أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 مايو 2022

الهدية المرضية بشرح وأدلة المقدمة الحضرمية أ. د. مصطفى ديب البُغا

الهدية المرضية بشرح وأدلة المقدمة الحضرمية

أ. د. مصطفى ديب البُغا

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تعتبر المقدمة الحضرمية المسماة (مسائل التعليم) لمؤلفها "عبد الله بن عبد الرحمن بافاضل الحضرمي (850 -918 هـ) من المتون الفقهية الشهيرة، التي لبست حُلَّة القبول، وحظيت بعناية المتفقهين، لوجازة عبارته، وغزير مادته، وتحقيق مصنفه، ولما وصل إليه مؤلفه من مكانة فقهية رفيعة، ولهذا تكاثرت عليه أقلام العلماء شرحاً وتحشيةً، وتواردت عليه أفكار الفقهاء تبييناً وإيضاحاً.

وهذا الكتاب صنفه الدكتور البغا لبيان أدلة هذا المتن، وما فيه من أحكام فقهية، وفوائد علمية، مع تعليقات بسيطة مقتبسة "المنهج القويم" لابن حجر، وشرح لتلك الأدلة التي يوردها، وسماه: (الهدية المرضية بشرح وأدلة المقدمة الحضرمية). 

وقد اختصر هذا الكتاب في كتاب آخر أصغر منه سماه (الحواشي البغوية على المقدمة الحضرمية) جرَّده من الأدلة، وأبقى على التعليقات، فجاء على ثلث هذا الكتاب.

وتميزت طريقة الدكتور البُغا بربط المتون الفقهية بأدلتها، جمعاً بين الفقه والحديث، وتحقيق المسائل، وذكر الخلاف المعتبر إن وُجد، بالإضافة إلى حصر وبيان الفوائد واللطائف، وهي طريقةٌ فذّة نافعة، تُدرّب الدارس على النظر في الأدلة، وحفظها، والعناية بها، الأمر الذي لمسناه في عددٍ من مؤلفاته مثل (التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب)، وغيرها، وحريٌّ بمن درس هذ الكتاب أن ينتفع بما فيه، وأن يرتقي إلى ما بعده من الكتب المؤلفة في نفس الموضوع، وكما قال المتنبي لنفسه مخطاباً لها:

تُريدين لُقيان المعالي رخيصةً … ولا بُدَّ للشَّهدِ من إبر النَّحل

ترجمة موجزة للشيخ الدكتور

مصطفى ديب البغا الميداني الدمشقي الشافعي.

(كتبها فياض العبسو، وهي مستفادة مباشرة من صاحب الترجمة في لقاء معه، بتاريخ يوم السبت ١٧ جمادى الثانية ١٤٢٩هـ / الموافق لـ ٢١/ ٦ / ٢٠٠٨ م)

اسمه: مصطفى ديب البغا الميداني الدمشقي الشافعي.

المولد: ولد بدمشق -حي الميدان-عام ١٩٣٨ م … ونشأ بها وترعرع.

الدراسة: تخرج من معهد التوجيه الإسلامي، الذي أسسه الشيخ الجليل حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى، وذلك في عام ١٩٥٩م.

ثم درس في كلية الشريعة بجامعة دمشق، لمدة أربع سنوات، وتخرج منها عام ١٩٦٣م، ثم حصل على الماجستير، والدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وذلك في عام ١٩٧٤م، وكان موضوع رسالة الدكتوراه: (أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي)، وقد نُشرت الرسالة بعد ذلك في كتاب مطبوع.

أهم الشيوخ والأساتذة: تتلمذ الشيخ مصطفى البُغا على عدد من الأساتذة الكبار في الشريعة الإسلامية داخل سوريا وخارجها، وكان من أهمهم:

1-الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى، وتلامذته.

2-والشيخ خيرو ياسين رحمه الله، قرأ عليه القرآن الكريم، عندما كان في المرحلة الثانوية، وحفظه، فأجازه به.

3-كما درسه الأستاذ هاني المبارك رحمه الله، مادة التاريخ، في المرحلة الثانوية.

4- والشيخ حسين خطاب، رحمه الله، شيخ القراء بدمشق سابقا.

5-والشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حاليا.

وأما الأساتذة في كلية الشريعة: فهم كثر، ومنهم:

الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ محمد المبارك، والدكتور مازن المبارك، والشيخ محمد أمين المصري، والأستاذ عمر الحكيم، والشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني، والشيخ القاضي محمد الشماع، والشيخ محمد المنتصر الكتاني، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والدكتور مصطفى سعيد الخن، والدكتور أحمد فهمي أبو سنة من مصر، أيام الوحدة بين سورية ومصر، وغيرهم، ومعظمهم قد توفي رحمهم الله تعالى، ولم يبق منهم إلا الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني، والدكتور مازن المبارك، حفظهما الله تعالى.

أهم الشيوخ الذين تأثر بهم:

الشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ خيرو ياسين، والشيخ حسين خطاب، شيخ قراء الشام سابقا، والشيخ محمد كريم راجح، شيخ القراء الحالي.

أهم الأقران والزملاء:

الدكتور أحمد الحجي الكردي، خبير الموسوعة الفقهية بالكويت، والدكتور حسن ضياء الدين عتر، والدكتور محمد عبد العزيز عمرو، من الأردن، وغيرهم.

أعماله ووظائفه:

* في المساجد: خطب في مسجد الغواص بدمشق سابقا، ثم مسجد زين الدين، بدمشق، ولا يزال خطيبا فيه حتى الآن. 

كما أن له دروساً في الفقه والحديث والتفسير وغير ذلك، في عدة مساجد دمشق: مسجد الإمام الشافعي، ومسجد الغواص، ومسجد علي بن أبي طالب، ومسجد القيسري، ومسجد زين الدين.

التدريس في المدارس والجامعات:

درس مادة التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية، بمحافظة الحسكة، لمدة سنتين، ومحافظة السويداء، لمدة سنتين أيضا أو تزيد، ثم في ثانويات دمشق.

ثم عين مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وذلك من عام: ١٩٧٨ ـ وحتى عام: ٢٠٠٠م. 

ثم تعاقد مع كلية الشريعة بجامعة قطر، لمدة خمس سنوات: (٢٠٠٠ ـ ٢٠٠٥م)

كما درس في كلية الشريعة بجامعة اليرموك بإربد في الأردن لمدة سنة: (٢٠٠٦م).

نشاطه ومشاركاته: وقد حضر عدداً من المؤتمرات الدولية، أهمها:

  • مؤتمر في مكة المكرمة، عند اجتياح العراق للكويت.

  • مؤتمر الوحدة الإسلامية، في إيران.

  • مؤتمر التراث، في عدن باليمن، وكان معه الدكتور محمد مصطفى الزحيلي.

ـ كما زار عدداً من الدول العربية والإسلامية، منها:

مصر، للدراسات العليا بالأزهر الشريف.

الجزائر، أستاذ زائر، وحضور ملتقيات.

قطر للتدريس في كلية الشريعة بجامعة قطر لمدة خمس سنوات.

الأردن، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة اليرموك لمدة سنة.

السعودية، لحضور مؤتمر، وللحج والعمرة، وقد حج مرتين.

الإمارات العربية المتحدة، ولأكثر من مرة، للمشاركة في فعاليات المنتدى الإسلامي بالشارقة.

ـ كما له مشاركات في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية: كقناة الرسالة السعودية، والفضائية السورية، وإذاعة القدس، وجريدة الوطن القطرية، وكان له صفحة يومية، خمسة أيام في الأسبوع، بعنوان: (دين ودنيا).

ـ كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ما بين (٥٠ ـ ٦٠) رسالة، في سوريا ولبنان والجزائر والسودان.

كما عمل وكيلا للشؤون الإدارية، لمدة سنتين.

وكذلك وكيلا للشؤون العلمية لمدة سنتين، في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

مؤلفاته وآثاره العلمية:

جمع الشيخ البُغا حفظه الله، بين التأليف والتحقيق، وينصح بالتحقيق، لأنه أكثر فائدة.

ـ أما في مجال التأليف:

١ـ التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب.

٢ـ أصول الفقه: دراسة عامة.

٣ـ الجوانب التربوية في علم أصول الفقه.

٤ـ مضامين تربوية في الفقه الإسلامي.

٥ـ الفقه المنهجي في الفقه الشافعي (ثلاثة مجلدات) بالاشتراك مع الدكتور مصطفى الخن رحمه الله، والشيخ علي الشربجي حفظه الله.

٦ـ الواضح في علوم القرآن، بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو.

٧ـ الدعاوى والبينات والقانون في القضاء … بالاشتراك مع د. عبد الرحيم القرشي ودكتور آخر من قطر.

٨ـ تسهيل المسالك بشرح وتهذيب عمدة السالك وعدة الناسك لابن النقيب … حذف منه مسائل العبيد، مع بعض الإضافات والزيادات.

٩ـ الهدية المرضية شرح وأدلة المقدمة الحضرمية.

١٠ـ التحفة الرضية في فقه السادة المالكية (شرح متن العشماوية).

١١ـ ضوابط المعرفة: وهو شرح على كتاب ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة للشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني رحمهما الله.

كتب كلية الشريعة:

١٢ـ نظام الإسلام

١٣ـ فقه المعاوضات

١٤ـ بحوث في علوم الحديث ونصوصه.

١٥ـ بحوث في الفقه المقارن.

كتب الثانويات الشرعية:

١٦ـ كتب الحديث.

١٧ـ وكتب علوم القرآن الكريم.

١٨ـ وكتب أصول الفقه.

١٩ـ وكتب الفقه الحنفي.

- أما في مجال التحقيق:

٢٠ـ الرحبية في علم الفرائض.

٢١ـ تنوير المسالك بشرح وأدلة عمدة السالك لابن النقيب، تحقيق وتعليق.

ـ في القرآن الكريم:

٢٢ـ تفسير الجلالين.

٢٣ـ مفحمات الأقران في مبهمات القرآن للسيوطي.

٢٤ـ الإتقان في علوم القرآن (مجلدان) للسيوطي.

٢٥ـ أسباب النزول للواحدي النيسابوري.

ـ في الحديث الشريف:

٢٦ـ صحيح البخاري (ستة مجلدات + مجلد فهارس) تحقيق وتعليق وضبط.

٢٧ـ صحيح مسلم بشرح النووي، تحقيق وتعليق.

٢٨ـ مختصر صحيح البخاري، المسمى التجريد الصريح لصحيح البخاري، للزبيدي، تحقيق وتعليق.

٢٩ـ مختصر صحيح مسلم للمنذري، تحقيق وتعليق.

ـ في تهذيب السنن الأربعة:

وقد قام بتهذيب السنن، وجعل لكل واحدة مجلد، حذف الأسانيد فقط، مع التحقيق والتعليق، وهي:

٣٠ـ مختصر سنن أبي داود.

٣١ـ مختصر سنن ابن ماجه.

٣٢ـ مختصر سنن الترمذي.

٣٣ـ مختصر سنن النسائي.

٣٤ـ نزهة المتقين في شرح رياض الصالحين للإمام النووي (مجلدان) بالاشتراك مع: مصطفى سعيد الخن رحمه الله، ود. محيي الدين مستو، والشيخين: علي الشربجي، ومحمد أمين لطفي.

٣٥ـ الوافي في شرح الأربعين النووية (مجلد) بالاشتراك مع الدكتور محيي الدين مستو.

٣٦ـ مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، تحقيق وتعليق.

٣٧ـ التقريب إلى كتاب الترغيب والترهيب، لابن الديري، (١ـ ٢) تحقيق وتعليق … بالاشتراك مع الأستاذ محمد عصام عرار.

  • وصيته لطلاب العلم والدعاة:

يوصي الشيخ حفظه الله، طلاب العلم والدعاة، بالتمكن في العلم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والعمل والسلوك، والبعد عن المدح والقدح.

أسرته:

الشيخ متزوج من أربع زوجات إحداهن مطلقة، وله ثمانية بنين، أكبرهم الدكتور محمد الحسن (١٩٦٦م) وبه يكنى، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الأردنية، وموضوع رسالته: (درء المفسدة) وعمل مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة بجامعة دمشق، لمدة سنتين، وعميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، اعتبارا من بداية عام: (٢٠٠٨م)، خلفا للدكتور فاروق العكام، ومن الأبناء، أنس، ويحضر للماجستير، وثماني بنات. ثنتان منهن: حصلتا على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة دمشق، وثنتان حصلتا على الماجستير من كلية الشريعة بجامعة دمشق، وهما تحضران للدكتوراه … (ثلاث منهن يدرسن في السعودية، والرابعة مقيمة مع زوجها في قطر، وتحضر للدكتوراه في الحديث).





المقدمة الحضرمية في فقه السادة الشافعية تأليف العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي

المقدمة الحضرمية

في فقه السادة الشافعية

تأليف العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا متنٌ فقهيٌّ نفيس، ذاع صيته، وعلا فضله، وعمت بركته أقطار الدنيا، وذلك لما تميز به مؤلفه من صدق اليقين، وشرف السيرة، وسعة المعرفة، ودماثة الخلق، ولهذا المتن ثلاثة أسماء، هي: (المقدمة الحضرمية)، و(مسائل التعليم)، و(المختصر الكبير)، وهو على مذهب السادة الشافعية، ومن تأليف العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج المشهور "ببافاضل" رحمه الله تعالى، وهو من المختصرات المباركة المفيدة، التي استمدت مادتها من "منهاج الطالبين" للنووي، فجاء مختصراً مليئاً بالتحقيقات المفيدة، واضحاً في الأسلوب، ولذلك سُمي متنه "بالمختصر الكبير"؛ فاقتناه طلبة العلم، ودرّسه المشايخ، واعتنى به الشُّراح والمُحشُّون، واعتمده العلماء والمتفقهون. 

فشرع المؤلف بافضل في كتابته وتحريره ولكن المنيَّة قد اخترمته قبل أن يُتمّه، ولو أتمَّه لكان موضع "المنهاج" للنووي، لما فيه من الاتقان والتحرير، فكتب "بافضل" من كتاب (الطهارة) إلى (الهبة)، ثم أكمله ابن حجر المكي من كتاب (الهبة) إلى (الفرائض)، فكان ما كتبه تتمةً للمقدمة الحضرمية.

وفي هذه المقال نُبين أمرين، هما:

أولاً: سبب تأليف هذا المتن.

ثانياً: ترجمة العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بافضل (مؤلف المتن).

ثالثاً: عناية العلماء بهذا المتن.

أولاً: سبب تأليف هذا المتن:

وأما عن سبب تأليف المقدمة الحضرمية؛ فقد ذكر الشيخ محمد بن أحمد الشاطري رحمه الله تعالى ذلك فقال: (والسبب في تأليفه كما يُروى عن الشيوخ انَّ الإمام العلامة المعتقد محمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن الأستاذ الأعظم الفقيه المقدَّم المكنى بأبي مُريَّم (بتشديد الياء) تغير مَريم، وهي بنته التي يُكنى بها كان يُحفِّظُ الطلبة القرآن في قبته الشهيرة بتريم والتي يسمونها (قبة أبو مريم)، فإذا ختم الطالب حِفْظَ القرآن أمرَهُ بحفظ ربع العبادات من التنبيه في الفقه لأبي إسحاق الشيرازي، ثم يعيد الطالب ذلك عليه، وتخرَّج على يده بهذه الصفة أعداد كثيرة، واستمر الحفظ فيما بعدُ في تلك القبة الأثرية إلى اليوم بفضل إخلاص أبي مريم التَّقي المستقيم المعتقَد فقرر الشيخ عبدالله بلحاج وهو قويُّ العقيدة في أبي مريم أن يؤلف هذا المختصر أو المختصرين تسهيلًا لأولئك الحفاظ ورجاء أن تصلهُ بركة أبي مريم السَّابق عليه في الزمن رضي الله عنهما) انتهى.

وقال بعض العلماء: المقدمة الحضرمية: كل من قرأ فيه فتح الله عليه المقدمة الحضرمية، أو المختصر الكبير، أو مسائل التعليم، من الكتب المباركة قال صاحب صلة الأهل بمناقب آل بافضل (ص144): (كل من قرأ فيه فتح الله عليه) انتهى.

وسالتُ شيخنا العلامة علي بن سالم بكيّر متّعه الله بالعافية: لماذا سمّي بالمختصر الكبير، هل له أصل اُختصر منه ؟ فقال: (يقال: إنَّه اختصره من المنهاج) انتهى.

ثانياً: ترجمة العلامة 

عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي

[كما وردت في تحقيق المتن المطبوع في دار المنهاج]

اسمه ونسبه: 

هو الفقيه الإمام العلامة، العارف بالله، صاحب المصنفات النافعة: عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الحاج بن عبدالرحمن بن عبد الله بن يحى بن القاضي أحمد بن محمد بن فضل بن محمد بن عبد الكريم بافضل، القحطاني، السعدي، المذحجي، الحضرمي، التريمي.  

أسرته وأصوله:

لا شك أن الأصول إذا طابت… طابت الفروع، وأصول  صاحب هذه الترجمة كانوا جميعا أهل علم وصلاح وتقوى وفقو في الدين، بل حتى أبنائهم وحواشيهم وفروعهم، وإذا أردنا أن نستعرض شيئا من سيرهم وتراجمهم بدءا من الأجداد الأوائل.. فإن الأمر سيطول، فمن أراد الاستزادة. . فعليه بمطالعة كتاب «صلة الأهل بجمع ما تفرق من مناقب آل بافضل»؛ ففيها الخبر اليقين ، على أننا سنتعرض لذكر المشاهير في لمحات سريعة من عمود نسب المترجم.

فالجد الأعلى: فضل بن محمد بن عبد الكريم المتوفى سنة (٥٣٣ هـ) كان من العلماء العاملين، كما وصفه عبد الرحمن الخطيب صاحب كتاب «الجوهر الشفاف»، وهو والد الشيخ سالم صاحب ( الزاوية ) بتريم.

وحفيده القاضى أحمد بن محمد بن فضل المتوفى سنة (٦٠٠ هـ).. كان متوليا القضاء بتريم ، وابنه يحيى بن أحمد.. كان عالما صالحا، وكذا كان ابنه عبد الله بن يحين، وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله.

آل الحاج بافضل (عشيرة المؤلف):

ينتسب آل الحاج للشيخ محمد الحاج بن عبد الرحمن بن عبد الله، لقب بذلك لأنه كان يكثر الحج، وله عقب كثير، وظهر من نسله علماء أعلام؛ منهم ابناه: أبو بكر وفضل.  

أما أبو بكر: فهو الجد الأدنى للمترجم، كان من أهل العلم الأكابر، وعليه درس الشيخ عمر المحضار، وابن أخيه الفقيه عبد الله بن فضل، وابنه عبد الرحمن والد المترجم، توفي الشيخ أبو بكر سنة (٨٠٤ هـ).  

وللشيخ أبي بكر أربعة من البنين: عبد الرحمن والد المؤلف المتوفى سنة (٨٦٦هـ)، وسيأتي ذكره، وعبد الله والد الفقيه أحمد المتوفى سنة (٩٠٠ هـ)، ومحمد الذي تفقَّه به جماعة من العلويين، وأحمد الملقب بالشهيد، وهو جد الفقهاء آل باشعبان بافضل.

ولو ذهبنا نسرد أسماء الفقهاء من بني عمومة صاحب الترجمة... لطال بنا الأمر، وإنما كان الغرض الإعلام بأن هذا البيت من البيوت الطيبة الكريمة، التي استمر فيها العلم والفقه. (وكان من أواخر علماء آل بلحاج مولانا وشيخنا العلامة مفتي تريم الشيخ الفقيه فضل بن عبد الرحمن بافضل، الذي توفي ضحى الأحد  (١١) محرم (١٤٢١هـ)، رحمه الله رحمة الأبرار)

مولده ونشأته: 

ولد -رحمه الله -بتريم سنة (٨٥٠هـ)، ونشأ في حجر والده الشيخ عبد الرحمن المتوفى بتريم سنة (٨٦٦هـ )، وكان والده من أهل العلم والصلاح، أخذ عن أبيه الشيخ أبي بكر، وتربى به، وعن الإمام الكبير الشيخ عمر المحضار وإخوانه، وعن الشيخ الإمام عبد الله العيدروس، المتوفى سنة ( ٨٦٥هـ ).

وحفظ المترجم له القرآن صغيراً، وعدة متون في الفقه واللغة، واشتغل بعلم التجويد، واعتنى بالفقه والحديث.  

شيوخه: 

بعد أن قرأ المبادىء وأتقنها على والده وعلماء تريم… شد مطايا العزم ، ويمم شطر بندر عدن؛ إذ كانت عدن آنذاك تزخر بالفقهاء في عهد الدولة الطاهرية ، وكان تفقه صاحب الترجمة بها، وأبرز شيوخه:  

١- الشيخ الإمام، الفقيه المفتي: عبدالله بن أحمد بامخرمة، السيباني، المتوفى سنة ( ٩٠٣ هـ) . كان على قضاء عدن خلفاً لشيخه الفقيه الإمام أحمد بن محمد باحميش العدني المتوفى سنة (٨٩١ هـ)، وأُجيز صاحب الترجمة من الفقيه بامخرمة في جميع رواياته.

٢- الشيخ الإمام الفقيه: محمد بن أحمد بن عبد الله بافضل ، المتوفى سنة (٩٠٣ هـ ). درس في تريم، ثم رحل إلى عدن ، وتخرج بالقاضي محمد بن أحمد باحميش، والقاضي محمد بن مسعود باشكيل، وأشهر تصانيفه: «العدة والسلاح في أحكام النكاح ». 

ثم إن المترجم عنَّ -وبدا -له الزحلة إلى الحرمين الشريفين لأداء النسكين، فتوجه في سنة (٨٧٥ ه)، فحج وزار سيد الكونين عليه الصلاة والسلام، ولقي في تلك السفرة عدداً من أهل العلم، ذكر لنا المؤرخون بعضا منهم.

فلقي بمكة المكرمة:

٣-العلامة الجليل، القاضي: برهان الدين إبراهيم بن علي بن ظهيرة القرشي، المكي، الشافعي، المتوفى سنة (٨٩١هـ)، الذي مكث على قضاء مكة نحوا من (٣٠) عاماً. وإليه انتهت رئاسة العلم في الحجاز آنذاك. أخذ عن الحافظ ابن حجر، والشرف المناوي، ولازم أبا بكر السيوطي والد الحافظ الجلال، وعليه كان تخرجه.  

وأخذ المترجم رحمه الله عن الشيخ ابن ظهيرة، وأجيز منه إجازة عامة.  

ولقي بالمدينة المنورة:  

٤- العلامة المحدث: ناصر الدين محمد أبا الفرج ابن أبي بكر بن الحسين المراغي، العثماني، الشافعي، المدني، المتوفى سنة ( ٨٨٠ه). أخذ عن ابن الجزري، والولي العراقي، والحافظ ابن حجر، وجمع. وله شرح على «المنهاج للنووي ، وعلى «ألفية ابن مالك»، وغير ذلك.  

ولقي بشبام حضرموت:  

٥-وقبل سفره إلى الحرمين توجه إلى بلدة شبام الشهيرة بحضرموت، وطنب خيامه عند الشيخ العارف بالله إبراهيم بن محمد بن أحمد باهرمز الشبامي، المتوفى سنة ( ٨٧٥ هـ )، فأخذ عنه أخذا محققاً، ولبس منه، وتحكم له، وكانت زيارته له بصحبة شيخه الفقيه عبد الله بن أحمد بامخرمة الذي لبس هو أيضاً منه.  

ومن شيوخه الأجلاء:  

٦-العلامة الجليل، الفقيه الصالح العارف: محمد بن أحمد بن عبدالله باجرفيل، الدوعني، الحضرمي، ثم العدني المتوفى سنة ( ٩٠٣هـ ). تفقه بكبار فقهاء دوعن وعدن، وصحب القاضي محمد بن مسعود باشكيل، وكاتب علماء الحرمين فأجازوه، وله سند عالي في «الحاوي الصغير» للقزويني، يرويه عن عدد من شيوخه. وأخذ عنه صاحب الترجمة إجازة خطية له ولأولاده: عبد الرحمن، وأحمد الشهيد، وفضل، ومحمد.  

أقرانه:  

قدمنا أن المترجم رحمه الله تعالى ولد ونشأ في تريم، في بيئة علم وصلاح، وعاصر جماعة من أهل العلم، منهم :

١- السيد الشريف الإمام: أبو بكر العدني بن عبد الله العيدروس المتوفى سنة (٩١٤ هـ )، فهو من أتراب صاحب الترجمة، ومع ذلك فقد أخذ عنه وعده من شيوخه.

٢ - السيد الجليل الشيخ: الحسين بن عبد الله العيدروس المتوفى سنة (٩١٧ هـ ).  

٣- السيد الشريف العلامة: عبد الرحمن بن الشيخ الإمام علي بن أبي بكر السكران، المتوفى سنة ( ٩٢٣ هـ ). 

روى الفقيه عبد الله بن محمد بن حكم باقشير: لما قرأت على سيدي الشيخ الشريف عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر علوي في مناقب الشافعي رحمه الله تعالى ورحلة الناس إليه في مقدمة «شرح المهذب» للإمام النووي رضي الله عنه . . قال: ( الناس ما فيهم اعتقاد، وإلا. . كانوا يرتحلون إلى الفقيه عبد الله؛ هو شافعينا) ، وهذا بعد رحلته إلى الشحر.  

وقال أيضا في رجب ( ٩١٥ هـ): (ما عندي اليوم أحد مثل الفقيه عبد الله بلحاج).  

٤- الشيخ العلامة، الإمام الفهامة، المتفنن صاحب المصنفات النافعة: محمد بن عمر بن مبارك بحرق المتوفى سنة ( ٩٣٠ هـ)، رافق صاحب الترجمة في الأخذ عن الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة، وشاركه في القراءة على العلامة محمد بن أحمد بافضل في عدن.

وكان يحب صاحب الترجمة كثيراً ويوقره، وروى أصحاب السير والمؤرخون: أن الفقيه بحرق قام خطيبا في الناس بعد فراغهم من دفن الشيخ عبد الله بلحاج ضحوة الإثنين (٥) رمضان (٩١٨ هـ)، وكان أهل البلد كلهم حاضرين، وفيهم السلطان بدر بوطويرق، سلطان حضرموت، وحاشيته، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وخطب خطبة بليغة ذكر فيها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام. . فقد رآني حقا». ثم قال : رأيت البارحة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (كل من صلى على هذه الجنازة غداً. . غفر الله له).  

قال الشيخ العارف عبد الرحمن بن سراج الدين باجمال: فتعجبت من ذلك واستعظمته، وقلت: كيف يقع هذا لهذا الجمع الكثير وفيهم الظلمة والفساق ؟! فرأيت في الليلة الآتية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (استعظمت ما قاله الفقيه محمد بحرق ؟! ) قلت: نعم، قال: (هو كذلك).  

ذكر سبب انتقاله إلى الشحر وتوليه القضاء بها: 

لم يذكر المؤرخون الأسباب التي دعت الفقيه عبد الله بافضل إلى مغادرة وطنه ومسقط رأسه تريم بحضرموت الداخل، لكنهم يذكرون أن الذي سعى في وصوله إلى الشحر واستيطانه بها: هو الفقيه العلامة عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبسين الشافعي، قاضي الشحر المتوفى سنة (٩٠٨ هـ)، والمدفون بتربة الشيخ فضل.  

ولعل من دواعي اختيار ابن عبسين لمترجمنا الجليل أن يقدم إلى الشحر.. هو الشهرة التي اكتسبتها هذه الأسرة المباركة بعد توطن الشيخ الكبير الإمام العارف فضل بن عبد الله بافضل المتوفى بها سنة (٨٠٥ هـ).

وكان ابن عبسين لما تولى القضاء. .سعن في إخراج أوقاف جامع الشحر الذي كان معيناً برسم المدرسين وطلبة العلم من أيدي الدولة آنذاك، وكان الحاكم لذلك العهد هو السلطان الحازم عبد الله بن جعفر الكثيري ، الذي حكم من سنة (٨٩٤هـ ) إلى سنة (٩١٠ هـ) ، وهو الذي ولى ابن عبسين على قضاء الشحر، فحمدها الناس له؛ لما يعرف عنه من ورعه.

وعلى كل.. فقد قدم الشيخ عبدالله بافضل إلى بلدة الشحر، وطاب له المقام بها، وتوطنها، ونقل إليها أسرته وأولاده، ولم يحدد المؤرخون في أي سنة كان انتقاله، ويغلب على الظن أنه سكنها قبل سنة (٨٩٠ هـ) (لأن تلميذه صاحب الحمراء - الاتية ترجمته ـ توفي سنة ( ٨٨٩ هـ)، وقد جاء في ترجمته أنه بنى داراً لشيخه بالشحر).

ولما توفي الشيخ عبد الله بن عبسين سنة (٩٠٨ هـ).. لم يكن في الشحر من يصلح لتولي القضاء، ويكون خلفا لذلك العالم الصالح سوى صاحب الترجمة، فأمره السلطان عبد الله أن يتولى القضاء. . فقبل، ويقال: إن الذي سعى له في ذلك تلميذه الفقيه عبد الله بن أحمد باسرومي المتوفى سنة (٩٤٣هـ)،  

وظل في القضاء إلى سنة (٩١٥ هـ) حين عزم على حج .. بيت الله الحرام، فاستقال منه.  

وجاء في «تاريخ شنبل» في حوادث سنة (٩١٣ هـ): (وفيها فرغ الفقيه شهاب الدين أحمد بن الفقيه عبد الله من قراءة تفسير البغوي على والده الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بافضل، بالشحر المحروس، بمسجد باعمران).  

سعيه في أمور الخير:

كان له رحمه الله جاه كبير، وصيت ذائع، وكتب مرة إلى السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري سلطان عدن أن يوسع مع تريم، ويعمر مسيل تريم، فبعث السلطان بمال جزيل مع السيد محمد بن أحمد باسكوته وذلك سنة ( ٩٠٣ هـ ) .  

وكان المترجم آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، كثير السعي في حوائج المسلمين ومصالحهم، وكانت له هيبة عند القبائل، ويقوم بالصلح بينهم .  

تلامذته: 

أخذ عن الفقيه عبد الله جمع كثير من طلبة العلم، البعض أخذ عنه في تريم، والبعض في الشحر بعد رحيله إليها، كما سنذكره لاحقاً، وحصرهم متعسر، ولكن نكتفي بمن ذكروا في كتب الطبقات من كبار أعلام القرن التاسع والعاشر؛ فمنهم:

١-السيد الشريف: عمر بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفقيه المقدم، المعروف بصاحب ( الحمرا )، المتوفى سنة (٨٨٩ه).  

٢- الإمام الجليل ، السيد العلامة: عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي، الذي قدمنا ذكره في ( الأقران )، وهو من أتراب الفقيه بافضل، لكنه صرح بأخذه عنه.  

٣- السيد الشريف، العلامة الهمام: محمد بن عبد الرحمن الأسقع بن الفقيه عبد الله بلفقيه باعلوي الحسيني التريمي، المتوفى سنة (٩١٧ هـ). 

٤- الفقيه العلامة: عبد الله بن أحمد باسومي الشحري، المتوفى سنة (٩٤٣ هـ).  

٥- السيد الشريف المؤرخ: عمر بن محمد بن أحمد باشيبان العلوي الحسيني، المتوفى سنة (٩٤٤هـ ).

٦ - السيد الشريف الفقيه : أحمد البيض ابن عبد الرحمن - الملقب بالجزيرة -ابن الحسين بن علي بن محمد بن أحمد بن الفقيه المقدم، المتوفى سنة (٩٤٥ هـ).  

٧-السيد الشريف القاضي: أحمد شريف بن علي بن علوي خرد باعلوي الحسيني التريمي، المتوفى سنة (٩٥٧هـ). 

٨ - الشيخ الإمام، الفقيه العلامة: عبد الله بن محمد بن سهل بن حكم باقشير الحضرمي، المتوفى سنة (٩٥٨هـ ) .  

٩ - السيد العلامة، الفقيه المؤرخ: محمد بن علي بن علوي خرد باعلوي التريمي، المتوفى سنة (٩٦٠ ه)، وهو مصنف: «غرر البهاء الضوي في مناقب بني علوي» في مجلد مطبوع، و«الوسائل الشافعة في الأدعية النافعة» مطبوع.  

١٠ - الشيخ الفقيه، الصالح الورع: أحمد بن عبد القوي بن عبدالوهاب بن أبي بكر الحاج بافضل التريمي، المتوفى سنة ( ٩٥٠هـ) .  

هؤلاء أعلام الآخذين عن الشيخ عبد الله بافضل، وهم غيض من فيض ، وكلهم أجلاء، ومن كبار العلماء.  

مؤلفاته:

ألف الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن عدداً من المؤلفات النافعة، والتي كتب الله لها القبول، ولا سيما مختصراته الفقهية، كما أن له مصنفات أخرى نافعة لم تشتهر كثيراً، وعسى أن يكتب الله لها أن تطبع فتنتشر كما انتشرت المختصرات الفقهية؛ فمن ذلك:  

١ - «المختصر الكبير» ، الذي يعرف بــــــ «المقدمة الحضرمية»، أو «مسائل التعليم» ، وهو كتابنا هذا.  

٢ - «المختصر اللطيف»، وهو في ربع العبادات، أخصر من السابق، والأول أشهر، وعليه شرح موجز للإمام شمس الدين محمد الرملي، يسمى: «الفوائد المرضية».  

٣- «منسك الحج».

٤ - «نزهة الخاطر في أذكار المسافر» .  

٥- «لوامع الأنوار وهدايا الأسرار في فضل القائم بالأسحار» .  

٦ - «حلية البررة في أذكار الحج والعمرة».  

٧ -«الحجج القواطع في معرفة الواصل والقاطع».  

٨- «رسالة في أوراد المساء والصباح»، ذكرها صاحب «الصلة»، ويغلب على الظن أنها مشكاة الأنوار»، وهي من تصنيف ابنه أحمد الشهيد، والله أعلم .  

٩- « رسالة في الفلك». 

١٠ - مؤلف في «معرفة القبلة».  

١١ - «مجموع الفتاوى»، ذكره صاحب «الصلة»، ووصفها بأنها: (عظيمة مفيدة).  

١٢ - «وصية نافعة»، أوردها بنصها صاحب «الصلة»، في ترجمته، قال صاحب «صلة الأهل»: (وكان سيدنا الإمام القطب أحمد بن عمر بن سميط يكتبها لكل من استوصاه).  

١٣- ونسب  له صاحب «الصلة» : «مختصر الأذكار» للإمام النووي .  

وهناك من آل بافضل من اختصر الأذكار، وهو شيخ صاحب الترجمة، العلامة: محمد بن أحمد بافضل العدني مؤلف «العدة والسلاح» ، واسم مختصره: «اسر الأسرار في تحرير أذكار الأذكار»، موجود بتريم.  

أولاده وذريته:  

أعقب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج تسعة من خيار البنين، كلهم طلاب علم، فضلاء، أدباء علماء:  

١-الإمام العلامة، الشهيد: أحمد بن الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج. كان مولده بتريم سنة ( ٨٧٧ هـ )، وحفظ القرآن الكريم وجوده، ثم اشتغل بتحصيل العلوم على والده، وقرأ على الفقيه محمد بن أحمد بافضل بعدن، ورحل مع والده إلى الشحر، وكان معيداً لدرس والده في الجامع، ثم خلفه فيه بعد وفاته، وحج وصحب الشيخ محمد بن عراق ، وكان والده يحبه جداً. ومن مصنفاته:  

١ - «نكت على «الروض» لابن المقري، في مجلدين.

٢- «نكت على متن الإرشاد»، أيضاً فى جزأين.  

٣- مصنف جامع لأوراد الليل والنهار، سماه: «مشكاة الأنوار» .  

٤ـ «ترجمة لوالده»، لخصها صاحب «صلة الأهل»، وأورد قطعاً منها في ترجمته ، وكانت بينه وبين الشيخ معروف باجمال الشبامي مراسلات.  

٥. وهو صاحب «الخطب الرمضانية»، التي تقرأ في غالب مساجد حضرموت أول ليلة من رمضان، وليلة النصف منه، وليلة السابع والعشرين. وكانت وفاته يوم الجمعة (١١) ربيع الثاني سنة (٩٢٩ هـ)، على يد الغزاة البرتغاليين عندما هاجموا السواحل الحضرمية، فتصدى لهم الشيخ أحمد وجماعة من علماء الشحر وأفاضلها وعامتها، رحمه الله تعالى. ومن ذريته: ابنه الشيخ محمد بن أحمد الشهيد ، المتوفى سنة (١٠٠٦ هـ)، ولد بالشحر، وتربى تحت نظر أبيه، وألف رسالة في مناقب جده وأبيه وأعمامه.  

٢- الفقيه: الحسين بن الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بافضل ولد بتريم، وحفظ القرآن وبعض «المنهاج» و«الإرشاد»، تفقه بالسيد محمد بن حسن جمل الليل، وصحب إمام العارفين السيد النقيب أحمد بن علوي باجحدب، والشيخ شهاب الدين الأكبر، وأحمد بن حسين العيدروس. وكان مقبلا على مطالعة كتب القوم، ناهلاً من علوم الشيخ الأكبر، وبلغ مبلغ الكمل من الرجال. وتخرج به: السيد عبد الله بن شيخ العيدروس الأوسط، والسيد القاضي عبد الرحمن بن شهاب الدين ، والشيخ محمد بن إسماعيل، وفضل بن إبراهيم آل بافضل. ومن مصنفاته: الكتاب العظيم الجليل، المسمى: «الفصول الفتحية والنفثات الروحية» وكانت وفاته بتريم، في ربيع الثاني من سنة ( ٩٧٩ هـ) .  

٣ـ العلامة الفقيه: زين بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل وصفه صاحب الغرر» بقوله: (هو الفقيه الصالح، الورع الزاهد، القانت الأواب، المحقق في جملة من فنون العلم..) إلخ، أخذ عن والده وطبقته، وبه تخرج السيد هارون بن علي بن هارون جمل الليل في النحو والأصول، توفي في ( ٢٥ ) جمادى الآخرة سنة (٩٤٠ هـ )، وعمره (٣٦ ) عاماً.  

٤ـ العلامة الفقيه: حسن بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج. ترجم له ابن أخيه محمد بن أحمد؛ فقال: (كان فقيهاً عالماً صالحاً عارفاً متفنناً في العلوم، ذا ورع وهمة عالية). توفي صبيحة السبت (٢٧ ) صفر سنة (٩٣٦ هـ)، عن ( ٤٢ ) عاماً، ودفن بالشحر.

٥ـ الفقيه: علي بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج. كان عابداً صالحاً عالماً، أخذ عن أبيه وعن الحسين ابن العيدروس، قرأ عليه «الإحياء»، توفي بالشحر في رمضان سنة ( ٩٣٨ هـ) .

٦ـ الفقيه: محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج. وهو أحد الفقهاء المحققين، أخذ عن والده، وتبحر في الفقه، وقرأ على الشيخ أبي بكر العدني في التنبيه، وربع العبادات من «الإحياء»، مات في حياة أبيه سنة (٩٠٨ ه).

٧ـ العالم: إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج.كان عالماً فقيهاً، توفي سنة (٩٦٨ ه)، بالشحر ، عن عمر (٧١ ) عاماً.  

٨- الفاضل الزاهد: فضل بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل، كان فاضلاً ناسكاً صالحاً فقيهاً كثير الصيام كثير التلاوة، صحب أباه وأخاه أحمد، توفي فاتحة جمادى الأولى سنة (٩٣٨ ه)، عن عمر ( ٦٤ ) عاماً.  

٩ - الناسك العابد : ياسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بافضل. أخذ عن أبيه وأخيه أحمد الشهيد، ولازم السيد الجليل شيخ بن عقيل السقاف، وكان فقيها ناسكا عابدا، وكان تخرجه بالسيد عبد الرحمن بن الشيخ علي، لم تؤرخ سنة وفاته.  

هؤلاء هم أبناء الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بافضل بلحاج، وكما رأينا من سيرهم - على اختصارها - كيف أنهم كانوا قرة عين أبيهم، وقد أحسن تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم حتى صاروا من أعيان أهل زمانهم.  

وفاته:

ولم يزل صاحب الترجمة رحمه الله تعالى -على الحال الجميل، والمجد الأثيل، حتى نزل بساحته الحمام فلبى داعي ربه، وانتقل إلى رحمة الله إلى دار السلام عشية الأحد، لخمس مضت من رمضان المعظم ( ٩١٨ هـ)، ودفن ضحى الإثنين (٦) رمضان، في الموضع المعروف بالشحر، ودفن حواليه أبناؤه وذريته وغيرهم، وقدمنا سابقاً ما قاله الفقيه بحرق يوم دفنه. رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار .  

المراثي التي قيلت فيه:

وقد رثاه عدد من تلاميذه ومحبيه؛ منهم تلميذه الفقيه عبد الله باقشير رثاه بقصيدة مطلعها:  

يا عين جودي بالبكاء ولألئي … وذري الدموع على المآقي هُطّلا  

سحِّي الدما بعد الدموع إذا انقضت … فلقد دهاك من البلا أقصى البلا  

دهمتك غارات الزمان بنكبة … ثقلت وحُقَّ لمثلها أن يثقلا  

[ولألئي: أي نثري الدمع كاللؤلؤ]، وهي طويلة، عددها (٩٧) بيتاً. وللشيخ عبدالرحمن باكثير أبيات في زيارته.  

وفيه يقول الشيخ سعيد الشواف، المتوفى سنة ( ٩٩٠ هـ ) في «قصعة العسل»: 

سيدي الفقيه ابن الحاج … الشيخ مقري «المنهاج»

هو ذاك بحره زعّاج … في العلم أعلمه الله  

عالم معلم للناس … في العلم ذي له دراس  

والسر ذي فيه إيناس … نعم الولي عبد الله  

وأولاده أحسن أولاد … في العلم فقهاء عباد  

صلاح مرَّه زهاد … في كل فن والله  

يا نعم أولاد الفحل … ذي ما وقع منهم محل

هو ذاك من سر الفحل … أسعده توفيق الله  

[مرَّه: جميعاً، دارجة. المحْل : البسر أو البلح قبل نضحه]، وإلى هنا نأتي إلى ختام ترجمة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج بافضل مؤلف «المقدمة الحضرمية»، بعد أن حاولنا أن نستقصي ترجمته من كافة نواحيها، وأن نتحف القارىء الكريم بما هو مفيد وهام في حياة هذا الإمام، والله الموفق والمعين، لا رب سواه، ولا معبود إلا إياه.  

ثالثاً: عناية العلماء بمتن المقدمة الحضرمية:

لقد حظي متن المقدمة الحضرمية أو المختصر الكبير بمكانة رفيعة بين الفقهاء والمتفقهين؛ وذلك لما له من مزايا كبيرة وخصائص نفيسة، فحفظوه وقرؤوه، ودرسوه ودرَّسوه، وتكاثرت عليه أقلام العلماء بين شارح ومُحضِّي؛ فممن شرحه:  

1- العلامة عبد القادر الغنيمي، الأنصاري، وسماه: «شرح المقدمة الحضرمية».  

2- العلامة محمد بن عقيب، وسماه: «شرح المقدمة الحضرمية». 

3- العلامة سعيد محمد باعشن الدوعني، الحضرمي، المتوفى سنة (1270 هـ)، وسماه: «بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم»، وقد عنيت به دار المنهاج، فخرج بتحقيق علمي متميز.  

4- العلامة محمد بن عبد الله باسودان، المتوفى سنة (1281 هـ)، وسماه: «شرح مختصر بافضل».  

5- العلامة سالم بن عبد الرحمن باصهي، الشبامي، المتوفى سنة (1336 هـ)، وسماه: «التيسير في المختصر الكبير».  

6- العلامة محمد بن علي زاكن باحثان، الحضرمي، المتوفى سنة ( 1383 هـ)، وسماه: «التحفة السنية شرح المقدمة الحضرمية».  

7- الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد ابن حجر الهيثمي، وسماه: «المنهج القويم بشرح مسائل التعليم» وعليه عدة حواش، منها: 

* «المواهب المدنية على شرح المقدمة الحضرمية»، للعلامة محمد بن سليمان الكردي، المتوفى سنة (1194 هـ) ، وهي «الحواشي الكبرى».  

* القول الفصل على شرح مقدمة بافضل، للعلامة الكردي أيضاً، وهي «الحاشية الوسطى».  

* «الحواشي المدنية على شرح المقدمة الحضرمية»، للعلامة الكردي أيضاً، وهي  «الحاشية الصغرى».

وللحاشية الصغرى:

**«تقريرات على حاشية الكردي»، للعلامة محمد بن هادي السقاف،  المتوفى سنة (1382 هـ).  

** «الفرائد الدينية في تلخيص الحواشي المدنية»، للعلامة أحمد بن كويا الشالياتي المليباري، المتوفى سنة (1374 هـ).

* «شرح المنهج القويم»، للعلامة أحمد بن محمد الباقاني النابلسي، المتوفى سنة (1195 هـ) .  

* «حاشية على شرح الحضرمية لابن حجر»، للعلامة نجم الدين الحسين بن علي بن حسن بن فارس العشاري، المتوفى سنة (1200 ه).  

* «الدرر السنية على شرح المقدمة الحضرمية»، للعلامة زين الدين أبي الخير عبد الرحمن بن عبد الله السويدي، المتوفى سنة (1200 هـ)  

* «حاشية الجرهزي على المنهج القويم»، للعلامة عبد الله بن سليمان الجرهزي، المتوفى سنة ( 1201 هـ).

* «حاشية الترمسي أو المنهل العميم بشرح المنهج القويم»، للشيخ العلامة محمد محفوظ الترمسي (ت 1308 هـ)، وهي من أوسع الشروح وأكبرها، وقد طُبعت بدار المنهاج.

* «موهبة ذي الفضل على شرح مقدمة بافضل»، للإمام محمد محفوظ بن عبد الله التريمي، المتوفى سنة (1338 هـ)، وقد صدر عن دار المنهاج محققاً.  

* «حاشية على شرح المنهج القويم»، للعلامة صالح بافضل بن محمد بن عبد الله بافضل، المتوفى سنة (1333 هـ).  

*** وعليها تقرير، للعلامة محمد بن طالب بن سعيد الكلاوي، المتوفى سنة (1334 هـ) .  

8-شرح الشيخ مصطفى ديب البُغا في كتابه «الهدية المرضية بشرح وأدلة المقدمة الحضرمية»، وهو شرحٌ مختصر مشفوعٌ بالدليل. ثم اختصره دون ذكر الأدلة في كتاب أسماه (الحواشي البغوية).