أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 يناير 2025

المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية محمد سلطان المعصومي الخجندي الحنفي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية

محمد سلطان المعصومي الخجندي الحنفي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذا الكتاب هو توثيق لمشاهدات المعصومي الحنفي لما رآه من مخالفات وانحرافات وقعت من البسطاء والجهلاء عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي ممارسات وتصرفات لا يُقرها الشرع والدين، والمؤلف هو من المتأخرين الذين أدركوا أواخر الخلافة العثمانية، وقد ذكر أنه حجّ مرات كثيرة، أولها كان في عام 1324 هـ، في عهد سلطنة عبد الحميد خان التركي، وذكر أنه لما زار المدينة النبوية أخذ عن علمائها في ذلك الوقت: كالشيخ البرزنجي، والشيخ عبد الله القدومي، والشيخ محمد خليل الخربوطي، وغيرهم.

       وزار المدينة النبوية ثانياً في العام 1354 هـ في عهد الملك عبد العزيز السعودي، وعمل في هذه الفترة مُدرساً في دار الحديث، ثم زارها ثالثاً في العام 1357 هـ، ورابعاً في العام 1366 هـ، ولعل ذكر تأريخ هذه الزيارات يكشف عن الوقائع والمجريات التي جرت في تلك الفترة، وهذا يُفيدنا في دراسة أقواله وأوضاع الناس، وفهمهما في سياقاتها.

       وقد تطرق المؤلف إلى الباعث على الكتابة في هذا الموضوع؛ فيقول: "والعبد الضعيف في زياراته الأربع للمدينة الطيبة، قد أمعنت النظر، فشاهدتُ في المسجد النبوي، وعند قبره الشريف، ما يُضاد الإيمان، ويهدم الإسلام، ويُبطل العبادات، من الشركيات، والوثنيات، الصادرة من الغلو، وتراكم الجهالات، والتقليد الجامد الأعمى، أو التعصب الباطل، وغالب من يرتكب هذه المنكرات بعض الغرباء من أهل الآفاق، ممن لا خبر له عن حقيقة الدين".

       وابتدأ بذكر الحكمة من زيارة القبور ومشروعيتها، من الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، ثم بيّن السُّنن النبوية في الزيارة الشرعية للقبور، وما ينبغي فعله عندها، وما ينبغي الحذر من فعله، والسنة في بناء القبر ورفعه، وحُرمة البناء عليها.

ثم بيّن بعد ذلك فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضل المدينة النبوية، وأتبع ذلك فضل الصلاة في قباء، ثم انتقاده للزخرفة الحاصلة في المساجد، وانتقد كذلك الأوراد الجماعية بعد الصلوات، وقراءة أوراد مُعيّنة في أوقات مخصوصة؛ كدلائل الخيرات، والبردة للبوصيري.

       وذكر أيضاً التوسعة العُمرية للمسجد النبوي، ثم تشييد عثمان بن عفان له، ثم إحداث الوليد بن عبد الملك الزخرفة فيه، ومباشرة عمر بن عبد العزيز لذلك سنة 91هـ، ثم إحداث القبة الخضراء في عهد الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي سنة 678 هـ، ثم صفّحها بألواح النحاس الملك ناصر حسن بن محمد بن قلاوون الصالحي سنة 705 هـ، ثم جدد عمارة المسجد النبوي السلطان عبد المجيد بين عاني 1265 إلى عام 1277 هـ، وأضاف كتابة القرآن، وقصيدة البردة، وأسماء الله الحسنى، وأسماء النبيّ صلى الله عليه وسلم.

       كما انتقد الزخرفة المبالغ فيها في المسجد النبوي، وعدَّ النقوش الكثيرة فيه، والأشعار المحفورة على الأسطوانات، وكتابة أسماء النبيّ صلى الله عليه وسلم على الجدار القبلي، وكتابة أبيات البوصيري على سقوف الأروقة والجدار القبلي مما لا ينبغي ولا يجوز؛ لما في ذلك من مخالفة لهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسنته.

       كذلك انتقد قراءة كتاب "دلائل الخيرات" للجزولي كل صباح، قال: "مع أن حالها وحكمها لا يخفى على المؤمن ذي العلم والعقل".

يقول الشيخ رحمه الله: "وأما التوجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم، من كل نواحي المسجد كلما دخل المسجد، أو كلما فرغ من الصلاة، فليس من دين الإسلام أصلاً، بل شعار عُبّاد الأوثان والمشركين قطعاً، وقد ثبته عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد)، و(لا تتخذوا قبري عيداً)، ولا شك أن التوجه إلى شيء أو إلى جهةٍ بقصد التقرب وحصول الثواب عبادة، والعبادة حقّ الله خاصةً، وقد نصب الله الكعبة للتوجه إليه؛ فمن توجه إلى غير الكعبة بقصد القربة فقد أشرك".

       ويقول: "والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما يحدث في دار الدنيا بعد انتقاله؛ بدليل حديث أنه عندما ترد طائفةٌ من أمته على حوضه؛ فيقول: (يا رب هؤلاء من امتي)؛ فيُقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وهذا صريحٌ في أنه لا يعلم ما في دار الدنيا، فمن يزعم أنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما في دار الدنيا؛ فقد خالف كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

       ويردف في موضع آخر بقوله: "والظن الغالب على ما تشهد عليه الأحاديث الصحيحة النبوية، ان النبيّ صلى الله عليه وسلم لو كان حياً، وشاهد هذا المسجد على هذا الحال لأنكره، ولم يدخل فيه حتى يُغيّر، وتُزال النُّقوش، ويُعاد إلى ما كان عليه".

وختم الشيح المعصومي بذكر مشروعية الزيارة، وأنها إحسانٌ إلى الزائر من حيث الاتعاظ والادّكار، وإحسانٌ إلى المزور من حيث الدُّعاء وإيصال الثواب والخير للميت، ونقل جملةً من كلام أهل العلم في ذلك، وذكر بعض البدع التي تُقام عند القبور أعاذنا الله منها، ثم عقد فصلاً في قصة الصوفية المغاربة.

وفي سنة 557 هـ، رأى السلطان نور الدين محمود بن زنكي آق سنقر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول في كل واحدة: يا محمود أنقذني من هذين الشخصين الأشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فطلب الناس عامة للصدقة، وفرق عليهم ذهبا كثيراً وفضة، وقال: لا يبقيّن أحد بالمدينة إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة، فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئاً، فجدّ في طلبهما، فجيء بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فقالا: لمجاورة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:

اصدقائي، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما فأقرّا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نقباً تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه، وهكذا حدثني عمن حدثه، فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها إلى الشام، انتهى.





  






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق