أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 مايو 2020



حديث تعلق الرحم بحقو الرحمن- دراسة عقدية
إعداد: د. عبد القادر بن محمد بن يحيى الغامدي/ معهد الحرم المكي
مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (48)، ذو الحجة (1430 هـ).

اختصره: أ. محمد حنونة

تمهيد/ هذا البحث هو دراسة عقدية لحديث: (تعلق الرحم بحقو الرحمن) الذي رواه البخاري في صحيحه، وقد ذكر فيه الباحث ما يتعلق بهذه الصفة عند أهل السنة والجماعة، وبيان أنها ثابتة لله تعالى على ، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تأويل، وأن أهل السنة لا يُسمون ذلك جوارحاً ولا أبعاضاً ولا أجساماً ولا آلات، بل هذه الألفاظ من جملة الاصطلاحات الحادثة التي لم تكن مستعملة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أصحابه رضوان الله عليهم، كما أن أهل السنة لا ينفونها لأنها مجملة، بل هم يستفصلون عن المعنى المراد منها:

فإن كان المراد بنفي هذه الألفاظ: نفي معنى الصفة أبطلوا ذلك النفي، وأثبتوا الصفة لله سبحانه، وإن كان المراد بنفي هذه الألفاظ: نفي التشبيه بصفات المخلوقين أقروا بنفيها من هذا الوجه، وأثبتوا المعنى الحق، ويُعبرون عنه باللفظ الشرعي غير المجمل

وكون اللفظ -مثل اليد، والعين والساق-له في اللغة عدة معانٍ؛ فهذا صحيح، لكن قد يجيء في سياقٍ يجعله نصاً على معنى مُعيَّن كهذا الحديث؛ وإذا بقي احتمالٌ فالإجماع العام على إثبات الصفات على ظاهرها ألغى هذا الاحتمال، فالسلف رحمهم الله كانوا يثبتون الصفات بأصل معناها ويُفوضون الكيفية، ويمنعون التأويل، ويرون ذلك التأويل من التجهُّم.

وما وقع فيه كثيرٌ من الحُفَّاظ من تأويل هذه الصفة؛ فالواجب على المسلم أن لا يتأثر لهذه الأخطاء الشنيعة في باب الصفات، وقد وقع هؤلاء العلماء في هذه التأويلات؛ لأحد أمرين:

الأول: عدم فهم هؤلاء العلماء لحقيقة مذهب السلف؛ فإنهم ظنوا رحمهم الله أن مذهب السلف تفويض المعنى والكيف، والحق أن مذهب السلف تفويض الكيف لا المعنى، وأما القول بنفي المعنى؛ فهو قولٌ شنيعٌ على صاحب الشريعة من أنه يُخاطب الناس بما لا يعقلون.

الثاني: أنهم تأثروا بالشبهات التي أثارها المتكلمون حول الصفات؛ فقاموا بتأويل هذه الصفات، وهو مذهب الخلف، أما الأئمة الذين ارتضى هؤلاء الحفاظ أن يشرحوا كتبهم كالبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم؛ فقد كانوا كلهم على نهج السلف الصالح في هذا الباب؛ كما في تراجم البخاري في كتاب "التوحيد" في صحيحه، وفي كتاب "خلق أفعال العباد" له، مع كثرة إيرادهم لأحاديث الصفات من طرق كثيرة، ولم يتكلم واحدٌ منهم بتأويل كما فعل غيرهم من المتأخرين، وهؤلاء في مرتبة العلم والدين أعلى وأرفع من المتأخرين. 

يقول ابن القيم -رحمه الله -في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 241) مُعرفاً بمذهب مسلم بن الحجاج في الصفات؛ فيقول: "يعرف قوله من سياق الأحاديث التي ذكرها ولم يتأولها، ولو لم يكن معتقداً لمضمونها لفعل بها ما فعل المتأخرون حين ذكروها" يعني من التأويل والرد.

وقد قسَّم الباحث بحثه -بعد المقدمة- إلى قسمين:

القسم الأول: تخريج الأحاديث، وجمع طرقها، وبيان ألفاظها، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الحديث بلفظ (بحقو الرحمن).
المطلب الثاني: إيراد الأسانيد الأخرى: المتابعات على هذا اللفظ.
المطلب الثالث: تخريج الحديث بالألفاظ الأخرى: (بحقوي الرحمن -بحجزة الرحمن -بمنكبي الرحمن)، 
مع بيان صحتها من ضعفها.
المطلب الرابع: خلاصة التخريج.

القسم الثاني: بيان مذهب السلف في صفة الحقو، ورد الشبهات عنها، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المعنى اللغوي لألفاظ الصفة.
المطلب الثاني: كلام أئمة أهل السنة حول هذه الصفة (صفة الحقو للرب تعالى).
المطلب الثالث: شبهات المخالفين لأهل السنة وجواباتها.
ثم الخاتمة -والنتيجة.

ويعقبها في البحث الهوامش والتعليقات التي جعلها آخر الكتاب وبلغت (158/ ص 36 - 51)،
ومن ثمَّ فهرست المصادر والمراجع (92 مرجع).


  • أهمية هذا البحث:
1-بيان ثبوت هذا الحرف (حقو الرحمن) في البخاريِّ وغيره، من طرق عدة.

2-أن هذه الزيادة لم يتكلم فيها أحدٌ ممن انتقد البخاري كالدارقطني والدمشقي، والغساني؛ فدلَّ ذلك على أنها ثابتةٌ صحيحة، متلقاةٌ بالقبول.

3-أن هذه الزيادة أثبتها جميع شراح البخاري، ولو كان في نفوسهم شيءٌ لأفصحوا عنه، مثل ابن حجر، والعيني، والخطابي، والقسطلاني، والقاضي عياض وغيرهم من الحفاظ، هذا مع أن كثيراً منهم على مذهب التأويل، ومع تعرضهم لتأويل هذه الصفة إلا أنهم لم ينتقد أحدهم ثبوتها، حينئذٍ لا يجوز إنكار ثبوتها وصحتها إلا لمن في عقله شيء.

4-إثبات هذه الصفة بمعانٍ أخرى جاءت، مثل لفظ "الحُجْزة"، وإسناد ابن عباس بها جيّد أو أعلى قليلاً، وإسناد أبي سعيد بها صحيح.

5- إثبات صفة الحقو لله تبارك وتعالى، بما يليق بجلاله، ولا نعلم نحن كيفيته، وليس هو الإزار، وإنما سمي به الإزار لقربه من الحقو في الإنسان، كما لا يجوز أن يُعتقد أن لله تعالى إزارٌ منفصلٌ يُحيط به كالمخلوق -تعالى الله أن يُحيط به مخلوق.

6-أن إزار الله عز وجل هو العز، وهو صفةٌ من صفاته كما جاء في الحديث: "العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته" 90، فهذا هو إزار الرب وهو إزارٌ غير مخلوق، بل عزه تعالى من صفاته.

7- وهذا لا يُنافي صفة الحقو، فله تعالى حقو، وله عزٌّ وعظمة، ومما يبين أن الحقو ليس هو الإزار؛ لورود الحديث بالتثنية (الحقوين).

8-ولا يلزم من كون حقوي الإنسان في وسطه أن يُقال عن حقو الرب ذلك، بل يقتصر على ما في النص من غير زيادةٍ ولا نقصان، فلا يوصف الرب بمجرد القياس على المخلوق، فليس في النصوص ذكرُ أنه وسط الرحمن، ولا ذكر الوسط أصلاً.

كما أنه سبحانه يوصف باليدين، ولا يجوز أن يُعتقد أنها كيدي الإنسان في جنبيه تعالى الله عن ذلك، فاليدين ثابتتان لكن كونهما في جانبين فهذا لا دليل عليه سوى قياس الخالق على المخلوق، وهذا قياسٌ فاسد.

9-والذي يجب اعتقاده أن لله تعالى يدين حقيقيتين، وحقو حقيقي لكن تليق به تعالى. وإنما الاشتراك مع يد المخلوق وحقوه في المعنى اللغوي، وهذا الاشتراك كلي لا يوجد إلا في الذهن، ولا يُقال خاصرةٌ أيضاً، بل يُقال: حقو، وحجزة فقط ولا يتجاوز لفظ النص والله أعلم.

10- ونفور أيُّ أحدٍ من أحاديث الصفات الثابتة علامةٌ من علامات التجهُّم، وتنطُّعٌ وسوء أدب.


الحديث: روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بِحَقْوِ) ضبط شرح الحديث هذه اللفظ بفتح الحاء المهملة، وقال القسطلاني: "وفي اليونينية بكسرها"، (الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك) وعند النسائي في الكبرى (111497) بإسنادٍ صحيح "هذا مكان العائذ بك" (من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاكقال أبو هريرة: "اقرءوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} (محمد: 22)"، وقد رُوي هذا الحرف الموقوف مرفوعاً، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم



خلاصة البحث:
تبين من خلال هذا البحث أن الله تعالى موصوفٌ بصفة الحقو، وهي الحجزة، وهي صفةٌ تليق بجلاله وعظمته، لا يجوز نفيها عنه، أو تأويلها، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: أنها جاءت مضافة إلى الله تعالى، وهي صفةٌ لا تقوم بنفسها، كما أنها جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلفظها: (الحقو)، ومعناها: (الحجزة) مما يدل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصد إثباتها.

ثانياً: أن الأئمة أجروا هذه الصفة على ظاهرها؛ كأحمد، وأبي حاتم، وهم القدوة والأئمة المجتهدون، بل جعل الإمام أحمد المخالف لذلك جهميٌّ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (بيان تلبيس الجهمية، 6/ 222): "والمقصود هو أن الحديث في الجملة من أحاديث الصفات التي نص الأئمة على أنه يُمرُّ كما جاء، وردُّوا على من نفى موجبه".

ثالثاً: لم أجد مخالفاً من السلف حول إثبات هذه الصفة، بل كل من خالفهم فيها هم من المتأخرين، وسبب تأويلها هو سبب تأويل سائر الصفات الخبرية، ولا فرق عندهم بينها وبين العين واليد والإصبع والساق في الجملة، كما أنه لا فرق عند أهل السنة بين هذه الصفات أيضاً؛ فما يرد على صفة الحقو ورد عليها، فيُجاب عن ذلك بما يُجاب هنا. 

رابعاً: كما أثبت هذه الصفة كل من سار على نهج السلف من المعاصرين كالشيخ ابن باز، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد العزيز الراجحي، ونحوهم من كبار علماء العصر.

والحمد لله رب العالمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق