حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
بقلم: ا. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ الإسلام هو الدين الوسط الذي يُلائم الفطرة البشرية، وينميها تنمية نظيفة، دون إفراط أو تفريط، ولقد شرع الإسلام الحجاب، وحرّم السفور والاختلاط، ونهى عن عوامل الاستثارة والانحلال، فكبح جماح غريزة الإنسان الجنسية، وضبطها بضوابط شرعية خلقية، يحقق استخدامها: حياة أسرية متعاطفة رحيمة، ويمكن بواسطتها مد المجتمع الإنساني بالنسل الطاهر النظيف.
وقد أحكم الإسلام في نظامه الاجتماعي العلاقة بين الرجل والمرأة، واتخذ التدابير الوقائية التي تجعل هذه العلاقة قائمة على العفة والشرف والكرامة وصيانة العرض، ولا شك أن ((الحجاب)) يأتي في مقدمة هذه التدابير الوقائية التي تحترم كينونة هذا الإنسان، حتى لا تكون هناك إثارة لغرائز الجنس، ومن هذه التدابير -أيضاً -تحريم الخلوة بالأجنبية، فلا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة إلا أن يكون محرماً لها، أو يكون معها محرم.
وهذه رسالة لطيفة، وبحوث شريفة جمعها الإمام الألباني رحمه الله تعالى -لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدثّر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه؛ حتى يكون لباساً إسلامياً ساتراً، وقد استدل في ذلك بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة، وما ورد من الآثار عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين، وقد بين الألباني أن ستر الوجه مندوب وليس بفرض (وانظر ص ٤٧ =مشروعية ستر الوجه).
ولا شك أن ستر المرأة نفسها، وعدم إبدائها لمحاسنها يزيد من عفة الرجال في المجتمع؛ فيقنع كل امرئٍ بما عنده من النساء، ولا يتطلع إلى غيرهنَّ، ولا يقارن بين زوجته وبين غيرها، ويوم أن تستجيب المرأة المسلمة لأمر الله تعالى، وتحتشم بالحجاب وتستتر به، عندها يمكن أن يعود للمسلمين عزهم ومجدهم، وتقوم لهم دولتهم، وينصرهم الله على عدوهم.
ولعل سؤالاً يُطرح في هذا المقام، وهو: (لماذا فرض الله الحجاب؟)
والجواب على ذلك في ثلاث نقاط أساسية، وهي:
أولاًَ: ضمان الطهارة القلبية والنفسية للرجال والنساء، لأن الحجاب يكفل المحافظة على عفة الرجل، ومنع تلوث قلب المرأة بالباطل، يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِ} (الأحزاب: 53).
ثانياً: معرفة أن المتحجبة امرأة فاضلة محصنة، فلا يقربها أحدٌ بأذى، سواء أكان ذلك بالقول أم بالفعل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 59).
ثالثاً: إصلاح الرجال والنساء بالحرص على تجنيبهم سبل الغواية والضلال، وتوصيلهم إلى الفلاح والفوز والنجاة، قال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 30، 31).
الصورة الصحيحة للحجاب الشرعي:
أولاً-استيعاب جميع البدن إلا ما استثنى (الوجه والكفين).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 59).
[يُدنين" أي يُرخين ويُسدلن. الجلباب: هو ثوب واسع تلتحف به المرأة فوق ثيابها، ويستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها].
وقال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31).
[الخمر: جمع خمار، وهو ما يُغطى به الرأس، و"الجيوب" جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص، (إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: وجهها وكفيها والخاتم، ورُوي عن ابن عمر، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، والضحاك، وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. فأمر تعالى بليِّ الخمار على العنق والصدر، ودلَّ على وجوب سترهما].
ثانياً: ألا يكون زينةً في نفسه:
بمعنى ألا يكون ذا ألوانٍ مُلفتة أو مبهرجاً أو مزركشاً أو فيه نقوش كثيرة بحيث يلفت أنظار الرجال، لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31).
ثالثاً: أن يكون صفيقاً لا يشف:
لقوله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رءوسهنَّ أمثال أسنمة البخت، لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها…) الحديث (رواه أحمد ومسلم).
[كاسيات عاريات: يعني تلبس الثياب الرقاق، بحيث يصف لون بدنها، وقيل هي التي تكشف شيئاً من جسمها وتستر شيئاً، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة]
وعن أم علقمة بن أبي علقمة، قالت: رأيتُ حفصَةَ بنتَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ دخلَت علَى عائشَةَ وعلَيها خِمارٌ رقيقٌ يشِفُّ عَن جَبينِها، فشَقَّتهُ عائشَةُ علَيها، وقالَت: (أما تَعلَمين ما أنزلَ اللهُ في سورَةِ النُّورِ؟! ثمَّ دَعَت بخِمارٍ فكسَتْها . .) [صحيح].
رابعاً: أن يكون فضفاضاً غير ضيق:
وذلك بأن يكون متجافياً عن الجسم، وغير محدد للأعضاء، وغير مُعظّم للرأس، ويمكن الاستدلال على هذا الشرط بحديث (النساء الكاسيات العاريات) الوارد في الشرط السابق، وبذلك يتبين أن ما تفعله بعض المحجبات من ارتداء ملابس محددة للخصر والصدر عند خروجها من البيت: كالبلوزة، والبنطال، لا يفي بشروط الحجاب الصحيح.
وفي الحديث عن أسامة بن زيد، قال: (كَساني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُبْطيَّةً كَثيفةً ممَّا أهداها له دِحْيةُ الكَلبيُّ، فكَسَوتُها امرأتي، فقال: ما لك لم تَلبَسِ القُبطيَّةَ؟ قُلتُ: كَسَوتُها امرأتي، فقال: مُرْها فلتَجعَلْ تحتها غِلالةً؛ فإنِّي أخافُ أنْ تَصِفَ عِظامَها) [صحيح، رواه أحمد].
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر بأن تجعل المرأة القبطية "غلالة" وهي شعار يُلبس تحجت الثوب، ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يُفيد الوجوب، كما هو مقرر في الأصول، وقد صرَّح بأن المحذور الذي خشيه من هذه القبطية أن تصف حجم عظامها، وهذا نصٌّ في أن المحذور منها إنما هو وصف الحجم لا اللون.
خامساً: أن لا يكون مبخراً مُطيباً:
وذلك لئلا يصدر عنها رائحة مميزة كالطيب، والبخور، وما في حكمهما من أنواع العطور النباتية والصناعية، كالفل والياسمين، لحديث أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُّما امرأةٍ استعطَرَتْ، فمَرَّتْ بقَومٍ ليَجِدوا ريحَها فهي زانيةٌ) [صحيح، رواه أحمد والحاكم].
وسبب المنع من التعطر واضحٌ، وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماء ما في معناه، كحًسن الملبس، والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال.
سادساً: ألا يشبه لباس الرجل:
لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن رسولُ اللهِ الرجلَ يلبس لبسةَ المرأةِ، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجُلِ) [صحيح، رواه أحمد].
وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منَّا مَن تشبَّه بالرِّجالِ من النِّساءِ ولا مَن تشبَّه بالنِّساءِ من الرِّجالِ) [صحيح، أخرجه أحمد].
وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنَ المتشبِّهينَ منَ الرِّجالِ بالنِّساءِ ، ولعنَ المتشبِّهاتِ منَ النِّساءِ بالرِّجال) [صحيح].
فهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابهاً لزيّ الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك، كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يُعرف (بالجاكيت) القصيرة، و(البنطلون)، وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية التي تُظهر فيها شيئاً من جسمها.
يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى: (وما كان من لباس الرجال، مثل: العمامة، والخف، والقباء الذي للرجال، فإن المرأة تُنهى عنه، وعلى وليها: كأبيها وزوجها أن ينهاها عن ذلك) [القباء: رداء قصير كالجاكيت، مجموع الفتاوى: 22/ 156].
سابعاً: ألا يشبه لباس الكافرات:
بمعنى ألا يُشبه لباسها لباس الكافرات اللاتي يميزهُنَّ، كزي الراهبات، لأن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار، سواءً بالأقوال، أو الأفعال، أو الملابس الخاصة بهم، وكذلك أمرت بمخالفتهم في الزي والهيئة.
وعن عبد الله بن عمرو، قال: (رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَلَيَّ ثوبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فقال: إن هذه من ثيابِ الكفارِ فلا تَلْبَسْهُما، قلتُ: أَغْسِلُهُما، قال: أَحْرِقْهُما) (رواه مسلم).
ثامناً: ألا يكون لباس شهرة:
والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهرةٍ، ألْبَسَهُ اللهُ ثوبَ مَذلَّةٍ يومَ القيامةِ) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه].
وثوب الشهرة هو الذي إذا لابسه الإنسان افتُضح به واشتُهر بين الناس، والمراد أنه لا يجوز لابسه لا شرعاً ولا عُرفاً، وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء.
وقال ابن تيمية -رحمه الله: (وتكره الشهرة من الثياب وهو المترفع عن العادة، والمنخفض عن العادة) [مجموع الفتاوى: 22/ 138].