أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 أغسطس 2023

مختصر نصيحة أهل الحديث تعليق وشرح: د. يوسف محمد صديق بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

مختصر نصيحة أهل الحديث

تعليق وشرح: د. يوسف محمد صديق

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه صفحات نافعة وجيزة، اختصر فيها الشيخ يوسف صديق كتاب (نصيحة أهل الحديث) للإمام الحافظ الخطيب البغدادي، وزاد عليه في مواضع كثيرة تعليقات وشروحات ووفوائد، حتى أصبح أكثر دسامة وسمناً، وهو كتاب وضعه الإمام الخطيب لبيان أهمية طلب الحديث، وضرورة الجد والنشاط في طلبه، وشحذ الهمم في الرحلة فيه وسماعه، ويقع هذا المختصر في تسعة فصول، اشتملت على نفائس الفوائد، وفرائد القلائد، من كلام أهل العلم السابقين والمعاصرين.

ولم يضن الخطيب البغدادي بالنصح لطالب الحديث، خاصة في ترك الفضول من الكلام وتضييع الأوقات، ولطلبة العلم عامة، وقد ابتدأ كتابه بذكر نماذج من النصائح التي قدمها أولو الفضل من العلماء والصالحين للولاة والسلاطين والأمراء والقضاة.

ثم أتبع ذلك بذكر ألفاب المحدثين، وقصور همم بعض الناس عن إدراكها، وبين أن صاحب الحديث هو من تصدى لإسماعه، والإفادة فيه، أي: هو المنشغل في الحديث رواية ودراية، ويقضي وقته في الاطلاع على أحوال الرواة، وكتب الرجال، ومصنفات الحديث، وشروحاته.

ويذكر في كل فصل وباب ترجمة موجزة لبعض الرواة أو بعض من ينقل عنهم، ويذكر بعض أشعارهم الرائقة، وكلماتهم المؤثرة، وذكر طرائف مدهشة عن التعلم في الصغر، وإمكانه في الكبر.

ثم النظر في تفسير أثر عمر رضي الله عنه: (تفقهوا قبل أن تُسوَّدوا)، ثم قول أبي عُبيد: (الناس بخير ما أخذوا العلم عن الأكابر)، وبيان أن الأصاغر هم أهل البدع والأهواء، وأن من اشراط الساعة التماس العلم عند الأصاغر، وأن هلاك العلم بأخذه عن الأشرار.

وبين أن فقه الحديث مقدم على روايته المجردة، ودعا إلى التفكر والاستنباط وتفهم هذه الأحاديث المروية، وأن طالب العلم لا بد أن يتخلق بأخلاق العلم وأهله، والإقلال من الحديث كراهة الشهرة، وطباً للفهم، كما وضح أن التسرع في الفهم باب هلكة، وحذر من التصدر للتدريس بدون تأهل.

والكتاب في الجملة بحاجة إلى إعادة نظر وصياغة وترتيب، لكي يكون أكثر فائدة ونفعاً، ولعل الكتاب الأصل بتنسيقه وترتيبه أفضل من هذا المختصر، والله أعلم. 

ترجمة المؤلف 

هو أحمد بن على بن ثابت بن أحمد بن مهدى، ويكنى أبا بكر، واشتهر بالخطيب البغدادي. أصله من العرب ولم يكن والده من المبرزين في فن من فنون العلم إلا أن الخطيب في تاريخ بغداد يحدثنا عن والده فيصفه بالحفظ للقرآن الكريم.

قال: «٣٥٩/١١ تاريخ بغداد» ويبدو أن لقب الخطيب لحق بوالده، وكان أحد حفاظ القرآن، قرأ على أبي حفص الكناني وتولى الإمامة والخطابة على المنبر بـ« درزيجان » نحواً من عشرين سنه «الخطيب» لحق والده بسبب توليه الخطابة مدة طويلة ثم انتقل إليه. 

ولد أبو بكر الخطيب يوم الخميس لست بقين من جمادي الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائه، وقد نشأ في كنف والده، فبث فيه روح العلم والتلقى وحبب إليه القرآن والعلم، وحضور مجالس العلماء. 

وحثه والده على سماع الحديث وهو ابن إحدى عشر سنة: فجلس في حلقة ابن رزقويه، ثم انقطع سنوات، ولعل السبب في ذلك أنه أراد أن يبدأ بالفقه فجلس إلى أبي حامد الاسفراييني الذى انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي ببغداد، والذي كان يحضر درسه سبعمائة متفقه، ولم يقتصر على شيخ واحد حتى صار من كبار فقهاء الشافعية؛ فقد قال عنه السبكي (٤ / ٣٠): وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبى الحسن بن المحاملي ، والقاضي أبى الطيب الطبري ، وعلق عنه الخلاف، وأبى نصر بن الصباغ عنه مدة ثلاث.

وقال الذهبي في التذكرة (۳ / ۱۱۳۷): وكان من كبار الشافعية ، تفقه بأبي الحسن المحاملي وبالقاضي أبي الطيب.

ثم مال بعد الفقه إلى الحديث حتى غلب عليه كما يقول ابن خلكان «كان فقيها فغلب عليه الحديث والتاريخ». لقد أخذ الخطيب من كل علم بنصيب جيد فقد قرأ القرآن وتعلم وجوه القراءات في صغره كما درس الفقه وأصوله حتى صار فقيهاً من كبار فقهاء الشافعية.

ودرس علوم الآلات وحل فيه وصنف ومع وهذب ورتب ونقد، واشتغل بالتاريخ وخصوصا تاريخ الرحال. ثم غلب عليه الحديث والتاريخ فأعطاهما نفسه وأوقاته وراحته، وتخصص فيهما بحق، وقد كان على جانب عظيم من الأخلاق الكريمة والمثاقب النبيلة، وكان مخلصاً في عمله وتصنيفه. 

ومن كثرة علمه لم يكن الخطيب معجباً بما وصل إليه من العلم ولا متكبراً، بل كان متواضعاً حتى أنه كان لا تروق له الأسماء والألقاب الكبيرة، كالحافظ والمحدث فقد روى أبو نصر محمد بن سعيد المؤدب عن أبيه أنه قال: «قلت لأبى بكر الخطيب عند لقائى إياه: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني، أنا أحمد بن على بن ثابت الخطيب».

وقد أضفى الله عليه حله من الهيبة والوقار؛ فقد قال ابن السمعاني في  (معجم الأدباء: ٤/ ۳۰) يصفه قال: اكسبه هذا الشأن غضارة وبهجة ونضارة، وكان مهيباً وقوراً نيلاً خطيراً، ثقةً، صدوقاً، متحرياً حجة فيها يصنفه ويقوله ونقيله ويجمعه حسن النقل والخط كثير الشكل والضبط، قارئا للحديث، فصيحا وكان في درجة الكمال والرتبة العليا خُلُقاً وخَلَقاً وهيئة ومنظراً. 

وتوفي رحمه الله بعد أن اشتد مرضه ضحى يوم الاثنين سابع ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة رحمه الله، وبوفاته طويت صفحة من صفحات العلم الحافلة بالتحقيق والتصنيف. وفقد المسلمون علماً من أعلام المحدثين الذين أغنوا الخزانة الإسلامية بما تحتاجه والمسلمين خيراً. 

ولقد قيل في رثائه قصائد منها قصيدة للرئيس أبي الخطاب بن الجراح يقول فيها: 

فاق الخطيب الورى صدقاً ومعرفة .. وأعجز الناس في تصنيفه الكتب

حمى الشريعة من غاو يدنسهــــــــــــا ..  بوضعه، ونفى التدليس والكذبا 

جلا محاسن بغداد فأودعها  .. تاريخه مخلصاً الله محتسبا

وقال في الناس بالقسطاس منزوياً ... عن الهدى وزال الشك والريبا

سقى ثراك أبــــا بكــــر على ظمــــــاً .. جون ركام يسح الواكب السربا

المقدمة 

وتشتمل على:

-النصيحة في اللغة والاصطلاح.

- أحاديث النصيحة دراية ورواية ومعنى وتخريجاً.

- النصيحة أحد أرباع الدين.

-النصيحة لكتاب الله تبارك وتعالى.

- النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

- النصيحة لأئمة المسلمين نصيحة أولي الأمر محفوفة بالمخاطر.

- النصيحة لعامة المسلمين.

- نماذج من نصائح أولى الفضل

_______________________________________

النصيحة في اللغة والاصطلاح: 

النصيحة مشتقه من النصح، يقال نصح الشيء إذا خلص، ونصحت العسل إذا صفيته، ونصح له القول إذا أخلص له أو مشتقة من النصح بمعنى الخياطه بالمنصحة (الإبرة) والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة. 

ومنه التوبة النصوح؛ كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. من كلام الحافظ ابن حجر عن المازري وغيره بتصرف «انظر فتح الباري ١ /١٣٨». 

وعليه فالنصيحة هي: إرشاد الناس لما فيه الصلاح، وعلى صدقها ونفاذها يتوقف الأمم والشعوب في كل العصور؛ إذ فيها حيازة الحظ للمنصوح له، وهى من وجيز الكلام. 

قال الخطابي: «ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها عبارة عن نجاح معنى هذه الكلمة (الدين النصيحة).

وقال الإمام البخاري رحمه الله: «باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) - وقوله تعالى: {إذا نصحوا الله ورسوله }. قال الحافظ ابن حجر أورده البخاري ترجمة باب ولم يخرجه مسنداً؛ لكونه على غير شرطه، ونبه بایراده معلقاً على صلاحيته بالجملة.

قال مقيده: الحديث رواه مسلم في صحيحه رقم (٩٥) ولا يضر تعليق البخاري له، فقد أورده بصيغة الجزم، وهذا محكوم بصحته حتى في البخاري. 

وقوله عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» يقول الحافظ يحتمل أنه على ظاهرة؛ لأن كل عمل لم يرد به صاحبه الأخلاص فليس من الدين.

حديث (الدين النصيحة) أحد أرباع الدين:

 قال الحافظ ابن حجر: «وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها أنها أحد أرباع الدين، ومن عده فيها الإمام محمد بن أسلم الطوسي». 

وقال النووي: «بل هو وحده محصل لغرض الدين كله؛ لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها، فالنصيحة الله وصفة بما هو له أهل والخضوع له ظاهراً وباطناً، والرغبة في محاجة بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين لله».

وذكر العلامة الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في كتابه غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب: عن ابن داود صاحب السنن أن حديث النصيحة أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.

النصيحة الله تبارك وتعالى: 

والنصيحة لله تعالى تكون بتوحيده، ووصفه بصفة الكمال دون تعطيل ولا تمثيل، واجتناب معاصيه في السر والعلانية، والقيام بطاعته اخلاصاً ورغبة ومحبته ومحبة شرعه وكلامه، والحب فيه والبغض فيه، وجهاد من كفر به، وبغض شرع الكفار والدعاء إلى ذلك، والحث عليه.

النصيحة لكتاب الله تبارك وتعالى: 

أما النصيحة لكتاب الله؛ فتكون بالإيمان بما فيه، وأنه كلام الله ليس بمخلوق، وتعظيمه في النفوس، وتلاوته أثناء الليل وأطراف النهار، وتعليمه وتعلمه وكتابته وطبعه، والعمل على نشره وتفهم علومه وأمثاله. 

النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بتعظيم سنته حياً وميتاً، والإيمان بما جاء به، وتوقيره وتبجيله، والتمسك بطاعته، وإحياء ونشر علومها بالتأليف والترتيب والتعلم، والاقتداء به في الأقوال والأفعال، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة آل بيته الأطهار وصاحبته الأبرار، ومعاداة عاداه وعادی سنته وأصحابه، وموالاة من والى سنته ووالى أصحابه 

النصيحة لأئمة المسلمين:

 نصيحة أولي الأمر محفوفة بالمخاطر، ولذا قال أبو عمرو بن الصلاح : «والنصحية لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتأليف قلوب في طاعتهم». 

وقال الخطابي: «ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وألا يُغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدع لهم بالصلاح، وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمر المسلمين من أصحاب الولايات المشهور وحكاه الخطابي. ثم قال: وقد يتأول ذلك على علماء الدين وأن من نصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم» (شرح النووي ٢ / ٣٧ / ٣٩). 

النصيحة لعامة المسلمين: 

تبذل النصيحة لعامة المسلمين، دون تمييز بين الفقير والغني، أو الأسود والأبيض، أو العربي والعجمى، ولله الحمد مازالت نصيحة عامة المسلمين مبذولة للجميع في المساجد والإعلام والجمعيات الخيرية وأماكن الفضل والإرشاد والدعوة. 

وتكون بالشفقة على المسلمين، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه. وقد رأيت بعيني رأسي إبان سنوات الجفاف التي وقعت على أفريقيا أهل الاسلام من شيوخ وشبان، يسعون ليلاً نهارا في تحقيق نفع المسلمين بتلك الناحية لا يفرقون بين عربي وعجمي، سواء كانوا من أغنياء وأثرياء أهل الرفعة أم ممن جاءوا من خارج بلادهم.

واعترافاً بالفضل لأهله، وتسجيلاً للجميل وللتاريخ، حملني ضميري على سوق هذه الفائده، وقد كان تدفقهم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأغلبهم من الكويت والسعودية ممن رباهم الآباء والعلماء على الإصلاح، وحب الخير.

ونسأل الله تعالى لهم ظله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه.

النصيحة لعامة المسلمين:

وتكون النصيحة لعامة المسلمين بتخولهم بالموعظة الحسنة، وتحبيب شرائع الاسلام لنفوسهم، من غير تنفير ولا تقبيح، وتنشيط هممهم للعبادة. 

روى عن الحسن البصري رحمه الله، أنه قال: قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة». (انظر جامع العلوم والحكم / ۷۷).

ويقبل نصحا من شفيق على الورى .. حريص على زجر الأنام عن الردى 

ويتوجب إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ومجانبة الغش والحسد لهم. 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: "ومن أنواع نصحهم تعليم جاهلهم ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل، والرفق في بالمعروف والنهي عن المنكر، محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه كما قال بعض السلف: وددت أن هذا الأمر بهم وأن الخلف أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض. 

وكان عمر بن عبد العزيز ـ رضى الله عنه -يقول: «يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به؛ فكلما عملت فيكم بسنة وقع منى عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسی». (انظر جامع العلوم والحكم ص ۷۸، و السفاريني في غذاء الألباب ص ٣٤).

بعض الأحاديث الواردة في النصيحة: 

عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم..» والحديث من حيث الدراية مرفوع، ومن حيث الرواية صحيح، 

وفي مسند الإمام أحمد: عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه ـــ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: في خطبته بالخيف من منى: «ثلاث لا يقل عليهن قلب امرىء مسلم إخلاص العمل الله، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة». لفظ أحمد وهو عند الترمذي رقم ٢٦٥٩ العلم - وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجه في المقدمة رقم ۲۳۲. 

والحديث من قبيل المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صححه الترمذي - وروى ابن حبان في صحيحه عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"، والحديث من حيث القواعد والمصطلح له حكم الرفع، ومن حيث الرواية صحيح.

وفي الصحيحين عن مَعْقِل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعيه ثم لم يحطها بنصحه إلا لم يدخل الجنة» وهذا من الأحاديث المشهورة لا على اصطلاح المحدثين كما هو معلوم في المصطلح، وهو حديث لا مطعن فيه لتلقى الأمة الكتابين بالقبول وإجماع الأمة على صحة ما في الصحيحين.

 وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان ـ رضى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يُمْس ويصبح ناصحاً الله ولرسوله ولكتابه ولامامه ولعامة المسلمين فليس منهم»، والحديث من المرفوع القولي وهو من أقوى أنواع المرفوع لأنه خطاب موجه للأمة فينهض للوجوب خلافاً للفعلى. 

ومن حيث الرواية يقول الهيثمي في زوائده (١ /۸۷)، فيه عبد الله بن أبى جعفر الرازي وثقه أبو حاتم وأبو زرعه وابن حبان وضعفه محمد بن حميد.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي أمامه - رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلم،ـ قال: «قال الله عز وجل: أحب ما تعبدني به عبدي إلى أن نصح لي» حديث قدسي.

والمراد بالأحاديث القدسية: الأحاديث التي تتحدث عن الذات المقدسة والمنسوبة من النبى الله إلى ذات الله تبارك وتعالى. 

وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حق المؤمن على المؤمن ست - فذكر منها - وإذا استنصحك فانصح له». وهو من حيث الدراية مرفوع قولى ومن حيث الرواية حديث صححه مسلم  في أصل صحيحه لا في المقدمة.

_______________________________

بعض الفوائد النافعة والمنتقاة من الكتاب:

١) ذكر العلامة طاهر بن صالح الدمشقي ـ في كتابه (توجيه النظر إلى أصول الأثر) ص ٤١٥ -وهو كتاب جامع نافع في فن المصطلح ـ عن بعض العلماء قال :

 تنقسم علوم الحديث الآن إلى ثلاثة أقسام: 

الأول: حفظ متون الحديث ومعرفة غريبها وفقهها، وهذا أشرفها. 

الثاني: حفظ أسانيدها ومعرفة رجالها ، وتمييز صحيحها من سقيمها، وهذا كان مهماً وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف الكتب تحصيل ما هو حاصل. 

الثالث: جمعه وكتابته وسماعه والبحث عن طرقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان لأجل ذلك ـ والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة فضلاً عن العمل به الذي هو المطلوب الأصلى ... الخ ».

٢) الأسباب التي أدت إلى استرخاء الهمم:

ولا ينبغى أن يغفل المصلحون عن الأسباب والدواعي التي أدت إلى الاسترخاء وضعف الهمم والعزائم فنتج والتي من أهمها: 

(أ) ندرة العلماء العاملين ممن تهفو النفوس للهجرة إليهم والإصرار على مصاحبتهم، (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً). ولو أدى ذلك إلى الارتحال والتنقل في البلاد وترك الراحة والرفاهية والهجرة من الأوطان والخلان.

(ب) الانبهار بحضارة الغرب الكافر والانحناء لها أن تأخر المسلمين في مجال الصناعة والتقنيات والمجال العسكري وغيره أوجد فيهم انحناء وإكبارا لكل شيء جاءهم من الغرب وأمات فيهم الحماس إلى الاشتغال بالتنقيب في كنوز حضارتهم وتراثهم؛ فانكب شبابنا على وسائل الترفيه هذا كان فيهم جادا وإن كان خلاف ذلك فمثاله في الحياه اللاعب أو الفنان أو الممثل.

٣) أمثلة لعلو همة السابقين إلى الله تعالى:

وقد ألف الأستاذ جميل العظم الدمشقي المتوفى سنة ١٣٥٢ هـ رحمه كتابا أسماه (عقود الجوهر في تراجم من لهم خمسون تصنيفا فمائة فأكثر). فذكر ابن جرير الطبري، وابن الجوزي ، والنووي وابن سينا، والغزالي وابن حجر العسقلاني، والبدر العيني والسيوطي، وابن تيمية، وابن القيم، وعلى القارىء، والمناوي، وعبد الغني النابلسى، وعبد الحي اللكنوي؛ فإذا وقفت على تراجم هؤلاء الأفاضل الأعلام وأمثالهم حفزتك تراجمهم إلى أن تحس بقيمة الوقت والزمن وعلو الهمة إن كنت من أهل الهمم فتلحق بهم.

قال الشاعر أحمد شوقي رحمه الله:

دقات قلب المرء قائلــــــــــة له ..  إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها..  فالذكر للإنسان عمر ثان      





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق