أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 يوليو 2022

بحوث مفيدة مستخلصة من كتاب المائة الجياد في الشهادة والجهاد للشيخ زكريا طه شحادة -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

بحوث مفيدة مستخلصة من كتاب

المائة الجياد في الشهادة والجهاد

للشيخ زكريا طه شحادة

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ يعتبر الجهاد هو الطريق الوحيد لعزة المسلمين، والسبب الأول من أسباب تمكينهم في الأرض بعد الإيمان بالله تعالى، وقد حذرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم من تركه، أو التهاون في شأنه، فقد أخرج أحمد وأبو داود عن ابن عمر، قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)؛ فجعل الرجوع إلى الجهاد رجوعاً إلى الدين، ذلك أن الجهاد هو الذي يحفظ على الأمة دينها، ويمنع تسلط الأعداء عليها، ويضمن إقامة شرع الله في الأرض.


ولا شك أن للجهاد عدته الإيمانية والتربوية والعقائدية التي لا تقل أهمية عن الإعداد العسكري والميداني، وتنطلق التعبئة الجهادية من قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال: 60). وهذا هو واجب الأمة لأجل الحفاظ على مقدراتها، وفرض هيبتها على بقية الأمم.

وهذا كتاب حديثي نفيس، تضمن (30) ثلاثين آية، و(101) إحدى ومائة حديث، وقد قسَّم الكتاب إلى خمسة أبواب، وفي كل باب فصول، مجموعها 59 فصلاً، وهذه الأبواب والفصول كما يلي:

اسم الباب

الجهاد

الثبات

الإعداد

الشهادة

الرباط

المجموع

عدد فصوله

31

2

4

15

7

59

عدد أحاديثه

48

9

11

23

10

101

وأنواع الجهاد كثيرة، منها:

-الجهاد بالقول أي بالحجة والبرهان، كما في قوله تعالى: {وجاهدهم به جهاداً كبيراً} (الفرقان: 52) أي بهذا القرآن، ويدخل في ذلك الإعداد الإعلامي، والرد على الشبهات، والملحدين، والطابور الخامس من المنافقين.

-الجهاد بالفعل: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } (النساء: 95).

-الجهاد بالطاعات والعمل الصالح، وترك ما نهى الله عنه، قال تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 6).

1-تعريف الجهاد في اللغة والشرع؟

الجهاد في اللغة: هو بذل الجهد أي الوسع والطاقة، والمبالغة في ذلك.

والجهاد شرعاً: استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة العدو: سواءً كانوا من الكفار، أو المنافقين، أو قطاع الطرق، أو البغاة، أو الخوارج، والمبالغة في ذلك.

ويختصُّ الجهاد بالقتال في سبيل الله تعالى؛ لأجل إعلاء كلمته، وهذا هو الغالب.

2-الدليل على مشروعية الجهاد؟

والأصل فيه قبل الإجماع:

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (البقرة: 216). وقوله سبحانه: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} (البقرة: 191). وقوله جل وعلا: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (النساء: 89).

ومن السنة أخبارٌ، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) (متفق عليه). وخبر مسلم: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما عليها).

فائدة: عدد مرات ذكر الجهاد في القرآن 41 مرة، وذكره في القرآن المدني أكثر.

وجميع آيات الجهاد والنفير والقتال في القرآن 70 آية.

3-أنواع الجهاد في سبيل الله؟

والجهاد في سبيل الله نوعان:

أولاً: جهاد الطلب: وهو قتال الكفار في بلادهم كالغزوات والفتوحات الإسلامية.

وحكمه: فرض كفاية. 

ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا قام به البعض سقط الإثم والحرج عن الباقين

ثانياً: جهاد الدفع: إذا هجم العدو على بقعة من بقاع المسلمين مهما صغرت.

وحكمه: فرض عين.

فائدة: صيغ الجهاد في القرآن صيغتان:

أولاً: صيغة الفعل في 27 موضعاً، مثاله: {يا أيها النبيُّ جاهد الكفار والمنافقين}

ثانياً: صيغة الاسم في 14 موضعاً، مثله: {إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي}.

4-متى يكون الجهاد فرض عين؟

يكون الجهاد فرض عين على جميع المسلمين في حالات، منها:

أولاً: إذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين مهما صغرت، وعند ذلك وجب على أهل تلك البقعة دفعه وإزالته، فإن لم يستطيعوا وجب على من يقربهم وهكذات، حتى يعمَّ الواجب جميع المسلمين.

ثانياً: إذا أعلن الإمام أو الحاكم النفير العام لزمهم حيئذٍ النفير معه، كما قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (التوبة: 38).

ثالثاً: يصير الجهاد فرض عين كذلك على كل من حضر المعركة، فإذا التقى الصفان أو الجيشان؛ فإن القتال واجب، ويحرم على المسلم الهروب أو الفرار، لأن ذلك من أكبر الكبائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات… وعد منها: التولي يوم الزحف).

فائدة: الفرق بين الغزوة والسرية:

أن الغزوة هي التي شارك فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه، وإن لم يلق قتالاً.

والسرية: هي التي لم يشارك فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه، وإن لقيت قتالاً.

وعدد غزوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم 27 غزوة، وسراياه 73 سريَّة

ومجموع غزواته وسراياه 100 غزوة وسرية

وأول الغزوات الأبواء في صفر 2 هـ وآخرها تبوك في رجب 9 هـ

وأول السرايا سرية حمزة إلى سيف البحر في رمضان 1 هـ، وآخرها سرية أسامة إلى بلقاء الشام في صفر 11 هـ.

وعدد الغزوات التي حدث فيها قتال 18، قاتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في 9 منها.

وعدد الغزوات التي لم يحصل فيها قتال 9 غزوات.

5-شروط وجوب جهاد الدفع (الكفائي)؟

أشار الناظم العمريطي إلى شروط وجوب جهاد الدفع، وهي سبعةٌ في قوله:

يجب الجهاد (على كل حُرٍّ مُسلمٍ مُكلف … ذي قدرة وصحة ومصرف)

وتفصيل ذلك فيما يلي:

أولاً: الإسلام: فلا يجب الجهاد على كافرٍ، ولا على الذمي الذي يسكن أرضنا.

ثانياً: العاقل: فلا يجب على المجنون لضعف عقله، ولأنه غير مكلف.

ثالثاً: البلوغ: فلا يجب على الصبي، لضعف بدنه، ولأنه غير مكلف.

وقد ردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعة عشر صحابياً لم يبلغو الحلم عن حضور المعركة، وروى البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ يوم بدر: أسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، فجعلهم حرساً للذراري والنساء.

وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: (عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يُجزني في المقاتلة).

رابعاً: الذكورة، فلا يجب الجهاد على أنثى لضعف بدنها وعقلها. ولحديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: هل على النساء حج؟ فقال: (جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة) كما لا يجب الجهاد على خنثى مشكل؛ لأنه لا يعلم كونه ذكراً.

  خامساً: القدرة على الجهاد، في أي باب من أبواب الجهاد بالنفقة والسلاح والعتاد، فلا جهاد على عادم أهبة القتال من سلاح.

سادساً: الحرية: فلا يجب الجهاد على الرقيق، ولو مُبعضاً أو مكاتباً؛ لأنه لا يملك نفسه، ولا مال له يجاهد به.

سابعاً: الصحة: فلا يجب على العاجز لكبرٍ أو مرضٍ، ولا على الأعمى، ولا على ذي عرجٍ بيّن، ولا على من له رجل واحدة من باب أولى، لقوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرج} (الفتح: 17، النور: 61).

ثامناً: وجدان النفقة، سواءً من نفسه أو من نفقة الحاكم.

تنبيه: عدم وجوب الجهاد على الأعمى والأعرج والمريض والأنثى لا ينافي جواز ذلك؛ فقد شارك ابن أم مكتوم في معركة القادسية، وقاتل فيها

وشاركت الأنثى في الغزو مثل أم سليم لتي كان يصحبها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غزواته.

وشارك عمرو بن الجموح في المعركة، وكان أعرجاً، وهو الذي قال: لأطأن بعرجتي هذه الجنة

6-من يشترط إذنهم في الجهاد الكفائي؟

أولاً: الوالدين المسلمين، فلا بد من إذنهما؛ لأن برهما فرض عين، خلاف ما لو كان الوالدان كافرين، فلا يعتبر إذنهما، وهذا في الجهاد الكفائي، أما العيني فلا يعتبر إذنهما.

ثانياً: إذن صاحب الدين إن حلَّ دينه، وكان الدائن موسراً يستطيع قضاءه. أما لم كان الدين مؤجلاً فلا يعتبر إذنه، وكذلك لو كان الدائن مُعسراً فلا يعتبر إذنه؛ لأن إنظاره واجب.

ثالثاً: الإمام إن لم يأذن لفرد بالجهاد فلا تجوز مشاركته، وكذلك من ولاه الإمام الجهاد، فلا يجوز تخلفه، وقد صرح الحنابلة والشافعية بكراهة الغزو من غير إذن الإمام أو من ولاه الإمام..

7-فضل الجهاد والمجاهدين؟

أولاً :من كتاب الله تعالى.

قوله سبحانه: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}  (النساء:95).

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} (الصف: 9-10).

وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 111).

ثانياً: من السنة النبوية المطهرة:

قوله صلى الله عليه وسلم: (انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَن خَرَجَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلَّا إيمَانٌ بي وتَصْدِيقٌ برُسُلِي، أنْ أَرْجِعَهُ بما نَالَ مِن أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ، أوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ولَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي ما قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، ولَوَدِدْتُ أنِّي أُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ) (رواه البخاري- أبي هـريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (َثَلُ المُجَاهِدِ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بآيَاتِ اللهِ، لا يَفْتُرُ مِن صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ، حتَّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى) (رواه مسلم -أبي هـريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن قاتلَ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ من رجلٍ مُسلمٍ فواقَ ناقةٍ، وجبَت لَهُ الجنَّةُ) (صحيح ابن ماجه -معاذ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ في الجنَّةِ مِئةَ درجةٍ أعَدَّها اللهُ لِلمُجاهِدينَ في سبيلِه بَيْنَ الدَّرجتَيْنِ كما بَيْنَ السَّماءِ والأرضِ فإذا سأَلْتُم اللهَ فاسأَلوه الفِرْدَوسَ فهو أوسَطُ الجنَّةِ وهو أعلى الجنَّةِ وفوقَه العرشُ ومنه تفَجَّرُ أنهارُ الجنَّة) (صحيح ابن حبان -أبو هريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا سَعِيدٍ، مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا؛ وجَبَتْ له الجَنَّةُ. فَعَجِبَ لها أبو سَعِيدٍ، فقالَ: أعِدْها عَلَيَّ يا رَسولَ اللهِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ قالَ: وأُخْرَى يُرْفَعُ بها العَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، ما بيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، قالَ: وما هي يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ، الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ) (رواه مسلم -عن أبي سعيد).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اغبرَّتْ قدماه في سبيلِ اللهِ حرَّمهما اللهُ على النَّارِ) (رواه البخاري، عن أبي عبس، عبد الرحمن بن جبر).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن راح رَوْحةً في سبيلِ اللهِ، كان له بمِثْلِ ما أصابه مِن الغبارِ مِسْكًا يومَ القيامةِ) (صحيح الجامع -أنس بن مالك).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن الجنَّةُ تحت ظلالِ السُّيوفِ) (رواه البخاري -عبد الله بن أبي أوفى).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل العمل: الصَّلَاةُ علَى مِيقَاتِهَا، قَالَ: ثُمَّ برُّ الوَالِدَيْنِ، قَالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ) (متفق عليه- ابن مسعود).

وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ (نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلَّا الدَّيْنَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ قالَ لي ذلكَ) (رواه مسلم -أبي قتادة).

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: أيُّ الجهاد أفضل؟: (أفضلُ الجِهادِ مَن عُقِر جَوَادُه وأُهريق دَمُه) (رواه أحمد -عن جابر).

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ يا رَسولَ اللهِ، فقالَ: (مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللهِ، ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ) (متفق عليه -أبي سعيد الخدري).

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: ما يَعْدِلُ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فقالَ: لا تَسْتَطِيعُونَهُ)، قالَ: فأعَادُوا عليه مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذلكَ يقولُ: (لا تَسْتَطِيعُونَهُ)، وَقالَ في الثَّالِثَةِ: (مَثَلُ المُجَاهِدِ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بآيَاتِ اللهِ، لا يَفْتُرُ مِن صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ، حتَّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى) (رواه مسلم -أبو هريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مقامَ أحدِكُم في سبيلِ اللَّهِ أفضَلُ من صلاتِهِ في بيتِهِ سَبعينَ عامًا، ألا تُحبُّونَ أن يَغفرَ اللَّهُ لَكُم ويُدْخِلَكمُ الجنَّةَ، اغزوا في سَبيلِ اللَّهِ، مَن قاتلَ في سَبيلِ اللَّهِ فواقَ ناقةٍ وجبَتْ لَهُ الجنَّةُ) (صحيح الترمذي -أبو هريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم بمن سأله: أنَّ رجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي بالسياحةِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ سياحةَ أُمَّتي الجهادُ في سبيلِ الله) (صحيح أبي داود -أبو أمامة).

وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إنْ شئتَ أَنبأْتُكَ برأسِ الأَمْرِ وعمودِه وذِروةِ سَنامِه. قالَ: قلتُ: أَجَلْ يا رسولَ اللهِ، قالَ: أمَّا رأسُ الأمرِ فالإسلامُ، وأمَّا عمودُه فالصَّلاةُ، وأمَّا ذِرْوةُ سَنامِه فالجهادُ) (الحاكم -معاذ بن جبل).

قال ابن النحاس: إنما كان الإسلام رأس الأمر وهو الدين؛ لأنه لا يصح شيءٌ من الأعمال إلا مع وجوده. فإذا فقد الرأس كانت الأعمال كالجسد بلا رأس؛ فهي موات لا حركة فيها، ولهذا تجعل -هذه الأعمال -يوم القيامة هباءً منثوراً.

وإنما كانت الصلاة عمود الدين، تشبيهاً لها بعمود الخيمة؛ لأن أول ما يُحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة، كذلك أول ما يُقام من الخمية عمودها.

وإنما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام؛ لأن به حفظ الملة وصيانة الشريعة، ولولاه لم تقم للمسلمين قائمة، ولضاع أمر هذا الدين.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن جاهَدَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ مِن بَيْتِهِ إلَّا الجِهادُ في سَبيلِهِ وتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ، أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرُدَّهُ إلى مَسْكَنِهِ بما نالَ مِن أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ) (متفق عليه -أبو هريرة).

8-مخاطر ترك الجهاد؟

وقد جاء التحذير من ترك الجهاد في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، وبينت الأحاديث الوعيد الشديد لتاركه، ومن ذلك:

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (التوبة: 38).

وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبًايعتم بًالعينة وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بًالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) (صحيح أبو داود -ابن عمر).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن لم يغزُ أو يجَهِّزْ غازيًا أو يَخلُفْ غازيًا في أَهْلِهِ بخيرٍ ، أصابَهُ اللَّهُ بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامةِ) (رياض الصالحين، ابن عمر).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قومٌ الجهادَ إلَّا عمَّهم اللهُ بالعذابِ) (صحيح الترغيب -أبو بكر الصديق).

9-تقييد حجج المتثاقلين عن الجهاد والرد عليها؟

أولاً: إن قلتَ: يعوقني عن الجهاد أهلي ومالي وأطفالي وعيالي؟ فقد قال الله تعالى فيه قولاً بيناً لا يخفى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} (سبأ: 37)، وقال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (الأنفال: 28). 

ثانياً: وإن قلتَ: يشقُّ عليَّ فراق الأخ والقريب والصديق والحبيب؟ فالجواب: أن تتذكر قول الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67)، فإن كانت الصداقة لله، فستجمع بينكما عليون في نعيم أنتم فيه خالدون، وإن كانت الصحبة لغير الله، فالفراق الفراق، قبل أن يحشر الرفاق مع الرفاق، لأن المرء في الآخرة مع محبوبه، لمشاركته إياه في مطلوبه.

ثالثاً: وإن قلتَ: يقعدني منصبي وجاهي الرفيع عن الجهاد؟ فاعلم أن ما أنت فيه من المنصب والجاه لايدوم لك، وإن أدنى منازل أهل الجنة من يعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها، فكيف بمن شارك في الجهاد وأخذ أهبته له، وهو في أعلى عليين؛ فينبغي لك التشمير والنفير.

رابعاً: وإن قلتَ: يشقُّ عليَّ فراق قصري وظله، وبنائه المشيد وعلو محله وفيه حشمي وخدمي؟ فليت شعري هل هو إلا من طين وحجر وتراب، ومدر وحديد وخشب، وجرير وقصب، أما إن سألت عن بناء الجنة، فلبن من فضة ولبنة من ذهب، ولا تعب فيها ولا نصب، وأما ترابها فالمسك الأذفر، وأما حصباؤها فاللؤلؤ، وفيها أنهار الخمر واللبن والعسل، وقصورها لالئ مجوفة من زمردة خضراء، أو ياقوتة حمراء، يأتيك من ثمرها ما تشتهي، ويمر عليك الغلمان بما تطلب، ولك في كل زاوية حوراء، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

خامساً: وإن قلتَ: أرغب في التأخير لإصلاح العمل؟ فهذا أيضاً ناتجٌ من الغرور وطول الأمل، ولا يؤجر ذلك من الأجل المقدور، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر: 6).

سادساً: وإن قلتَ: لا تطيب نفسي بفراق زوجتي وجمالها، وأنسي بقربها، وسروري بوصالها؟ فتذكر أن فراق زوجتك أمرٌ لا بد منه، وكأن ذلك قد وقع، والجنة إن شاء الله تجمع بينكما، ونعم المجتمع.

10-تجهيز المجاهدين؟

ومن الأمور التي تجدر الإشارة إليها أن كل معركة تتطلب الإعداد المسبق لها، ويمكن تقسيم هذا التجهيز إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: (ما قبل المعركة)، وهي مرحلة الإعداد والتجهيز، حيث ينفق على تجهيز المجاهدين من سلاح وطعام وشراب وعدة وعتاد، وتدريب، وخطط وتعبئة وتوجيه.

المرحلة الثانية: (أثناء المعركة) وهي تحتاج إلى توفير مقدار من المال كاحتياط لمواجهة أي طارئ يحدث، بالإضافة إلى استخدام عناصر الجهاد الإعلامي والمباغتة ورص الصفوف، وحماية الصفوف الأمامية، وأخذ المواقع، وحراسة الثغور، واستطلاع أخبار العدو.

المرحلة الثالثة: (بعد المعركة) وهي المتطلبات اللاحقة التي ينبغي توفيرها بعد نهاية المعركة: كعلاج الجرحى والمصابين، وفكاك الأسرى، وتقديم يد العون والمساعدة لأسر الشهداء

11-إعانة المجاهدين وخدمتهم؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعان مجاهدًا في سبيلِ اللهِ أو غارمًا في عُسرتِه أو مكاتبًا في رقبتِه أظلَّه اللهُ يومَ لا ظلَ إلا ظلُّه) (مسند أحمد -سهل بن حنيف).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جَهَّزَ غازِيًا، فقَدْ غَزا، ومَن خَلَفَ غازِيًا في أهْلِهِ، فقَدْ غَزا) (رواه مسلم -زيد بن خالد الجهني).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَظَلَّ رأسَ غازٍ؛ أَظَلَّهُ اللهُ يومَ القيامةِ، ومَنْ جَهَّزَ غازيًا حتَّى يَستَقِلَّ بِجَهازِهِ؛ فله مِثلُ أَجرِهِ) (صحيح ابن حبان -عمر بن الخطاب).

12-مفهوم الرباط؟

والرباط: هو مراقبة العدو في الثغور المتاخمة لبلاد المسلمين، بهدف التأمين والحراسة. والمقصود ملازمة ذلك الثغر بهدف التأمين والحراسة، وترك ما يشغل عن ذلك.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).

13-فضل الرباط في سبيل الله؟

واعلم أن الرباط أحد شعب الإيمان، وموجبات الغفران، وقد ورد في فضله أشياء عظيمة لم ترد في غيره من القربات، فمن فضائله:

قوله صلى الله عليه وسلم: (رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما عليها، وموضِعُ سوطِ أحدِكم مِنَ الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدنيا وما عليها، والرَّوْحَةُ يَرُوحُها العبدُ في سبيلِ اللهِ أوْ الغَدْوَةُ خيرٌ مِنَ الدنيا وما عليها) (رواه البخاري -سهل بن سعد الساعدي).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (باطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ منَ الدنيا وما عليها) (متفق عليه -سهل بن سعد).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإنْ ماتَ جَرَى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتّان) (رواه مسلم -سلمان الفارسي).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ ميِّتٍ يُختمُ على عملِه إلَّا المرابطَ في سبيلِ اللهِ فإنَّه يُنمَّى له عملُه إلى يومِ القيامةِ ويؤمنُ من فتنةِ القبرِ) (صحيح الترغيب -فضالة بن عبيد).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن ماتَ مُرابطًا، وُقيَ فِتنةَ القَبرِ، وأُومِنَ مِن الفَزَعِ الأكبَرِ، وغُديَ عليه وريحَ برِزْقِه مِن الجنَّةِ، وكُتِبَ له أجْرُ المرابِطِ إلى يَومِ القِيامةِ) (رواه أحمد -أبو هريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( موقفُ ساعةٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من قيامِ ليلةِ القدرِ عندَ الحَجرِ الأسوَدِ) (صحيح الترغيب -أبو هريرة).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (منْ ماتَ مُرابِطًا باللهِ ، أمَّنَهُ اللهُ من فِتنةِ القبْرِ) (صحيح الجامع -أبو أمامة الباهلي).

14-فوائد الرباط؟

وللرباط فوائد عديدة على المسلمين، نذكر منها:

1-حماية أراضي المسلمين ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.

2-إشعار العدو بالاستعداد لقتاله في أي لحظة.

3-إشعار المواطنين بالأمن والحماية.

4-إبراز القوة والهيبة.

15-أمور يجب على المرابط التحلي بها؟

1-أن يُخلص نيته لله، وينوي برباطه الدفاع عن المسلمين.

2-أن يؤمن بأن النصر من عند الله وحده، والحذر من الغرور والاعتداد بالقوة.

3-أن يُكثر من ذكر الله تعالى، وأن يسأله الثبات عند لقاء العدو.

4-أن يحرص على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

16-مجالات الرباط في العصر الحديث؟

شرع الجهاد لحماية مصالح المسلمين، وكذلك الرباط كان لحفظ ثغور المسلمين، وقد تعددت ثغور المسلمين في العصر الحاضر، لذلك من الضروري البحث عن الثغور التي يمكن أن يخترقها العدو والعمل على تحصينها.

17-فضل الحراسة في سبيل الله؟

قال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} (النساء: 102).

وقال تعالى: { وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (التوبة: 120).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسُّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيلِ اللهِ) (صحيح الترمذي -ابن عباس).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ، إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ له، وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري -أبو هريرة).

18-ماذا يسأل المجاهد ربه سبحانه وتعالى؟

على المجاهد أن يلح في الدعاء والمناجاة لله تعالى، طالباً منه العون والنصر والمدد وتثبيت الأقدام، كما قال تعالى: { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 146، 147).

وفي هذه الآية سألوا أربع مسائل:

الأولى: مغفرة الذنوب؛ لأنهم علموا أنها أعظم أسباب الهزيمة والخذلان والتثبيط.

الثانية: مغفرة الإسراف، وهو رؤية العمل والأسباب، لأنهم علموا أن الاتكال على الأسباب ضعف.

الثالثة: تثبيت الأقدام، لأنهم علموا أن زوال أقدامهم، يعني فناء أهل هذا الدين، واستباحة بيضة المسلمين.

الرابعة: النصر على القوم الكافرين؛ لأنهم علموا أن النصر لا يتحقق ولا يكون إلا من عند الله وحده.

وقال سبحانه: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 250).

شبهوا الصبر بالماء البارد يُصب في آنية القلوب صباً، لكثرته وقوته.

وفي سؤالهم ترتيبٌ حسن:

-حيث سألوا الله تعالى إفراغ الصبر على القلوب.

-ثم ثبات القدم والقوة على مقاومة العدو.

-ثم النصر على الأعداء الذي هو ثمرة الصبر والثبات.




الأحد، 10 يوليو 2022

حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني

حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة

الشيخ محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: ا. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ الإسلام هو الدين الوسط الذي يُلائم الفطرة البشرية، وينميها تنمية نظيفة، دون إفراط أو تفريط، ولقد شرع الإسلام الحجاب، وحرّم السفور والاختلاط، ونهى عن عوامل الاستثارة والانحلال، فكبح جماح غريزة الإنسان الجنسية، وضبطها بضوابط شرعية خلقية، يحقق استخدامها: حياة أسرية متعاطفة رحيمة، ويمكن بواسطتها مد المجتمع الإنساني بالنسل الطاهر النظيف.


وقد أحكم الإسلام في نظامه الاجتماعي العلاقة بين الرجل والمرأة، واتخذ التدابير الوقائية التي تجعل هذه العلاقة قائمة على العفة والشرف والكرامة وصيانة العرض، ولا شك أن ((الحجاب)) يأتي في مقدمة هذه التدابير الوقائية التي تحترم كينونة هذا الإنسان، حتى لا تكون هناك إثارة لغرائز الجنس، ومن هذه التدابير -أيضاً -تحريم الخلوة بالأجنبية، فلا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة إلا أن يكون محرماً لها، أو يكون معها محرم.

وهذه رسالة لطيفة، وبحوث شريفة جمعها الإمام الألباني رحمه الله تعالى -لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدثّر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه؛ حتى يكون لباساً إسلامياً ساتراً، وقد استدل في ذلك بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة، وما ورد من الآثار عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين، وقد بين الألباني أن ستر الوجه مندوب وليس بفرض (وانظر ص ٤٧ =مشروعية ستر الوجه).

ولا شك أن ستر المرأة نفسها، وعدم إبدائها لمحاسنها يزيد من عفة الرجال في المجتمع؛ فيقنع كل امرئٍ بما عنده من النساء، ولا يتطلع إلى غيرهنَّ، ولا يقارن بين زوجته وبين غيرها، ويوم أن تستجيب المرأة المسلمة لأمر الله تعالى، وتحتشم بالحجاب وتستتر به، عندها يمكن أن يعود للمسلمين عزهم ومجدهم، وتقوم لهم دولتهم، وينصرهم الله على عدوهم.

ولعل سؤالاً يُطرح في هذا المقام، وهو: (لماذا فرض الله الحجاب؟) 

والجواب على ذلك في ثلاث نقاط أساسية، وهي:

أولاًَ: ضمان الطهارة القلبية والنفسية للرجال والنساء، لأن الحجاب يكفل المحافظة على عفة الرجل، ومنع تلوث قلب المرأة بالباطل، يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِ} (الأحزاب: 53).

ثانياً: معرفة أن المتحجبة امرأة فاضلة محصنة، فلا يقربها أحدٌ بأذى، سواء أكان ذلك بالقول أم بالفعل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 59).

ثالثاً: إصلاح الرجال والنساء بالحرص على تجنيبهم سبل الغواية والضلال، وتوصيلهم إلى الفلاح والفوز والنجاة، قال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 30، 31).

الصورة الصحيحة للحجاب الشرعي:

أولاً-استيعاب جميع البدن إلا ما استثنى (الوجه والكفين).

  • قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 59).

[يُدنين" أي يُرخين ويُسدلن. الجلباب: هو ثوب واسع تلتحف به المرأة فوق ثيابها، ويستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها].

  • وقال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31). 

[الخمر: جمع خمار، وهو ما يُغطى به الرأس، و"الجيوب" جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص، (إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: وجهها وكفيها والخاتم، ورُوي عن ابن عمر، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، والضحاك، وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. فأمر تعالى بليِّ الخمار على العنق والصدر، ودلَّ على وجوب سترهما].

ثانياً: ألا يكون زينةً في نفسه:

بمعنى ألا يكون ذا ألوانٍ مُلفتة أو مبهرجاً أو مزركشاً أو فيه نقوش كثيرة بحيث يلفت أنظار الرجال، لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31).

ثالثاً: أن يكون صفيقاً لا يشف:

لقوله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رءوسهنَّ أمثال أسنمة البخت، لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها…) الحديث (رواه أحمد ومسلم).

[كاسيات عاريات: يعني تلبس الثياب الرقاق، بحيث يصف لون بدنها، وقيل هي التي تكشف شيئاً من جسمها وتستر شيئاً، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة]

وعن أم علقمة بن أبي علقمة، قالت: رأيتُ حفصَةَ بنتَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ دخلَت علَى عائشَةَ وعلَيها خِمارٌ رقيقٌ يشِفُّ عَن جَبينِها، فشَقَّتهُ عائشَةُ علَيها، وقالَت: (أما تَعلَمين ما أنزلَ اللهُ في سورَةِ النُّورِ؟! ثمَّ دَعَت بخِمارٍ فكسَتْها . .) [صحيح].

رابعاً: أن يكون فضفاضاً غير ضيق:

وذلك بأن يكون متجافياً عن الجسم، وغير محدد للأعضاء، وغير مُعظّم للرأس، ويمكن الاستدلال على هذا الشرط بحديث (النساء الكاسيات العاريات) الوارد في الشرط السابق، وبذلك يتبين أن ما تفعله بعض المحجبات من ارتداء ملابس محددة للخصر والصدر عند خروجها من البيت: كالبلوزة، والبنطال، لا يفي بشروط الحجاب الصحيح.

وفي الحديث عن أسامة بن زيد، قال: (كَساني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُبْطيَّةً كَثيفةً ممَّا أهداها له دِحْيةُ الكَلبيُّ، فكَسَوتُها امرأتي، فقال: ما لك لم تَلبَسِ القُبطيَّةَ؟ قُلتُ: كَسَوتُها امرأتي، فقال: مُرْها فلتَجعَلْ تحتها غِلالةً؛ فإنِّي أخافُ أنْ تَصِفَ عِظامَها) [صحيح، رواه أحمد].

فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر بأن تجعل المرأة القبطية "غلالة" وهي شعار يُلبس تحجت الثوب، ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يُفيد الوجوب، كما هو مقرر في الأصول، وقد صرَّح بأن المحذور الذي خشيه من هذه القبطية أن تصف حجم عظامها، وهذا نصٌّ في أن المحذور منها إنما هو وصف الحجم لا اللون.

خامساً: أن لا يكون مبخراً مُطيباً:

وذلك لئلا يصدر عنها رائحة مميزة كالطيب، والبخور، وما في حكمهما من أنواع العطور النباتية والصناعية، كالفل والياسمين، لحديث أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُّما امرأةٍ استعطَرَتْ، فمَرَّتْ بقَومٍ ليَجِدوا ريحَها فهي زانيةٌ) [صحيح، رواه أحمد والحاكم].

وسبب المنع من التعطر واضحٌ، وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماء ما في معناه، كحًسن الملبس، والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال.

سادساً: ألا يشبه لباس الرجل:

لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن رسولُ اللهِ الرجلَ يلبس لبسةَ المرأةِ، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجُلِ) [صحيح، رواه أحمد].

وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منَّا مَن تشبَّه بالرِّجالِ من النِّساءِ ولا مَن تشبَّه بالنِّساءِ من الرِّجالِ) [صحيح، أخرجه أحمد].

وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنَ المتشبِّهينَ منَ الرِّجالِ بالنِّساءِ ، ولعنَ المتشبِّهاتِ منَ النِّساءِ بالرِّجال) [صحيح].

فهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابهاً لزيّ الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك، كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يُعرف (بالجاكيت) القصيرة، و(البنطلون)، وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية التي تُظهر فيها شيئاً من جسمها.

يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى: (وما كان من لباس الرجال، مثل: العمامة، والخف، والقباء الذي للرجال، فإن المرأة تُنهى عنه، وعلى وليها: كأبيها وزوجها أن ينهاها عن ذلك) [القباء: رداء قصير كالجاكيت، مجموع الفتاوى: 22/ 156].

سابعاً: ألا يشبه لباس الكافرات:

بمعنى ألا يُشبه لباسها لباس الكافرات اللاتي يميزهُنَّ، كزي الراهبات، لأن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار، سواءً بالأقوال، أو الأفعال، أو الملابس الخاصة بهم، وكذلك أمرت بمخالفتهم في الزي والهيئة.

وعن عبد الله بن عمرو، قال: (رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَلَيَّ ثوبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فقال: إن هذه من ثيابِ الكفارِ فلا تَلْبَسْهُما، قلتُ: أَغْسِلُهُما، قال: أَحْرِقْهُما) (رواه مسلم).

ثامناً: ألا يكون لباس شهرة:

والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهرةٍ، ألْبَسَهُ اللهُ ثوبَ مَذلَّةٍ يومَ القيامةِ) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه].

وثوب الشهرة هو الذي إذا لابسه الإنسان افتُضح به واشتُهر بين الناس، والمراد أنه لا يجوز لابسه لا شرعاً ولا عُرفاً، وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء.

وقال ابن تيمية -رحمه الله: (وتكره الشهرة من الثياب وهو المترفع عن العادة، والمنخفض عن العادة) [مجموع الفتاوى: 22/ 138].





الخميس، 7 يوليو 2022

جزء في فضل يوم عرفة لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 840هـ)

جزء في فضل يوم عرفة

لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 840هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ اتفق العلماء على فضل يوم عرفة، وأنه أفضل أيام الدنيا، وأنه يأتي في خير أيام السنة، وهي أيام العشر من ذي الحجة، التي يضاعف فيها ثواب الأعمال، وهي الأيام المعلومات، التي أتمها الله لموسى عليه السلام، وأمر فيها بذكره: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: 28).

وتأتي هذه الأيام المعلومة في خاتمة الأشهر المعلومة، وقد جاء في الخبر أن العمل المفضول فيها خير من العمل الفاضل في غيرها، وروي أنه يُستجاب فيها الدعاء.

ويُندب صيام يوم عرفة لغير الحاج، وجاء في فضل صيامه أنه يُكفر السنتين الماضية واللاحقة، وليوم عرفة أسماء أخرى، فهو "يوم التمام" الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم النعمة، وهو "يوم الحج الأكبر"، وهو "اليوم المشهود".

وهذا جزء حديثي نفيس في فضل هذا اليوم (يوم عرفة) للإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الشهير (بابن ناصر الدين الدمشقي) أحد أعلام القرن التاسع الهجري، وقد تضمن هذا الجزء تفسير 9 آيات من كتاب الله تعالى، و 53 حديثاً، بعضها ضعيف، وبعضها واهي، وفيها الصحيح والحسن.

وقد طبع هذا الجزء في مجموع رسائل الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الذي تضمن 13 رسالة وجزءاً، ويقع من ص 117 إلى ص 189.

***

    قلت «محمد حنونة» في أبياتٍ لي نظمتها:

أكرم بعشر صالحات تعرف

بالذكر والتهليل و(انحر) تشرف

تاسعها خير الأيام عرفة 

أعلمنا فيه (بعتق الرقبة)

وهو العيد العظيم فيه أكملا

لنا فيه الدين القويم ربنا

فأتم الله به علينا النعمة 

(بأكملت لكم) في يوم الجمعة

و(مشهود) البروج فيها قد أتى

و(وتر) والفجر يزيد الشرفا

(يكفر سنتين): واحدة مضت

ولاحقة بذا الرواية قد أتت

و(إنما يصومه من لم يحج)

ويحتسب ثوابه ولا يضج

و(يدنو ربنا من أهل الموقف)

ويعطي كل سائل ويعطف

ثم الصلاة والسلام السرمدي

على إمام الأتقيا محمد

وآله وصحبه أهل النقا 

وكل تابع لهم محققا

والحمد لله على ما أنعم وتفضل

عشية الثلاثاء، 5/ 7/ 2022م.

***

أولاً: سبب تسميته بيوم عرفة:

1-لأن جبريل عليه السلام علّم إبراهيم المناسك كلها بعرفة، عن أبي مجلز.

2-لأن آدم عليه السلام وقع بالهند، وحواء بجُدّة، فاجتمعا بعرفة وتعارفا، قاله الضحاك.

3-لأن إبراهيم عليه السلام عرف فيه أن رؤيا ذبحه إسماعيل كانت حقاً، عن ابن عباس.

4-لطيب رائحة ذلك اليوم، قاله الأنباري في جملة التأويلات.

5-لأن آدم اعترف فيه بذنبه فقبل منه وغُفر له.

6-لأن الناس يتعارفون بعرفات، فالشامي يتعرف إلى اليماني والعراقي

7-لأن الناس يعترفون هناك بذنوبهم ويقرون بها، فيغفرها الله لهم.

8-إن الحور العين يستأذنَّ في أن يطلعن على أزواجهنَّ في يوم عرفة، ذكره الترمذي.

***

ثانياً: قوله تعالى: {والفجر} اختلف العلماء في تعيين المراد؛ على أقوال:

1-أقسم بوقت بدو النهار: روي عن علي بن أبي طالب.

2-أقسم بأول صلاة في النهار: روي عن ابن عباس.

3-أقسم برب الفجر، على تقدير مضاف محذوف.

4-فجر يوم النحر: قاله مجاهد.

5-فجر أول يوم من المحرم؛ لأن منه تنفجر أيام السنة، قاله قتادة.

6-أول يوم عشر ذي الحجة، قاله الضحاك بن مزاحم.

7-فجر يوم عرفة، روي عن جابر، وهو المشهور الصحيح عن ابن عباس، وقول الأكثر.

8-هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تفجر منه الإيمان، روي عن ابن عطاء.

9-هو ما يتفجر من ماء الأنهار والعيون الذي يعجز البشر عن مثله، قاله طاهر الحداد.

***

ثالثاً: قوله تعالى:{والشفع والوتر}.

فالأماكن والأعمال والأزمان والأشخاص والأوصاف منها شفع ومنها وتر:

فالأماكن: كالصفا والمروة شفع، والبيت وتر، ومنى ومزدلفة شفع، وعرفة وتر.

وأما الأعمال: فالطواف وتر، وركعتاه شفع، والصلوات كلها شفع إلا المغرب فإنها وتر.

وأما الأزمان: أيام العشر شفع ويوم عرفة وتر، أو الأيام كلها شفع ويوم القيامة وتر.

وأما الأشخاص: فآدم وتر وحواء شفع، والله سبحانه وتر وبقية المخلوقات شفع.

وأما الأوصاف: فالمخلوقات صفاتها شفع، فتتصف بالشيء وضده من العز والذل، والقدرة والعجز، والقوة والضعف، والعلم والجهل، والحياة والموت، بينما الخالق جل في علاه صفاته وتر أي أن صفاته مفردة، فهو العزيز بلا ذل، والقادر بلا عجز، والقوي بلا ضعف، والعالم بلا جهل، والحي الذي لا يموت.

***

رابعاً: سبب تسمية اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية:

1-من تروِّي إبراهيم عليه السلام في شأن رؤياه بذبح الولد.

2-لأن الناس كانوا يتروون معهم من الماء من مكة، فإن عرفات لم يكن بها ماء.

3-لأن آدم عليه السلام أقبل من السند والهند حاجاً، وكان في وقت شديد الحر فعطش، فشكى ذلك إلى جبريل عليه السلام، فنفخ في الأرض نفخة فخرج منها الماء، فروي.

4-لأن الناس يتروون في ذلك اليوم تحت رحمة الله.

***

خامساً: أسماء الأيام السبعة التي هي آخر موسم الحج:

7 =يوم الزينة

8=يوم التروية

9=يوم عرفة

10=يوم النحر

11=يوم القر؛ لأنهم يقرون فيه بمنى.

12=يوم النفر الأول

13=يوم النفر الثاني.

***

سادساً: الحكمة من فطر الحجاج يوم عرفة:

سئل سفيان بن عُيينة، عن النهي عن صيام يوم عرفة -يعني للحاج؛ فقال: لأنهم زوار الله عز وجل وأضيافه، ولا ينبغي للكريم أن يُجوّع أضيافه.

***

سابعاً: مزية موافقة يوم الجمعة ليوم عرفة:

1-الموافقة لوقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي اختارها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها كانت يوم الجمعة بلا خلاف، ومعلومٌ أن الله تعالى لا يختار لرسوله إلا الأفضل.

2-وما رُوي أن أبواب السماء تفتح في ليلة الجمعة سبع مرات، وفي ليلة عرفات تسع مرات، وعليه فإن وافق الجمعة عرفة فتحت أبواب السماء ست عشر مرة.

3-اجتماع المسلمين في أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، واجتماع وفد الله بعرفة للوقوف بها، فيحصل من الجمعين من الدعاء والتضرع والابتهال والعبادة، ما لا يحصل منهما في يوم سواه.

4-أن الأعمال تزكو لشرف الزمان وشرف المكان وشرف الذات، وقد اجتمع يومان شريفات تزكو فيهما الأعمال، فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة أفضل أيام السنة، والوقوف بعرفة أفضل أركان الحج.

5-أنهما عيدان لأهل الإسلام، اجتمعا في يوم، فيوم عرفة عيد كما سماه عمر بن الخطاب، ويوم الجمعة عيد كما هو المشهور.

6-اجتماع الشاهد والمشهود في يوم واحد (الشاهد) يوم الجمعة، و(المشهود) يوم عرفة.

7-اجتماع يومين محترمين عظيمين: يوم الجمعة الذي صحَّ فيه أنه خير يومٍ طلعت فيه الشمس، وحرمة يوم عرفة مشهورة.

8-أنه موافق لليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم فيه النعمة على المؤمنين.

9-أنه اجتماع يومين يُستجاب فيهما الدعاء، يوم الجمعة فيه ساعة استجابة، ويوم عرفة فأمر الدعاء فيه مشهور، وقد دعا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمته بالمغفرة والرحمة، فأعطاه سؤله.