عندما يكون العم سام ناسكاً
(دراسة تحليلة نقدية لموقف مراكز البحوث الأمريكية من الصُّوفية)
د. صالح عبد الله مسفر الغامدي
تقديم أصحاب الفضيلة الشيوخ
علوي بن عبد القادر السقاف -د. عبد العزيز آل عبد اللطيف -مازن مطبقاني
دار الوعي للنشر والتوزيع -المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى، 1436 هـ
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ أصل هذا البحث هو رسالة دكتوراه، تقدم بها المؤلف إلى كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ويتناول البحث حقيقة الموقف الأمريكي من الصوفية بشكل علمي وموثق، من خلال مراكز البحوث الأمريكية، والدور الاستشراقي المُعاصر. و
قد تجشَّم الباحث -حفظه الله -عناء السَّفر داخل المملكة وخارجها، وسافر إلى العديد من البلاد؛ كقطر والإمارات والبحرين وتركيا ومصر وتونس والمغرب وفرنسا؛ لأجل تحصيل معلومة أو إجراء لقاء قد يُفيده في بحثه هذا.
وقد تناول فيه أيضاً موقف تلك المراكز البحثية من الدعوة السلفية، وكذلك تناول واقع الدعوة السلفية والصوفية بعد الحادي عشر من سبتمبر للعام 2001م.
ومحور هذه الدراسة يدور حول الدعم المادي والمعنوي الذي حظي به التصوف من قبل المستشرقين ومن يقف خلفهم، وبيان أن ذلك يعود إلى عمق معرفة المستشرقين بمضامين التصوف العقدية، ومعايشتهم واقعه، وقد ساعدهم في ذلك الإرجاء في العقائد الذي يدين به المتصوفة.
وقد بدأت هذه العلاقة الحميمية بين حركتي التغريب والعلمنة وحركة التصوف مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت تُسمى تلك الحركات زوراً "حركة التجديد والإصلاح"!
وقد بيَّن الباحث في دراسته أن مهمة المراكز البحثية هو بث الأفكار والتوصيات للسَّاسة الغربيين من أجل تبنِّي مشاريع وسياسات تهدف إلى ترويض المسلمين عبر تطويع الإسلام من خلال دعم الصوفية في العالم، واتخاذها حليفاً وشريكاً في الحرب ضد الإرهاب "السَّلفي"، ومن العجيب أن مقرات بعض هذه المراكز في بعض البلاد العربية؛ كقطر، ولبنان، والبحرين، وغيرها.
والخلاصة في شأن الدعوة الصوفية المعاصرة بعد 11 سبتمبر أنها باتت بكل مضامينها، وتطوراتها تقف في مواجهة الدعوة السلفية بشكل واضح وصريح، وبطريقةٍ لا تقبل التأويل، منتظمةً بذلك في الخط الأمريكي المواجه أيضاً بصراحة ووضوح الدعوة السلفية بمنهجها ورموزها وطريقتها، ويا له من تحالف من البعيد الكاره مع القريب الناقم !.
خطة البحث:
وقد قسَّم الباحث بحثه إلى تمهيد ومُقدمة، وأربعة فصول؛ وهي:
المقدمة:
وتحتوي على أهمية موضوع البحث، وسبب اختياره، وأهداف البحث، وخطته، والمنهج العلمي الذي سلكه الباحث.
الفصل التمهيدي:
وفيه التعريف بالاستشراق والتصوف، وبه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: تعريف موجز بالاستشراق ودوافعه، وأهدافه.
المبحث الثاني: مراكز البحوث الأمريكية: نشأتها، وتطورها.
المبحث الثالث: نبذة عن نشأة الصوفية، وتطورها.
الفصل الأول: موقف المستشرفين من الصُّوفية، ونقده:
وفيه أربعة مباحث؛ وفيها: موقف المستشرقين من:
المبحث الأول: تعريف التصوف، ونشأته، ونقده.
المبحث الثاني: عقائد الصُّوفية ونقده.
المبحث الثالث: مؤلفات الصوفية ونقده.
المبحث الرابع: بعض رموز التصوف ونقده.
الفصل الثاني: موقف الصوفية من بعض القضايا المهمة في العالم الإسلامي، ونقده، وفيه خمسة مباحث: تدور حول موقف الصوفية من:
المبحث الأول: السلفية.
المبحث الثاني: العلمانية.
المبحث الثالث: الولاء والبراء.
المبحث الرابع: الجهاد.
المبحث الخامس: الاستعمار الغربي.
الفصل الثالث: موقف مراكز البحوث الأمريكية من السلفية والصوفية، ونقده، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: السلفية في تقارير مراكز البحوث الأمريكية.
المبحث الثاني: مفهوم التصوف في تقارير مراكز البحوث الأمريكية.
المبحث الثالث: موقف مراكز البحوث الأمريكية من رموز التصوف.
المبحث الرابع: توصيات المراكز الأمريكية المتعلقة بالصوفية.
الفصل الرابع: الحراك الصوفي المُعاصر في العالم الإسلامي:
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: الدعم الأمريكي المُعاصر للصُّوفية.
المبحث الثاني: الدعم الإعلامي للصُّوفية المُعاصرة.
المبحث الثالث: الدعوة الصُّوفية المُعاصرة.
المبحث الرابع: الواقع الصُّوفي السياسي المُعاصر.
الخاتمة:
وتشمل ملخص البحث، وأهم النتائج، والتوصيات.
وقد سلك الباحث في هذه الرسالة عدة مناهج في العرض والتحليل والبيان، وأبرزها وأهمها: المنهج التاريخي، ويتجلى في تأريخ الاستشراق وامتداده حتى يومنا هذا. والمنهج التحليلي: وذلك فيما يتعلق بتحليل التقارير الغربية وجمع المتشابه منها والمختلف. والمنهج الوصفي: المتعلق بوصف العلاقة بين مراكز البحوث الأمريكية والإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى موقف الصوفية من كثير من القضايا السياسية والدينية. والمنهج النقدي أيضاً: والذي لازم هذه الدراسة في جميع مباحثها وموضوعاتها.
أهمية البحث، وسبب اختياره:
ويعرض الكاتب أهم الأسباب الدافعة لاختياره هذا الموضوع للبحث فيه، وأهمية هذا البحث، والذي يتجلى في عدة أمور:
الأول: تصاعد الحديث في الغرب عن وجوب تغيير الإسلام من داخله، وذلك بتوصيات كثيرة من مراكز البحوث الأمريكية.
الثاني: أن مراكز البحوث الأمريكية لها دور كبير في رسم سياسات الولايات المتحدة، وهي امتدادٌ طبيعي لدوائر الاستشراق الغربية؛ وكلها سيان في المضمون والأهداف.
الثالث: استغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر للدخول في حملات متوالية تهدف إلى إضعاف الإسلام، من خلال تقوية أطراف تُضعف المنظومة القيمية والدينية في المجتمع، والمتمثلة في (الصوفية).
الرابع: حديث مراكز البحوث الأمريكية في الكثير من تقاريرها عن أن الصوفية هم الإسلام المعتدل المتسامح، والذي يجب على الغرب دعمه وتقويته، وأن السلفية هم منبع الإرهاب والتطرف، وهي ما يجب أن يُحارب.
الخامس: أن الصوفية المعاصرة تحمل إرثاً كبيراً وطويلاً من عداء الدعوة السلفية المعاصرة؛ منذ قيام الدعوة النجدية على يد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
السادس: أن الكره الغربي (المصلحي) للدعوة السلفية، انتظم اليوم في صفٍ واحدٍ مع الكره الصوفي (العقدي) للدعوة السلفية، وهنا مكمن الخطر!.
السابع: أن المؤمن مأمورٌ بأخذ الحذر، وبذل الأسباب، وهذا الأمر -أعين التحالف الصوفي الغربي" مما يجب الحذر منه، وبذل الأسباب الشرعية لدفعه.
وحتى لا نُطيل الكلام، أنقل هنا أهم النتائج والتوصيات التي خلُص إليها الباحث؛ وهي:
1-أن مراكز البحوث الأمريكية المهتمة بالعالم الإسلامي لا تختلف في أهدافها ومضامينها عن الاستشراق التقليدي، بل إنها امتدادٌ وتطوُّر طبيعي له، وإن اختلفت الأسماء، وتطوت بعض الآليات.
2-أن المستشرقين اعتنوا بالتصوف عنايةً فائقة؛ فبحثوا في تاريخه، واعتنوا بتراثه، فألفوا فيه الكثير من المؤلفات، وترجموا تراثه إلى لغاتهم، وقد فاقت عنايتهم به عناية المتصوفة أنفسهم.
3-أن عناية المستشرقين بالتصوف جاءت من فهمهم الدقيق لمآلات التصوف، وأهمها بالنسبة لهم: التخاذل، والتخذيل عن الجهاد، وإضعاف الولاء والبراء، والقبول بالأديان الأخرى على قاعدة مشتركة، وذلك ناتجٌ عن القول بوحدة الوجود، والانحراف الكبير عن الكتاب والسنة، والتي وجد فيها الغرب بغيته.
4-أن مراكز البحوث الأمريكية تقف من التصوف ذات الموقف الإيجابي الاستشراقي القديم، ويُعبرون عنه: بالروحانية الإسلامية، أو الإسلام الشعبي، أو الإسلام التقليدي المعتدل !، المُهدد دائماً من التطرف السلفي !!.
5-أن مراكز البحوث الأمريكية تقف من السلفية ذات الموقف العدائي الاستشراقي القديم، وهي في تقارير مراكز البحوث الأمريكية تعني: التطرف، والعنف، والإرهاب، وهذا الموقف ينبع من إدراكهم؛ بأن السلفية تعني: العودة إلى إسلام القوة والحضارة، والذي يرى فيه الغرب مُهدداً -تاريخياً -له.
6-أن الصوفية تحمل إرثاً كبيراً من العداء للسَّلفية، ومنبع هذا العداء هو بُعدهم عن هدي الكتاب والسُّنة (عقيدةً وعبادة)، ولو التزموه لطُوي ذلك العداء منذ القدم.
7-أن التصوف بعقائده وسلوكه، كان الجسر الذي عبرت من فوقه العلمانية إلى جسد العالم الإسلامي، إذا خدراو الأمة عن مقاومتها، حتى تمكَّنت، ولما تمكَّنت رضوا بها وصانعوها، ثم دعموها فدعمتهم العلمانية، وقبلوا بها فقبلتهم، إلى أن بات بعض الصوفية اليوم يقود بنفسه زمام الحكم العلماني!.
8-أن أحداث (11 سبتمبر 2001 م) حملت معها إعلاناً أمريكياً عن (حربٍ فكرية) طويلة المدى ضد منابع الإرهاب والتطرف الإسلامي !.
9-أن مراكز البحوث الأمريكية -كان ولا يزال -لها الدور الكبير في ترشيد تلك الحرب الفكرية المُعلنة، ودعمها بالأبحاث والتقارير، ومن خلال تلك الأبحاث نجد أنها تستهدف الدعوة السلفية، والتي زعموا زوراً وبهتاناً أنها مصدر التطرف والعنف والإرهاب.
10-أن الحكومة الأمريكية تبنَّت عملياً دعم وتشجيع الصوفية، وقد ورد في هذا الحث الكثير من الأمثلة الحقيقية للدعم الأمريكي العلني للصوفية.
11-أن الصوفية لم ينكروا التوجُّه الأمريكي نحوهم، بل اعترفوا به، ثم اختلفوا في تفسيره وتبريره، فبعضهم رأى فيه أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه، وبعضهم قلَّل من شأنه، والبعض الآخر رأى أنه أمرٌ أملتهُ المصلحة فقط، إلى غير ذلك من الأقوال. وقد حاول الجفري إخفاء ذلك التوجُّه الأمريكي وإنكاره، إما بنفسه أو بما تُصدره مؤسسته، مؤسسه طابة!، وقد بين الباحث هذ الأمر بالتفصيل.
12- أن العديد من الحكومات في العالم الإسلامي انسجمت تماماً مع ذلك التوجُّه الأمريكي، وباتت تُجاهر بدعم الصُّوفية، وتُعلن الحرب على السلفية.
13- أن الدعم والتشجيع الأمريكي للصوفية أنتج حراكاً صوفياً كبيراً من داخل العالم الإسلامي وخارجه، وذلك في جوانب كثيرة، يأتي في مقدمتها الجانب الإعلامي.
14- أن الصوفية طورت من أساليبها الدعوية، وخطابها العام، وذلك بما يتناسب مع المرحلة الجديدة من الدعم الأمريكي، فعلت في مطالبها ثقافة (وحدة الأديان)، وضرورة (محاربة الفكر السلفي)، وغيرها من الشعارات.
15- أن الدعوة السلفية هي المستهدف الأول من الحرب الفكرية التي أعلنتها أمريكا بعد 11 سبتمبر، وقد بيَّن الباحث ذلك بالدلائل والشواهد، وبيَّن أن الدعم الأمريكي للصوفية إنما هو دعمٌ لأهم أداة من أدوات هذه الحرب الفكرية.
16- أن المتصوفة بشكل عام ليسوا سواء في إدراك التوجُّه الأمريكي الداعم للصوفية، فمنهم العالم به ،المساند له، ومنهم من لا يعلم عن هذا الأمر شيئاً، وإن كان يستفيد من هذا الدعم الغير مباشر بشكل عام.
أما التوصيات في مجابهة هذه الحرب الفكرية، فأثبت منها ثلاثة:
أولاً: العمل على تقوية الدعوة السلفية وتفعليها، فهي المستهدفة بكل حراكٍ غربي ضد الإسلام، وحركتها ونشاطها الدائم هو أكبر كسرٍ لذلك الاستهداف.
ثانياً: التحذير على أوسع نطاق من خطر التحالف الأمريكي مع الصوفية، والذي بانت ملامحه، وظهر أمره، حتى أصبحت الصوفية أداة رئيسية من أدوات الحرب الفكرية الجديدة للسيطرة على الإسلام.
ثالثاً: التركيز على كشف ضلال رموز التصوف، فهم -عبر الطاعة العمياء -معقد قوة التصوف، وكسرهم كسرٌ للبدعة بإذن الله.
والحمد لله رب العالمين.