أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم - بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم

الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ)

قدم له وعلَّق عليه وخرج أحاديثه

أبو عُبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

دار المنار -الرياض، الطبعة الأولى، 1992 م

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

تمهيد/ هذه رسالة عظيمة من أهم الرسائل التي توضح موقف آل البيت رضوان الله عليهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنى صاحبها بذكر نقولاتهم وأقوالهم الثابتة عنهم في كتبهم، والدالة على تعظيم الصحب الكرام وإجلالهم، وتوقيرهم، ومدى محبتهم لهم، وهي أقوالٌ مُستفيضةٌ عن أعلامهم المُزكَّين من شيعة زيد بن علي، والتي بلغت حدَّ التواتر، وقد نقل فيها عنهم من اثني عشر طريقاً صحيحاً: أمرهم بعدم ذكر الصحابة بسوء أو التعرض لهم بالسب والثلب.


وبيَّن الإمام الشوكاني رحمه الله أن من أحطِّ الأكاذيب وأرذلها هو ما يزعمه الروافض أن هنالك عداوة بين أهل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يُضمرون العداوة لبعضهم البعض !! ولا شك أن هذا محض افتراء وكذب، وهذه أقوال أئمة أهل البيت شاهدةٌ عليهم.


والحق أن آل البيت والصحب الكرام كانوا في قمة من الرُّقي في محبتهم وتعاضدهم وتعاونهم على البرِّ والتقوى، كما قال الله عز وجل عنهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29). 

وقد كان الصحب والآل خيرة الناس بعد الأنبياء والرُّسل، وقد قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110)، وهم طليعة هذه الأمة، وأسبق الناس إلى الإيمان والخير، وأنسبهم إلى هذا الشرف والرفعة.


وقد عدَّلهم الله عز وجل في كتابه، وشملهم بالفوز والرضى والقبول، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100)، ولذلك فقد قرر الإمام الشوكاني في "ِشرح المُنتقى"، وغيره: أن جهالة الصَّحابيِّ لا تضر، وهي مقبولة، كما هو مذهب جماهير أهل السنة والجماعة.


وقد قال الله عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 8 -10).


قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" عند هذه الآيات: "فمن لم يستغفر للصحابة، ويطلب رضوان الله عليهم، فقد خالف ما أمر الله به في هذه الآية؛ فإن وجد في قلبه غلاً لهم؛ فقد أصابه نزغٌ من الشيطان، وحلَّ به نصيبٌ وافرٌ من عصيان الله تعالى، بعداوة أوليائه وخير أمة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وانفتح له بابٌ من الخذلان، ما يفد به على نار جهنَّم إن لم يتدراك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والاستغاثة به، بأن ينزع من قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة، فإن جاوز ما يجده من الغل إلى شتم أحد منهم، فقد انقاد للشيطان بزمام ووقع في غضب الله وسخطه، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعَّلم من الرافضة، أو صاحب من أعداء خير الأمة الذين تلاعب بهم الشيطان، وزين لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة، وصرفهم عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور، فاشتروا الضلالة بالهدى، واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر، وما زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة، ومن رتبة إلى رتبة، حتى صاروا أعداء كتاب الله، وسنة رسوله، وخير أمته، وصالحي عباده، وسائر المؤمنين".

وأما الطعن في الصحابة وثلبهم، وغمزهم؛ فهو مذهب الرافضة الخبثاء؛ وقد قال الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه "وبل الغمام وشفاء الأوام": "والحاصل أنَّ من صار من أتباع أهل البيت مشغولاً بسبِّ الصحابة وثلبهم، والتوجُّع منهم؛ فليس هو مذهب أهل البيت، بل هو رافضيٌّ، خارجٌ عن مذهب جماعتهم، وقد ثبت إجماعهم من ثلاثة عشر طريقةً؛ كما أوضحتُ ذلك في الرسالة التي سميتها: (إرشاد الغبي في مذهب أهل البيت في أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم) أنهم لا يسبون أحداً من الصحابة، الذين هم أهل السوابق والفضائل، وقد قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة: من زعم أن أحداً من آبائي يسبُّ أحداً من الصحابة؛ فهو كذاب، أو كما قال. وقد جرت عوائد الله عز وجل فيما شاهدناه في أهل عصرنا: أنه لا يُفلح من شغل نفسه بسبِّ الصحابة والعداوة لهم في دينه ولا دنياه".

  • قصَّة هذا الكتاب وما لقيه الإمام الشوكاني من شيعة اليمن:

ولما وضع الإمام الشوكاني هذه الرسالة ثارت عصبيَّة الروافض في بلاد اليمن، وقد وصف الإمام الشوكاني ذلك بنفسه؛ في كتابه "البدر الطالع"؛ فقال: "وَلما ألفت الرسَالَة التي سميتها (إرشاد الغبي إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت في صحب النبي) ونقلت إجماعهم من ثَلَاث عشرَة طَريقَة على عدم ذكر الصَّحَابَة بسبٍ، أو ما يُقَارِبه وَقعت هَذِه الرسَالَة بأيدي جمَاعَة من الرافضة الَّذين بِصَنْعَاء الْمُخَالفين لمذاهب أهل الْبَيْت؛ فجالوا وصالوا وتعصبوا وتحزبوا، وَأَجَابُوا بأجوبة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَحْض السباب والمشاتمة، وَكَتَبُوا أبحاثاً نقلوها من كتب الإمامية والجارودية، وَكَثُرت الْأَجْوِبَة حَتَّى جَاوَزت الْعشْرين، وأكثرها لَا يُعرف صَاحبه واشتغل النَّاس بذلك أَيَّامًا، وَزَاد الشَّرّ وعظمت الْفِتْنَة؛ فَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا إمام وَلَا مَأْمُوم الا وَعِنْده من ذَلِك شيء، وَأَعَانَهُمْ على ذَلِك جمَاعَة مِمَّن لَهُ صولة ودولة، ثمَّ إن تِلْكَ الرسَالَة انتشرت فِي الأقطار اليمنية، وَحصل الِاخْتِلَاف في شَأْنهَا، وتعصب أهل الْعلم لَهَا وَعَلَيْهَا؛ حَتَّى وَقعت الْمُرَاجَعَة والمجاوبة وَالْمُكَاتبَة في شَأْنهَا في الْجِهَات التهامية، وكل من عِنْده أدنى معرفَة يعلم أَنى لم أذكر فِيهَا إلا مُجَرّد الذبِّ عَن أَعْرَاض الصَّحَابَة الَّذين هم خير الْقُرُون مُقْتَصراً على نُصُوص الْأَئِمَّة من أهل الْبَيْت ليَكُون ذَلِك أوقع في نفوس من يكذب عَلَيْهِم وينسب الى مذاهبهم ما هم مِنْهُ بُرَآء".

ويذكر الإمام الشوكاني رحمه الله الموقف المتخاذل والمُهين الذي وقفه بعض علماء أهل السنة ببلده، وكيف أنهم تنكروا له في موقفٍ كان يجب عليهم نُصرته فيه، لأنه يذُبُّ عن أعراض الصَّحابة، وكلُّ ذلك بسبب تسلُّط العامَّة عليهم، وما يُكنُّه بعض جهلة المُتفقهة من الحقد الأعمى والحسد للإمام؛ فيقول:

"وَلَكِن كَانَ أهل الْعلم يخَافُونَ على أنفسهم، ويحمون أعراضهم، فيسكتون عَن الْعَامَّة، وَكَثِيرًا مِنْهُم كَانَ يصوبهم مداراة لَهُم وَهَذِه الدسيسة هي الْمُوجبَة لاضطهاد عُلَمَاء الْيمن، وتسلط الْعَامَّة عَلَيْهِم، وخمول ذكرهم، وَسُقُوط مَرَاتِبهمْ؛ لأَنهم يكتمون الْحق، فإذا تكلم بِهِ وَاحِد مِنْهُم، وثارت عَلَيْهِ الْعَامَّة صانعوهم وداهنوهم وأوهموهم أنهم على الصَّوَاب؛ فيتجرأون بِهَذِهِ الذريعة على وضع مقادير الْعلمَاء، وهضم شَأْنهمْ، وَلَو تكلمُوا بِالصَّوَابِ أَو نصروا من يتَكَلَّم بِهِ، أَو عرفُوا الْعَامَّة إذا سألوهم الْحق، وزجروهم عَن الِاشْتِغَال بِمَا لَيْسَ من شَأْنهمْ؛ لكانوا يداً وَاحِدَة على الْحق، وَلم يسْتَطع الْعَامَّة وَمن يلْتَحق بهم من جهلة المتفقهة إثارة شيء من الْفِتَن؛ فَإنَّا لله وَإِنَّا إليه رَاجِعُون".

ويكشف لنا الإمام الشوكاني ما حصل من بعض أقرانه وشيوخه ممن كان يحسبهم على خيرٍ وسُنَّة، فإذا هم يُمالئون أهل البدع في الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقول:

"وَكَانَ تأليفي لتِلْك الرسلة فِي سنة (1208 هـ)، وَمن جملَة من اشْتغل بهَا فُقَهَاء ذمار، وَقَامُوا وقعدوا، وكانوا يسْأَلُون صَاحب التَّرْجَمَة (يعني: السَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى بن إبراهيم الديلمي الذمّاري) عَن ذَلِك، ويتهمونه بالموافقة لما في الرسَالَة؛ لما يعلمونه من الْمَوَدَّة الَّتِي بيني وَبَينه؛ فسلك مَسْلَك غَيره مِمَّن تقدمت الإشارة إليهم من أهل الْعلم، بل زَاد على ذَلِك فحرَّر جَوَاباً طَويلاً على تِلْكَ الرسَالَة، موهماً لَهُم أَنه قد أنكر بعض مَا فِيهَا؛ فَلَمَّا بلغني أَنه أجَاب ازْدَادَ تعجُّبي؛ لعلمي أَنه لَا يجهل مثل ذَلِك، وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب؛ فَلَمَّا وقفت على الْجَواب وَهُوَ في كراريس رَأَيْته لم يبعد عَن الْحق، وَلكنه قد أثار فتْنَةً بجوابه؛ لظن الْعَامَّة وَمن شابههم أَن مثل هَذَا الْعَالم الَّذِي هُوَ ليس من المجيبين: لَا يُجيب إلا وَمَا فعلته مُخَالف للصَّوَاب؛ فأجبت عَلَيْهِ بِجَوَاب مُخْتَصرٍ تناقله المشتغلون بذلك، وَفِيه بعض التخشين، ثمَّ إنه عافاه الله اعتذر إليّ مَرَّات، وَلم اشْتغل بِجَوَاب على غَيره؛ لأَنهم لَيْسُوا بَاهل لذَلِك وفي الجوابات مَالا يقدر على تحريره إلا عَالم، وَلَكنهُمْ لم يسموا أنفسهم؛ فَلم اشْتغل بِجَوَاب من لَا أعرفهُ.


إلا أَنه وَقع في هَذِه الْحَادِثَة من بعض شيوخي مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب، وَهُوَ أَنه بلغني أَنه من جملَة المجيبين؛ فَلم اصدق لعلمي أَنه مِمَّن يعرف الْحق، وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب، وَله معرفَة بعلوم الْكتاب وَالسّنة، فَبعد أَيَّام وقفت على جَوَابه بِخَطِّهِ فَرَأَيْتُ مَالا يُظَنُّ بِمثلِهِ من المجازفة في الْكَلَام، والاستناد إلى نقُولٍ نقلهَا من كتب رافضة الإمامية والجارودية، وقررها ورجحها، وَأَنا أعلم أَنه يعلم أَنَّهَا بَاطِلَة، بل يعلم أَنَّهَا مَحْض الْكَذِب، وليته اقْتصر على هَذَا، وَلكنه جَاءَ بعبارات شنيعة وتحامل عليّ تحاملاً فظيعاً.


وَالسَّبَب أَنه أصلحه الله نظر بعض وزارء الدولة وَقد قَامَ في هَذِه الْحَادِثَة وَقعد، وأبرق وأرعد، فخدم حَضرته بِتِلْكَ الرسَالَة الَّتِي جنا بها على أَعْرَاض الصَّحَابَة فضلاً عَن غَيرهم فَمَا ظفر بطائل".

ولم يقف تشنيع أهل الباطل وردودهم على الإمام الشوكاني إلى حدِّ الإجابة على رسالته هذه، حتى رموه بالنَّصب!! وعداوة أهل البيت، مما جعله يؤلف كتاباً فيه مناقب كل من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم، وسماه (درُّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة)، وكان ذلك لمجابهة تيارين خاطئين: تيار النواصب الذي يكره أهل البيت رضوان الله عليهم، وتيار الرووافض الذي يسبُّ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فسلك رحمه الله سلوك المصلح المُرشد لهؤلاء وهؤلاء، وهو سبيل الإنصاف والعدل؛ مُستدلاً على فضائل القرابة والصحابة بالأحاديث التي عني بتحقيقها أيما عناية.

ولا عجب أن ترى ذلك الموقف المتخاذل والمُثبِّط من أقرب الناس، وممن عرف بالاشتغال بالعلم من أهل السُّنة، فإن الابتلاء هو سُنَّة الله في خلقه، وقد قال الله عز وجل: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 42)، والعالم المُنصف في غُربةٍ، لا يزال يُكابد الشدائد، ويُجاهد واحداً بعد واحد، و {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (الروم: 4)، و {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).

وابتدأ الإمام الشوكاني رحمه الله كتابه هذا: بحمد الله والثناء عليه لما هداه من الترضي والترحُّم على أول هذه الأمَّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه براعةٌ منه في الاستهلال، ومن ثمَّ ذكر آيةً تؤيد ذلك، وثناه بحديث (لا تسبُّوا أصحابي)، وأردفه بنقل إجماع آل البيت على تعظيم الصحابة، وختم بنصيحةٍ توجَّه بها إلى أولئك الشيعة الذين يسبُّون الصحابة بغير وجه حق أنه إذا لم يسعهم الترضِّي عنهم، والاستغفار لهم، فليسعهم السكون كما سكت غيرهم.

ثُمَّ شنع رحمه الله على من يثلب أكابر الصحابة من الإمامية وغيرهم ممن يقول إن هذا مذهب أهل البيت! وما هو بمذهبهم ولا اعتقادهم، وذكر إجماع أهل البيت على تحريم سبِّ الصحابة، وسرده من اثنتي عشر طريقاً؛ ونذكرها على سبيل الإجمال:


1-عن الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الزيدي (ت 421 هـ) من أبناء زيد بن الحسن العلوي؛ وقد روى عن جميع آبائه تحريم سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، حكى عنه ذلك صاحب (حواشي الفصول).


2-الإمام المنصور عبد الله بن حمزة بن سليمان الزيدي (ت 614 هـ)، ذكرها في المسائل التُّهامية تحريم سب الصحابة، وقال: "وهذا ما يقضي به علم آبائنا إلى عليٍّ عليه السلام"، وقال: "من تبرأ من الصحابة فقد تبرأ من محمد".


3-المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي الحسيني العلوي الطالبي (ت 745 هـ) من أكابر أئمة الزيدية، قال في كتابه "تصفية القلوب": "تنبيه: اعلم أن القول في الصحابة على فريقين: 

الفريق الأول: مصرحون بالترحم عليهم ولترضية عنهم، وهذا هو المشهور عن أمير المؤمنين، وعن زيد بن علي، وجعفر الصادق، والناصر للحق، والمؤيد بالله؛ فهؤلاء مصرحون بالترضية والترحم والمولاة، وهذا المختار عندنا… وهذا الذي نرتضيه مذهباً، ونُحبُّ أن نلقى الله به، ونحن عليه.

الفريق الثاني: متوقفون عن الترضية والترحم، وعن القول بالتكفير والتفسيق، وهذا دلَّ عليه كلام الهادي، والقاسم وأولادهما، وإليه أشار كلام المنصور بالله؛ فهؤلاء يحكمون بالخطأ، ويقطعون به، ويتوقفون في حكمه.

فأما القول بالتكفير والتفسيق في حقِّ الصحابة، فلم يؤثر عن أحدٍ من أكابر البيت، وأفاضلهم، كما حكيناه وقررناه، وهو مردودٌ على ناقله".


ومثل هذا الكلام قاله الإمام يحيى بن حمزة في كتابه "الوازعة للمعتدين عن سب أصحاب المرسلين"، واختار أنه يترضى عن الصحابة، ويواليهم، ويترحم عليهم، ويستصحب أصل الإيمان فيهم (انظر: ص 56 -57).


4-الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد (ت 1099 هـ)، قال في كتابه "الإيضاح": "واعلم أن القائلين بالترضية من أهل البيت هم أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، وزين العابدين علي بن الحسين، والباقر، والصادق، وعبد الله بن الحسن، ومحمد بن الحسن، ومحمد بن عبد الله النفس الزكية، وإدريس بن عبد الله، وزيد بن علي، وكافَّة القدماء من أهل البيت، ومن المتأخرين سادة الجيش: المؤيد بالله، وصنوه أبو طالب، والناصر الحسن بن علي الأطروش، والإمام الموفق بالله، وولده السيد المرشد بالله، والإمام يحيى بن حمزة. ومن المتأخرين باليمن: الإمام المهدي أحمد بن يحيى، والسيد محمد بن إبراهيم، وصنوه الهادي، والإمام أحمد بن الحسين، والإمام عز الدين بن الحسن، والإمام شرف الدين، وغيرهم. وسائر الأئمة يتوقف: كالهادي، والقاسم، مع أن في رواية الهادي: الترضية، والمنصور بن عبد الله بن حمزة، له قولان: التوقف كما في (الشافي)، والترضية كما في (الجوابات التِّهامية)، وكثيرٌ منهم لا حاجة لنا إلى تعداد أعيانهم، لأنه يكفي القول الجملي، بأن أئمة أهل البيت كافَّةً بين متوقفٍ ومُترضٍّ، لا يرى أحدٌ منهم السبَّ للصحابة أصلاً، يعرف ذلك من عرف".


ويقول أيضاً في كتابه (الإيضاح): "وإذا تقرر ما ذكرنا، وعرفنا أقوال أئمة العلم الهداة، عُلم من ذلك بالضرورة، التي لا تنتفي بشكٍّ ولا شُبهةٍ: إجماع أئمة الزيدية على تحرين سبِّ الصحابة؛ لتواتر ذلك عنهم، والعلم به، فما خالف ما عُلم ذرورةً لا يُعمل به…".


5-الإمام السيد الهادي بن إبراهيم الوزير الذماري الزيدي (ت 822 هـ) في كتابه المعروف بـ(تلقيح الألباب)؛ وصرح فيه: "بأن مذهب أئمة الزيدية القول بالتخطئة لمن تقدَّم أمير المؤمنين، وهؤلاء فرقتان: فرقةٌ تتوقف، وفرقةٌ تقول: إن خطأهم مغفرةٌ في جنب مناقبهم وأعمالهم وجهادهم وصلاحهم"، ثم قال: "وهذا القول الثان هو الذي نراه؛ إذ هم وجوه الإسلام، وبدور الظلام".

ويقول أيضاً: 

ورضِّ عنهم كما رضَّى أبو حسنٍ … أو قف عن السبِّ ما كنتَ ذا حذرِ


6-إدريس بن علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة، أبو موسى عماد الدين الزيدي (ت 714 هـ) في كتابه المعروف بـ(كنز الأخيار). 


7-حكاها الفقيه الزيدي: محمد بن الحسن الديلميُّ (ت 711 هـ) من كتاب "اعتقاد آل محمد"، وقد نشره محمد زاهد الكوثري عن مطبعة السعادة، سنة 1950 م، وهو من أصول كتب الزيدية، وفيه أن مذهب آل البيت الترضِّي عن الصَّحب أو التوقُّف فيهم.


8-حكاها المؤرخ اليماني: حُميد بن أحمد المحلي، أبو عبد الله الزيدي، حسام الدين (ت 652 هـ) في كتابه "عقيدة أهل البيت".


9-حكاها السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الحبوري الحسني (ت 1011 هـ) في "المسائل التي اتفق عليها الزيدية".


10-حكاها الكنِّي في كتابه "كشف الغلطات".


11-حكاها الإمام شرف الدين بن شمس الدين بن الإمام المهدي (ت 943 هـ) في مقدمة كتابه "الأثمار"، وهو من أئمة الزيدية.


12-حكاها القاضي عبد الله اليماني (الصَّعدي) الدوراي، الفقيه الزيدي، في كتابه "السير" من آخر كتاب (الديباج).


ثم ختم الشوكاني بقوله: "فهذه طرقٌ متضمِّنةٌ لإجماع أهل البيت من أئمة الزيدية، ومن غيرهم، كما في بعض الطرق، والناقل لهذا الإجماع، ممن أسلفنا ذكره من أكابر أئمتهم"، وذكر عن أهم كتب الزيدية التي تذمُّ م نيسبُّ الصحابة، وتُفسقهم، ولا تصحُّ الصلاة خلفه، وتجعل مستحل ذلك كافر، لا سيما الشيخين أبو بكر وعمر، وبيَّن رحمه الله حرمة لعن المسلمين أحياءً وأمواتاً، وذكر الأحاديث الدالة على ذلك.




الخميس، 1 أكتوبر 2020

مذابح البوسنة والهرسك -تأليف: لواء فوزي محمد طايل

مذابح البوسنة والهرسك

أندلس جديد في أوروبا

تأليف: لواء فوزي محمد طايل


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لقد مرَّ حوالى ربع قرن على مجزرة من أبشع المجازر في تاريخ أوروبا الحديث، وكانت أحد فصول الإبادة الجماعية لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، راح ضحيتها (300) ألف مسلمٍ بوسني، واغتصبت حوالى (60) ألف امرأة مسلمة عفيفة، وهاجر أكثر من مليون ونصف بوسني، ودُمِّر أكثر من (800) مسجد، وارتكبت خلال هذه الحرب ثلاث مجازر لم يعرف التاريخ مثلها، وكانت في ثلاثة مدن: سربرنيتسا، وسراييفو (العاصمة البوسنية)، وبانيا لوكا، وكانت هذه المذابح شاهدةً على الحقد الصليبي على الإسلام، وأريقت دماء المسلمين بغير وجه حق، إلا أن يقولوا ربنا الله! وكل ذلك أمام الصمت الأممي، والخذلان العربي والإسلامي.


وفي البداية كانت البوسنة والهرسك مع غيرها من مجموعة دول البلقان، تخضع لجمهورية يوغسلافيا الشعبية، والتي كانت ضمن دول الاتحاد السوفييتي، وعند انهياره مع مطلع القرن العشرين، أعلنت الكثير من القوميات استقلالها، وقد ساند المجتمع الدولي الكثير من تلك الدول في نيل استقلالها، مثل: كرواتيا، وفويفودينا، وغيرها، وعندما طالب مسلمو البوسنة والهرسك باستقلالهم؛رفضت يوغسلافيا ذلك، وحرضت أوروبا المجرمة صربيا على اجتياح المسلمين ومنعهم من حق تقرير المصير، أو إنشاء كيان مسلم داخل القارة الأوروبية، وفي العام (1992م) فوجئ البوسنيون بالقوات الصربية تحاصرهم، وتقصفهم من فوق التلال والجبال، ودخل الصرب في معركة دامية مع البوسنيين، واستباحوها عن بكرة أبيها، وكانوا إذا دخلوا بلدةً بدأوا بهدم مساجدها، وقتلوا العلماء وأئمة الدين فيها، واغتصبوا، وحرقوا، ودفنوا الناس وهم أحياء، وقد فعلوا ذلك في أهم مدن البوسنة والهرسك (بانيا لوكا، وتسينيكا، وسكوفانسكي، وتولوزا، زينتسيا، ومسطار (عاصمة الهرسك)، وسراييفو (عاصمة البوسنة)، وتوتسلا…) وغيرها.


وشارك في هذه الحرب المجرمة (صرب البوسنة =الأرثوذكس)، و(كروات البوسنة = الكاثوليك)، الذين كانوا يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين، فاستعرت الحرب من كل مكان على مسلمي البوسنة =(البوشناق)، وحوصرت العاصمة (سراييفو) والذي استمر (1400) يوم متواصلة، وقطعوا عنهم الماء والغذاء والكهرباء والدواء، وحفر مجاهدو البوسنة أثناء ذلك الأنفاق الأرضية؛ ليكون شريان الحياة الذي يدخل منه الغذاء والسلاح.


ومن ثمَّ اجتاح الصرب مدينة "سربنيتسا" وحصلت مذبحة عظيمة للمسلمين قتل خلالها أكثر من عشرة آلاف مسلم، ونزح عشرات الآلاف من مسلمي تلك المنطقة، وارتكبت وحدات الجيش الصربي بقيادة السفاح المجرم (دانكو ملاديتش) الجنرال في الجيش الصربي، ومعه الزعيم السياسي لصرب البوسنة (رادوفان كاراديتش) تلك المجزرة الرهيبة التي أودت بأرواح ودماء وأعراض المسلمين والمسلمات في تلك المنطقة، وقد حوصرت "سربنيتسا" عامين كاملين، لم يتوقف خلالها القصف..


وبعد انتشار صور هذه المجازر تدخلت الأمم المتحدة، وأعلنت "سربنيتسا" منطقة آمنة، وتآمرت قوات التحالف الدولي مع الصرب للضغط على المسلمين البوسنيين بتسليم أسلحتهم، فرضخ المسلمون بعد إنهاك وعذاب دام لعامين متواصلين، وبعد أن اطمأن الصرب لعدم وجود أسلحة بأيدي المسلمين، بدأت عمليات التطهير العرقي ضد مسلمي البوسنة، والمعروفين باسم (البوشناق) في 11/ يوليو/ 1995 م، وقد حدث كل ذلك أمام مرأى قوات الأمم المتحدة؛ فلم تُحرك ساكناً بعد أن وعدتهم بضمان أمن البلدة، فلم يفوا بوعدهم، وكانت هذه نقطةً سوداء في تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد بمنظماتها الحقوقية المزعومة.


وقامت القوات الصربية بعزل الرجال ما بين سن (14 إلى 50 سنة)، وقامت بدفنهم أحياء في مقابر جماعية، وتمت عمليات اغتصاب ممنهجة ضد الحرائر والعفيفات، وكانت تُحبس فيها المرأة تسعة أشهر حتى تلد أولاداً صرب!! والتي تُعاني الأمهات وأولادهم إلى الآن من جراء ذلك.


وانتهت هذه الحرب بتدخل الأمم المتحدة وعُين القائد المسلم (علي عزت بيجوفيتش) زعيماً للاستقلال، والذي اضطر إلى الرضوخ لخطة السلام التي أعطتها له "يوغسلافيا"، وقال عبارته المشهورة: إن اتفاقاً غير منصف خيرٌ من استمرار الحرب…


إن هذه المذابح هي جرس إنذارٍ للمسلمين أن هذه الأمة لا يُمكن أن يحميها إلا المسلمون، وأن العزَّة لا تُكتب إلا بسواعد الأحرار من هذه الأمة، ممن اصطفاه الله عز وجل للجهاد في سبيله، ونشر الدعوة، والذوذ عن بيضة الإسلام.


وفي هذا الكتاب عرض اللواء فوزي طايل مذابح الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، وراعة فيها الأبعاد الاستراتيجية لهذه المذابح، وتتبع جذورها التاريخية، وأسبابها الظاهرة والباطنة في إطارالفكر العميق، والعبارة المشرقة والوجعة أيضاً.





القول التمام- في بيان صحة صلاة المنفرد خلف الإمام

القول التمام

في بيان صحة صلاة المنفرد خلف الإمام

[دراسة حديثية فقهية]

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

اختلف العلماء في صلاة الرجل وحده خلف الصَّف، هل صلاته صحيحةٌ مُجزئة، أم هي باطلةٌ مردودة ؟ على ثلاثة أقوال:

القولُ الأوَّل: أنَّ صلاة المنفرد خلف الصَّف باطلةٌ يجِبُ إعادتُها، وهو مذهبُ الحنابلة، والظاهرية، وهو قول طائفةٍ من السلف؛ مثل: حماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، ووكيع، والنخعي، والحكم، والحسن بن صالح، والحميدي -صاحب الشافعي، وشيخ البُخاري -وأبو ثور، والبغوي، وابن أبي شيبة، وبه قال الشوكاني، واختاره ابن حزم، والصنعاني، وابن باز.

القول الثاني: أن صلاة المُنفرد خلف الصَّف صحيحةٌ مع الكراهة، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والحنفية، والشافعية، ورواية عن أحمد، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والحسن البصري، والأوزاعي، وداود بن علي الظاهري.

القول الثالث: هو قولٌ وسط بين الأول والثاني، وهو أن صلاة المنفرد وحده تصحُّ مع العذر، وهو قول شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وابن القيم، والإمام الألباني، وابن عثيمين، والسعدي، ويشترطون عدم وجود فرجةٍ في الصَّف قبله.

  • واستدلَّ القائلون بالبطلان، بأدلةٍ منها:

1-ما رواه أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، من طريق ملازم بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن بدر، أن عبد الرحمن بن علي حدثه، أن أباه عليِّ بنِ شَيبانَ، أنَّه قال: صليتُ خلفَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانصرفَ، فرأى رجلًا يُصلِّي فردًا خلفَ الصفِّ، فوقَفَ نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى انصرَفَ الرجلُ من صلاتِه، فقال له: (استقبلْ صلاتَك؛ فلا صلاةَ لفردٍ خلفَ الصفِّ).

وهذا الحديث حسن إسناده ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"، والعيني في "نخب الأفكار"، وابن القيم في "إعلام الموقعين"، وابن كثير في "إرشاد الفقيه"، والإمام أحمد كما في "البدر المنير"، والبوصيري في "مصباح الزجاجة"، وقال ابن رجب في "فتح الباري": روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، من أجودها رواية ملازم بن عمرو هذه، رواته كلهم ثقات من أهل اليمامة. وصححه من المتأخرين الإمام الألباني في "الإرواء".

قالوا: هذا الحديث يدلُّ بظاهره على أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة، وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أن يُعيد صلاته.

ويُجيب الجمهور: أن الأمر بالإعادة هنا زجرٌ له، وهو محمولٌ عندنا على الاستحباب.

2-وبما رواه أحمد، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، من طريق حصين، عن هلال بن يساف، قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة، فقام بي على شيخ يقال له: وابصة بن معبد، من بني أسد، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ أي وابصةَ: (أنَّ رَجُلًا صلى خلفَ الصَّفِّ وَحْدَه، فأمَرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعيدَ الصَّلاةَ).

وهذا الحديث قد ورد من عدة طرق، عن وابصة:

الأولى: ما سقناه، وهو حصين، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة. وضعف بعض أهل العلم هذه الطريق؛ فقال: حُصين ليس بالحافظ، وزياد بن أبي الجعد مجهول! وكلامهم في حُصين غير صحيح؛ فحُصين ثقةٌ حافظ، مات سنة (163 هـ)، وقال عنه أحمد: ثقةٌ مأمون، من كبار أصحاب الحديث، وفي آخر عمره ساء حفظه، ولذا قال الحافظ في "التقريب": ثقةٌ، تغيَّر حفظه بأخرة، ومات وله ثلاثٌ وتسعون سنة. وقال عنه الذهبيُّ في "السير": الحافظ، المعمر، وقال أيضاً: احتجَّ به أرباب الصحاح، والعجب من أبي عبد الله البخاري، ومن العقيلي، وابن عديّ، كيف تسرَّعوا إلى ذكر حُصين في كُتب الجرح. وأما زياد بن أبي الجعد؛ فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له الترمذيُّ حديثاً وحسنه، وقال عنه الحافظ في "التقريب": (مقبول)، أي عن المتابعة، وهنا لم يتفرد به زياد بن أبي الجعد، بل تابعه هلال بن يساف في الحديث الذي سيأتي.

الثانية: ما أخرجه أحمد، والترمذيُّ، وأبي داود، وابن حبان: من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة بن معبد. وقال بعض أهل العلم: في إسناد هذه الطريق عمرو بن راشد، مجهول العدالة، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد وثقه غير واحدٍ؛ فقد وثقه أحمد بن حنبل، ونقل ذلك عنه الدارميُّ في "السُّنن" أنه كان يُثبت حديثه، وكذلك ابن حزم في "المُحلى"، وأبو بكر بن المنذر في "الأوسط"، وقال عنه الحافظ في "التقريب": مقبول.

الثالثة: ما أخرجه أحمد، والطبراني في "الكبير" من طريق الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، عن وابصة بن معبد، بلفظ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ صلى خلف الصفوف وحده؟ فقال: يُعيد الصلاة). وأعل بعض أهل العلم هذه الطريق بالإرسال؛ لأن هلال بن يساف لم يُدرك وابصة، ولذا لم يذكر الحافظ المزي هلالاً في كتابه "تهذيب الكمال" في الذين رووا عن وابصة، والصحيح أنها ليست مرسلة، ففي الطريق الأول حدَّث زياد عن وابصة، وهلالٌ حاضر يسمع؛ ولذا قال الترمذيُّ كما سيأتي: وفي الحديث ما يدلُّ على أن هلالاً أدرك وابصة.

الرابعة: ما أخرجه الإمام أحمد، والدارمي، وابن المنذر في "الأوسط"، من طريق حدثني يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عمه عبيد بن أبي الجعد، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد بمعنى الحديث الأول.

الخامسة: ما أخرجه الطبراني في "الكبير"، وابن عساكر في "تاريخه"، من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيِّ عن وابصة، قال: (صلى رجلٌ خلف الصفِّ وحده؛ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة).

وقال ابن عساكر: هذا حديثٌ غريب، وأخرجه البيقهيُّ في "الكبرى" من طريق السُّري، عن الشعبي، وقال: تفرَّد به السُّرُّ وهو ضعيف، ورواه أبو داود في المراسيل.. والصحيح أنه لم يتفرد به، بل تابعه إسماعيل بن أبي خالد عند الطبراني وابن عساكر. 

السادسة: ما أخرجه الطبراني في الكبير، من طريق الأعمش، ومنصور كلاهما: عن سالم بن أبي الجعد، عن عُبيد بن أبي الجعد، عن وابصة. وذكر الحديث بمعناه. وأخرجه ابن عساكر من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن وابصة؛ قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرأى رجلاً يُصلي خلف الصف وحده، فقال له: (ألا أخذت بيد رجلٍ إلى جنبك، أو دخلت في الصف، قُم فأعد صلاتك). قال ابن عساكر: هذا غريب، والمحفوظ حديث هلال بن يساف. وكذلك يُلاحظ أن طريق ابن عساكر عن الأعمش ليس فيها ذكر "عُبيد"؟!.

السابعة: ما أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" من طريق أشعث بن سوّار، عن بكير بن الأخنس، عن وابصة، قال: (صليتُ صفاً وحدي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمرني أن أُعيد الصلاة)، وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن بكير بن الأخنس، عن وابصة.

  • ومما سبق: نجد أن حديث وابصة يُروى من عدة طُرق عنه:

1-هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة.

2-هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة.

3-هلال بن يساف، عن وابصة بن معبد.

وحديث وابصة حسَّنه الإمام أحمد وإسحاق، وأبو حاتم والترمذيُّ، وصححه ابن خزيمة، وابن حزم في "المحلى"، وابن حبان، وقال: وهلال بن يساف سمعه من عمرو بن رشاد، ومن زياد بن أبي الجعد؛ فالخبران محفوظان، وسكت عنه أبو داود؛ وما سكت عنه فهو صالح، وقال أبو بكر بن المنذر في "الأوسط": صلاة الفرد خلف الصف باطلٌ لثبوت خبر وابصة، وخبر علي بن الجعد بن شيبان، وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": عن الأثرم ،قال أحمد: حديثٌ حسن، وصححه من المُعاصرين الشيخ أحمد شاكر في "تحقيق الترمذي"، والإمام الألباني في "إرواء الغليل". 

وضعَّفه الشَّافعيُّ، وقال: قد سمعتُ من أهل العلم بالحديث، من يذكر أن بعض المحدثين من يُدخل بين هلال بن يساف ووابصة رجلاً، ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه، وسمعتُ بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفتُ، ذكره عنه البيهقيُّ في "المعرفة"، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد"، وقال: في إسناده اضطراب، ولا يُثبته جماعةٌ من أهل الحديث، وذكر ابن رجب في "شرح البخاري" عن ابن عبد البر، والبزار أنهم يقولون باضطراب الحديث، لكن قال ابن سيد الناس: الاضطراب الذي فيه مما لا يضره.

وبيان ذلك الاختلاف هو: هل أدرك هلال بن يساف وابصة وروى عنه هذا الحديث أم لا ؟ والصحيح: هو ما ذكره غير واحدٍ من أهل العلم أنه ليس في هذا الحديث اضطراب، لأنه هلال بن يساف سمعه مرَّةً عن وابصة مباشرةً، فحدث عنه، وسمعه مرة من زياد بن أبي الجعد بحضور وابصة وإقراره كما في الطريق الأولى، فهو كالقراءة على الشيخ والعرض عليه، فيرويها هكذا مرة، وهكذا مرة،  وصارت هذه الطرق يقوي بعضها بعضاً

كذلك فإن هلال بن يساف رواه عن عمرو بن راشد، عن وابصة، وله متابعات كثيرة كما قدَّمنا، ويشهد له حديث "علي بن شيبان المتقدم"، وحديث "طلق بن علي" الآتي.

قال الترمذيُّ: وفي حديث حصين ما يدل على أن هلالاً قد أدرك وابصة، فاختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة بن معبد أصح. 

وقال بعضهم: حديث حصين، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد أصح.

وقال الترمذيُّ: وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة، لأنه قد روي من غير حديث هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد. وصححه من المتأخرين الإمام الألباني في "صحيح أبي داود".

قالوا: وهذا الحديث يدلُّ على بطلان صلاة المنفرد خلف الصف، بقرينة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمره بإعادة الصلاة.

3-واستدلوا بما رواه البزار في "مسنده"، قال: حدثنا محمد بن خلف البغدادي، ثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ قال: (رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يُصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يُعيد الصلاة). قال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير والأوسط"، وقال الهيثمي في "المجمع": وفيه النضر أبو عمر، أجمعوا على ضعف.

4-واستدلوا بما رواه الطبراني في "الأوسط"، من طريق يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبُري، عن أبي هريرة، قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يُصلي خلف الصفوف وحده، فقال: أعد الصلاة). قال الطبراني: لا يُروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به العبادي. وبه أعله الهيثميُّ في "المجمع".

 وقال القائلين بالبطلان: هذه الأحاديث كلها تدلُّ على بطلان صلاة المنفرد خلف الصَّف، وقوله (لا صلاة) يُحمل على الفعل الشرعي؛ فيكون المعنى نفياً للصلاة الشرعية، وبالتالي بطلان الصلاة، وبناءً عليه فإنه لو جاء أحدٌ إلى المسجد ولم يستطع الوقوف إلى جنب الإمام، ولم يجد فرجةً في الصَّف، فلا يجذب إليه أحداً من الصف ليُصلي معه،  وعليه أن ينتظر الإمام حتى يفرغ من صلاته، ويُصلي بعدها منفرداً (وهو نصُّ فتوى اللجنة الدائمة: 8/ 6).

قالوا: وقد قال الشافعي: لو ثبت حديث وابصة لقلت به؛ وقد ثبت فعليكم العمل به يا معشر الشَّافعيّة، وقد قال البيهقي: الاختيار أن يتوقى ذلك؛ لثبوت الخبر المذكور.

ويُجيب البيهقيُّ في "المعرفة" على هذا الإيراد؛ فقال: وكان الشافعيُّ يقول: لو ثبت الحديث الذي يُروى فيه لقلتُ به، ثُمَّ وهَّنه في الجديد. 

وقال البيهقيُّ في "السنن الصغرى": وضعف الشافعيُّ إسناد حديث وابصة؛ فإنه ادخل هلال بن يساف بينه وبين وابصةً رجلاً، وهو عمرو  بن راشد، وهو مجهول، وكان في القديم يقول: لو ثبت لقلتُ به.

ولكن حديث وابصة قد صحَّ فعلاً؛ وعليه فيعتبر قولاً للشَّافعي؛ لأنه قال: إذا صحَّ الحديث قهو مذهبي!. وقد أجاب الجمهور، بأن قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) أي لا صلاة كاملة، كقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بحضرة طعام)، والقرينة التي تدلُّ على صحة هذا التأويل: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم انتظر ذلك المُصلي حتى فرغ من صلاته كما جاء في نفس الحديث، ثم قال له (استقبل صلاتك)؛ كما في حديث "عليِّ بن شيبان"، ولو كانت باطلةً لما أقره صلى الله عليه وسلم على الاستمرار فيها، فيكون أمره بالإعادة على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. وهو الصواب إن شاء الله.

بينما يُجيب القائلين بوجوب الدخول في الصَّف؛ بأن حديث وابصة في البطلان والأمر بالإعادة محمولٌ على عدم العُذر، وأما مع العُذر بأن لم يجد فرجةً في الصف قبله فصلاته صحيحة.

ولكن القول الأخير ضعيف؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يستفسر من وابصة هل فعل ذلك لعُذرٍ أو لغير عُذر، وترك الاستفصال في محل الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال، وعليه فتخصيص ذلك بالعُذر يحتاج إلى دليل خاص.

  • واستدلَّ القائلون بصحة صلاة المنفرد خلف الصف بأدلَّةٍ، منها:

1- ما رواه البخاريُّ في صحيحه، عن أبي بَكْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه انتهى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو راكعٌ، فركَع قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ، فذكَر ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: (زادك اللهُ حِرصًا، ولا تَعُدْ)، وزاد أبو داود فيه: (فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف).

قالوا: هذا الرجل لما شرع في الصَّلاة كان مُنفرداً، ولو كانَ انفرادُه قادحاً في صلاتِه لأَمَره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإعادةِ، وإذا أوقع جزءاً من الصلاة حالة الانفراد .

فأجاب الحنابلة ومن وافقهم: بأنَّ هذه الحال لم تستمر، بل سرعان ما دخل في الصَّف، ويُغتفر في الابتداء ما لا يُغتفر في الدوام، 

2- واستدلوا بما رواه الشيخان عن أنس -رضي الله عنه- قال: (صلى رسول الله فقمت أنا ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا).

قالو: فهذه أمُّ سُليم صلت في صفٍّ وحدها، ولم تبطل صلاتها، ولم يأمرها النبيُّ بالإعادة، والنساء شقائق الرجال في الأحكام.

ويُجيب القائلين بالبطلان: بأن موقف المرأة في الأصل كون خلف الرجال، ولو كانت وحدها فإن صلاتها صحيحة، لأن النصَّ جاء بذلك، وقد أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فلا نتعداها إلى الرجل؛ قالوا: وكذلك فإن النساء لا تجب عليهن الجماعة، وإنما الجماعة ثبتت قولاً وفعلاً وتقريراً خاصَّةٌ بالرجال؛ فلو صلَّت في صفٍّ وحدها فلا حرج ولا بأس.

3-واستدلوا بما رواه البخاريُّ ومسلم، عن ابن عباس، قال: (بتُّ عند خالتي ميمونة؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقمتُ عن بساره؛ فجعلني عن يمينه).

4-واستدلوا بما رواه مسلمٌ، عن جابر، قال: (قمتُ عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ، ثم جاء فقام عن يسار).

قالوا: وهذين الحديثين فيهما أنه لما أدار النبيُّ صلى الله عليه وسلم جابراً وابن عباس، ووقع جزءٌ من صلاتهما منفردين خلفه، فلو كان الانفراد مُبطلاً للصلاة لبطلت صلاة ابن عباس وجابر.

ويُجيب القائلين بالبطلان: بأنه يُغتفر في الابتداء ما لا يُغتفر في الدوام، وأن ذلك كان لمصلحة الصلاة، فهذا كالذي قبله، وعليه فصلاة المنفرد خلف الإمام باطلة، وبقى العموم على عمومه.

5-واستدلوا بما رواه الطبراني من حديث وابصة، وزاد فيه: (ألا دخلت معهم، أو اجتررت رجلا؟!).

وهذا حديثٌ ضعيف، ضعف الصنعاني في سبل السلام، وقال: فيه السري بن إبراهيم وهو ضعيف، وضعفه ابن عثيمين في "الفتاوى"، وهذه الزيادة ضعفها الألباني في "الضعيفة": ضعيفٌ جداً، وضعفها ابن تيمية، وابن القيم كما في "بدائع الفوائد"، وابن باز؛ وهذا الحديث مُعارض لحديث (تراصوا، وسدوا الخلل)، ولذا قالوا: لا يجرُّ إليه رجلاً.

ولكن جمهور الفقهاء استحبوا أن يجذب إليه رجلاً؛ لأن هذا الحديث وإن كان ضعيفاً، إلا أنه يُعمل به في فضائل الأعمال، بينما اختار ابن تيمية وابن القيم والألباني أن يُصلي وحده إذا لم يجد فرجةً في الصف الذي قبله.

6- واستدلوا من النظر؛ فقالوا: كلَّ مَن صحَّتْ صلاتُه لنفسه، صحَّت صلاته مع غيره ولو كان مُنفرداً خلف الصف في الجماعة؛ والله عز وجل يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال: {لا يُكلِّف الله نفساً إلا وسعها}.

4-واستدل القائلون بالصحة مع العُذر من النظر أيضاً؛ فقالوا:لو جاء إنسانٌ ولم يجد فُرجةً في الصَّفِّ، فإن القاعدة تقول (تسقط الواجبات عند عدم القدرة عليها)، وفي معناها (المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب)، وعليه فلا يجب أن يجذب إليه أحد، ولو جذب إليه فحسن، وتصحُّ صلاته في الصفِّ وحده. 

  • والخلاصة:

الرأي الصواب في هذه المسألة هو ما قاله الإمام النوويُّ في "المجموع": "إذا وجد الداخل في الصف فرجة أو سعة دخلها، وله أن يخرق الصف المتأخر إذا لم يكن فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها؛ فإن لم يجد فرجة ولا سعة ففيه خلاف حكوه وجهين والصواب أنه قولان:

(أحدهما): يقف منفرداً ولا يجذب أحداً، نص عليه في البويطي لئلا يحرم غيره فضيلة الصف السابق وهذا اختيار القاضي أبي الطيب.

(والثاني): وهو الصحيح ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا أنه يستحب أن يجبذ إلى نفسه واحداً من الصف، ويستحب للمجذوب مساعدته، قالوا: ولا بجذبه الا بعد إحرامه لئلا يخرجه عن الصف لا إلى صف، وإنما استحب للمجذوب الموافقة ليحصل لهذا فضيلة صف، وليخرج من خلاف من قال من العلماء: لا تصح صلاة منفرد خلف الصف، ويستأنس فيه أيضاً بحديث مرسلٍ ذكره أبو داود في المراسيل والبيهقي عن مقاتل بن حنان إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ان جاء فلم يجد أحدا فليجتلح إليه رجلاً من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المحتلج)



  • مصادر البحث:

  • الدرر السنية.

  • فقه السُّنة.

  • توضيح الأحكام.

  • النظر فيما علق الشافعي القول فيه على صحة الخبر.