أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 أغسطس 2020

ولتَستَبِينَ سبيل المجرمين- قراءة في الإستراتيجية الغربية لحرب الإسلام بعد الحادي عشر

 ولتَستَبِينَ سبيل المجرمين

قراءة في الإستراتيجية الغربية لحرب الإسلام بعد الحادي عشر 

من سبتمبر 2001 م

تأليف: د. محمد يسري إبراهيم

دار اليُسر، الطبعة الثانية، 2011 م

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

تمهيد/ تخوض هذه الأمة سلسة طويلة ومُعقَّدة من الصراعات الدموية العنيفة ضد الغطرسة والمركزية الغربية، والتي تستهدف العقائد والثوابت والأصول الإسلامية، وصولاً إلى استباحة ثروات المسلمين وتعطيل الطاقات الفكرية والبشرية فيها، وهو ما نلمسه في التدخلات العميقة في العملية التعليمية، والتراجع الكبير في حركة الاقتصاد وعجلة التجارة والاستثمار في العالم العربي..

وأمام هذه الممارسات الإقصائية على المستوى الفكري والعملي، تحشد الأمَّة قواها في التصدِّي لهذه المحاولات الهمجيَّة المعادية للدين والإنسان والحياة. 

ولم تكن هذه الصراعات نتيجةً لأحداث مُعينة كأحداث الحادي عشر من سبتمبر -مثلاً، أو لها أسباباً مفهومة مثل تنامي ظاهرة الرُّهاب من "الإسلام فوبيا"، بل الأمر يمتدُّ في عمق التاريخ ليُذكرنا بالحملات الصليبية الثمانية، والتي دامت قرنين من الزمان (489 -690 هـ)، بل يمتدُّ هذا الحقد ليصل إلى أيام الفتوحات الإسلامية.

والذي يُعانيه المسلمون اليوم هو غياب الرؤية الواضحة لطبيعة هذا الصراع وأدواته الاستراتيجية، بالإضافة إلى فقدان آليات التعاون المشترك بين دول المسلمين للتصدي لهذه الحرب المُعقدة الباردة والطويلة.

والحقيقة أن هذا البحث لا بد أن يطَّلِعَ عليه القادة الميدانين من العلماء والدُّعاة من أصحاب النهج السديد، ويستفيد منه الشباب وطلائع الجيل الإسلامي الفريد، والمرابطين على ثغور هذا الدين؛ لأنه سيُفيدهم في فهم طبيعة الصراع، والواقع الذي تدور فيه هذه الصراعات، ومعرفة أدواته التي يُمكن تثبيطها وإيقافها عند حدِّها..

وتكمن أهمية هذا البحث الموجز في: استبانة سبيل الهالكين، وفضح توجُّهات المجرمين، ومعرفة كيد الكائدين من اليهود والصليبيين، ومن شايعهم من رءوس المبتدعة، وهو منهجٌ قرآنيٌّ أصيل، تدعمه السُّنة النبويَّة وأحداثُ السير الشريفة، ولذا جاء هذا الكتاب ليُرشدنا إلى ما يُراد بنا، وما يُفترى علينا، لنردَّ على المفتري والمرجف، ولنأخذ حذرنا؛ قال تعالى {ولتستبين سبيل المجرمين} (الأنعام: 55).

وتمثل هذه الدراسة قراءة لمسيرة "عشر سنوات" عجاف عاشتها الأمة ما بين عامي (2001) و(2011)، نقرأ من خلالها الإفلاس الغربي في مواجهة الإسلام ومحاربته، ونستشرف من خلالها بشارات النصر والتمكين لأهل هذا الدين. وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة، وتسع فصول وخاتمة. 


وما أُحبُّ التركيز عليه في هذه الدراسة هو ما جاء في الفصل السادس، والسابع، والثامن من هذه الدراسة؛ حيث يتناول (الفصل السادس) -وهو بعنوان "ضرب طوائف الدعوة الإسلامية بالطرقية": "رصد الواقع المشهود من دعم الغرب للطائفية، والمذاهب المسلكية؛ لتشتيت الأمة الإسلامية، وتفريق الوحدة الإيمانية، والذي تحول إلى مظاهر عالمية لدعم غلاة الطرق الصوفية، وتأجيج الفتنة بين الصحة والإسلامية بطوائفها الدعوية والتربوية، والعلمية، والسياسية والجهادية على حدٍّ سواء، وبين الطرق الصُّوفية؛ التي تُعتبر اليوم عند الغرب -مع الفرق الكلامية -الحصان الرابح في الحرب ضد الدعوة الإسلامية بأسرها، وعلى اختلاف أطيافها، وهؤلاء الأعداء الاستراتيجيون حين يُقربون ويدعمون طوائف من غلاة أهل البدع، لا يهدفون إلى هدايةٍ أو إصلاح، وإنما ينتعلون حذاءً ويمتطون مركباً يعبرون به إلى فاسد غرضهم؛ فإذا تحقَّق مرادهم، ألقوه إلى الجحيم !".


بينما يتناول (الفصل السابع) "مواجهة العقيدة السلفية بالفرق الكلامية"، وجاء فيه: "رصد ما يجري على أرض الواقع من ضرب أهل السنة بالفرق الكلامية، ومحاولة تشتيت الوحدة الإسلامية في مواجهة الغرب غير المسلم بما بين أهل القبلة من خلافات، وإشعال نار الحرب على الرموز السلفية، والاختيارات العلمية لهذه المدارس المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي".


وفي (الفصل الثامن)، وهو بعنوان "الاستراتجية الإسلامية في مواجهة الهجمة الغربية"، وفيه "تنبيهٌ إلى خطوط عامة في الاستراتيجية الإسلامية لمواجهة هذه التحديات المعاصرة، بما يُبطل كيدها ويردُّ إفكها في نحور أصحابها، ويؤمِّنُ الصحوة الإسلامية من غوائلها، ولتذمر بأهمية إعداد دراسة استراتيجية أكثر عُمقاً في هذا المضمار".


  • أهمية هذا البحث:

1-الدعوة إلى ضرورة اجتماع أهل السنة في بوتقة واحدة للدفاع عن الإسلام، وضرورة رصِّ الصفوف في حمل ونشر العقيدة الإسلامية الصافية من البدع والخرافات والشركيات.


2-الدعوة إلى الثبات على المبادئ، وانتهاض الهمم في معركة الثوابت الإيمانية، في محاولة للحفاظ على الهوية الإسلامية من الضياع أو التفريط.


3-التنبيه إلى الاتجاه الغربي الحديث في دعم وتكوين تيارات إسلامية تتقاطع مع العلمانية، وتتقارب معها في أكثر النقاط، في إطار ما يُسمى "الإسلام الحداثي".


4-التأكيد على أن منطق الإسلام في التعامل مع القوة؛ هي أن تُستعمل في الغايات النبيلة، والمعاني السامية من رفع الظلم وآصار الجاهلية والشرك والوثنية عن عقول الناس، وكونها قوة إيجابية تهدف إلى عمارة الأرض وإقامة العدل، وتحترم حقوق الإنسان، وتحفظ للأفراد حرياتهم ضمن مبادئ الدولة.


5-بيان الأدوات الهدامة التي يُوظفها المستعمر الغربي في مواجهة أهل السُّنة، وأعني بذلك غلاة أهل البدع، وأهم هؤلاء أصحاب الطرق الصُّوفية، الذين لهم سابقة عداء مع التيار السّلفي السُّني، وكونهم أصحاب أحقاد مذهبيَّة، ويُعبِّر الغربي عن هذه الفئات المرشحة للتعاون معها بأنها تلك التي يُقدِّس أفرادها الأولياء، ويُصلون في الأضرحة.


السبت، 15 أغسطس 2020

ما موقف علماء الأزهر الشريف من غُلاة الطُّرقيَّة المُعاصرين ؟

- ما موقف علماء الأزهر الشريف من غُلاة الطُّرقيَّة المُعاصرين ؟


إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة -غزّة / فلسطين


إن علماء الأزهر القُدامى والمُعاصرين بريئون في جملتهم من لوثة غُلاة الطُّرق وعبدة القبور، ومروجي الخُرافات؛ وفيما يلي بُرهان ذلك من فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في العصر الحديث من لدن مفتي الديار المصرية مُحمَّد عبده، وإلى يوم النّاس هذا:


فهذا مُفتي الديار المصرية فضيلة الشيخ الإمام محمد عبده رحمه الله (ت 1323 هـ/ 1905 م)

يحكم ببدعيَّة التوسل بفظ الجاه، فيقول:

"فالتوسل بلفظ الجاه مُبتدعٌ بعد القرون الثلاثة، وفيه شُبهة الشرك -والعياذ بالله -وشبهة العدول عما جاء له رسول الله صلى الله عليه وسلم -فلم الإصرارُ على تحسين هذه البدعة" (1).


وفي موضعٍ آخر يستقبح الشيخ محمد عبده ما يصنعه بعض الصوفية من التقرُّب بالغناء في حفلات الذكر الموسومة بالحضرات؛ فيقول: 

"على أن الشريعة المطهرة مانعةٌ من أن يُقرن ذكر الله بالات لهوٍ على العموم بدون استثناء … وأقبحُ شيءٍ في هذا الباب اعتقادُ أن طاعة شهواتهم هذه طاعةٌ لله -نعوذ بالله من الزيغ" (2).


واعتصاماً بمنهج السلف، كانت فتوى مفتي الديار المصري، فضيلة الأستاذ الشيخ عبد المجيد سليم

(ت 1374 هـ/ 1954 م) في شأن الموالد؛ حيث قال رحمه الله:

"عمل الموالد بالصفة التي يعملها العامة الآن لم يفعله أحدٌ من السَّلف الصالح، ولو كان ذلك من القُرَب لفعلوه".


ولم يتوانَ شيخ الزهر الشريف فضيلة الشيخ الإمام محمد شلتوت (ت 1963 م) في التنديد بمهازل الموالد

والحضرات الصُّوفيَّة، وما يُصنع بمقامات الأولياء، حيث قال رحمه الله:

"ومهما قال عُشَّاق الموالد، والمتكسِّبون بها ومروجوها، من أنَّ فيها ذكر الله والمَواعظ وفيه الصدقات، وإطعام الفقراء؛ فإن بعض ما نراه فيها ويراه كل الناس من ألوان الفُسوق وأنواع المَخازي، وصور التهتُّك، والإسراف في المال، ما يُحتِّم على رجال الشئون الاجتماعية، وقادة الإصلاح الخُلقي والديني المبادرة بالعمل على إنْهائها ووضْع حدٍّ لمَخازيها، وتطهير البلاد مِن وَصْمَتِهَا.

ولقد صارت بحقٍّ -لسُكوت العلماء عنها -، ومُشاركة رجال الحُكم فيها مباءةً عامة تُنتهك فيها الحُرمات، وتُراق في جوانبها دماء الأعراض، وتُمسخ فيها وُجوه العبادة، وتُستباح البِدَعُ والمُنكرات، ولا يقف فيها أرباب الدِّعارة عند مظهر أو مظهرين من مظاهر الدعارة العامة، وإنما يُنكرون ويَبتدعون ما شاء لهم الهوَى من صور الدعارة المُقوِّضة للخُلق والفضيلة.

ومِن أشد ما يُؤلم، أن نرى كثيرًا من تلك المناظر الداعرة تُطوِّق في المدن معاهدَ العلم والدين ومساجد العبادة والتقوى، على مَسْمَعٍ ومرأى من رجال الحكم، ورجال الدين أرباب الدعوة والإرشاد.

أما وضع الشمع والقناديل على مقامات الأولياء وكسوتها، فينبغى أن يعرف أولاً أن الدين الحق لا يعرف شيئاً يقال له (مقامات الأولياء) سوى ما يكون للمؤمنين المتقين عند ربهم من درجات، وإنما يعرف كما يعرف الناس أن لهم قبوراً ، وأن قبورهم كقبور سائر موتى المسلمين يحرم تشييدها وزخرفتها، وإقامة المقاصير عليها (4)، وتَحرم الصلاة فيها وإليها وعندها، وبناء المساجد من أجلها ، والطواف بها ومناجاة من فيها والتمسح بجدرانها وتقبيلها والتعلق بها.

ويَحرم وضع أستار وعمائم عليها ،ويحرم إيقاد شموع أو ثريات حولها، وكل ذلك مما نرى ويتهافت الناس عليه ويتسابقون فى فعله على أنه قربة لله، أو تكريم للولى خروج عن حدود الدين، ورجوع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى، وارتكابٌ لما حرمه الله ورسوله فى العقيدة والعمل، وإضاعةٌ للأموال فى غير فائدة، بل فى سبيل الشيطان، وسبيل للتغرير بأرباب العقول الضعيفة، واحتيالٌ على سلب الأموال بالباطل 

أما بعدُ: فهذا هو حُكم الدين في الموالد، وهذا هو حكمه فيما يُصنع بمقامات الأولياء، فمَتى يتنبَّه المسلمون وبعودون إلى الهدى الحق ؟، ويتقرَّبون إلى الله بمَا يرضاه الله وبما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقرَّب به إليه أولياؤه: {الذين آمنوا وكانوا يتَّقون}، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلَّم، وشرُّ الأمور محدثاتها (5).


وحول ما يقترفه القبوريون من منكراتٍ جاءت فتوى فضيلة الإمام الأكبر وشيخ الأزهر، ومفتي الديار المصريَّة الشيخ حسن مأمون (ت 1973 هـ)؛ يوضح من خلالها موقف الأزهر الشريف؛ حيثُ يقول:

"وقد سُئل: ما حكم الشرع في زيارة أضرحة الأولياء والطواف بالمقصورة وتقبيلها والتوسل بالأولياء ؟

فأجاب رحمه الله: أود أن أذكر أولاً أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد، والإسلام يحارب جاهداً كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله. ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهي رواسب جاهلية؛ فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون عندما نعي عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -عبادتهم للأصنام قالوا له: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر: 3)، فهي نفس الحجة التي يسوقها اليوم الداعون للتوسل بالأولياء لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه.

ومن مظاهر هذه الزيارات أفعال تتنافى مع عبادات إسلامية ثابتة؛ فالطواف في الإسلام والتقبيل في الإسلام لم يُسَنّ إلا للحجر الأسود؛ وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر وهو يقبله: (والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما فعلت)؛ فتقبيل الأعتاب، أو نحاس الضريح، أو أي مكان به حرام قطعاً.

وتأتي بعد ذلك الشفاعة، وهذه هي في الآخرة غيرها في الدنيا؛ فالشفاعة ارتبطت في أذهاننا بما يحدث في هذه الحياة من توسط إنسان لآخر أخطأ عند رئيسه ومن بيده أمره يطلب إليه أن يغفر له هذا الخطأ، وإن كان هذا المخطئ لا يستحق العفو والمغفرة؛ غير أن الله سبحانه وتعالى قد حدد طريق الشفاعة في الآخرة؛ فهذه الشفاعة لن تكون إلا لمن يرتضي الله أن يشفعوا ولأشخاص يستحقون هذه الشفاعة، وهؤلاء أيضاً يحددهم إذن فكل هذا متعلق بإذن الله وحكمه؛ فإذا نحن سبقنا هذا الحكم بطلب الشفاعة من أي كان فإن هذا عبث لأننا نستطيع أن نعرف من سيأذن الله لهم بالشفاعة ومن يشفع لهم.

وعلى ذلك يتضح أن كل زيارة للأضرحة غير الشرعية، والطواف حولها، وتقبيل المقصورة والأعتاب، والتوسل بالأولياء، وطلب الشفاعة منهم، كلُّ هذا حرام قطعاً ومناف للشريعة، أو فيه إشراك بالله.

وعلى العلماء أن ينظموا حملة جادة لتبيان هذه الحقائق؛ فإن الكثير من العامة بل ومن الخاصة ممن لم تتح لهم المعرفة الإسلامية الصحيحة يقعون فريسة الرواسب الجاهلية التي تتنافى مع الإسلام، وإذا أخذ الناس بالرفق في هذا الأمر فلا بد أنهم سوف يستجيبون للدعوة؛ لأن الجميع حريصون ولا شك على التعرف على حقائق دينهم" (6).


ولم يقتصر الأمر حول الإنكار المجمل للبدع، بل امتدَّ ليشمل منع أصحابها بكلِّ سبيلٍ مُمكن؛ فقد أجرت جريدةُ الأهرام لقاءً تلفزيونياً مع وزير الأوقاف المصرية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد حسين الذهبي (ت 1397 هـ / 1977م)، جاء فيه:

"ليس للوزارة سلطانٌ على الطرق الصٌُّوفية، هناك المجلس الأعلى للطرق الصُّوفية هو المسئول، ولقد نبَّهنا إلى خطورة الطريقة البرهانيَّة، وأصدرت وزارة الداخلية قراراً بحظر نشاطها، ومع ذلك فما زالت موجودة، ولها مُريدون بالآلاف، ولا بُدَّ أن ننقد هؤلاؤ من ضحايا التضليل" (7).


وفي مقابلة أخرى للأهرام مع وزير الأوقاف المصرية فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري (ت 1405 هـ/ 1985 م) يؤكد على خطورة دور الاستعمار في زعزعة العقائد، وأن ذلك هو أول الطريق لاستعباد الشعوب وتذليلها؛ فيقول:

"فقد عرف المستعمرون والمحتلون هذه النقطة من الضعف؛ فعنوا أول ما عنوا بإقامة الأضرحة والقباب في ربوع البلاد؛ فانصاع الناس لهم وأطاعوهم راضين".

ثم يُردف قائلاً: "ونحن جميعاً نعلم حيلة نابليون وخديعته للشعب المصري ببيانه المشهور عقب احتلاله القاهرة، حيث سلك السبيل إلينا بتظاهره بالإسلام، واحترامه إياه، ثم يُذكِّرُ بلورانس العرب، وأثره الخطير في الاستيلاء على أراضي العرب، ولم يكن سراً أو مستغرباً أن الطريقة التيجانية هي من وطَّد للاستعمار الفرنسي -كما صرَّح بذلك الفرنسيون -وأن لشيوخ الطريقة الختمية مخصصاتٍ شهرية من الاستعمار البريطاني لدى احتلاله السودان" (8).


ويحكم مفتي الديار المصرية فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف (ت 1410 هـ / 1990 م) بالبدعية على الهيئات التي أحدثها بعض الصوفية للذكر في موالدهم، ويتعجَّب من سكوت بعض المنتسبين للعلم على تلك البدع، بل ودفاع بعضهم عنه؛ فيقول رحمه الله

"فاعلم أنه لا أصل في الدين لذكر الله تعالى بهذه الهيئات المذكورة في السؤال، ولم يُعرف عن السَّلف الصالح، ولا دعا إليه العارفون من أئمة الصُّوفية، بل هو من البدع السيِّئةِ التي استحدثها بعض أهل الطُّرق، جهلاً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر ربه، وهو من المُحرَّم شرعاً، خصوصاً إذا أدَّى التزام هذه الهيئات في الذكر إلى اعتقاد مشروعيتها، أو طلبها ولو على سبيل الندب.

وقد استقرَّ الآن في عقائد العامة -من المداومة عليها، ودعوة جهلة مشايخ الطُّرق إليها، ودفاعهم عنها، واستمساكهم بها -أنها من الدين، بل مما لا بُدَّ منه في الذكر ونيل الثواب والأجر، وهذا مما يُوجب التحريم، ويُوقع في الإثم العظيم.

والواجب على كل قادرٍ من العلماء والمشايخ والدُّعاء إلى الحقِّ أن ينهى عنها، ويزجر من يأتي بها، ويُرشده إلى خطرها، وإلى أن اقتران المعصية بالطاعة مؤثِّمٌ، ومُحبطٌ للعمل.

ومن العجب أن يسكت بعض المنتسبين للعلم عن إنكار هذه البدع، وما إليها من الشعوذة والتدجيل الذي اعتاده بعضهم؛ يشهدونها ويُقرونهم عليها، ويُجارونهم في فعلها، بل يُدافعون المنكرين لها، الذائدين عن حمى الدين، والدَّاعين إلى سبيل رب العالمين، وهَدي إمام العابدين، نسألة الله أن يهديهم سواء السبيل" (9).

وينتصب وكيل وزارة الأوقاف المصرية فضيلة الشيخ محمد الغزالي (ت 1417 هـ/ 1996م) للذوذ عن حياض التوحيد، في مواجهة هؤلاء القبوريين، ويستنهض العلماء لذلك، فيقول

"ولماذا نستحي من وصف هؤلاء القبوريين بالشرك، مع أن الرسول وصف المرائين به؛ فقال: الرياء شرك، وإن واجب العالم أن يرمق هذه التوسلات النابية باستنكار، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحق، لا أن يُفرغ وسعه في التمحُّل والاعتذار، ولستُ ممن يُحبُّ تكفير الناس بأوهى الأسباب، ولكن حرامٌ أن ندع الجهل بالعقائد ونحن شهور" (10).


ويردُّ رحمه الله على من يُدافع عن هؤلاء القبوريين، وينتحل لهم المعذير؛ فيقول رحمه الله:

"وليس يغني في الدفاع عن أولئك الجهلة من العوام أنهم يعرفون الله، ويعرفون أنه وحده مجيب كل سؤال، وباعث كل فضل، وأن من دونه لا يملكون من ذلك شيئاً. 

فإن هذه المعرفة لا تصلح ولا تقبل إلا إذا صحبها إفراد الله بالدعاء والتوجه، والإخلاص، فإن المشركين القدماء كانوا يعرفون الله كذلك. 

{قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} (يونس:31). 

ومع أنهم يقولون "الله" بصراحة وجلاء، فلم يحسبوا بهذا القول مؤمنين، لأن الإيمان –إذا عرفت الله حقاً- ألا تعرف غيره فيما هو من شئونه. ولذلك يستطرد القرآن في مخاطبة هؤلاء: {فقل أفلا تتقون، فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون، كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} (يونس:31-33). 

إن العامة عندما يشدّون الرّحال إلى قبور تضم رفات بعض الناس، وعندما يهرعون بالنذور والحاجات والأدعية إلى من يظنونهم أبواباً لله، إنما يرتكبون في حق الإسلام مآثم شنيعة .

     ومحبة الصالحين وبغض الفاسدين من شعائر الإسلام حقاً، ومظاهر الحب والبغض معروفة ... هي مصادقة للأحياء أو منافرة، واستغفار للموتى أو لعنة.

     وأين من عواطف الحب والبغض هذا الذي يصطنعه المسلمون اليوم؟

إن الواحد منهم قد يصادق أفسق الناس، وقد يقطع والديه – وهما أحياء – ثم تراه مشمّراً مجداً في الذهاب إلى قبر من قبور الصالحين، لا ليدعو له ويطلب من الله أن يرحم ساكن هذا القبر، بل ليسأل صاحب القبر من حاجات الدنيا والآخرة ما هو مضطر إليه. وذلك ضلال مبين!" (11).

 

ويُشنِّعُ الشيخ الغزالي رحمه الله على شيخ الصُّوفية الأكبر ابن عربي؛ فيقول رحمه الله: 

"إنني ألفتُ النظر إلى أنَّ المواريث الشائعة بيننا تتضمن أموراً هي الكفر بعينه… لقد اطلعت على مقتطفات من الفتوحات المكية لابن عربي فقلت: كان ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية! فإن الفاتيكان لا يطمع أن يدسَّ بيننا أكثر شراً من هذا اللغو . . . يقول ابن عربي في الباب (333) بعد تمهيد طويل: إن الأصل الساري في بروز أعيان الممكنات هو التثليث! والأحد لا يكون عنه شيء البتة! وأول الأعداد الاثنان، ولا يكون عن الإثنين شيء أصلاً، ما لم يكن ثالث يربط بعضها ببعض فحينئذ يتكون عنها ما يتكّون، فالإيجاد عن الثلاثة والثلاثة أول الأفراد . . "

      لم أقرأ في حياتي أقبح من هذا السخف، ولا ريب أن الكلام تسويغ ممجوج لفكرة الثالوث المسيحي، وابن عربي مع عصابات الباطنية والحشاشين الذين بذرتهم أوروبا في دار الإسلام أيام الحروب الصليبية الأولى؛ كانوا طلائع هذا الغزو الخسيس...ومن قال: إن أول العدد الاثنان ؟ وهل تكَّون الاثنان إلا من ازدواج الواحد ؟ ! ثم من قال: إن الاثنين لا يكون عنهما شيء أصلاً ؟ وإذا كان هو لم ينشأ من أمه وأبيه معاً فمم نشأ ؟ ! ! .

     ولكن ابن عربي يمضى في سخافاته فيقول – عن عقيدة التثليث -: من العابدين من يجمع هذا كله في صورة عبادته وصورة عمله ، فيسرى التثليث في جميع الأمور لوجوده في الأصل !!

يبلغ ابن عربي قمة التغفيل عندما يقول: إن الله سمى القائل بالتثليث كافراً أي ساتراً بيان حقيقة الأمر فقال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" فالقائل بالتثليث ستر ما ينبغي أن يكشف صورته ، ولو بيّن لقال هذا الذي قلناه..." ! ! .

     واكتفى الأحمق بذكر الجملة الأولى من الآية ، ولم يُردفْها بالجملة الثانية: "وما من إله إلا إله واحد" وذلك للتلبيس المقصود !.

هذا الكلام المقبوح موجودٌ فيما يسمَّى بالتصوف الإسلامي ! وعوام المسلمين وخواصهم يشعرون بالمصدر النصراني الواضح لهذا الكلامومما يلفت النظر أن معهد الدراسات الإسلامية بجامعة السوربون قد اتفق مع إحدى عواصم العربية على طبع الفتوحات وإخراجها في بضعة وثلاثين جزءاً !.

     لحساب مَنْ يتم هذا العمل في هذه الأيام العصبية ؟ على أي حال نحن نريد العودة بأمتنا إلى ينابيعها العلمية الوثيقة، ونناشدها ألا تقبل من التوجيهات إلا ما اعتمد على الوحي الصادق ، ولدينا ولله الحمد كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة توافر الحفاظ والفقهاء على ضبطها على نحو لم يقع نظيره لتراث بشر" (12).

 

ويُشير الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله (ت 1417 هـ/ 1996 م) إلى منشأ هذه البدع؛ فيقول:

"ولقد استطاعت الوثنية أن تتسلل إلى الناس بوسائل كثيرة، منها تعظيم القبور بالبناء عليها، وتعظيمها، والتمسُّح بها، ولم يكن في خير القرون أيَّةُ مشاهد أو مقصورات على القبور، وإنما ظهر ذلك وكَثُر في دولة بني بُويه لمّا ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب، وكان بها زنادقة كُفّار مقصودهم تبديل دين الإسلام" (13).

 

ويُنادي فضيلة الشيخ سيِّد سابق (ت 1420 هـ/ 200 م) على علماء وملوك المسلمين ليقوموا بواجبهم في الإنكار على القبوريين؛ فيقول:

"وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسد يبكي لها الإسلام. منها: 

اعتقاد الجهلة فيها كاعتقاد الكفار في الأصنام، وعظموا ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر؛ فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا بأصحابها.

وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون ... ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لا تجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً، ولا متعلماً، ولا أميراً، ولا زيراً ولا ملكاً.

وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك: بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.

فيا علماء الدين ويا ملوك الاسلام أي رزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟.

لقد أسمعت لو ناديت حياً …  ولكن لا حياة لمن تنادي 

ولو نارا نفخت بها أضاءت … ولكن أنت تنفخ في رماد

وقد أفتى العلماء بهدم المساجد والقباب التي بنيت على المقابر، وقال ابن حجر في (الزواجر) : وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة؛ وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره" (14).

 

ولا يخفى ما جهر به شيخ الأزهر الشريف فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي (ت 2010 م) حيثُ أعلن:

"أن هناك بعض الممارسات الصوفية التي تهدف إلى الحصول على كراماتٍ للبشر، وتهدف إلى عبادة البشر لبعضهم لا تكون صوفية، بل هي كُفرٌ وشركٌ بالله تعالى، وانحرافٌ عن المنهج الصحيح للدين الإسلامي، وأن الصُّوفية أنواعٌ، وليست كلها صحيحة" (15).

 

ويُفرق الدكتور يوسف القرضاوي بين أوائل الصُّوفية وبين المتأخرين منهم، من حيث الممارسة والسلوك والعبادة؛ فيقول:

"وغلا كثيرٌ من الصُّوفية، وانحرف كثيرٌ منهم عن الطريق السَّويّ، وعُرفت عن بعضهم أفكارٌ غير إسلامية، كقولهم بالحقيقة والشريعة، فمن نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم، ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم! 

ومن الغلو قولهم: حدَّثني قلبي عن ربي ! وقولهم: المريد بين يدي شيخة كالميت بين يدي مُغسّله ! ومن غلوهم قولهم: من قال لشيخه: لِمَ ؟ لم يُفلح ! وقولهم: من اعترض انطرد ! وهذه الاتجاهات قتلت نفسيات كثيرة من أبناء المسلمين؛ فسرت فيهم روحٌ جبريَّةٌ، سلبية؛ كاعتقادهم القائل: إن الله أقام العباد فيما أردا ! ودع الملك للمالك واترك الخلق للخالق !  يريدون بذلك أن يكون موقف المسلم سلبياً أمام الانحراف والفساد، وأمام الظلم والاستبداد، وهذا أيضاً من الغلو والانحرافات التي ظهرت عند الصُّوفية" (16).


وممن صدعوا بالحق، وبيَّنوا الحكم الشرعي في صناديق النذور الموجودة في المساجد التي بها أضرحة -فتي الديار المصرية، فضيلة الدكتور الشيخ نصر فريد واصل؛ الذي يقول:

"إذا كان نذر الناذر ملاً يضعه في هذه الصناديق، يقصدُ ناذره قُربةَ صاحب الضريح، بطلب خيرٍ منه، أو دفع ضُرٍّ عنه أو عن غيره، فيكونُ نذراً غير مشروعٍ، ويكونُ مُحرَّماً بالإجماع؛ لأنه في هذه الحالة يكون معصيةً تُقرِّبُ صاحبها من درجة الشِّرك والعياذ بالله -ويكونُ نذرُه هذا باطلاً، وماله وِزراً عليه، ولا  ثواب له في الدُّنيا ولا في الآخرة؛ لأن ذلك النَّذرَ يكونُ وسيلةً لمُحرَّمٍ، وما يُؤدي إلى الحرام يكونُ حراماً، ولأن نذر الحرام معصيةً، ولا ينعقدُ بالإجماعِ؛ لأنه باطلٌ، والباطلُ مردودٌ على صاحبه" (17).

__________________________

المصادر والمراجع:

1-مجلة المنار/ الجزء الثالث/ السنة السابعة/ غرة رجب/ 1322 هـ.

2-الأعمال الكاملة (2/ 21)، ونشرت في جريدة الوقائع المصرية، العدد (958)، بتاريخ (27 -ذي الحجة -سنة 1297 هـ).

3-فتاوى دار الإفتاء، فتوى (589)، بتاريخ (1/ ربيع ثاني/ 1361 هت، 27/ إبريل /1942 م).

4-المقاصير: هي السور الذي يُحيط بجدار القبر.

5-الفتاوى؛ للإمام الأكبر محمود شلتوت، ط دار الشروق (ص 167 -169).

6-الفتوى نشرتها مجلة الإذاعة، بتاريخ (7/ 9/ 1957 م).

7-جريدة الأهرام القاهرية، الجمعة (19/ ديسمبر /1975م).

8-جريدة الأهرام في (14/ 2/ 1955 م).

9-فتاوي شرعية؛ لفضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف (ص 168 -169).

10-عقيدة المسلم (ص 72).

11-عقيدة المسلم (64 -69).

12-تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل (ص 60 -61).

13-فتاوي الشيخ كشك (6/ 18).

14-فقه السنة؛ سيد سابق (1/ 549 -550).

15-جريدة الدستور، الخميس (11/ فبراير/ 2010 م).

16-حقيقة التوحيد؛ للدكتور يوسف القرضاوي (ص 44 -46).

17-موقع إسلام أون لان (https://fatwa.islamonline.net/6640)، بتاريخ (23/ 11/ 2005 م).



الخميس، 13 أغسطس 2020

أحكام المسح على الجبائر وما يقوم مقامه في الفقه الإسلامي

أحكام المسح على الجبائر وما يقوم مقامه في الفقه الإسلامي

د. محمد محمود عبود العيساوي


تمهيد/ تعتبر مسألة المسح على الجبائر من المسائل الحيوية في الفقه الإسلامي، والتي تمسُّ الواقع بصورة مباشرة، فكلُّ إنسانٍ مُعرَّضٌ للإصابة بما يكسر عظماً، أو يقطع عضواً، أو يُحدث جرحاً، أو يُحرق جلداً، أو ما يُمزق أربطةً، أو أوردة، ، ونحو ذلك. نسأل الله لنا ولكم العافية..

فيحتاج من هذه حاله إلى وضع العصابات المختلفة على العضو المصاب، والأدوية والمراهم المختلفة على المواضع المحترقة من الجلد أو المجروحة منه، وفي هذا البحث تعرَّض الباحث (العيساوي) إلى معنى الجبيرة في اللغة والاصطلاح، وبيَّن أنها كل ما يُوضع على الجرح أو موضع الألم لإيقاف نزيف الدم ولمنع تلوثه وطلباً لبرئه أو الكسر لتثبيته.

وقسَّم الباحث -العيساوي- دراسته إلى سبعة مطالب أساسيَّة، وهي:


المطلب الأول: حكم المسح على الجبيرة؛ وفيه حكمان:

أولاً: مشروعية المسح على الجبيرة:

  • ذهب جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنفية والمالكية إلى مشروعية المسح على الجبيرة، ودليلهم الأثر والإجماع والنظر.

  • وذهب الظاهرية وبعض الزيدية إلى عدم مشروعية المسح على الجبيرة، وأدلتهم عموم التيسير ورفع الحرج.

ثانياً: صفة المشروعية عند الفقهاء في المسح:

  • مذهب الشافعية والحنابلة الوجوب مطلقاً.

  • مذهب أبو حنيفة الندب مطلقاً.

  • مذهب المالكية وجمهور الحنفية إلى الوجوب إذا خاف على نفسه الهلاك، وأما إذا لم يخف على نفسه فيغسل وجوباً، ويُندب له المسح.


المطلب الثاني: حكم المسح على ما في معنى الجبيرة.

  • أولاً: العصائب والأربطة والخرق التي توضع على موضع الجراحة والقروح لحمايتها من الجراثيم، والأربطة التي توضع على العين التي بها رمد.

ويستدلُّ لمشروعية المسح عليها بما استدلَّ به الجمهور من الأحاديث والآثار ولإجماع، والقياس، ومن النظر: يُقل إن العصابة أو الخرقة حائلٌ على موضعٍ يُخاف الضرر من غلسه؛ فأشبه الشد.


  • ثانياً: المسح على اللواصق المختلفة؛ كاللواصق الطبية التي تُوضع على الجروح والقروح؛ لحمايتها من التلوث، أو لمعالجة بعض المواضع المصابة في البدن.

ويستدلُّ لها بالقياس: فاللصوق الذي تحته جُرحٌ، ولا يتمكن من نزعه، أو يُخاف بنزعه حصول الضرر على الإنسان، أو تأخُّر برئه؛ فإنه يُشرع له المسحُ عليه قياساً على الجبيرة، والمسح بدلٌ عن الغسل.


  • ثالثاً: المراهم والأدوية التي توضع على الجروح والشقوق والقروح في البدن، وتكون بمثابة حائل يمنع وصول الماء، والغرض منها تعجيل البُرء، أو منع تلوثها بالجراثيم والميكروبات.

وهذا كالذي قبله: ولا يترك المسح عليه، بل يضع عليه خرقةً أو جبيرةً فوق الجُرح الذي عليه المرهم وإن أدَّى ذلك إلى زوال ذلك المرهم. 


المطلب الثالث: شروط المسح على الجبيرة وما في حكمها.

وجماهير العلماء الذين قالوا بمشروعية المسح على الجبائر وما في معناها؛ اتفقوا على شروط، واختلفوا في شروط:

أما الشروط التي اتفقوا عليها:

  • أن يتضرر العضو المصاب بالغسل أو يتأخَّر برؤه.

  • أن المسح يتناول منطقة الإصابة (الضرورة) فقط، وما يُحتاج إليه من الصحيح في تثبيت الجبيرة.

  • أن توضع هذه الجبيرة على طُهرٍ.


المطلب الرابع: المقدار الواجب مسحه من الجبيرة، وما في حكمها.

 -فذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى وجوب استيعاب الجبيرة وما في حكمها بالمسح، وهو الأرجح.

-وذهب الحنفية إلى أن المطلوب مسح أكثره، أو ما يقع عليه اسم المسح.


المطلب الخامس: كيفية طهارة لابس الجبيرة، وما في حكمها.

يغسل لابس الجبيرة الصحيح من أعضائه، ثُمَّ يمسح على الجبيرة وما في حكمها، ويستوعب مسحها على الصحيح، وهل يجب عليه أن يتيمَّم أم لا؟

-ذهب الشَّافعيُّ في أظهر قوليه، وهو الأصح عند جمهور أصحابه، وهو مذهب الحنابلة إلى وجوب التيمُّم إذا تجاوز موضع الجبيرة موضع الحاجة أو وضعها على غير طهارة، وهو الصحيح الراجح.

-وذهب المالكية والحنفية، وهو قولٌ للشَّافعيِّ في القديم، وإليه ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجب التيمُّم مع غسل الصحيح من الأعضاء، والمسح على الجبيرة.


المطلب السادس: حكم الصلاة التي صلاها صاحب الجبيرة، وما في حكمها.

وهذا له حالتان:

الأولى: أن يضع الجبيرة على طُهرٍ؛ فذهب جمهور العلماء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يُعيد الصلاة،و هو الصحيح.

الثانية: أن يضع الجبيرة على غير طُهرٍ؛ فذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب إعادة الصلاة.


المطلب السَّابع: حكم سقوط الجبيرة وما في حكمها عن العضو المصاب.

لو سقطت الجبيرة عن موضعها التي رُبطت فيه بعد المسح عليها.

فلذلك حالات:

أولاً أن تسقط الجبيرة أثناء الصلاة: 

-ذهب الحنفية إلى بطلان الصلاة إن كان سقوطها قبل البُرء، وإن كان سقوطها بعد البُرء فلا تبطل.

-وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى بطلان الصلاة سواءً كان سقوطها قبل البُرء أو بعده.

ثانياً: أن تسقط الجبيرة في غير الصلاة:

-ذهب الحنفية إلى وجوب غسل موضع الجبيرة إن كان ذلك بعد البُرء وهو طاهرٌ، أما إن كان مُحدثاً فيستأنف الوضوء من جديد، أما إن كان قبل البُرء فيُعيدها ولا يمسح إن كان طاهراً، أو يمسح إن كان مُحدثاً.

-وذهب المالكية إلى وجوب مسحها قبل البرء بعد ردِّها، أما بعد البرء؛ فلا بُدَّ من غسل موضعها. 

-وذهب الشافعية والحنابلة إلى بطلان الطهارة والصلاة، وأنه يستأنفهما من جديد.

-وذهب الظاهرية إلى أنه لا يجب عليه شيء؛ لسقوط حكم الطهارة عن العضو المصاب.