أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

الإلمام بآداب دخول الحمام لأبي المحاسن محمد بن علي الحسيني (ت ٧٦٥ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الإلمام بآداب دخول الحمام

لأبي المحاسن محمد بن علي الحسيني (ت ٧٦٥ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذا جزء حديثي فقهي لطيف، جمع فيه الحافظ الحسيني الأحاديث والآثار المتعلقة بدخول الحمام وآدابه، والغسل وآدابه، وستر العورة وآدابها، وكل ما يتعلق بهذا الموضوع وأحكامه، وما يباح منه وما يحظر، ويقع الكتاب في عشرة فصول، وفي كل فصل أحاديث خاصة به، وبين يدي ذلك مقدمة وجيزة أوضح فيها عن سبب التأليف، ثم بدأ بتعريف الفصول العشرة فعرّف كل واحد منها بالترتيب.

وبلغت أحاديث الكتاب مئتان وواحد وعشرون حديثاً، رتبها على طريقة الفقهاء من المحدثين، ويُعد الحافظ الحسيني بهذا الصنيع هو أول من أفرد أحاديث الحمام وما يتعلق به، وتميز هذا الكتاب باشتماله على طائفة من الأحاديث الخاصة به، بالإضافة إلى آراء الفقهاء في كل موضوع، فهو كتاب فقه وحديث، كما تكلم الحسيني على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفًا.

والحمّام: يذكر ولا يؤنث، وجمعه حمّامات، مشتقٌ من الحميم وهو الماء الحار، وقد روي عن بعض الصحابة كراهة دخوله مطلقاً كعمر، وأنه مكروهٌ إلا للحاجة كمريضة ونفساء، وهو مذهب عائشة وابن عمر، ودخله بعض الصحابة: كابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وابنه الحسين، وابن عباس، وروي ذلك عن بعض التابعين: كالحسن، والشعبي، وعطاء.

خلاصة أحكام الحمّام:

١-يباح للرجال دخول الحمام.

٢- أما النساء فيكره لهن الحمام بلا عذر لخبر: (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله) رواه الترمذي وحسنه، ولأن أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة والشر.

٣- وينبغي أن يكون الخناثى كالنساء.

٥- (وآدابه) 

= يندب ألا يدخل الحمّام عند الغروب وبين العشاءين لأنه وقت انتشار الشياطين.

= ويستحب للداخل إلى الحمام أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

= ويقدم رجله اليُسرى في الدخول واليمنى في الخروج.

= فإذا أراد أن ينزع ثوبه، قال: بسم الله.

= ويجب غض البصر عما لا يحل لهم.

=ولا بأس بوضع جميع ثيابه إن كان يغتسل وحده.

= ويسلم على المستتر ولا يسلم على المنكشف.

= وعورة الرجل من سرته إلى ركبته، وما دون ذلك يحرم كشفه.

= وعورة الحرة على الأجانب جميع بدنها، وعلى الحرة مثلها ما بين السرة والركبة.

= والسرة والركبة ليستا من العورة، ولكن يجب سترهما، لأن الواجب لا يتم إلا به.

= ويحرم على المسلمة التعري بحضرة الكتابية.

=ويجب صون العورات عن الكشف بحضرة من لا يحل لهم النظر إليها.

=ويحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية سواء كان في حمام أو بيت أو طريق، وكذلك الأمرد.

=ويجب ستر الفخذ وهي عورة عند الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد، وقيل: يرخص في كشفها مع الواحد والاثنين ويحرم كشفها مع الجماعة.

=ويحرم الدخول إلى الحمام الذي فيه صور الحيوان، وما فيه روح.

= ويجب أن لا يزيد في الماء على قدر الحاجة ولا العادة.

= ويكره له البول في ماء الحمام وإن بلغ قلتين.

= أن يقصد التطهير والتنظيف لا الترفه والتنعم.

= وأن يسلم الأجرة قبل دخوله.

= وتختلف أجرة الحمام بحسب الوقت من الصيف إلى الشتاء.

= وأن يسمي للدخول ثم يتعوذ كما في دخول الخلاء.

= وأن يذكر بحرارته حرارة نار جهنم لشبهه بها

= ولا بأس بقوله لغيره: "عافاك الله"، ولا بالمصافحة.

=وينبغي أن يستغفر الله عند خروجه من الحمام.

= وتكره الصلاة في الحمّام، وهو مذهب الثلاثة ومنعها أحمد.

= ويندب له تحسين الخُلُق في الحمام، ويعامل من فيه بالرفق والمروءة.

= ولا ينبغي أن يؤذي أحداً برائحة كريهة في الحمام، ولا في غيره، ولا يتقيأ أمام الناس.

= وينبغي ألا يقيم أحداً من مجلسه ويجلس فيه.

= ويندب لمن دخل الحمام أن يغتسل بعده، لاختلاف الأيدي فيه.

= وإذا اغتسل بعد الحمام أن يغتسل  بماء معتدل إلى البرودة أقرب؛ لأنه يشد البدن.

= ويجوز له التنشف من الحمام بمنشفة.

الأحاديث الصحيحة الواردة في الحمّام:

١-((من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يدخلُ الحمامَ إلا بمئزرٍ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُدْخِلْ حليلتَه الحمامَ)) [صحيح: أخرجه الترمذي (٢٨٠١) واللفظ له، والنسائي (٤٠١) مختصراً، وأحمد (١٤٦٥١) باختلاف يسير].

٢-((الحمّامُ حرامٌ على نساءِ أُمَّتي)) [حسن: أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٧٧٨٤)].

٣-((الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا الحمّامَ والمقبرةَ)) [صحيح: أخرجه أبو داود (٤٩٢)، والترمذي (٣١٧)، وابن ماجه (٧٤٥)، وأحمد (١١٨٠٥)].

معجم غريب الحديث:

الثورة: بضم النون حَجَر الكلس يُستعمل لإزالة الشعر. "القاموس المحيط (٣١) 

أوه: كلمة توجع أو تحزن تُقال عند الشكاية والتحزن والمراد من حر جهنم "المعجم الوسيط"

حَارَ بَصَرَهُ: نظر إلى الشيء فلم يَقوَ علي النظر إليه وارتد عنه. "المعجم الوسيط"

الْمَواسي: مُفردها الموسَى: آلة يُحلق بها الشعر تذكر وتؤنث. "المعجم الوسيط"

الميايز: جمع مئزر وهو الإزار والملحفة. "القاموس"

الكورة : المدينة والبقعة التي يجتمع فيها قُرى ومَحَالٌ. "المعجم الوسيط

نميت الحديث أنميه: أرفعه إليه علي وجه الإصلاح. النهاية في غريب الحديث.

رضي: بمعنى مرضي.

طلى: يطلى وتطلّى: ادهن به.

طفق: بكسر الفاء وفتحها لغتان معناها جعل وأقبل وصار ملتزما لذلك

الآدر: قال أهل اللغة: هو عظيم الخصيتين المنفوخة فيهما وهي التي تسميها الناسُ القيلة. "النهاية في غريب الحديث" و"القاموس".

جَمَحَ؛ معناه: جَرَي أَشَدَّ الجري "القاموس".

أسند، أى أصح إسناداً.

أحوط أى للدين وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر قاله الحافظ ابن حجر.

القزح: هو القرن الذي يقف عنده الإمام بالمزدلفة في الحج. "النهاية" (٤/ ٥٨).

الخطمي: نَبَات مُحلّل منضح ملين. "القاموس" 

الأشنان: شجر من الفصيلة الرمرامية ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رَمَادُه في غسل الثياب والأيدي. "المعجم الوسيط".

الرائطة: جمعها ريط ورياط: الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة، أو هو ثوب لين رقيق. "المعجم الوسيط".

العَصْبُ: برود يمنية يُعصب غزلها يُجمع ويُشدّ، يُصبغ، ويُنسج. بُرْدٌ عصب. "النهاية".

الجمل: الحبل الغليظ معناه المحكم. "المعجم الوسيط"

استبرأ : أي أوصل البلل إلى جميعه. 

حَفَن بيديه أي ملأ كفيه.

حمَ يَحُمٌ حَمَّا: أي ملأه حتى تجاوز أعلاه "المعجم الوسيط".

العُكن تجمع بعضه فوق بعض وانثنى من لحم البطن سمنا. "المعجم الوسيط".

تلبد الشعر: تداخل ولزق بعضه في بعض. "المعجم الوسيط".

نفش ينفش: فرق ونشر.

الْمُدَّ: عند الحنفية ٨١٢،٥ جم، وعند الجمهور ٥١٠ جم، والصحاح عند الحنفية ٣,٢٥ كجم، وعند الجمهور ٢,٠٤ كجم. 

والرطل العراقي عند الحنفية: ٢٥، ٤٠٦ جم، وعند الجمهور: ٣٨٢,٥جم 

والرطل الشامي عند الحنفية: ۱۸۷٥جم، وعند الجمهور: ١٧٨٥ جم.

والرطل المصري: ٤٤٩,٢٨ جم. "كتاب المكاييل والموازين الشرعية" ص ٩٥-٩٧ 

الفرصة بكسر الفاء: قطعة صوف أو قطن أو خرقة.

والممسكة: المطيبة بالمسك يُتبع بها أثر الدم فيحصل منه الطيب والتنشيف. "النهاية".

الفرق: مكيال ستة عشر رطلاً أو ثلاثة أصع عند أهل الحجاز وهو عند الحنفية ٦،٥ كيلو الجرام وعند الجمهور ٦,١٢ كيلو جرام. "المكاييل والموازين".

الحميم: الماء الساخن.

التكنس: الاستتار والاكتنان "المعجم الوسيط".

النور جَمْعها أنوار : إناء يُشرب فيه. "المعجم الوسيط"

ظنوناً: بئر ظَنون: لا يُدرى أفيها ماء أم لا. المعجم الوسيط".

تَقَدَّمَت الدابة براكبها شَرَدَت به وربما طَوّحَتْ به في وَهْدَة المعجم الوسيط

طَلَى يَطلي طلاء الشيء بكذا: دَهَنة بما يستره. وأطليته إذا فعلته بنفسك. "المعجم الوسيط"

مراقهُ: جمع مرق بفتح الميم وتشديد القاف ما رق ولان في أسافله وبطنه. 

الحقو: الخصر. "المعجم الوسيط"

أما منهج الشيخ الحسيني في كتابه:

١-فهو أنه في البداية يضع عُنوان الفصل، ويكون هذا العنوان واضحاً لا غموض فيه، مشيرًا إلى الموضوعات والأحاديث والآثار التي سيُوردها في الفصل لاحقاً.

٢-ثم يبدأ بعد ذلك بسياق أحاديث الفصل مباشرة على طريقة المحدثين ويوردها بأسانيدها عن طريق شيوخه إلى أصحاب الكتب الستة أو غيرها. 

٣-ثم يذكر أسانيد أصحاب الكتب الستة بالترتيب مبتدأ بالبخاري ثم بمسلم ثم بأبي داود وبالنسائي وبالترمذي وبابن ماجه، وأحياناً يأتي بأحاديث من المعاجم الثلاثة، ومن المسانيد والسنن الكبرى، ومساوئ الأخلاق، ومن الأجزاء وتواريخ البلدان، وما وجد من الأحاديث والآثار ولو كانت ضعيفة، ويبيّن غالبًا ضعف الرواية أو الأثر.

٤- يحاول المؤلف أن يجمع بين الأحاديث في موضوع واحد، ويذكر الملتقى ومن يدور عليه الإسناد، ثم يحكم على سند الحديث بالصحة أو بالحسن أو بالضعف.

٥- وإذا كان الحديث ضعيفًا فإنه يتتبع طرقه غالبًا ويورد متابعته وشواهده حتى يتقوى إسناده. 

٦-ثم ينتقل المصنف إلى أقوال الفقهاء في الموضوع، ويبين آراءهم وأدلتهم مبتدأ بأصحاب المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى. 

٧-حاول المؤلف إزالة التعارض والإشكالات بين الروايات، وذلك بالجمع بين النصوص والأدلة أو ترجيح رواية على أخرى وهي طريقة جيدة عند المحدثين.

٨-أنه ناقش القضايا الفقهية المتعلقة بموضوعه مع نقله تلك المسائل نصوصاً من الفقهاء الأعلام، وهذا يدل هذا على سعة اطلاعه وتمكنه من الفقه ومن علم الخلاف.

٩-وأحياناً يرجح رأياً من الآراء بالأدلة النقلية والعقلية، وغالباً ما يرجح رأي الإمام الشافعي في الموضوع، ويذكر مسوّغات الترجيح، ويلاحظ أنه ينقل رأي الإمام الغزالي من كتابه "إحياء علوم الدين، وكذا قول الحافظ ابن تيمية نقلاً من كتابه "مجموع فتاواه" في عدة أماكن من كتابه مرجحاً رأيهما في تلك المسائل. 

١٠- قام المؤلف بشرح بعض الكلمات الغريبة الواردة في الأحاديث مما يُحلي معناها بوضوح وكذلك قام بضبط الكلمات المشكلة من أعلام وأسماء الأماكن. 

١١-وكثيرا ما يلتزم المؤلف بنقل الحديث نقلاً تاماً، وأحياناً لم يلتزم ذلك وذكر بنحو متن الحديث وهذا ما يؤاخذ عليه. فهو جمع مادته العلمية من مصادر أساسية من أمهات كتب السنة والآثار وكذلك جمع من مصادر مساعدة من كتب الفقه والسيرة والتفسير والتاريخ.

فصول الكتاب

الفصل الأول: في ذكر بُدُو بناء الحَمام. 

الفصل الثاني: فيما وَرَدَ من إباحته للرجال دون النساء. 

الفصل الثالث: فيما وَرَدَ من إباحته للنساء بشروط. 

الفصل الرابع: في الأمر بالتستر في الحمام وغيره. 

الفصل الخامس: في الاغتسال الواجبة والمستحبة وغيرها. 

الفصل السادس: في صفة الغُسل وما يتعلق به. 

الفصل السابع: في الغسل بالسدر ونحوه وما يناسب ذلك.

الفصل الثامن: في الصلاة في الحمام وما يتعلق بذلك. 

الفصل التاسع: في الأمر بتحسين الحلق في الحمام وغيره. 

الفصل العاشر: في التنشيف وإعطاء الحمامي حقه.

التعريف بالمؤلف

اسمه ونسبه: 

هو السيد الشريف الحافظ العالم الفقيه صاحب التصانيف: شمس الدين محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن الحسين بن حمزة بن أبي المحاسن محمد بن ناصر بن علي بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسين الدمشقي الشافعي.

مولده ونشأته ورحلاته: 

ولد الحافظ الحسيني بدمشق في شهر شعبان سنة خمس وسبعمائة من الهجرة، ورحل إلى الديار المصرية فسمع من الميدومي ،وغيره وقرأ الكثير، وانتقى على بعض الشيوخ وصنف 

مؤلفاته: 

وله مؤلفات حسنة مطولة ومختصرة وهي كما يلي: 

١. ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي. وقد جرى فيه على طريقة شيخه الحافظ الذهبي من ذكر مشاهير شيوخ المترجم وسرد مؤلفاته وإيراد حديث بطريقه موصول السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم واثبات وفيات كبار أهل العلم ومن له شأن في التاريخ من غيرهم ممن ماتوا سنة وفاة المترجم (حسام الدين)، وقال ابن حجر وقرأت ذيلا بخطه على طبقات الحفاظ للذهبي. 

٢. التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة. 

٣. الذرية الطاهرة (العرف الذكي في النسب الزكي)

٤. الإكتفاء في الضعفاء. 

٥. التعليق على ميزان الإعتدال لشيخه الذهبي؛ بين فيه كثيرا من الأوهام واستدرك عليه عدة أسماء. قال ابن حجر: ووقفت على قدر يسير منه وقد احترقت أطرافه لما دخلت دمشق سنة ست وثلاثين (حسام الدين).

٦. ترتيب أطراف المزي رتبه على الألفاظ مع الاختصار في ١٣ مجلداً، وسماه "بالكشاف في معرفة الأطراف".

٧. معجم الشيوخ. قال ابن حجر: خرّج لنفسه معجماً.

٨. ذيل على كتاب العبر في أخبار من غبر في التاريخ للذهبي. قال ابن حجر: وقرأت في آخر العبر أنه نسخة خمسة أجزاء، ذيله إلى آخر سنة ٦٧٢ هـ.

٩. شرع في شرح سنن النسائي قال ابن حجر وقرأت بخط شيخنا العراقي أنه شرع في شرح سنن النسائي. 

١٠. الإكمال بمن في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال، والكشاف في معرفة الأطراف في الحديث.

١١. الإلمام بآداب دخول الحمام. قال ابن حجر وله مجيليد لطيف في آداب الحمام وهو هذا الكتاب.

١٢. الاعتبار في ذكر التواريخ والأخبار.

۱۳. مختصر الحلية لأبي نُعيم في مجلدات وسماه (مجمع الأحباب). 

١٤. وله شرح في مختصر الحاجب في ثلاث مجلدات 

 ١٥ .وله تفسير كبير ١٦. 

١٦. وله في أصول الدين مجلد 

۱۷. له كتاب في الرد على الإسنوي في تناقضاته. 

۱۸. قال تقي الدين الأسدي ومن مؤلفاته: كتاب الرياض الزاهد في مناقب الخلفاء الراشد. يقول ابن حجر: العالم الفقيه المحدث طلب وكتب وهو في زيادة من التحصيل والتخريج والإفادة. 

وكان سريع الكتابة وقرأت بخطه في آخر العبر انه نسخة خمسة أجزاء، وكان خطه معروف حُلو. وهو نزيل الشامية الجوانية، درس بالصارمة وأعاد بالشامية البرانية، وخرّج لنفسه معجما وصنّف التصانيف، وقرأ الكثير وانتقى على بعض الشيوخ وصنف، وهو في زيادة من التحصيل والتخريج. 

تدريسه ورحلاته العلمية وثناء العلماء عليه: قال ابن عماد الحنبلي ودرس بالصارمية وأعاد بالشامية البرانية وكان متجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا، ولي مشيخة دار الحديث البهائية وقفها في داره الشيخ بهاء الدين القاسم بن عساكر، داخل باب توما، وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان.. 

وقال ابن فَهْدِ: كان رضي النفس حسن الأخلاق من الثقات الأثبات، والحسيني لم يكتف بالسماع في بلده دمشق، وإنما كانت له رحلة إلى فلسطين، ودخل مدينة القدس، وبها حضر الدروس في المسجد الأقصى المبارك على شيخه العلائي، ورحل إلى أخذ عن شيوخ القاهرة والإسكندرية وسمع من الميدومي.

وقال الحافظ العراقي لما سئل عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ: مغلطاي وابن كثير، وابن رافع، والحسيني؟ فقال: أعرفهم بالشيوخ المعاصرين وبالتخريج الحسيني وهو أدونهم في الحفظ. وكان الحسيني شاهد المواريث بدمشق ذكره الذهبي في معجمه وأثنى عليه. 

شيوخه: 

 وتتلمذ الحافظ الحسيني على شيوخ كبار في عصره منهم: 

۱. محمد بن أبي بكر أحمد بن عبد الدائم (المتوفى سنة ٦٦٨).

٢. عبد الله بن الحسين أبو التائب بدر الدين الأنصاري الشاهد (المتوفى سنة ٧٣٥).

٣. علم الدين، البرزالي الدمشقي أبو محمد القاسم بن محمد (المتوفى سنة ٧٣٩). 

٤.أثير الدين أبو حيان الأندلسي (المتوفى سنة ٧٤٥ ه). 

٥. تقي الدين السبكي المصري الدمشقي أبو الحسن (المتوفى سنة ٧٥٦).

٦. تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي (المتوفى سنة ٧٥٦).

٧. شهاب الدين المكي الدمشقي (المتوفى سنة ٧٥٨). 

٨. صلاح الدين العلائي خليل بن الكيكلدي (المتوفى سنة ٧٦١).

٩. عز الدين أبو عمر عبد العزيز المصري بن جَمَاعة الكناني (المتوفى سنة ٧٦٧).

١٠. عماد الدين أبو الفداء ابن كثير (المتوفى سنة ٧٧٤).

١١. بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن خليل العسقلاني المكي (المتوفى سنة (۷۷۷).

۱۲. شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد (المتوفى سنة ٧٤٨).

١٣ . أحمد بن على الجزري الكُردي الهكاري أبو العباس (المتوفى سنة ٦٨١).

١٤. زينب بنت الكمال.

١٥. محمد الخباز بن إسماعيل بن إبراهيم الخباز أبو عبد الله.

١٦. محمد بن عبد الرحمن المزي أخو يوسف المزي (المتوفى سنة ٧٤١).

١٧. يوسف بن عبد الرحمن المزي أبو الحجاج (المتوفى سنة ٧٤٢)

۱۸. أبو الفضل بن أبي اليسر : عبد الرحيم بن إبراهيم التنوخي تاج الدين (المتوفى سنة ٧٤٩)

 ١٩. أحمد بن علي الحصر

٢٠. محمد بن إسماعيل بن عمر بن مسلم الحنبلي أبو عبد الله المقدسي (المتوفى سنة ٧٥٧) 

٢١. أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن صالح العُرْضي (المتوفى سنة ٧٦٤)

 ۲۲ . فاطمة بنت العز إبراهيم بن خطيب المقدسية 

 ٢٣. أبو عبد الله محمد بن صارم الحنفي

 ٢٤. أبو إسحاق ابن النحاس 

٢٥. بهاء الدين بن العز عمر بن أحمد المقدسي الشروطي (المتوفى سنة ٧٤٩) 

٢٦. شهاب الدین محمد بن أحمد بن هارون الشافعي 

۲۷. أبو بكر محمد بن المحب المقدسي الصالحي الحنبلي.

۲۸. برهان الدين إبراهيم بن محمد اللواتي.

٢٩. علي بن الكاكوني

٣٠. أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي المظفر المكي

٣١. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الحفّار (المتوفى سنة ٧٥٦)

۳۲. محمد بن يَسَار

٣٣. أبو الفضل محمد بن حمزة

٣٤. إبراهيم بن محمد الواني الخلاطي المسند

 ٣٥ ابن أيبك شهاب الدين أبو الحسن الدمياطي

٣٦. تقي الدين أبو المعالي محمد بن جمال الدين السلامي (المتوفى سنة ٧٧٤)

۳۷. أحمد بن إسحاق الوزان

۳۸. فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر (المتوفى سنة ٧٤٧).

وفاته: 

توفي الحافظ الحسيني بدمشق في يوم الأحد سلخ شعبان المكرم أو مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق. وقال الذهبي: مات كهلا وله خمسون سنة، رحمه الله.




الاثنين، 7 أغسطس 2023

مختصر نصيحة أهل الحديث تعليق وشرح: د. يوسف محمد صديق بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

مختصر نصيحة أهل الحديث

تعليق وشرح: د. يوسف محمد صديق

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه صفحات نافعة وجيزة، اختصر فيها الشيخ يوسف صديق كتاب (نصيحة أهل الحديث) للإمام الحافظ الخطيب البغدادي، وزاد عليه في مواضع كثيرة تعليقات وشروحات ووفوائد، حتى أصبح أكثر دسامة وسمناً، وهو كتاب وضعه الإمام الخطيب لبيان أهمية طلب الحديث، وضرورة الجد والنشاط في طلبه، وشحذ الهمم في الرحلة فيه وسماعه، ويقع هذا المختصر في تسعة فصول، اشتملت على نفائس الفوائد، وفرائد القلائد، من كلام أهل العلم السابقين والمعاصرين.

ولم يضن الخطيب البغدادي بالنصح لطالب الحديث، خاصة في ترك الفضول من الكلام وتضييع الأوقات، ولطلبة العلم عامة، وقد ابتدأ كتابه بذكر نماذج من النصائح التي قدمها أولو الفضل من العلماء والصالحين للولاة والسلاطين والأمراء والقضاة.

ثم أتبع ذلك بذكر ألفاب المحدثين، وقصور همم بعض الناس عن إدراكها، وبين أن صاحب الحديث هو من تصدى لإسماعه، والإفادة فيه، أي: هو المنشغل في الحديث رواية ودراية، ويقضي وقته في الاطلاع على أحوال الرواة، وكتب الرجال، ومصنفات الحديث، وشروحاته.

ويذكر في كل فصل وباب ترجمة موجزة لبعض الرواة أو بعض من ينقل عنهم، ويذكر بعض أشعارهم الرائقة، وكلماتهم المؤثرة، وذكر طرائف مدهشة عن التعلم في الصغر، وإمكانه في الكبر.

ثم النظر في تفسير أثر عمر رضي الله عنه: (تفقهوا قبل أن تُسوَّدوا)، ثم قول أبي عُبيد: (الناس بخير ما أخذوا العلم عن الأكابر)، وبيان أن الأصاغر هم أهل البدع والأهواء، وأن من اشراط الساعة التماس العلم عند الأصاغر، وأن هلاك العلم بأخذه عن الأشرار.

وبين أن فقه الحديث مقدم على روايته المجردة، ودعا إلى التفكر والاستنباط وتفهم هذه الأحاديث المروية، وأن طالب العلم لا بد أن يتخلق بأخلاق العلم وأهله، والإقلال من الحديث كراهة الشهرة، وطباً للفهم، كما وضح أن التسرع في الفهم باب هلكة، وحذر من التصدر للتدريس بدون تأهل.

والكتاب في الجملة بحاجة إلى إعادة نظر وصياغة وترتيب، لكي يكون أكثر فائدة ونفعاً، ولعل الكتاب الأصل بتنسيقه وترتيبه أفضل من هذا المختصر، والله أعلم. 

ترجمة المؤلف 

هو أحمد بن على بن ثابت بن أحمد بن مهدى، ويكنى أبا بكر، واشتهر بالخطيب البغدادي. أصله من العرب ولم يكن والده من المبرزين في فن من فنون العلم إلا أن الخطيب في تاريخ بغداد يحدثنا عن والده فيصفه بالحفظ للقرآن الكريم.

قال: «٣٥٩/١١ تاريخ بغداد» ويبدو أن لقب الخطيب لحق بوالده، وكان أحد حفاظ القرآن، قرأ على أبي حفص الكناني وتولى الإمامة والخطابة على المنبر بـ« درزيجان » نحواً من عشرين سنه «الخطيب» لحق والده بسبب توليه الخطابة مدة طويلة ثم انتقل إليه. 

ولد أبو بكر الخطيب يوم الخميس لست بقين من جمادي الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائه، وقد نشأ في كنف والده، فبث فيه روح العلم والتلقى وحبب إليه القرآن والعلم، وحضور مجالس العلماء. 

وحثه والده على سماع الحديث وهو ابن إحدى عشر سنة: فجلس في حلقة ابن رزقويه، ثم انقطع سنوات، ولعل السبب في ذلك أنه أراد أن يبدأ بالفقه فجلس إلى أبي حامد الاسفراييني الذى انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي ببغداد، والذي كان يحضر درسه سبعمائة متفقه، ولم يقتصر على شيخ واحد حتى صار من كبار فقهاء الشافعية؛ فقد قال عنه السبكي (٤ / ٣٠): وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبى الحسن بن المحاملي ، والقاضي أبى الطيب الطبري ، وعلق عنه الخلاف، وأبى نصر بن الصباغ عنه مدة ثلاث.

وقال الذهبي في التذكرة (۳ / ۱۱۳۷): وكان من كبار الشافعية ، تفقه بأبي الحسن المحاملي وبالقاضي أبي الطيب.

ثم مال بعد الفقه إلى الحديث حتى غلب عليه كما يقول ابن خلكان «كان فقيها فغلب عليه الحديث والتاريخ». لقد أخذ الخطيب من كل علم بنصيب جيد فقد قرأ القرآن وتعلم وجوه القراءات في صغره كما درس الفقه وأصوله حتى صار فقيهاً من كبار فقهاء الشافعية.

ودرس علوم الآلات وحل فيه وصنف ومع وهذب ورتب ونقد، واشتغل بالتاريخ وخصوصا تاريخ الرحال. ثم غلب عليه الحديث والتاريخ فأعطاهما نفسه وأوقاته وراحته، وتخصص فيهما بحق، وقد كان على جانب عظيم من الأخلاق الكريمة والمثاقب النبيلة، وكان مخلصاً في عمله وتصنيفه. 

ومن كثرة علمه لم يكن الخطيب معجباً بما وصل إليه من العلم ولا متكبراً، بل كان متواضعاً حتى أنه كان لا تروق له الأسماء والألقاب الكبيرة، كالحافظ والمحدث فقد روى أبو نصر محمد بن سعيد المؤدب عن أبيه أنه قال: «قلت لأبى بكر الخطيب عند لقائى إياه: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني، أنا أحمد بن على بن ثابت الخطيب».

وقد أضفى الله عليه حله من الهيبة والوقار؛ فقد قال ابن السمعاني في  (معجم الأدباء: ٤/ ۳۰) يصفه قال: اكسبه هذا الشأن غضارة وبهجة ونضارة، وكان مهيباً وقوراً نيلاً خطيراً، ثقةً، صدوقاً، متحرياً حجة فيها يصنفه ويقوله ونقيله ويجمعه حسن النقل والخط كثير الشكل والضبط، قارئا للحديث، فصيحا وكان في درجة الكمال والرتبة العليا خُلُقاً وخَلَقاً وهيئة ومنظراً. 

وتوفي رحمه الله بعد أن اشتد مرضه ضحى يوم الاثنين سابع ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة رحمه الله، وبوفاته طويت صفحة من صفحات العلم الحافلة بالتحقيق والتصنيف. وفقد المسلمون علماً من أعلام المحدثين الذين أغنوا الخزانة الإسلامية بما تحتاجه والمسلمين خيراً. 

ولقد قيل في رثائه قصائد منها قصيدة للرئيس أبي الخطاب بن الجراح يقول فيها: 

فاق الخطيب الورى صدقاً ومعرفة .. وأعجز الناس في تصنيفه الكتب

حمى الشريعة من غاو يدنسهــــــــــــا ..  بوضعه، ونفى التدليس والكذبا 

جلا محاسن بغداد فأودعها  .. تاريخه مخلصاً الله محتسبا

وقال في الناس بالقسطاس منزوياً ... عن الهدى وزال الشك والريبا

سقى ثراك أبــــا بكــــر على ظمــــــاً .. جون ركام يسح الواكب السربا

المقدمة 

وتشتمل على:

-النصيحة في اللغة والاصطلاح.

- أحاديث النصيحة دراية ورواية ومعنى وتخريجاً.

- النصيحة أحد أرباع الدين.

-النصيحة لكتاب الله تبارك وتعالى.

- النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

- النصيحة لأئمة المسلمين نصيحة أولي الأمر محفوفة بالمخاطر.

- النصيحة لعامة المسلمين.

- نماذج من نصائح أولى الفضل

_______________________________________

النصيحة في اللغة والاصطلاح: 

النصيحة مشتقه من النصح، يقال نصح الشيء إذا خلص، ونصحت العسل إذا صفيته، ونصح له القول إذا أخلص له أو مشتقة من النصح بمعنى الخياطه بالمنصحة (الإبرة) والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة. 

ومنه التوبة النصوح؛ كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. من كلام الحافظ ابن حجر عن المازري وغيره بتصرف «انظر فتح الباري ١ /١٣٨». 

وعليه فالنصيحة هي: إرشاد الناس لما فيه الصلاح، وعلى صدقها ونفاذها يتوقف الأمم والشعوب في كل العصور؛ إذ فيها حيازة الحظ للمنصوح له، وهى من وجيز الكلام. 

قال الخطابي: «ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها عبارة عن نجاح معنى هذه الكلمة (الدين النصيحة).

وقال الإمام البخاري رحمه الله: «باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) - وقوله تعالى: {إذا نصحوا الله ورسوله }. قال الحافظ ابن حجر أورده البخاري ترجمة باب ولم يخرجه مسنداً؛ لكونه على غير شرطه، ونبه بایراده معلقاً على صلاحيته بالجملة.

قال مقيده: الحديث رواه مسلم في صحيحه رقم (٩٥) ولا يضر تعليق البخاري له، فقد أورده بصيغة الجزم، وهذا محكوم بصحته حتى في البخاري. 

وقوله عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» يقول الحافظ يحتمل أنه على ظاهرة؛ لأن كل عمل لم يرد به صاحبه الأخلاص فليس من الدين.

حديث (الدين النصيحة) أحد أرباع الدين:

 قال الحافظ ابن حجر: «وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها أنها أحد أرباع الدين، ومن عده فيها الإمام محمد بن أسلم الطوسي». 

وقال النووي: «بل هو وحده محصل لغرض الدين كله؛ لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها، فالنصيحة الله وصفة بما هو له أهل والخضوع له ظاهراً وباطناً، والرغبة في محاجة بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين لله».

وذكر العلامة الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في كتابه غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب: عن ابن داود صاحب السنن أن حديث النصيحة أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.

النصيحة الله تبارك وتعالى: 

والنصيحة لله تعالى تكون بتوحيده، ووصفه بصفة الكمال دون تعطيل ولا تمثيل، واجتناب معاصيه في السر والعلانية، والقيام بطاعته اخلاصاً ورغبة ومحبته ومحبة شرعه وكلامه، والحب فيه والبغض فيه، وجهاد من كفر به، وبغض شرع الكفار والدعاء إلى ذلك، والحث عليه.

النصيحة لكتاب الله تبارك وتعالى: 

أما النصيحة لكتاب الله؛ فتكون بالإيمان بما فيه، وأنه كلام الله ليس بمخلوق، وتعظيمه في النفوس، وتلاوته أثناء الليل وأطراف النهار، وتعليمه وتعلمه وكتابته وطبعه، والعمل على نشره وتفهم علومه وأمثاله. 

النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بتعظيم سنته حياً وميتاً، والإيمان بما جاء به، وتوقيره وتبجيله، والتمسك بطاعته، وإحياء ونشر علومها بالتأليف والترتيب والتعلم، والاقتداء به في الأقوال والأفعال، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة آل بيته الأطهار وصاحبته الأبرار، ومعاداة عاداه وعادی سنته وأصحابه، وموالاة من والى سنته ووالى أصحابه 

النصيحة لأئمة المسلمين:

 نصيحة أولي الأمر محفوفة بالمخاطر، ولذا قال أبو عمرو بن الصلاح : «والنصحية لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتأليف قلوب في طاعتهم». 

وقال الخطابي: «ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وألا يُغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدع لهم بالصلاح، وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمر المسلمين من أصحاب الولايات المشهور وحكاه الخطابي. ثم قال: وقد يتأول ذلك على علماء الدين وأن من نصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم» (شرح النووي ٢ / ٣٧ / ٣٩). 

النصيحة لعامة المسلمين: 

تبذل النصيحة لعامة المسلمين، دون تمييز بين الفقير والغني، أو الأسود والأبيض، أو العربي والعجمى، ولله الحمد مازالت نصيحة عامة المسلمين مبذولة للجميع في المساجد والإعلام والجمعيات الخيرية وأماكن الفضل والإرشاد والدعوة. 

وتكون بالشفقة على المسلمين، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه. وقد رأيت بعيني رأسي إبان سنوات الجفاف التي وقعت على أفريقيا أهل الاسلام من شيوخ وشبان، يسعون ليلاً نهارا في تحقيق نفع المسلمين بتلك الناحية لا يفرقون بين عربي وعجمي، سواء كانوا من أغنياء وأثرياء أهل الرفعة أم ممن جاءوا من خارج بلادهم.

واعترافاً بالفضل لأهله، وتسجيلاً للجميل وللتاريخ، حملني ضميري على سوق هذه الفائده، وقد كان تدفقهم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأغلبهم من الكويت والسعودية ممن رباهم الآباء والعلماء على الإصلاح، وحب الخير.

ونسأل الله تعالى لهم ظله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه.

النصيحة لعامة المسلمين:

وتكون النصيحة لعامة المسلمين بتخولهم بالموعظة الحسنة، وتحبيب شرائع الاسلام لنفوسهم، من غير تنفير ولا تقبيح، وتنشيط هممهم للعبادة. 

روى عن الحسن البصري رحمه الله، أنه قال: قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة». (انظر جامع العلوم والحكم / ۷۷).

ويقبل نصحا من شفيق على الورى .. حريص على زجر الأنام عن الردى 

ويتوجب إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ومجانبة الغش والحسد لهم. 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: "ومن أنواع نصحهم تعليم جاهلهم ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل، والرفق في بالمعروف والنهي عن المنكر، محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه كما قال بعض السلف: وددت أن هذا الأمر بهم وأن الخلف أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض. 

وكان عمر بن عبد العزيز ـ رضى الله عنه -يقول: «يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به؛ فكلما عملت فيكم بسنة وقع منى عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسی». (انظر جامع العلوم والحكم ص ۷۸، و السفاريني في غذاء الألباب ص ٣٤).

بعض الأحاديث الواردة في النصيحة: 

عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم..» والحديث من حيث الدراية مرفوع، ومن حيث الرواية صحيح، 

وفي مسند الإمام أحمد: عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه ـــ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: في خطبته بالخيف من منى: «ثلاث لا يقل عليهن قلب امرىء مسلم إخلاص العمل الله، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة». لفظ أحمد وهو عند الترمذي رقم ٢٦٥٩ العلم - وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجه في المقدمة رقم ۲۳۲. 

والحديث من قبيل المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صححه الترمذي - وروى ابن حبان في صحيحه عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"، والحديث من حيث القواعد والمصطلح له حكم الرفع، ومن حيث الرواية صحيح.

وفي الصحيحين عن مَعْقِل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعيه ثم لم يحطها بنصحه إلا لم يدخل الجنة» وهذا من الأحاديث المشهورة لا على اصطلاح المحدثين كما هو معلوم في المصطلح، وهو حديث لا مطعن فيه لتلقى الأمة الكتابين بالقبول وإجماع الأمة على صحة ما في الصحيحين.

 وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان ـ رضى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يُمْس ويصبح ناصحاً الله ولرسوله ولكتابه ولامامه ولعامة المسلمين فليس منهم»، والحديث من المرفوع القولي وهو من أقوى أنواع المرفوع لأنه خطاب موجه للأمة فينهض للوجوب خلافاً للفعلى. 

ومن حيث الرواية يقول الهيثمي في زوائده (١ /۸۷)، فيه عبد الله بن أبى جعفر الرازي وثقه أبو حاتم وأبو زرعه وابن حبان وضعفه محمد بن حميد.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامه - رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلم،ـ قال: «قال الله عز وجل: أحب ما تعبدني به عبدي إلى أن نصح لي» حديث قدسي.

والمراد بالأحاديث القدسية: الأحاديث التي تتحدث عن الذات المقدسة والمنسوبة من النبى الله إلى ذات الله تبارك وتعالى. 

وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حق المؤمن على المؤمن ست - فذكر منها - وإذا استنصحك فانصح له». وهو من حيث الدراية مرفوع قولى ومن حيث الرواية حديث صححه مسلم  في أصل صحيحه لا في المقدمة.

_______________________________

بعض الفوائد النافعة والمنتقاة من الكتاب:

١) ذكر العلامة طاهر بن صالح الدمشقي ـ في كتابه (توجيه النظر إلى أصول الأثر) ص ٤١٥ -وهو كتاب جامع نافع في فن المصطلح ـ عن بعض العلماء قال :

 تنقسم علوم الحديث الآن إلى ثلاثة أقسام: 

الأول: حفظ متون الحديث ومعرفة غريبها وفقهها، وهذا أشرفها. 

الثاني: حفظ أسانيدها ومعرفة رجالها ، وتمييز صحيحها من سقيمها، وهذا كان مهماً وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف الكتب تحصيل ما هو حاصل. 

الثالث: جمعه وكتابته وسماعه والبحث عن طرقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان لأجل ذلك ـ والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة فضلاً عن العمل به الذي هو المطلوب الأصلى ... الخ ».

٢) الأسباب التي أدت إلى استرخاء الهمم:

ولا ينبغى أن يغفل المصلحون عن الأسباب والدواعي التي أدت إلى الاسترخاء وضعف الهمم والعزائم فنتج والتي من أهمها: 

(أ) ندرة العلماء العاملين ممن تهفو النفوس للهجرة إليهم والإصرار على مصاحبتهم، (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً). ولو أدى ذلك إلى الارتحال والتنقل في البلاد وترك الراحة والرفاهية والهجرة من الأوطان والخلان.

(ب) الانبهار بحضارة الغرب الكافر والانحناء لها أن تأخر المسلمين في مجال الصناعة والتقنيات والمجال العسكري وغيره أوجد فيهم انحناء وإكبارا لكل شيء جاءهم من الغرب وأمات فيهم الحماس إلى الاشتغال بالتنقيب في كنوز حضارتهم وتراثهم؛ فانكب شبابنا على وسائل الترفيه هذا كان فيهم جادا وإن كان خلاف ذلك فمثاله في الحياه اللاعب أو الفنان أو الممثل.

٣) أمثلة لعلو همة السابقين إلى الله تعالى:

وقد ألف الأستاذ جميل العظم الدمشقي المتوفى سنة ١٣٥٢ هـ رحمه كتابا أسماه (عقود الجوهر في تراجم من لهم خمسون تصنيفا فمائة فأكثر). فذكر ابن جرير الطبري، وابن الجوزي ، والنووي وابن سينا، والغزالي وابن حجر العسقلاني، والبدر العيني والسيوطي، وابن تيمية، وابن القيم، وعلى القارىء، والمناوي، وعبد الغني النابلسى، وعبد الحي اللكنوي؛ فإذا وقفت على تراجم هؤلاء الأفاضل الأعلام وأمثالهم حفزتك تراجمهم إلى أن تحس بقيمة الوقت والزمن وعلو الهمة إن كنت من أهل الهمم فتلحق بهم.

قال الشاعر أحمد شوقي رحمه الله:

دقات قلب المرء قائلــــــــــة له ..  إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها..  فالذكر للإنسان عمر ثان