أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 مايو 2020




جند الله ثقافةً وأخلاقاً
تأليف الشيخ سعيد حوى
دار السلام، مصر، الطبعة السادسة، 2008 م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ إن الله عز وجل قد جعل هذه الأمة قوَّامةً على البشرية بأسرها، ووصيَّةً عليها، وأعطاها من الخصائص والصلاحيات ما تؤدي به هذه الواجبات، إلى أن أصابها داء الوهن من حُبِّ الدُّنيا وملاذها والركون إليها، وقد أصبحنا اليوم أضعف من أن نردَّ على هذا الطوفان الإعلامي العالمي التشويهي الذي يصبونه علينا صبَّاً من كل المنافذ، محاولين هدم الإسلام وتدميره وتشويهه، بل والتصفية النهائية لوجوده.



وللخروج من هذا الوضعية البائسة كان لا بُدَّ من صناعة جيلٍ مسلم مجاهد واعي، يقضي على هذا الانحسار الكبير في القيم والمبادئ بين أبناء المسلمين، ويُعيد المجد الأثيل لهذه الأمة المنكوبة منذ عشرات السنين..

وتراعي هذه الصناعة الشريفة كفاءة الرجل مع سلامة المنهج، ويكون هدف هذا الجيل هو الثورة على الأوضاع الحالية القائمة، ما نحتاج معه إلى تضحيات كبيرة وربما ضخ دماء كثيرة؛ لإنهاء مشاكل الأمة.

وهذا الكتاب يبحث في النظرية الثقافية والأخلاقية للمسلم المعاصر، في إطار إحياء فقه الدعوة، والبناء الحقيقي للنظام الإسلامي، وصولاً إلى الدولة والحكم.. وذلك من خلال صفات حزب الله المذكورة في سورة المائدة، وفي إطار ذلك يُناقش المؤلف رحمه الله طبيعة المسلم، وطريقة تربيته باعتبار أن لديه توجهان:
  • الأول: توجُّهٌ نحو الذات؛ لإصلاحها والارتقاء بها.
  • الثاني: توجه نحو الخارج، وهذا التوجُّه يختلف بحسب الدائرة البشرية التي يتفاعل معها، والتي تُحدد مسار هذا الاتجاه والتفاعل، مثل: الأسرة، والأهل، والجيران، والحي، والأرحام، والحرفة، والمجتمع، والدولة.
وبنقسم هذا الكتاب إلى قسمين:
  • القسم الأول: جند الله ثقافةً.
  • القسم الثاني: جند الله أخلاقاً.
وقد جاء هذا الكتاب -كما قلنا -بالأساس لمعالجة الخلل الثقافي والتربوي، الذي طرح فيه الشيخ سعيد نظريته في التربية والأخلاق وصولاً إلى الدولة والحكم والنظام الصالح الذي يضمُّ المسلمين جميعاً

ويرى الشيخ سعيد أن أهم ما يُميز حزب الله (أو المسلمون الحقيقيون)، أمورٌ، منها:
1-الرغبة في العمل لإقامة دولة الله ونصرة شريعته.
2-الاتصاف بأخلاق بعينها مستوحاة من كتاب الله.
3-قطع أي صلة بأعداء الله وتمتين الصلة بأولياء الله.

ويُرشح المؤلف رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين لإمامة المرحلة، لما تتميز به من وسطية عادلة، ونظرة شاملة، وجهود متكاملة…(انظر: المدخل إلى دعوة الإخوان/ ص 30)، ولكنه يرى أن استعمال كلمة "حزب الله" أخفُّ على الآذان من اسم "الإخوان المسلمين".

ونلحظ في الكتاب لغة الرجل الثائر على القوميات والوطنيات والأفكار الهدامة، ومع ذلك لم نفقد لهجة الرجل الحكيم الذي يدعو كل طبقات المسلمين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم إلى الحوار الهادف الذي يدعو إلى محو السلبيات والتحقق بالإيجابيات، ليرتفع المسلمون إلى "الحزبية الربانية" فيكون جميعهم جنوداً لله.

وقد تحدث الشيخ سعيد حوى في بداية كتابه عن واقع العالم الإسلامي، الذي رأى فيه ردَّةً حقيقةً في المفاهيم والتصورات، وبروز الاتجاهات الجاهلية في المعتقدات والأفكار، ونشأة التيارات المنحرفة التي تجاري الشرق والغرب.
ومن ثمَّ رسم خطة الخلاص من هذه الجاهلية، والتي يراها كفيلةً بحل جميع مشاكل المسلمين، والمتمثلة بإعداد جيل مؤمن يمثل (حزب الله) بأخلاقه وأفكاره ومعتقداته، وذلك من خلال البناء الثقافي والأخلاقي لهذا الجيل.. مع ملاحظة الاستمرار في تخريج النقباء والمجاهدين والأنصار، والاتجاه نحو الارتقاء والتخصص.

قلتُ (مُحمَّد) وما نرجوه هو ما يرجوه المؤلِّف نفسه، وهو أن يكون ما خطَّه حقيقياً وواقعاً لا نظريَّةً مُجرَّدةً عن التطبيق.

وقد ختم المؤلف رحمه الله كتابه هذا اقتراحين مهمين (1)، وهما:
أ-تربية المسلمين على صفات حزب الله الخمس المذكورة في الكتاب.
ب-أن يدرسوا هذا الكتاب الذي بين أيدينا.

 من الأمور التي ميَّزت هذا الكتاب:
1-إجادة الشيخ سعيد حوى في وصف أحوال العالم الإسلامي، وعرض مشكلاته، وبيان جراحاته التي تنزف في جميع أقطاره، ومدى هذه الجروح وعمقها، وصعوبة تضميدها، وإظهار العلل التي تفتك بالأمة.

2-كذلك إجادته رحمه الله في تشخيص الداء الذي يرجع إلى ضعف الوازع الديني، وهو أول المشكلات والآفات التي حرفت المسلمين عن بوصلتهم، يُضاف إلى ذلك فقدان المسلمين الأمل في عودة الإسلام.

3-كذلك أجاد رحمه الله في وصف الدواء من خلال البناء الثقافي والأخلاقي للأمة على نهجٍ تربويٍّ سليم، تراعي فيه التخصصات، من خلال عمل تنظيمي مخطط له، يتسم بالمرونة وموافقة روح العصر، ومواكبة الحاجات المتجددة للمسلمين.

4-كثرة استشهاده بالآيات القرآنية، كيف لا وهو صاحب تفسير "الأساس" الذي يقع في أحد عشر مجلداً، وقد وضع مادةٌ دسمة حقاً منه في هذا الكتاب، ولا نُبالغ إن قلنا: إن ثلث الكتاب الذي بين أيدينا هو آياتٌ من تفسيرها.

5-استحضار عجيب للآيات المرتبطة بالموضوع، وحشدها في مكان واحد.

6-طريقة الانتقال المنطقية والمتسلسلة بين موضوعات الكتاب، بحيث تشعر أن الشيخ يتحدث معك مباشرةً.

7-تناوله كل علمٍ على حدة بشكلٍ مستقل -وذلك عند حديثه عن جند الله ثقافةً، نلحظ ذلك في علوم القرآن، وتناول أيضاً أكثر من مؤلَّف بطريقة مختلفة.

8-لفت نظر المسلم إلى حظه الضروري من كل أنواع الثقافة الإسلامية؛ ليكون جديراً بأن يكون من "حزب الله".

9-توسع في الحديث عن السنة، وأكثر النقول فيها بسبب عمليات التشكيك المعاصرة في السنة ومصادرها، والتي يُثيرها أعداء الإسلام.

10-الحكمة الحسنة التي نجدها في كثيرٍ من عبارات الكتاب، والتي تشكل لباب الدين وخلاصة العمل له.

11-تأثر الشيخ سعيد حوى بالمذهب الحنفي، حيث إن أكثر ما ينقله من المسائل الفقهية تميل إليه، وهو مذهب مفعم بالحيوية، ويستحق الإحترام والتقدير.

  •  مما يؤخذ على الكتاب:
ومن المهم التنبيه إلى بعض الأخطاء والهفوات والأمور التي وقع فيها صاحب هذا الكتاب حتى لا يتحمل القارئ وزر أية آراء خاطئة وردت في الكتاب، والتي نرى من الضرورة بمكان التنبيه عليها؛ لاستكمال الصورة ووضوح الإبصار، ومن هذه المآخذ:
1-الاسهاب والتطويل جداً في عرض موضوعات الكتاب، بحيثُ يملُّ القارئ من تكرار الموضوعات الدعوية المتشابهة، وقد وقع الكتاب في حوالي 400 صحيفة، والأصل تقديم مادة مختصرة ومركزة تختصر الوقت والزمن، وربما رأى المؤلف رحمه الله أن الحاجة تقتضي ذلك، إلا أنه المنهج العام لدى المؤلفين ترك التطويل، والاختصار ما أمكن.

2-أن طريقته في العرض والتقرير أقرب إلى المواعظ والتفسير منه إلى التأصيل والبيان، وإن كان يستخدم طرق التحليل والربط المنطقي، والتسلسل في العرض والبيان.

3-لم يسلم الكتاب من الأحاديث الضعيفة والواهية، لا سيما في فضائل الأعمال والسور مثل: الحديث "الحال المرتحل"، وأحاديث أخرى (ص 79، 85- 86)، وحديث: "وكل الله به سبعين ألف ملك"، وحديث: "أليس معك قل هو الله أحد".

4-إكثار المؤلف من استخدام ألفاظ التكفير والكفر والكافرين جداً في ظل هذا الواقع المُشكل حقيقةً ما بين حُكام طغاة مستبدين، وبين أمراء يُحاربون دين الله عز وجل، وما بين أناسٍ ملتزمين، وأناسٍ آخرين لا يأبهون بالدين وأحكامه، ولا شكَّ أن الطاغوت مرتبة أعلى من النفاق، ولكن يبقى هذا الأمرا مُشكلٌ حقيقة، والأسلم إلغاء هذه الأحكام وتحري الدقة في تنزيلها على واقع عموم المسلمين وحكامهم.

5-إغلاق المؤلف باب الاجتهاد في وجوه المعاصرين، بدعوى فقدان أهلية الاجتهاد، وهذا تحجيرٌ لواسع، مع العلم أن المتأخرين لا يستقلون برأيٍ عن السلف المتقدمين، ومع ضرورة التنبيه إلى أن الشيخ سعيد أيضاً يرى عدم جواز التعصُّب لأحد المذاهب الفقهية، وضرورة الأخذ بالمذهب الذي يؤيده الدليل.

6-اعتبار الأحزاب الوطنية والقومية والزعامات الحالية من ضمن حركات الردة، وهو بذلك يغلق كل المنافذ بين الإسلاميين والوطنيين، هذا مع أن جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن توظف طاقات الوطنيين لخدمة مصالح الإسلام على قاعدة حُب الوطن.

  • الخلاصة:
إننا نتفهم طريقة المؤلف في محاولة انتزاع مشروعية الدفاع عن الإسلام ضد المناهج الوضعية في ظل وضع إسلامي رخوٍ ومهلهل.. وذلك من خلال إنشاء جيل مؤمن يمثل حزب الله المنشود في ثقافته وأخلاقه (1)، حيث إن المؤلف يتصور العالم الإسلامي في مرحلة الردة عن الإسلام بعد الإسلام، ويُشبِّه الواقع بحال العهد المدني (2)، ويرى الشيخ سعيد أن حركات الردة والنفاق لم تتوقف إلى وقتنا هذا الذي نعيشه، ولكنها -أيضاً -لا تسير بصورة منتظمة على وتيرة واحدة، ويبدو أن الشيخ سعيد كان متأثراً بأفكار سيد قطب فيما يتعلق بكفر المجتمعات، ومن أهم الدوفاع التي ساهمت في مثل هذه الإطلاقات، أنه رأى أموراً منها:
أ. موالاة أهل الكفر.
ب. الحكم بغير ما أنزل الله.
ج. إقصاء الشريعة عن الحياة.

ويرى الشيخ سعيد أن الحل الوحيد هو إيجاد نواة التغيير المتمثلة بـ"حزب الله"، ولا شكَّ أن عملية التأسيس لهذا الجيل بواسطة هذا المنهج صعبةٌ وشاقَّة؛ لأن المستجيبين في الابتداء قليلون، والثابتين منهم أقل، والأكفاء المشاركون في هذا العمل هم أقلُّ من هذا الأقل (3).
وأكثر ما يصعب علينا -في هذا الكتاب - هو توجيهات الشيخ سعيد لألفاظ الكفر والإيمان (4) والذي يعكس مدى الاضطراب داخل نفس الشيخ سعيد في بلورة وتحديد الموقف النهائي من المجتمع ومكوناته، لا سيما في ظل مجتمعٍ مُشكلٍ حقيقةً، تتنازعه كافة التيارات الشرقية والغربية، ولذا فإننا نتحسس من هذه الألفاظ الصعبة (الكفر، الردة، الجاهلية)، التي تصور الأمر على أنه معركةً قائمةً بين معسكرين متمايزين في الصفات والمنهج والغايات، وتفسير ذلك واضحٌ جداً من خلال حماسة المؤلف وحُرقته من أجل إحياء دولة الخلافة الراشدة، على أننا نوافق المؤلف في بعض آرائه ونخالفه في البعض الآخر.
____________________________

وهذا الكتاب طبعته مكتبة وهبة في العام (1412 هـ)، الموافق (1991 م)، والذي اعتمدناه، هو طبعة دار السلام في العام (2008 م).
(1) ك: (ص 406).
(2) ك: (ص 163): إن كلمة حزب ذُكرت مرتين في كتاب الله عز وجل، مرةً في سورة المائدة، ومرة في سورة المجادلة، وهاتين الآيتين جمعتا لُباب الأخلاق ومفاصله في القرآن الكريم.
(3) ك: (ص 393- يُنظر).
(4) ك: (ص 150).. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أن الشيخ سعيد حوى أحجم عن تكفير المجتمعات المسلمة، خلافاً لأستاذه سيد قطب رحمه الله، الذي حكم على المجتمعات أيضاً بالكفر، وهنا تظهر حكمة الشيخ سعيد حوى، ومدى سعة صدره وفهمه للإسلام، وواقع المسلمين، وفطنته لخطورة التكفير، انظر في ظلال القرآن، دار الشروق (2/ 1057).
(5) ك: (ص 132، 134، 164): الردة أو شبه الردة المنتشرة في العالم الإسلامي، الأمة الضالة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق