أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 سبتمبر 2021

موقف ابن تيمية من الأشاعرة تأليف الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود

موقف ابن تيمية من الأشاعرة

تأليف الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود

ط 1، 1995

قراءة: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس، مؤلف من بابين كبيرين في ثلاثة أجزاء، تناول فيه المؤلف موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة، أوضح فيه منهجه في التعامل معهم، والرد على مقالاتهم، وبيان تناقض الأشاعرة، وضعف حججهم، وتهافتها.. وأصله رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي بحق موسوعة علمية ضخمة للرد على الأشاعرة وبيان مفارقتهم لنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.

وتكمن أهمية هذا الموضوع في أن ابن تيمية -رحمه الله -كان صاحب منهجٍ واضح فيما يتعلق بمسائل العقيدة وأصول الدين، وقد تميز بإنصافه الكبير لخصومه وأعدائه، واستيعابه لمقالات الفرق والطوائف، ومعرفته الواسعة بتاريخ نشأة هذه الفرق واختلاف أصحابها، إضافة إلى اعتماده الكبير على الكتاب والسنة وأقوال السلف في نقد المقالات وتصويبها، وتأدبه بأدب السلف في الرد على المخالف -والأهم من ذلك ثباته على منهج محدد، فلم يتناقض ولم تتغير قناعته، ولم تختلف به المناهج والسبل كما حدث لغيره.

وقد وظف هذا المنهج الدقيق في جميع كتبه ورسائله، ونقض فيها أصول ومناهج الاستدلال عند الفلاسفة والمتكلمين، بالإضافة إلى أنه أبان عن المنهج الشرعي الإسلامي في هذه المسائل. 

ويمكن اعتبار هذا الكتاب مرجعاً علمياً موثقاً، لا يستغني عنه كل من يبحث في تاريخ الأشعرية ونشأتها وظهورها، كذلك هي حلقة دراسية مهمة للتعرف ما إذا كان الأشاعرة موافقين لمذهب السلف أم مخالفين له، والنقاط التي خالفوا فيها مذهب السلف.

التمهيد: فقد كان بعنوان: السلف ومنهجهم في العقيدة، وقد اشتمل على:

أولاً: التعريف بالسلف، أهل السنة والجماعة.

ثانياً: نشأة التسمية بأهل السنة والجماعة.

ثالثاً: شرح منهج السلف في العقيدة.

الباب الأول: ابن تيمية والأشاعرة، وقد اشتمل على عدة فصول:

الفصل الأول: عن حياة ابن تيمية، وقد اشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: عصر ابن تيمية 

وقد عرض فيه المؤلف بعض القضايا والأحداث التي حفل بها هذا العصر المليء بالاضطرابات، مثل الغزو الصليبي للعالم الإسلامي، وظهور التتار وسقوط الخلافة العباسية في بغداد، وقيام دولة المماليك، ودور الباطنيين والرافضة، إضافة إلى الجوانب العلمية والعقدية. 

المبحث الثاني: في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

وقد أوضح فيه المؤلف اسمه ونشأته، وشيوخه، وجهاده وربطه العلم بالعمل، ودوره في مقاومة التتار والرافضة، ثم بيان منزلته ومكانته، وما جرى له من محن على يد أعدائه في الشام ومصر، والدور الإيجابي لابن تيمية في هذه المحن كلها. 

ثم ذكر تلاميذه والمتأثرين به، ورسائله وكتبه مع التركيز على بيان ما ألفه منها في الرد على الأشاعرة، ثم ذكر وفاته رحمه الله.

الفصل الثاني: منهج ابن تيمية في تقرير عقيدة السلف والرد على خصومها

وقد شمل ذلك البحث منهجه في المعرفة والاستدلال، وبيان العقيدة والاستدلال لها، والرد على الخصوم، وما تميز به شيخ الاسلام من الأمانة العلمية.

الفصل الثالث: عن حياة أبي الحسن الأشعري وعقيدته

ويشتمل على ترجمة الأشعري وحياته وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته بحث مسألة الأطوار التي مر بها في حياته العقدية وهل كانت طورين أو ثلاثة، وهل كان رجوعه في الإبانة إلى مذهب السلف رجوعاً كاملاً أو بقيت عليه بقايا من أقوال أهل الكلام، ثم بيان عقيدته وآرائه.

الفصل الرابع: نشأة الأشعرية وعقيدتهم

واشتمل هذا الفصل على مباحث، منها شيوخ الأشاعرة وأسلافهم الكلابية، مع الترجمة لأبرز أعلامهم. ومبحث الماتريدية وعلاقتهم بالأشاعرة، ثم مبحث نشأة المذهب الأشعري وأسباب انتشاره. وأخيرا وبشكل مختصر عقيدة الأشاعرة.

الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة 

وفيه بيان أشهر شخصيات الأشعرية إلى عهد ابن تيمية، وما حدث لمذهب الأشاعرة من تطور على يد أبرز رجاله، سواء بالميل إلى التأويل وأقوال المعتزلة، أو الامتزاج بالتصوف، أو الخوض في علوم الفلاسفة وإدخال آرائهم وأصولهم لتصبح جزءا من كتب الأشاعرة الكلامية. 

وقد ترجم -المؤلف في هذا الفصل لأبرز أعلام الأشاعرة- مع عرض مركز لأثر كل علم في تطور المذهب الأشعري، وهؤلاء الأعلام هم: أبو الحسن على بن مهدي الطبري، والباقلاني، وابن فورك، والبغدادي، والبيهقي، والقشيرى، والجويني، والغزالي، وابن تومرت، وأبو بكر بن العربي، والشهرستاني، وابن عساكر، والفخر الرازي، والآمدي، والعز بن عبد السلام، والبيضاوي، وأبو عمر السكوني، وصفي الدين الهندي، وعضد الدين الإيجي، وبدر الدين بن جماعة، وهؤلاء الخمسة كانوا معاصرين لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهم الله جميعًا- ولم يكن الحديث عن هؤلاء من حيث التركيز والإطالة على وتيرة واحدة، بل منهم من أطيل الكلام حوله كالباقلاني، وابن فورك، والبيهقي، والجويني، والغزالي، والرازي، والباقون بين التوسط والاختصار، وذلك حسب أهمية العلم وكثرة مؤلفاته العقدية، ودوره في تطوير مذهب الأشاعرة.

أما الباب الثاني: فهو موقف ابن تيمية من الأشاعرة؛ وقد اشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في عرض ابن تيمية لجوانب الأشاعرة الإيجابية

واعترافه بما عندهم من حق، وهذا جزء من منهجه العام في الرد على الخصوم- والاعتراف بجوانبهم الإيجابية في الرد على الفلاسفة، والباطنية، والمعتزلة والنصارى وغيرهم.

الفصل الثاني: في منهج ابن تيمية العام في الرد على الأشاعرة

وهو من أهم فصول هذا الكتاب، وفيه عرض للقضايا العامة التي ناقش فيها شيخ الإسلام الأشاعرة، والتي منها علم الكلام المذموم، وكون مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم، وجهل الأشاعرة بمذهب السلف، وإرجاع أقوالهم إلى أصولها الاعتزالية والكلامية، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل، والرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وتناقض الأشاعرة وما وقع فيه أعلامهم من الحيرة والشك، ثم رجوع بعضهم إلى الحق. 

ثم بيان تسلط الملاحدة من الفلاسفة والقرامطة عليهم لضعف ردودهم عليهم وأخذهم بأصول أهل الكلام الباطل. وكل مسألة من هذه المسائل يذكر لها شيخ الإسلام أمثلة متعددة.

الفصل الثالث:ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على الأشاعرة تفصيلاً، ويشمل عدة مباحث:

المبحث الأول: ردوده عليهم في مسألة توحيد الألوهية والربوبية، ويدخل في هذا المبحث بعض المسائل، مثل: 

  • مسألة أول واجب على المكلف.

  • ومفهوم التوحيد عند الأشاعرة.

  • وبيان خطئهم وتقصيرهم في مسألة توحيد الربوبية، وإغفالهم لتوحيد الالوهية.

المبحث الثاني: في الأسماء والصفات:

وقد احتوى هذا المبحث على مسائل كثيرة جداً تتعلق بأسماء الله، والصفات التي أثبتها الأشاعرة، والصفات التي نفوها. وكيف رد عليهم شيخ الإسلام طويلا، وخاصة في المسائل الكبرى كمسألة العلو والاستواء، والصفات الفعلية، كالنزول والمجيء والغضب والرضا، والصفات الخبرية، وغيرها.

المبحث الثالث: في القضاء والقدر، وبعض المسائل المتعلقة به، وردوده عليهم في ذلك.

المبحث الرابع: في الإيمان، وميلهم إلى الإرجاء وردوده على أقوالهم.

المبحث الخامس: وفيه عرض لبعض المسائل المتفرقة التي خالف فيها الأشاعرة مذهب أهل السنة.

أما الخاتمة ففيها عرض مختصر لأهم نتائج البحث.

- خلاصة وتعقيب (من المؤلف):

مما سبق يتبين كيف تطور المذهب الأشعري بدءاً من الأشعري وإلى عصر شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنه يتبين كيف دخل هذا المذهب على يد أعلامه في متاهات كلامية وفلسفية، وصوفية، فقرب من الاعتزال، وخلط علومه بمقدمات الفلاسفة المنطقية وغيرها، وقرن ذلك بتصوف منحرف.

أما ما استقر عليه مذهب الأشاعرة، فلا يمكن تحديد ذلك بدقة، لاختلاف الأقوال وتعارضها، وقد يثبت بعضهم ما نفاه الآخرون، ومع ذلك فيمكن أن يقال: إن الأرضية التي استقر عليها هذا المذهب هو ما سطره الإيجي في كتابه المواقف، مع ملاحظة أنه يعرض أحياناً في بعض المسائل لعدة أقوال داخل المذهب الأشعري، ومع ملاحظة أن الأشاعرة حتى في العصور المتأخرة يعولون على كتب السابقين مثل كتب الأشعري والباقلاني والجويني والغزالي والرازي وغيرهم.

لذلك فيمكن أن يقال: إن المذهب الأشعري أخذ السمات التالية:

1- ضرورة المقدمات المنطقية والعقلية لتحديد المصطلحات، والإحالة عليها عند عرض ما يتعلق بها من موضوعات العقيدة.

2- التمسك بدليل حدوث الأجسام، والتركيز على ضرورته لأجل الرد على القائلين بقدم العالم.

3- استقرار القانون العقلي - عند تعارض العقل والنقل - الذي جاءوا به على أنه قانون مسلم، يلجأون إليه دائماً عندما يواجهون بالنصوص.

4- خبر الآحاد -عند الأشاعرة -لا يفيد اليقين، فلا يحتج به في العقائد ابتداءً، ولا مانع من الاحتجاج به في مسائل السمعيات، أو فيما لا يعارضه قانون عقلي.

5- مسألة نفي العلو والجهة، أصبحت من المسائل المسلمة التي لا تقبل المناقشة.

6- التوحيد هو توحيد الربوبية فقط، ويدخلون فيه نفي الصفات الخبرية التي تقتضي عندهم تجسيماً، لأن هذا يخالف - عندهم - حقيقة التوحيد، أما توحيد الألوهية فلا يشيرون إليه في كتبهم إلا من خلال موضوعات التصوف التي تدخلها الشركيات والانحرافات الكثيرة.

7- في الصفات استقر الأمر على إثبات الصفات السبع العقلية- وخلاف باقٍ في صفة البقاء - أما ما عداها من الصفات فيجب تأويلها.

8 - الصفات الخبرية: فيها قولان: التأويل أو التقويض، وكلاهما متقاربان في النتيجة وهي القطع بنفي ما يدل عليه ظاهرها من الصفة اللائقة بالله تعالى.

9- اعتقادهم بنفي الصفات الفعلية الاختيارية، وهي ما تسمى بمسألة حلول الحوادث.

10- كلام الله، أبقوا على ما كان موجوداً عند شيوخهم من الأشاعرة، وهو القول بالكلام النفسي، وإنه أزلي، وإنه معنى واحد، أما ما يتعلق بالقرآن المتلو فقد يميلون إلى رأي المعتزلة.

11- الرؤية الثابتة، لكن مع نفي العلو، ولم يتخلوا عن هذا التناقض الواضح إلا ما ظهر من ميل الرازي إلى تفسير الرؤية بأنها مزيد من الانكشاف العلمي، وهو قريب جداً من مذهب المعتزلة.

12- في القدر: بقيت كثير من قضاياه، كالكسب، وإنكار التعليل، والقول بالتحسين والتقبيح الشرعي فقط، وتكليف ما لا يطاق، والاستطاعة - على المذهب المشهور عنهم- أما القدرة التي للعبد وهل هي مؤثرة فقد تعددت أقوالهم فيها، وإن كان الغالب عليهم الميل إلى أنها غير مؤثرة.

13- الإيمان: مالوا فيه إلى مذاهب المرجئة، فقالوا إنه التصديق - وبعضهم يقول: إنه المعرفة - مع قولهم بوجوب الطاعات، وتأثيم العصاة وكذلك مالوا في مسائل زيادة الإيمان ونقصانه، ودخول الأعمال فيه، والاستثناء فيه- إلى أقوال المرجئة - ومع قول بعضهم: أن الإيمان هو المعرفة إلا أنهم لا يلتزمون لوازم مذهب جهم الفاسدة.

14- النبوات يثبتونها بدلائلها التي هي المعجزات، ويميلون إلى ما قرره الباقلاني فيها.

15- وفيما يتعلق بحكمهم على من خالفهم، فقد بقي المذهب متأرجحاً بين التكفير لغالب الطوائف، والأعذار لهم.

16- أما مسائل:

- الإمامة والتفضيل بين الخلفاء الأربعة.

- والسمعيات من المعاد وأحوال القيامة والجنة والنار.

- والشفاعة، وعدم خلود أهل الكبائر في النار.

فلم يتغير مذهبهم فيها، بل بقي موافقاً لمذهب أهل السنة والجماعة كتبهم تختلف وتتباين في كثير من تفاصيل هذه المسائل، وخاصة ما يتعلق بطرق الاستدلال لها، والله أعلم.

الخاتمة

والآن بعد هذه المباحث المتواصلة التي شملت عدة فصول في "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" نخلص إلى خاتمة هذه الدراسة باستخلاص النتائج التالية:

1- أن مذهب السلف يقوم على أسس وقواعد قوية ثابتة، عمادها الكتاب والسنة والإجماع، وكل دعوى في أتباع مذهب السلف لا تقبل ما لم تكن مبنية على منهجهم الواضح المستقيم. ولا تزال - والحمد لله - في كل زمن طائفة قائمة بالحق، تدعو إليه، وتجاهد في سبيله، وتجدد ما اندرس من معالمه، لا يضرها من خذلها ولا من خالف أمرها.

ومن خلال ما كتبه أئمة السنة - وخاصة أصحاب القرون المفضلة - سواء كان شرحا للعقيدة، أو ردا على خصومها، تكونت معالم بارزة، ومنطلقات واضحة، تحدد المنهج الحق لمن أراد أن يسلكه والطريق الصحيح لمن رام خدمة دينه وعقيدته وابتغاء رضوان ربه.

2- ومن خلال عرض حياة شيخ الإسلام وعصره، تبين كيف كان ذلك العصر مليئاً بالأحداث الجسام، وكيف كان شيخ الإسلام ابن تيمية علما بارزاً، وإماماً عظيماً، كان له أثر واضح في تلك الأحداث. السياسية منه والعلمية.

3- ظهور شيخ الإسلام في ذلك العصر الذي طغت فيه الطوائف المنحرفة من باطنية ورافضة، وصوفية، ومعتزلة وأشاعرة وغيرها - على أنه المدافع والمنافح عن مذهب وعقيدة السلف أمام هؤلاء جميعا. وقد ترك على إثر ذلك تراثاً ضخماً، تمثل في عشرات المجلدات في شتى الفنون. يجمعها الدفاع عن مذهب السلف والرد على خصومه.

4- وشيخ الإسلام كان له منهج واضح في عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة أو في الرد على مخالفيها، وأبرز ما في هذا المنهج - إضافة إلى اعتماده على الكتاب والسنة وأقوال السلف، وتأدبه بأدبهم - ثباته على منهم محدد، فلم يتناقض ولم تتغير قناعته، ولم تختلف به المناهج والسبل كما حدث لغيره، وإنما بقى صامداً مع كثرة المحن والأحداث التي مرت به. وهذا واضح جداً في كتبه التي وصلت إلينا، فهي على كثرتها، وتكرار بعض موضوعاتها لم يلاحظ عليه تناقض أو تراجع أو تردد، وهذا راجع إلى سلامة المنطلق والأساس الذي كان يعتمد عليه في كتبه.

5- أما مذهب الأشاعرة فقد تبين من خلال الفصول المتعلقة به، كيف كانت نشأة المذهب وكيف انتشر وكيف تطور على يد أعلام لا إلى القرب من مذهب السلف وإنما إلى البعد عنهم، وخاصة قربه من مذهب المعتزلة، والصوفية والفلاسفة.

أما مؤسس المذهب أبو الحسن الأشعري فقد كان أقرب إلى مذهب السلف ممن جاء بعده من أتباعه، وهو وإن كان في الإبانة قرب جداً من السلف إلا أنه بقيت عليه بقايا من مذهب المعتزلة.

6- أما موقف ابن تيمية من الأشاعرة فقد تبين مما سبق:

أ- أن شيخ الإسلام وهو يواجه أعداء الإسلام من النصارى والتتار والرافضة، إلا أنه لم يقل - كما يدعي البعض - ينبغي أن نتفرغ للعدو الأكبر وندع الخلافات التي بيننا، وإنما رد على هؤلاء وجاهدهم بيده ولسانه وقلمه، كما رد على أشاعرة عصره وفضح ما كانوا فيه من تجهم وتصوف. 

وبين أن أولئك الأعداء ما تسلطوا على المسلمين إلا لأجل تفريطهم وبعدهم عن مذهب أهل السنة، ووقوعهم في المعاصي والكبائر، والظلم وعدم العدل.

وحين تبدأ ساعة الجد والجهاد يركز على العدو الأصلي ويعمل على جمع الصفوف، ولم الشعث، وحث الناس على البذل والتضحية في سبيل الله.

ب- ومن خلال ردوده ومناقشاته للاشاعرة برز في منهجه أمران:

أحدهما: إنصاف خصومه الأشاعرة، واعترافه بما معهم من حق.

وثانيهما: الرد عليهما فيما خالفوا فيه مذهب أهل السنة بتقعيد الردود وتأصيلها، إضافة إلى المناقشات المفصلة لكل مسألة من مسائل العقيدة التي جانبوا فيها الحق والصواب.

ومن ثم جاءت ردوده شاملة لمسائل توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والقدر والإيمان وغيرها.

جـ - وردود شيخ الإسلام أظهرت ما في مذهب الأشاعرة من انحرافات شملت أغلب جوانب العقيدة. ومن ثم فكتبهم الكلامية - وإن كثرت وانتشرت - إلا أنها لا يجوز أن تكون مصدرا لتدريس عقيدة أهل السنة والجماعة، كما لا يجوز أن تعتبر ممثلة لمذهب السلف، ولو ادعى ذلك المدعون.





الخميس، 16 سبتمبر 2021

متن الورقات في أصول الفقه لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

متن الورقات في أصول الفقه

لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

(ت ٤٧٨ هـ)

لأبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ يعتبر متن الورقات من أخصر المتون المتعلقة بأصول الفقه، وهو أول متنٍ يبتدئ به طالب العلم، ومن ثمَّ ينتقل منه إلى غيره، وهو لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، نسبةً إلى جُوين بلدة بنواحي نيسابور، وكان إماماً عالماً فقيهاً، ومدحه كثيرون وأثنوا على علمه، وله المؤلفات العظيمة، أبرزها "نهاية المطلب في دراية المذهب"، الذي قال عنه ابن خلكان: "لم يؤلف في الإسلام مثله"، وله "البرهان"، و"التلخيص" في أصول الفقه، ودخل الجويني في علم الكلام ومال في آرائه إلى المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، وناله من ذلك شيء، نسأل الله سبحانه أن يغفر له، ويتجاوز عنه. 

وأشير هنا إلى ما كتبه الشيخ أبو معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي في الباب الثاني من كتابه النفيس حقيقةً "تذليل العقبات بإعراب الورقات" مع حاشيته المليئة بالفوائد والنفائس، وهو بعنوان: التعريف بكتاب الورقات وشروحه وحواشيه، وذكر فيه:

1-اسم الكتاب.

2-نسبة الكتاب إلى مؤلفه

3-موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه

4-شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته

  • اسم الكتاب: 

"الورقات"، وفي بعض النسخ: "الورقات في أصول الفقه".

وفي بعضها: "الورقات في الأصول".

ورجح الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، الاسَم الثاني [الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان المارديني تحقيق: د. عبد الكريم النملة (ص 25) مقدمة المحقق، ط. الرشد] وذكر سببين لا ينهضان دليلاً على ما ذهب إليه.

والظاهر، والله أعلم، أن اسمه "الورقات" فقط بدون زيادة، وأن ما بعده توضيح وشرح للكتاب بأنه في أصول الفقه، فمثلاً قال حاجي خليفة في [كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 2005) ط. دار إحياء التراث العربي -بيروت] "الورقات في الأصول. لإمام الحرمين: عبد الملك بن عبد الله الجويني، الشافعي". 

فهذا معناه أن الكتاب اسمه "الورقات" وأنه موضوع في علم الأصول، وأما من قال: "الورقات في أصول الفقه" فلزيادة الإيضاح ولعدم اللبس بأصول الدين، وإلا "فالأصول" متى أُطْلَِق ْت انصرفت إلى أصول الفقه لا أصول الدين.

  • نسبة الكتاب إلى مؤلفه: 

ليس في نسبة كتاب الورقات إلى مؤلفه إماِم الحرمين شك، فقد نسبه إليه كل الشراح والمحشين الذين شرحوا الكتاب أو حشوا عليه وعلى شروحه، وأيضا نسبه إليه بعض أصحاب كتب التراجم والطبقات كالتاج السبكي في طبقاته الكبرى، وقال الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، في مقدمة "الأنجم الزاهرات" (ص 25): "جميع نسخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة قد ثبت فيها أنه منسوب لإمام الحرمين"، ولكن شك بعضهم في نسبته لوجود بعض الأحكام على خلاف منهج الأشاعرة.

  • موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه: 

اشتمل متن الورقات على مقدمة وعشرين بابا شملت أهم مباحث علم الأصول، ونهج المؤلف فيها منهج الاختصار، ومع هذا فإنك تجد فيها من المباحث ما لا يكاد يوجد مجموعاً في غيره من المختصرات، بل ومن بعض المطولات، وهاك سرد لهذه الأبواب:

بدأ المصنف أولاً بمقدمة تكلم فيها على معنى أصول الفقه، وذكر أنه مكون من جزأين: "أصول" و"فقه"، فتكلم عن تعريفكل منهما وذََكَر تعريف الفرع استطراداً لمَّا ذََكَر تعريف الأصل.

ثم تكلم عن أنواع الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب ...الخ وزاد عليها من الأحكام الوضعية حكمين وهما: الصحيح والباطل، فصارت الأحكام عنده سبعة، ولم يفرق بين التكليفية والوضعية.

ثم ذََكَر مقدمةً منطقية تكلم فيها على تعريف العلم والجهل، والعلم الضروري والمكتسب والنظر والاستدلال، والدليل والظن والشك.

ثم عَّرف "أصول الفقه" باعتباره علًَما على هذا العلم المعروف.

ثم ذََكَر أبواب أصول الفقه التي سيتكلم عليها على سبيل الإجمال أولاً، ثم تكلم عليها بعد ذلك تفصيلا بما يناسب المبتدئ وعددها عشرون بابا وهي:

1-أقسام الكلام

2-الأمر

3-النهي

4-العام

5-الخاص

6-المُجمل

7-المُبَـَّين

8-الظاهر

9-المؤَّول

10-الأفعال

11-النسخ

12-الإجماع

13-الأخبار

14-القياس

15-الحظر والإباحة

16-ترتيب الأدلة

17-صفة المفتي

18-صفة المستفتي

19- التقليد

20-الاجتهاد

وقد عدها الشمس المارديني تسعة عشر فأسقط منها المؤول.

تميُّز أسلوب المؤلف -رحمه الله:

وقد تميز أسلوب المصنف، رحمه الله، بالسهولة واليْسِر والبعد عن التعقيد اللفظي والمعنوي، وعدم ذكر الخلاف إلا نادرا، وإنما يذكر الراجح عنده، وأحيانا الأقرب والأيسر للطالب المبتدئ، وقد يكون غير راجح عنده فيخالفه في البرهان، أو لعله تغير رأيه؛ كتعريف العلم فإنه عرفه هنا، وذكر في البرهان أنه لا يمكن تعريفه.

شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته:

أول – شروحه: اهتم العلماء بهذا المتن اهتماما كبيرا فشرحوه شروحاً كثيرة ما بين مختصر ومتوسط وُمسِهب، فمن ذلك -على ترتيب الوفيات:

1-شرح ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح المتوفى سنة 643هـ، لم يطبع، ذكره عبد الله الحبشي في [جامع الشروح والحواشي (3/ 2128) ط. المجمع الثقافي –أبو ظبي]، ثم قال: "انفرد بذكره بروكلمان 4: 40 وتحقق نسبته إلى المذكور." ا.هـ.

 قلت: إن صحت نسبته كان هو أول الشروح على الورقات لا شرح ابن الفركاح الآتي بعده.

2- شرح ابن الفركاح: تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الشهير بابن الفركاح، توفي سنة 690 هـ، وهو أول شرح على متن الورقات إن لم يكن لابن الصلاح شرح على الورقات، وشرح ابن الفركاح مطبوع.

3-شرح ورقات إمام الحرمين لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، المتوفى سنة 793هـ، لم يطبع، وهناك شك في نسبة هذا الشرح للتفتازاني.

4-شرح الورقات لأبي بكر يحيى بن عبد الله بن محمد بن زكريا الغرناطي، المتوفى سنة 806 هـ، لم يطبع.

5-شرح المحلي: العالم العلامة المحقق جلال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الَْمحلِي، كان حاد الذكاء جدا حتى قيل: إن ذكاءه يثقب الَْماس، توفي سنة 864هـ وهو شرح مختصر محرر، وعليه حواش كثيرة. طُبِع عدة طبعات.

6-حاشية على الورقات، تأليف: عثمان بن يوسف بن عثمان الحموي المتوفى سنة 868 هـ. مخطوط

7-الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني، توفي سنة 871 هـ. مطبوع.

8-شرح ابن إمام الكاملية: وهو كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن إمام الكاملية المتوفى سنة 874 هـ. مطبوع.

9-التحقيقات شرح الورقات، تأليف: سراج الدين عمر بن أحمد بن محمد المصري الشافعي البلبيسي الإسكندري المتوفى سنة 878 هـ. مخطوط.

10-شرح الورقات، لزين الدين القاسم بن قطلوبغا المصري الحنفي المتوفى سنة 879 هـ. مخطوط.

11-شرح الورقات لابن قاوان: حسين بن أحمد بن محمد الكيلاني المعروف بابن قاوان، المتوفى سنة 889 هـ. مطبوع.

12-غاية المرام في شرح مقدمة الإمام، تأليف: أبي العباس أحمد بن عمر بن زكري التلمساني المالكي المتوفى سنة 899 هـ. مطبوع.

13-إدراكات الورقات، تأليف: علاء الدين أبي الحسن علي بن ناصر بن محمد بن أحمد البلبيسي المكي الشافعي ويعرف بالحجازي، المتوفى سنة 915 هـ. مخطوط.

14-شرح الورقات، تأليف شيخ الإسلام: أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة 926هـ. مخطوط.

15-قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكي: أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني الشهير بالحطاب المالكي، توفي سنة 954هـ. مطبوع، ويعتبر هذا الشرح شرحاً للورقات ولشرح المحلي كما ذكر مؤلفه في المقدمة.

16-الشرح الصغير على الورقات لابن قاسم العبادي المتوفى سنة 994هـ، وهو اختصار للشرح الكبير الآتي ذكره. مطبوع.

ثانيا – حواشيه: 

حظيت بعض الشروح بوضع حوا ٍش عليها من قِبَِل ثـُلٍَّة من العلماء، فمن ذلك:

1-الشرح الكبير على الورقات للعبادي: أبي العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري الشافعي المتوفى سنة 994 هـ، وهي حاشية على شرح الجلال المحلي على الورقات، وقد طبعته دار الكتب العلمية، ثم طبعته مؤسسة قرطبة محققا.

2-حاشية على شرح المحلي لأحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة 995 هـ، مخطوط.

3-حاشية على شرح الورقات للمحلي لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي المتوفى سنة 1044 هـ، مخطوط.

4-حاشية الدمياطي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبنا، المتوفى سنة 1117 هـ على شرح الجلال المحلي على الورقات. مطبوع.

5-حاشية عبادة على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد عبادة بن بري الضرير المصري المالكي، المتوفى سنة 1193 هـ، مخطوط.

6-حاشية على قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين، تأليف: أبي عبد الله محمد بن حسين بن عبد الرزاق السوسي التونسي المعروف بالهدة، المتوفى سنة 1197 هـ. مطبوع.

7-تقريرات على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد بن صالح السباعي، المتوفى سنة 1268 هـ، مخطوط.

8-حاشية على شرح المحلي على الورقات، تأليف محمد بن عبد السلام بن حم الظاهري المغربي المتوفى سنة 1339 هـ، مخطوط.

9-شرح النجاري على شرح المحلي على الورقات، تأليف: علي بن علي بن أحمد النجاري (البخاري)، مخطوط.

10-النفحات على شرح الورقات، لأحمد الخطيب بن عبد اللطيف بن عبد الله المنكابو الجاوي، حاشية على شرح المحلي. مطبوع.

11-الثمرات على الورقات، تأليف: خضر محمد اللجمي [معاصر] وهو تعليقات على الورقات وشرحها للمحلي. مطبوع.

وغير ذلك كثير من الشروح والحواشي، وأكثر المعاصرين شرحوا الورقات لسهولة هذا المتن وقـُْربِه من المبتديء في هذا العلم، فهو أول متن يبدأ به في علم الأصول

ثالثا – منظوماته: 

لم يقتصر اهتمام العلماء بهذا المتن على شرحه والتحشية عليه وعلى شروحه، بل قاموا بنظمه أيضا، ومن هذه المنظومات:

1-نظم الورقات، تأليف: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الطوخي المعروف بابن رجب الشافعي، المتوفى سنة 893 هـ. مخطوط

2- الدرر المشرقات في نظم الورقات، تأليف: كمال الدين محمد بن محمد المقدسي المعروف بابن أبي شريف، المتوفى سنة 906 هـ، مخطوط.

3-تسهيل الطرقات بنظم الورقات، تأليف: شرف الدين يحيى بن موسى بن رمضان العمريطي المتوفى سنة 989 هـ، مطبوع، وهو أشهر منظوماته، وعليه عدة شروح منها شرح العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وشرح الشيخ عبد الحميد بن قدس، وكلاهما مطبوع، وله شروح أخرى.

4-نظم الورقات، تأليف: أبي بكر بن أبي القاسم الأهدل، المتوفى سنة 1035 هـ، مخطوط.

5-نظم الورقات، تأليف: عبد الجواد بن شعيب بن أحمد بن عباد القنائي المصري، المتوفى سنة 1073 هـ، مخطوط.

6-نظم الورقات، تأليف: محمد بن إبراهيم بن مفضل اليمني، المتوفى سنة 1085 هـ، مخطوط. وهذا النظم له شرح اسمه: سلك اللآلي المنتسقات بشرح نظم الورقات لعبد الرحمن بن محمد بن علي العمراني اليمني، المتوفى سنة 1272 هـ.

7-نظم الورقات، تأليف: أبي عبد الله محمد بن القاسم بن زاكور الفاسي المالكي، المتوفى سنة 1120 هـ. مطبوع مع شرحه المسمى "شرح نظم الورقات لابن زاكور" تأليف: محمد بن أحمد بن جلون، المتوفى سنة 1136 هـ.

8-الشذرات الفاخرة في نظم الورقات الفاخرة، تأليف: عثمان بن سند الوائلي النجدي البصري، المتوفى سنة 1242 هـ، مخطوط.

ِ 9-منَح الَفَّعال نظم الورقات، تأليف: محمد بن المختار بن أحمد بن أبي بكر الوافي الكنتي الشنقيطي، المتوفى سنة 1244 هـ، وقد شرحه في "ترجمان المقال ورفع الإشكال شرح منح الفعال"، وكلاهما مخطوط.

10-نظم ورقات إمام الحرمين، تأليف: أحمد بن بابا بن عثمان بن محمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1250 هـ، مخطوط.

11-نظم الورقات لإمام الحرمين، تأليف: التجاني بن باب بن أحمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1260 هـ، مخطوط.

وهناك منظومات أخرى.

رابعا – مختصراته: 

وهذا من العجب؛ إذ إن هذا المتن من الاختصار بحيث يحتاج إلى مزيد بيان وإسهاب لا إلى مزيد اختصار، وعلى كل فهذا مما يدل على شدة اعتناء العلماء واهتمامهم بهذا المتن، وقد ذكر حايف النبهان في تحقيقه لمتن الورقات [الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين ت. حايف النبهان – مقدمة التحقيق (ص 22)ط. دار الظاهرية بالكويت] اثنين ممن قام باختصاره وهما:

1- إبراهيم بن موسى بن بلال الكركي الشافعي (ت 853 هـ،) قال البقاعي: "واختصر ورقات الإمام في مقدار نصفها"

2- علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البكري الصديقي الشافعي (ت 952هـ،) وشرح هذا المختصر عبد الحق بن عبد المنان






الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

كتاب آداب المعلمين تصنيف محمد بن سُحنون (202 -256 هـ)

كتاب آداب المعلمين

تصنيف محمد بن سُحنون (202 -256 هـ)

تحقيق حسن حُسني عبد الوهاب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ بعد مُضي القرون الزاهية، وذهاب العصور النامية، التي حملت معها أزهى مظاهر الرُّقي، وأجمل ذكريات الزمان، حيث ينشأ الصبيان في أجواء مُفعمة بالفطرة والبساطة، مع قلة المال، وهدأة البال، وصلاح الحال، وضعف الملهيات، وذاكرة قويَّة يُغذيها بكتاب الله وأحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكثرة المؤدبين، ووفور العلماء، كل هذه الأمور جعلت من الصبيَِّ وهو في مقتبل العمر إماماً في مسجده، وطالباً ذكياً من النجباء، وسهلت عليه بعد ذلك التمرُّس بالعلوم الشرعية والعقلية والمنطقية والطبيعية، والمتتبع لسير سلفنا الصالح يجد هذه النماذج بكثرة، وقد كان يُضرب المثل في زمانهم بحسن التربية والأدب والتعليم.

ولا شك أن هذا الكتاب وغيره يُقدم صورةً مشرقة عن النظام التربوي لدى سلفنا الصالح، والذي اعتبر أن الإنسان لديه القابلية لاكتساب العلوم والمعارف والقيم والاتجاهات الصحيحة والتخلي عن ضدها، وذلك عن طريق التربية والتعليم والتدريب، استناداً إلى مرونة الذات الإنسانية التي يمكن أخذها بالتدرج، وإمكانية تعديل المعتقدات والتصورات والمفاهيم والمواقف؛ وهذا النظام التربوي العميق الذي نقرؤه في هذه الرسالة وغيرها يمثل مناط الرسالات السماوية، التي جاءت لتعديل المعتقدات والتصورات الخاطئة، اعتمادا على كون الفكر البشري قابلا لإعادة التشكيل.

ولو رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لوجدنا ما يؤكد على مرونة الفطرة الإنسانية، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78]

وهذا الكتاب فيه جملةٌ من الآداب والأحكام والمسائل الضرورية التي ينبغي على المعلم معرفتها، وامتثال ما فيها، سواءً في المدرسة أو في حلقة القرآن أو تدريس السُّنة، وقد تضمنت جملةً من الأحاديث النبوية بلغت (ثلاثة عشر) حديثاً، وبضعة آثار موقوفة ومقطوعة، وكثيرٌ من مسائل الإمام مالك، والإمام سحنون، التي يرويها عنه ابنه محمد بن سحنون.

وقد خدم المحقق هذا الكتاب خدمةً جليلة حيث ترجم للمؤلف محمد بن سحنون ترجمةً وافية، وذكر لمحةً عن الكتاتيب بأفريقية: ظهورها، وتعليم البنات، طريقة التعليم في الكتاب،  وآلية انتخاب المعلمين، وأصول التربية قديماً، والرياضة البدنية للأطفال، وحياة الكتاب الاجتماعية، ومشاهير المؤدبين في أفريقية، ثم ختم بآراء العلماء في تدرج الصبي في تعلم العلوم؛ فتعرض لآراء ابن العربي، وابن خلدون، ثم ذكر جملةً من مشاهير المعلمين في صدر الإسلام وبلدانهم.

ويمكن إجمال مواضيع الكتاب فيما يلي:

أولاً: ما جاء في تعليم القرآن.

قال ابن وهب، وقال مالك: "لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن، وإن اشترط شيئاً، كان حلالاً جائزاً، ولا بأس بالاشتراط في ذلك، وحقُّ الختمة: له واجبٌ، اشترطها أو لم يشترطها، وعلى ذلك أهل العلم ببلدنا، في المعلمين".

ثانياً: ما جاء في العدل بين الصبيان.

ثالثاً: باب ما يُكره محوه من ذكر الله تعالى،ـ وما ينبغي أن يفعل من ذلك.

رابعاً: ما جاء في الأدب وما يجوز من ذلك وما لا يجوز.

قال محمد: "ولا بأس أن يضرب المعلم تلاميذه على منافعهم، ولا يُجاوز بالأدب ثلاثاً، إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يُجاوز بالأدب عشرةً، لأن العشرة غاية الأدب، وأما على قراءة القرآن فلا يُجاوز أدبه ثلاثاً".

خامساً: ما جاء في الختم، وما يجب في ذلك للمعلم.

وهو مبلغٌ من المال يدفعه أهل الصبيِّ للمؤدب، ويكون بحسب يُسر الرجل أو عُسره.

سادساً: ما جاء في القضاء في عطية العيد

سابعاً: ما ينبغي أن يُخلى الصبيان فيه (يعني الإجازة في الأعياد وغيرها).

ثامناً: ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان.

تاسعاً: ما جاء في إجازة المعلم ومتى تجب.

عاشراً: باب ما جاء في إجارة المصحف وكتب الفقه وما شابهها.