أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

الحافظ ابن رجب الحنبلي ومنهجه في دراسة مختلف الحديث عقباوي العالية بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الحافظ ابن رجب الحنبلي ومنهجه في دراسة مختلف الحديث

عقباوي العالية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: يتناول هذا البحث العلمي والتطبيقي منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي في مختلف الحديث، وذلك من خلال استقراء وتقصّي بعض كتبه المشهورة، مثل: "جامع العلوم والحكم"، و"شرح البخاري"، و"مجموع رسائله"، حيث تناول الباحث بعض الأحاديث التي وقع فيها نوع إشكال وتعارض، فبين في كل منها: وجه التعارض، ثم كلام ابن رجب في حل هذا التعارض، ثم مناقشة كلام ابن رجب بالرجوع إلى كلام جمهور العلماء.

وقد ظهر للباحث توسط ابن رجب في حل التعارضات، من خلال الجمع، والنسخ، والترجيح، مما يعطي ثقة كبيرة في اختيارات الحافظ ابن رجب وآرائه الفقهية، وكذلك يعضد مناهج العلماء الموافقين له في ذلك، ولا شك أن مسائل الكتاب تقدم أمثلة عملية على علم مختلف الحديث. 

وقد جعل الباحث كتابه على مبحثين وخاتمة، واتبعنا في سرد مضمونه المخطط التالي:

المبحث الأول: ترجمة مختصرة عن حياة الحافظ ابن رجب، وجاء في مطلبين:

المطلب الأول: ترجمة مختصرة عن الحافظ ابن رجب:

تتضمن سيرته الذاتية: اسمه، ومولده، وأسرته، ووفاته، وكذا سيرته العلمية والمتمثلة في طلبه للعلم وبعض شيوخه وتلامذته وأهم مصنفاته.

المطلب الثاني: نبذة عن علم مختلف الحديث: 

تعريفه، وتحديد الفرق بينه وبين مشكل الحديث، ونشأة هذا العلم، وأهميته، وأشهر ما ألف فيه.

المبحث الثاني وهو لب بحثنا هذا، تطرقنا فيه لمنهج ابن رجب في دفع التعارض بين الأحاديث، من خلال تطبيقه للمسالك والقواعد التي أقرها العلماء في ذلك.

وجاء هذا المبحث مرتكزاً على ثلاث مطالب؛ وطرح في كل منها مسلك من هذه المسالك عند ابن رجب: فـ(المطلب الأول) وسم بمنهج ابن رجب في الجمع بين الأحاديث، مع بعض الأمثلة في ذلك. و(المطلب الثاني) منهج ابن رجب في إثبات النسخ بين بعض الأحاديث المتعارضة ظاهرياً، مع استحضار بعض الأمثلة في ذلك. ثم (المطلب الثالث) في منهج الترجيح عنده مع عرض بعض الأمثلة فيه.

وقد تناولت بعض الدراسات العلمية هذا الموضوع بالبحث والتنقيب، وذلك في رسالتين: 

(الأولى) رسالة دكتوراه بعنوان (منهج الحافظ ابن رجب في مشكل الحديث دراسة نظرية تطبيقية لياسر بن عبد العزيز بن أحمد الربيع).

و(الثانية) رسالة علمية بعنوان (منهج الحافظ ابن رجب في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري مع تحقيق ودراسة كتاب الصلاة للباحث عبد الله بن علي بن صالح الجعيثن).

بالإضافة إلى العديد من الدراسات التي تناولت منهج ابن رجب في مؤلفاته، منها:

١-"آراء ابن رجب الحنبلي الأصولية جمعاً ودراسة لمسرج بن منيع بن مطلق الروقي، أشرف عليها د: عابد بن محمد السفياني.

٢ و"فقه الحديث عند الحافظ ابن رجب الحنبلي من خلال كتابه جامع العلوم والحكم لبورحلة، عبد القادر، إشراف د: سليماني عبد القادر

________________________________

المطلب الأول: ترجمة الحافظ ابن رجب الحنبلي

أولاً: سيرته الَّذاتيَّة:

١-اسمه، ولقبه ونسبه: 

يعد ابن رجب أحد أبرز المحِّدثين في القرن الثّامن الهجري؛ وهو عبد الّرحمن أبو الفرج الملّقب بـ(زين الّدين)، ابن أحمد ابن رجب عبد الّرحمن ابن الحسن ابن محمد ابن أبي البركات مسعود البغدادي الّدمشقي، والمعروف بالحافظ ابن رجب الحنبلي؛ و(ابن رجب) هو لقب جّده عبد الّرحمن كما أورد ابن العماد في شذراته، أّما (الحنبلي) فنِسبة إلى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل -رحمه الله-.

٢-مولده: 

اتّفقت معظم كتب الّتراجم التي اطّلعنا عليها أنّه ولد سنة ست وثلاثين وسبعمائة، في حين ذهب البعض إلى أن مولده كان سنة ست وسبعمائة، وهو قول ضعيف؛ لأن هذه السنة هي سنة مولد والده أحمد ابن رجب. أَّما مكان ولادته؛ فقد ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه إِنباء الغُمر؛ فقال: "ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة".

٣-أسرته:

لم تذكر كتب الّتراجم أي تفاصيل عن أسرة ابن رجب -رحمه الله- سوى والده أحمد ابن رجب وجِّده عبد الرحمن؛ أَّما باقي أفراد أسرته سواء عائلته الكبيرة (أّمه وإخوته)، أو عائلته الصغيرة (زوجته وأولاده)، فلم تقف الكتب الِّتي ترجمت له على شيء من أخبارهم. 

وسنحاول فيما يلي -إن شاء الله- إلقاء لمحة طفيفة حول بعض ما أورده المَؤِّرخون عن حياة أبيه وجده وأبرِز مناقبهما.

فأما أبوه فهو: الشيخ الإمام العالم الصالح المقِرئ المحِّدث شهاب الّدين أبو العباس أحمد ابن رجب عبد الرحمان بن الحسن بن محمد ابن أبي البركات مسعود البغدادي، ولد صبيحة يوم السبت الخامس عشر ربيع الأول سنة ست وسبعمائة.

اقرأ -رحمه الله- القرآن بالّروايات،كما أخذ عن جماعة من الشيوخ عدًدا لا يحصى من الّروايات، وقد ألّف معجماً جمع فيه شيوخه بتراجم ملخصة وفريَدة كما وصفها ابن ناصر الّدين الّدمشقي في الرِّد الوافر، وهذا المعجم هو نفسه الذي انتقى منه ابنه زين الّدين ابن رجب (موضوع بحثنا هذا) مؤلّفه الذي سمّاه (المنتقى من معجم شيوخ شهاب الّدين أبي العبّاس أحمد ابن رجب الحنبلي)، وقد عرض هذه النّسخة المنتقاة على شيخه ابن القيِّم -رحمه الله- فعلّق عليها. توفي رحمه الله سنة ٧٧٤ ه.

وَجُّده عبد الّرحمن ابن الحسن ابن محمد ابن أبي البركات ابن مسعود البغدادي الملّقب برجب، وقد ترجم له ابنه شهاب الّدين في معجم شيوخه ونقل هذه الَّترجمة حفيده زين الّدين في كتابه المذكور آنفاً فقال عنه: "سمع الكثير من المفيد المعروف بابن المجلخ وابن عّزال المقرئ الواسطي، وصفي الّدين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن إبراهيم المعروف بابن الماِلحاني وغيرهم من شيوخ بغداد...وكان اسمه عبد الّرحمن واشتهر برجب لولادته فيه...مولده تقريبا في سنة سبع وسبعين وستّمائة...توفي ليلة الّسبت خامس صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة... ولم يخلّف درهما مع حسن التّجمل والتعّفف عن الخلق والإيثار وصلة الّرحم بما يملك وغيرهم. وعليه فقد كان -رحمه الله- محّدثا له وزنه ومكانته بين علماِء عصرهِ حيث ترّدد، ذكره كثيراً في تراجم علماء الحنابلة وأعلامهم.

ثانياً: سيرته العلميّة:

وبعدما أن تعَّرفنا على الجوانب الَّشخصية في سيرة ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى-، سنحاول الآن أن نسلِّط الضوء على جانب مهم في حياته؛ وهو سيرته العلميَّة وما تضمنتهُ من محطَّات ووقفات.

١-طلبه للعلم:

ليس من المستغرب أن ينشأ بن رجب مهتماً بالعلم منكباً على طلبه، والتّزّود منه؛ فالّرجل ابن بيئته، وقد ترعرع زين الّدين كما سبق ورأينا في وسط علمي؛ بين أبيه العالم، المحّدث والمْقِرئ وكذلك جّده -تغّمدهما الله برحمته-، وكان وهو صغير يحضر مجَالِسهما العلميّة، كما كان يحضر دروسا لشيوٍخ غيرهم من ذلك ما ذكره في ترجمة شيخه عبد الّرحيم بن عبد الله قال: "وحضرت َدْرَسهُ وأنا إذ ذاك صغير لا أُِحُّقهُ جيِّداً. 

ولشّدة ِحرص والده على تعليمه؛ عمل على اصطحابه معه في كثير من رحلاته في طلب العلم، وقد تَـتَـْلمَذ على أيْدي شيوِخ أبيه وشاركه في كثير منهم، وفي ذلك نصوص وشواهٌد عديدةٌ منها ما َرواه بن رجب نفسه كقوله: "وَحججت تلك السنة أيضاً مع والدي؛ فقرأت على شيخنا أبي حفص عمَر ثلاثيّات البخاري بالحُلَّة المزيديّة". 

ومنها ما نقله أصحاب الّتراجم، جاء في الّدرر الكاِمنة أنّه: "قدم دمشق مع والده فسمع معه من محّمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، وإبراهيم بن داود العطّار وغيرهما".

وقال ابن العِماد: "قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع وأربعين وسبعمائة وأجازه بن النّقيب والنّووي، وسمع بمكة على الفخر عثمان ابن يوسف واشتغَل بسماع الحديث باعتناء والده".

شب ابن رجب ونمى معه َشغَُفه وحبُه لطلب العلم، فقد قرأ القرآن بالّروايات، وأكثر عن الشيوخ، ثم اهتم بعلم الحديث ونـَبَغ في ذلك كثيرا حتى لُِّقب بالمحِّدث، قال ابن حجر: مهر في فُنوِن الحديث أسماءً ورجالاً وعللاً وطرقاً واطّلاعاً على معانيه، كما نُقل عن ابن حجي قوله عنه: (أتقن ألفن) أي: الحديث (وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبُّع الطّرق، وهو العلم الذي برز فيه واشتهر به، وكان مع ذلك فقيهاً أصولياً ومؤرخاً. وبالإجمال فقد كان -رحمه الله- موسوعياً، وُملِماً بطرف غير قليل من العلوم.

٢-أشهر شيوخه:

إن المتصّفح لحياة بن رجب يدرك تمام الإدراك أن َوفرةَ علمه مستَقاة ِمن عيوَن وموارد شّتى، فله -رحمه الله- من الشيوخ الكثير، وكل منهم حجة في مجاله، وقد قام صاحب (كتاب ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف) باستقَصاِء جميع شيوخه من خلال ُكتب الّتراجم والمراجع الّتي ترجمت له، وكان له السبق في ذلك، حيث بـَلَغ عَددُهم سبعةً وخمسين شيخاً، وفيما يلي مسرد لأشهرهم:

*ابن النّقيب:أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الّرحمن بن نجدة بن حمدان الّدمشقي، شمس الّدين ال ّشافعي ت ٧٤٥ هـ.

*علاء الدين: أحمد بن عبد المؤمن النّووي الشافعي ت ٧٤٩ هـ.

*ابن القيّم الجوزيّة: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيّوب بن سعد بن حريز الّزروعي الّدمشقي، الشيخ، الفقيه، الأصولي، المفسر، النّحوي، ولد سنة إحدى وتسعين وستّمائة، وهو أشهر من أن يُعّرف، وقد عرف عن ابن رجب تأثّره به، حيث لازمه مّدة من الّزمن حّتى وفاته -رحمه الله- سنة ٧٥١ هـ.

يقول في ذلك: "ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه قصيدته النّونيّة في السنّة وغيرها، وأشياء من تصانيفه".

*صدر الدين: أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي ت ٧٥٤ هـ.

*جمال الدين: يوسف بن عبد الله بن العفيف المقدسي النابلسي ت ٧٥٤ هـ.

*ابن خبّاز: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بَركات بن سعد الّدمشقي العبّادي ٧٥٦ هـ.

*فتح الدين: أبو الحرم محّمد بن محمد الَقلانِسي الحنبلي ت ٧٦٥ هـ.

*ابن قاضي: أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قُدامة الفقيه اَلنحوي شيخ الحنابلة ت ٧٧١ هـ.

*والده شهاب الدين: أبو العبّاس أحمد ابن رجب عبد الّرحمن بن الحسن بن محمد بن أبي البركات مسعود البغدادي ت ٧٧٤ هـ. (سبقت ترجمته بالتّفصيل) وهو أّول َمعِين استقى منه بن رجب ونهل من علمه.

* شهاب الدين :أحمد بن عبد الكريم البَعلي ت ٧٧٧ هـ.

* شهاب الدين:أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن مح ّمد الحريري المقدسي المَرداوي الصالحي ٧٨٥ هـ.

٣-تلاميذه:

ّتفرغ الشيخ زين الّدين للعلم واْشتغل به عما ِسواه، ويظهر من سيرته -رحمه الله- أنّه كان َزهيًدا في الّدنيا، مترفِّعا عن ُمجالسِة ذَِوي النّفوذ والّتردد عليهم، كما كان يحب اعتزال النّاس، وَتجنُّب الإطْناب في الحديث وسَفاسف الأمور، ويؤّكد ذلك ما جاء في الجوهر المنضد من أنّه: "كان لا يعرف شيئا من أمور الدنيا، فارغا من الرئاسة، ليس له شغل إّلا الاشتغال بالعلم".

وإلى جانب شغفه الّدائم بطلب العلم والاستزادة منه، فقد اشتغل كذلك بالتّدريس والوعظ، ويصف ابن العماد مجالسه الوعظية فيقول: "وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللنّاس عاّمة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة إليه".

دّرس -رحمه الله- بالمدرسة الحنبليّة بعد وفاة القاضي شمس الّدين بن التّقى، ووليّ التّدريس في حلقة الثّلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل في رجب سنة إحدى وتسعين، فكان معينا لا ينضب، وموردًا علمياً فجاجاُ، يأتيه طّلاب العلم من كل حدب وصوب، وقد "تفقه عليه جماعة من الأكابر كالقاضي علاء الّدين بن اللّحام والشيخ داود...، ولضيق الوقت وحّتى لا نطنب في ذلك؛ سنقتصر على ذكر أشهر تلاميذه.

* ابن الرسام: أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسماعيل، الشيخ الإمام الفاضل قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس، المعروف بابن الرسام، ولد تقريبا سنة ٧٧٣ هـ بحماة، وأجاز له جماعة منهم: المحب وابن رجب، توفي في شوال سنة أربع وأربعين وثمانمائة.

*ابن اللّحام: علاء الّدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبّاس البعلي، نزيل دمشق الّشهير بابن اللّحام، شيخ الحنابلة وقته، اشتغل على الشيخ زين الّدين ابن رجب، واجتمع عليه الطّلبة وانتفعوا به، وصنّف في الفقه والأصول توفي في عيد الفطر سنة ثلاث وثمانمائة -رحمه الله-. 

*داود بن سليمان: بن عبد الله الموصلي ثمّ الّدمشقي الحنبلي، الشيخ الإمام العالم الصالح، زين الّدين أبو سليمان، أخذ عن الشيخ زين الّدين بن رجب، وتفّقه وأخذ عنه جماعة من العلماء.

*الزركشي: عبد الّرحمن ابن محمد الّزركشي المصري، المسند العلامة مولده في سابع عشر رجب سنة خمسين وسبعمائة، كان خّيرا فاضلاً، ناب في الحكم بمصر مدة طويلة واستقر في تدريس الأّشرفية في القاهرة.

*ابن سعيد الحنبلي: محّمد بن أحمد بن سعيد، الشيخ الورع الّزاهد أثنى النّاس عليه بالخير، وصنّف كتابا سمّاه سفينة الأبرار في مجلّدين في الوعظ، توفي بعد العشرين والثّمانمائة.

٤-مؤلّفاته:

َعلِْمنا فيما سبق أن بن رجب كان شاسع المعرفة ُملِما بعدد من العلوم، وتشهد له بذلك ّمؤلفاته السديدة والمفيدة، كما وصفها ابن ناصر الّدين الّدمشقي، وابن فهد الهائي المالكي، والتي تمثّل اليوم كنزاً من كنوز وذخائر الّتراث العربي الإسلامي، وقد عمل ثلّة من الباحثين -جزاهم الله خيراً -على تحقيق العديد منها وإخراجها لينتفع بها طّلاب العلم، ونورد منها:

*التّفسير:

- تفسير سورة الإخلاص (مطبوعة مع مجموع الّرسائل لابن رجب).

- تفسير سورة النّصر (مطبوعة مع مجموع الّرسائل لابن رجب)

-الكلام على قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر: ٢٨

*الحديث:

- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: قال ابن ناصر الّدين الّدمشقي: وشرح من أّول صحيح البخاري إلى الجنائز، وقال عنه ابن عبد الهادي في الجوهر المنضد: وشرح قطعة من البخاري إلى كتاب الجنائز شرحاً نفيساً وهي من عجائب الّدهر ولو كمل كان من العجائب.

- شرح جامع الّترمذي: يقول طلعت بن فؤاد الحلواني في مقدمة تحقيقه موسوعة رسائل ابن رجب: وهذا الكتاب لو وجد كاملاً لأغنى العلماء وطلاب العلم عن سائر شروح الّترمذي.

-شرح علل الّترمذي: وقد شرح فيه العلل الصغير للّترمذي فكان شرحا مفيدا قيّما لا يستغني عنه طّلاب العلم لما فيه من تبيان وتجليّة لمبهمات هذا العلم المهم.

-جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم.

- رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد:

- شرح حديث :"من سلك طريقا يلتمس فيه علما".

- شرح حديث:"ما ذئبان جائعان".

- شرح حديث:"لبّيك اللّهم لبّيك".

- شرح حديث عمار بن ياسر"اللّهم بعلمك الغيب".

- شرح حديث:"مثل الإسلام".

- شرح حديث:"تمثيل المؤمن بخامة الّزرع".

- شرح حديث:"بعثت بالسيف بين يدي الساعة".

- شرح حديث شّداد ابن أوس:"إذا كنز النّاس الّذهب والفّضة".

- شرح حديث:"إن أغبط أوليّائي عندي".

شرح حديث:"بدأ الإسلام غريباً".

- شرح حديث:"يتبع الميت ثلاث".

- "تسليّة نفوس النّساء والّرجال عند فقد الأطفال".

- "البشارة العظمى للمؤمن بأن حظّه من النّار الحمى".

- "صدقة السر وفضلها".

- "مختصر فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معاملة الظّالم السارق".

في الفقه:

- القواعد الفقهيّة: وقد ضمنه مائة وستّين قاعدة.

- الاستخراج في أحكام الخراج.

- أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة .

في التّاريخ:

- "ذيل طبقات الحنابلة: وهو سجل حافل لأعلام المذهب، ذيّل به على طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى.

في الوعظ والّرقائق والتّوحيد:

- لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف.

صفة النّار والتّحذير من دار البوار.

- أهوال يوم القيّامة.

- "فضل علم ال ّسلف على علم الخلف".

- "تحقيق كلمة الإخلاص".

هذه أهم مصنّفات الحافظ بن رجب -رحمه الله- وقد ضاع من مدّوناته النّفيسة الكثير زمن الفتنة.

٥-عقيدته:

إن المتتبّع لكلام ابن رجب -رحمه الله- وآراءه العقديّة يدرك أنّه كان على عقيدة الّسلف السليمة الّصحيحة، يقول عبد الله بن سليمان العقيلي في هذا: فهو سلفي العقيدة على طريقة أهل الحديث يقول بما قال به الصحابة رضي الله عنهم والتّابعون والأئمة المشهورين من أئمة السلف الصالح - رحمهم الله تعالى- الذين لا يَأْلُون جهداً في نشر عقيدة أهل السنّة والجماعة، والذين يؤمنون بأسماء الله وصفاته التي ثبتت بكتاب الله سبحانه وتعالى، وشهد له رسوله عليه الصلاة والسلام كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل.

ويؤيّد هذا القول قول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: والصواب ما عليه السلف الصالح، من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتّة.

٦-مذهبه:

كان زين الّدين -رحمه الله- حنبلي المذهب، ويظهر ذلك من خلال آرائه الفقهيّة ومؤلّفاته، فقد ألّف كتابا يترجم فيه لعلماء الحنابلة، كما أّن له أيضاً كتاب القواعد الفقهيّة على مذهب الإمام أحمد، بل وعاّمةكتبه وأقواله ذات صبغة حنبليّة، إضافة إلى شهرته بالحنبلي.

٧-ثناء العلماء عليه:

لا عجب أن يكون بن رجب محل ثناء وتزكيّة من علماء عصره وغيرهم، فرجل مثله زهد في الّدنيا ومتاعها، واعتكف لطلب العلم وتحصيله، فجاد وأفاد حتى ذاع صيته في مشارق الأرض ومغاربها، وأضحى قبلة لطلبة العلم، هو حقا أهل لذلك الثّناء، وهذا بعض ما قيل عنه:

يقول تلميذه بن اللّحام: شيخنا الإمام العالم العّلامة الأوحد الحافظ شيخ الإسلام مجلي المشكلات وموضح المبهمات.

وقال ابن حجر فيه: مهر في فنون الحديث أسماءً ورجالاً وطرقاً واطّلاعا على معانيه وكان صاحب عبادة وتهجد.

وقال عنه ابن حجي: أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطّرق وكان لا يخالط أحداً ولا يترّدد إلى أحد.

وقال ابن فهد المكي: الإمام الحافظ الحجة والفقيه العمدة أحد العلماء الّزّهاد والأئمة العبّاد مفيد المحّدثين واعظ المسلمين.

وقال ابن ناصر الّدين الّدمشقي: الشيخ الإمام العلامة الّزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثّقة الحجة واعظ المسلمين مفيد المحّدثين.

وقال عنه السيوطي: الإمام الحافظ المحدث الفقيه الواعظ.

وقال العليمي فيه: الشيخ الإمام العالم العامل العّلامة الّزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثّقة الحجة، زين الملّة والشريعة والّدنيا والّدين شيخ الإسلام، وأحد الأعلام واعظ المسلمين مفيد المحّدثين جمال المصنّفين، كان أحد الأئمة الحّفاظ الكبار والعلماء الزهاد الأخيار.

وقال ابن العماد: وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة، وللنّاس عاّمة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة إليه. 

وفي المجمل فقد كان -رحمه الله- عابداً زاهداً، وعالماً فذاً، وسراجاً منيراً، سخره الله سبحانه لنصرة دينه وخدمته.

٨- وفاته:

توفي ابن رجب- رحمه الله تعالى-ليلة الاثنين رابع رمضان سنة ٧٩٥ هـ، وعمره تسع وخمسون عاماً، قضاها كلها في طلب العلم وتدارسه وتدريسه، وقد كانت حياته حافلة بالإنجازات العلمية الكثيرة،المتنوعة والمفيدة، نقل ابن ناصر الّدين الّدمشقي قصة عجيبة يقال أّنها حدثت قبل أيام من وفاته؛ فقال: حّدثني من حفر لحَد ابن رجب أّن الشيخ زين الدين بن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام،قال:فقال لي احفر لي هنا لحدا،وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه، وقال هذا جيّد ثم خرج. قال فوالله ما شعرت به بعد أيام، إلا وقد أُِتي به ميتا محمولاً في نعشه،فوضعته في ذلك اللّحد، وواريته فيه.

وقد علق محقق كتاب الّرد الوافر على هذه القصة بقوله: مثل هذه القصة كان الأفضل أن لا تروى فإنها إن صحت فتكون مرتكزاً لأهل الخرافة والأباطيل ليسردوا من أمثالها العشرات،وهي لا تصح لأن راويها مجهول.. وفي هذا الكلام ما يؤيده العقل والواقع يشهد على ذلك،فهذا والله أعلم مما يدخل في باب سد الذرائع.

________________________

المطلب الثّاني: تعريف علم مختلف الحديث.

لقد حفظ الله سبحانه ّسنة نبيّه بأن سخر لها علماء أكّفاء ورجالا عظماء، عملوا على جمعها وصونها عن التّحريف والتّصحيف، وجهدوا في تصنيف علوم الحديث وأنواعه، فكثرت ّمؤلفاتهم في ذلك وتعّددت، لتصبح مصادر نفيسة جليلة لا غنى لطالب العلم عنها. 

ومن بين ما تناوله المحدثون بالّدراسة والتّأليف (علم مختلف الحديث)؛ فما مفهوم هذا العلم وما هي ضوابطه؟ وما الفرق بينه وبين مشكل الحديث؟، هذا ما سنعمل -بإذن الله- على بسطة فيما سيأتي.

أولا: التّعريف بمختلف الحديث وبيان الفرق بينه وبين مشكل الحديث.

١-التّعريف بمختلف الحديث:

(أ) لغة: من اختلف يختلف اختلافا؛ً بمعنى تباين وتغاير، جاء في لسان العرب: تخالف الأمران، واختلفا: لم يتفقا، وكل ما لم يتساوى فقد تخالف واختلف، وقوله تعالى {والنخل والزّرع مختلفاً أكله} (الأنعام: ١٤١)، أي في حال اختلافه. 

واختلف الناس في كذا، والناس ِخلفة أي: مختلفون... لأ ّن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الّذي نحا.

(ب) اصطلاحا: عّرفه الحاكم النّيسابوري بأنّه: معرفة سنن لرسول الله صلى الله عليه وآله يعارضها مثلها فيحتج أصحاب المذاهب بأحدهما، وهما في الصحة والسقم سيّان.

ويرى الإمام الشافعي أنّه: لا ينسب الحديثان إلى الاختلاف ما كان لهما وجها يمضيان معا، إنمّا المختلف ما لم يمضي إّلا بسقوط غيره مثل أن يكون الحديثان في ال ّشيء الواحد هذا يحله وهذا يحرمه.

وقال النّووي في تعريفه: هو أن يأتي حديثان متضاّدان في المعنى ظاهراً؛ فيوفق بينهما أو يرّجح أحدهما.

وقد عّرفه بعض المعاصرين فكانوا بين مختصر ومطنب في بيان معناه ومن بينهم: "نور الّدين عتر" حيث يقول في تعريفه له: هو ما تعارض ظاهره مع القواعد فأوهم معنى باطلاً أو تعارض مع نص شرعي آخر.

وعّرفه الحافظ ابن حجر بقوله: المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله إن أمكن الجمع فهو مختلف الحديث.

وقّسم ابن الصلاح مختلف الحديث إلى قسمين، نوجز ما ذكره عنهما في المخطّط التّالي:

١-حديثان غير متضادين، ويمكن الجمع بينهما، ويتعّين القول بهما معاً.

٢-حديثان متضادان لا يمكن الجمع بينهما، وهو على ضربين:

أ-أن يكون أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً: فيعمل بالنّاسخ ويترك المنسوخ.

ب- أن يلتبس أيهما النّاسخ وأيهما المنسوخ: فيلجأ إلى الّترجيح، ويعمل بالأرجح والأثبت.

وبناءً على ما سبق، نخلص إلى أنّه: ّن العلماء قد اختلفوا في اصطلاحاتهم على مختلف الحديث؛ فبعضهم أطلق عبارة مختلف الحديث على جميع الأحاديث المتعارضة ظاهرياً؛ سواء أمكن دفع هذا التّعارض بالجمع أو الّترجيح أو النّسخ (وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء)، ومنهم من خّص هذا المصطلح بالأحاديث التي يمكن دفع التّعارض بينها بالجمع فقط، في حين أطلقه آخرون على الأحاديث التي يدفع تعارضها الظّاهري بالتّوفيق والّترجيح فقط.

ويبقى هذا التعارض القائم بين الأحاديث ظاهري، لأن السنة الصحيحة لا يمكن أن تتناقض فيما بينها أبدا، لكونها وحي منزل من عند المولى عز وجل، والعلماء المتبحرون في هذا الفن لا يجدون صعوبة في دفع هذا التعارض السطحي؛ لقوة فهمهم واستيعابهم لمراده صلى الله عليه وسلم من هذه الأحاديث.

وخير شاهد على هذا الكلام مقولة ابن خزيمة رحمه الله وهو من أشهر الخائضين في ذلك: لا أعرف أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين بينهما متضادان،فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف.

*شروط التّعارض الحقيقي بين الأحاديث:

- التّضاد التّام بين الّدليلين.

- الحجيّة في المتعارضين .

- التّساوي بين المتعارضين .

- إّتحاد المتعارضين في الوقت والمحل.

٢-الفرق بين مختلف الحديث ومشكل الحديث:

قبل تحديد الفرق بين المصطلحين؛ ارتأينا ضرورة استحضار معنى مصطلح المشكل حتى نتمكن من استنتاج الفرق بينهما.

فالمشكل لغة: من الاختلاط والالتباس، يقال أشكل علي الأمر بمعنى اختلط والتبس وأشكلت علّي الأخبار وأحكلت: بمعنى واحد. 

والأشكل عند العرب اللّونان المختلطان.

أّما في الاصطلاح فقد عّرفه الطّحاوي بقوله: هو الآثار المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة وحسن الأداء لها ويوجد فيها أشياء سقطت معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر النّاس.

وعّرفه الّدكتور أسامة خيّاط فقال: أحاديث مرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد مقبولة، يوهم ظاهرها معاني مستحيلة أو معارضة لقواعد شرعيّة ثابتة.

إذًا ومن خلال هذا التّعريف للمشكل وتعريف المختلف الذي سبق يمكننا أن نستخلص الفروق بينهما كما يلي:

*أّول فرق بينهما يكمن في المعنى اللّغوي؛ فالمختلف مشتق من الاختلاف وهو عدم الاتّفاق، بينما المشكل مشتق من الإشكال وهو الاختلاط والالتباس.

*الفرق الثّاني بينهما في السبب؛ فالمختلف سببه معارضة حديث لحديث آخر أو أكثر في الظّاهر، أّما المشكل فسببه معارضة حديث لآية أو معارضة بين حديثين فأكثر، وقد يكون سببه معارضة الحديث للإجماع أو للقيّاس أو للعقل. ومن الممكن أن لا يكون لأّي سبب من هذه الأسباب وإّنما لغموض والتباس في دلالة اللّفظ بحّد ذاته.

*وعليه فمشكل الحديث -كما اتّضح ممّا سبق - أعم وأشمل، في حين أن مختلف الحديث هو فرع بينهما

من فروعه، رغم أ ن أغلب العلماء المتقّدمين وبعض المتأخرين لم يفّرقوا فكانوا يذكروهما كمصطلح واحد.

٣-نشأة مختلف الحديث:

لقد ظهر زمن النبي صلى الله عليه وسلم عدد لا يحصى من العلوم؛ نتيجة للّرقي الفكري والحضاري الذي شهده العالم العربي آنذاك، ومن تلك العلوم ما تعلّق بالسنة النبّوية كعلم مختلف الحديث؛ الذي برزت إرهاصاته في تلكُم الفترة، فقد واجه الصحابة رضوان الله عليهم مواقف أشكل فيها عليهم فهم معاني بعض الأحاديث والعمل بها؛ لتعارضها الظّاهر.

فما كان منهم إّلا أن رفعوا ذلك الإشكال إلى الّرسول عليه الصلاة والسلام؛ ونذكر من ذلك على سبيل المثال ما رواه ابن عمر رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب أنه قال: »لا يصلََّين أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة مع قوله عليه الصلاة والسلام: أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها.

فيبدو من ظاهر هذين الخطابين أّنهما مختلفان ومتعارضان، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم؛ ففي الحديث الأّول ‘نهى النّبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إّلا بعد دخول بني قريظة وإن فات الوقت؛ فهذا ما يوحي به ظاهر الحديث، بينما الحديث الثّاني فيه ترغيب في أداء الصلاة في وقتها وأنّه من أحب الأعمال إلى الله، وهذا ما نتج عنه تصّور لمعنيين مختلفين.

ذهب بعض الصحابة إلى العمل بظاهر الحديث وقالوا أّنهم لن يصلّوا العصر إّلا بعد دخول بني قريظة، فيما فهم البعض الآخر أن المراد منهم ليس تفويت وقت صلاة العصر، وإّنما المقصود الإسراع في الوصول إلى بني قريظة فصلّوا العصر، ثمّ لحقوا بأصحابهم.

وقد روى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلّين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)، فأدرك بعضهم العصر في الطّريق فقال بعضهم: لا نصلّي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يرد منا ذلك؛ فذكر ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعنّف واحدا منهم.

وفي هذا دليل على أن النّبي عليه الصلاة والسلام قد أقّر كلا الفريقين على اجتهاده، ولم ينكر على أي منهما فعله.

وقد جرى التّعامل مع تعارض الأحاديث واختلافها على مّر الأزمنة؛ بدءا بعصر النّبوة والصحابة إلى التّابعين، فتابعيهم، ثمّ من تلاهم حّتى عصرنا هذا، وفي ذلك الكثير من الشواهد؛ التي جمعتها وحفظتها لنا المصنّفات الكثيرة التي ألّفت في هذا الّشأن والتي لا يسعنا ذكرها بعاّمة.

٤-أهميّته:

إّن لعلم مختلف الحديث من الأهميّة والمكانة الجليّة ما لا يسع جهله؛ لدوره وقيمته في فهم نصوص السنّة النّبوية والّذود عنها من تربّص المضلّلين والطّاعنين؛ الذين لا يؤلون جهدا في فعل ذلك، وقد سخر الله سبحانه من عباده علماء حلماء أجلاء؛ كّرسوا حياتهم ووقتهم للرّد على أوليّاء ال ّشيطان ودحر افتراءاتهم بالّدليل والحجة الّدامغة.

ومعرفة علم مختلف الحديث ضرورة لا يستغني عنها العلماء ولا طّلاب العلم ومريديه؛ وذلك لاتصاله وترابطه مع العديد من العلوم؛ قال الإمام النّووي: هذا فن من أهم الأنواع ويضطّر إلى معرفته جميع العلماء من الطّوائف.

وهو كما ذكر السخاوي أيضاً: مضطر إليه جميع الطّوائف من العلماء وإّنما يكمل به من كان إماماً جامعا لصناعتي الحديث والفقه غائصاً على المعاني الّدقيقة.

ومن جميل ما وصف به هذا العلم قول شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-: فإّن تعارض دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم، أي: واسع ويحتمل اجتهادات وآراء متعّددةكما سبق ورأينا في حديث بني قريظة -والله أعلم.

٥-أشهر ما ألّف فيه:

لقد أُلّف في علم مختلف الحديث عدد لا يحصى من المصنّفات والّرسائل؛ منها ما ُخص به، وأُفرد له، ومنها ما ذكر ضمنه كجزء وعنصر من علوم الحديث، ومن أهم وأشهر تلك المؤلّفات:

*اختلاف الحديث للإمام الشافعي ٢٠٤ هـ: 

وهو أّول مصنّف في هذا العلم، وكان للإمام الشافعي-رحمه الله- شرف الريّادة في تدوين هذا العلم قال الإمام النّووي:» وصنّف فيه الإمام ال ّشافعي ولم يقصد -رحمه الله- استيفائه بل ذكر جملة ينبّه بها على طريقه. وقد ضمنه بعض العلماء لكتاب "الأم" وقالوا أنّه جزء من الأم وأن الإمام الشافعي لم يفرده بالتّأليف، ومن بين هؤلاء الحافظ العراقي في كتابه "التّبصرة والتّذكرة" للسيوطي في تدريب الّراوي، فيما اعتبره البعض الآخر مؤلّفا مستقلا بذاته ومنهم ابن النّديم في كتابه الفهرست والبيهقي في مناقب الشافعي.

*تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ٢٧٦ هـ:

يقول الإمام بن قتيبة في ذكر مقصده من تأليف كتابه هذا: ونحن لم نرد في هذا الكتاب أن نرّد على الّزنادقة ولا المكّذبين بآيات الله عّز وجل ورسله وإّنما كان غرضنا الّرد على من اّدعى على الحديث التّناقض والاختلاف، واستحالة المعنى من المنتسبين إلى المسلمين.

وقد بذل -رحمه الله- جهدا كبيرا فيه وأزال التّعارض والالتباس عن بعض النّصوص التي اّتخذها ذوو الأذهان السقيمة وأعداء الّدين حججا لشكوكهم ومزاعمهم في تضارب نصوص السنّة سواء فيما بينها أو مع النّصوص القرآنيّة، وإن كانت قد أخذت على هذا الكتاب ثلّة من المآخذ كما ذكر بعض العلماء، قال الإمام بن الصلاح رحمه الله: وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى، إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه قصر باعه فيها، وأتى بما غيره أولى وأقوى.

*شرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطّحاوي ٣٢١ ه: 

يقول -رحمه الله- مبيناً مقصده من مؤلّفه هذا: فإني نظرت في الآثار المرويّة عنه صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبّت فيها والأمانة عليها وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء ممّا سقطت معرفته والعلم بما فيها عن أكثر النّاس فمال قلبي إلى تأّملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام فيها، ومن نفي الإحالات عنها وأن أجعل ذلك أبواباً أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك فيها حتى أبّين ما قدرت عليه منها.

*مشكل الحديث وبيانه لابن فورك الأصبهاني ٤٠٦ ه:

وهو كتاب خ صصه صاحبه بأحاديث العقيدة المتعلّقة بالأسماء وال ّصفات، وإن كان بعض العلماء يرى أ ّن ابن فورك قد أخذته الحميّة على مذهبه الأشعري في مصنّفه هذا، إذ أنّه أّول الكثير من الأحاديث بحسب ما يتناسب مع آراء وأقوال أصحاب المذهب في ذلك.

وغير هذه المؤلّفات كثير؛ إّنما اقتصرنا على أسبقها وأشهرها في هذا الفن تجنّبا للإطناب واقتصاداً للوقت.

٥- مسالك العلماء في دفع التّعارض:

قبل الخوض في لب بحثنا هذا -إن شاء الله- والمتمثّل في دراسة منهج ابن رجب في مختلف الحديث؛ ارتأينا أن نسلّط الضوء باختصار على المسالك التي وضعها العلماء لرفع التّعارض القائم بين الأحاديث، وترتيبهم لها كل حسب رأيه وذلك من خلال المخطّط الآتي


مسالك العلماء في دفع التّعارض

الجمع - الترجيح - النسخ - التوقف

هذه المسالك التي وضعها العلماء لمعالجة الاختلاف الظّاهري القائم بين النّصوص إلا أنهم اختلفوا في ترتيبها إلى مذهبين هما كما يلي: ١-مذهب جمهور العلماء ٢-ومذهب الحنفية.

مذهب جمهور العلماء: على أنه يجب إتباع الترتيب الآتي لفك التعارض بين الأحاديث المختلفة:

أ- الجمع بين الحديثين: 

فأّول ما على المجتهد أن يقوم به عند وجود نصين متعارضين هو محاولة التّوفيق بينهما قدر المستطاع، لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما؛ قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: وكلما احتمل الحديثان أن يستعملا معاً استعملا معاً، ولم يعطل واحد منهما الأخر.

ب- النّسخ: 

ويذهب إليه إذا تعّذر الجمع، بحيث يبحث المجتهد عن تواريخ النّصين فإن وجد أن أحدهما متأخر عن الآخر علم أن بينهما نسخ فيقّدم النّاسخ ويعمل به ويترك المنسوخ، قال ابن حجر: النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع.

ج- الّترجيح: 

وينتقل المجتهد لهذا المسلك إذا تعّذر الجمع بين النّصين ولم يستطع التّوصل إلى تاريخهما ويكون الّترجيح بتقويّة أحد الحديثين على الآخر بمرجحات، قال الإمام الشافعي: ومنها مالا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى سنن النبي صلى الله عليه وسلم ...فأي الأحاديث المختلفةكان هذا فهو أولهما عندنا أن يصار إليه.

د- التّوقف: 

إذا تعّذرت المسالك الثّلاث ال ّسابقة فإن المجتهد مضطر إلى التّوقف، وهو أن يتوقف المجتهد عن العمل بأحد النصين، ولكن يبقى مسلك التوقف؛ مسلك افتراضيا؛ لأنه نادراً ما يتجاوز المجتهد المسالك الثلاث السابقة (الجمع والنسخ والترجيح)

مذهب الحنفية:

أ- النسخ: فالنسخ أولى عندهم من الجمع والترجيح، ويرون أن أول ما على المجتهد القيام به في حال وجود نصين متعارضين هو التأكد من تاريخهما.

ب- الترجيح: ويكون بمرجحات.

ج- الجمع: إذا لم يتوصل المجتهد لتواريخ النصين ولم يتمكن من الترجيح بينهما؛ فإن عليه حينئذ محاولة الجمع بينهما والعمل بهما جميعاً.

د- التساقط: وهو العدول عن الدليلين إلى ما دونهما؛ وهو مجرد مسلك افتراضي شأنه شأن مسلك التوقف لا وجود لهما في تطبيقات العلماء.

_________________________________

المبحث الثاني: منهج ابن رجب الحنبلي في مختلف الحديث

المطلب الأول: منهج ابن رجب في الجمع بين مختلف الحديث:

أولاً: الجمع.

ثانياً: النسخ.

ثالثاً: الترجيح.

تمهيد:

من المجمع عليه في علم مختلف الحديث تلك القواعد العاّمة التي وضعها العلماء لدفع التّعارض الظاهر بين بعض الأحاديث؛ والتي سبق لنا عرضها وبيانها في المطلب الثّاني من المبحث الأول، اتفق العلماء على ثلاثة منها وهي الجمع والّترجيح والنّسخ واختلفوا في الّرابعة )التّوقف(؛ وقد تباينت مناهجهم في تطبيق هذه القواعد وتعددت، ومن خلال هذا المبحث سنعمل-إن شاء الله- على اقتفاء منهج ابن رجب في تفعيله لأساليب دفع التعارض في مختلف الحديث.

في خضم بحثنا في مسالك دفع التعارض بين الأحاديث اتضح لنا أن الجمع أكثر تلك الطرق تطبيقا واستخداما عند العلماء بعامة وابن رجب بخاصة؛ والأمثلة الكثيرة في مؤلفاته دليل وبيان على ذلك، وقبل ذكر بعضها نمر سريعا على معنى الجمع ونوجز الحديث عن أهم أوجهه.

أ- الجمع لغة: الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضام الّشيء، والجمع في معناه اللّغوي يحمل دلالات الإضافة والضم.

جاء في المفردات: الجمع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض. ومنها قوله تعالى: {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه} (القيامة: ٣)، قال الّزمخشري مفسراً: أي نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالّتراب بعدما سّفتها الّرياح وطّيرتها في أباعد الأرض.

ب- اصطلاحاً: ولعل أشمل تعريف له أنّه: إعمال الحديثين المتعارضين الصالحين للاحتجاج المتحدين زمنا، بحمل كل منهما على محمل صحيح، مطلقاً، أو من وجه دون وجه، بحيث يندفع به بينهما التّعارض.

أوجه الجمع: الباحث عن أوجه الجمع يجد أنها كثيرة ومتعددة ويصعب حصرها وأقل حصر وأشمل ما وجدناه فيها هو ما توصل إليه صاحب كتاب منهج التوفيق والترجيح:

١-الجمع بالتخصيص .

٢-الجمع بالتقييد.

٣-الجمع بحمل الأمر على الندب.

٤-الجمع بحمل النهي على الكراهة.

٥-الجمع بحمل اللفظ على الجواز.

٦-الجمع ببيان تغاير الحال والمحال .

٧-الجمع بالأخذ بالزيادة .

٨-الجمع بجواز أحد الأمرين (التخيير).

وستبرز -إن شاء الله - بعض هذه الأوجه جلية من خلال أمثلة الجمع المستقاة من مصنفات ابن رجب والتي سيأتي ذكرها كمسائل في هذا الجزء من بحثنا.

نماذج تطبيقية في الجمع بين مختلف الحديث عند ابن رجب:

المسألة الأولى: أفضل الصيام بعد رمضان:

تجدر الإشارة هنا إلى أن لابن رجب -رحمه الله-كتاب كامل جمع فيه الأحكام التي تخص كل شهر من شهور العام وهو (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف) وقد ذكرناه في جملة ِمؤلفاته -تغمده الله برحمته- ومن المسائل المختلف فيها التي تناولها في هذا المصنف مسألة: المسألة الأولى: أي الشهور أفضل صياماً بعد رمضان؛ محرم أم شعبان.

 وقد وردت أحاديث صحيحة متعارضة في فضل كل منهما، فكيف جمع الحافظ زين الدين بينها؟ هذا ما سنعرفه بعد عرض النصين المعنيين في هذا الصدد.

الحديث الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم في صحيحه.

الحديث الثاني:

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أّنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قَط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان). رواه الشيخان في صحيحيهما.

وجه التعارض بين الحديثين:

وجه التعارض هنا واضح وجلي فالحديث الأول كما قال الحافظ رحمه الله صريح في أن أفضل الصيام بعد رمضان هو صيام المحرم أما الحديث الثاني وهو الأثر المروي عن عائشة رضي الله عنها ففيه شهادة من أم المؤمنين رضي الله عنها على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطوع بصيام في شهر كما كان يفعل في شهر شعبان وهذا يدل على فضله.

جواب ابن رجب عن هذا التعارض:

أجاب رحمه الله تعالى عن هذه المسألة بأن التطوع للصيام نوعان:

الأول: التطوع المطلق بالصوم مثل "صوم عشر ذي الحجة وغيرها".

أما النوع الثاني: فهو ماكان صيامه تابع لصيام رمضان، ويكون إما قبله مثل (شعبان) أو بعده (ست أيام من شوال)، وعلى هذا الأساس جمع بين الحديثين، وذلك بحمله لصيام محرم على التطوع المطلق بالصوم، بينما قيد صوم شعبان بقربه من رمضان، وجعله بمثابة السنن الرواتب من الصلاة، والتي تفضل باقي النوافل بأنها تابعة للفريضة في الفضل حيث أنها تجبر النقص الذي قد يحدث فيها.

فقال -رحمه الله تعالى: "فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد به، ويكون قوله: (أفضل الصيام بعد رمضان المحرم) محمولاً على التطوع المطلق للصيام، فأما ما قبل رمضان وبعده فإنه يلتحق به في الفضل. 

ومعنى هذا -والله أعلم – أن صوم شهر المحرم هو أفضل ما تطوع به مطلقاً بينما يعتبر صوم شعبان أفضل منه لكونه تابع لرمضان أي مكمل للنقص الذي قد يحصل فيه.

أقوال العلماء في هذا التعارض ومقارنتها مع قول ابن رجب: 

قال النووي رحمه الله تعالى مجيبا عن كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان دون المحرم: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في أخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما. 

وهذا القول ضعفه ابن رجب ووصفه بأنه غير قوي 

وقال الشوكاني عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فيه دليل على أن أفضل صيام التطوع صوم شهر المحرم، ولا يعارض حديث أنس عند الترمذي قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان؛ لأن في إسناده صدقة بن موسى وليس بالقوي.

والظاهر من رأي كل من النووي والشوكاني أنهما ذهبا إلى الترجيح في المسألة واختار ابن العثيمين ما ذهب إليه ابن رجب 

المسألة الثانية:جهة الانصراف عند الانتهاء من الصلاة

الحديث الأول: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يجعل أحَدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقاً عليه أن لا يـَْنصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النَّبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

الحديث الثاني: عن السدي قال: سألت أنساً رضي الله عنه كيف أنصرف إذا صلَّيت عن يميني، أو عن يساري، قال أّما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه. رواه مسلم في صحيحه.

وجه التعارض بين الحديثين:

الرواية الأولى: تفيد أن أكثر انصراف النبي صلى الله عليه وسلم حين كان ينهي الصلاة في جهة اليسار، أما الرواية الثانية فتقول عكس ذلك أي أن أكثر انصرافه عليه الصلاة والسلام كان عن يمينه، فأي الروايتين يمكننا الأخذ بها أم أن هناك وجه يمكن الجمع فيه بين الروايتين ؟

جواب ابن رجب عن هذا التعارض:

سلك ابن رجب رحمه الله تعالى مسلك الجمع لرفع هذا التعارض وذلك بحمله للأمرين على الجواز فقال: "وأما الانصراف فهو قيام المصلي وذهابه من موضع صلاته إلى حاجته، سواء كانت من جهة اليمين أو اليسار، ولا يستحب له أن يقصد جهة اليمين مع حاجته إلى غيرها، هذا قول جمهور العلماء.

وقد حمل الرواية الأولى التي تقول بأن أكثر انصراف النبي صلى الله عليه وسلم كان عن يساره بأن بيوته كانت من جهة اليسار فقال: وإنما كان أكثر انصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره ،لأن بيوته كانت من جهة اليسار.

واستدل على ذلك بما خرجه الإمام أحمد، عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عامة ما ينصرف من الصلاة على يساره إلى الحجرات.

أما إذا لم تكن له حاجة في جهة من الجهات فالأفضل عنده أن ينصرف عن يمينه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في شأنه كله، وعلى هذا تحمل الرواية الثانية وهي رواية السدي كما قال رحمه الله تعالى.

أقوال العلماء ومقارنتها مع رأي ابن رجب:

أجاب العلماء عن هذه المسألة بمسلكين:

الأول: الجمع، وهو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، كما قال ابن عبد الَبر.

والثاني الترجيح، وهو قول آخر لابن حجر رأى فيه ترجيح رواية ابن مسعود على رواية أنس.

وذكر في ذلك جملة من المرِّجحات منها أن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة اليسار،كما أن إسنادها أقوى من إسناد رواية أنس؛ ففي رواتها من تُكلِّم فيه وهو السدي، وظاهر مذهب ابن حجر في هذه المسألة هو الجمع، والذي يتضح من خلال باقي أقواله.

وعليه فإن هذا المسلك الآنف الذكر (الجمع) قد اتَّفق عليه جمهور العلماء، ووافقهم ابن رجب في ذلك.

المسألة الثالثة: غسل الجمعة واجب هو أم مستحب؟

الحديث الأول:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غسل الجمعة واجب على كل ُمحتَلم" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

والأحاديث في هذا الشأن كثيرة جمعها الحافظ في َمْعِرض حديثيه عن هذه المسألة نأخذ منها فقط ما رواه البخاري عن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة فليغتسل.

الحديث الثاني:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فََدنَا واستَمع وأنْصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام ومن َمس الحَصا فقد لَغاَ). رواه مسلم في صحيحه.

وهناك روايات أخرى في جواز الاكتفاء بالوضوء بدل الغسل ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى: منها: ما أخرجه البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنه، أن عمر بـَْيناَ هو قائم في الخطبة م الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأَّولِين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فناَداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني ُشغلت، فلم أنْقلِب إلى أهلي حتى سمعُت المنادي، فلم أِزد أن توضأت، فقال والوضوء أيضا؟ وقد َعلِْمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَأُمر بالغُسل.

والشاهد فيه أن عمر لم يأمره بالرجوع والاغتسال بل تركه يصلي بِوضوئِه.

كذلك ما أخرجه الإمام أحمد وغيره في مسنده عن ُسمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فَبَِها ونِْعمت وَمن اغتسل فالغُسل أفضل) حسنه الألباني.

وجه التعارض بين الحديثين:

إن ظاهر حديث أبي سعيد الخدري فيه تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب غسل الجمعة، بينما يُشير حديث أبي هريرة، وما جاء في معناه من الأحاديث إلى أن الوضوء ُيجِزءُ عن الغسل، فنصبح هنا بين نصين متعارضين:

الأول يصرح بالوجوب.

والثاني: يقول بالاستحباب.

فكيف وفََّق ابن رجب بين هذين النصين؟

جواب ابن رجب عن هذا التعارض:

كعادته يبدأ الحافظ زين الدين بذكر الخلاف في المسألة قبل أن ُيجيب عنها فأشار رحمه الله تعالى إلى أن وجه الخلاف بين العلماء هنا يكمن في المقصود من لفظ الوجوب؛ هل هو الواجب الذي يأثم من تعمد تركه مع القدرة عليه أنهم أنه وجوب استحباب، وندب بمعنى أنه لا يأثم من تركه.

قال رحمه الله: وأكثر أهل العلم على أنه يستحب، وليس بواجب.

وقد وافق ابن رجب ابن عبد البر في حكايته الإجماع على ذلك فقال: فابن عبد البر لم يـُثْبِت في وجوب غسل الجمعة – بمعنى كونه فرضاً يَأَثم بتركه -اختلاف بين العلماء المعتبرين، وإنما خص في ذلك أهل الظاهر".

و دليلهم-أعني أكثر أهل العلم- في ما ذهبوا إليه من أن غُسل الجمعة مستحب وليس بواجب هو حديث أبي هريرة وحديث ُسمرة المذُكوران سابقاً كما أوضح رحمه الله، وعلَّق بأن هذا يدل على أن الوضوَءكاف والمْقتَصر عليه غير آثم ولا عاص.

أما الأحاديث الَّدالة على وجوب غسل الجمعة فأجاب عنها بحمله الأمر على أنه أمر استحباب وندب، وأما من قالوا بالوجوب فمقصدهم به على ما ذهب إليه الحافظ زين الدين، هو وجوب سنة وفضل، لا وجوب حتم ولزوم، وبين أن اصطلاحهم لفظ (الواجب) كان على سبيل إتباع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من إطلاق اسم الواجب عليه بدليل تصريح طائفة منهم.

أقوال العلماء في المسألة:

انقسم العلماء في هذه المسألة إلى فريقين:

الفريق الأول: ذهبوا إلى أن غسل الجمعة مستحب، وحملوا أحاديث الوجوب على التأكيد على الندب، وهؤلاء هم أصحاب الرأي الغالب قال عنهم الَّشوكاني: "ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنَّه مستحب...وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالأمر،أنها محمولة على الندب والقِرينَة ال َّصاِرفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة، والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب، وقد أمكن بهذا.

أما الفريق الثاني: وهم الذين قالوا بالوجوب فقد رجحوا أحاديث وجوب غسل الجمعة على أحاديث الرخصة في الوضوء،  وُمستَندهم في ذلك هو ظاهر النصوص الموِجبَة له بالإضافة إلى قُـَّوتها بالمقارنة مع ما يعارضها من أحاديث اِستحباب الغسل، وممن ذهب إليه ابن دقيق العيد في كتابه الإحكام قال: ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر، وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد...وهو تأويل ضعيف...وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث: (من توضأ يوم الجمعة فَبَِها ونِْعمت وَمنِ اِغتََسل فَالغُسُل أفْضل) ولا يـَُعاِرُض َسنَُده َسنََد هذه الأحاديث.

المطلب الثاني: منهج ابن رجب في إثبات النسخ لدفع التعارض بين الأحاديث

قبل الخوض في ذلك نشير إشارةً طفيفةً لمدلول النّسخ في اللّغة واِلاصطلاح :

أولاً/ النّسخ في اللغة: في مجمل دلالته يحمل معاني ا ِلإزاَلة والنَّقل وإِحلال الشيء محل الآخر؛ فنسخ الشيء بالشيء كما جاء في اللّسان أي: أزاله به، وهو إزلته والشيء ينسخ الشيء نسخاً أي: يزيله، ويكون مكانه، أو هو: أمر كان يعمل به من قبل ثم ينسخ بحادث غيره، أو نقل الشيء من مكان إلى مكان.

ثانياً/ النّسخ في الاصطلاح: وهوكما عرفه بعضهم: هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه، أو هو رفع الشارع حكماً منه، متقدماً بحكم منه متأخر

ونكتفي بهذين التعريفين ففيهما بإذن الله خلاصة المعنى الّدقيق لهذا المصطلح

طرق معرفة النّسخ :

لا يمكن الحكم على النصوص المتناسخة وإقرار العمل ببعضها وترك الآخر اعتباطيا، بل لا بد من شروط يستوجب توفرها في الناسخ تؤكد إلغاء حكم العمل بالمنسوخ، ذلك أن النسخ لا يعرف بدليل العقل ولا بقياس بل بمجرد النقل، ونوجز تلك الطرق والشروط فيما يلي:

١-ثبوته بتصريح لفظي عن النبي صلى الله عليه وسلم: بحيث يِرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت نسخ أمر ما بآخر،كحديث: (كنتُ نهيتُكم َعن ِزيَّاَرة الُقبُور فَـُزوُروها، ونـََهيتُُكم َعن ُلحُوم الأ َضاحي فَـْوق ثََلاث فَأْمسكوا َما بََدا لَكم، َونـََهيْتُكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقيةكلها).

٢- تأخر الناسخ زمنيًا: أن يعلم تاريخ كل من الناسخ والمنسوخ، بحيث يثبت تأخر الناسخ عن منسوخه.

٣-معرفته بقول صحابي: أن ينقل الراوي الناسخ والمنسوخ، كما روى إياس ابن سلمة عن أبيه، قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً، ثم ‘نهى عنها).

٤-الإجماع: وذلك أن تجمع الأمة على أن هذا الحكم منسوخ، وأن ناسخه متأخر.

متى يصار إلى العمل بالنسخ:

يذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يصح القول بالنسخ بين مختلف الحديث إن توفر شرط من شروط الجمع، وابن رجب كغيره من العلماء يرى أن: النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع، بل إنه رحمه الله من أشدهم حرصا وتحرزاً في هذه المسألة.

فهو لا يلجأ للقول بالنسخ إلا إذا استحال الجمع؛كما أنه لشدة تحرزه نجد أن له مواقف يشذ فيها برأيه عما ذهب إليه جمهور العلماء في إثبات النسخ بين بعض النصوص برده لدعوى النسخ فيها؛ من ذلك رده نسخ حديث قتل شارب الخمر في

المرة الرابعة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، ويعلل رأيه بوجهين:

الأول: تأخر إسلام رواة حديث قتل شارب الخمر بالمقارنة مع عبد الله ابن مسعود.

والثاني: أن الخاص لا ينسخ العام. ولوكان العام متأخراً عليه وهو الذي عليه جمهور العلماء.

*نماذج تطبيقية في النسخ بين مختلف الحديث عند ابن رجب:

ومن المسائل التي َيمِيل ابن رجب للقول بالنسخ فيها ما يلي:

المسألة الأولى: لبس خاتم الذهب للرجال

الحديث الأول:

- عن محمد ابن مالك قال: رأيت على البراء بن عازب خاتما من ذهب، فكان الناس يقولون له: لم تختم بالذهب وقد ‘نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال البراء: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه غنيمة يقسمها َسٌْبي وُخْرثٌِّي، قال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طََرفَه فنظر إلى أصحابه ثم َخَفض ثم رفع طرفه إِلَيِهم، ثم قال: أَي بـََرا ْء! فَجْئتُه حتى قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم فقبض على ُكْرُسوِعي ثم قال: (خذ اِلْبِْس ما كساك الله َوَرُسولُهُ)، قال فكان البَـَراء يقول: فكيف تأمروني أن أََضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اِلْبِس َما َكساَك اللهُ َوَرُسولُهُ.

-وعن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر لصهيب: مالي أرى عليك خاتم ذهب؟ فقال: قد رآه من هو خير منك فلم يعيبه. قال: من هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثاني:

- عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتماً من ذهب، فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: "إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من الداخل"، فرمى به،ثم قال: والله لا ألبسه أبدا« فنبذ الناس خواتيمهم رواه الشيخان.

-وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن خاتم الذهب.

وجه التعارض بين هذه الأحاديث:

إن ظاهر الحديثين الأولين يدل على جواز لبس خاتم الذهب للرجال، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه للبراء بن العازب وأقره لصهيب رضي الله عنهما، في حين يعارض ظاهر الحديثين الآخرين مضمون ما قبلهما بالنهي الصريح فيهما عن التختم بالذهب.

جواب ابن رجب على هذا التعارض:

يعقب ابن رجب على تعارض هذه الأحاديث التي أوردها مبرهنا نسخ الأولى (أي: التي تجوز التختم بالذهب) بالثانية (التي تنهى عن ذلك)، محتجاً بصحة هذه الأخيرة وكثرتها في حين تعتبر أحاديث الرخصة أضعف سنداً وأندر عدداً،  من أحاديث الرخصة وأكثر، يقول: "وهذه الأحاديث أصح"، يشير إلى الأحاديث التي تنهى عن لبس خاتم الذهب

فيحمل ما ورد في الرخصة إن ثبت على أنه كان قبل النهي، ثم نسخ بهذه الأحاديث الصحيحة، ويسترسل معززا رأيه وشارحا أن: هذا متعين فإنا نتيقن أن لبس الذهب كان مباحاً حين لبسه صلى الله عليه وسلم ثم حرم بنهيه عنه بعد

لبسه، والأصل بقاء التحريم وعدم تغيره، ويحمل فعل من لبسه من الصحابة على أنه لم يبلغهم الناسخ.

أقوال العلماء في المسألة:

أجمع العلماء على نسخ جواز لبس خاتم الذهب للرجال وتحريم ذلك بدليل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أحاديث وأثار، قال القاضي عياض معلقاً على حديثه صلى الله عليه وسلم في رميه لخاتم الذهب أمام الناس: فيه تحريم اتخاذ خاتم الذهب، ونسخ جواز فعله بعد أن كان لبسه، ونزعه له على المنبر ليراه الناس، وينقلوا فعله وقوله معا في منعه. 

وقد وقع الإجماع بعد من جمهور العلماء على هذا وتخصيصه بالرجال دون النساء.

المسألة الثانية: الإبراد بالصلاة في الظهر إذا اشتد الحر

الحديث الأول:

- عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء، فلم يُشكنَا).

الحديث الثاني:

- في الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فَـْيح جهنم).

وجه التعارض بين الحديثين:

يشير حديث خباب الأول إلى أن الصحابة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم تأخير صلاة الظهر لشدة ما يجدونه من حر الرمضاء، فلم يجبهم لذلك، بينما جاء الأمر بتأخير صلاة الظهر والتبريد بها صريحاً في الحديث الثاني الأمر الذي يشكل تعارضا واضحاً بينهما.

جواب ابن رجب على هذا التعارض:

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله أنه أجيب عن هذا التعارض بجوابين:

أحدهما: أن ذلك كان قبل أن يشرع الإبراد yا، ثم نسخ بدليل نص الحديث السابق.

والثاني: أن شدة الحر في الصيف لا تزول في المدينة إلا بتأخر الظهر إلى آخر وقتها، وهو الذي طلبوه، فلم يجبهم إلى ذلك، وإنما أمرهم بالإبراد اليسير، ولا تزول به شدة حر الحصى.

ويستطرد مبرزاً رأيه: "والصحيح الأول، والله أعلم" مشيرا إلى الجواب الأول القائل بنسخ حديث خباب الذي يعارض نصه الإبراد بالصلاة في الظهر بحديث أبي هريرة المرخص في ذلك.

أقوال العلماء في المسألة:

الظاهر من استقراء أراء بعض العلماء في شأن هذا الحديث أنه قد اتفق جلهم على نسخه، فالحافظ ابن حجر مثلاً يرى أنه يحتمل أن يكون منسوخاً بأحاديث الإبراد لأنها متأخرة عنه، وقال الأثرم والطحاوي بنسخه، وخصه الشافعي بالبلد الحار، وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون المسجد من مكان بعيد ورأى أن الأفضل التعجيل.

ويبرز مذهب الشوكاني فيه في قوله: "ولو نسلم جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر؛ لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعددة، وحديث خباب في مسلم فقط، ولاشك أن المتفق عليه مقدم وكذا ما جاء من طرق".

المسألة الثالثة: بناء الإمام على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته

الحديث الأول:

عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر، ثم أومأ إليهم أن مكانكم، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال: (إنما أنا بشر وإني كنت جنباً).

الحديث الثاني:

وفي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

وجه الاختلاف بين الحديثين:

اتجه جماعة من العلماء إلى القول في الحديث الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كبر قبل أن يذكر أنه جنب؛ فلما أن ذكر واغتسل بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام، وهو ما يعارض صريح لفظ الحديث الثاني.

جواب ابن رجب على هذا التعارض:

في هذه المسألة يرى ابن رجب رحمه الله أنه ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، ويرى أنه إن قدر ذلك "فهو منسوخ"، لإجماع الأمة على خلافه.

وقد ذكر أن ليس لهذا الأمر إلا وجهين كما يقول:

أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه، وعلى هذا التقدير فلا يبقى في الحديث دلالة على صحة الصلاة خلف إمام صلى بالناس محدثاً.

الثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام وبنى الناس خلفه على تكبيره الماضي، وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه.

أقوال العلماء في المسألة:

ذكر ابن عبد البر في هذه المسألة ثلاث احتمالات منها أنه إن كان صلى الله عليه وسلم قد بنى على ما مضى من التكبيرة التي كبرها وهو جنب، وبنى القوم معه على تلك التكبيرة فإن كان هذا الأمر فهو منسوخ بالسنة والإجماع. 

وذهب البعض إلى نفي التعارض والقول بالجمع بين الحديثين، منهم: صاحب كتاب "عون المعبود"، ويؤكد ذلك قوله: "ليس ههنا التعارض لأنهما واقعتان، فحدث كل منه بما شاهد...ومما يؤيد أ‘ما واقعتان مختلفتان أن الذين صلوا خلف عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه من الصحابة لم ينكروا عليهم بل سكتوا، ففي سكوتهم...دلالة على تعدد الواقعة وأنه كان لهم بذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي المسألة كلام كثير واختلاف بين العلماء ليس هذا موضع الغوص والتعمق فيه.

المطلب الثالث:منهج الحافظ ابن رجب في الترجيح بين الأحاديث

الترجيح لغة: الراجح الوازن، ورجح الشيء بيده وزنه ونظر ما ثقله، وأرجح الميزان أي أثقله حتى مال. قال صاحب المصباح المنير: رجحت الشيء بالتثقيل فضلته وقويته.

الترجيح اصطلاحاً:تعددت تعريفات العلماء واختلفت في المعنى الاصطلاحي للترجيح فقد عرفه الرازي بأنه: تقوية أحد الطرفين على الآخر ليعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر.

 وقال عبد العزيز البخاري: الترجيح هو إظهار قوة لأحد الدليلين المتعارضين لو انفردت عنه لا نكون حجة معارضة، أما عند الآمدي فهو: اقتران أحد الصالحين للدلالة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الآخر.

وقيل هو: تقديم المجتهد بالقول أو الفعل أحد الطرفين المتعارضين لما فيه من مزية معتبرة به أولى من الآخر.

هذه بعض اصطلاحات العلماء في معنى الترجيح ، إلا أنها لم تسلم من انتقادات المحدثين وعلماء الأصول، وكان تعريف الآمدي هو الأقرب له، فقد جاء وافياً، كافياً للمعنى المراد من الترجيح بين الأدلة.

أوجه الترجيح:

تباينت أراء العلماء في تحديد الأوجه التي يتم من خلالها معرفة النص الراجح من المرجوح، وكل منهم كان له تقسيمه الخاص، فجلال الدين السيوطي قسمها لسبعة أقسام حيث يقول في كتابه تدريب الراوي: وقد رأيتها منقسمة إلى سبعة أقسام.

وأوردهاكما يلي:

-الترجيح بحال الراوي .

-الترجيح بالتحمل.

-الترجيح بكيفية الرواية.

-الترجيح بوقت الورود.

-الترجيح بالفظ الخبر.

-الترجيح بالحكم.

-الترجيح بأمر خارجي.

وأوصلها الحافظ العراقي إلى مائة وعشرة أوجه ثم قال: "وثم وجوه أخرى للترجيح في بعضها نظر". 

وجعلها الشوكاني أربعة أقسام عامة: 

-الترجيح باعتبار الإسناد.

-الترجيح باعتبار المتن.

-الترجيح باعتبار المدلول.

- الترجيح باعتبار أمر خارجي.

وقد حصر بعض العلماء هذه الأوجه في ثلاث أوجه فقط وهي:

-الترجيح باعتبار السند.

-الترجيح باعتبار المتن.

-الترجيح باعتبار أمر خرجي.

وهذا التقسيم هو التقسيم الأقرب عندنا، لأنكل هذه المرجحات التي ذكرها العلماء للترجيح بين الأدلة أو النصوص تدخل في إحدى هذه الأوجه الثلاث، والله أعلم.

نماذج تطبيقية عن الترجيح بين مختلف الحديث عند ابن رجب:

المسألة الأولى: موقع سدرة المنتهى.

الحديث الأول:

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الإسراء: (أنه رأى آدم في الأولى ويحي وعيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور،وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كأذان الفيلة، وإذا ثمرهاكالقلال). أخرجه البخاري ومسلم.

الحديث الثاني:

وهو حديث ابن مسعود، حيث قال: (لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة). أخرجه مسلم والترمذي.

وجه التعارض:

اختلفت الروايتان في تحديد موقع سدرة المنتهى فحديث أنس يشير إلى أنها في السماء السابعة أو فوقها ،بينما نص حديث ابن مسعود يثبت أنها في السماء السادسة.

جواب ابن رجب في المسألة:

سلك ابن رجب لدفع هذا التناقض القائم بين هاتين الروايتين مسلك الترجيح، حيث يقول: إن سدرة المنتهى في السماء السادسة، يعارضه حديث أنس المرفوع من طرقه كلها، فإنه يدل على أنها في السماء السابعة أو فوق السماء السابعة، والمرفوع أولى من الموقوف.

نأخذ من عبارة ابن رجب هذه قوله: المرفوع أولى من الموقوف، والتي تمثل لنا المرجح الذي اتخذه ابن رجب للترجيح بين الروايتين، فقدم رحمه الله رواية أنس بن مالك وجعلها راجحة لأنها مرفوعة إلى النبي صل الله عليه وسلم، بينما جعل رواية ابن مسعود مرجوحة لكونها موقوفة على الصحابي.

أقوال العلماء في هذه المسألة:

تباينت أراء العلماء في مكان سدرة المنتهى، فمنهم من سلك مسلك الترجيح مثل ابن رجب، ورجح رواية أنس بن مالك رضي الله عنه والتي تنص كما سبق على أنها في السماء السابعة، ومن بين القائلين بهذا القول القاضي عياض- رحمه الله- حيث يقول: كونها في السماء السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى.

فيما رأى بعض العلماء أنه لا تنافي بين الروايتين وسلكوا مسلك الجمع بينهما، يقول الإمام النووي رحمه الله: ويمكن أن يجمع بينهما، فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم.

وقال الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه: ولعل في السياق تقديماً وتأخيراً، وكان ذكر سدرة المنتهى قبل، ثم علا بعدها فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله...ويحتمل أن يكون المراد بما تضمنته هذه الرواية من العلو البالغ لسدرة المنتهى صفة أعلاها، وما تقدم صفة أصلها أي: أن آخر علو وارتفاع لها في السماء السابعة، وأصلها في السماء السادسة والله أعلم.

المسألة الثانية: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة:

الحديث الأول:

عن مجاهد رضي الله عنه قال: أوتي ابن عمر فقيل له:هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة؛ .فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالاً قائما بين البابين، فسألت بلالاً، فقلت: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال:نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين.

الحديث الثاني:

عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصلي حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال:هذه القبلة.

وجه التعارض:

اختلفت الروايتان في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، فرواية ابن عمر عن بلال تثبت صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين داخل الكعبة ،بينما جاءت رواية ابن عباس نافية لذلك.

جواب ابن رجب رحمه الله في هذه المسألة:

يذكر ابن رجب رحمه الله آراء بعض العلماء في المسألة حيث يقول: وقد اختلف الناس في نفيها، والجمع بين إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

فمنهم :من حمل الصلاة على الصلاة اللغوية وهي الدعاء وجمعوا بذلك بين حديثي أسامة وبلال. ثم قال: والأكثرون حملوا الصلاة على الصلاة الشرعية، وهو الأظهر.

ثم ذكر أن من بين هؤلاء من رجح حديث الإثبات على حديث النفي، وقال: مع تعارض النفي والإثبات يقدم الإثبات، لأن المثبت معه زيادة علم خفيت عل النافي، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وغيرهما من العلماء.

رأي ابن رجب -رحمه الله- 

ومن خلال تتبعنا لكلامه في هذه المسألة لم يذكر المسلك الذي عمل به هو فيها، إلا أننا استنتجنا ومن خلال أقواله السابقة أنه يرجح حديث ابن عمر المثبت على حديث ابن عباس النافي وبنينا استنتاجنا هذا على سببين وهماكما يلي:

- أنه ذكر هذا الرأي خاصة، من بين أراء الذين حملوا الصلاة على الصلاة الشرعية.

- أن هذا المسلك وهو الترجيح قد اتخذه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- فلعله اتبع رأيه في هذه المسألة؛ لأنه الأقرب إلى الصواب والله أعلم

أقوال العلماء في هذه المسألة:

وافق بعض العلماء ابن رجب -رحمه الله- في القول بترجيح حديث ابن عمر على حديث ابن عباس ومن بين هؤلاء ابن حجر-رحمه الله- في كتابه فتح الباري إذ يقول فيه: فنرجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره نافي ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى.

وذهب بعض العلماء إلى الجمع بين الروايتين وكل كان له رأي في ذلك ومنهم رأي الإمام النووي وابن حبان اللذين أوردهما ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: فالنووي مثلا يجمع بين الروايتين؛ فيقول : يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية ثم صلى فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله.

أما ابن حبان فقد رأى أن لكل خبر وقت غير وقت الأخر فقال: الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين، فيقال: لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها ما ورواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها، لأن ابن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة وابن عمر أثبته وأسند إثباته إلى بلال وأسامة أيضا.

المسألة الثالثة:النهي عن الصلاة في أوقات النهي.

الحديث الأول:

عن أبي سعيد الخدري قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) أخرجه البخاري ومسلم.

وهذا نهي واضح منه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذين الوقتين.

الحديث الثاني:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لاكفارة لها إلا ذلك:ُّ نىنيهجهمَّ) أخرجه الشيخان. وزاد مسلم (أو نام عنها)

وجه التعارض بين الروايتين:

وجه الاختلاف بين الروايتين ظاهر وبين، فالرواية الأولى تشير إلى ‘نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات المنهي عنها مطلقاً، ويعارضها مضمون الرواية الثانية التي تنص على جواز قضاء الصلاة الفائتة بنوم أو نسيان في أي وقت وإن كان هذا الوقت وقت كراهة

جواب ابن رجب في المسألة:

قال ابن رجب رحمه الله: "نحمله على النافلة" أي عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، ونخص الفرض من عمومه، بدليل فرض الوقت، فإنه يجوز فعله في وقت النهي،كما يصلى العصر في وقت غروب الشمس، وهذا مجمع عليه، وليس فيه خلاف، إلا عن سمرة، وبدليل (من طلعت عليه الشمس وهو يصلي الفجر أن يتمها). 

ولأن العمومين إذا تعارضا وكان أحدهما ملزما، والآخر مانعاً حاظراً، فإنه يقدم الواجب الملزم، فإنه أحوط.

واستدل ابن رجب رحمه الله على قوله هذا بقوله: ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا أبا سعيد بن المعلى وهو يصلي فلم يجبه حتى سلم ،أنكر عليه تأخره للإجابة وقال له ألم يقل الله:ُّ {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} (الأنفال: ٢٤)، وهذا يدل على أن عموم النص الموجب الملزم مقدم على عموم النص الحاظر المانع، وهو النهي عن الكلام في الصلاة. 

ولهذا كان المرجح أنه لا يصلي في أوقات النهي.«2ويقصد هنا طبعا النوافل لا الفرائض.

أقوال العلماء في المسألة:

ذهب أغلب العلماء إلى أن الصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات،هي صلاة النافلة أو كل صلاة لا سبب لها، أما ما جاء في حديث من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها،فإن هذا خاص بما فات من الفرائض،وبكل صلاة لها سبب.

واستثنى الشافعية الفرائض وكل ما له سبب من النوافل وغيرها: كتحية المسجد وصلاة الكسوف وصلاة العيد وصلاة الجنازة .

واستثنى المالكية من ذلك الفرائض فقط.

وقال أحمد باستثناء الفرائض وركعتي الطواف 

أما الحنفية فإنه لا تجوز عندهم الصلاة في هذه الأوقات إلا في عصر يومه

خاتمة

وفي ختام هذا البحث؛ نوجز زبدة ما استخلصناه من نتائج وملاحظات حول الحافظ ابن رجب الحنبلي ومنهجه في مختلف الحديث من خلال تطبيقه لمسالك دفع التعارض المتعارف عليها عند المحدثين في النقاط التالية:

١-كان للوسط العلمي الذي نشأ فيه ابن رجب دور فعال في بناء شخصيته ونجاحه، وكذا في اهتمامه الخاص بعلوم الحديث.

٢-إن الحافظ ابن رجب الحنبلي هو محدث أصولي وفقيه متمكن وخير شاهد على ذلك مؤلفاته العديدة والمتنوعة.

٣-ابن رجب -رحمه الله تعالى- على عقيدة أهل السنة والجماعة في التوحيد و إمرار الصفات وغيرها فقد صرح بذلك في غير موضع من كتبه.

٤-ابن رجب حنبلي المذهب بدليل أنه في معظم المسائل المختلف فيها يختار ما ذهب إليه الأمام أحمد وأصحابه ويحتج به، وهو مع هذا لا يتقيد بمذهب واحد؛ بل تراه أحيانا يميل إلى ما يخالفه في المذاهب الأخرى.

٥-يرى ابن رجب -رحمه الله- أنه لا يصار إلى مسلك النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض حيث رد دعوى النسخ في كثير منها.

٦-يرى ابن رجب أن إجماع الصحابة على النسخ دليل على وجود نص ناسخ.

٧-يتسم منهج ابن رجب في دفع التعارض بين الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف بالتوسع في المسألة المختلف فيها من خلال ذكر جملة ما أورده العلماء حولها من وجهات نظر مختلفة، مع رده على الآراء المخالفة لرأيه بأسلوب حجاجي، استدلالي، علمي.

٨-الحافظ ابن رجب يجتهد في بعض المسائل برأيه الخاص، ولا يتبع أراء العلماء فيها.

٩-من أوجه الترجيح عند ابن رجب:

- ترجيح المثبت على النافي.

 -ترجيح ‘نهي النبي صلى الله عليه وسلم على فعله؛ لاحتمال أن يكون فعله خاص به.

وفي الأخير أوصي نفسي وإخوتي في الله بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف هذه الأمة وعلمائها الأفذاذ الذين حملوا راية الجهاد في الذود عن الإسلام وثوابته ورد شبهات المشككين فيه.

هذا وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الكريم وأله وصحبه أجمعين.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق