أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مايو 2020

القول الأسد في إبطال القول المعتمد المُسمّى: المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد


القول الأسد في إبطال القول المعتمد 

المُسمّى: المعتمد في مشروعية الذكر بالاسم المفرد 
لأحمد بن مصطفى بن عليوة
وكتبه: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ إن اعتمادِ رأيٍ من الآراء أو رفضه يحتاجُ إلى ميزانٍ دقيقٍ مُعتبر من الكتاب أو السُّنة أو الإجماع، وحيثُ يُفقد الميزان فإن التطفيف حاصل، والعبث وارد، وأقرب شيءٍ -والحالة هذه -الابتداع في الدين، والابتعاد عن شرع الله، ومعلومٌ لكلِّ مُسلمٍ منصفٍ أن الذكر بالاسم المفرد مُظهراً مثل (الله الله)، أو مضمراً مثل (هو هو)، لا يُشرع الذكر به استقلالاً بإفراده عن سياقه المذكور فيه، لا في كتاب الله ع وجل، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا هو مأثورٌ -أيضًا -عن أحد من الصحابة أو التابعين، ولم يرد عن أحدٍ من سلف هذه الأمة وخيارها أنه كان يَذكر به، ولا هو مأثورٌ عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين‏.

ولذا أجدني أقفُ مع هذا المؤلَّفِ الذي كتبه أحد عوام المتصوفة وقُصَّاصهم مُبيناً بطلان ما جاء به من ستةٍ وعشرين وجهاً، وسميته "القول الأسد في إبطال القول المعتمد".. وانتهيت إلى أن الذكر بالاسم المفرد بدعة مكروهة، وأن معتقد استحبابه مبتدعٌ شاء أم أبى..

أما عن أصل هذه الرسالة؛ فهي عدة مقالات نشرها أحمد العلاوي في جريدته "البلاغ" التي أسسها، ونُشرت في الأعداد (69، 70، 71)، وجمعها الشيخ محمد بن الهاشمي التلمساني الجزائري، نزيل دمشق، مُضيفاً إليها مجموعة من التقاريظ، فهي إذن ليست من مؤلفات العلاوي، ولا هي من بنات أفكاره، ويشهد لما نقوله ما قالته الباحثة الجزائرية غزالة بو غنام في بحثها المستفيض عن سيرة العلاوي (1): "إنه كان يسخر من يكتبون له، وينسبون كتاباتهم له".

ويزعم من جمع هذه المقالات أن مادة هذا الكتاب كانت عبارة عن مساجلات بين العلاوي وبين أحمد المعاصرين الذين لم يُصرِّح باسمه، وظننا أنه يقصد أحد علماء المالكية السلفيين ممن أنكر عليهم قولهم وفعلهم.

كذلك تزعم بعض طبعات الكتاب أن هذا الكتاب كان بإملاءِ العلاويِّ نفسه في أول رجب سنة 1346/ الموافق 1931 م! -وقيل: كان ذلك أوائل ذي الحجة كما ورد في أثناء الكتاب- وهذا مع اضطرابه -رأيٌ أعجب من الأول الذي ينفي نسبة الكتاب إلى العلاوي، وذلك بالنظر إلى الحيثيات المذكورة.

وقد أُعيد طباعة هذه الرسالة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي على أيدي بعض أتباع العلاوي، وخصوصاً من أتباع المدرسة الشاذلية في مصر وسوريا واليمن، وغيرها.

وقد أبدى بعض من أعاد طباعة هذا الكتاب انبهاره الكبير إزاء هذه الرسالة مع إشارته أن كاتبها هو أُميٌّ لم ينل من علم الكتابة الكفاية، وقد جاءت مجموعةً في وقتٍ متأخرٍ عن وفاته… وأكثر ما ينقل المؤلف -أو من يكتب له -عن صاحب "النصرة".. على أن ما فيها ركيكٌ جداً، لا يصمد في حلبة النقاش والاستدلال.

ومادة الكتاب تنتهي عند الصحيفة رقم (18)، وما زاد عليها فهو تقريرات للذكر عموماً وبيان مشروعيته، وهذا بالطبع لا دليل لهم فيه على مشروعية الذكر "بالاسم المفرد"، وأغلب الظن أنه إنما أتى به، لإتمام طريقته في التدليس بصحة ما ادَّعاه أولاً.. ولكن ما جاء آخراً لا علاقة له مادةً وموضوعاً بما جاء به أولاً … 

ومن (ص 30) لآخر الكتاب: مجموعةٌ من التقريظات لأتباع هذه الطريقة، التي كُتبت بعد جمع هذه الرسالة، ووفاة من نُسبت إليه، وهذه القريظات في مجملها لا تزيد الكتاب قوةً، بل تزيده ركاكةً وضعفاً؛ لأن بعض ما فيها يردُّ على الكتاب نفسه من حيث لا يشعر التلمساني -الذي جمع مادة هذا الكتاب -أما الثناء على العلاوي فهذا جزءٌ معلوم، والأتباع على متبوعهم متهمون، ونبرأ إلى الله من الغلو في الدين..

ويُذكر هنا أن العلاوي التقى بمحمد بن الهاشمي في العام (1930 م)، عند عودته من الحج، وأخذ منه طريقته العلاوية، وأطلعه على هذا الكتاب، وهذا أعجب من ادِّعاء جمعه؟!..

أبرز المآخذ على المؤلف والكتاب:

أولاً: غلو جامع هذه الرسائل في أحمد العلاوي:
وقد رأينا من جامع هذه الرسائل كيف يخلع الألقاب على العلاوي تعظيماً وتمجيداً، وكيف يصفه بأوصاف لا تليق إلا بالله عز وجل، أو بنبيِّه صلى الله عليه وسلم، ناهيك عن كون العلاوي أُمياً ومبتدعاً في الآن ذاته، وهذا من الغلو المذموم الذي هو ديدن أهل البدع والضلال. قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء: 171).
ولنضرب على ذلك الأمثلة:
يقول التلمساني في وصف العلاوي (ص 5): "نبراس الحقائق الربانية"، و"معدن الرقائق الأقدسية"، و"الكنز الحاوي"، و"سندنا ومولانا". وقول أحمد العمراني الفاسي (ص 51) في وصفه: "معدن العلوم الإلهية، ومنبع الأسرار الربانية..". وقول أحدهم (ص 26): "المربي الأكبر، والشهير الأنور، الذي هو بكل وصفٍ أولوي"..


ثانياً: تقديم العقل على النقل عند -العلاوي:
وقد وجدنا ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، حيث يعتمد العلاوي على العقل واستحسانه مضاهياً بذلك سنن أهل الاعتزال والبدع: 
1- فحيث أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان تاماً مُفيداً جعل ذلك -ابتداءً -من كلام النُّحاة؛ ليتوصل إلى تغليطهم، وهو بذلك يُغلِّطُ الشرع الشريف من حيث لا يشعر. 

2-كذلك فإن العلاوي يجعل ذكر الله عز وجل محرراً من كل قيد وصيغة، وهذا لم يقل به أحدٌ من سلف هذه الأمة، ولا نعرفه عن أحد من عقلائها، ولا قال به أحدٌ من زُهادها وعُبَّادها؛ بل لا نعرف ذكراً من الأذكار إلا وهو مُقيَّدٌ بصيغةٍ مُعيَّنة مُفيدة، فقد جاء الذكر مُقيداً في كتاب الله عز وجل، وسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صنَّف العلماء في الأذكار وأعمال اليوم والليلة، فلم نجد فيها ما ادَّعا هالمتصوفة والعلاوي، وإنما جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أفضل الذكر "لا إله إلا الله".

والمتصوفة هم أول من جاء بهذا القول المبتدع، وعليه فهم ممتحنون بقول الله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الشورى: 21).

3- أن العلاوي والمتصوفة عموماً يجعلون الذكر بالاسم المفرد أرفع درجةً من غيره من الأذكار المشروعة، ويلزمهم من هذا الرأي القول بالندب أو الاستحباب لزوماً، الأمر الذي لا دليل لهم عليه، وإنما هي آراءٌ واستحسانات عقلية مجردةٌ عن الشرع.

ومن المعلوم أن تفضيل غير المشروع على المشروع ضلال؛ ويلزم منه الخروج عن حياض السّنة، واتهام الشارع في شرعه، والله عز وجل يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3). 

ويُقال في هذا المقام أيضاً: إن الأذكار عبادةٌ محضة، وأقلُّ أحوال العبادة الندب، ولا دليل لدى العلاوي ولا المتصوفة على الندب، لا في عموم الأدلة ولا في خصوصها ؟!. 

فإن قيل: هل تقولون بأن الذكر بالاسم المفرد مكروه ؟ 

وقبل الجواب على هذا الإيراد، نقولُ: إن الحكم الشرعي كما يتعلُّق بذات الفعل والقول من حيث القبول والرد، فإنه يتعلق أيضاً بالحكم على المكلَّف نفسه من حيث أنه من يقوم بالفعل والقول، وموضوع البحث -هو الحكم على أفعال المتصوفة من حيث اختيارهم تكرار الاسم المفرد بالطريقة المعروفة لديهم، لا مجرد إجرائه على اللسان في سياقه المشروع -من الآيات والأحاديث الثابتة -مع تعظيم الله في القلب؛ فإن الثاني لا يُنكره مسلمٌ عاقلٌ بل أهل السُّنة قاطبةً متوافرون عليه.. إنما الذي نبحثه هو الأول، وهو ما يتعلق بمشروعية ما يفعله بعض المتصوفة أو عدم مشروعيته من تكرار الاسم المفرد على سبيل التعبُّد، وهو ما لا نتردد في القول بكراهته. 

فالكلامُ هنا متوجِّهٌ إلى من يمارس هذه الطريقة في الذكر من تكرار الاسم المفرد، وما يصاحب ذلك من إطفاء الأنوار، أو إبقاؤها خافتةً، وفعل ذلك في جماعة بأصوات مختلطة، وسرعات متفاوتة، وتخصيص أيامٍ في الأسبوع معينة لهذا الذكر، مثل: الأحد والخميس، وفعله في أوقاتٍ مخصوصة من اليوم والليلة -مثلاً- بين المغرب والعشاء، كل ذلك لا بُدَّ له من دليل، وذلك موقوفٌ على الشارع وحده؛ وحيث لم يرد دليل صحيح صريح، لم يبق إلا استحساناتٌ عقلية سقيمة، وعليه فإن الحكم في هذه الأفعال الكراهة قولاً واحداً، ومعتقد استحبابه مُبتدعٌ، شاء أم أبى. 

قال ربنا سبحانه وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص: 50). 


ثالثاً: الرد على العلاوي في جعله أسماء الله آلات!! 
وقال العلاوي (ص 26) أيضاً: "ألا ترى مشروعية الأذان، فلا شك أنك تجدها وضعت للإعلام بدخول الوقت، أو للأمر بالحضور لأداء الفريضة، وكان الأقرب والأنسب للمقام أن ينادى: الصلاة قد حضرت، أو الوقت قد دخل، وما في معنى ذلك، وهل تستطيع أن تقول لماذا صيرت أسماء الله آلة يتوصل بها إلى نداء المصلين ؟". 

والجواب على هذا الهراء، هو: معاذ الله أن نقول مثلما يقول العلاوي من جعل أسماء الله سبحانه آلات يتوصل بها إلى نداء المصلين… أو أن المناسب هو دعوة المصلين بعبارات أخرى غير الألفاظ المشروعة للأذان.. وهذا مما أداه إليه عقله القاصر من القياسات الباطلة والفلتات العظيمة.

بل نقول: إن أسماء الله سبحانه مُعظَّمة لها معان جليلة، وليست مجرد آلات لا معنى لها !، والنداء بها مشروعٌ باتفاق المسلمين، والأذان هو إعلامٌ بدخول الوقت بأذكارٍ مخصوصة. 
ولا نعرف أحداً من علماء المسلمين عرَّف الأذان بأنه استعمال أسماء الله كلآلاتٍ للدلالة على دخول الوقت، أو نداء المصلين، فهذه كبيرةٌ من الكبائر وقع فيها العلاوي أو من يكتب له، وهو بذلك يقدم مناسبات عقلية باطلة على الشرع؛ وكان عليه أولاً أن يُسلم للمناسب الشرعي لا أن يُسلم نفسه للمناسب العقلي، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وعليه فدعوى العلاوي باطلةٌ من أصلها. 

رابعاً: دعوى العلاوي الشيء ونقيضه: 
حيثُ ينقض كلامه آخر الكتاب كلامه أول الكتاب، فيكون جملة كلامه في المحصلة صفر، والغرض المقصود هو إيقاع القارئ في الحيرة لا سيما عند حديثه عن التراكيب النحوية، ولغطه الكبير فيها. 

ونجد ذلك في زعمه اشتراط النحويين الإفادة في اللفظ المركب، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، وأما المبالغة في تقرير هذا الأمر المعلوم؛ فنعتبره سفسطةٌ ظاهرة؛ لأن الإفادة قسمين: إفادة إفرادية -وهي دلالة اللفظ على معناه، وإفادة تركيبية -وهي الداخلة في تعريف الكلام. 
وما رتبه -بالدعوى -أن الكلام المفرد غير مفيد ليس بصحيح؛ لأن نفي الخاص -إفادة الكلام المركب- لا يستلزم نفي العام -عدم إفادة الكلمة، وهذه أمور تُدرك بالبداهة العقلية؛ فلا أدري أين كان عقل العلاوي أو من ينوب في التأليف عنه عند كتابته هذا "القول المعتمد؟!".
ثم إنه تناول في أول رسالته هذه الكلام عند النحاة من حيث التركيب والإفراد بأشياء لا يُحسنها، ولو سكت لكان أسلم له، وهذا من الجهل المركب فيه. 
وعليه: فالاسم المفرد مُفيد وإفادته هي دلالته على مسماه، كما أن المركب مُفيد وفائدته دلالته على ما سيق لأجله، فكيف يقع العلاوي في هذا الاشتباه العجيب، الذي خاض فيه بغير هُدى. 

خامساً: الجواب على استدلاله بعدم المنع -على الجواز: 
ويقول العلاوي (ص 19) "وعلى فرض أنه لا يوجد في الشرع الشريف أي دليل على جواز تكرار ذلك الاسم، فكذلك لا يوجد فيه أيضاً ما يفيد المنع من تكراراه على اللسان ... فحاشا أن يوجد في الشرع ما هو قبيل هاته التعسفات والتنطعات، التي تلزم المؤمن أن لا يردد اسم مولاه على لسانه، بأن يقول (الله الله)، أو ما في معناه من بقية أسمائه..". 

والجواب على ذلك -ابتداءً -هو القول بأنه ليس في أقوال أهل السُّنة تعسُّفٌ ولا تنطع، فحيث طالبناكم بالدليل فعجزتم عن الإتيان به، ولم يكن لديكم ثمَّة دليل من كتاب ولا سنة ولا عن السلف ينهض لما أنكرناه عليكم من مشروعية الذكر بالاسم المفرد؛ فإن قولكم ساقطٌ من أصله. 

ثم إن معنا الأصل وهو أنه لا يُتعبَّدُ الله إلا بما شرع، والأصل في العبادات الحظر، وحيث أقررتم أن الذكر لذلك اللفظ (الله) هو ذكرٌ تعبُّدي فعليكم الدليل، لأن العبادات المحضة تحتاج إلى دليل، وإلا لفتحنا الباب أمام كل من يريد أن يذكر اسماً من الأسماء المفردة في القرآن، مثل فواتح السُّور" الم" يكررها، و"كهيعص" يكررها، و"الموت" يكررها، ، وبناءً عليه فإن إحداث أي ذكرٍ في الدين تمرُّد، والتمرُّد يُنافي التعبُّد. 

سادساً: الردُّ على زعم العلاوي أن الذاكر يقصد إفادة نفسه فقط: 
وقول العلاوي (ص 6): "بأن الذاكر لا يقصد بكلامه إفادة غيره، وإنما يقصد إفادة نفسه، وتمكين الاسم من قلبه، أو ما يشبه ذلك من المقاصد..". 
والجواب: أن هذه الدعوى لا تصلح دليلاً لكم، ثم ما شأن القصود في تبرير جريان الألفاظ إذا كان المقصود هو الذكر المحض ؟!!، وعليه فما هو قصد الذاكر عندكم بالاسم المفرد غير التعبُّد بلفظ الجلالة ؟! 
وعليه فإن الذاكر الحقيقي لا يقصد إخبار الغير -أصلاً -حتى يتمحل القصد بإفادة نفسه، وعليه نتوجَّه إليكم بإثبات دعواكم بالدليل الصريح الصحيح الذي يؤيد مشروعية هذا الذكر، ولا تستطيعون .. بقي أن هذا الذكر بهذه الطريقة بدعةٌ مكروهة. 
ولذلك نقول: لو لاحظتم التركيبات العربية ومقاصدها لما فهتم بمثل هذه الجهالات، والله الموفق لا إله غيره.

سابعاً: مغالطاته النحويَّة والعربية: 
يقول العلاوي (ص 7): "إن النحويين كانوا بصدد تعريف الكلام المفيد، الذي يحسن سكوت المتكلم عليه، لا بصدد تعريف الأذكار المشروعة من الأذكار الغير المشروعة، فما اشترطه النحويون خاصٌّ بمن أراد بكلامه إفادة غيره، أما الذاكر فلا يقصد إلا إفادة نفسه من تمكين معنى ذلك اسم الشريف من قلبه". 
والجواب هو: أن الكلمة المفردة -إذا كانت اسماً أوفعلاً -فإن لها معنى في نفسها باتفاق النحويين وأهل اللغة، وعليه فاسم الجلالة المفرد له معنىً في ذاته، وله ثلاث دلالاتٍ كبرى، وتفصيلها فيما يلي: 
الدلالة الأولى على الذات، وهي دلالةٌ مطابقة. والدلالة الثانية: على ما تضمنه هذا الاسم من معاني الألوهية والعظمة، وهي دلالة تضمن. والدلالة الثالثة: هي دلالةٌ على جميع الأسماء والصفات الثابتة لله، وهي دلالة التزام، كل ذلك دلَّت عليه هذه اللفظة المفردة؛ فهي مُفيدةٌ من هذا الباب.
ولكن -نعود فنقول: الأصل في مباحثة هذه المسألة أن يكون من الناحية الشرعية لا من الناحية اللغوية التركيبية؛ لأن غاية الأمر هو معرفة مشروعية الفعل من عدمه، وهل هو من جملة السنن أو من جملة البدع ؟، وهل هو من جملة المستحبات أو في عداد المكروهات ؟ ولكن كلام العلاوي نوعٌ من التدليس على القارئ، وصرفٌ للموضوع عن غرضه المقصود. 
والجواب على هذا الأمر من وجوه: 
الأول: أن الأصل في كلام العقلاء الإفادة، وأن يكون ذا معنى؛ وإلا كان هذياناً وتخريفاً، أو أصواتاً مجرَّدةً عن المعاني، وهذا محل اتفاق بين النُّحاة وأهل الشرائع. 
ويظهر تدليس العلاوي أو من ينوب عنه في التأليف -أنه يتحدث عن الذكر بالاسم المفرد في غير سياقه الشرعي؛ ثم نتوجه له -ولأتباعه -بالسؤال التالي، وهو: من قال إننا بحاجةٍ إلى وضع لفظ الجلالة في جملةٍ حتى نستفيد منه معنىً، ومن قال أيضا- أن لفظ الجلالة بمفرده لا يُفيد أيَّ معنىً ؟!!.. أم أن الأمر مجرد سفسطة وجدل وبهتان.. 
الثاني: أن الاسم المفرد هو "كلمة" من أفراد الأسماء، فهو ليس بجملةٍ ولا كلام، وعليه فلا يُعترض علينا بكلام النحويين أو غيرهم؛ لأن هناك فرقاً بين التركيب ومعنى ما ركب منه؛ إذ البحث عند النُّحاة يتعلق بذات الكلمة وبالجملة التي جاءت في سياقها، فدعوى أن النحويين فصلوا بين الأمرين مغالطةٌ كبيرةٌ للنحويين. 
الثالث: أن تعريف النحويين للكلام ينطبق تماماً على صفة كلام العقلاء، وهو ما جاء الشرع لبيان حكم الله فيه؛ فإذا أراد إنسانٌ أن يتكلم عما يجول بخاطره أو يُعبر عن أمرٍ ما في ذهنه.. ذكراً كان أو خبراً أو إنشاء أو غيره؛ فإنه يأتي بالكلام المعتبر؛ وهو: كل لفظٍ مركبٍ مُفيدٍ بالوضع، بمعنى يجب أن يكون المتكلم فاهماً لما يقوله، قاصداً له. 
الرابع: كذلك لا يشترط التركيب الحقيقي في الكلام عند النحويين -كما زعم العلاوي اشتراطه، وإنما يدخل في ذلك أيضاً التركيب التقديري، نحو: قُم، وصُم، وأقل ما يتكون منه الكلام: اسمين، أو فعل واسم، ولو مضمراً. 
وقد قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه (الأشباه والنظائر) في النحو: "ما خرج من الفم إن لم يشتمل على حرف فصوت، وإن اشتمل على حرف ولم يفد معنى فلفظ، وإن أفاد معنى فقول (2). 
الخامس: أننا لا نناقش العلاوي فيما إذا كان الذاكر يقصد إفادة نفسه أو يقصد إفادة غيره بهذا الاسم؛ لأن الذكر يقتضي تنبيه المذكور (وقد منع منه في الدعاء بدعوى أنه تنبيه، وسيأتي)، أو يقتضي الإشارة إليه، فلا بُدَّ من قصدٍ مُضمرٍ وإن لم نعلمه، بل ربما يصدر الإنسان أصواتاً لم توضع لمعنى مُعيَّن إلا أنها مفهومةٌ بين المخاطبين، فهذا أيضاً خارج هذا البحث أصلاً، وإنما النقاش في المشروعية من عدمها. 

● وأختم هذه الفقرة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فأما الاسم المفرد -يعني عند تكراره لا في نفسه-فلا يكون كلاماً مفيداً عند أحدٍ من أهل الأرض، بل ولا أهل السماء، وإن كان وحده كان معه غيره مضمراً، أو كان المقصود به تنبيهاً أو إشارةً؛ كما يقصد بالأصوات التي لم توضع لمعنى لا أنه يقصد به المعاني التي تقصد بالكلام." 
السادس: أن من يذكر بهذا الاسم المفرد لا يقول إنه يُصوِّتُ، أي: يُصدر حروفاً لا معنى لها، ولا يقول: إنه يأتي بألفاظٍ مجرَّدةً عن المعنى، وعليه لا بُدَّ من وجود معنى لما يُذكر سواءً اسماً مفرداً، أو جملةً، أو كلاماً. 
والخلاصة: أن زعم العلاوي أن الذاكر للاسم المفرد يقصد إفادة نفسه خارجة عن أبواب الاستدلال، بل هو هو يُغالط نفسه، ويناقضها. 
وما أظنه بهذه القصود المهلهلة والرخوة إلا أنه إما يعبث بالدين أو يُعاند الشرع.
أما موضوع البحث والمناقشة فيتعلق بحقيقة هذا الذكر وحكمه من الناحية الشرعية، من حيث هل هو ذكرٌ مشروعٌ أم لا؟ وهل يُثاب عليه المرء أم لا ؟
وسبق لنا الجواب عليه، وانه بدعة مكروهة، ولا يثاب عليه فاعله، بل معتقد استحبابه آثم، والله أعلم. 

ثامناً: تسليمه بأشياء غير سليمة، والافتراء بالدعوى: 
ومثال ذلك: 
1-زعمه أن (يا) تأتي للتنبيه، والله مُنزَّهٌ عن التنبيه ! 
ومعنى ذلك أنه يحظر على الداعي أن يدعو الله بقوله (يا الله) لأن أداة النداء تأتي للتنبيه، وهذا باطلٌ بالإجماع، لأن التنبيه تقال لمن يتأتى منه الغفلة، والله سبحانه لا يغفل ولا ينام، وقول العلاوي هذا بدعة لم يقل به جاهلٌ من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم، والناس متواترون على الدعاء مقرونا بأداة النداء . 
2-ومثاله أيضاً: زعمه أن ذكر الله في عموم الآيات والأحاديث المراد به التلفظ بهذا اللفظ الخاص (الاسم المفرد) عزلا له عن سياقه ! 
ويلزم من هذا القول إبطال معاني الآيات والأحاديث التي ورد فيها هذا اللفظ في سياقها، والتي تتضمن التهديد والوعيد والأمر والنهي، ولا نعلم من السلف من يقول بهذا الفهم السقيم المنكوس، الذي يفصل المفردات من سياقها بدعوى الذكر الإفرادي. 

تاسعاً: بيان أن الأدب في ذكر لفظ الجلالة هو رفعه مع ألفاظ التنزيه والتحميد والتكبير والتوحيد: 
وأما قول العلاوي بأن "حظَّ الصُّوفية من الآداب القرآنية والتعاليم الإسلامية أكثر من غيرهم"!, فهذه دعوى. 
ويرد عليه بأن أعظم تلك الآداب هو أدب المناجاة لله سبحانه، ودعائه بأسمائه وصفاته، وكل ذلك لا يكون بهذه الطريقة غير المحترمة أو المؤدبة.
ومن النظر لو أن هؤلاء المتصوفة: وقفوا أمام عظيم من العظماء أو ملك من الملوك، وظلَّ يُردد اسمه (أحمد -مثلاً) قاصداً أنه يذكره، ثُمَّ لا يطلب منه حاجةً ولا يثني عليه بكلام، ولا يصمد إليه قضيةً؛ فإن هذا في عُرف الشرع والعقل عابثٌ مريض، أو مستهزئٌ خبَّاب، وهذين أمرين أحلاهما مُرُّ وقبيحهما لا يسر. 

عاشراً: ردُّ دعوى العلاوي بأن نفوس أهل السُّنة تشمئزُّ من سماع هذا الاسم: 
يقول العلاوي (ص 23) افتراءً وكذباً: "أن ذكر الاسم المفرد تشمئز منه بعض النفوس الغير متعودة على استماع الأذكار؛ فالواجب على المنصف إذا أراد الحكم على غيره، أن لا يحكم إلا بما يراه حكما عند الله ورسوله صلى الله عليه و سلم, لا بما يختاره هو لطبيعته ويستحسنه في نظره". 
والجواب: أن أهل السُّنة لا يشمئزون من سماع اسم الله عز وجل، أو من سماع ذكره وتعظيمه، بل هم أكثر الناس ذكرا لله، وتعظيما له سبحانه...وإنما يشمئزون حين يرون المتصوفة يتلاعبون بهذا الاسم ويرددونه بطريقةٍ تدلُّ على عدم تعظيم هذا الاسم، مع ما يُصاحب ذلك من الطبل والرقص، فهل هذا ذكر ؟! بل إن أهل السُّنة يغارون على هذا الاسم أن تجري به ألسنة أهل الأهواء كالمتصوفة، والطرقية الذين تتجارى بهم يمنةً ويسرة، أن يتقولوا على الله عز وجل، أو يشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله… فهل يغار هؤلاء المتصوفة على شرع الله كما يغار أهل السنة على اسم الله وشرعه ؟!. 

بل إن هذا الوصف -أعني الاشمئزاز -ينطبق على بعض المتصوفة في قول الله سبحانه: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الفاتحة: 45) فالاشمئزاز الحقيقي هو أن يدعو هؤلاء غير الله فيستغيثون بهم، ويتوسلون بهم، ويدعونهم وهم يزعمون أنهم بذلك يذكرون الله؛ فهل أفادهم هذا الذكر توحيداً أو معرفةً بمقام الألوهية أو الربوبية... أم يزيدهم إيغالا في طريق الضلال والبدع؟! 

حادي عشر: الردُّ على قوله: إن (آلله) بمد الهمزة تُفيد معنىً آخر غير الاستفهام ؟! 
حيث يزعم العلاوي أن المدَّة في اللفظ المفرد (آلله) تُفيد معنىً آخراً غير الاستفهام، وهذه عجيبةٌ من العجائب التي لم يأتِ بها أحدٌ قبله؛ ولم يُسمع عن أحدٍ من العرب أصحاب القريحة النقيَّة واللهجة الصادقة أنه قال مثل ذلك، حيث إن العلاوي قدرها -اي الهمزة الممدودة -جملةً دعائية، مثل: يا الله ارحمنا، ولم ينتبه إلى أن هذه الهمزة ممدودة وليست مقصورة، فهي بالقطع لا تُفيد الدُّعاء، وإنما تستدعي معنىً آخر، وهو الاستفهام، وأما التي تُفيد النداء فهي الهمزة المقصورة (ألله اغفر لي)، أما الممدودة فهي للاستفهام، وهو ما نجده في القرآن الكريم، في أمثلة كثيرة جدا.. 
{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} ؟ (النمل: 59). 
{قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} ؟ (يونس: 59). 

وقد جاء الاسم المفرد أيضاً جواباً عن سؤالٍ في آياتٍ متعددة، منها: 
{ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ…. قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} ؟ (الأنعام: 91). 
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ } ؟ (الرعد: 16). 
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ } ؟ (سبأ: 24). 

ثاني عشر: كذب المتصوفة على الشرع: 
حيث تأول العلاوي قوله سبحانه: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الإسراء: 110)، بأن الدعاء هو تكرار الاسم المفرد مع حذف أداة النداء، وزعم أن هذا هو مُراد الشارع من الدعاء في الآية. 
وهذا باطلٌ؛ إذ النداء -المقصود به الدعاء -مع حذف أداته جائزٌ بالاتفاق، وفرقٌ بين الدعاء المعبر عنه بالنداء وبين الذكر المطلق للاسم بالإفراد. 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/ 561): "وقد ظهر بالأدلة الشرعية أنَّ هذا الذكر غير مستحب -أي الذكرُ بالاسم المفرد من غير كلام تامٍ، وكذلك بالأدلية العقلية الذوقية، فإنَّ الاسم وحده لا يُعطي إيماناً ولا كفراً، ولا هدى ولا ضلالاً، ولا علماً ولا جهلاً" . 

ثالث عشر: كذب المتصوفة على السَّلف: 
يقول العلاوي (ص 8): "وهذا كله -أي التركيب -لا يتفق مع مقصود المتوجع؛ لأنه لا يقصد إفادة غيره، إنما يقصد الترويح بذلك اللفظ على نفسه، وهكذا ذاكر الاسم، لا يقصد إلا تمكين أثر ذلك الاسم من نفسه… و أنت تعلم يا حضرة الأخ، من أن لكل اسم أثرا يتعلق بنفس ذاكره… وقد ورد في الحديث الشريف:" أكثروا من ذكر هادم اللذات " يعني الموت، و لا شك أنها كلمة مفردة, و قد ورد أنها كانت وردا لبعض السلف". 
والجواب على هذا القول من وجوه: 
الأول: أن النقاش في هذه القضية إنما يكون من الناحية الشرعية لا من الناحية اللغوية، ولكن هذه الإيرادات الباطلة كلها نوعٌ من التدليس، وحشو الصفحات، وصرفٌ للموضوع عن غرضه المقصود 
الثاني: زعمه أن المتأوه لا يقصد إفادة غيره، وإنما يقصد الترويح عن نفسه، كل ذلك عبثٌ باطلٌ؛ والصحيح أن المتأوه إنما قصد بتأوُّهه بيان وجعه وشكاته لمن يسمعه. 
الثالث: أما تأثُّر الذاكر باسم مذكوره فهذا أمرٌ لا يُنكر في الفِطَر، ولكن هذا الأثر ليس لمجرد الاسم، وإنما يتأثر الإنسان بالمعاني التي تضمنها ذلك الاسم، سواءً كانت معاني التوحيد والعظمة والعبودية والكمال، لا أن الاسم بمجرده يتأثر به الإنسان. 
الرابع: أما أن كلمة "الموت" مفردةً كانت ورداً لبعض السلف يُرددونها مفردةً: الموت، الموت، الموت...؛ فهذا لا يقبله عاقل! ولا يثبت عن السَّلف، فهي دعوى مجردة، ولا نعلم أحداً من سلف الأمة اتخذ هذا الاسم ذكراً له من جملة أوراده. 
الخامس: أن مذهب المحققين من أهل الشريعة عدم جواز ذلك كما نقله الحطاب عن العز بن عبد السلام في آخر باب الردة، وهو الصحيح المختار. 
وقال شهاب الدين الخفاجي في "شرح الشفا" بعدما نقل كلام الحطاب آنف الذكر، وفيه: أن عز الدين سئل عمَّن يُكرر لفظ الجلالة، أو اسم محمد صلى الله عليه وسلم بقصد الثواب؛ فأجاب بأنه بدعة، لم يُنقل عن أحدٍ، ومثله أفتى الشراج البُلقيني، وقال: لا ثواب في ذكره. 

رابع عشر: بيان موقع الذكر بالاسم المفرد من الأحكام التكليفية الخمسة: 
يقول العلاوي (ص 9): "ثم إننا إذا قطعنا النظر عن جميع ما قدمناه, وألزمنا نفوسنا بالوقوف عند حكم الشرع، فيما يرجع لجريان ذلك الاسم على اللسان, فلا شك أننا نجده داخلا تحت حكم من أحكام الشرع الخمسة وهي: الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة، والإباحة حيث أنه لا مسألة من المسائل الفعلية أو القولية، إلا وهي مشمولة بحكم من الأحكام السابقة …. وإذا كان اللفظ في حده مباحًا، فما يمنعنا من تكرار المباح، حتى نجعل المتلفظ به مستحقا للعتاب أو نقول للعقاب، وهذا على فرض تجريد ذلك الاسم من كل صبغة دينية". 
والجواب على هذا القول من وجوه: 
الأول: أن هذا الذكر أي بالاسم المفرد لم يُشرع لا في كتابٍ ولا في سُنَّةٍ، ولا جاء عن أحد من الصحابة ولا التابعين؛ فهو أمرٌ مُحدثٌ في الدين، أي هذا الذكر بهذه الصفة والكيفية. 
الثاني: أن الذكر بهذه الصفة مكروهٌ عند العلماء، ولا يُثاب عليه فاعله؛ لأن الذكر توقيفيٌّ على الشارع، بل إن فاعله كالذي يستهزئ باسم الله عز وجل، واعتقاد فضل ذلك ومشروعيته لا بُدَّ له من دليل، وأما اختراع الأذكار باستحسان العقل فهذا مضلة في الفهم واتباعٌ للهوى. 
الثالث: أن تكرار المباح لا يكون على جهة التعبُّد، وإنما اتخذ العلاويون وغيرهم من الصوفية هذا التكرار على سبيل التعبد، وهو أمرٌ غير مشروعٍ أصلاً. 
وخلاصة القول: الذكر الاسم المفرد "بدعة" مُحدثة، والأصل فيه الكراهة، فإن رافقه ما هو مُحرَّمٌ من الموسيقى أو الرقص كان محرماً، بل هو أشدَّ حُرمةً. 

خامس عشر: الجواب على العلاوي في عدم إلحاق طريقة ذكره بالبدع: 
وفي محاولة للهروب من الكراهة يقول العلاوي بزعمه (ص 7): "وكيفما فعلنا لا يبلغ بنا أن نلحقه بأقسام المكروهات أو المحرمات، مع بقائه على صبغته بالنظر إلى منزلته...". 
والجواب على ذلك، من وجهين: 
الأول: أن الاسم المفرد مُعظَّمٌ في ذاته عند جميع أهل الإسلام، ومنزلته عاليةٌ رفيعة، لأنه دالٌ على الذات المقدَّسة، أما إقحام ذات الاسم في قضايا التكليف؛ فهذا تدليسٌ وتزييف بالهوى.. إذ الاسم المعظم لا شأن له بقضايا التكليف، لأن التكليف جاء لبيان فعل المُكلَّف من حيث الجواز والحظر، وتكرار الاسم المفرد بالطريقة التي ابتدعها المتصوفة محظورةٌ كما هو معلوم. 
الثاني: أن تعظيم شعائر الله يكون بامتثال ما شرع، وترك الأهواء والبدع، ومن البدع ما أحدثه الصوفيون من الذكر بالاسم المفرد، وأجد أن السلفيين السائرين على منهاج السلف يُعظمون اسم الله وحرمات الله وشعائره، ويُجلون اسمه عن التكرار الذي لا يفيد صاحبه تعظيما ولا توحيدا، وينزهونه اسمه سبحانه عن هذا التلاعب بهذه الكيفيات المبتدعة المُحدثة. 

سادس عشر: بيان استدلال العلاوي بالأحاديث الواهية جداً والموضوعة، ومنها: 
قال العلاوي (ص: 13) أخرج الرافعي في "تاريخ قزوين" وأثبت العزيزيُّ حسنه عن عائشة رضي الله عنها أنه رُأي مريضا يئن في حضرته صلى الله عليه وسلم فنهاه بعضهم و أمره بالصبر, فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ذروه يئن فإنه يذكر إسما من أسماء الله تعالى". 
قلتُ (محمد) وهذا حديث موضوع -أي مكذوب -على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم بوضعه الحافظ أحمد بن الصديق الغُماري في كتابه "المغير على الجامع الصغير"؛ فقال ما نصه :"أخرجه أيضًا الديلمي من طريق الطبراني، وفيه محمد بن أيوب بن سويد الرملي وهو متهمٌ بوضع الحديث" اهـ، وأفرد له رسالة مستقلة في بيان وضعه (2). 
وقد أجاد الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الكلام عن وضع هذا الحديث في كتابه "الحنين بوضع حديث الأنين" انظر خلاصة الكلام عليه هنا. 


وكذلك (ص 14) حيث ذكر العلاوي عن مصطفى ماء العينين من كتابه (مفيد الراوي على أنِّي مخاوي) حديثاً موضوعاً لا أصل له، بل ليس له أثرٌ في دواوين السُّنة، وفيه:" أن العبد إذا قال (الله) صعد من فيه عمودٌ من نور، فينتشر في الأفق، ثم يصعد إلى عنان العرش؛ فيملأ الكون طُرَّاً؛ فيقول الله له كُف! فيقول: وعزتك وجلالك لا أكفُّ حتى تغفر لمن ذكر هذا الاسم، فيقول: وعزتي وجلالي لقد آليتُ على نفسي قبل أن أخلق الدنيا لا أُجريه على لسانِ عبدٍ من عبادي إلا وقد غفرتُ له". 
فهذا الحديث لا أصل له، بل هو حديث موضوع، وسوق العلاوي له في معرض الاحتجاج بدعةٌ مُحرَّمة؛ إذ الاحتجاج بالموضوع مُحرَّم. 

سابع عشر: تدليس بعض الزوايا لهذا الحديث: 
هذا وينبغي التنبيه إلى أن طبعة الزاوية العلاوية في بلدنا في العام 2010 م، والمنشورة على الموقع الرسمي، وقع فيها عزوٌ باطلٌ لحديث الرافعي، حيث قاموا بعزو حديث: "ذروه يئن، فإنه يذكر اسماً من أسماء الله تعالى" إلى البخاريِّ ومسلم والترمذي عن ابي هريرة، وذلك في الصحيفة رقم (16 -17) وهذا باطل، وهو يدلُّ على التدليس والدَّس الذي قام أبناء هذه الزاوية، وعدم خبرتهم في توثيق الأحاديث أو تخريجها. 

قلتُ (محمد): والصواب أنه قد عزاه المتقي الهندي في كنز العمال (25200) إلى الرافعي عن عائشة، وإلى (6707) الديلمي عن عائشة، وليس فيه ذكر أبي هريرة، ولا يوجد من عزاه للصحيحين، ولا للترمذيِّ أصلاً. 

ثامن عشر: بطلان الذكر بلفظ (آه) بناءً على ذلك الحديث باطل: 
حيث يقول العلاوي (ص 13): "وإذا فماذا ترى في هاته الواقعة، على الفرض لو أن ذلك المريض كان متلفظاً بإسم الجلالة مكررًا (الله الله) بدل قوله "آه آه" وأظنه دليلاً كافياً على ما يظهر". 
والجواب: أن بطلان ذلك الدليل، وكونه موضوعاً، يجعل الاستدلال به في هذه المسألة غايةً في الجهل، ولذا فإننا نردُّ هذا القول جملةً، ويبقى قول العلاوي دعوى مجردة عن الدليل، وهو مفتقرٌ إليه. 
وهذه القضية المُحدثة أول من أنشأها الصوفيون من عند أنفسهم، قال في "السراج المنير" (3/ 155): "القول بأن لفظ آه من أسمائه تعالى هذا تداوله الصوفية، ويذكرون له أسراراً، ولم يرد به توقيف". 
وقد كان السلف يكرهون الأنين للمريض إذا كان قادراً على ردِّه، فكيف يستدلُّ هذا العلاوي بجوازه للصحيح ؟!! 

تاسع عشر: التدليس بدعوى أن المسألة تدخل دائرة الخلاف والاجتهاد: 
حيث يقول (ص 13): "ولا يسمح الإنصاف لنا ولكم أن نقول إلا أن المسألة خلافية، ومهما ثبت تقريرها بتلك الصفة فالمسألة إجتهادية"؟!. 
يقول في موضعٍ آخر: "فلا تطمع أن يكون اختياركم حجةً على اختيار غيركم كالغزالي.." ؟!. 
قلتُ (محمد): وهذا أسلوبٌ ماكرٌ خبيث في تقرير المسائل، والصحيح أنه ليس كل خلافٍ يجيء يكون مُعتبراً في الشرع، فإذا ابتدع قومٌ بدعةً جعلوها في المسائل الاجتهادية، لأن محل هذه البدع "الرد" كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
وعليه فيُسلَّم لأهل كلِّ فنٍّ فنُّه، فلا عبرة بكلام العلاوي والمتصوفة عموماً في مسأئل تشريع الأذكار في الفقه والحديث؛ لأن أصول هذه القضية غير صحيحة لديهم، بل هي معلومة البطلان. 
والعلاوي لا يُعد من أهل الاجتهاد ولا من أهل الفقه والنظر؛ فلا يُقبل كلامه في هذا الباب؛ ويُجاب على قوله بأن هذا الأمر بدعة، والبدعة محلها من الشرع "الرد".. ولم نجد من السَّلف من ذكر الخلاف في هذه المسألة أصلاً، بل الحديثُ فيها موضوع، وهذا يزيد الأمر سوءاً والبدعة إثماً. 
يقول العلاوي (ص 19): "الله يقول: "وهذا ما فهمناه نحن، واخترناه لأنفسنا، ولكم أنتم حق الاختيار لأنفسكم، وليس لكم أن تلزمونا الوقوف عند اختياركم, حيث أننا لم نلزمكم بمثل ذلك". 
والجواب على هذا القول: أن القضية ليست اختيارات بالهوى والرأي، بل الاختيار لا بُدَّ له من دليل يُرجحها، وحيث لا دليل لكم بطل اختياركم. 
ثمَّ إنكم تضللون الناس وتروجون عليهم هذه الأكاذيب والبدع؛ فالواجب من العلماء والدُّعاة البيان، ثُمَّ إن قولكم "فاذكروه واسألوه بها" ينقض هذه الرسالة من أولها وهذا تناقضٌ ظاهرٌ في أسلوب العلاوي؛ حيث قرن الذكر بالسؤال ولا يستطيع أن يقول غير ذلك. 

العشرون: بطلان كون لفظ (آه) من أسماء الله تعالى: 
ثم إن علماء اللغة لم يذكر واحد منهم أن واحدًا من ألفاظ الأنين اسم من أسماء الله، وكذا علماء الفقه والمحدثون؛ بل قال بعضهم: إن أنين المريض مكروه. 
قال المناوي في التنوير" (3/ 533): "كذلك فإنَّ الأنين علامةٌ على كثرة الشكوى، وهي تدل على ضعف اليقين، ومشعرةٌ بالتسخط للقضاء، وتورث شماتة الأعداء، أمّا إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقاً. 
وحكى ابن جرير في كتابه "الآداب الشريفة والأخلاق الحميدة" خلافاً للسلف أن أنين المريض هل يؤاخذ به ؟ ثم رجح الرجوع فيه إلى النية؛ فإذا نوى به تسخط قضاء ربه أوخذ به أو استراحة من الألم جاز". 
وكما قلنا نقلاً عن السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 155): "أما لفظ آه من أسمائه تعالى لكن هذا تداوله الصوفية ويذكرون له أسراراً ولم يرد به توقيف من حيث الشرع". 

الحادي والعشرون: الرد على العلاوي بزعمه مخالفة قصد الذاكر مقاصد النحويين: 
يقول العلاوي (ص 8): "أن النحويين لم يشترطوا في حقِّ المتوجع أو المتأوِّه وجوب التركيب فيما يبدر من لسانه؛ لأن قصده غير قصد النحويين، ومن المستبعد أن يقول النحويُّ للمتوجع أو المتأوِّه: إنني ما فهمتُ المقصود من تأوُّهك؛ لأنه لفظٌ غير مركب يحتاج إلى خبرٍ أو شبه ذلك". 
قلتُ (محمد): ابتداءً -وحتى نتصور المسألة، نقول: إن التأوُّه هو قول الرجل عند الشكاية والتوجُّعِ: آه. 
والجواب على هذا الإيراد من وجوه: 
الأول: أن (آهٍ) لها تركيبٌ تقديري عند النُّحاة، فهي جملةٌ مُفيدةٌ بالوضع؛ لأن موضوعها التوجُّع، فمن يحكي هذا اللفظ لا يحتاج إلى مزيد بيان على توجعه، وليس بحاجةٍ إلى تركيب حقيقي يُعرب فيه عما يشعر به؛ لأنه معروفٌ من طبائع الناس وأعرافهم، ولذا نجد أن قول العلاوي ساقطٌ جداً، ولا يرد على النُّحاة من ساقه، بل ولا يُلتفت إليه. 
" فالنحاة لم يشترطوا وجوب التركيب الحقيقي في الكلام الظاهر التقدير، وليس أنهم لم يشترطوا التركيب مطلقاً في الكلام؛ فإن هذا باطلٌ، وإلا فالكلام له تقديره، ولذا فنحن لسنا بحاجةٍ إلى سؤال المتأوِّه لماذا يتأوَّه ؟!!" 
الثاني: أن النُّحاة وضعوا لهذا اللفظ إعراباً؛ فقالوا: (آه) اسم فعل مضارع بمعنى أتوجعُ، مبني لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره أنا، والجملة من اسم الفعل وفاعله ابتدائية لا محل لها من الإعراب. فدل ذلك على أن لهذا اللفظ "معنى" في ذاته، وأن قصد المتكلمين به واضح لا يحتاج إلى تكلُّف العلاوي إلى اختراعات جديدة في اللغة. 
ثالثاً: أن مناقشة هذه القضية -كما أسلفنا -إنما هو من الناحية الشرعية لا من الناحية اللغوية، ولكن أكثر أهل الضلال يموهون التراكيب والألفاظ، ويصرفون الموضوع عن غرضه المقصود. 

الثاني والعشرون: نسبة العلاوي الأقوال الباطلة للأئمة: 
مثل نقله عن مصطفى ماء العينين في كتابه "مُفيد الرواي على أنِّي مُخاوي (ص 14)" يعني من الجن. قال الزركليُّ في الأعلام (7/ 243): "وكانت له معرفة بما يسمى (علم خواص الأسماء والجداول والدوائر والأوفاق وسر الحرف) وقصده الناس لهذا". بمعنى أنه كان يُمارس السِّحر والتعامل مع الجن، ويعتقد الناس صلاحه لأجل هذا. 
قال عن ابن جرير في "تفسيره": في وجوب الاقتصار على ذكر الاسم المفرد للمرد في حاله سلوكه"، ولم أجد هذا العزو لابن جرير في المصدر المذكور فهذا النقل باطلٌ، وكتابه المذكور فيه أحاديثُ موضوعةٌ ولا أصل لها، أضف إلى ذلك أن هذا الفصل بين "قل الله" وما قبلها تقوُّلٌ على الله بلا علم. 
وهذا كذبٌ من المتصوفة على ابن جرير رحمه الله، حيث أنه قال (11/ 528): "وأما قوله:"قل الله"، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يجيبَ استفهامَه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا}". 

الثالث والعشرون: الإمام الغزالي والرازي رحمهما الله تعالى ليسا حُجَّة في هذا الباب: 
فما نقله العلاوي عن الغزالي (ت 505 هـ) سواءً في "المباحثات الأصليَّة"، أو في "مشكاة الأنوار"، أو في "المقصد الأسنى"، أو حتى في "الإحياء" فكلها أقوالٌ مرتجلة لا دليل عليها لا في كتابٍ، ولا في سُنَّةٍ، ولا إجماعٍ، وهذه التي ترك المتصوفة هي الحُجَّة على كُلِّ أحدٍ الغزالي أو الرازي أو غيرهم، وهم ملزمون بها لزوم اتباع واقتفاء، وغير هذا من الدعاوي فهي باطلةٌ عير مقبولة. 
بل إن الإمام الغزالي رحمه الله: اختار ترداد ذكرٍ آخر (الإحياء- 3/ 77)، وهو "سبحان الله" يُكرره وحده، وهذا أفضل، وكذلك لو ذكر "لا إله إلا الله". 
والكلام الذي جاء به المتصوفة يدخل في باب الابتداع والاختراع في الدين قولاً واحداً. 
وأما عن حظِّ أهل السنة من الاسم المفرد (الله)؛ فهو الإيمان بوجود صاحبه ابتداءً، وإثبات الكمالات له، والذكر به مقروناً بما يُفيد، وتعظيمه، ومناجاة صاحبه بما أذن لنا فيه، ودعاؤه بما يليق به، وهذا أعظم الرد على العلاوي والصوفيين عموماً. 
وأما قول الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره للبسملة (1/ 154): "فاعلموا أيها الناس أني أقول طول حياتي الله، فإذا مت أقول الله، وإذا سئلت في القبر أقول الله، وإذا جئت يوم القيامة أقول الله، وإذا أخذت الكتاب أقول الله، وإذا وزنت أعمالي أقول الله، وإذا جزت الصراط أقول الله، وإذا دخلت الجنة أقول الله، وإذا رأيت الله قلت الله". 
فهذا قوله هو، ولا حُجَّة شرعية فيه بالاتفاق، على أنه يُمكن أن نجعل له محملاً حسناً، وهو أنه يرى كل هو فيه من النِّعم والفضائل هي من الله، وعليه لا بُدَّ للكلام من تقدير، وإلا فقوله هذا هجومٌ خارجٌ عن إطار البحث. 
أما زعم العلاوي أنه يشرع قول لفظ الجلالة عند كل دخولٍ وخروج أو إذا نبَّهه أحدٌ أو أراد أن يُنبِّه أحداً؛ فإنه يقول (الله)؛ فهذا لم يقل به أحدٌ من المسلمين، بل من يطرق الباب لا يقول الله، وإنما يستأذن بالدخول، وهو الوارد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة، ومن دخل الدار يٍُسمي الله، ويُسلم على أهل بيته، ومن سمع منادياً، يُناديه لا يقول: الله، وإنما يُجيب ذلك المنادي… وباستطراد العلاوي (ص 19) فإنه يلزمه أن يقول -الاسم المفرد -عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وعند إزالة القذر، ونحو ذلك وهذا لا يقول به عاقلٌ بل ولا مسلمٌ، وهذا لازم كلامه في بعض تصرفاته آخر الكتاب. 

الرابع والعشرون: مناقشة استدلال المتصوفة بحديث مسلم: 
روى مسلمٌ في صحيحه (1/ 131) عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: اللهُ، اللهُ" بالرفع، وعند أبي عوانة في المستخرج بالنصب (ح 293، 294). 
والجواب على ذلك أنه ليس في الحديث دليل على الذكر بالاسم المفرد، وذلك من وجوه: 

1- أن بعض الرويات جاء فيها : (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه)، وهي رواية أحمد في "المسند" (3/268) ، وابن حبان في صحيحه (15/262) والحاكم (4/540). بل هي إحدى روايات مسلم كما نقله القاضي عياض من رواية ابن أبي جعفر. انظر النووي في "شرح مسلم" (2/178)؛ فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى ، فيكون المعنى: لا تقوم الساعة على الموحدين الذين يقولون : لا إله إلا الله . 

2- لا يجوز أن يكون المراد بالحديث: أن الساعة لا تقوم على من يذكر الله باسمه المفرد، وتقوم على من يذكرون بغير ذلك، فإن غاية ما زعمه المتصوفة هو استحباب الذكر بالاسم المفرد، وليس فرضيته، فكيف يكون مدار النجاة من هول قيام الساعة على أمر مستحب ؟! وهذا أمرٌ لا يكون. 

3-أنه قد جاء عن عبد الله بن مسعودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس). رواه مسلم، أي أنها تقوم الساعة على غير الموحدين، فما شأن هؤلاء بهذا الذكر، إذا كانت الساعة ستقوم عليهم، وقد أتى على أشرف الأزمنة وأقربها لعهد النبوَّة ولم يكونوا يذكرون الله بهذه الكيفية المبتدعة.. 

4- ثم لنعد إلى من ترجم لهذا الحديث؛ يقول أبو عوانة: "بَيَانُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ". وترجم ابن حبان له: "ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَصْفِ النَّاسِ الَّذِينَ يَكُونُ قِيَامُ السَّاعَةِ عَلَى رُءُوسِهِمْ". وترجم له البيهقيُّ في "شعب الإيمان" (2/ 50) "فَصْلٌ فِي إِدَامَةِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"، ولا يرد علينا قول البيهقيُّ لأن ذكر الله عز وجل أنواع مختلفة، والمقصود منها ما شُرع دون ما لم يشرع، وإطلاق البيهقيِّ إنما هو للإدامة وليس للتكرار كما يزعم المتصوفة. 

5- ثم إن الروايات يُفسِّرُ بعضها بعضاً؛ فعند صحيح ابن حبان في صحيحه (15/ 262): "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". وعند نُعيم بن حمّاد في الفتن (2/ 644): "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". 

قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (2/ 178): "في قوله صلى الله عليه وسلم على أحد يقول الله الله هو برفع اسم الله تعالى وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه. واعلم أن الروايات كلها متفقة على تكرير اسم الله تعالى في الروايتين وهكذا هو في جميع الأصول قال القاضي عياض رحمه الله وفى رواية بن أبي جعفر يقول لا إله إلا الله". 

6-أما قول العلاوي: "أن تكرار الاسم صريحٌ في إرادته" . 
فالجواب أن التكرار يُراد به التأكيد على على معنى المعرفة والتوحيد؛ لأن الساعة تقوم على أناس لا يعرفون الله عز وجل ولا يأتي ذكره على ألسنتهم؛ فناسب ذلك تكرار لفظ الجلالة مرتين. 

الخامس والعشرون: ما يُصاحب هذا الذكر عند الصوفيين: 
ولنفرض جدلاً صحة الذكر بالاسم المفرد (الله) دون الألفاظ الأخرى (آه، وهاه، وهو، وه) … أليس من المعيب وقلة الأدب أن يتخلل هذا الذكر أصوات الطبل والزمر وعلو صوت القوّال (المدَّاح) على صوت ذكر هذا الاسم المُعظَّم؛ فإنهم لو فقهوا هذه المسألة؛ لعرفوا أنه لا ينبغي أن يعلو هذا الاسم شيءٌ من الزمر والطبل وكلام الناس.. فأين الأدب في هذا ؟ 
ثُمَّ نجد من المتصوفة من ينقش هذا الاسم الكريم (الله) على الدُّف أو الطار أو الطبل ويضرب عليه بعصاه.. فهل هذا أدب ؟!! 
كذلك يجب أن يُقال: -عوداً عل بدء إن هذا الذكر لم يرد لا في كتابٍ ولا سُنَّةٍ ولا إجماعٍ.. 
ثم إن الغزالي الذي ينقلون كلامه إنما أذن لهذا الذكر في الخلوات؛ فيكرره المرء لنفسه، فهل يفعل المتصوفة هذا في خلوتهم أم أنهم يفعلون ذلك في الجمع الكبير في المساجد حتى تمتلئ ضوضاء وتشويش وصخب، وهم يعرفون أن المساجد لم تُبنَ لهذا ؟! وأنه "لا يُشوش قارئٌ على مُصلٍّ" ؟!.. 
وبقي لي أن أتساءل: كيف لهؤلاء أن يذكروا هذا الاسم المُعظَّم ثُمَّ يتخلل ذلك الذكر استغاثات بغير الله، وتعظيمٌ لغير الله، وإشراكٌ به بطلب المدد من غيره سبحانه، أليس هذا معيباً على أدعياء الأدب والذوق ؟! 
وما هو موقع الذكر باسم (الله) العظيم عندهم، من قولهم: "مدد يا جيلاني"، و"مدد يا رفاعي"، و"ارحم عبيدك يا دسوقي"، و"نظرة يا بدوي"، وكل هؤلاء أمواتٌ جيفوا، وكيف يقولون: "الغوث رسول الله" وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك، كما يفعل الطرقية في كل بلاد المسلمين.. 
بل إنه لا يحلو لهم ذلك الذكر إلا عند القبور والأضرحة، يلتفون حول القبر حلقاً، ويذكرون ذلك الاسم يقصدون بذلك تعظيم غير الله من ذلك المقبور.. 
إنني لا أجد لذلك وصفاً غير قوله سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ * أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 106 - 108). 
وهذا من أعظم الأمور التي تؤكد بطلان ذكر الصوفية لهذا الاسم بمفرده؛ لأنه إذا كان ذكره خالياً عن صيغ التعظيم والتحميد والتنزيه، ومن ثمَّ يُعظمون مع الله غير الله في محل ذكر اسمه؛ فهذا هو البهتان العظيم، والتلاعب بالشرائع. 

السادس والعشرون: أخطاء في عزو الأحاديث وتشويه نقلها ومعناها: 
1-يقول العلاوي (ص 22): "من ذلك ما أخرجه ابن ضريس، و أبو يعلى في مسنده عن أبي سعيد الخدري: "عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عند كل شجر و حجر".
والجواب عليه: أن أبو يعلى الموصلي (2/ 283) أخرج عن أبي سعيد الخدري الحديث بلفظ: "عليك بذكر الله وتلاوة كتابه فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء"، وإسناده ضعيف. 
أما ما قصده العلاوي فهو من رواية "معاذ بن جبل" عند ابن الجوزي في الموضوعات" (3/ 451)، وفيه: "أوصيك بذكر الله عند كل حجرٍ وشجر"، وقال الذهبيُّ في ترتيب الموضوعات (284): فيه ركن بن عبد الله -متروك، وقال الحاكم: حديثه ليس بالقائم، وقال النسائيُّ: متروك. 

2-وكذلك حديث: "إذا أتيتم أبواب دياركم فأعلنوا بذكر الله"؛ فهذا الحديث لا أصل له، يقول العلاوي (ص 25): نقله العلامة السنوسي صاحب العقائد في كتابه "نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير". 
وهذا الحديث لا أصل له ولم أجده في كتب السُّنة المعتمدة. ونظرنا -هنا -إلى ثبوت المروي، لا إلى معنى المروي، فإن معناه لا غبار عليه، ولكن المعنى الذي نقصده هو المعنى الصحيح لا المعنى الفاسد الذي ابتدعه المتصوفة في هذا الزمان. والشاهد هو نقل الأخبار الموضوعة والواهية. 

3-وكذلك حديث (ص 25): "عن أبي أيوب قال: قلتُ يا رسول الله هذا التسليم قد عرفناه، فما الاستئناس ؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت". 
هذا الحديث ذكره ابن كثير في التفسير (6/ 41)، وقال: غريب. وضعفه القسطلاني في إرشاد الساري (9/ 132)، وابن حجر في فتح الباري (10/ 11)، والعيني في عمدة القاري (22/ 360)، والألباني في ضعيف ابن ماجه (745). أخرجه الطبراني في الكبير، وابن ماجه وابن أبي شيبة، ولم أجد للترمذي روايةً له، إلا أن يكون أقحمه العلاوي كعادته. 

الخلاصة
1-لا شكَّ أن الاسم المفرد (الله) هو الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية لله عز وجل، ولا نشك أن ذكر الله عز وجل هو أفضل الأعمال ورأس كل عبادة ورأس كل سعادة. 

2-أن الله عز وجل لم يندبنا إلى ذكر هذا الاسم مفرداً مستقلاً عن وجوه التعظيم والتقديس والتكبير والتسبيح والتحميد. 

3-أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا ببذكر اسم الجلالة مفرداً، أو لفظ (إلا الله)، أو لفظ (هو)، أو لفظ (آه)، أو (هاه) كما يفعل المبتدعة، بل الذي اختاره لنا هو قول: "لا إله إلا الله". 

3-قال في الفيض (2/ 43) عن ابن عباس: الذاكرين الله كثيراً هم الذين يذكرونه دبر كل صلاة وغدواً وعشيا وفي المضاجع وعقب النوم وعقب الغدو والرواح. وقال ابن الصلاح: من واظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساءا وفي الأوقات المختلفة لكن في الأماكن المستفذرة يذكر بالقلب أي ذكر تعظيم ومهابة لا كما يقول الصوفيون بذكر (آه) أو (هاه). 

4-أن على الصوفيين ترك هذه الأذكار المبتدعة؛ وعليهم تقديم تعلم العلم؛ فإنه أوفق وأقرب إلى الغرض من الوصول إلى الله تعالى، ويستصحبوا ذلك بالأذكار المشروعة الواردة عن نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فإن طريقته أسلم وأحكم وأعلم. 

5-أنه قد وجد من الصوفيين من يتهاون في تعظيم هذا الاسم عند ذكره، فيقوله في حالةٍ منكرة من الرقص والطبل واللعب، وربما نقش أحدهم على الاسم على الدُّف أو الطار أو الطبل وضرب عليه بعصاه، وقد يُصاحب ذلك الموسيقى المُحرَّمة؛ فيجتمع إثمان أحلاهما مُر.

6-الذكر الاسم المفرد "بدعة" مُحدثة، والأصل فيه الكراهة، فإن رافقه ما هو مُحرَّمٌ من الموسيقى أو الرقص كان محرماً، بل هو أشدَّ حُرمةً. 

وفي الختام نسأل الله سبحانه أن يُباعد بيننا وبين الجهالة، وأن يحملنا على سواء السبيل

وكتبه: أ. محمد حنونة 
_____________________________ 

(1) انظر: الطريقة العلاوية في الجزائر، غزالة بوغنام -رسالة ماجستير -جامعة منتوري/ قسنطينة، الجزئر (ص 14)، وما بعدها 
(2) فإن كان مفردا فكلمة، أو مركبا من اثنين ولم يُفد نسبةً مقصودة لذاتها فجملة، أو أفاد ذلك فكلام، أو من ثلاثة فكَلِم". فالكلام هو (القول المفيد بالقصد).والمراد بالمفيد: ما دل على معنى يحسن السكوت عليه. والجملة: عبارة عن الفعل وفاعله؛ كقام زيد، والمبتدأ وخبره كزيد قائم. وما كان بمنزلة أحدهما نحو ضرب اللص، وأقائم الزيدان وكان زيد قائماً، وظننته قائماً، وهذا يظهر لك أن (الجملة، والكلام) ليسا مترادفين كما يتوهمه كثير من الناس.
(3) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح البيقونية (ص 85): "والحديث الموضوع مردودٌ، والتحدُّث به حرامٌ إلا من تحدَّث به من أجل أن يُبين أنه موضوعٌ ؛ فإنه يجب أن يُبيَّن للناس حكمه، ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب. 


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏

الأحد، 10 مايو 2020

المكلل بالأولوية في المُسَلْسَلِ بالأوليَّة

لمحمد بن عبد العزيز الجَعْفَري المَجْلي شِهْري (ت1320)


تمهيد/ هذا جزءٌ لطيف في رواية حديث الرحمة المسلسل بالأولية، من رواية أحد كبار علماء الهند ومسنديهم في وقته،
وهو القاضي المحدّث العلامة الرحلة الصالح محمد بن عبدالعزيز الجَعْفَري المَجْلي شِهْري (ت1320) رحمه الله تعالى.
وهذا الجزء طُبع في الهند قديمًا دون تحديد للزمان والمكان، وهو في ورقتين،
وكان مؤلفه يقرؤه على تلامذته ويجيزهم به، ويحرص على تحقق شرط تسلسله لهم -كما يأتي في ترجمته -،
وتلقاه عنه جماعة من كبار العلماء.
وممن عزاه إليه باسمه تلميذُ المؤلف: الشيخ العلامةُ عبد الرحمن المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (1/99)،
ونقل أكثره هناك.

النص المحقق:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

أمّا بعد:
فيقول محمدُ بنُ عبدِ العزيز، المدعو بشَيْخ محمَّد، الهاشِمِيُّ الجَعْفَريُّ، والفاطِميُّ الزَّيْنَبيُّ، لَطَفَ الله به،
وأَلْـحَقَه بسَلَفِه، وبارَك في خَلَفِه:
حدَّثني مُسْنِدُ الوقتِ العلّامَةُ أبو الفضل عبدُ الحقِّ المُحَمَّدِيُّ بالحديثِ المسلسل بالأولية مِنْ لَفْظِهِ،
وهو أوّلُ حديثٍ سمعتُه منه، قال:
حدَّثني إمامُ المحدِّثين القاضي محمدُ بنُ عليٍّ الشَّوْكانِيُّ رحمه الله تعالى،
عن شيخِه السيدِ عبدِ القادرِ بنِ أحمد، وهو عن شيخه محمد حَياة السِّنْدي،
وهو عن الشيخ سالم ابنِ الشيخِ عبدِ الله بنِ سالم البِصْريِّ المكيّ، عن أبيه،
عن الشيخ محمد بنِ علاءِ الدين البابِليّ المِصْري،
عن الشهاب أحمد بن محمد ابن الشِّلْبي،
عن يوسُفَ بنِ زكريا الأنصاري، عن إبراهيمِ بنِ علي بن أحمد القَلْقَشَنْدي،
عن أحمد بن محمد ابن المَقْدِسِيِّ،
عن محمد بن إبراهيم المَيْدُومي، عن عبد اللطيف بن عبد المُنْعِمِ الحَرّاني،
عن أبي الفَرَج ابن الجَوْزيِّ، عن إسماعيل بن أبي صالح النَّيْسابُوري، عن أبيه،
عن محمد بنِ مَحْمِش الزِّيادي، عن أبي حامدٍ محمدِ بن محمد البَزّاز،
عن عبد الرحمن بن بِشْر بن الحَكَم النَّيْسابُوري، عن سُفيان بن عُيَيْنَة، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ،
عن أبي قابُوسَ مولى عبدِ الله بن عَمْرِو بنِ العاصِ،
عن عبدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهما، عن رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:
«الرّاحِمونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ -تَبارك وتعالى-، اِرْحَموا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمُكُم مَنْ في السَّماء».

وكُلٌّ مِنْ هؤلاء يقول: «وهو أول حديث سمعتُه» من شيخه إلى سفيان بن عُيَيْنَة، رضي الله عنهم أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

قلتُ (محمد) يلتقي إسناد الشيخ محمدُ بنُ عبدِ العزيز، المدعو بشَيْخ محمَّد، الهاشِمِيُّ الجَعْفَريُّ
مع إسناد ابن العطار رحمه الله في الشيخ أبو الفرج الحراني، حيث يرويه ابن العطار سماعاً على الشيخين:

أبو محمد بن أبي بكرٍ بن خليل القرشي، وأبو عمر عثمن بن محمد المالكي عن أبي الفرج الحرَّاني به مثله.

مصدر هذه المادة: منتدى الألوكة 



مشجرة أسانيد حديث المُسلسل بالأوليَّة: إعداد أ. محمد حنُّونة

الخميس، 7 مايو 2020



حديث تعلق الرحم بحقو الرحمن- دراسة عقدية
إعداد: د. عبد القادر بن محمد بن يحيى الغامدي/ معهد الحرم المكي
مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (48)، ذو الحجة (1430 هـ).

اختصره: أ. محمد حنونة

تمهيد/ هذا البحث هو دراسة عقدية لحديث: (تعلق الرحم بحقو الرحمن) الذي رواه البخاري في صحيحه، وقد ذكر فيه الباحث ما يتعلق بهذه الصفة عند أهل السنة والجماعة، وبيان أنها ثابتة لله تعالى على ، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تأويل، وأن أهل السنة لا يُسمون ذلك جوارحاً ولا أبعاضاً ولا أجساماً ولا آلات، بل هذه الألفاظ من جملة الاصطلاحات الحادثة التي لم تكن مستعملة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أصحابه رضوان الله عليهم، كما أن أهل السنة لا ينفونها لأنها مجملة، بل هم يستفصلون عن المعنى المراد منها:

فإن كان المراد بنفي هذه الألفاظ: نفي معنى الصفة أبطلوا ذلك النفي، وأثبتوا الصفة لله سبحانه، وإن كان المراد بنفي هذه الألفاظ: نفي التشبيه بصفات المخلوقين أقروا بنفيها من هذا الوجه، وأثبتوا المعنى الحق، ويُعبرون عنه باللفظ الشرعي غير المجمل

وكون اللفظ -مثل اليد، والعين والساق-له في اللغة عدة معانٍ؛ فهذا صحيح، لكن قد يجيء في سياقٍ يجعله نصاً على معنى مُعيَّن كهذا الحديث؛ وإذا بقي احتمالٌ فالإجماع العام على إثبات الصفات على ظاهرها ألغى هذا الاحتمال، فالسلف رحمهم الله كانوا يثبتون الصفات بأصل معناها ويُفوضون الكيفية، ويمنعون التأويل، ويرون ذلك التأويل من التجهُّم.

وما وقع فيه كثيرٌ من الحُفَّاظ من تأويل هذه الصفة؛ فالواجب على المسلم أن لا يتأثر لهذه الأخطاء الشنيعة في باب الصفات، وقد وقع هؤلاء العلماء في هذه التأويلات؛ لأحد أمرين:

الأول: عدم فهم هؤلاء العلماء لحقيقة مذهب السلف؛ فإنهم ظنوا رحمهم الله أن مذهب السلف تفويض المعنى والكيف، والحق أن مذهب السلف تفويض الكيف لا المعنى، وأما القول بنفي المعنى؛ فهو قولٌ شنيعٌ على صاحب الشريعة من أنه يُخاطب الناس بما لا يعقلون.

الثاني: أنهم تأثروا بالشبهات التي أثارها المتكلمون حول الصفات؛ فقاموا بتأويل هذه الصفات، وهو مذهب الخلف، أما الأئمة الذين ارتضى هؤلاء الحفاظ أن يشرحوا كتبهم كالبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم؛ فقد كانوا كلهم على نهج السلف الصالح في هذا الباب؛ كما في تراجم البخاري في كتاب "التوحيد" في صحيحه، وفي كتاب "خلق أفعال العباد" له، مع كثرة إيرادهم لأحاديث الصفات من طرق كثيرة، ولم يتكلم واحدٌ منهم بتأويل كما فعل غيرهم من المتأخرين، وهؤلاء في مرتبة العلم والدين أعلى وأرفع من المتأخرين. 

يقول ابن القيم -رحمه الله -في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 241) مُعرفاً بمذهب مسلم بن الحجاج في الصفات؛ فيقول: "يعرف قوله من سياق الأحاديث التي ذكرها ولم يتأولها، ولو لم يكن معتقداً لمضمونها لفعل بها ما فعل المتأخرون حين ذكروها" يعني من التأويل والرد.

وقد قسَّم الباحث بحثه -بعد المقدمة- إلى قسمين:

القسم الأول: تخريج الأحاديث، وجمع طرقها، وبيان ألفاظها، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الحديث بلفظ (بحقو الرحمن).
المطلب الثاني: إيراد الأسانيد الأخرى: المتابعات على هذا اللفظ.
المطلب الثالث: تخريج الحديث بالألفاظ الأخرى: (بحقوي الرحمن -بحجزة الرحمن -بمنكبي الرحمن)، 
مع بيان صحتها من ضعفها.
المطلب الرابع: خلاصة التخريج.

القسم الثاني: بيان مذهب السلف في صفة الحقو، ورد الشبهات عنها، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المعنى اللغوي لألفاظ الصفة.
المطلب الثاني: كلام أئمة أهل السنة حول هذه الصفة (صفة الحقو للرب تعالى).
المطلب الثالث: شبهات المخالفين لأهل السنة وجواباتها.
ثم الخاتمة -والنتيجة.

ويعقبها في البحث الهوامش والتعليقات التي جعلها آخر الكتاب وبلغت (158/ ص 36 - 51)،
ومن ثمَّ فهرست المصادر والمراجع (92 مرجع).


  • أهمية هذا البحث:
1-بيان ثبوت هذا الحرف (حقو الرحمن) في البخاريِّ وغيره، من طرق عدة.

2-أن هذه الزيادة لم يتكلم فيها أحدٌ ممن انتقد البخاري كالدارقطني والدمشقي، والغساني؛ فدلَّ ذلك على أنها ثابتةٌ صحيحة، متلقاةٌ بالقبول.

3-أن هذه الزيادة أثبتها جميع شراح البخاري، ولو كان في نفوسهم شيءٌ لأفصحوا عنه، مثل ابن حجر، والعيني، والخطابي، والقسطلاني، والقاضي عياض وغيرهم من الحفاظ، هذا مع أن كثيراً منهم على مذهب التأويل، ومع تعرضهم لتأويل هذه الصفة إلا أنهم لم ينتقد أحدهم ثبوتها، حينئذٍ لا يجوز إنكار ثبوتها وصحتها إلا لمن في عقله شيء.

4-إثبات هذه الصفة بمعانٍ أخرى جاءت، مثل لفظ "الحُجْزة"، وإسناد ابن عباس بها جيّد أو أعلى قليلاً، وإسناد أبي سعيد بها صحيح.

5- إثبات صفة الحقو لله تبارك وتعالى، بما يليق بجلاله، ولا نعلم نحن كيفيته، وليس هو الإزار، وإنما سمي به الإزار لقربه من الحقو في الإنسان، كما لا يجوز أن يُعتقد أن لله تعالى إزارٌ منفصلٌ يُحيط به كالمخلوق -تعالى الله أن يُحيط به مخلوق.

6-أن إزار الله عز وجل هو العز، وهو صفةٌ من صفاته كما جاء في الحديث: "العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته" 90، فهذا هو إزار الرب وهو إزارٌ غير مخلوق، بل عزه تعالى من صفاته.

7- وهذا لا يُنافي صفة الحقو، فله تعالى حقو، وله عزٌّ وعظمة، ومما يبين أن الحقو ليس هو الإزار؛ لورود الحديث بالتثنية (الحقوين).

8-ولا يلزم من كون حقوي الإنسان في وسطه أن يُقال عن حقو الرب ذلك، بل يقتصر على ما في النص من غير زيادةٍ ولا نقصان، فلا يوصف الرب بمجرد القياس على المخلوق، فليس في النصوص ذكرُ أنه وسط الرحمن، ولا ذكر الوسط أصلاً.

كما أنه سبحانه يوصف باليدين، ولا يجوز أن يُعتقد أنها كيدي الإنسان في جنبيه تعالى الله عن ذلك، فاليدين ثابتتان لكن كونهما في جانبين فهذا لا دليل عليه سوى قياس الخالق على المخلوق، وهذا قياسٌ فاسد.

9-والذي يجب اعتقاده أن لله تعالى يدين حقيقيتين، وحقو حقيقي لكن تليق به تعالى. وإنما الاشتراك مع يد المخلوق وحقوه في المعنى اللغوي، وهذا الاشتراك كلي لا يوجد إلا في الذهن، ولا يُقال خاصرةٌ أيضاً، بل يُقال: حقو، وحجزة فقط ولا يتجاوز لفظ النص والله أعلم.

10- ونفور أيُّ أحدٍ من أحاديث الصفات الثابتة علامةٌ من علامات التجهُّم، وتنطُّعٌ وسوء أدب.


الحديث: روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بِحَقْوِ) ضبط شرح الحديث هذه اللفظ بفتح الحاء المهملة، وقال القسطلاني: "وفي اليونينية بكسرها"، (الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك) وعند النسائي في الكبرى (111497) بإسنادٍ صحيح "هذا مكان العائذ بك" (من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاكقال أبو هريرة: "اقرءوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} (محمد: 22)"، وقد رُوي هذا الحرف الموقوف مرفوعاً، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم



خلاصة البحث:
تبين من خلال هذا البحث أن الله تعالى موصوفٌ بصفة الحقو، وهي الحجزة، وهي صفةٌ تليق بجلاله وعظمته، لا يجوز نفيها عنه، أو تأويلها، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: أنها جاءت مضافة إلى الله تعالى، وهي صفةٌ لا تقوم بنفسها، كما أنها جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلفظها: (الحقو)، ومعناها: (الحجزة) مما يدل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصد إثباتها.

ثانياً: أن الأئمة أجروا هذه الصفة على ظاهرها؛ كأحمد، وأبي حاتم، وهم القدوة والأئمة المجتهدون، بل جعل الإمام أحمد المخالف لذلك جهميٌّ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية، 6/ 222): "والمقصود هو أن الحديث في الجملة من أحاديث الصفات التي نص الأئمة على أنه يُمرُّ كما جاء، وردُّوا على من نفى موجبه".

ثالثاً: لم أجد مخالفاً من السلف حول إثبات هذه الصفة، بل كل من خالفهم فيها هم من المتأخرين، وسبب تأويلها هو سبب تأويل سائر الصفات الخبرية، ولا فرق عندهم بينها وبين العين واليد والإصبع والساق في الجملة، كما أنه لا فرق عند أهل السنة بين هذه الصفات أيضاً؛ فما يرد على صفة الحقو ورد عليها، فيُجاب عن ذلك بما يُجاب هنا. 

رابعاً: كما أثبت هذه الصفة كل من سار على نهج السلف من المعاصرين كالشيخ ابن باز، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد العزيز الراجحي، ونحوهم من كبار علماء العصر.

والحمد لله رب العالمين.