عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت وبيان فضلهم
محمد أشرف صلاح حجازي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: من المؤسف حقاً أن يرى المسلمون التطاول السافر من بعض فرق الشيعة على الصحابة رضوان الله عليهم، ورميهم لهم بالفسق والبدعة بل والكفر، باسم محبة آل البيت والتشيع لهم، ومن نظر بعين الإنصاف في المصاهرات التي جرت بين الصحابة وآل البيت علم فساد ما يدعو الشيعة إليه، حيث غلو في هذه المحبة، حتى ادعوا لأئمة أهل البيت العصمة، وجعلوا أقوالهم حجة في الشرع، ثم استحلوا بهذه الأقوال المنسوبة إليهم ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون، فساووهم بالأنبياء، بل رفعوهم فوق منزلة الأنبياء، وادعوا تصرفهم في العوالم والأكوان، ولا شك أن هذه العقائد هي عقائد زائغة وباطلة.
ومما يدعو للأسف والحزن أيضاً أن كثيراً من المنتسبين لآل البيت الكرام، ابتعدوا عن كثيرٍ من القربات، ووقعوا في كثيرٍ من الزلات والبدع القولية والعملية، ومال بعضهم إلى بعض الطوائف المنحرفة، التي تسقط عن أتباعها التبعات، ونشدوا في ذلك الزعامة والتصدر،
وهذا الكتاب يتناول الصحابة رضوان الله عليهم ومآثرهم وفضائلهم، وآل البيت من العترة الطاهرة، والأزواج الطاهرات، والذرية الطاهرة، والفضائل التي لهم، وبعض المباحث الفقهية والدعوية، مثل حكم الصدقة على آل البيت، والحكمة من تعدد زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم، الذي يصلح أن يكون كتاباً مستقلاً حيث تضمن ستة عشر سبباً وحكمة من إباحة التعدد، وكل مطلب من هذا الكتاب يصلح لأن يكون كتاباً مستقلاً.
ثم ذكر شبهات المستشرقين والعلمانيين حول موضوع التعدد والرد عليها وذكر في ذلك ثلاثة عشر شبهةً، ثم إكرام الإسلام للمرأة وذكر في ذلك ثمانية وجوه، ثم ختم بأحاديث المهدي عليه السلام والتي بلغت حد التواتر، وذكر المؤلف كل ما يتعلق بروايات المهدي، ثم ذكر نبذة من الفرق الضالة التي ظهرت في الأمة في خلافة الإمام علي رضي الله عنه كالخوارج، ثم الروافض الشيعة، وذكر بعضاً من عقائدهم.
ثم حكم من سب أحداً من الصحابة أو انتقص حقه، ثم ذكر الفتنة التي جرت بين الصحابة في الجمل وصفين، والفرق بين قتال الخوارج وقتال الصحابة، وموقف المسلمين من الفتنة، ثم ما جرى من قتل الحسين بكربلاء، والبدع التي يقيمها الشيعة في يوم عاشوراء، ثم أفعال العوام عند القبور والتي خالفوا فيها هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم موقف أهل السنة من هذه القضايا هو التوسط بين الإفراط والتفريط، والرد على دعاوي الشيعة في العداوة بين آل البيت والصحابة من خلال المصاهرات التي جربت بينهم، والتسميات التي جربت لآل البيت بأسماء الصحابة، ثم كشف ما جاء في كتب التاريخ من الافتراءات عن الصحابة، ولعلنا نفرد كل موضوع منها في مقال مستقل.
عقيدتنا في الصحابة رضوان الله عليهم
١- من أصول أهل السنة أنهم يحبون صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجلونهم و َيتولونهم وَيتبِعون هديهم، ولا يخوضون في الخلاف الذي جرى بينهم، ويعتقدون أنهم خير أمة أخرجت للناس، ويعتقدون أنهم خيرة االله من خلقه، وأنهم خير الخلق بعد الأنبياء، وهم خير الأولياء، وكلهم عدول، وأن كل صحابي أفضل من كل من جاء بعده.
٢- وإن الله تعالى أثنى عليهم، ومدحهم لإيمانهم بالله، وتصديقهم لرسول االله صلى الله عليه وسلم، ونصرتهم له، وفدائهم له بأنفسهم وأموالهم وأولادهم.
٣-وقد مدح الله إيمان الصحابة، وإخلاصهم، وصدقهم، وطاعتهم، ورغبتهم في الخير، وعملهم، وكثرة ركوعهم وسجودهم، ومداومتهم على ذكره، وأخلاقهم، وجميع شأنهم، وأخبرنا عما أعد لهم من الكرامة من مغفرة السيئات، وإصلاح البال، وحسن المآل، وإنزال الخيرات عليهم في الدنيا والآخرة.
٤-والصحابة متفاضلون فيما بينهم؛ فأفضلهم المهاجرون، وهم الذين تركوا ديارهم وأموالهم وبذلوا أرواحهم ينصرون دين ربهم؛ وقد بدأ الله تعالى بدأ بهم في كل الآيات، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى يغضب لغضب المهاجرين.
٥- يليهم في الفضل الأنصار، وهم الذين سكنوا المدينة المنورة قبلهم، وكانوا يحبون إخوانهم المهاجرين، ويؤثرونهم على أنفسهم وإن كان بهم فقر وخصاصة، وتقاسموا معهم أموالهم وبيوتهم ونساءهم، وأثنى الله عليهم بصدقهم وجهادهم وصبرهم وتضحياتهم.
٦- وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرتهم له، وعفافهم عن المسألة، وجهادهم في سبيل الله، فقد جاهدوا في غزوة تبوك التي هي ساعة العسرة، وقد تاب الله عليهم، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحبهم، وحب الله لهم، وجعل حبهم علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق، وواعدهم عند الحوض، كما أمر بإقالة عثراتهم، وحذر من أذيتهم، أو تفزيعهم.
٧- وأفضل الصحابة: أصحاب بدر، وكان عددهم كعدد أصحاب طالوت الخلص الذين عبروا معه النهر، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وقد جاءت الأحاديث بالقطع لبعضهم بالجنة، وأهل بدر معصومون من الشرك والكفر والنفاق، وغير معصومين مما دون ذلك، هم يحيون ويموتون على التوحيد، ويغفر لهم ما لا يغفر لغيرهم، وكان أكثرهم مستجاب الدعوة.
٨-وأفضل الصحابة: العشرة المبشرون بالجنة، الصديق الأكبر: أبو بكر الصديق، والفاروق عمر بن الخطاب ، وذو النورين عثمان بن عفان، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد االله وهو طلحة الخير، أو طلحة الفياض، والزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعد بن أبي وقاص من فداه النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه، وأبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة، وعبد الرحمن بن عوف صاحب البر والنفقات، وسعد بن زيد صاحب الزهد والإخبات، وأفضلهم الخلفاء الأربعة، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
٩- يليهم في الفضل أهل أحد، الذين رجعوا إلى غزوة حمراء الأسد رغم جراحهم، ثم من ثبت يوم غزوة الأحزاب، ثم أصحاب بيعة الرضوان، وكانوا ألفاً وأربعمائة.
١٠-يليهم في الفضل من هاجر من قبل الفتح وقاتل، ومنهم جيش فتح مكة، لأن الهجرة انتهت بعد فتح مكة، فمن أدرك زمان الهجرة وهاجر، أعظم درجة ممن أسلم بعد انقطاع الهجرة، يليهم من أسلم بعد فتح مكة، ثم التابعون لهم بإحسان، وأفضلهم الثلاثة قرون الأوائل.
١١- والسلف هم من اتبع الصحابة بإحسان من القرون الثلاثة الأولى، والقرن مائة عام، والأصح أن القرن الأول هم الصحابة، والثاني هم التابعون، والثالث هم تابعوا التابعين، وكل من اتبع منهج السلف واقتفى أثرهم إلى يوم القيامة فهو منهم.
١٢- وأفضل الناس بعد القرون الثلاثة: هم إخوانه الذين أتوا بعد ذلك ورأوا كتاباً ولم يروا نبياً، ورأوا فتنًا، ولم يجدوا على الخير أعواناً، فآمنوا بكتاب االله وعملوا به وجاهدوا ونصروا.
١٣- وأفضل الصحابة على الإطلاق: أبو بكر الصديق، وهو إمام المهاجرين والأنصار، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من الرجال، والذي رد الناس إلى الهدى بعد الردة والضلال، وأفضل الأولياء، وخير الرجال بعد الأنبياء، وقد أسلم على يديه أكثر العشرة المبشرون بالجنة، وهو أفضل من صحِب الأنبياء، وأفضل من صاحب يس، وأفضل من مؤمن آل فرعون، وأفضل من حواري عيسى عليه السلام.
١٤- وأبو بكر: أعلم الصحابة، وأورعهم، وأكثرهم صدقةً، وأثبتهم، وخيرهم، وقد أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى خلافته، وبايعه المسلمون في سقيفة بني ساعدة البيعة العامة، وكان عُمر الصديق يوم توفى ً ثلاثا وستين سنة، وهو نفس السن الذي توفى فيه رسول االله صلى الله عليه وسلم، وقد جمع الله بينه وبين رسول الله في التربة، كما جمع بينهما في الحياة.
١٥-جاء ذكر أبي بكر في ستة مواضع من القرآن الكريم: فهو صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم في الغار، وهو الصديق الأكبر، وهو الذي استجاب لله ولرسوله، وكان من أولي الفضل، وهو الأتقى، وكان من أحب الناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
١٦-وكان أبو بكر قامع الردة، وكان من خبر الردة: أن ارتد في اليمن : الأسود العنسي ، ثم قتله االله وفاز قاتله وأراح العباد منه، وارتد في اليمامة: مسيلمة الكذاب ، وقتله وحشي قاتل حمزة يوم أحد، وارتد في بني أسد: طليحة بن خويلد، فهزمه خالد ابن الوليد، فهرب إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه وأبلى بلاء حسنًا في الجهاد.
١٧-يلي أبا بكر الفضل: عمر بن الخطاب: وكان يصلي بالمسلمين في أثناء مرض أبي بكر، وعهد أبو بكر بالخلافة من بعده إلى عمر، الذي أعز االله به المؤمنين وأذل به الكافرين، وهو الموافق للوحي فيما اختار، الصادع بالحق يوم الدار، فاتبعه المهاجرين والأنصار، وصاحب الفتوح وموسع الأمصار، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين.
١٨- وقد مدح النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمر بالعلم والدين، وكان وقافاً عند حدود الله، وكان شديد الخوف من الله تعالى، فلم يكن يركن على عمله، وكان الشيطان يفرُّ منه ولا يلزم من ذلك العصمة، وهو الباب الذي يحول دون وصول الفتن للأمة، وهو أول من وضع الدواوين والمؤسسات للأمة، وكان من المحدَّثين الملهمين.
١٩-ووافق عمر الوحي في خمس مواضع: وذلك في كراهته الصلاة على المنافقين، وكان يُحب أن يقتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أسرى بدر، وكان يُحب الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وكان يغار على النساء وخاصة أمهات المؤمنين، وإغلاظه على أمهات المؤمنين في الموعظة لما أكثرن على النبيّ صلى الله عليه وسلم السؤال.
٢٠-قتل عمر على يد عدو االله والإسلام: أبو لؤلؤة المجوسي في ظلام صلاة الفجر بعد أن سوى الصفوف للصلاة، وقتل معه جماعة من المسلمين، بخنجر مسموم له نصلين، فختم الله له بما كان يتمناه، واستجاب له ما كان دعاه، وأعطاه شهادة في بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودُفن إلى جوار أبي بكر الصديق بالحجرة الشريفة.
٢١-وعهد عمر رضي الله عنه بالخلافة إلى ستة من بعده، وهم أصحاب الشورى: فتشاور الستة المبشرون بالجنة الباقون أحياء فيما بينهم لاختيار الخليفة، واختاروا منهم ثلاثة هم: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وعلي، فلما ولوا أمرهم إلى عبد الرحمن، أخذ بيد عثمان وبايعه.
٢٢-وعثمان بن عفان: هو ذو النورين ،وزوج الابنتين، وصاحب الهجرتين، وجامع ما بين الدفتين، ساقي المسلمين، وإمام المجاهدين، مجهز جيش العسرة (=جهزه بثلاثمائة ناقة، بأحلاسها وأقتابها، فما ترك من زاد، أو طعام، أو ظهر، إلا زود المجاهدين به)، الذي اشترى مقعده في جنة المأوى، وكان من أشد الناس حياءً، وكانت تستحي منه الملائكة.
٢٣- هاجر عثمان رضي الله عنه إلى الحبشة، ثم رجع منها، وهاجر إلى المدينة، فجمع بين الهجرتين، وهو الذي وسع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بشراء أرض التمر حوله وضمها للمسجد، وبايع عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وكان يقوم الليل بالقرآن كله في ركعة واحدة، وأخبر عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد، وأنه في الجنة.
٢٤-قتل عثمان رضي الله عنه في الفتنة، حيث دخل عليه المنافقون أصحاب الفتنة في بيته، فوجدوه يقرأ القرآن، فقتلوه، فسال دمه الزكي على كتاب االله الذي جمعه للمسلمين، ما شارك في قتل عثمان صحابي واحد ولو بالكلام، وإنما كانوا جميعا من المنافقين.
٢٥-ثم ولي الخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، وأبو السبطين الحسن والحسين، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه: لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وانه من أهله، وأنه من النبيّ، وأنه ولي النبيّ، وأن من آذاه فقد آذى النبي، ومن عاداه فقد عادى النبيّ.
٢٦-وهو أول من آمن من الصبيان، وفدى النبيّ بنفسه يوم الهجرة، وكان شديد الخوف من الله تعالى، وأول من خاصم في االله، وقاتل لأجله يوم بدر، وكان من حماة النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انصرف عنه المنافقون، وقتل على يديه عمرو بن ود يوم الخندق، وهو فاتح خيبر، وقاتل فارس اليهود الأكبر (مرحب)، وهو خليفة النبي على أهله يوم غزوة تبوك، وهو الذي شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شريك النبي في هديه في حجة الوداع، وهو الذي جهز النبي وكَفَّنه يوم وفاته، وهو أول من قاتل الخوارج الحرورية، وهو أول من قاتل الروافض الشيعة، وهو أول من قاتل أهل البغي، وكان الصواب معه في كل ذلك.
٢٧-وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن عليٍّ أنه في الجنة، وشهد عمر له بالقضاء، ثم قتله عدو االله والإسلام ابن ملجم الخارجي، وهو يوقظ الناس لصلاة الفجر يوم الجمعة، وهو يومئذ أفضل من على وجه الأرض بالإجماع ، فختم الله له بالحسنى والشهادة.
٢٨- ثم طلحة بن عبيد الله المسمى طلحة الفياض أو طلحة الخير، وهو الذي وقى النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد فشلت، وحماه بظهره حتى أصبح ظهره مثل القنفذ من كثرة ما غرس فيه من السهام، وكان من الذين قضوا نحبهم: أي: أدوا ما عليهم مما ألزموا به أنفسهم، فإنه قد نذر إن لاقى الكفار أن يصدقهم القتال حتى يقتل أو يفتح له.
٢٩-والزبير بن العوام: حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه، وقد جمع له النبيُّ أبويه، وشهد كل الغزوات مع رسول الله، أسلم صغيراً، وله قريب من عشر سنوات، وكان أول من حمل السيف في سبيل الله، وذلك عندما سمع عن إيذاء المشركين لرسول االله عند الكعبة، فانطلق ينصره، وكان أحد أبطال معركة أحد، وهو الذي أتى بأخبار المشركين يوم الأحزاب، وأخبار بني قريظة، وفي فتح خيبر قتل الزبير ثالث قواد اليهود (ياسر) أخو (مرحب) الذي قتله علي بن أبي طالب، فيسر ذلك اقتحام علي للحصن، وفي فتح مكة كان الزبير قائداً لميسرة جيش المسلمين، ويوم حنين كان الزبير من الذين ثبتوا مع رسول الله مع علي وعثمان وأبي دجانة.
٣٠- وقد أبلى الزبير في موقعة اليرموك بلاءً حسناً: فقد هجم على جيش النصارى بمفرده، حتى شق جميع صفوفهم، وبلغ مؤخرة جيشهم، ثم أعاد مثلها حتى رجع إلى جيش المسلمين، فيكون بذلك قد قسم جيش الكفار نصفين بالطول، وكذلك في فتح مصر فكان بلاؤه فيها البلاء الأكبر، فقد أرسله عمر بن الخطاب الزبير على رأس أربعة آلاف جندي لنجدة جيش عمرو بن العاص، وحاصر الزبير حصن بابليون مع عمرو بن العاص، وتسلق الحصن، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه السيف، فقاموا كالإعصار لا يصدهم شيء، وفتحت الأبواب، وخسئ الفجار، وعلت راية الأبرار، والحمد الله الواحد القهار.
٣١-ومن العشرة المبشرين بالجنة: سعد بن أبي وقاص، وهو خال المؤمنين، وكان رامياً لا يخطئ هدفه، وكان مستجاب الدعوة، وهو صاحب القادسية، وأميرها، وقائد نصرها، وفاتح مدائن كسرى، وفيه نزلت: {وإن جاهداك على أن تشرك بي..}، و{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}، وشهد له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجنة.
٣٢-ومن العشرة المبشرين بالجنة: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، مات أبو عبيدة في طاعون عمواس.
٣٣-ومن العشرة: عبد الرحمن بن عوف: صاحب الصدقات والبر والإحسان، والذي صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، والذي كان يحج بأمهات المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٣٤-ومن العشرة: سعيد بن زيد: كان له السبق في الإسلام، وكان مستجاب الدعوة.
٣٥-وطريقة الصحابة هي: الأسلم والأعلم والأحكم من كل من جاء بعدهم، ولذلك فهم أسوتنا وقدوتنا بعد الأنبياء والمرسلين، والمنهج الذي ندين به ونحتكم إليه في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والحرب والسلم.
__________________________________
أهل السنة وسط بين الإفراط والتفريط
١- الواجب عدم التفريط في حق آل البيت والصحابة:
فإن الواجب تقديم ما صح في الكتاب والسنة في فضلهم على ما سوى ذلك من الأخبار التي تنتقصهم، فنحن أحق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الشيعة والصوفية، كما أننا أحق بموسى وعيسى من اليهود والنصارى.
فإن الله قد زكاهم، ومدحهم، وشرفهم، وأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، فمن عقيدة أهل السنة عدم بخس آل البيت حقهم أو بخس الصحابة: يحقهم، وعدم الكذب على الصحابة واتهامهم بعداوة آل البيت.
٢-والواجب عدم الإفراط والغلو في آل البيت:
فإن الإفراط في حبهم يجر إلى الكذب عليهم، وإن حب المسلمين لآل البيت الكرام سهل قبول الأحاديث المكذوبة، التي وضعها الزنادقة، الذين غلو في آل البيت وقالوا عنهم أخباراً خرافية، تمجها الفطر السليمة، وهدفهم من ذلك أن يأتي العقلاء بعد ذلك فينبذونها، وينبذوا آل البيت معها، فيتحقق لهم ما أرادوا.
وقد تنبه آل البيت إلى ذلك ومنهم جعفر الصادق، فقال: إن الناس قد أولعوا بالكذب علينا [بحار الأنوار للمجلسي ٢/ ٢٤٦].
وقال: إنا آل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس [بحار الأنوار ٢/ ٢١٧].
وقد التف حول جعفر بن محمد الصادق كذابون، يكذبون عليه وينقلوا ذلك للناس ليأكلوا بذلك أموالهم، وفريق آخر يدسون الكفر والزندقة، وينسبونها لآل البيت، لدعم مذاهبهم الباطلة .
٣- ينبغي تحري الأخبار الصحيحة عن آل البيت والصحابة.
فإن الأحاديث المكذوبة على الصحابة ي وآل البيت أضعاف الصحيح، لذلك لا ينبغي قبول تلك الأخبار إلا بعد الكشف عن صحتها.
٤- الأحاديث الصحيحة في آل البيت في فضائلهم:
لا تعني نفي تلك الفضائل عن غيرهم من الصحابة.
فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحسن والحسين، فلا يعني هذا أنه يكره من سواهما. وإن كان االله يريد أن يطهر آل البيت، فإنه يريد ليطهر جميع المؤمنين أيضاً. قال تعالى: ﴿لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦].
٥- لا يجب أن نغلوا في العصاة من آل البيت بعد جيل الصحابة.
فالنسب وحده لا يكفي، فإنا وإن كنَّا نحبهم، فإنا نبغض العاصي على قدر معصيته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت لا أغني عنك من اللهَّ شيئاً. [صحيح البخاري ٢٧٥٣، ومسلم ٢٠٤].
قال رسول الله لى الله عليه وسلم: ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. [صحيح مسلم ٢٦٩٩] فمن أبطأ به عمله في بلوغ درجات الجنة ، لم يسرع به نسبه الشريف لبلوغ ذلك
أكاذيب الشيعة
أكثر الشيعة القول أن آل البيت ظلموا، واضطهدوا، وسجنوا، وقتلوا في أيام الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية.
والرد عليهم في أمرين:
الأول: أن مبالغة الشيعة من الكذب.
والثاني: أننا لا ننفي وقوع البلاء للصالحين؛ لأن الابتلاء هو سنة االله للكبراء.
(١) إن المبالغة في ذكر ذلك من الافتراء على الأفاضل.
لأن العقيدة في آل البيت تملأ كتب العقيدة وفضائلهم تملأ كتب الحديث، وسيرتهم العطرة تملأ كتب التراجم، وما يتعلق بهم من أحكام تملأ كتب الفقه، وكل العدول من أهل السنة يطيعون النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله: (أذكركم اللهَ في أهل بيتي) [صحيح مسلم: ٢٤٠٨].
فكيف يدعي الشيعة أن الأمة تركت كل ذلك واضطهدت آل البيت؟ فإن هذا من أفحش الكذب على أهل السنة.
وهذه نماذج من سيرة الصحابة وآل البيت ي مع بعضهم البعض، تدل على ما كان بينهم من محبة ومودة واحترام وتقدير، ومعرفة للفضل وأهله، فأرغم الله أنوف الحاقدين والمبغضين الذين يزعمون وجود البغض والفرقة بين أخيار الأمة.
قال أبو بكر الصديق: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. [صحيح البخاري: ٣٧١٣].
وقال أبو بكر الصديق: واللهَِّ لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي [صحيح البخاري ٣٧١٢].
وقال أبو بكر الصديق: مخاطباً عليا وفاطمة، والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة االله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت [رواه البيهقي في السنن الكبرى٦/ ٣٠١ وقال : هذا مرسل حسن الإسناد وأورده ابن كثير في البداية والنهاية٥/ ٢٨٩، وقال: هذا إسناد جيد قوي]
ثم أرسل الصديق زوجته أسماء بنت عميس لتغسيل فاطمة وتكفينها لما ماتت. قال عمر بن الخطاب لفاطمة: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك. [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه /٤٢٢، ٧والحاكم ٣/ ١٥٥، بإسناد صحيح].
ثم اختار عمر بن الخطاب علياً في المجموعة التي سيكون منها الخليفة بعده. ثم تزوج عمر بن الخطاب ا أم كلثوم بنت علي حتى يكون له نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا عثمان بن عفان ثار إليه علي وأولاده للدفاع عنه يوم استشهاده في داره حباً له، فما كان من عثمان إلا أن أمرهم بالإمساك عن القتال؛ حتى لا يصابوا بسوء حبا لهم [تاريخ دمشق لابن عساكر٣٩/ ٤٣٥، وتاريخ الطبري ٢/ ٦٧٤].
كان ابن عمر ً جالساً، فجاءه رجل فقال: والله إني لأبغض علياً. قال: فرفع إليه ابن عمر رأسه فقال :أبغضك الله، تبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها ؟ [مصنف ابن أبي شيبة: ٣٣١٣٧].
بينما عمرو بن العاص ا في ظل الكعبة، إذ رأى الحسين فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى السماء اليوم [السير للذهبي:٣/ ٢٨٥].
لما جاء نعي علي ابن أبي طالب إلى معاوية، جلس وهو يقول: إنا الله وإنا إليه راجعون، وجعل يبكي ويقول: إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره [البداية والنهاية٥/ ١٨ لابن كثير].
وقال معاوية أيضاً لما جاءه خبر موت على ابن أبي طالب: ذهب الفقه والعلم بموت علي ابن أبي طالب [الاستيعاب ٣/ ٤٤ لابن عبد البر]
ولما حضر معاوية بن أبي سفيان الوفاة، دعا يزيد ابنه فأوصاه وقال: انظر الحسين، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه وأرفق به [السير للذهبي: ٢٩٥/٣].
لقي أبو هريرة الحسين بن علي، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل بطنك، فاكشف الموضع الذي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله، قال: وكشف الحسن، فقبله. [صحيح: رواه الحاكم في المستدرك٣/ ١٦٨، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي].
وكان أبو هريرة يرد سلام الحسن، فيقول: وعليك السلام يا سيدي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه سيد [صحيح: رواه الحاكم في المستدرك ٣/ ١٦٩، وقال صحيح ووافقه الذهبي].
كانت أم المؤمنين عائشة إذا ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها، إلا أن يكون الذي ولدها. [صحيح: رواه الحاكم في المستدرك، ٣/ ١٦١، وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي].
قال عمر بن عبد العزيز الأموي لفاطمة بنت علي بن أبي طالب: يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلى منكم، ولأنتم أحب إلى من أهل بيتي [الطبقات الكبرى لابن سعد: ٥/ ٣٣٤].
وتذاكر الناس الزهد عنده فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب [سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ٢٩٢].
قال هارون الرشيد العباسي: بلغني أن العامة يظنون في بغض علي بن أبي طالب، والله ما أحب حداً حبي له [تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٩٣].
حب الصحابة لبعضهم رغم ما كان من الفتنة بينهم بعد موقعة الجمل بين علي والزبير قيل لعلي بن أبي طالب إن قاتل الزبير على الباب قال: ليدخلن قاتل ابن صفية النار، سمعت رسول االلهَّ يقول: لكل نبي حواري، وإن حواريي الزبير بن ِ العوام [حسن: رواه أحمد ١/ ١٠٣، والحاكم في المستدرك ٣/ ٣٦٧، وابن عبد البر في الاستيعاب ١/ ٥٦٤، والدينوري في المجالسة وجواهر العلم ٤٥٢، والطيالسي ١٦٣، وحسنه الأرناؤوط في تحقيق المسند ٦٨].
وإن الزبير قتل بعد المعركة غدرا بغير رأي من الإمام علياً أو مشورة منه بعد موقعة الجمل رأى علي بن أبي طالب طلحة مدرجاً في دمائه، فبكى من ذلك المشهد، وقال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله في حقهم : ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ (الحجر: ٤٧) [طبقات ابن سعد: ٣/ ١١٣].
وإن طلحة أيضاً قتل غدراً، وبغير أمر من الإمام عليا، ولا مشورة منه. بلغ عليا بن أبي طالب أن رجلين أغلظا لعائشة لأم المؤمنين القول، فضربهما مائة سوط، وأخرجهما من ثيابهما [الكامل لابن الأثير ٣/ ٢٥٧].
يعني عندما ذكروها بسوء لخروجها في موقعة الجمل، فكيف يكذب الشيعة بعد ذلك ويدعون بغض كل أولئك لأهل البيت الأطهار ؟
(٢) الابتلاء سنة الله للكبراء.
فإنه يبتلي المرء على قدر دينه، فلماذا يستنكر البلاء على هؤلاء النبلاء؟ فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه. ُ فالأنبياء كلهم ابتلوا وعلى رأسهم إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم. والصحابة أخرجوا من ديارهم وأموالهم. حتى بعد إقامة الدولة والتمكين للدين قتل عمر بن الخطاب في المحراب، وقتل عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن، وقتل علي بن أبي طالب، وهو ينادي لصلاة الفجر، ومن بعدهم قتل أئمة الأمة مثل سعيد بن جبير وغيرهم.
وابتلي الإمام أبو حنيفة والإمام مالك، وهذا الإمام أحمد ابن حنبل قد تشقق ظهره، وانسلخ من الجلد في فتنة خلق القرآن، وهذا نعيم بن حماد مات وهو مقيد في الحديد، فسحبوه وألقوه في حفرة وهو مقيد، ولم يغسلوه، وكذلك الإمام أبو بكر النابلسي لما أنكر بدع الفاطميين الباطنيين، غضبوا عليه ووكلوا به يهودياً يسلخه حياً. فكيف يمتنع البلاء بعد ذلك في حق آل البيت ؟ أو الصحابة ؟ أو الصالحين من بعدهم ؟
________________________________
كشف الشبهات عما جاء في التاريخ من افتراءات
أسباب وجود ما يوهِم التجاوزات في تاريخ الصحابة وآل البيت:
(١) عدم الإلمام بمناهج أئمة الأمة في تدوين الروايات:
فإن الإمام الطبري قد كتب في مقدمة تاريخه أنه سيسرد بعض الأخبار المستنكرة، فإن كان فيها كذب، فإنه يحيل العهدة في ذلك على الراوي الكاذب ليس عليه هو، وقد تبرأ هو من ذلك الكذب، وأوضح أنه كان ناقلا لا محققا، ولذلك روى عن بعض الضعفاء والوضاعين، وكذلك فعل الإمام ابن كثير، فقد اعتمدوا القول الشائع: "من أسند فقد أحال".
وثبت عن أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة أنهم قالوا: إذا روينا الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا. وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه (القول المسدد في الذب عن المسند) كلاماً معناه أن ما استدركه ابن الجوزي على مسند الإمام أحمد بن حنبل من الأحاديث الضعيفة، ليس فيه شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام.
وهذا يوضح سبب تساهل أئمة الصدر الأول في رواية التاريخ عن العدول والمجروحين، مقارنة بتشددهم في رواية الحديث عن العدول فقط، وهذا هو الفرق بين المؤرخ والمحقق، فالمؤرخ يجمع الأخبار الصحيحة والضعيفة، أما المحدث المحقق فهو يميز الصحيح من الضعيف، وينقد الأخبار بقواعد علم مصطلح الحديث.
* فينقد:
أولاً الرواة: اعتماداً على كتب الرجال، وما كتبه أئمة الجرح والتعديل.
ثانياً المتون: وهي نص الحديث، فيبين ما يوافق الكتاب والسنَّة وما يخالفهما، ويلزمه لذلك معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، لذلك فبعض من يقرأ كتب أولئك الأئمة يظن أن كل ما ورد فيها صحيحاً، فيختل اعتقاده، أو ينسب الانحراف إلى تلك الكتب، وقد تبرأ كُتّابها من ذلك.
والمنهج الصحيح في ذلك هو قبول تلك الأخبار، إن كانت تتحدث عن حسن خلق الصحابة والآل وشجاعتهم وزهدهم وكرمهم وتضحياتهم.
- لكن ما كان فيها من الفتنة، وما يخالف الشريعة، وما يسيء إلى الآل ِ َ والأصحاب، وتأباه الفطر السوية، فيجب فحصها بقواعد البحث العلمي، التي جاءت في علم مصطلح الحديث.
(٢) ترويج المستشرقين والمتأثرين بهم للأخبار الضعيفة والموضوعة، والتي لا أصل لها:
فنجد وسائل الإعلام الغربية والمشبوهة تنشر تلك الأكاذيب باستمرار.
وهذه الأخبار غريبة ومنكرة ومخالفة لأصول الشريعة، ولم يتابعهم عليها الرواة الثقات من العلماء العدول.
وسبب وضع واختلاق هذه الأخبار أن أصحاب البدع أرادوا نشر مذاهبهم الباطلة وخرافاتهم بهذه الطريقة، فوجد فيها المستشرقون ضالتهم المنشودة، وما كانوا يبحثون عنه، ويستندون إليه في كذبهم.
وسبب ترويج المستشرقين لهذه الأخبار هو دوافعهم العدائية الاستعمارية، وحقدهم على حضارة الإسلام، وانتصاراته العظيمة السابقة، وإرادة الانتقام منهم بإثارة الفتن بين المسلمين الآن.
والمستشرقون عامتهم حاقد تعمد تحريف تاريخنا بنقل تلك الأكاذيب، فالمستشرقون رغم إلمام بعضهم بقواعد علم الحديث عند المسلمين، لكنهم تعمدوا مخالفتها، فذكروا على وجه التصحيح كل الأخبار الموضوعة والمكذوبة التي تتفق مع هواهم، وتقدح في أفعال أولئك الأطهار، وكذلك تعمدهم لترويج كتب أهل البدع المضلين، التي تضر الخلق، وتغضب الخالق، كما فعلت جامعة السربون بطباعة كتاب الفتوحات المكية لابن عربي؛ لترويج ما فيه من أنواع الكفر والزندقة، ولموافقة كثير من أساتذة السربون على ضلالاته لعقيدتهم الفاسدة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) (صحيح مسلم ٢٦٧٤)، وعلى الرغم من أن بعض المستشرقين موضوعي حيادي، لا ينحاز لعقيدته الباطلة، ولكن يظهر في كتاباتهم القصور الشديد، لعدم إلمامه الكافي بلغة القرآن العظيمة.
(٣) إن االله تعالى قد طهر آل البيت والصحابة رضي االله عنهم أجمعين، فلا ينبغي بعد ذلك أن نصدق الأكاذيب عنهم.
قال الله تعالى في وصفهم : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب: ٣٣). وقال االله تعالى في حق الصحابة ي: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: ٦).
فإن الله طهرهم من العقائد الخبيثة، ومن الأفعال الخبيثة، ومن الأخلاق الخبيثة. وقال الله تعالى في وصفهم:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح: ٢٩).
فأثبت لهم الإخلاص والصدق في طلب مرضاته، فكيف تترك هذه النصوص الإلهية في تزكيتهم وتأخذ بكلام الكذابين ؟ وإذا كان آل البيت والصحابة جزء من عقيدة المسلم، فالعقيدة لا يقبل فيها بالأخبار الضعيفة، بل يؤخذ بالصحيح فقط. فيجب أن نهتم بصحة الأخبار كما نهتم بصحة الأحاديث، حتى لا نكون دعاة وبوقاً لنقل الأكاذيب.
والأكاذيب ثلاثة أنواع:
١-أخبار في مناقب آل البيت، حولها المزورون إلى مثالب ومساوئ.
منها قتال أبو بكر َ للمرتدين، قالوا أنه قاتل من أبوا بيعته، والصحيح أن قتاله للمرتدين كان طاعة الله ولرسوله، بقتل من بدل دينه بالردة، وقد أيده كبار الصحابة، وأجمعت الأمة على استحسانه.
- وقد ورد عن علي بن أبي طالب، خبر يأمر فيه الصديق بقتال المرتدين، وخبر يأمره بعدم الخروج لقتالهم حفاظا على حياته، وعلى الخلافة، وعلى جمع شمل المسلمين.
- فقد سأل أبو بكر الصديق علياً بن أبي طالب في شأن المرتدين؛ فقال: ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال علي: أقول إنك إن تركت شيئا مما كان أخذه منهم رسول الله، فأنت على خلاف سنة الرسول، فقال أبو بكر: أما لئن قلت ذلك، لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا.ً [رواه الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ٩٧].
- ولما برز أبو بكر لقتال المرتدين واستوى على راحلته، أخذ علي بن أبي طالب يقول: أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد، لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبداً [البداية والنهاية لابن كثير ٣١٥/٦].
-ومنها قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للخوارج، جعلوه من نفس الباب، وإنما قاتلهم علي طاعة لله ولرسوله وتحقيقا لنبوءته بخروجهم. قال صلى الله عليه وسلم في حق هؤلاء الخوارج: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) [صحيح البخاري ٧٤٢٢، ومسلم ١٠٦٤].
-ومنها أنهم عابوا على عثمان بن عفان اجمعه للمصحف وحرقه للمصاحف الأخرى، وهناك خبر عن علي بن أبي طالب أيده فيه، وأنه لو كان مكانه لفعل مثله.
قال علي بن أبي طالب: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً، فوالله ما فعل الذي فعل (أي في المصاحف) إلا عن ملأ منَّا جميعاً (أي الصحابة) والله لو وليت لفعلت مثل ما فعل. [صحيح : رواه ابن أبي داود في المصاحف ٧٧/ ٧٨، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٩/ ٢٤٨، وأورده ابن حجر في فتح الباري وقال: إسناده صحيح].
-ومنها تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية فجمع شمل المسلمين، فسموه مذل المؤمنين، لأنه قبل أن يتأمر عليهم معاوية، الذي نسبوا إليه زوراً، كما كبيرا من الرذائل، والحسن لم يفعل ذلك إلا حقناً لدماء المسلمين، وجمعاً لشملهم، وتحقيقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). [صحيح البخاري: ٢٧٠٤].
٢-أخبار صحيحة زاد فيها الراوي ما ليس منها.
مثل حديث السقيفة، حيث قالوا أن أبا بكر وعمر بن الخطاب اهتما بالحصول على الحكم والمناصب، أكثر من اهتمامهما بتغسيل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه، وأن على بن أبي طالب والعباس اهتما بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم، ففاتهما نصيبهما من الحكم والخلافة.
٣- أخبار صحيحة ولكن فيها شيء من الأخطاء التي وقعت من أحد الصحابة، فيأخذه المبتدع ويضخمه.
الصحابة كانوا كلهم عدول، ولكنهم ليسوا معصومين، فهم ليسوا أنبياء لا يخطئون، ولكنهم يخطئون، ورغم ذلك زكاهم الله في القرآن، وأثبت العدالة لهم جميعاً، وفرق بين العدالة والعصمة.
قال العلماء أن ما بلغنا عما شجر بينهم أغلبه كذب وباطل، وما صح منه يجب أن نأوله تأويلا حسنًا، ونجد له أحسن المخارج، ونحسن الظن بهم، وإنهم إنما فعلوه عن اجتهاد، وما قصدوا به إلا الخير، مع سلامة الاعتقاد، فإن الله زكاهم وأثنى عليهم، وما كان الله ليثني عليهم وهم لا يستحقون ذلك الثناء مستقبلاً، وهم الذين بذلوا الوسع في الجهاد ونشر الدين بما لم يفعله غيرهم.
فرميهم بالنفاق وحب السلطة وتضخيم أخطائهم من أكبر الكبائر.
قال ابن دقيق العيد : وما نقل عنهم فيما شجر بينهم، واختلفوا فيه، فمنه ما هو باطل وكذب، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحاً أولناه تأويلا حسناً؛ لأن الثناء عليهم من الله سابق.
قال الآمدي: الواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكف عما جرى بينهم، وألا يحمل شيء مما فعلوه أو قالوه إلا على وجهة الخير وحسن القصد وسلامة الاعتقاد، وأنه مستند إلى الاجتهاد. [غاية المرام في علم الكلام].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق