أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مايو 2022

زيتونة الإلقاح بشرح منظومة ضوء المصباح في أحكام النكاح تأليف الشيخ العلامة عبد الله بن أحمد باسودان

زيتونة الإلقاح بشرح منظومة

ضوء المصباح في أحكام النكاح

تأليف الشيخ العلامة عبد الله بن أحمد باسودان

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا شرحٌ وجيزٌ لطيف على منظومة (ضوء المصباح) في أحكام النكاح، دبجته يراع العلامة باسودان، وقد ضمنها رءوس المسائل في هذا الباب، وبيَّن فيها مقاصد النكاح وغايته وآدابه، توصلاً إلى صحة العقود وإحكامها، وقد ضمن شرحه عليها -أحكام العدة والطلاق والخلع، تتمة لباب النكاح، وزاد في الشرح فروعاً ومسائل وتتمات وفوائد تتعلق بأحكام الخطبة، والظهار والرَّضاع والحضانة، والقسم والنشوز والصَّداق، وغير ذلك.

وقد جاء هذا النظم على بحر "الطويل"، وأجزاؤه: (فعلون مفاعيلٌ، فعولن مفاعلن =مرتين). وبلغت أبياته (٩١) واحدٌ وتسعون بيتاً، وقد شرحها العلامة باسودان شرحاً مختصراً في "زيتونة الإلقاح" كما شرحها العلامة الباجوري في "منح الفتّاح على ضوء المصباح"، وهو شرحٌ مختصرٌ أيضاً، لكنه أيسر وأقرب.

وللنكاح موقعٌ عظيمٌ من ديننا الحنيف، لأن به تحصيلُ الصيانة والعفاف، والحفظ عن الوقوع في الفساد، ولذلك رغَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في النكاح، ويسَّر وسائله، وأوضح أسبابه، ونهى عن التبتُّل والرهبانية، وأخبرنا أنه من سنن الأنبياء والمرسلين، كلُّ ذلك صيانةً للأعراض وحفظاً للنسل، وتحقيقاً للتوازن بين مطالب البدن ومطالب الروح، حيث أنكر الرسول صلى االله عليه وسلم على نفرٍ غلوا في شأن العبادة والطاعة؛ وأرادوا التبتُّل، فمنعهم من ذلك.

 روى البخاري في "صحيحه" حديث الرهط الثلاثة؛ وفيه: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها؛ فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج. فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).

وقد بيّن الإسلام أهمية النكاح في بناء المجتمع المسلم، وذلك من خلال:

أولاً: الحفاظ على النوع الإنساني وذلك عن طريق الزواج والتكاثر، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (النحل: 72).

ثانياً: الحفاظ على النسب، ومن خلال الزواج لا تضيع الأنساب، بل يتم معرفة نسب كل فرد بعكس الزنا الذي فيه تضيع الأنساب.

ثالثاً- الزواج يؤدي إلى سعة الرزق، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (الأنعام: 151).

رابعاً- خلو المجتمع من الأمراض الناجمة عن الزنا، أي الحفاظ على صحة المسلم والمجتمع من خلال إشباع الغريزة الجنسية عن طريق الحلال المشروع وهو الزواج.

خامساً- أنه يؤدي إلى الاستقرار النفسي وبناء أسرة صالحة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

ترجمة الشيخ عبد الله بن أحمد باسودان  

(بقلم/ السيد حسين بن محمد بن هادي السقاف)  

  اسمه ونسبه: 

هو العلامة الفهامة الفقيه المصنف الشيخ عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن باسودان. ينتهي نسبه إلى المقداد بن الأسود الكندي، الصحابي المشهور الجليل المتوفى سنة: (٣٣هـ) رضي الله تعالى عنه.  

اشتهر أجداده المشايخ المقداديون بأل باسودان؛ نسبة إلى قرية (غيل أبي سودان) موطنهم السابق، الكائنة بقرب بلدة (ساه).  

وتعرف قرية (غيل أبي سودان) اليوم بـ (غيل عمر)، ثم انتقلوا منها إلى (الخريبة) كبرى بلدان (وادي دوعن) الأيمن.  

ميلاده، ونشأته، وتحصيله العلمي:  

ولد المؤلف -رحمه الله تعالى -سنة : (١١٧٨هـ) بموضع قريب من مدينة (الخريبة)، ونشأ بها في رعاية والده، وتربى تربية صالحة في رحاب البيت العامر، فعاش حياة علمية نقية منذ نشأته، وجد واجتهد في طلب العلم وتحصيله، والتحق بمعاهد العلم الشرعي وحلقات الشيوخ الأجلاء، فأخذ عنهم ، وتلقى منهم، وراتبط بسلاسل أسانيد أولئك الرجال الأماثل الأفاضل، حتى بلغ إلى ما بلغ إليه من الرتب العوالي .  

شيوخه:  

أخذ صاحب الترجمة عن شيوخ عصره، فابتدأ أولاً بالشيوخ الموجودين بمنطقة (وادي دوعن)، وفي مقدمتهم: 

١- الإمام العلامة الحبيب: عمر بن عبد الرحمن البار الثاني [لأن الأول هو الجد الأدنى للمذكور الاخذ عن الإمام الحداد، وقد توفي سنة: ( ١١٥٨ هـ ) ودفن بمقبرة القرين بـ ( دوعن )]، وهو -أي الحبيب عمر -المعروف بـ: (صاحب جلاجل =جلاجل: هو موضع ساحلي قريب من (الليث) كانت ترسو فيه السفن، ونسب إليه ألحبيب عمر المذكور؛ لأنه دفن فيه).

وهو شيخ فتحه، وعنه جل أخذه في مختلف العلوم الشرعية والعربية وغيرها، ولازمه ملازمة تامة حضرا وسفرا، ورافقه في رحلته إلى الحرمين الشريفين؛ لأداء النسكين، وزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك سنة: (١٢١٢ هـ ) ولتكن المنية وافت شيخه السيد عمر وهو في السفينة التي كانت تقلهما إلى الحج، ولعل مما يتفاءل به ويستأنس بوفاته متوجها إلى بيت الله الحرام قول الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: ١٠٠)  

٢-الشيخ: عبدالله بن أحمد بن فارس باقيس الكندي. 

وغيره من شيوخ (دوعن)، كما أخذ عن بقية الشيوخ الموجودين آنذاك بـ (تريم) و(سيؤون) وبقية بلاد حضرموت.

٣- الإمام الحبيب: حامد بن عمر حامد المنفر.

٤- العلامة الحبيب: عمر بن سقاف السقاف ( ت ١٢٢٤ هـ) .  

٥- العلامة الحبيب: طاهر بن حسين بن طاهر (١٢٤٤ هـ ).  

٦ - العلامة الحبيب : أحمد بن عمر بن سميط (١٢٥٧ هـ ).  

٧ـ العلامة الحبيب: حسن بن صالح البحر ( ١٢٧٣ هـ ).  

٨- العلامة الحبيب: شيخ بن محمد الجفري صاحب (مليبار).  

وغيرهم من الشيوخ الحضارمة والشيوخ الذين لقيهم في رحلاته، وأخذ عنهم ممن يطول تعدادهم، ويصعب حصرهم  

تلاميذه:  

وأخذ عنه كثير من العلماء الأجلاء من السادة العلويين وغيرهم، منهم:  

١- ابنه: محمد باسودان.  

٢-الحبيب: عيدروس بن عمر الحبشي .  

٣-الحبيب: أحمد بن محمد المحضار ( ت ١٣٠٤ هـ )  

٤-الحبيب صالح بن عبد الله العطاس ( ت ١٢٧٩ هـ) .  

٥- الشيخ العلامة أحمد بن عمر باذيب الشبامي، المتوفى بـ ( سنغافورة) سنة ( ١٢٦٨ هـ) أو بعدها .  

٦-الحبيب طاهر بن عمر الحداد، صاحب (قيدون) ( ت ١٣١٩ هـ ).  

٧- الحبيب حسين بن محمد البار ( ت ١٣٣٠ هـ ) صاحب ( القرين ) .  

٨- سبطه العلامة الفقيه السيد عمر بن أحمد الجيلاني الحسني من (الخريبة) .  

وأقرانهم ومعاصروهم من رجال تلك الحقبة، الذين يصعب عدهم وحصرهم.

مؤلفاته: 

يعذ المؤلف من الحضارمة المكثرين في مجال التأليف؛ فقد ألف عدة مؤلفات، نذكر منها ما يلي:  

١. «لوامع الأنوار شرح رشفات الأبرار»، المنظومة الشهيرة «بالرشفات» للإمام العلامة الحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه وقد يسمى «مطالع الأنوار»، منه نسخة بمكتبة الأحقاف بـ ( تريم ) برقم  (١٨٧٨)

٢ـ « فيض الأسرار شرح سلسلة الحبيب عمر بن عبد الرحمن البار» في مجلدين ضخمين، توجد منه نسخ متداولة لدى بعض الناس، ويوجد بمكتبة تريم الجزء الأول فقط ورقمه (٢١٤٨)، ونسخة تامة بالغرفة .  

٣ـ «حدائق الأرواح في بيان طريق الهدى والصلاح» وهو من أهم المراجع التاريخية عن تاريخ ( دوعن ) وأسرة المصنف وشيوخه، منه نسخة بـ ( تريم ) برقم ( ١٥٩٢ ) وبمكتبة آل الحبشي بـ ( الغرفة ) .  

٤ـ منظومة «ضوء المصباح» وهي أصل هذا الكتاب، منها بالأحقاف بـ ( تريم ) رقمها( ٣٠٣٢ )  

٥ - « زيتونة الإلقاح » بشرح «ضوء المصباح الذي يطبع لأول مرة عن مخطوطات موثوقة وهو هذا الكتاب .  

٦ - « تعريف طريق التيقظ والانتباه لما يقع في مسائل الكفاءة من الاشتباه» توجد منه نسخة بمكتبة الأحقاف بـ(تريم) برقم (٣٠٤٦)، ونسخة ( الغرفة )، وأخرى بـ ( تريم ) لدئ بعض الأهالي عليها تعليقات لمفتي حضرموت العلامة عبد الرحمن

٧ـ «الأنوار اللامعة والتتمات الواسعة» شرح «الرسالة الجامعة» للحبيب  أحمد بن زين الحبشي، وقد حققه واعتنى به الأخ محمد أبو بكر باذيب وهو ماثل للطباعة، يوجد من الكتاب نسخة بمكتبة الأحقاف بـ ( تريم ) برقم ( ١٥٣٢ )، وعثر الباحث المذكور على نسخة أخرى منه ببعض المكتبات الخاصة في منزل مهجور بـ ( شبام ) حضرموت .  

٨. «عدة المسافر وعمدة الحاج والزائر» في مناسك الحج والعمرة وفي الزيارة . منه نسخة خطية بمكتبة جامع ( تريم ) برقم (٨٤١) ، وأخرى بمنزل الشيخ أبي بكر بن عبد الله باذيب بـ ( شبام ) حضرموت، وقد طبع هذا الكتاب في ( مصر ) سنة (١٩٧٧ م) بمطبعة المدني.

٩. «تنفيس الخاطر شرح خطبة الحبيب طاهر» . يقع في مجلد ضخم، وبعض نسخه تقع في مجلدين، منه نسختان مكتبة جامع ( تريم ) تحت رقم ( ٢٥٥٨ ) و( ١٥٧٤) ، ونسخة أخرى بمنزل المصنف بـ ( الخريبة )، وسماه السقاف صاحب «تاريخ الشعراء الحضرميين»: «التوشيحات الجوهرية على الخطبة الطاهرية» كذا في تعليقاته على «رحلة باكثير» .  

١٠. «جواهر الأنفاس في مناقب الحبيب علي بن حسن العطاس». واسمه كاملاً: «جواهر الأنفاس بمناقب السيد علي بن حسن العطاس وبعض أصحاب الشيخ عبد الله الحداد والشيخ علي باراس»، كذا ورد اسمه في بعض مصادر ترجمة المصنف . منه نسخة بمكتبة جامع ( تريم ) ورقمها (٢٠٣٦) ، وتوجد نسخ كثيرة منتشرة في حضرموت والمهاجر، ومنه نسخة مصورة بمنزل السيد عمر بن حفيظ بـ (تريم).

١١. «ذخيرة المعاد شرح راتب الإمام الحداد». طبع بـ(مصر) طبعتان: الأولى سنة (١٣١٧ هـ ) بهامش كتاب «عقد اليواقيت الجوهرية» لتلميذه العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي، والأخرى منفصلة طبعت بمطبعة المدني على نفقة المرحوم الشيخ سراج كعكي رحمه الله.

١٢. «ديوان شعر» في مجلد ضخم . يوجد في مكتبة الأحقاف بجامع ( تريم ) ورقمه (٢٥٥٦) ، وفيه أخطاء كثيرة وجمعه بعضى أبناء المترجم .  

١٣. «ثبت الأسانيد» في جزء  لطيف، ذكره صاحب «تاريخ الشعراء». 

وله غير ذلك من المؤلفات والرسائل الكثيرة والوصايا النافعة القيمة وكلها تدل على سعة اطلاعه، وطول باعه، وغزير علمه، وتمكنه في كثير من العلوم .  

كان صاحب الترجمة من العلماء العاملين، الذين حصل بهم النفع الكثير في نشر العلم والدعوة إلى الله، والاثار دالة وشاهدة على ذلك .  

أخلاقه  

كان - رحمه الله تعالى-ـ على جانب كبير من الأخلاق السامية الكريمة، شديد التعلق بآل البيت والمحبة لهم، يجلهم غاية الإجلال - خصوصاً العلويين - وجل أخذه عنهم -كما تقدم -وسيره على طريقتهم، ومشربه مشربهم، وقد حظي من أكابرهم بالرعاية والاعتناء التأمين .  

وهو أحد العبادلة السبعة الأقران المتعاصرين ، الذين بلغوا المراتب العالية في العلم والعمل، والفضل والصلاح، وحصل بهم النفع الكثير، وهم:  

١ ـ صاحب الترجمة رحمه الله تعالى .  

٢. الحبيب: عبد الله بن حسين بلفقيه المتوفى سنة : (١٢٦٦هـ) .  

٣ـ الحبيب: عبد الله بن حسين بن طاهر المتوفى سنة : (١٢٧٢هـ) .  

٤ـ الحبيب: عبد الله بن عمر بن يحيى المتوفى سنة : (١٢٦٥هـ) .  

٥ـ الحبيب: عبد الله بن علي بن شهاب المتوفى سنة : (١٢٦٤هـ) .  

٦. الحبيب: عبد الله بن أبي بكر عيديد المتوفى سنة : (١٢٥٥هـ) .  

٧ـ الشيخ: عبدالله بن سعد بن سمير المتوفى سنة : (١٢٦٢هـ) .  

وفاته:  

انتقل المصنف إلى رحمة الله في مدينة ( الخريبة ) بتاريخ (٧ ) جمادى الأولى، سنة : (١٢٦٦ هـ) ، ودفن بها.  رحمه الله وضاعف مثوبته ، وأسكنه بحبوحة جناتها. 

ترجمة الشيخ إبراهيم الباجوري

(بقلم/ محمد أبو بكر باذيب)

اسمه ونسبته:

محمد بن أحمد هو العلامة الإمام الفقيه شيخ الجامع الأزهر إبراهيم بن الباجوري، أو البيجوري المنوفي المصري الشافعي.  

ينسب إلى قرية (الباجور)، وقد تمال فيقال لها: ( البيجور )، وهي قرية من قرى محافظة المنوفية غربي ( مصر).

مولده ونشأته: 

ولد سنة: (١١٩٨ هـ)، ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه القرآن المجيد وجده. . ولم يذكر المؤرخون له شيوخا ببلدته سوى والده المذكور.

التحاقه بالجامع الأزهر وذكر شيوخه به:  

في سنة : (١٢١٢ هـ) قدم المترجم له إلى الجامع الأزهر رغبة في تحصيل العلوم الشرعية والآداب المرضية . . وسنُّه إذ ذاك (١٤) سنة، ومكث به حتى دخل الفرنسيون (مصر) سنة (١٢١٣ ه)، فغادر ( القاهرة ) إلى ( الجيزة ) ، ومكث بها ثلاث سنوات.  

ثم عاد إلى الأزهر عام (١٢١٦ ه) ، ولازم شيوخه الكبار ، واشتغل  للطلب ليل نهار .  

ومن أجل شيوخه الجهابذة الأفاضل: العلامة ذو القدر الكبير الشيخ محمد الأمير الكبير" ( ت ١٢٣٤ هـ) [=ومما ينبغي التنويه والتنبيه عليه هنا : أن أخذ الشيخ الباجوري عن الأمير الكبير أخذ محقق، وإن كان كثير من أهل الفهارس والأثبات لم يسندوا ذلك لعدم تأكدهم من حصول الأخذ للباجوري عن الأمير ، وأبرز مثال على ذلك أن السيد عبد الحي لم يذكر الباجوري في الآخذين عن الأمير لما سرد أسماء أشهر التلامذة والراوين عنه في الفهارس ( ١/ ١٣٥ -١٣٦) وقد أثبت أخذه العلامة البيطار في «حلية البشر»، ووقفت على مصورة إجازة بخط الشيخ الباجوري في دمشق عند الأخ الفاضل عمر موفق النشوقاتي وذكر فيها أخذه عن الأمير مباشرة بدون واسطة، فقطعت جهيزة قول كل خطيب].

وأخذ عن الشيخ عبد الله الشرقاوي صاحب «الحاشية على شرح التحرير» (ت ١٢٢٧ هـ) ، والسيد داوود القلعاوي أبو هريرة المصري المعمر، الراوي عن الحافظ مرتضى الزبيدي.  

ولكن أكثر تلقيه وملازمته كانت للشيخ محمد الفضالي، والشيخ حسن القويستي (١٢٥٤ هـ) وكانت ملازمته للفضالي أكيدة حتى وفاته رحمه الله، وبعد وفاة شيخه الفضالي.. بدأ التدريس في الجامع الأزهر فأقبل عليه الطلبة من كل فج، وكان الملك عباس الأول ملك ( مصر ) يحضر درسه ويجلس إلى جوار الشيخ رحمه الله، الذي لم يكن يقطع الدرس بل يكتفي بالإشارة إليه بالجلوس.  

وصفه وحليته:

أكتفي بإيراد ما حلاه به مؤرخ عصره الشيخ عبد الرزاق البيطار الذي قال في حقه: (شيخ الوقت والأوان، المستوي في فضائله على عرش كيوان [=كيوان: اسم لزحل، الكوكب المعروف، ممنوع من الصرف]، فهو الذي بهر بإبداعه، وظهر على ذوي الكمال بسعة اطلاعه، وعطل العوالي بيراعه، ومد لتناول المعالي طويل باعه، وأطلع الكلام رائقاً، وجاء به متناسقاً، فهو العالم العامل، والجهبذ الكامل، الجامع بين شرفي العلم والتقوى، السالك سبيل ذلك في السر والنجوى، قد افتخرت به الفضائل، حتى قدمته على الأوائل.. )".  حلية البشر: (١/ ٧- ٨)

ثم قال: (كان ديدنه - رحمه الله -التعلم والاستفادة، والتعليم والإفادة، حتى صار له ذلك سجية وعادة، فكان عمره -رضي الله عنه -ما بين إفادة واستفادة، وكان لسانه دائماً رطباً بذكر الله وتلاوة القرآن، وكان متميزاً بذلك على الأمثال والأقران.  


وله وَلَهٌ عظيم، وحبٌ جسيم، لآل بيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان مواظباً على زيارتهم، ومتردداً على أبواب حضراتهم، وبالجملة: فإنه -رضي الله عنه -كان صارفاً زمنه في طاعة مولاه، وشاكراً له على ما أولاه .  

فمن جملة نعمه عليه: الانتفاع بتآليفه في حياته في كل ناد، والسعي في طلبها من أقصى البلاد، والاجتهاد في تحصيلها من كل حاضر وباد، والاجتماع بها على كل مرام ومراد) انتهى المراد حلية البشر : ( ١/ ٩ -١٠).

أقول: وما ذكره العلامة البيطار الذي توفي سنة: (١٣٣٥ هـ) رحمه الله، هو الحاصل والواقع إلى اليوم هذا، فإن كتب الشيخ الباجوري لها رونق ومزية على غيرها لا سيما شروحه الشهيرة على «الشمائل » والجوهرة» وغيرها..فرحمة الله عليه  

توليه مشيخة الأزهر:  

في سنة (١٢٦٣ ه) وبالتحديد في شهر شعبان انتهت رئاسة مشيخة الجامع الأزهر إلى صاحب الترجمة، بعد وفاة شيخه الثامن عشر العلامة أحمد عبد الجواد السَّفطي الشافعي [ينسب إلى قرية (سفط) بمحافظة بني سويف ولد بها وتوفي بـ ( القاهرة ) سنة ( ١٢٦٣ ه). النور الأبهر، ص: ١٤] في ذلك العام .  

فكان الشيخ الباجوري هو الشيخ التاسع عشر للأزهر الشريف، واستمر في تلك الوظيفة المنيفة حتى وفاته رحمه الله.  

وقد امتدحه السيد محمد شهاب الدين المصري (ت ١٢٧٤ هـ)   [هو : محمد بن إسماعيل بن عمر المصري الشهير بشهاب الدين ولد بـ ( مكة ) سنة: (١٢١٠ ه)، ثم وفد إلى ( مصر ) والتحق بالأزهر ولازم الشيخ حسن العطار والشيخ العروسي، له: ديوان شعر، طبع بـ(مصر) سنة : (١٢٧٧ه) ينظر : «الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة» لمحمد كامل الفقي]- حين آلت إليه الرئاسة بقوله من الكامل:  

أتـرى الغـمـام بـدره المـنـثور وشــى ريــاض الورد والمــنـثـور

أم ذي تـبـاشـيـر الصباح تنفست  وجـلت أشـعـتـهـا دجـى الديـجـور

كـلا بـل الأفـراح أبـدت طالعاً حـظـى الزمـان بـحـظـه المـوفـور

هـو كـوكـب إيـضـاح بـهـجـة ضوئه مـغـن عـن المـصـبـاح والتنوير

رفــعـت لواء العـز دولة مـجـده وسـطـت بـصـارم فـضـله المـشـهور

أكـرم بـه حـبـراً هـمـامـا رحـلة تـطـوى القـفـار لعلمه المنشور

أيـدي الطـوالع في مطالع فخره ولدا الـمـواقـف سـار بـالتيسير

رقــت حــواشـيـه وراقـت وازدهـت بـمـحـاسـن التـحـبـيـر والتحرير

هــو بــر أفـضـال وبـحـر فـضـائل صــاف عــدتــه شـوائب التـكـديـر

كــررت مــدح حـلاه إذ هـو سـكـر تـقـوى الحلاوة فـيه بالتكرير

هـو روض عـرفـان تـجـلى عـن جني دان وكــــم ليــــس بـــالمـــزرور

لا غـرو إن طـاب الزمـان طـيبه وشـذاه عـم الكـون بـالتـعـطـيـر

يا دهر أعط القوس باريها فقد أفـرطـت فـي التـقديم والتأخير

هـذا مـجـلى حلبـة السـبق الذي حـاز الفـخـار بـسـعـيه المشكور

هــو سـيـد الأبـان سـعـد أوانـه فـخـر الزمـان مـيـسـر المعسور

فـرحـت به الدنيا وأصبح وجهها فــيــه تـلوح بـشـاشـة المـسـرور

وزهـت بـه العليا وقالت أرخوا أبــهــى إمــام شـيـخ البـاجـوري

_______________

٩ + ٨٢ + ٩١٠ + ٢٦٢ = ١٢٦٣

يا صاح حدث عن مآثره وقل  قد صح نقل حديثي المأثور  

طوبى لمن بمقام إبراهيم قد أدّى فريضة حجه المبرور  

وسعى وطاف بكعبة الطول الذي  تمَّت شعائره بلا تقصير  

فليَهنَهُ الإقبال وليقضْ الذي  قد فات من مندوبه المنذور  

وإليه أهدي بنت فكرٍ تنجلـي  في خجلة من جفنها المكسور  

غايات ما ترجوه ففى ختامها  حيث انتهت بتكامل التوقير  


ولما تقدم العمر بالشيخ الباجوري وضعف عن القيام بأعباء المشيخة تطلبت بعض الحوادث إقامة وكلاء له ليعينوه على إصدار الأحكام، فتقرر إقامة أربعة وكلاء وهم: الشيخ مصطفى العروسي - رئيسا للوكلاء -، والشيخ أحمد كابوه المالكي، والشيخ إسماعيل الحلبي الحنفي، والشيخ خليفة الفشني الشافعي.  

تلامذته والآخذون عنه: 

كان من أبرز تلامذته والملازمين له:  

١ - الشيخ العلامة وجيه الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشربيني المتوفى سنة: (١٣٢٦ هـ) تولى مشيخة الأزهر سنة : (١٣٢٢ ه) واستقال منها سنة (١٣٢٤ ه) . . وهو صاحب التقرير على «حاشية البناني» على شرح «المحلي» على « جمع الجوامع »، وله غيرها .  

٢. الشيخ العلامة أحمد الرفاعي الفيومي المالكي المصري، المتوفى سنة: ( ١٣٢٥هـ ) عن ( ٧٥ ) سنة وهو من شيوخ العلامة الفقيه محمد بن عمر بن سلم الحضرمي الشافعي المتوفى سنة: (١٣٢٩ هـ) صاحب رباط العلم بغيل باوزير بـ ( حضرموت)، ووالد الشيخ أحمد بن سلم شيخ رواق السادة الحضارمة بالجامع الأزهر .  

٣ـ الشيخ العلامة سليم البشري المالكي المصري ، ولد سنة: (١٢٤٨ هـ)، وتوفي سنة : ( ١٣٣٥هـ) تولى مشيخة الأزهر، وهو الشيخ الخام والعشرون، له مصنفات عديدة.  

وهؤلاء الثلاثة من أشهر الاخذين والملازمين للشيخ الباجوري من أهل (مصر).  

ومن سيأتي ذكرهم أخذوا عنه إما إجازة أو قراءة لكن لم يلازموه كهؤلاء.  

٤ - الشيخ العلامة محمد خليل القاوقجي الحنفي المتوفى سنة: (١٣٠٥هـ).  

٥ـ العلامة المسند الشيخ إبراهيم بن محمود العطار الدمشقي المولود سنة ( ١٢٣٢ هـ)، والمتوفى سنة : (١٣١٤هـ) .  

٦ ـ الشيخ إبراهيم العكاوي الطرابلسي .  

٧. الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى الشركي ( بالكاف المعقودة ) السديري النجدي، شارح نونية ابن القيم المتوفى سنة : (١٣٢٩ هـ) .  

٨ـ الشيخ المسند علي الرهبيني المصري ، دفين (اسطنبول) ، يروي عنه السيد عبد الحي الكتاني بواسطة السيد محمد بن محمد الميرغني.  

٩. الشيخ مصطفى بن خليل التونسي الأزهري.  

١٠. الشيخ العلامة محمد المدني بن عزوز التونسي المتوفى سنة: (١٢٨٥ه).  

١١. الشيخ الإمام العلامة المسند أبو النصر الخطيب الدمشقي المتوفى سنة (١٣٢٥) .  

١٢. الشيخ الصالح المسند حسين منقارة الطرابلسي الحنفي المصري، لقيه السيد عبد الحي الكتاني وأخذ عنه تدبيجاً.  

١٣. الشيخ الفقيه المحقق العلامة سعيد بن محمد باعشن الحضرمي الدوعني الشافعي المتوفى سنة: (١٢٧١هـ). فقد صرح بذكره في كتابه «مواهب الديان» ونقل عنه فائدة مع أنه عاصره وشاركه في الأخذ عن العلامة الشرقاوي كما يعلم ذلك من ترجمته. [ينظر ترجمته في مقدمة «مواهب الديان» بقلم كاتب هذه السطور "باذيب"]

١٤ - الشيخ العالم الأديب الفقيه المعمر محمد بن عبد الله بن إبراهيم العقوري، المصري، الأزهري، مولده في (١٣) محرم (١٢٤٠هـ)، قرب موضع مدينة (مرسى مطروح)، قبل أن توجد هذه المدينة أيام كانت بها بعض الخيام لخفر السواحل. والمتوفى بـ (مصر) بعد سنة (١٣٨٤ هـ)، وهو من قبيلة (العواقر)، المعروفة بـ (البحيرة) بـ (مصر). أخذ الشيخ العقوري عن جماعة من الكبار، منهم: البرهان السقا، والصاوي، وعليش، ومحمد الذهبي، والأمير الصغير، والعدوي الحمزاوي. . وغيرهم .  

ولقيه عدد من أهل العلم، منهم العلامة الشيخ محمد الحافظ التجاني المصري، والعلامة الشيخ حسن بن محمد المشاط المالكي المكي، وشيخنا السيد العلامة محمد بن علوي المالكي، إبان دراسته بـ (مصر)، وأجاز للشيخ محمد ياسين الفاداني المكي مكاتبة من (مصر) في ذي الحجة (١٣٨٤هـ) .  [ كتاب: «تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع» للعلامة المحدث المسند: الشيخ محمود سعيد ممدوح المصري: ص (٤٨٤- ٤٨٥) . وكتاب: «الإرشاد بذكر ما لي من الإجازة والإسناد» للعلامة الشيخ حسن المشاط: ص (٥)]

وفاته:  

بعد أن أجهده المرضى وألزمه الفراش، نزل به الحمام بعد أن استوفى عمره بالتمام. . وكانت وفاته يوم الخميس (٢٨) الثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة: (١٢٧٦ هـ)، ست وسبعين ومئتين وألف من الهجرة، ودفن بتربة المجاورين [حلية البشر: (١/ ١١ )].  

ونقل الزركلي في "الأعلام" عن «مقدمة شرح الأم» للحسيني و«خطط مبارك» و«معجم المطبوعات» أنها سنة: ( ١٢٧٧ ه). وأغرب جداً محيي الدين طعمي فذكر أنها سنة: ( ١٢٨١هـ). ونقله عن د. خفاجي، وأحمد تيمور كما في «النور الأبهر»: ( ١٢ ).

مصنفاته:

صنف الشيخ - رحمه الله تعالى - مصنفات عديدة جامعة مانعة مفيدة، في جميع الفنون من توحيد وأصول، ومعقول ومنقول. منها:

أولاً: في علم التوحيد .  

١- «حاشية» على رسالة شيخه العلامة الفضالي في شرح كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، صنفه سنة: ( ١٢٢٢هـ ) .  

٢-حاشية تُسمى «تحقيق المقام على كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام» ومتن الكفاية هو لشيخه العلامة الفضالي أيضاً، صنفه سنة: (١٢٢٣ هـ) في حياة شيخه، وقد طبع مرات في مطبعة الحلبي.  

٣- «فتح القريب المجيد بشرح بداية المريد» وهو شرح على متن للعلامة الشيخ صالح بن محمد السباعي المصري العدوي، المولود سنة (١١٥٤ هـ)، والمتوفى سنة: (١٢٢١ هـ)، وهو مالكي المذهب.صنف الشيخ الباجوري شرحه هذا سنة: (١٢٢٤هـ ) .  

٤- حاشية على «متن السنوسية» المعروفة با أم البراهين، صنفه سنة: (١٢٢٧ هـ)، وقد طبع مرات.  

٥- حاشية على «متن منظومة الجوهرة» للعلامة اللقاني المالكي، صنفه سنة: (١٢٣٤ هـ). وهو من أجل شروح الجوهرة، إن لم يكن أجلها. وقد اعتنى به المتأخرون جداً، وصار كتاباً مقرراً في حلقات الجامع الأزهر، واعتمد عليه طلاب العلم في العالم الإسلامي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، طبع مرات. واختصره كثيرون، منهم العلامة بكري رجب الحلبي، والعلامة نايف العباس الحوراني، رحمهما الله، وغيرهما .  

٦- رسالة لطيفة (متن) في العقيدة..صنفها سنة: (١٢٥١هـ)، وعليها شرحان مطبوعان: (أحدهما): «تيجان الدراري في شرح عقيدة الباجوري» للعلامة الفقيه الشيخ محمد نووي الجاوي الشافعي ، المتوفى بـ (مكة) سنة: (١٣١٤ هـ) وهو مطبوع بمطبعة الحلبي بمصر .  

٧- (والشرح الثاني): وهو المسمى «نوافح الورد الجوري» شرح عقيدة الباجوري ألفه حضرة العلامة الإمام الكامل الشريف اللوذعي الفاضل نابغة حضرموت وأشعر شعرائها السيد أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين العلوي الحسيني الحضرمي ثم الهندي . مولده بقرية ( حصن فلوقة ) قرب ( تريم) سنة : (١٢٦٦هـ) ، ووفاته بـ ( حيدر أباد الهند) سنة (١٣٤٢ هـ). طبع قديماً في مطبعة (فخر نظامي ) ويقع في (١١٤) صفحة . . وهو كتاب قيم ونادر جدا لدي نسخة منه .  

هذا . . وللشيخ الباجوري أيضا مصنفان في علم التوحيد لم يتمها، هما:  

٨- شرح على العقائد النسفية,

٩- شرح على منظومة الشيخ محمد النجاري في التوحيد .  

ثانياً: مصنفاته الفقهية:

١-حاشية على (شرح ابن قاسم الغزي) على متن أبي شجاع أحمد بن الحسن الأصفهاني؛ في فقه الشافعية كبيرة تقع في مجلدين، طبعت مرات عديدة، وهي حاشية ضخمة من أنفع الحواشي . 

ومع تحذير كثير من الشيوخ طلابهم من مطالعة كتب الحواشي وإيرادهم قولتهم المشهورة: من طالع الحواشي خرج بلا شيء، ومن حفظ المتون حاز الفنون. .  إلا حاشية الباجوري  -هذه فقد كان فقهاء ( حضرموت ) خاصة ينصحون طلابهم بمطالعة هذه الحاشية القيمة، وقالوا: إنها كلها علم، هذا ما حفظته عن كثير من شيوخي . صنف الباجوري هذه الحاشية سنة: (١٢٥٨ هـ).

٢- "منح الفتاح شرح ضوء المصباح في أحكام النكاح ».. وهو هذا الكتاب الذي نقدم له وكتبنا هذه الترجمة، صنفه سنة (١٢٣٤ هـ).  

٣- حاشية على «الإقناع » للخطيب الشربيني شرح متن أبي شجاع . لم تتم .  

٤- حاشية على «منهج الطلاب» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في الفقه . لم تتم .  

٥- التحفة الخيرية  على «الفوائد الشنشورية» شرح على كتاب العلامة الشنشوري المصري في علم الفرائض طبع مرات، صنفه سنة: (١٢٣٦ هـ).

ثالثاً: مصنفاته في السير والشمائل: 

١- حاشية على «الشمائل المحمدية» للإمام الترمذي.. وهي المسماة «المواهب اللدنية» صنفها سنة: (١٢٥١ هـ) ، وقد طبعت مرات. 

٢- «تحفة البشر على مولد ابن حجر» يعني به الهيتمي المكي، سنة (١٢٢٥هـ) .  

٣- «حاشية» على «مولد الدردير».. صنفه سنة : (١٢٢٧فـ) .  

رابعاً: مصنفاته في النحو وعلوم اللغة:

١- حاشية على «متن السمرقندية» في علم البيان، صنفها سنة: (١٢٧٢ هـ).

٢ - شرح على «منظومة العمريطي» التي نظم بها «متن الأجرومية» وهي للشرف يحين بن موسى العمريطي المصري، صنفه سنة: (١٢٢٩هـ) .  

٣- فتح الخبير اللطيف شرح «نظم الترصيف في التصريف» للشيخ عبد الرحمن عيسى، صنفه سنة: (١٢٢٧هـ) .  

خامساً: مصنفاته في علم المنطق:

١- حاشية على «مختصر السنوسي» في المنطق، صنفها سنة (١٢٥٢ هـ). 

٢- حاشية على «متن نظم السلم» للأخضري، وهي حاشية قيمة. . صنفها سنة : (١٢٢٦هـ) .  

سادساً: مصنفات أخرى:  

١ - الدرر الحسان على «فتح الرحمن»، وهو شرح على متن لطيف للعلامة الشيخ محمد بن زياد الوضاحي الزبيدي اليمني الشافعي المتوفى سنة: (١١٥٣ هـ). واسم هذا المتن كاملا «فتح الرحمن فيما يحصل به الإسلام والإيمان والإحسان».. صنف الباجوري شرحه هذا سنة: (١٢٣٨هـ ).  

٢- حاشية على «قصيدة البردة» الشهيرة للإمام البوصيري - رحمه الله - وتسمى البرأة ومطلعها. صنفها سنة: (١٢٢٩هـ) .  

٣ -حاشية على قصيدة كعب بن زهير وتسمى هي الأخرى بالبردة، وهي الأحق بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -ألقى بردته على كعب رضي الله عنه بعد أن أتمها.

فهذه خمسة وعشرون مصنفاً، صنفها العلامة الباجوري رحمه الله تعالى .  

وقد زرقت هذه المصنفات قبولاً لدى أهل العلم، ولاقت إقبالا منقطع النظير. وما زال طلاب العلم اليوم يعكفون على حاشية الباجوري» الفقهية، وعلى حاشيته على «الشمائل » للترمذي.. وغيرها مما ذكر، ولا غرو فهي مملوءة علما، بالإضافة إلى التحقيق والعلم الغزير الذي أودعه مصنفها فيها. . . رحم الله شيخ الأزهر ، الإمام العلامة الباجوري. . فقد كان يكن لأهل ( اليمن ) عموما ولأهل ( حضرموت ) خصوصا محبة كبيرة، وقد أبان شرحه هذا على متن «الزيتونة» عما يضمره من عميق احترام وشديد ولاء لأهل ( حضرموت ). . لاسيما لصاحب « الزيتونة » ، المعاصر له.

وأما إجلاله لعلماء اليمن من غير الحضارمة فيتمثل في شرحه لكتاب «فتح الرحمن» لابن زياد ، السابق الذكر.. ومن العجيب والغريب جداً.. توافق هذين الرجلين الجبلين. . الإمام باسودان والإمام الباجوري في جانب روحاني هام ألا وهو شدة حبهما وإخلاصهما لآل البيت النبوي عليهم السلام.  

وهذا توافق عجيب ، وكأن هناك صلة.. جمعت بين هذين الإمامين، وجعلت أحدهما ينساق بكل روية إلى شرح كتاب الاخر. . ولا ندري فلعل هناك صلات لم نعلم بها كانت قد جرت بين الرجلين. . ولعل أحد الشيخين: الشيخ باعشن، أو الشيخ باصبرين.. كان له قصب السبق في تعريف أهل ( مصر ) بمصنفات الشيخ عبد الله باسودان! .  





الجمعة، 20 مايو 2022

فتح الجواد بشرح منظومة ابن العماد في المعفوّ عنها من النجاسات لشيخ الإسلام أبي العباس شهاب الدين أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي (ت 971 هـ)

فتح الجواد بشرح منظومة ابن العماد

في المعفوّ عنها من النجاسات

لشيخ الإسلام أبي العباس شهاب الدين 

أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي (ت 971 هـ)

بقلم: أ.محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه منظومة نفيسة، في بيان النجاسات المعفو عنها، لأحد أعلام الشافعية، وهو ابن العماد أحمد بن عماد بن يوسف الأقفهسي (ت 808 هـ)، وقد نظمها في مائتين وتسعةٍ وثمانين بيتاً، وقد شرحت شروحات عديدة، من أهمها شرح الإمام الشهاب الرملي تلميذ الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى. 

ويُصنف هذا الشرح ضمن الشروحات السهلة المختصرة، المُيسَّرة للمبتدئين، كما أنه شرحٌ تضمن الكلام على الدليل والتعليل، وذكر الخلاف، والمعتمد في المذهب. وقد فرغ الإمام الرملي من شرح هذا النظم في 3/ صفر/ سنة (940 هـ).

وتكمن أهمية هذا الموضوع في التمييز بين النجاسات التي يُعفى عنها والتي لا يُعفى عنها، سواءً عُفي عنها في المائعات عموماً أو في الماء خصوصاً، أو التي يُعفى عنها في البدن والثوب والمكان، كل ذلك رفعاً للحرج، والتخفيف عن الناس، ومراعاة لأحوالهم وأعمالهم، وتصحيحاً لعباداتهم وطهاراتهم، فهو موضوع في غاية الأهمية، لا يستغني عنه طالب علم.

أولاً: ترجمة أبي العباس الرملي

           قال نجم الدين الغزي في "الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة" (3/ 101):

الشيخ شهاب الدين الرملي: أحمد بن أحمد بن حمزة، الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ الإسلام، الشيخ شهاب الدين الرملي الأنصاري. الشافعي. 

تلميذ القاضي زكريا. أخذ الفقه عنه وعن طبقته، وكان من رفقاء شيخ الإسلام الوالد في الاشتغال. قرأت بخط ولده أن من مؤلفاته "شرح الزبد" لابن رسلان، وشرح "منظومة البيضاوي في النكاح"، ورسالة في "شروط الإمامة"، وشرح في شروط الوضوء، وأنه توفي في بضع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

وجعل ابن العماد في "شذراته" (8/ 395) وفاته في سنة إحدى وسبعين وتسعمئة على التقريب.

ترجمة ابن العماد الأقفهسي  

هو: شهاب الدين، أبو العباس، أحمد بن عماد بن يوسف (كما في بعض المصادر، وفي بعضها: ابن محمد بن يوسف، أي: بزيادة (محمد) بن عبد النبيّ، الأقفهسي (بلدة من صعيد مصر الأدنى)، ثم القاهري، الشافعي، المعروف بابن العماد، «أحد أئمة الفقهاء الشافعية».

قال السخاوي: «قال شيخنا في «إنبائه»: أحد أئمة الفقهاء الشافعية في هذا العصر، سمعت من نظمه من لفظه» اهـ.  

ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل في الفقه والعربية وغير ذلك، وأخذ وأكثر عن الشيخ جمال الدين الإسنوي، وقرأ على شمس الدين ابن الصائغ الحنفي «شرح البزدوي»، قال ابن قاضي شهبة: «وكان يحضر عند الشيخين البقيني والعراقي، ويتكلم ويفيد، ويعظمه الشيخان»، اهـ. ثم أخذ عن الولي العراقي. 

قال الحافظ برهان الدين ابن العجمي في «مشيخته»: «وكان من العلماء الأخيار المستحضرين، ولديه فوائد في فنون عديدة، دمث الأخلاق، طاهر اللسان، حسق الصحبة».  

وقال ابن حجر في «إنبائه»: «وكان كثير الفوائد، كثير الاطلاع والتصانيف، دمث الأخلاق، وفي لسانه بعض حبسة»، اهـ. 

قال ابن العجمي: «وكتب على المهمات كتاباً حافلاً، فيه تعقبات نفيسة، وصنف عدة تصانيف».  

وقال السخاوي: «كتب على المهمات لشيخه الإسنوي كتاباً حافلاً، فيه تعقبات نفيسة، سماها: «التعقبات على المهمات»، أكثر فيو من تخطئته، وربما أقذع في بعض ذلك، ونسبه لسوء الفهم وفساد التصور، مع قوله: إنه قرأ الأصل على مصنفه». 

ثم ذكر السخاوي -رحمه الله- توجيه بعض الفضلاء لحسن مقصده في ذلك؛ وهو لفت الإنتباه لخطأ غيره؛ لتجنبه»

ومن تصانيفه: عدة شروح على «المنهاج»، وجد من أكبرها قطعة إلى صلاة الجماعة في ثلاث مجلدات، أطال فيه النفس، يكثر الاستمداد فيه من «شرح المهذب»، وأصغرها في مجلدين سماه: «التوضيح»، وكتاب «تسهيل المقاصد لزوار المساجد» وهو كتاب مفيد في بابه، وكتاب «التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان»، ونظمه في أربعمائة بيت، وكتاب «رفع الإلباس عن وهم الوسواس»، و«الاقتصاد في الاعتقاد»، و«نظم النجاسات المعفو عنها» وشرحه، ويسمى «الدر النفيس»، و«القول التام في أحكام المأموم والإمام»، وآخر في «موقف المأموم والإمام»، و«التبيان في آداب حملة القرآن» وربما يسمى: «تحفة الإخوان في نظم التبيان» للنووي يزيد على ستمائة بيت، و«الاقتصاد في كفاية العقاد» تزيد على خمسمائة بيت، وله عليه شرح مختصر، و«الدرة الفاخرة» يشتمل على أمور تتعلق بالعبادات والآخرة، ونظم قصيدة في حوادث الهجرة سماها: «نظم الدرر من هجرة خير البشر»، وشرحها، و«آداب دخول الحمام»، و«انظم التذكرة» لابن الملقن في علوم الحديث، وشرحها.  

وكذا من مناظيمه -كما ذكر السخاوي: «المواطن التي تباح فيها الغيبة»، والدماء المجبورة»، و«الأماكن التي تؤخر فيها الصلاة عن أول الوقت»، وشرحها.  

وتوفي في جمادى سنة ثمان وثمانمائة. 





الخميس، 19 مايو 2022

المنهاج القويم في مسائل التعليم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي

المنهاج القويم في مسائل التعليم

شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تعد المقدمة الحضرمية من الكتب المشهورة والموثوقة في المذهب، اقتصر فيها مؤلفها العلامة بافضل الحضرمي على فقه العبادات؛ لحاجة الناس الماسّة إلى ذلك في حياتهم اليومية، وربّما سماها بـ"المقدمة"؛ لتكون مدخلاً إلى بقية أقسام الفقه، وهو في فقه العبادات مختصرٌ مُفيد، وأحكامه صحيحةٌ ومعتمدة، ولذلك تلقاه الفقهاء الشافعية بالقبول، وأقبل الطلبة على دراسته وحفظه، وكثر الشراح له.

ومن أجلِّ شروحاته: شرح الإمام الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي -رحمه الله تعالى، والذي سماه (المنهج القويم شرح مسائل التعليم)، وذكر الجرهزي في حاشيته على المنهج القويم لابن حجر (ص 46) نقلاً عن ابن شيخ العيدروس في كتابه "النور السافر" في ترجمة (عبد الرحمن بن عمر العمودي) أنه هو الذي طلب من الشيخ ابن حجر الهيثمي شرح مختصر الفقيه عبد الله بافضل. فلبى طلبه، وشرحه.

وكتبت عدة حواشي على هذا المتن من أهمها: (حاشية الشيخ محمد سليمان الكردي)، وله ثلاثة حواشي على الكتاب. وحاشية الجرهزي، وكذلك حاشية الترمسي وهي من أوسع الحواشي وأكبرها. 

وينبغي لمن وقع على هذا الكتاب أن يُطالعه حتى يُتمَّه، ففيه فوائد كثيرةٌ جمَّة، وعلمٌ غزير كثير، وينوي بقراءته أن يُصلح الله دنياه وآخرته، كما قال الإمام الحافظ المزي:

من حاز العلم وذاكره … صلُحت دنياه وآخرته

فأدم للعلم مذاكرةً … فحياةُ العلم مُذاكرته

وفي هذا المقال:

أولاً: ترجمة الإمام أحمد بن حجر الهيتمي (لمحمد بن أبي بكر باذيب).

ثانياً: مدلول كلمة الفقه، وأدوار الفقه الإسلامي.

ثالثاً: أسباب اختلاف الفقهاء.

رابعاً: التعريف بالمذهب الشافعي (نخبة من الأساتذة).

ترجمة العلامة الإمام الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي

رحمه الله تعالى  (٩٠٩ - ٩٧٤ هـ)

[كتبها محمد بن أبي بكر باذيب -طبعت بدار المنهاج]

اسمه ونسبه: هو الشيخ العلامة الفقيه الإمام أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر السلمنتي، الهيتمي، الأزهري، الوائلي، السعدي، المكي، الأنصاري، الشافعي.  

والسلمنتي: نسبة إلى ( سلمنت) من بلاد حرام، من أقاليم مصر الشرقية؛ حيث كانت أسرته بها قبل انتقالها إلى محلة أبي الهيتم. وسمي بـ(ابن حجر)؛ لأن جده كان ملازماً للصمت. والهيتمي - بالتاء المثناة الفوقية - : نسبة إلى محلة أبي الهيتم، قرية من أعمال مصر الغربية.  وابن حجر رحمه الله - من بني سعد، من الأنصار الذين هاجروا إلى مصر أيام الفتوحات، وهم من بطون قبيلة وائلة.  

مولده ونشأته:

ولد بمحلة أبي الهيثم في رجب أواخر سنة (٩٠٩ ه)، ومات أبوه وهو صغير، فكفله جده لأمه الذي عمَّر أكثر من مثة وعشرين عاما ثم مات الجد، فكفله شيخا أبيه الإمامان: الشمس الشناوي ، والشمس محمد الرواي ابن أبي الحمائل.  

ثم إن الشيخ الشناوي رحمه الله تعالى تولى رعايته ونقله إلى مقام السيد البدوي رحمه الله تعالى بطنطا؛ حيث تلقى مبادئ العلوم هناك.  

طلبه للعلم:

في سنة (٩٢٤ ه) نقله الشمس الشناوي إلى الجامع الأزهر، فبدأ بقراءة الحديث، والنحو، والمعاني، والبيان، والأصلين، والمنطق، والفرائض والحساب، والطب.  

قال ابن حجر رحمه الله تعالى -بعد ذكره تحصيل هذه العلوم: (حتى أجاز لي أكابر أساتذتي بإقراء تلك العلوم وإفادتها، وبالتصدر لتحرير المشكل منها بالتقرير والكتابة، ثم بالإفتاء والتدريس على مذهب الإمام الرئيس، الشافعي ابن إدريس، ثم بالتصنيف والتأليف، فكتبت من المتون والشروح ما يغني روايته عن الإطناب في مدحه، والإعلام بشرحه، كل ذلك وسني دون العشرين).  

شيوخه:

أخذ الإمام ابن حجر عن جمع من كبار علماء عصره ، ولقي عددا من كبار المعشرين والمسيدين من العلماء، وصنف في أخذه عنهم وتراجمهم ثبتاً ذكر فيه أخيارهم، وأسانيده الشهيرة إلى أمهات كتب العلم، ونحن ذاكرون هنا أبرزهم وأجلهم بحسب ترتيب وفياتهم: 

1-الإمام شيخ الإسلام: زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، المتوفى سنة (٩٢٦ ه) .  

2- الإمام: زين الدين عبد الحي بن محمد السنباطي، المتوفى سنة (٩٣١ ه ) .  

3- الإمام: شمس الدين محمد ابن أبي الحمائل السروي، المتوفى سنة ( ٩٣٢ هـ ) .  

4- الإمام: شهاب الدين أحمد بن الصائغ الحنفي، المتوفى سنة (٩٣٤ هـ ) .  

5- الإمام: شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي، العثماني، الشافعي، المتوفى سنة (٩٤٧هـ) .  

6- الإمام: شمس الدين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف الدمياطي، المشهور بابن عروس المصري، المتوفى سنة ( ٩٤٩ هـ) .  

7- الإمام: أحمد بن عبد الحق السنباطي، الشافعي، المصري، المتوفى سنة (٩٥٠ه).  

8-الإمام: محمد بن محمد بن عبد الرحمن البكري، الصديقي، الشافعي، المتوفى سنة (٩٥٢هـ ).  

9- الإمام: شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطابي، الرعيني، الأندلسي، المتوفى سنة  (٩٥٤ه). 

10- الإمام: شهاب الدين، أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي، المصري، الشافعي، المتوفى سنة ( ٩٥٧هـ).  

كما أن ابن حجر أخذ عن كُلٍّ من:

11- الشيخ يوسف الأرميوني، المتوفى سنة ( ٩٥٨هـ ) .  

12- والناصر اللقاني، المتوفى سنة (٩٥٨ ه)، الفقيه المالكي المعروف.  

13- وناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي، الأزهري، المتوفى سنة (٩٦٦ هـ ).

وبعض شيوخه مات بعده؟ كالعلامة الإمام: 

محمد بن عبد الله الشنشوري، الفرضي، المتوفى سنة (٩٨٣ هـ) .  

وعدَّدَ بعض الباحثين شيوخ الإمام ابن حجر فأوصلهم إلى (٣١) شيخاً، ذكرنا أبرزهم وأجلهم.  

مُقاساتُه في الطلب وخروجه إلى مكة:

كان ابن حجر رحمه الله تعالى -يتردد إلى مكة المكرمة، وقد جاور بها في بعض السنين، وأول زيارة له سنة (٩٣٤ هـ ) مع شيخه البكري، ثم مرة ثانية سنة (٩٣٨ هـ)، ثم في سئة (٩٤٠ هـ) قرّر الرحلة إلى مكة والإقامة بها، وكان سبب خروجه من مصر ما حصل من سرقة بعض كتبه من قبل بعض الحسّاد، وهو كتابه «بشرى الكريم» الذي شرح به العباب شرحا عظيماً، ولم يزل متأثراً بذلك الحادث، حتى إنه كان كثير الدعاء بالعفو عن ذلك الفاعل، ويقول: (سامحه الله وعفا عنه) .  

وقال ذاكراً مجاهداته والشدائد التي عاناها: (قاسيتُ في الجامع الأزهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية،  لولا معونة الله وتوفيقه؛ بحيث إني جلت فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللحم إلا في ليلة، دعينا لأكل فإذا هو لحم يوقد عليه، فانتظرناه إلى أن أبهار الليل، ثم جيء به، فإذا هو يابس كما هو نيء، فلم أستسغ منه لقمة

وقاسيتُ أيضاً من الإيذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشد من ذلك الجوع إلى أن رأيت شيخنا ابن أي الحمائل قائماً بين يدي سيدي أحمد البدوي، فجيء باثنين كانا أكثر إيذاء لي، فضربهما بين يديه فمُزّقما كل ممزق)  

كل هذه الأسباب كانت حاملة له على مغادرة مصر والإقامة بمكة، فسكنها لمدة (٣٤) سنة، حتى توفي بها، وكان منزله بالحريرة قريباً من سوق الليل، كما كانت له خلوة برباط الأشرف قايتباي بقرب المسجد الحرام .  

تلامذته:  

بعد استقرار الإمام الهيثمي رحمه الله تعالى بمكة. . شاع حديثه، وانتشر ذكره في الآفاق، فقصده طلاب العلم من كل فج، وتخرج به أكابر الفقهاء في القرن العاشر الهجري، فمن أعلام تلامذته وكبارهم:

1-الفقيه، الإمام الشيخ: عبد الرحمن بن عمر بن أحمد العمودي، الحضرمي، المتوفى سنة ( ٩٦٧ ه ) .  

2- العلامة، المتفنن الشيخ: عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي، المكي، الشافعي، المتوفى سنة (٩٨٢ هـ) .  

3- العلامة الشيخ: عبد الرؤوف بن يحى بن عبد الرؤوف الزمزمي، الواعظ، المتوفى سنة (٩٨٤هـ) .  

4- محدث الهند، الإمام العلامة : محمد طاهر الفتني، الهندي، الحنفي، المتوفى سنة (٩٨٦هـ) .  

5- السيد الشريف، الإمام العلامة، الفقيه: شيخ بن عبدالله بن شيخ العيدروس (لأوسط) ، مصنف «العقد النبوي»، المتوفى سنة ( ٩٩٠هـ ).  

6- الإمام: شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي، المصري، الشافعي، الأصولي، المتكلم ، المتوفى سنة (٩٩٤ هـ).

7- السيد الشريف، العلامة القاضي: عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين الأكبر العلوي، الحسيني، التريمي، المتوفى سنة (١٠١٤ه ) .  

مؤلفاته: 

عدّها بعض الباحثين فبلغت (١١٧) مؤلفا في شتى فنون العلم؛ من حديث، وفقه ، وسيرة، وتراجم، ونحو، وأدب، وأخلاق، وعقيدة، وغير ذلك.  

إلا أن أبرز الفنون التي اشتهر بها رحمه الله تعالى -هو علم الفقه، وله في ذلك اليد الطولى، وما «تحفته» التي عليها المدار والاعتماد في الإفتاء عند الشافعية إلأ أصدق دليل على ذلك.  

ومن مؤلفاته رحمه الله:  

1- الفتح المبين بشرح الأربعين؛ يعني : «الأربعين النووية»، وهو شرح مفيد ونافع.

2- الفتاوى الحديثية .  

3- فتح الإله بشرح المشكاة.  

4- الفتاوى الفقهية الكبرى .  

5- تحفة المحتاج بشرح المنهاج  

6- المنهج القويم بشرح مسائل التعليم ، وهو شرح لـ «المقدمة الحضرمية»، صنفه ابن حجر رحمه الله سنة (٩٤٤هـ ) بطلب من الفقيه عبد الرحمن العمودي، وقد انتفع به طلاب العلم أيما انتفاع.

7- المنح المكية في شرح الهمزية، شرح فه «همزية الإمام البوصيري» رحمه الله تعالى المتوفى سنة ( ٦٩٥ ه).  

8- الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم. 

وهذا ذكر لبعض مصنفات الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى، أما بقية كتب ابن حجر الفقهية؛ كـ «الإيعاب»، و«الإمداد»، و«فتح الجواد»،  و«شرح الإيضاح».

وبقية الكتب الأخرى؛ كـ«الصواعق»، و«الزواجر»، و«كف الرعاع» ، و«الإعلام بقواطع الإسلام»، وغيرها. . فالكلام عنها يطول.

ومن أراد التوسع ومعرفة هذه الكتب ووصفها وما يتعلق بها. . فعليه بالبحث الموسَّع عن الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى ضمن مصادر الترجمة .  

ويكفي أن نشير هنا إلى كتابه الفريد الجامع المسمى «أسنى المطالب في صلة الأقارب»، وهو كتاب كبير، حوى نفائس الفوائد، وهو هام في بابه.  

وفاته:

ولما كبرت سنه رحمه الله تعالى. . ابتدأ به مرض ألجأه إلى ترك التدريس لمدة نيف وعشرين يوماً، وكتب وصيته في الحادي والعشرين من رجب سنة (٩٧٤ ه)، وفي ضحوة الإثنين (٢٣) من الشهر المذكور لبى نداء ربه راضيا مرضياً.  

وصلي عليه تحت باب الكعبة الشريفة، ودفن في المعلاة بقرب من موضع صلب الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، في التربة المعروفة بتربة الطبريين. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

عن مدلول كلمة الفقه، وأدوار الفقه الإسلامي  

وأسباب اختلاف الفقهاء، والتعريف بالمذهب الشافعي  

(د. سعيد الخن. د. مصطفى البُغا. د. محيي الدين مستو. على خالد الشربجي) 

أولاً: مدلول كلمة الفقه.  

الفقه لغة: الفهم، قال في المصباح: «الفقه فهم الشيء»، قال ابن فارس: «وكل علم بشيء فهو فقه له».  

وقد ورد في القرآن الكريم استعمال الفقه بمعنى الفهم: قال سبحانه: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} (هود: 91) أي: مانفهم.  

وقال سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسراء: 44) أي: لاتفهمون تسبيحهم.  

وورد في الحديث الشريف بهذا المعنى، ففي صحيح البخاري، في كتاب الاعتصام، باب مجيء الملائكة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم -وهو نائم، رقم (٧٢٨١)،  فقالوا: «أولوها له يفقهها» أي: يفهمها.  

وفي مسند الإمام أحمد، (١٣٨/٦) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان كلام النبي فصلاً، يفقهه كل أحد، لم يكن يسرده سردا». 

على أن ابن حجر في فتح الباري (١٢١/١): يرى أن هناك تفاوتاً في معنى الفهم بحسب الفعل الذي اشتق منه، فقد قال: «يقال فقه بالضم؛ إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح؛ إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر؛ إذا فهم»  

والفقه شرعاً: غلب على العلم بالدين في أي مجال من مجالاته، حتى بات لايتناول غيره عند الإطلاق. قال في لسان العرب: «الفقه: العلم بالشيء والفهم له، وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلوم، كما غلب النجم على الثريا، والعود على المندل».  

وقد ورد في الحديث دعاء النبي لابن عباس «اللهم فقهه» أي في الدين [رواه البخاري (١٤٣) في الوضوء، ومسلم (٢٤٧٧) (١٣٨) في فضائل الصحابة].

وقال -صلى الله عليه وسلم -عندما قدم عليه أهل اليمن «الفقه يمان، والحكمة يمانية» [رواه البخاري (٤٣٩٠) في المغازي، ومسلم (٥٢) (٨٢) في الإيمان].

قال العيني: المراد بالفقه هنا: الفهم في الدين.  

ويرى الغزالي أن الفقه إنما يطلق على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقـائق آفات النفوس، وما يتصل بذلك. وبقريب من هذا عرف الإمام أبو حنيفة، فقال: «الفقه معرفة النفس مالها وما عليها». 

أما لفظ الفقيه: فأصبح يطلق ويراد به: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، وقد يطلق الفقه على مجموعة الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة.  

قال ابن الأثير في النهاية: «الفقه في الأصل: الفهم، واشتقاقه أي: المعنوي - من الشق والفتح، يقال: فقه الرجل بالكسر يفقه فقها؛ إذا فهم وعلم، وفقه بالضم؛ إذا صار فقيها عالما، وقد جعله العرف خاصا بعلم الشريعة، وتخصيصا بعلم الفروع منها».  

وقال الآمدي: «العلم الحاصل بجملةٍ من الأحكام الشرعية الفرعية بالنظر والاستدلال».  

ثانياً أدوار الفقه الإسلامي:  

لقد مر الفقه الإسلامي بمراحل وأدوار من النمو والتطور، وكل دور منها يتصف بخصائص غالبة، وهي خمسة أدوار:  

الدور الأول: الفقه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

ويبتدئ من البعثة، وينتهي بالوفاة النبوية، ويشمل العهد المكي والمدني، ومصادر التشريع فيه:  

١. القرآن الكريم.  

٢. السنة الشريفة.  

٣. الاجتهاد: اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتهاد الصحابة رضي الله عنهم. إذا لم يكونوا عند رسول الله، لكن يرجعون بعد ذلك إلى الرسول فإما أن يقرهم وإما لا.  

الدور الثاني: الفقه في حياة الصحابة:

ويبتدئ من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وينتهي في أواخر القرن الأول من الهجرة. ومصادر الفقه والتشريع في هذا الدور:  

١ . القرآن الكريم.  

٢. السنة النبوية.  

٣. الاجتهاد، اجتهاد المفتين من الصحابة.  

الدور الثالث: الفقه في حياة التابعين، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين:

ويمتد هذا الدور من أوائل القرن الثاني إلى أوائل القرن الرابع الهجري، وفيه اتسع الفقه الإسلامي ودون، وظهرت كل من مدرسة الحديث، ومدرسة الرأي ومدرسة الظاهرية، ومدرسة الشيعة.  

أ- خصائص مدرسة الحديث:  

١. اتجاه الفقهاء إلى حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفتاوى الصحابة، ووقوفهم في الفتوى عند الرواية غالباً، وعدم استعمال الرأي في الأحكام.  

٢. صحة ما يروونه من الحديث؛ لاستيثاقهم منها.  

٣ـ وقوفهم عند ظواهر النصوص، من غير بحث عن عللها في الأعم الأغلب.

٤ـ قلة تفريعهم الفروع، وكراهيتهم السؤال عن مسائل لم تقع بعد.  

ب - خصائص مدرسة الرأي:  

١. كثرة تفريعهم الفروع حتى الخيالي منها.  

٢ قلة روايتهم للحديث بسبب اشتراطهم فيه شروطا لا يسلم معها إلا القليل.  

٣ - عنايتهم بالبحث عن العلل والمقاصد في الفقه والتشريع، وعن معقولية كل حكم من الأحكام.  

ج- مدرسة الظاهر:  

وأسسها داود بن علي الأصبهاني الظاهري المتوفى سنة (٢٧٠هـ) وكان ينكر القياس، ويتمسك بظاهر الكتاب والسنة.  

ثم أتى من بعد داود ابن حزم الأندلسي، المتوفى سنة (٤٥٦ ه) وحمل لواء هذا المذهب، ودافع عنه. 

د ـ مدرسة الشيعة:  

والاعتماد فيها الكتاب والسنة، ولكنهم لاياخذون حديثاً ولا أصلاً ولا فرعاً إلا عن إمام شيعي، وراو شيعي، أو من بوتقة الإمام، وقد أنكروا الإجماع العام، وأنكروا القياس، لأن الدين لا يؤخذ بالرأي، وإنما يؤخذ عن الله ورسوله وعن الأئمة المعصومين.  

أما مصادر الفقه والتشريع في هذا الدور، فتنقسم إلى قسمين:  

أـ أصلية ب ـ وتبعية.  

* المصادر الأصلية:  

١. القرآن الكريم ٢ . السنة. ٣ . الإجماع. ٤ ـ القياس.  

* المصادر التبعية:  

١. الاستحسان: وهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي هذا العدول. وهو مصدر عند الحنفية والمالكية والحنابلة.

٢. المصالح المرسلة: وهي المصالح التي أرسلها الشارع، ولم يقم دليل فيه على اعتبارها، كما إنه لم يقم دليل على إلغائها وعدم اعتبارها، وهو مصدر عند المالكية.  

٣ العرف: وهو ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول. وجميع المذاهب أخذت بالعرف.  

٤. الاستصحاب: وهو اعتبار الحكم الذي ثبت بالدليل في الماضي قائما في الحال، حتى يوجد دليل يغير هذا الحكم. وهو حجة مطلقا عند جمهور الفقهاء، مع اختلافهم في بعض جوانب الاستدلال به.  

٥. شرع من قبلنا، واحتج به الحنفية والمالكية.  

٦ـ مذهب الصحابي، وهو ما اختاره الصحابي، ولم يرد فيه حكم لا في القرآن ولا في السنة، واحتج به جمهور الحنفية ومالك.  

٧ـ سد الذرائع: والذرائع هي التوسل بما فيه مصلحة إلى ما هو مفسدة سواء أكان ذلك قصدا أم بغير قصد، وسدها: منعها، واحتج بها جميع الفقهاء ولكن على درجات متفاوتة.  

٨ . عمل أهل المدينة، وهو عند الإمام مالك دليل شرعي.  

الدور الرابع: الفقه في مرحلة التقليد: ويبتدئ من أواسط القرن الرابع إلى ماقبيل العصر الحديث. 

وقد توقفت حركة الاجتهاد في هذا الدور للأسباب التالية :  

١ - انقسام الدولة الإسلامية إلى عدة ممالك.  

٢. التعصب المذهبي.  

٣. عدم وجود نظام للسلطة التشريعية.  

٤ـ فشو أمراض خلقية بين العلماء، كالتحاسد والأنانية والتشهير.  

٥ـ تدوين المذاهب، واستغناء الناس بها عن غيرها.  

٦ـ ثقة الناس بالمذاهب، بعد الدعاية لها حتى ملكت على الناس قلوبهم ومشاعرهم.  

أما عمل العلماء في هذا الدور فاقتصر على ثلاثة أمور:  

تعليل الأحكام، والترجيح، والانتصار للمذهب.  

الدور الخامس: الفقه في هذا العصر، وما طرأ عليه من بوادر النهضة الحديثة، ومن هذه البوادر:

١ـ مجلة الأحكام العدلية، وتحتوي على قانون في المعاملات المدنية مأخذه الفقه الإسلامي.

٢. قانون حقوق العائلة العثماني، وصدر عام ١٩١٧م.

٣ـ عدم التقيد بمذهب معين.  

٤ـ ظهور مدونات فقهية.  

٥. تدريس المذاهب الأربعة على قدم المساواة في الجامعات.  

٦. العناية بتدريس الفقه المقارن، ما يقوي الملكة الفقهية، وطريقة استنباط الأحكام من الأدلة المختلفة.  

٧. عناية المجلات بإبراز الأبحاث الفقهية، مما يحتاجه الناس.  

٨- عناية الجامعات يجعل أسبوع للفقه الإسلامي.  

٩. إقامة مؤتمرات دورية تعالج الأمور المستجدة واستخراج الأحكام الشرعية لها.  

١٠. محاولة إيقاظ الفكر العالمي نحو الفقه الإسلامي.  

١١. وجود مؤسسات تعنى يجمع الفقه الإسلامي على شكل موسوعات فقهية تشرف عليها وتنفق عليها حكومات إسلامية.  

١٢ - وجود مجلس للفقه الإسلامي يعنى ببحث الأمور المستجدة وإيجاد الأحكام الشرعية لها مأخوذة من قواعد الاستنباط ومصادر التشريع.

ثالثاً - أهم أسباب الاختلاف "بين الفقهاء في الفروع": 

١ ـ اختلاف القراءات.  

٢ـ عدم الاطلاع على الحديث  

٣ الشك في ثبوت الحديث.  

٤ـ الاختلاف في فهم النص وتفسيره.  

٥. الاشتراك في اللفظ.  

٦. تعارض الأدلة.  

٧ـ عدم وجود نص في المسألة.  

٨. الاختلاف في القواعد الأصولية.  

[انظر الأمثلة على كل سبب من هذه الأسباب في كتاب «أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء» للدكتور مصطفى سعيد الخن - طباعة مؤسسة الرسالة في بيروت.. 

وما ينبغي ملاحظته الفرق بين الاختلاف والمخالفة، وأن الأئمة الأعلام لم يقل أحدهم قولاً مخالفاً لنص من كتاب الله أو سنة رسول الله، وهم أشد حذرا من ذلك، وأعلمهم بقوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: ٦٣)، وانظر كتاب «موقف الأمة من اختلاف الأئمة» للشيخ عطية محمد سالم، المدرس بالمسجد النبوي في المدينة المنورة]

رابعاً: التعريف بالمذهب الشافعي:

ينسب هذا المذهب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي رحمه الله، المولود بغزة سنة (١٥٠ ه) والمتوفى بالقاهرة سنة (٢٠٤هـ) تفقه أول ما تفقه على أهل الحديث من علماء مكة؛ كمسلم بن خالد الزنجي، وسفيان ثم ذهب إلى إمام أهل الحديث مالك بن أنس في المدينة المنورة، ابن عيينة، فلزمه، ولقي من عطفه وفضله ما يجعله يحبه ويجله.  

ثم رحل الشافعي إلى العراق رحلته الأولى، بعد أن تشيع من الفقه في الحجاز على طريقة الحجازيين، فاسترعى نظره تحامل أهل الرأي على أهل الحديث وخاصة على أستاذه مالك وعلى مذهبه.  

وكان بدهياً أن يدافع الشافعي عن أستاذه وعن مذهبه، وعقد مناظرات كثيرة بينه وبين تلاميذ أبي حنيفة، نقلها رواة الأخبار، كان في معظمها يعلي من شأن الاعتماد على الآثار، ويضعف من شأن الاعتماد على القياس.  

ولقد وضع الشافعي في بغداد كتاب «الحجة» ذلك الكتاب الذي اشتمل على مايعرف بالمذهب القديم، وكان في جل أمره ردا على مذهب أهل الرأي، وكان قريبا من مذهب أهل الحديث، حتى سمى ببغداد «ناصر الحديث».  

ويروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: ما أحد من أصحاب الحديث حمل محبرة إلا وللشافعي عليه منة، فقلنا: يا أبا محمد كيف ذلك؟ قال: إن أصحاب الرأي كانوا يهزؤون بأصحاب الحديث حتى علمهم الشافعي، وأقام الحجة عليهم.  

ثم إن الشافعي عاد إلى بغداد مرة أخرى وأقام فيها سنتين، اشتغل فيهما بالتدريس والتأليف، وأتاح له المقام النظر في كتب أهل الرأي، والتأمل فيها بعمق، وكان هذا مدعاة أن يسير في طريق وسط بـين الـرأي والحديث، جين وضع مذهبه الجديد في مصر، ورد على مالك كثيراً من مسائله.  

قال ابن خلدون في مقدمته (ص ٤٤٧- ٤٤٨): «ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس الشافعي المطلبي رحمهما الله، رحل إلى العراق من بعد مالك، ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة، وأخذ عنهم، مزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق، واختص بمذهبه وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه».  

وقال أبو الوفاء الغنيمي في كتابه دراسات في الفلسفة الإسلامية (ص ٩٤. ٩٥): «أما الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤هـ، فقد درس المذهبين، أعني مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة، ولاحظ مافيهما من نقص، وبدا له أن يكمل هذا النقص، فاتجه في الفقه اتجاها جديداً، هو الاتجاه إلى دراسة الأصول، وإقامة الفقه على قواعد منهجية ثابتة، من ضبط الفروع والجزئيات بقواعد كلية، فكان ذا شخصية مستقلة تماما، وكان له أثر كبير في توجيه الدراسات الفقهية والأصولية»

والخلاصة: فإن المذهب الشافعي يعتمد على المصادر التشريعية الأربعة، وهي:  

القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، كما يأخذ بالاستصحاب والعرف، وسد الذرائع، والعمل يخبر الآحاد، ولم يأخذ بأقوال الصحابة، لأنها اجتهادات تحتمل الخطأ، ورد حجية الاستحسان والمصالح المرسلة، وأنكر الاحتجاج بعمل أهل المدينة.  

ومن أشهر كتب الفقه الشافعي المطبوعة:  

١ - الأم ؛ للإمام الشافعي محمد بن إدريس، المتوفى سنة (٢٠٤ه).  

٢. مختصر المزني ؛ لأبي إبراهيم بن يحيى المزني ، المتوفى سنة (٢٦٤ هـ).  

٣ المهذب؛ لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى سنة (٤٧٦ ه).  

٤ـ التنبيه؛ لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى سنة (٤٧٦هـ). 

٥ـ منهاج الطالبين ؛ للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة (٦٧٦ ه).  

٦ - روضة الطالبين؛ للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة (٦٧٦ ه). 

٧. المجموع شرح المهذب: للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة (٦٧٦ هـ).  

٨. الغاية القصوى في دراية الفتوى؛ للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة (٦٧٦هـ).  

٩ . المنهاج القويم؛ لابن حجر الهيتمي، المتوفى سنة (٩٧٤هـ).  

١٠. الحواشي المدنية؛ للشيخ محمد بن سليمان الكردي، المتوفى سنة (١١٩٤هـ).  

١١. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج؛ للشيخ شمس الدين محمد ابن أحمد الشربيني الخطيب، المتوفى سنة (٩٧٧هـ).  

١٢. حاشية البجيرمي على الخطيب؛ للشيخ سليمان بن محمد البجيرمي المصري المتوفى سنة (١٢٢١هـ).  

١٣-تحفة المحتاج شرح المنهاج؛ لابن حجر الهيتمي.

١٤-نهاية المحتاج شرح المنهاج؛ للشيخ محمد الرملي (ت ١٠٠٤ هـ).

وهذان الكتابان الأخيران هما العمدة في الفتوى على مذهب الإمام الشافعي.