أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 فبراير 2021

مسألة نقل الزكاة من بلد إلى آخر -إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

مسألة نقل الزكاة من بلد إلى آخر

دراسة فقهية حديثية


إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها، من بلد إلى أخرى إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها. واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى، مع وجود من يحتاجها.

فقال الاحناف: يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم، أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها، لا يكره النقل.

وقالت الشافعية: لا يجوز نقل الزكاة والحالة هذه، بل يجب صرفها في بلد المال، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة، في الموضع الذي وجبت فيه.

وقال مالك: لا يجوز نقل الزكاة، إلا أن يقع بأهل بلدٍ حاجة، فينقلها الإمام إليهم، على سبيل النظر والاجتهاد.

وقالت الحنابلة: لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر. ويجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه، إلى ما دون مسافة القصر.

وقال أبوداود في "سننه": سمعت أحمد، سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا. قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا. فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها.

واستدلَّ الشافعية والمالكية والحنابلة بأدلَّة، منها:

1- ما رواه البخاري في "صحيحه"، والترمذي، وأبو داود في "سننهما"، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: (فإن هم أجابوك؛ فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم).

قالوا: الضمير هنا يعود على المخاطبين، فيختصُّ ذلك الرد بفقراؤهم، أي فقراء أهل اليمن. 

وهذا وإن كان محتملاً احتمالاً قوياً؛ إلا أن فيه نظر؛ لأمرين:

(الأول): ما قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام": أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر. وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة. ولا يختص بهم قطعاً -أعني الحكم -وإن اختص بهم خطاب المواجهة. 

(الثاني): ما قاله الشيخ زكريا الأنصاري في "الإفهام": أن إضافة (هم) كما تحتمل أن تكون للتعيين والتخصيص، يحتمل أن تكون للجنس، كما في قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..} إلى أن قال: {أو نسائهن} (النور: 31) أي جنس النساء.

(الثالث): ما قاله ابن الملقن من أن الحديث لا دلالة فيه على منع النقل؛ لأن من منع النقل استثنى منه الإمام والساعي، كما هو ظاهر الأحاديث، وقد نقلها معاذ إلى عمر "كما سيأتي".

(الرابع): نقل النوويُّ في "المجموع": أن من منع النقل يكون قد استثنى أحد الأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين…} (التوية: 60). فإذا لم يوجد أحدٌ منهم استُثنى سهمهم. فنقله إليهم وفرق الباقي في البلد؛ لأن سهمهم ثابتٌ بنص الكتاب، واعتبار البلد ثبت بخبر الواحد؛ فيُقدم من ثبت حقه بنص الكتاب.

وليس في حديث معاذ هذا الاستثناء، وقد دلَّ الكتاب على جواز صرفها إلى الأصناف الثمانية ولم يخصص والله أعلم. 

2-وما رواه البيهقي في"الكبرى"، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نشدتك بالله، آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا؛ وتردها على فقرائنا؟ قال: (اللهم نعم).

وقال البيهقيُّ: إسناده صحيح، وصححه الألباني في "مشكلة الفقر".

3- وما رواه الترمذي في "سننه"، عن أبي جحيفة قال: (قدم علينا مُصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنتُ غلاماً يتيماً، فأعطاني قلوصاً). وحسنه الترمذي، وحسنه البغوي في "شرح السنة". والقلوص: هي الشابة من النوق.

ضعف الشوكاني في "نيل الأوطار"، وقال الأرناؤوط في "تخريج شرح السنة": فيه أشعث بن سوار الكندي، وهو ضعيف.

4-وما رواه أبو داود وابن ماجه في "سننهما" عن عمران بن حصين: أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: (وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه). 

وصححه المباركفوري في "تحفة الأحوذي"، والرباعي في "فتح الغفار"، والشوكاني في "نيل الأوطار"، والألباني في "صحيح ابن ماجه".

5-وروى أبو عُبيد في "الأموال"، عن عمرو بن شعيب: أن عمر بن الخطاب بعث معاذ بن جبل على الصدقة، فبعث إليه بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم، فقال معاذ: (ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني). فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: (ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئاً).

والشاهد: أن هذا الحديث مع ما سبقه يدلُّ لصحة ما ذهب إليه الشافعيّ وأحمد، وأن الزكاة لا تخرج من بلدٍ وفي أهلها من يستحقها.

6-واستدلوا بما رواه الأثرم في "سننه"، والبيهقي في "معرفة السنن"، و"الكبرى" بإسناده إلى الشافعي: عن ابن طاوس، عن أبيه، أن معاذ بن جبل قضى: (أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته، فعُشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته). والمخلاف مثل الدويرة، والمصر الصغير. والعُشر: هو زكاة زرعه.

وكأن الشافعي رحمه الله فهم أنه: إذا كان هذا هو قضاء معاذ في العُشر والصدقة: أن تكون في عشيرته؛ فكيف يصحُّ نقلها إلى بلد آخر.

 قال الشافعيُّ رحمه الله: ومعاذ إذ حكم بهذا كان من أن ينقل صدقة المسلمين من أهل اليمن الذين هم أهل الصدقة إلى أهل المدينة الذين أكثرهم أهل الفيء: أبعد.

وقال الشافعي: ولو ثبت عن معاذ شيء -يعني غير ذلك -لم نخالفه إن شاء الله.

وقد استدل الفقهاء الشافعية والحنابلة بهذه الأحاديث: على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله.

7- وروى البيهقي في "الكبرى" بإسناده إلى الشافعي: عن شيخ من أهل مكة، قال: سمعتُ طاوساً يُسأل عن بيع الصدقة قبل أن تُقبض؛ فحلف طاوس ما يحل بيع الصدقات قبل أن تقبض، ولا بعد أن تقبض.

قال الشافعيُّ: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم بعينها ولا يُردُّ ثمنها.

ولو كان ما ذهب إليه من احتج علينا -بأن معاذاً باع الحنطة والشعير الذي يؤخذ من المسلمين بالثياب، كان بيع الصدقة قبل أن تقبض، ولكنه عندنا على ما ذكرنا.

قال الشافعي: (صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل ذمة اليمن على دينار على كل واحد كل سنة، وكان في سنته أن يؤخذ دينار أو قيمته من المعافير). قال: فلعل معاذاً، لو أعسروا بالدنانير، أخذ منهم الشعير والحنطة؛ لأنه أكثر ما عندهم.

قال: وإذا جاز أن يترك الدينار لعرض، فلعله جاز عنده أن يأخذ منهم طعاماً وغيره من العرض بقيمة الدينار، فأسرعوا إلى أن يعطوه من الطعام لكثرته عندهم، فيقول: الثياب خير للمهاجرين بالمدينة، وأهون عليكم؛ لأنه لا مؤنة كبيرة في المحمل للثياب إلى المدينة، والثياب بها أغلى منها باليمن.

واستدلَّ الحنفيَّة بأدلة منها:

1- ما رواه البيهقي في "السنن"، وسعيد بن منصور في "سننه" عن طاوس أن معاذ بن جبل، قال لبعض أهل اليمن: (ائتوني بعرض ثيابكم آخذها منكم مكان الشعير والحنطة؛ فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة).

ومؤنة حمل الثياب إلى المدينة أخف، وكذلك الثياب بالمدينة أغلى منها باليمن. وهذا الأثر إسناده صحيح، إلى طاووس، إلا أنه منقطع لأن طاووساً لم يلقَ مُعاذاً، وقال البيهقي في "المعرفة": إسناده منقطع.

وعلقه البخاريُّ في "صحيحه" باب العرض في الزكاة بصيغة الجزم؛ فقال: (وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: (ائتوني بعرض ثياب خميص -أو لبيس -في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة). 

* والعرض: هو كل ما  عدا النقود. والخميص: ثوب صغير مربع ذو خطوط. واللبيس: ملبوس أو كل ما يلبس. 

ووصله يحيى بن آدم في "الخراج"، قال: حدثنا سفيان بن عُيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، قال: قال مُعاذ. الحديث. ووصله ابن أبي شيبة في "مصنفه"، قال: حدثنا ابن عُيينة. الحديث. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من طريق عمرو بن دينار، عن طاوس.

وأخرجه البيهقي في "الكبرى" من طريق يحيى بن آدم، وهو إسنادٌ صحيح إلى طاوس إلا أنه مرسل؛ لأن طاووساً لم يسمع من معاذ. وقال البيهقي في "المعرفة": منقطع.

وقال ابن حجر في "الفتح": (وقال طاوس: قال معاذ لأهل اليمن ... ) هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع؛ فلا يُغترُّ بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم؛ فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب. انتهى.

وقد ذكر هذا البخاري هذا التعليق وعضده بأحاديث صحيحة في (باب العرض في الزكاة) أي جواز أخذ العرض (القيمة) ولم يقصد به حكم نقل الزكاة هنا. لكن جاء عنه ما يُهم منه جواز نقل الزكاة؛ حيث عقد في "صحيحه" (باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وتُرد في الفقراء حيثُ كانوا).

قال الحافظ في "الفتح": وقال ابن المنير: اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله: (فترد في فقرائهم)؛ لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى.

وقال أيضاً في "الفتح":  وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله بن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل؛ فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح، إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري

2- واستدلوا بما رواه البخاريُّ، ومسلمٌ في "صحيحهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاثٍ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم: (هم أشدُّ أمتي على الدجال)، وكانت منهم سبيّة عند عائشة؛ فقال: (أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل)، وجاءت صدقاتهم؛ فقال: (هذه صدقات قومي)، وفي روايةٍ: "قومنا".

3-وبما رواه مسلم في "صحيحه"، عن عدي بن حاتم، قال: (أتيتُ عمر بن الخطاب؛ فقال لي: إن أول صدقةٍ بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه، جئت بها إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم).

3-وبما رواه النسائي في "سننه" عن عبد الله بن هلال الثقفي، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: كدتُ أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة؛ فقال: (لولا أنها تُعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها).

قال البخاريُّ في "التاريخ الكبير": لم يذكر عبد الله بن هلال سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم، وضعفه الألأباني في "ضعيف النسائي".

4-وبما رواه مسلمٌ في "صحيحه" عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحملت حمالةً فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها؛ فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها). وقبيصة من نجد.

والحمالة في المال: هو ما يتحمله الإنسان، أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين، كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك.

3- واستدلوا بما رواه الدارقطني في "سننه"، والبيهقي في "الكبرى"، عن عبد الله بن مسعود، قال: (لا تخرج الزكاة من بلد إلى بلد، إلا لذي قرابة).

 وقال البيهقي: موقوف وفي إسناده ضعف

وقال ابن قدامة في "المغني": فإن خالف ونقلها أجزأته، في قول أكثر أهل العلم. فإن كان الرجل في بلد، وماله في بلد آخر، فالمعتبر بلد المال، لأنه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين. فإن كان بعضه حيث هو، وبعضه في بلاد أخرى، أدى زكاة كل مال، حيث هو.

وقال أبو عُبيد في كتابه "الأموال": والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها أن أهل كل بلد من البلدان، أو ماء من المياه، أحق بصدقتهم، ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها، حتى يرجع الساعي ولا شيء معه منها. 

وذكر الشافعيُّ بعض الشُّبهات التي وردت عليه، وردَّها:

فقال الشافعي: فإن قال قائل: (كان عدي بن حاتم جاء أبا بكر بصدقات، والزبرقان بن بدر). 

فهما وإن جاءا بما فضل عن أهلها إلى المدينة، فيحتمل أن تكون المدينة أقرب الناس نسباً وداراً ممن يحتاج إلى سعة، من مضر و طيء من اليمن.

 ويحتمل أن يكون من حولهم ارتد، فلم يكن لهم حق في الصدقة، ويكون بالمدينة أهل حق، هم أقرب من غيرهم. 

ويحتمل أن يؤتى بها أبو بكر الصديق، ثم يأمر بردها إلى غير أهل المدينة،  وليس في ذلك خبر نصير إليه.

فإن قال قائل: (فإن عمر كان يحمل على إبل كثيرة إلى الشام والعراق). قلتُ: ليست من نعم الصدقة؛ لأنه إنما يحمل على ما يحتمل من الإبل، وأكثر فرائض الإبل لا يحمل أحداً.

وروى البيهقي في "معرفة السنن" بإسناده إلى الشافعي: عن عبد الله بن مالك الدار: أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان كانا يحملان الغزاة على إبل الصدقة، (وهي إبل الجزية التي كان بعث بها معاوية، وعمرو بن العاص)، فقيل له:  وممن كانت تؤخذ؟  قال: (من جزية أهل الذمة، وتؤخذ من صدقات بني تغلب فرائض على وجوهها، فبيعت بها إبل جلة، فنبعث بها إلى عمر فيحمل عليها).

وروى البيهقي في "معرفة السنن" بإسناده إلى الشافعي: عن سعيد بن أبي هند قال: (بعث عبد الملك بن مروان بعض الجماعة بعطاء أهل المدينة، وكتب إلى والي اليمامة أن يحمل من اليمامة إلى المدينة ألف ألف درهم يتم بها عطاءهم، فلما قدم المال إلى المدينة أبوا أن يأخذوه، وقالوا: أتطعمنا أوساخ الناس، وما لا يصلح لنا أن نأخذه أبدا؟ فبلغ ذلك عبد الملك فرده، وقال:  لا يزال في القوم بقية ما فعلوا هكذا).

فقيل لسعيد بن أبي هند، ومن كان يومئذ يتكلم؟

قال: أولهم سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في رجال كثير.

قال الشافعي: وقولهم: (لا يصلح لنا)، أي: لا يحل لنا أن نأخذ الصدقة، ونحن أهل الفيء، وليس لأهل الفيء في الصدقة حق، ومن أن لا ينقل عن قوم إلى غيرهم.

وقال البيهقي: وذكر الشافعي ما روي عن عمر، أنه كان يؤتى بنعم من نعم الصدقة، وحمل ذلك على أنه كان يؤتى بها من أطراف المدينة، ولعلهم استغنوا، فنقلها إلى أقرب الناس بهم داراً ونسباً.

والخلاصة:

أنه قد جاءت الأحاديث مصرحة بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله، ولا تنقل إلى بلد آخر إذا لم يستغنِ قومُ المزكي عنها؛ لأن المقصود من الزكاة، إغناء الفقراء من كل بلد، فإذا أبيح نقلها من بلد -مع وجود فقراء بها -أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.

ثم إن نقلت الزكاة حيث لا مسوغ لنقلها مما تقدم، فقد ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة على المذهب، والمالكية في أصح القولين، إلى أنها تجزئ عن صاحبها؛ لأنه لم يخرج عن الأصناف الثمانية.


  • لمصادر والمراجع:

  • فقه السنة؛ للسيد سابق..

  • الموسوعة الفقهية الكويتية.

  • الإحكام؛ لابن دقيق العيد.

  • الإفهام؛ للشيخ زكريا الأنصاري.

  • النظر فيما علق الشافعي القول فيه على صحة الأثر.

  • معرفة السنن، والسنن الكبرى: للبيهقي.

  • الإقناع حل ألفاظ أبي شجاع.



الاثنين، 1 فبراير 2021

زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة -د. أحمد محمد خليل

زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة

د. أحمد محمد خليل

دار ابن الجوزي، ط، 1428 هـ

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد قرنها الله عز وجل بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة: 43)، ولا شك أن الزكاة دعامة من دعائم الإسلام، وأداؤها عنوانٌ على العمل بطاعة الله عز وجل، وفي القرآن الكريم نفحاتٌ طيبة، وأنسامٌ لطيفة تُؤكد على فلاح من يُطهر نفسه من الشُّح: {ومن يُوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المُفلحون}(الحشر: 9)، وقد مدح سبحانه أهل الزكاة، وهي من أوجب الصدقات، وجعلها سبباً في الطهارة والنقاء المعنوي لمُخرجها، ونجاةً وفلاحاً له في الآخرة.

وهذا بحثٌ نفيس في (زكاة الدين)، نتعرف من خلاله إلى أحكامٍ متنوعة ومختلفة في الزكاة، من حيث تعريفها، ومشروعيتها، وأقسامها، وتأثرها بالديون، وشروط أدائها.

    ونستعرض من خلاله آراء الفقهاء وأدلتهم في إسقاط الدين من الزكاة، ومناقشتها بطريقة علمية، وهو يبحث في الديون عموماً وتأثيرها في الزكاة، سواءٌ كان الدين مؤجلاً أو معجلاً، أو كان ديناً لله أو للعباد، مع التفصيل في بعض المسائل المعاصرة مثل: قرض البنك العقاري، والقروض الأخرى التي يأخذها الإنسان من بنوك التمويل، وكذلك الديون الاستثمارية، والديون المترتبة على شراء السيارات، والديون المتعلقة بجمعيات الموظفين، وتأثير ذلك كله على الزكاة..

  • وقد خلص الباحث إلى ما يلي:

1- الزكاة تُطلق في اللغة على النماء والبركة والطهارة.

2- الزكاة في الشرع: هي حقٌّ واجبٌ في مالٍ مخصوص، لطائفةٍ مخصوصة، في وقتٍ مخصوص.

3- الدين لغةً: كل شيءٍ لم يكن حاضراً فهو دين.

4- الدين اصطلاحاً: اسمٌ لمالٍ واجب في الذمة بسبب قرضٍ أو مبيعٍ أو غيرهما.

5- الدينُ أعم من القرض؛ والقرض هو أحد أسباب الدين.

6- للدين أقسامٌ كثيرة باعتبارات مختلفة: وذلك باعتبار المُطالب به (دين الله، ودين العباد)، وباعتبار وقت أدائه (حالٌّ، ومؤجل)، وباعتبار قدرة الدائن على الحصول عليه (مرجو السداد، وغير مرجو السداد)، وباعتبار تعلُّقه (بالذمة وحدها، أو موثق برهن)...

7- الأقرب للصواب أن الأموال الزكوية تنقسم إلى قسمين: 

  • الأموال الظاهرة: وهي ما لا يُمكن إخفاؤه من الأموال، وتشمل:

أ- السائمة. ب. الزروع. ج. الثمار.

  • الأموال الباطنة، وهي: ما لا يُمكن إخفاؤه من الأموال، وتشمل:

أ- الأثمان (الذهب والفضة). ب. عروض التجارة.

8-وأظهر قولي العلماء: أن الدين يمنع وجوب الزكاة بقدره في الأموال الباطنة لا الظاهرة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُرسل سعاته إلى أصحاب الأموال الظاهرة لأخذ الزكاة منهم، ولم يكونوا يسألونهم عن الديون، وهو مذهب الشافعية، والمالكية، والظاهرية، والحنفية في (الزروع والثمار فقط)، وهو مذهب الصحابة والتابعين.

9- يشترط في "الدين" المانع للزكاة في الأموال الباطنة:

أ- ألا يجد ما يقضي به دينه سوى النصاب، أو يجد غير النصاب لكنه لا يستغني عنه لكونه من حاجاته الأصلية كمسكنه، وكتبه، وثيابه، ونحوها.

ب- أن يكون تعلُّق الدين بذمته قبل الحول ووجوب الزكاة عليه؛ فإن أداه بعد الحول وقبل وجوب الزكاة عليه: لم يُحسم ما وجب عليه من الدين من الزكاة؛ لأن الدين يؤثر في منع وجوب الظكاة لا في إسقاطها بعد وجوبها.

ج- أن يكون الدين مستغرقاً للنصاب، أو مننقصاً له، أما إذا كان لا يستغرق النصاب ولا يُنقص منه، فإنه يُزكي الباقي.

10- الأظهر أن الديون لا تمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة، وقد تقدم.

11- أرجح القولين: أن الدين المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة، وهو قول الحنفية، ورواية عن أحمد، خلاف الدين الحال. قالوا: لأن الدين المؤجل غير مُطالبٍ به في الحال.

12- وأرجح القولين: أن دين الله عز وجل (كالكفارات والنذور…) يمنع وجوب الزكاة كدين الآدمي تماماً، ولو لم يكن له مُطالبٌ، وهو قول الحنابلة وبعض الحنفية والمالكية، لأن الزكاة تتعلق بالعين، ولحديث: (فدين الله أحقُّ بالقضاء).

13- قرضُ البنك العقاري: وهو أن الحكومة تُقرض مواطنيها مبالغ محددو كمساعدة لهم في بناء منازل، ويُسددها المقترض على دفعات سنوية، وحكمها أنه يُخصم القسط الحال من الزكاة إذا وافق وجوبه وجوب الزكاة، واستكمل الشروط الأخرى: من بلوغ المال النصاب، وحولان الحول، ويشترط كذلك أن لا يدخل فيه الأثاث المبالغ فيه، ولا يُحتاج إليه. 

14- الديون الاستثمارية: وهي الديون التي تؤخذ لتمويل مشروعات تجارية يُقصد منها التكسب و تنمية الأموال؛ فيها تفصيل:

أ- إن كان استدان ليسُدَّ فاقته وحاجته بلا مبالغة ولا إقتار؛ فهذا يحسم دينه من زكاته.

ب- وإن كان استدان لزيادة توسُّعٍ في تجارته أو للبدء بمشروع تجاري من أجل زيادة الدخل، مع وجود ما يكفي حاجته الأصلية، أو يستدين للبدء بمشروع تجاري ضخم؛ فهذا لا يخصم الدين من الزكاة.

15- ديون شراء السيارات بالتقسيط؛ فيها تفصيل:

أ- إن كان اقترض لشراء سيارة وكان بحاجتها حاجة ماسّة، فتكون مما لا يُستغنى عنه ومن الحاجات الأصلية، على شرط أن تكون بثمنٍ معتدلٍ؛ فهذا يجوز له أن يحسم مقدار الدين من الزكاة.

ب- أما إذا اشترى سيارة مرتفعة الثمن، أو اشترى سيارة أخرى مع سيارته من غير حاجة لها، فهذا لا يجوز له أن يحسم مقدار القسط أو الدين من الزكاة؛ لأنها من الكماليات.

16- ديون جمعيات الموظفين فيها تفصيل:

ويدخل فيها جمعيات الأصدقاء، أو العائلة، وهي التي يدفع فيها أقساط ثابتة من الشركاء. فإذا اقترض أحدهم من الجمعية؛ فإنه سيكون مديناً لها. فهل يحسم مقدار هذا الدين من أمواله الزكوية ويؤديه إلى الجمعية كسداد لأصحابها؟ والجواب: أن الدين يُحسم من أمواله الزكوية فقط، دون باقي الأقساط المؤجلة.




خطبة الحاجة التي علمها النبي لأصحابه - للإمام محمد ناصر الدين الألباني

خطبة الحاجة التي علمها النبي لأصحابه

 للإمام محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ هذه رسالة قيِّمة في خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وكان السلف الصالح يقدمونها بين يدي دروسهم وكتبهم ومختلف شؤونهم، كالطحاوي، وابن تيمية، وغيرهم من العلماء والفضلاء.

وقد تتبع الإمام الألباني رحمه الله طرقها وألفاظها من مختلف كتب السنة المطهرة، ووضعها في هذه الرسالة، وجعلها على فصلين وخاتمة.

وقد شرح عددٌ من أهل العلم القدامى، والمُعاصرين خطبة الحاجة، منهم:

1- شيخ الإسلام ابن تيمية، 

وقد أفرد لها فصلاً في مجموع الفتاوى (18/ 285- 290)، وقام بشرح هذا الفصل الشيخ أحمد بن عمر الحازمي (وهو جيد جداً).

2- الشيخ سالم الطويل.

3- الشيخ محمد بن صالح العثيمين.

4- الشيخ فؤاد بشر الكريم الجُهني.

5- الشيخ عبد الرحمن الفهيد.

6- الشيخ أ. د. صالح سندي (وهو أنفعها).

وغيرهم من أهل العلم.


----------------------------------------

أما الفصل الأول: فهو نصُّ خطبة الحاجة، وهي:

(خطبة الحاجة)

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره. 

ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد: (ثم يذكر حاجته).



الفصل الثاني: في تخريج الخطبة (انظر: ص 9- 35).

وقد وردت هذه الخطبة المباركة عن سبعةٍ من الصحابة، وتابعي واحد وهم: 

1- عبد الله بن مسعود، وله (4 طرق):

أولاً: من طريق أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، وفيه: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة - في النكاح وغيره) رواه أصحاب السنن بسندٍ فيه انقطاع وزيادة "في النكاح وغيره" من كلام أبي إسحاق وليس ابن مسعود.

ثانياً: من طريق أبي الأحوص، عنه، وفيه: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة؛ فقال: التشهد في الحاجة) وذكره. رواه الترمذي والنسائي، وهو حديث حسن صحيح.

ثالثاً: من طريق أبي عياض، عنه، وزاد فيها بعد قوله "عبده ورسوله"، قال: (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)، أخرجه أبو داود، وغيره بإسناد ضعيف، ولعته أبي عياض المجهول. وليس في متن هذه الرواية نكارة وهي قوله: "ومن يعصهما". 

فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه اللفظة؛ كما في حديث عدي بن حاتم، وفيه: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قُل: ومن يعص الله ورسوله".

قال العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه.

وأما ما جاء من جمع الضمير في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وغيره من الأحاديث. 

فأجاب عنه الألباني، ومن قبله العز بن عبد السلام: بأن ذلك خصوصيةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك لأحدٍ من أفراد الأمة، فجمعه الضمائر لا يقتضي التسوية، بخلاف جمع غيره الذي قد يوهم التسوية، ويُخلُّ بالتعظيم الواجب. 

وبه قال الإمام أبو الحسن السندي، ونقله عن القرطبي.

رابعاً: من طريق شقيق عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد والخطبة، كما يعلمنا السورة من القرآن.... والخطبة الحمد لله.... ) رواه البيهقي بإسناده ضعيف.

2- وأبو موسى الأشعري. رواه أبو يعلى، بسندٍ فيه انقطاع.

 3- وعبد الله بن عباس. 

وذكر فيه قصة إسلام ضماد الأزدي لما سمع خطبة الحاجة، وأخذ البيعة له ولقومه. وزاد لفظة: "ونستغفره" أخرجه مسلم. وقد تردد شيخ الإسلام ابن تيمية في ثبوت هذه الزيادة وهي صحيحة ثابتة بدون شك.

 4- وجابر بن عبد الله:

ولفظه:  (الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)، أخرجه الخطيب بإسنادٍ ضعيف جداً، وآفته عمرو بن شمر فإنه كذاب وضاع.

وفي رواية صحيحة لأحمد، عنه مرفوعاً: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة).

5- ونبيط بن شريط. 

وذكر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة. وهي مختصرةٌ: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أوصيكم بتقوى الله) رواه البيهقي بإسناده ضعيف.

6- وعائشة رضي الله عنها. 

وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هاتين الآيتين في الخطبة..) الحديث، أبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة بإسناد جيد.

7- حديث سهل بن سعد. 

وفيه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس أو علمهم لا يدع هذه الآية..) رواه سمويه في فوائده.

* أما التابعي، الواردة عنه، فهو الزهري - رحمه الله -:

وزاد فيه بعد قوله "عبده ورسوله": (أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة،  من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى) رواه أبو داود وغيره، بإسناد ضعيف؛ لأنه مرسل، ولا يعضده الطريق الثالث عن ابن مسعود؛ لأنه يحتمل أن يكون الزهري أرسله عن أبي عياض وهو ضعيف، ويحتمل غيره، ومع الاحتمال يسقط التقوي.

الخلاصة:

قد تبين لنا من مجموع الأحاديث المتقدمة:

(1) مشروعية خطبة الحاجة، وأنها تفتح بها جميع الخطب سواء كانت خطبة نكاح أو خطبة جمعة أو غيرها فليست خاصة بالنكاح وحده، كما قد يظن. وفي بعض طرق حديث ابن سعود التصريح بذلك كما تقدم.

(2) وأنها سُنَّةٌ مؤكدة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليست واجبة، ولا تجب في عقود البيع والشراء والإجارة، بل ولا تُستحب لعدم ورود ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(3) وردت خطبة الحاجة عن سبعةٍ من الصحابة بأسانيد متفاوتة في الصحة، والضعف، وبألفاظ مختلفة، وجاءت عن تابعي واحد وهو الزهري.