتشهد ويصلي على النبي، ثم يقوم ولا يسلم ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، ثم يصلي بركعتين وهو جالس، وفيه حديث عائشة.

تلخيص الرسالة:

لقد طالك بحوث هذه الرسالة فوق ما كنا نظن ولكنه أمر لا مناص لنا منه؛ لأنه الذي يقتضيه المنهج العلمي في التحقيق، فرأينا أخيراً أن نقدم الى القراء الكرام ملخصاً عنها، لكي تكون ماثلة في ذهنه فيسهل عليه استيعابها والعمل بها إن شاء الله تعالى، فأقول: يتلخص منها: 

1-أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وليست بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي عديدة، وأن تركه لها بعد ذلك إنما خشية أن يظنها أحد من أمته فريضة عليهم إذا داوم عليها، وأن هذه الحشية زالت بتمام الشريعة بوفاته صلى الله عليه وسلم. 

2-وأنه صلى الله عليه وسلم -صلاها احدى عشرة ركعة، وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين ركعة ضعيف جداً. 

3-وأنه لا تجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة،لأن الزيادة عليها يلزم منه إلغاء فعله لها وتعطيل لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ولذلك لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها.  

4-وأننا لا نبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد، إذا لم تتبين له السنة ولم يتبع الهوى.  

5-وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليها فلا شك أن الأفضل هو الوقوف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الهدى هدى محمد».  

6-وأن عمر رضي الله عنه لم يبتدع شيئاً في صلاة التراويح، وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها، وحافظ على العدد المسنون فيها.

7-وأن ما روي عنه أنه زاد عليها حتى جعلها عشرين ركعة لا يصح في شيء من طرقه، وأن هذه الطرق مِنَ التي لا يقوي بعضها بعضاً، وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها، فضعف بعضها النووي، والزيلعي وغيرهم.

8-وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت، فلا يجب العمل بها اليوم؛ لأنها كانت العلة وقد زالت هذه العلة، والاصرار عليها أدى أصحابها في الغالب الى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها بل وبصحتها  أحياناً.

9-وأن عدم أخذنا بالزيادة مثل عدم أخذ قضاة المحاكم الشرعية برأي عمر في ايقاع الطلاق الثلاث ثلاثاً، ولا فرق، بل أخذنا أولى من أخذهم حتى في نظر المقلدين !  

10-وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صلاها عشرين ركعة، بل أشار الترمذي إلى تضعيف ذلك عن علي.  

11-وأنه لا إجماع على هذا العدد.  

12-وأنه يجب الترام العدد المسنون؛ لأنه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وقد أمرنا باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين.  

13-وأن الزيادة عليه أنكره مالك وابن العربي وغيرهما من العلماء.  

14-وإنه لا يلزم من انكار هذه الزيادة الإنكار على الذين أخذوا بها من الأئمة المجتهدين، كما لا يلزم من مخالفته الطعن في عالم. أو تفضيل المخالف عليهم في العلم والفهم.

15-وأنه وإن لم تجز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة، فالأقل منه جائز حتى الاقتصار على ركعة واحدة منها لثبوت ذلك في السنة، وقد فعله السلف.  

16-وأن الكيفيات الي صل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر كلها جائزة وأفضلها أكثرها والتسليم بين كل ركعتين.  






الاثنين، 28 نوفمبر 2022

الأربعين في خصائص النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم مصطفى بن مبروك الشاذلي المصري بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الأربعين في خصائص النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم

مصطفى بن مبروك الشاذلي المصري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا جزء حديثي مفيد، جمع فيه مؤلفه (43) ثلاثة وأربعين حديثاً نبوياً، في خصائص النبيّ الأمين صلى الله عليه وسلم، والتزم في هذه الأربعين الصحة في جميعها، فجاءت كلها في الصحيحين إلا حديثين -كما أشار إلى ذلك في المقدمة.

ونحن نسرد هذه الخصائص سرداً، والتي بلغت (37) سبعة وثلاثين خصيصة، ومن أراد أدلتها فليراجع هذه الأربعين ففيها الخير والبركة.

أما الخصائص الواردة في هذه الأربعين الحديثية، كما يلي:

1-أن الكذب عليه ليس ككذبٍ على أحد.

2-وأنه خاتم الأنبياء، لا نبيَّ بعده.

3-وأنه بُعث إلى الناس كافة، وكان غيره يبعث إلى قونه خاصة.

4-جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلٍ أدركته الصلاة بموضعٍ فليُصلِّ فيه.

5-وأحلت له الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبله، وأن الله تعالى طيّب الغنائم لهذه الأمة.

6-وأنه صاحب المقام المحمود والشفاعة العظمى يوم القيامة، والذي يشفع بسببه لبدء الحساب في الموقف العظيم.

7-أن من لم يؤمن به من أصحاب الأديان السابقة بعد بعثته فهو من أصحاب النار.

8-أنه بعث رحمةً للعالمين.

9-اختصاصه بنزول القرآن الكريم عليه.

10-أنه أكثر الناس أتباعاً يوم القيامة، ومن أمته سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.

11-اختصاصه بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، كل حرفٍ يُقرأ منهما يُعطاه المرء.

12-اعطاؤه جوامع الكلم.

13-نصرته بالرعب من مسيرة شهر، وكان ملك بني الأصفر (هرقل) يخافه.

14-أنه كان يرى من خلفه كما كان يرى من أمامه 

(قيل في الصلاة، وقيل: خارجها أيضاً).

15-إمامته بالأنبياء ليلة الإسراء (قيل: ببيت المقدس، وقيل: في السماء).

16-إسلام قرينه من الجن، ويروى أن عمر أسلم قرينه أيضاً.

17-كونه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

18-أن الله تعالى لم يُقسم بحياة غيره من الأنبياء.

19-أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض.

20-أن الصلاة في مسجده خيرٌ من الصلاة في غيره بألف صلاة إلا المسجد الحرام.

21-ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة، ومنبره على الحوض.

22-أن الدجال لا يدخل البلد التي يسكنها ويدفن فيها.

23-ولا ينزل الطاعون في البلد التي يكون فيها.

24-أن الله تعالى أحلَّ له مكة ساعة من النهار.

25-تسليم الحجر عليه قبل مبعثه.

26-اختصاصه هو وأمته بيوم الجمعة.

27-وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة.

28-وأن أمته خير الأمم.

29-أنه وأمته شهداء على الناس يوم القيامة.

30-أنه سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر.

31-وأنه أول شافعٍ وأول مُشفّع.

32-أنه صاحب لواء الحمد، ويكون آدم فمن دونه تحت لوائه يوم القيامة.

33-اختصاصه بمنزلة الوسيلة.

34-أن أمته تبعث يوم القيامة غراً محجلين.

35-أنه أول من يجوز الصراط يوم القيامة.

36-وأنه أول من يقرع أبواب الجنة يوم القيامة.

37-اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالكوثر.

ومن الكتب التي ألفت في هذا الباب (الخصائص النبوية):

1-كتاب (بداية السول في تفضيل الرسول) لسلطان العلماء؛ أبي محمد عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660 هـ).

2-كتاب (غاية السول في خصائص الرسول) للإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن علي المعروف بابن الملقن (ت 804 هـ).

3-كتاب (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني (ت 923 هـ).

4-كتاب (نهاية السول في خصائص الرسول) للإمام أبي الخطاب عمر بن الحسن الأندلسي المعروف بابن دحية الكلي (ت 633 هـ).

5- كتاب (اللفظ المكرم بخصائص النبيّ المعظم) للإمام أبي الخير محمد بن محمد بن عبد الله الخضيري (ت 894 هـ).

6- كتاب (الخصائص الكبرى) للإمام جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، وهو أكبر هذه الكتب وأجلها، وقد اختصره في كتاب سماه (أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب صلى الله عليه وسلم).




السبت، 26 نوفمبر 2022

الإرشاد إلى مهمات الإسناد ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (1114 -1176 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الإرشاد إلى مهمات الإسناد

ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

(1114 -1176 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا جزء حديثي نفيس، يذكر فيه الإمام ولي الله الدهلوي أسانيده إلى مصنفات الإسلام الكبرى الحديثية والعقدية، حيث يذكر اتصاله إلى سبعة من المشايخ الكرام، وهم أعلام المتأخرين في هذا العلم الشريف، ومن هؤلاء السبعة يتفرع الإسناد إلى علمين من أعلام المسلمين المتأخرين أيضاً والذين جمعوا بين الرواية والدراية، وهما زكريا الأنصاري، والإمام السيوطي، ثم بين أن أسانيد هذين العلمين ومن في طبقتهما ينتهي إلى ثلاثة من المسندين الكبار، وهم: ابن الشحنة، وابن البخاري، والشرف الدمياطي، ومن هؤلاء الثلاثة تتصل أسانيد العلماء قبلهم إلى كتب الأصول الحديثية، وكبار الحفاظ في المشرق والمغرب.

ومثل هذا الجزء له أهمية كبرى في حفظ الأسانيد ومعرفة الصحيح والسقيم، ومدار الإسناد فيه، ومعرفة الطرق التي يتصل بها الإسناد إلى كتب الأصول، ولا شك أن الكتابة في هذا الموضوع هام ومفيد، ولا نماري في أن أصحاب الحديث -جعلنا الله منهم بمنه -هم الطائفة المنصورة كما قال عبد الله بن المبارك، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والإمام البخاري، ولله درُّ الخطيب البغدادي حين يقول في كتابه (شرف أصحاب الحديث): وقد جعل الله تعالى أهل الحديث أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله في خليقته، والواسطة بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته).

 والخير في هذه الأمة باقٍ ببقاء أصحاب الحديث -أدام الله عزهم، ففي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر، لا يدري أوله خيرٌ أم آخره) رواه أحمد والترمذي. ولا يعارض هذا حديث (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فإن الأخير يدل على أن الصحابة خير القرون، وخير الناس وأنهم مثل المطر لخامة الزرع في أول نبتها، فالمطر كله خير، ولكن يصحُّ النبات بالمطر في أول عهده وزراعته، وحاجة الزرع إلى المطر الأول ليس مثل حاجته إلى المطر في نهاية نموه.. ولا يزال الخير باقٍ في هذه الأمة لا ينقطع، حتى تقوم الساعة.

قال بعضهم منشداً:  

علم الرواية خير شي حزته فاكرع شراب روايةٍ فيه الشفا

يكفيك فضلاً كون اسمك مدرجاً مع اسم خير الخلق طه المصطفى

وقال محمد بن أسلم الطوسي: «قرب الإسناد قرب إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم»

قال الشافعي: «لولا حفظ العلم بالإسناد في الدفاتر لخطبت الزنادقة على المنابر» رواه الهروي في ذم الكلام.  

وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» رواه مسلم في مقدمة الصحيح.  

ولا يعيب الإسناد في أول الزمان وآخره إلا أحد رجلين: إما من لا دراية له بأهميته أو منافق ملأ الغل والحقد فؤاده.  

ولهذا ما من قرن من القرون إلا ومنه من يحمل عن القرن الذين قبله العلم، ما بين السماع منهم، والقراءة عليهم، وأخذ الإذن العام عنهم بالرواية، أو بالتخصيص وهي الإجازة، أو غير ذلك من طرق التحمل.  

واحتمال العلم ونقله من جيل إلى جيل له فضيلة ثابتة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما روينا في «مسند الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وعبد الرزاق، أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: قال عبد الرزاق: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (نضر الله امرءاً سمع منا حدينا فحفظه حتى ييلغه، فرب مبلغ أحفظ من سامع).  

قال القاسم بن يوسف التجيبي في «برنامجه» بعد أن أسند هذا الحديث: «فجميع أهل الرواية والإسناد يرجون الدخول في هذه الدعوة المباركة السنية، جعلنا الله تعالى ممن دخل فيها بصدق وحسن نية، وبلغنا من ذلك الأمنية» آمين.  

وفي نقله استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رويناه في «صحيح البخاري» قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن تخلد، أخبرنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».  

وترهيب النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه بعد أمره بالبلاغ والنقل عنه فيه إشارة الأسانيد وتفحصها، فشرف أهل الرواية إلى علم العلل ونقد الأحاديث وتتبع الروايات يحصل لهم من وجهين في هذا الحديث: من حيث امتثالهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الحديث، ومن حيث نفيهم للكذب عليه وأن ينسب إليه ما ل يقله.  

وذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضيلة أهل الحديث فيما روينا في كتاب «البدع» لاين وضاح: حدثنا محمد بن سعيد بن أي مريم، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثت، إسماعيل بن عياش، عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري -وهو تابعي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، وروي من طرق عدة، وعن جمع من الصحابة مرفوعاً، وصححه الإمام أحمد في رواية مهنا عنه، وضعفه الأكثرون.  

ولهذا كان الفاصل بين أهل السنة وأهل البدع اتباع الأثر، وطلب الإسناد وتتبع الطرق، ومعرفة صحة الخبر؛ لأنهم أعدل الناس طريقة، كما نقله عن الشافعي وابن المبارك.  

وكما روى الهروي، عن إبراهيم الحربي: أنه قال: «إذا لم يكن عند الرجل فلان عن فلان فاغسل اليدين منها».

وقال الإمام مالك: «ما قلت الآثار في قوم إلا ظهرت فيهم الأهواء» رواه الهروي، وقال سفيان الثوري: «الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح» رواه الهروي.  

أما الأسانيد فإن أهل البدع تنقطع ظهورهم وتحمر أنوفهم عندما يسمعونها، ولذا هم لا يحبون نقلها، ولا سماعها، ولا الاحتجاج بها:  

روى الهروي في ذم الكلام وأهله، والصابوني في السنة عن شيخه الحاكم أبي عبد الله قال: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه- يناظر رجلاً؛ فقال الشيخ أبو بكر: «حدثنا فلان»، فقال له الرجل، دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا!  

فقال الشيخ له: «قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً»، ثم التفت إلى أصحابه؛ فقال: أما قلت لأحد أخرج من بيتي غير هذا.  

قال شيخ الإسلام ابن تيمية تخنه في «منهاج السنة»: «والإسناد من خصائص هذه الأمة، وهو من خصائص الإسلام، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة، والرافضة أقل عناية به، إذ لا يصدقون إلا ما يوافق أهواءهم، وعلامة كذبهم أنه يخالف هواهم».  

ولا يضر الإنسان بل يستحب له حفظ الإسناد من لدنه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أي عصر من العصور، حتى وإن طال أمد الزمن بينهم، فها هو الإمام أحمد يحفظ الأحاديث بالأسانيد، وينقلها للناس، بل ويضمنها فتاويه، وكان بإمكانه أن يختصر على نفسه ويعلق تلك المأثورات، فهو عند الناس ثقة مأمون، وقد أثنى عبد الوهاب الوراق عل الإمام أحمد وقال: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، فقالوا له: وأي شيء بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت؟!، قال: رجل سئل ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا وروينا».  

وفي ذلك يقول الإمام الصرصري في لاميته في فضائل الإمام أحمد:  

حوى ألف ألف من أحاديث أسندت وأسندها حفظا بقلب عُصَّلِ

أجاب على ستين ألف قضية بأخبرنا لا من صحائف نُقَّلِ

وها هو الحافظ الدارقطني (ت: ٣٨٥ه) رحمه الله، وكتب السنة قد دونت من قبله، ومع ذلك أسند وجمع وصنف، وساق الأحاديث بالأسانيد، قال العتيق: حضرتُ مجلس الدارقطني وجاءه أبو الحسن اليفاوي برجل غريب وسأله أن عملي علّة أحاديث، فأملى عليه من حفظه ما يزيد أحاديثه على العشرين، متون جميعها: «نعم الشيء الهدية أمام الحاجة»، فانصرف الرجل مم جاءه بعد، وقد أهدى إليه شيئاً، فقربه إليه فأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثاً متونها: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه».  

قال الذهبي في «التذكرة»: اقلت: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة ولقوة الفهم والمعرفة».  

وكتابه «العلل» أملاه من حفظه، ومجرد قراءته عل أبناء عصرنا ثقيلة مكلفة، فكيف بفهمه واستيعابه، بل كيف بحفظه وسرده، ثم كيف بإنشائه واملائه؟! والله المستعان.  

ولننحدر مع الزمن إلى زمن أي إسماعيل الهروي (ت: ٤٨١ه) رحمه الله تعالى، الذي يقول عنه تلميذه ابن طاهر: سمعته يقول: «أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سرداً».  

قال ابن طاهر: «وقط ما ذكر في مجلسه حديثا إلا بإسناده، وكان يشير إلى صحته وسقمه».  

ونأتي إلى زمن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ت: (٧٢٨ ه) رحمه الله تعالى، فعندما سأله صاحب سبتة أن يكتب له إجازة بمروياته، كتب له في عشر ورقات جملةً من ذلك بأسانيدها من حفظه قال الذهبي: في «التذكرة»: بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر محدث يكون!».  

وغير من ذكرت الكثير ممن يفخر بأسانيده، ويشرف بربط شخصه بسلسلة المصطفى منتهى حلقاتها، وفي كتاب التذكرة للحافظ الذهبي ما يؤكد حرص العلماء عل حفظ الحديث وحملها وأدائها بأسانيدها، فجدير بطالب الحديث قراءته والتأمل فيه، فلعله تتقد من سيرة أولئك القوم ويحظى من نار همتهم بجذوة؟! فلسوف تفيء له ما بين المشرق والمغرب في زماننا، ويصير بها حافظ زمانه، مما تذوب همم أهل عصرنا حتى تصل إلى همته، وما هي إلا جذوة من همة القوم، والله المستعان.  

وما أجل ما أنشده الإمام الشافعي: 

علمي معي حيثما يممت يتبعني إن كنت في البيت كان العلم فيه معي

قلبي وعاء له لا بطن صندوق إن كنت في السوق كان العلم في السوق

وأنشدوا:  

عليك بالحفظ دون الجمع من كتب النار تغرقها والفأر يخرقها

فإن للكتب آفات تفرقها والماء يغرقها واللص يسرقها

ونقل شيخ مشايخنا محمد عبد الحي الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه الفريد (فهرس الفهارس والآيات) عن الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي في ترجمته وصية جليلة نافعة إذ قال: أوصاني عبد الوهاب المتقي بأنه ينبغي للمحدث أن يختار لنفسه من الأسانيد التي حصلت له من مشايخه سنداً واحداً يحفظه ليتصل به إلى سيد المرسلين، وتعود بركته على حامله في الدنيا والآخرة».  

قلت: وبإمكان طالب الحديث في زماننا أن يحفظ أسانيده إلى العديد من دواوين الاسلام مع حفظه لا فيها من قبل، وذلك إذا أعانه الله وحفظ الكتاب الذي أنا بصدد التقديم له وهو كتاب الإرشاد إلى مهمات علم الإسناد» للشيخ ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي، فما رأت العين أسهل منه عبارة، ولا ألطف منه إشارة، في جمع أسانيد القرون المتأخرة في مهمات الأسانيد؛ حتى يتهيأ لمن حفظها أن يتصل به السند إلى أكثر من ثلاثين ديواناً من دواوين الإسلام، وغيرها من كتب الأسانيد فوجدها تدور على ثلاثة محاور متصلة الأسانيد:  

المحور الأول: سر أسانيد القرن الثاني عشر والحادي عشر فوجدها تعود إلى أهل العلم الأجلاء؛ وذلك لأنه سبر سبعة علماء من أبرز علماء الإسناد، وهم: الشيخ محمد بن العلاء البابلي، والشيخ عيسى المغربي الجعفري، والشيخ محمد بن سليمان الروداني المغربي، والشيخ إبراهيم بن حسن الكردي المدني، والشيخ حسن بن علي العجيمي المكي، والشيخ أحمد بن حمد المكي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري ثم المكي، وكل من هؤلاء قد يجمع ثبتاً ذكر فيه أسانيده، وهي موجودة ما بين مطبوع ومخطوط، وعندي مصورات لغالب مخطوطاتها ولله الحمد.  

المحور الثاني: أرجع فيه أسانيد هؤلاء السبعة إلى اثنين ممن جمعها وحواها في القرن العاشر والتاسع، وهما الزين زكريا، والجلال السيوطي، وهما عمدة من بعدها في الأسانيد.  

والمحور الثالث: أرجع فيه أسانيد هذين الشيخين إلى ثلاثة علماء ممن دار عليهم غالب الإسناد، وحلوا لواء الرواية في القرنين الثامن والشايع، وهم: الشيخ المسند المعمر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب الحجار المعروف بابن الشحنة- والشيخ العالم الفقيه مسند عصره فخر الدين -أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن البخاري- والشيخ الحافظ -عبد المؤمن بن خلف الدمياطي- وهؤلاء الثلاثة أهل فخر الرواية والإسناد وعلوه في تلك القرون.  

ثم بعد ذلك تتجه الأسانيد من هؤلاء الثلاثة إلى العديد من كتب السنة، وقد ذكر المؤلف البعض منها بوسائط لا تزيد عن خمس درجات في الغالب، ومجموع رجال الأسانيد المذكورة في الكتاب كله لا تجاوز المائة والثمانين رجلاً، والرسالة كلها بكامل أسانيدها إلى ما يقارب الأربعين كتاباً تضمها كراسة واحدة في الأصل المخطوط كما ذكر ذلك الكتاني في ترجمة المؤلف، وسبع ورقات في الأصل المطبوع بالخط المتوسط، فلا يرهبك كبر حجمه هنا فالحواشي زادت من عدد صفحاته، مع البعد قدر الإمكان عن الإسهاب فيها.  

وهذا مما يسهل على طلاب العلم ضبطها وحفظها، وبهذا يجمع شتات الذهن، وتصان همة طالب العلم من الوهن، ويستطيع طالب الحديث والراغب في حفظ الأسانيد أن يسرد أسانيده إلى ما شاء من الكتب ومن ثم إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فحق بذلك أن يكون هذا الكتاب فريداً في بابه، نافعاً لأهل الحديث وطلابه في العصور المتأخرة.  

وطريقته طريقة فريدة لم أرها - حسب علمي -لأحد قبله، وإن كان قد تعقبه فيها بعض من تأخر عنه، أمثال شيخ مشايخنا العلامة الإمام محمد عبد الحق الهاشمي، فقد صنف «ثبته الكبير» على هذه الطريقة ولكن على أربعة محاور، وكتابنا هذا أسهل منه، ولكن كتاب الشيخ عبد الحق الهاشمي أكثر فائدة وأوسع من حيث ذكر الأوائل والعوالي ووصلها، وذكر بعض مهمات الأثبات التي عليها مدار غالب الأسانيد في القرون المتأخرة.  

يقول المحقق: وبعدما من الله تعالى على العبد الفقير باتصال الأسانيد إلى الهادي البشير، عليه الصلاة والسلام، عن العديد من مشايخي الأجلاء، وأساتذتي الفضلاء اتصل سندي بهذا الثبت، فسرق نظري، وسلب من العقل فكري، وأخذ تفكيري في نقلته خط شيخنا محدث الطائف وفقيهها ومفتيها الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعد العياف الدوسري، وبه أجازي مساء يوم الاثنين الموافق للرابع والعشرين من شهر شوال سنة عشرين وأربعمائة وألف للهجرة، وهو نقله عن خط شيخه العلامة سليمان بن عبد الرحمن الحمدان، فأخذت أعيد النظر فيه يوماً بعد يوم. ثم حبب إلىَّ العناية به والترجمة لرجاله.

ترجمة موجزة للمؤلف

هو: الشيخ العلامة محدث الديار الهندية ولي الله أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي المحدث، المولود سنة (١١١٤ ه)، خاتمة المسندين ومن عليه مدار الإسناد في الهند، قال في «اليانع الجني»: انشر أعلام الحديث وأخفق لواءه، وجدد معالمه، حتى سلم له الناس أعشار الفضل، وأنه رئيس المحدثين، ونعم الناصر لسن سيد المرسلين.  

وقال الأمير صديق حسن خان في «الحطة» في حق المترجم وذريته: أعاد سهم علم الحديث غضا طرياً، بعدما كان شيئا فرياً، تشهد بذلك كتبهم وفتاويهم، ونطقت به زبرهم ووصاياهم، ومن كان يرتاب في ذلك فليراجع إلى ما هنالك، فعل الهند وأهلها شكرهم ما دامت الهند وأهلها».  

وقال محمد عبد الحي اللكنوي في «حواشيه على الموطأ»: «وتصانيفه كلها تدل على أنه كان من أجلاء النبلاء، وكبار العلماء، موفقاً من الحق بالرشد والصواب، متجنباً من التعصب والاعتساف، ماهراً في العلوم الدينية، متبحراً في المباحث الحديثية».  

قال شيخ مشايخنا عبد الحي الكتاني-: «وهو ممن ظهر لي أنه يعد من حفاظ القرن الثان عشر؛ لأنه ممن رحل ورحل إليه، وروى وصنف واختار ورجح وغرس غرسا بالهند أطعم وأثمر وأكل منه خلق».

توفي المؤلف سنة (١١٧٦ ه)، وقيل: (١١٧٤ ه)، وله في «اليانع الجني» ترجمة مطولة، فلتراجع للفائدة.  

اتصال الإمام ولي الله الدهلوي بسبعة من المشايخ الكرام:

1-الشيخ محمد علاء الدين البابلي (ت 1077 هـ)، وله "منتخب الأسانيد".

2- الشيخ عيسى بن محمد المغربي (ت 1080 هـ)، وله "مقاليد الأسانيد".

3- الشيخ محمد بن سليمان الفاسي المغربي (ت 1094 هـ)، وله "صلة الخلف".

4-الشيخ حسن بن علي العجيمي (ت 1113 هـ).

5-الشيخ إبراهيم بن حسن الكردي المدني (ت 1101 هـ)، له "الأمم".

6-الشيخ أحمد بن محمد النخلي (ت 11130 هـ).

7-الشيخ عبد الله بن سالم البصري، ثم المكي (ت 1134 هـ).

وسند هؤلاء السبعة ينتهي إلى الإمامين:

1-شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت 925 هـ).

2-الشيخ جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ).

ثم ذكر أسانيد أولئك السبعة إلى الشيخين زكريا والسيوطي، ويرجع إسناد الشيخين ومن في طبقتهما إلى ثلاثةٍ من المسندين الكبار، وهم:

1-ابن الشحنة: أحمد بن أبي طالب الحجار (ت 730 هـ).

2-ابن البخاري: علي بن أحمد بن عبد الهادي (ت 690 هـ).

3-الشرف الدمياطي: عبد المؤمن بن خلف الدمياطي (ت 705 هـ).

ثم ذكر أسانيد هؤلاء الثلاثة إلى أمهات الكتب، وهي:

صحيح البخاري -صحيح مسلم -جامع الترمذي -سنن النسائي -سنن ابن ماجه -مسند الدارمي -مسند الشافعي -مسند أحمد -مسند أبي يعلى -مسند الطيالسي -صحيح ابن حبان -سنن الدارقطني -مستدرك الحاكم -الحلية لأبي نُعيم -السنن الصغرى والكبرى للبيهقي -مصنفات الخطيب -مسند الفردوس للديلمي -مسند الشهاب القضاعي -مسند أبي حنيفة للحارثي وابن خسرو -معاجم الطبراني الثلاثة -عمل اليوم والليلة لابن السني -التوحيد لابن منده -ومشند الحارث بن أبي أسامة -الشريعة للآجري -شرح السنة والمصابيح ومعالم التنزيل للبغوي -تفسير الوسيط للواحدي -قوت القلوب لأبي طالب المكي -الغنية لعبد القادر الجيلاني -جامع الأصول لابن الأثير -العمدة واعتقاد الشافعي لعبد الغني المقدسي -مشارق الأنوار للصنعاني -الترغيب والترهيب للمنذري -المختارة للضياء المقدسي.