أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 سبتمبر 2016

مشروعية الذكر وبيان فضله - محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

مَشروعيَّة الذِّكرِ وَبَيانِ فَضْلِهِ

تأليف الأستاذ

 محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

غزَّة -فلسطين

قال الأستاذ أبو عليٍّ الدقَّاق :"الذكر منشور الولاية، فمن وُفِّقَ للذكر فَقَدْ أعطى المنشور ومن سلب الذكر فَقَدْ عُزِل"([1])، فالذِّكرُ عنوان الولاية، وشَارَةُ الصِّلة بالله عز وجل، وجميع الخصال المحمودة راجعةٌ إلى الذكر، وقد جاءت آيات كريمات ، وأحاديثٌ شريفاتٌ تدلُّ على مشروعيَّة الذكر وفضله؛ منها:

 قوله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُ} (البقرة:153) ، وكفى بذلك شرفاً وفضلاً ؛ لأنَّ في ذكر الله لنا الشفاء والغُنية ،وفي الحديث عن أسماء بنت يزيد الأنصاريَّة([2]) قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تعالى)([3])، وفي رواية: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ؟ ، قَالَ: (الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-)"([4])، ومن هؤلاء مُحمَّد بْنُ سيرين([5]) الذي قال فيه أَبُو عَوَانَةَ([6]): " رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ فِي السُّوْقِ، فَمَا رَآهُ أَحَدٌ إِلاَّ ذَكَرَ اللهَ"([7]) .

وقال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ،وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب:41-42) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ([8]) : " لَمْ يَفْرِضِ الله تعالى فريضة على عباده إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا أعذر أهلها في حال العذر غير الذِّكْرُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ ،وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فلذلك أمرهم بِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ،وَفِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ،وَفِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ ، وَفِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَيْكُمْ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ ، قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب: 43)"([9]) .

قَالَ مُجَاهِدٌ([10]) :"الذِّكْرُ الْكَثِيرُ أَنْ لَا تنساه أبداً"([11]).

وقال تعالى في صفة عقلاء النَّاس وذوي الألباب منهم : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} (آل عمران:191) ، وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : "لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الذَّاكِرِينَ كَثِيراً حَتَّى يَذْكُرَ اللَّهَ قَائِماً وَقَاعِداً وَمُضْطَجِعًا"([12]) .

وقال تعالى : {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (البقرة:153)، ونقل التستريُّ([13]) في (تفسيره) عن أبي عثمان مُحمَّد بن سالمٍ الصُّوفيِّ قوله: "الذكر ثلاث: ذكر باللسان فذاك الحسنة بعشر ، وذكر بالقلب فذاك الحسنة بسبعمائة ،وذكر لا يوزن ثوابه وهو الامتلاء من المحبة"([14]) .

وقال -جلَّ شأنه- في صفة الذاكرين العابدين :{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (السجدة:13) ، وهذا حالهم في اللَّيل ، فإنهم تركوا الفرش الوطيئة ، والوسائد الوثيرة، والزوجات الحسناوات، ثُمَّ قاموا بين يدي ربِّهم يناجونه، ويتضرَّعون إليه ، يرجون رحمته ويخافون عذابه ، أمَّا عن حالهم في النَّهار ؛ فهم الذين قال الله فيهم : {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } (النور:37)، ورجولتهم اقتضت عليهم أن ينخرطوا في سلك الذاكرين ، ويشتغلوا بوظيفة الذكر ، بل إنَّ مجالس الذكر هي التي تصنع الرِّجال الذين يخوضون غمار الحياة بقوَّةٍ واقتدار ، وقد جسَّدوا حكاية العشق لمعبودهم وربِّهم ، ولسان حالهم يقول: "إلهي كيف أنساك ولم تزل تذكرني؟! ،وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي؟!"، وكما قال أحدهم :

لو شُقَّ عَن قَلْبِي يُرَى وَسَطَهُ       ذِكْرُكَ والتَّوحِيْدُ فِي سَطَرِ

وكما قال ابن القيِّم :"ولا تستنكر استيلاء المحبوب على قلب المحب وغلبته عليه حتى كأنه يراه ، ولهذا تجدهم في خطابهم لمحبوبهم إنما يعتمدون خطاب الحضور والمشاهدة مع غاية البعد العياني ؛ لكمال القرب الروحي فلم يمنعهم بعد الأشباح عن محادثة الأرواح ومخاطبتها ، ومن كثفت طباعه فهو عن هذا كله بمعزل ، وإنه ليبلغ الحب ببعض أهله أن يرى محبوبه في القرب إليه بمنزلة روحه التي لا شيء أدنى إليه منها"([15]) ؛ و صَدقَ القائل:

يـــــَا مُقيِمَاً مَدَى الزَّمَانِ بِقَلـــــــبِي       وبعـيــــــداً عن نـــاظري وعيــــــــــــاني

أنت روحي إن كنت لست أراهـا           فـــــهي أدنـــى إلي مــــن كل دانــــي

وقال تعالى : {وَلذِكْرُ الله أكْبَرُ} (العنكبوت: 45) ،قال ابن حجر([16]) :"أَيْ أَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ فَمَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ خَائِفٌ آمَنَهُ أَوْ مُسْتَوْحِشٌ آنَسَهُ"([17]) .

وقال عبد الله بْنِ عَوْنٍ([18]) : "ذِكْرُ النَّاسِ دَاءٌ ، وَذِكْرُ اللهِ دَوَاءٌ"([19]) .

وقال -جلَّ شأنه- : {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10) ، فعلَّق سبحانه فلاح العبدِ ونجاته على ذكره ومناجاته ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ([20]) : "مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"([21]) .

 وَقَالَ تعالى : {الَّذِيْنَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوْبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ،أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوْبُ} (الرَّعْدُ: 29) ، فشرط الطمأنينة تحصيل الإيمان ، ودوام الذِّكر للرحمن.

وقد جاءت الأحاديث تترى تحثُّ على الذِّكر، وتُبيِّنُ فضله، نذكر منها: - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ([22]) ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟) ، قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (ذِكْرُ اللَّهِ) ([23]) .

- عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعريِّ([24]) ،قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ)([25]) .

- وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ([26]) قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ([27]) ، وقال سفيان الثَّوْرِيَّ([28]) : "لَيْسَ شَيْءٌ أَقطَعَ لِظِهْرِ إِبْلِيسَ مِنْ قَوْلِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ"([29]) .

- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ([30])، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ،قَالَ : (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-)([31]) .

- وعَنْ عَائِشَةَ([32]) ، قَالَتْ : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِه)([33]) .

ومن لطيف ما يُذكر أن إِنْسَاناً أراد قَصَّ شَارِبَ مَعْرُوْفٍ الكرخيّ([34]) ، فَلَمْ يَفتُرْ مِنَ الذِّكْرِ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَقُصُّ؟ ، فَقَالَ :"أَنْتَ تَعْمَلُ ،وَأَنَا أَعمَلُ"([35]) .

وقال سُفْيَان الثَّوريُّ يَقُوْلُ: "مَا تمتَّعَ مُتمتِّعٌ بِمثلِ ذِكْرِ اللهِ"([36]) .

وقَالَ دَاوُدُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -:"مَا أَحْلَى ذكرَ اللهِ فِي أَفْوَاهُ المتعبِّدينَ"([37]).

- حديث مُعاذ بن أنس الجُهنيُّ([38]) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ ، فَقَالَ : أَيُّ الْجِهَادِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ ، قَالَ : (أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتعالى ذِكْرًا) ، قَالَ : فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ : (أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتعالى ذِكْرًا) ، ثُمَّ ذَكَرَ لَنَا الصَّلَاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، وَالْحَجَّ ، وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتعالى ذِكْرًا) ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ([39]) لِعُمَرَ([40]) : يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (أَجَلْ)([41]) ، وهذا يدلُّ على أنَّ الذكر من أعظم القربات عند الله عز وجل .

قَالَ ابن بَطَّال([42]) : "هَذِهِ الْفَضَائِلُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ وَالْكَمَالِ كَالطَّهَارَةِ مِنَ الْحَرَامِ وَالْمَعَاصِي الْعِظَامِ"([43]) .

وقَالَ الإمام الزَّهد القدوة مُحمَّد بن صُبيح ابْنُ السَّمَّاكِ : "رَأَيت مِسْعَراً فِي النَّوْمِ ،فَقُلْتُ : أَيَّ العَمَلِ وَجَدْتَ أَنفَعَ؟ ،قَالَ: "ذِكْرُ اللهِ"([44]) .

ورُؤِيَ مَنْصُوْرُ بنُ عَمَّارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَقِيْلَ له : مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ ، قَالَ : "غَفَرَ لِي ، وَقَالَ لِي : يَا مَنْصُوْرُ! غَفَرْتُ لَكَ ؛ لأَنَّكَ كُنْتَ تَحُوشُ النَّاسَ- تسوقهم وتجمعهم - إلى ذِكْرِي"([45]) .

وكما قال الحبيب عبد الله بن علويِّ الحدَّاد([46]):

فإن رمت أن تحظى بقلب مُـــنَـــــوَّرٍ          نقيٍّ من الأكـدارِ فاعكف على الذكرِ

وثابر عليه في الظلام وفي الضيـا           وفــــي كــــــل حــــــــــــــــال باللسان وبالســرِّ

فـــــإنك إن لازمــته بتوجــــهٍ بــــــــــــــــــــــدا        لك نورٌ لـــــيس كـــــــــــــــالشمس والبـــــدرِ

ولـــــكنه نـــــورٌ مـــن الله واردٌ أتــــــــــــى      ذكـــــره في ســــورة النــــــــــــــــورِ فاستَقْــرِ([47])

وقال الله جل وعز :{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } (الكهف:28) ، أي واجلس مع الذين يعبدون اللَّه ويذكرونه دائماً في كل أحوالهم وأوقاتهم وحركاتهم وسكناتهم ، وهم كذلك لَا يريدون جاها ًولا مالاً ولا عزَّاً ولا سلطاناً ، ولكن يريدون وجه اللَّه وحده دون ما سواه ، فهم قد انصرفوا بكليتهم إليه سبحانه ، فصاروا بذلك ربانيين خالصين مُخلَصِيْنَ للَّه عز وجل، وقال ابن كثير([48]) : "اجْلِسْ مَعَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيُهَلِّلُونَهُ ، وَيَحْمَدُونَهُ ، وَيُسَبِّحُونَهُ وَيَكْبُرُونَهُ ، وَيَسْأَلُونَهُ بِكُرَةً وَعَشِيًّا ،مِنْ عِبَادِ اللَّهِ سَوَاءً كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ أَغْنِيَاءَ ،أو أقوياء أو ضعفاء"([49]) ، وقال القشيري([50]) :"لم يقل : (واصبر قلبك) ؛لأن قلبه كان مع الحق تعالى ، فأمره بصحبة الفقراء جَهْرًا بجهر ،واستخلص قلبه لنفسه سِرًا بِسرٍّ "([51]) .

قال البغويُّ([52]) : "نَزَلَتْ هذه الآية فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ([53]) أَتَى النَّبِيَّ r قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ([54]) وبِلَالٌ([55]) وَعَمَّارٌ([56]) وَصُهَيْبٌ([57]) وَخَبَّابٌ([58]) وَابْنِ مَسْعُودٍ([59]) ،وَعلى سلْمَان شَمْلَةٌ قَدْ عَرِقَ فِيهَا ،فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسل : أَمَا يُؤْذِيكَ رِيحُ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ سَادَاتُ مُضَرَ وَأَشْرَافُهَا ، فَإِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ ، وَمَا يَمْنَعُنَا مِنَ اتِّبَاعِكَ إِلَّا هَؤُلَاءِ فَنَحِّهِمْ عَنْكَ حَتَّى نَتْبَعَكَ أَوِ اجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا وَلَهُمْ مَجْلِسًا ،فنزلت الآية "([60])

قال الورتجبي: "اصبر نفسك مع هؤلاء الفقراء ،العاشقين لجمالي ،المشتاقين إلى جلالي ،الذين هم في جميع الأوقات يسألون متى لقاء وجهي ،ويريدون أن يطيروا بجناح المحبة إلى عالم وَصْلي "([61]) .

وقد بيَّن -سبحانه- أن دعاءهم وسؤالهم إنما هو رؤيته ولقاؤه ،شوقًا إليه ومحبة فيه ، من غير تعلق بغيره ، أو شُغل بسواه ، بل هو همِّهم لا غيره ،ولذلك قصر إرادتهم عليه.

ثم أمر -سبحانه- بأمرٍ آخر يؤكِّد حقيقة الملازمة لأهل الذِّكر والمذاكرة : {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}؛ أي لا تصرف همَّتك إلى صحبة الأشراف والأغنياء من أهل الدُّنيا ، {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الشرف والجاه ، فالشرف إنما هو بمداومة الذكر وتزكية القلب والرُّوح ، لا بتحلية الجسد ، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أَيْ شُغِلَ عَنِ الدِّينِ وعبادة ربه بالدنيا ومتاعها .

قال التستريُّ([62]) : "الغفلة قضاء الوقت بالبطالة ،وإن القلب يموت ،وأوَّلُ موته الغفلة وآخره القطيعة عن الله -عزَّ وجلَّ- ،وإن للقلب حياة ،أوَّلها اليقظة والذِّكرُ وآخرها لقاء الحق -عزَّ وجلَّ- ، وإن في كل معصية للقلب موتاً ،وفي كل طاعة للقلب حياة"([63]) ، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف:28) أي ضياعاً وتفريطاً وعجزاً ، فضيَّع أمره بالهوى والشهوة ،وعطَّل أيامه بالنسيان والغفلة .

 قال ابن عجيبة([64]) : "وفي الآية حثٌّ على صحبة الفقراء والمُكْث معهم ، وفي صحبتهم أسرار كبيرة ومواهب غزيرة ، إذ بصحبتهم يَكتسبُ الفقير آداب الطريق ، وبصحبتهم يقع التهذيب والتأديب ؛ حتى يتأهل لحضرة التقريب"([65]) ، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين([66]) :

مَا لذّةُ العَيشِ إلا صُحبَةُ الفُقَـــــرا         هُم السّلاَطين والسَّادَاتُ والأُمَرَا

فـاصْحَبْهُمُ وتأدَّب فِي مَجَالِسِهِم     وخـــــــلِّ حظَّكَ مَهمــَا قدَّموكَ ورَا

  وقد تظاهرت الأدلَّة على مشروعيَّة الذِّكر ؛ منها :

- ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ([67]) ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ تعالى : (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ،وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ) ([68]) ،والملأ:" هم الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ"([69]) ،وهذا الحديث يدلُّ على مشروعيَّةِ الذكر جماعةً ،واستحبابُ الجهر بالذِّكر ؛لكون الذاكر في ملأ ؛أي وسط جماعةٍ من الذاكرين  ، وفي رواية : (يقول الله عز وجل: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ)([70]) .

- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ([71]) ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تعالى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ ، مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إسماعيل ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً) ([72]) .

- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ([73]) ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟) ، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ: (آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟) ، قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ : (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي ، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ)([74]) .

وممَّا يستفاد من الحديث : أن الله -عز وجلَّ- يُباهي بالذاكرين ، ويثني على حُسن عملهم ، وأن الصَّحابة لم يجلسوا إلا للذكر والحمد والتسبيح ، وأنَّ مجالس الذكر من سنن الهدى وشعائر الإسلام ، التي أقرَّها النَّبيِّ r وفعلها الصَّحابة ومن بعدهم.

وعن ابْنُ مَسْعُودٍ قال : " أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ،ولَا عَلَيْكَ أَنْ تَصْحَبَ إِلَّا مَنْ أَعَانَكَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ "([75]) ،و قد تقدَّمَ الحديث في آية ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ،[ (الكهف:28)  ، وأنَّها  نَزَلَتْ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ وبِلَالٌ وَعَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَخَبَّابٌ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم أجمعين ، وابن مسعود كان أحد الذاكرين ،فكيف يصحُّ عنه إنكار مجالس الذِّكر؟! .

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ أَطَافَ بِأَهْلِ مَجْلِسِ ذِكْرٍ لِيَفْتِنَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَأَتَى عَلَى حَلَقَةٍ يَذْكُرُونَ الدُّنْيَا، فَأَغْرَى بَيْنَهُمْ حَتَّى اقْتَتَلُوا، فَقَامَ أَهْلُ الذِّكْرِ فَحَجَزُوا بَيْنَهُمُ فَتَفَرَّقُوا "([76]) .

-وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهديُّ([77]) ، قَالَ: كَانَ سَلْمَانُ فِي عِصَابَةٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r فَجَاءَهُمْ قَاصِدًا حَتَّى دَنَا مِنْهُمْ فَكَفُّوا عَنِ الْحَدِيثِ إِعْظَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: (مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ ) ،فَقُلْنَا : نَذْكُرُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قال : (قولوا فَإِنِّي رَأَيْتُ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ فِيهَا) ، ثُمَّ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ)([78]) .

- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ([79]) ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ ،لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ ،إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ :أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ )([80]).

- وعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ([81]) قَالَ: "كُنَّا نَجْلِسُ إلى أُمِّ الدَّرْدَاءِ([82]) ، فَنَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهَا ، فَقَالُوا: لَعَلَّنَا قَدْ أَمْلَلْنَاكِ؟ ، قَالَتْ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ قَدْ أَمْلَلْتُمُونِي، فَقَدْ طَلَبْتُ الْعِبَادَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَشْفَى لِصَدْرِي وَلَا أَحْرَى أَنْ أُصِيبَ بِهِ الدِّينَ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ "([83]) .

- وعن ثابت بن أسلم البُّنانيِّ([84]) قال :"إِنَّ أَهْلَ ذِكْرِ اللهِ لَيَجْلِسُونَ إلى ذِكْرِ اللهِ ، وَإِنَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآثَامِ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُومُونَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عُطُلًا مَا عَلَيْهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ"([85])  .

وعن مالك بن دينار([86]) قال:"مَا تَنَعَّمَ الْمُتَنَعِّمُونَ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللَّهِ"([87]) . - وعنْ أَبِي سَعِيدٍ([88]) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- :(سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ) ،فَقِيلَ : مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ،قَالَ : (أَهْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ) ([89]).

وقال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (النساء:103)  ،أي: فإذا أديتم الصَّلاة وفرغتم منها {فَاذْكُرُوا اللَّهَ}؛ أي: فداوموا على ذكر الله تعالى بالحمد والتكبير والدعاء في جميع حالاتكم {قِيَامًا وَقُعُودًا}؛ أي: قائمين وقاعدين ،ومضطجعين {وعَلَى جُنُوبِكُم} ؛ لأنَّ ذكر الله تعالى يقوي الهمم ،ويثبت القلوب ، ويجعل متاعب الدنيا حقيرة ، ومشاقها سهلة .

وفي هذه الآية دلالةٌ على أن الذكر غير مقصورٍ على الصَّلاة ،لأنَّ الصلاة غير الذكر في الآية ، بل إنَّ الذكر يعمُّ الصلاة وغيرها ، فيشمل جميع أنواع الذكر من صلاةٍ وقراءةِ قرآنٍ وعلمٍ وتسبيحٍ وتهليلٍ وتكبيرٍ وتفكُّرٍ وتدبُّرٍ في آيات الله الكونية والشرعيَّة ، فكلُّ ذلك مشمولٌ بعمومِ نصِّ الذكر ، ومستحقٌّ للثواب أيضاً.

يقول القشيريُّ([90])  :"الوظائف الظاهرة موقتة ،وحضور القلب بالذكر مسرمد غير منقطع ، أما بالرسومِ فوقتاً دون وقت ، وأما بالغيبة فإياكم والغيبة عن الحقيقة لحظة كيفما اختلفت بكم الأحوال ، الذكر كيفما كنتم ، وكما كنتم ، وأمَّا الصلاة فإذا اطمأننتم "([91]) .

- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ : (كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ)([92]) ، وحديث ابن عبَّاسٍ هذا يدلُّ  على أن التكبير لا يختص بالإمام بل يشمل المأمومين أيضاً ، وظاهره يدل على جهر الإمام والمأمومين في ذلك ولكن بصوتٍ خافت، وفي رواية: (مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِتَكْبِيرِهِ)([93]) .

قال ابن دقيق العيد([94]) :" الْمُرَادُ أَنَّهم كانوا يَرفْعَونَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ "([95]) .

وقال ابن رجب الحنبليُّ([96]) :"وقَد دَلَّ حَدِيثُ ابنُ عَبَّاسٍ عَلَى رَفعِ الصَّوتِ بِالتَكْبِيرِ عَقِبَ الصَّلاةِ المَفروضَةِ ،وقد ذهب إلى ظاهره أهل الظاهر"([97]).

وفي رواية عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ : (أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ ، بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَكُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ)([98]) .

قال ابن حجر([99]) :"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ"([100]) .

وقال النَّوويُّ :"هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَةِ وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّهُ مِنَ المتأخرين ابن حزم([101]) الظاهري"([102]) .

قال ابن رجب الحنبليُّ :"وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ حديثَ ابنَ عباسٍ هذا على أنه جهر به وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر ؛ لا أنهم جهروا به دائماً ، وذُكِرَت عن أحمد نصوصٌ تدل على أنه كان يجهر ببعضِ الذكر ، ويُسِرُّ الدُّعاءَ ، وهذا هو الأظهر ، وأنه لا يختص ذلك بالإمام ؛ فإن حديث ابن عباس هذا ظاهره يدل على جهر المأمومين أيضاً"([103]) .

وقد بوَّب لذلك الإمام أبو نُعيم([104]) فقال: "بَابٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ"([105]) ، وذكر حديث ابن عبَّاس المتقدم .

وكذلك الإمام ابن خزيمة([106]) عقد لذلك باباً في (صحيحه) ، فقال: "بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ عِنْدَ قَضَاءِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ"([107]) .

وكَانَ أبو مسلم الخولانيُّ([108]) يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ حَتَّى مَعَ الصِّبْيَانِ ، وَيَقُوْلُ : "اذْكُرِ اللهَ حَتَّى يَرَى الجَاهِلُ أَنَّهُ مَجْنُوْنٌ"([109]) .

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ([110]) ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْلِسُونَ مَجْلِسًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ ) ([111]) أي حسرةً وندامةً ونقصاناً يوم القيامة ، بخلاف مجالس الذِّكر التي فيها الفوز والفلاح والزيَّادة والسَّعادة يوم القيامة ، وجاء في رواية : (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا ، فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ ،وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)([112]) .

- وعن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)([113]).

والحديث يدلُّ على الاهتمام بمجالس الذِّكر والتهيؤ لها ، وهو ما تفيده كلمة (قَعَدَ) ، وفي الحديث مشروعيَّةِ الذكر جماعةً ، وللاجتماع على الذكر فضائل كثيرةٌ منها نزول الملائكة ، و إحاطتها بالذاكرين ، ونزول السكينة والرحمة ، وذكر الله تعالى لهم ، وقد تقدم ذلك .

- وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ([114]) :" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ : ذُو الْبِجَادَيْنِ([115]) :(إِنَّهُ أَوَّاهٌ) ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الذِّكْرِ لِلَّهِ عز وجل فِي الْقُرْآنِ ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الدُّعَاءِ"([116]).

- وعَنْ جَابِرٍ([117]) ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَنَّ هَذَا خَفَضَ مِنْ صَوْتِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (دَعُوهُ فَإِنَّهُ أَوَّاهٌ )([118]) .

وقال البيهقيُّ : "وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ نَزَعَ ثِيَابَهُ فَأَعْطَتْهُ أُمِّهِ بِجَادًا مِنْ شَعْرٍ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ فَاتَّزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ"([119]) ، وهذا يدل على صدقه وإخلاصه رضوان الله تعالى عليه ، ولمَّا مات دفنَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الشَّريفتين ؛ فعن جَابِرِ بن عبد الله ، قَالَ: رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ ، فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: (نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ، وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّاهُ الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ)([120]).

 وهذا الحديث يدلُّ على مشروعيَّةِ رفعِ الصَّوتِ بالذِّكرِ ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ :"لزمتُ هُشَيْماً([121]) خمْسَ سِنِيْنَ ،مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ مَرَّتَيْنِ هَيْبَةً لَهُ ، وكَانَ كَثِيْرَ التَّسبِيْحِ بَيْنَ الحَدِيْثِ ،يَقُوْلُ بَيْنَ ذَلِكَ :لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ،يَمدُّ بِهَا صَوْتَهُ "([122]) .

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: (إنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ) ، وفي روايةٍ: (إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ)([123]) ؛ أي غير الحَفَظة الذين يُسجِّلون أعمال النَّاس ، (يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ) ،وفي رواية: (يَلْتَمِسُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فِي الْأَرْضِ)([124]) ،قال: (فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ ، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) أي يحدقون بهم ، ويستديرون حولهم ، وفي روايةٍ لأحمد : (فَإِذَا مَرُّوا بِمَجْلِسٍ عَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَبْلُغُوا الْعَرْشَ)([125]) .

وزاد مسلم([126]) : (فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إلى السَّمَاءِ)([127]) ، قَالَ: (فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ ،قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ، قَالَ هَلْ رَأَوْنِي؟ ، قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ ،قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالوا: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا)  ، وفي رواية : (ثُمَّ يَبْعَثُونَ رَائِدَهُمْ إلى السَّمَاءِ إلى رَبِّ الْعِزَّةِ ،فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا أَتَيْنَا عَلَى عَبَّادٍ مِنَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادَكَ يُعَظِّمُونَ آلَاءَكَ ، وَيَتْلُونَ كِتَابِكَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ، وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَقُولُ رَبُّنَا تعالى: غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)([128])

قال: (فيقولُ ربُّ العزَّةِ : فَمَا يَسْأَلُونِي؟ ، قَالوا : يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ ، قَالوا : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ،قال: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ ،قالوا: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ ،قالوا: مِنَ النَّارِ ،قال: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ ،قالوا: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ،قال: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ ، قالوا: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً)([129]) .

وزاد مسلم : (قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا)([130]).

قال ابن حجر العسقلانيُّ([131]) : "وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ أنَّ الْمُرَادُ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ تِلْكَ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الذِّكْرِ الْوَارِدَةِ ؛ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتعالى- وَعَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،وَفِي دُخُولِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَمُذَاكَرَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَجَالِسِ نَظَرٌ ، وَالْأَشْبَهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَجَالِسِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِمَا وَالتِّلَاوَةِ حَسْبُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْحَدِيثِ وَمُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُسَمَّى ذِكْرِ اللَّهِ تعالى"([132]).

وما حُكِيَ عن بعضِ العلماء من أن الإسرار بالذكر أفضل ؛ واستدلالهم بعموم قوله تعالى : {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} (الأعراف:205) ، وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} (الأعراف:55) ،وقوله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (الإسراء: 110) ، وبحديث أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ([133]) ، قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)([134]) ،وفي رواية: (وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ)([135]) .

قال ابن رجب الحنبليُّ([136]): "وأما النهي عن رفع الصوت بالذكر، فإنما المراد به: المبالغة في رفع الصوت ؛فإن أحدهم كان ينادي بأعلى صوته : (لا إله إلا الله، والله اكبر) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً) ، وأشار إليهم بيده يسكنهم ويخفضهم ، وقد روي رفع الصوت بالذكر في مواضع، كالخروج إلى العيدين، وأيام العشرِ، وأيام التشريق بمنىً ، وأما الدعاء ،فالسنة إخفاؤه "([137]) .

قال الإمام البُّخاريُّ([138]) فِي (صَحِيْحِهِ) : "وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه  يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا" ،"وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا" ، "وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ" ،"وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ،وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ"([139]) .

وعن أنسٍ([140]) قَالَ: (كَانَ يُلَبِّي المُلَبِّي، لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ، فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ)([141]) ، وفي روايةٍ : (نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- من مِنى إلى عرفات - مِنَّا الْمُكَبِّرُ، وَمِنَّا الْمُهِلُّ، فَلَمْ يُعِبْ مُكَبِّرَنَا عَلَى مُهِلِّنَا، وَلَا مُهِلَّنَا عَلَى مُكَبِّرِنَا)([142]) ، وقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام -أيام التشريق- هي : (أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-)([143]) ؛ كما جاء في رواية أبي نُبَيشَةَ([144]) .

وهي الأيام التي قال الله -عزَّ وجل- فيها : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة:203) ، فأمر الله عباده في هذه الأيام بذكره ،وبيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك في حديثه السَّابق ، ولو كان الجهر بالذِّكْرِ بدعةً ؛ لأمرهم بالإسرار ، ولكن لمَّا كان المقصود إظهار عظمة الخالق عز وجل أمر بالجهر ، وذكر الله عز وجل لا يختصُّ بموسمٍ من المواسم ، ولا بحالةٍ دون أخرى ، بل هو مطلقٌ غير مُقيَّدٍ بزمانٍ ولا مكانٍ ولا كيفيِّةٍ ، وبقي أن نقول : كما أنَّ الذكر مشروع ومأمورٌ به ؛ فالجهر به مشروعٌ أيضاً ومندوبٌ إليه .

وصور الجهر بالذِّكر أكثر من أن تُحصى ،ومن ذلك الجهر بالتأمين في الصَّلاة ؛ وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ([145]) ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ)([146]) ، وهذا يدلُّ على كراهة اليهود لما فيه اجتماع للمسلمين وتمنيهم قطع حبالِ الأُلفَةِ بينهم ، وهذا يقتضي مخالفتهم ، وذلك بالاجتماع على الذكر ونشر أواصر المحبَّة والمودَّة بالتأمين والتسليم وغيره ، ومن الملاحظ في التأمين اجتماع المُصلِّين على اللفظِ والجهر بالصَّوتِ معاً ؛ وكأنها كلامُ رجلٍ واحد .

وكذلك كان الصَّحابة يجهرون بالذكر كلما هبطوا وادياً أو علوا على آخر ؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ([147]) ، قَالَ: (كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا)([148]) ، وذلك يدلُّ على مشروعيَّةِ الجهر بالذِّكر ، وأنه ليس بدعةً، وكذلك التكبير خلف الإمام في صلاة العيدين فيُردِّدها النَّاسُ جماعةً سبعاً في الركعة الأولى ،وخمساً في الثانية على الرَّاجح ؛ كما روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو ، وابن عمر([149]) ، وجابر ، وعائشة ، وأبي واقد([150]) ، وعمرو بن عوف المزنيِّ([151]) .

وكذلك  لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الْمَدِينَةَ جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْوَلَائِدُ يَقُلْنَ([152]):

طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَــــا       مِــــنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ

وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا              مَـا دَعَـــــــا لِلَّهِ دَاعْ

ولمَّا بركت ناقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على باب أبي أيوب([153]) ، خَرَجَتْ الجَوَاري مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وَيَتَغَنَّيْنَ ، وَهُنَّ يَقُلْنَ:

"نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارْ     يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارْ"

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَأُحِبُّكُنَّ)([154]) ، وغيرها من المواطن التي ورد فيها الجهر بالذِّكر وبِمَدحِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا قوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} (الأعراف:205) ، فقال السَّيوطيُّ :"وَأَمَّا الذِّكْرُ الْخَفِيُّ فَهُوَ مَا خَفِيَ عَنِ الْحَفَظَةِ لَا مَا يُخْفَضُ بِهِ الصَّوْتُ ، لقوله : (فِي نَفْسِكَ) ،وَهُوَ أَيْضًا خَاصٌّ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"([155]).

 وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} (الأعراف:55) خاصٌّ بالدُّعاءِ ؛ لا بالذِّكر ، وأمَّا قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (الإسراء: 110) ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، قَالَ: " نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ"([156]) .

وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ)([157]) ، وكذا روي عن ابن عباس وأبي هريرة، وعن سعيد بن جبير([158]) وعطاء([159]) وعكرمة([160]) وعروة([161]) ومجاهدٍ ، وإبراهيم([162]) وغيرهم.

وقال الجلال السَّيوطيُّ([163]) :"والذَّاكِرِينَ إِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى الذِّكْرِ ،فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ،وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّاكِرُ وَحْدَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَاصِّ فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِّ كالأذانِ والإِقامَةِ فَالْجَهْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ "([164])

أمَّا عن التحلُّق للذكرِ المشروع؛ فهو سُنَّةٌ متَّبَعةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَارْتَعُوا) ، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (حِلَقُ الذِّكْرِ) ([165]) ، وحيثما أطلق لفظ الحِلَقِ فإنما يُراد به التجمُّعُ والمُشاركةُ ، وقال في (تحفة الأحوذيُّ) :"الْحِلَقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ حَلْقَة ،وهم الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مُسْتَدِيرُونَ كَحَلْقَةِ الْبَابِ ، وَالتَّحَلُّقُ تَفَعُّلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ"([166]) .

وفي روايةٍ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ ؟ ،قَالَ : (الْمَسَاجِدُ) ، قُلْتُ :وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) ([167]) .

 وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ ؟ ،قَالَ :(غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْجَنَّةُ) ([168]).

فجنَّة الدُّنيا هي حِلَق الذِّكر ، وصفة أهلها دوام الذِّكر والتسبيح لله -سبحانه وتعالى- ، مع ما هم فيه من النَّعيم واللذَّة والقرب ، ومن أراد جنَّة الآخرة ونعيمها ، فعليه بالدُّخولِ في جنَّة الدُّنيا أولاً ، وهي جنَّةُ الذِّكر ، ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم([169]) : "لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ السُّرُورِ وَالنَّعِيمِ لَجَالَدُونَا عَلَيهِ بِأَسْيَافِهِمْ "([170]) .

وقال بعض الصَّالحين :"خَرَجَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَذُوقُوا أَطْيَبَ شَيْءٍ فِيهَا" قَالُوا: وَمَا أَطْيَبُ شَيْءٍ فِيهَا ،قَالَ: "ذكر الله تعالى"([171]) .

والمؤمنون يذكرون ربَّهم حتَّى في الجنَّة ، فتكون أنفاسهم كُلَّها ذكر وتسبيح وحمد لله عز وجل، ففي الحديث عن صفة أهل الجنَّة : (يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ)([172]) ، قال في (تحفة الأحوذيُّ) :" وَسَبَبُهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ- وَامْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ"([173])  

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ) ، قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ)([174]) .

وفي رواية: (الَّذِينَ يُهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ)([175]) ؛ أي الذين يستغرقون في الذكر فينسون أنفسهم ،والأهتر هو الذي فقد عقله([176]) ،ومثله المستهتر ،وفي رواية الترمذيّ([177]) : (الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللهِ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافًا)([178]) ، وقال ابن الأثير: " الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللهِ يَعْني الَّذِينَ أُولِعُوا بِهِ  ،ومُسْتَهْتَرٌ: أَيْ مُولَع بِهِ لَا يَتَحَدّث بغَيره، وَلَا يَفْعَلُ غَيرَه"([179]) ، وفي روايةٍ أخرى :(الْمُهْتَزُّونَ، أَوِ الَّذِينَ اهْتَزُّوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ)([180]) ، وفيه إشارةٌ إلى الاستغراقِ في الذِّكر مع الحركة فيه والتمايل طرباً بذكر الله عز وجل الذي هو أعظم محبوب ، وأقصى مطلوب ، وأجلُّ معبود .

ويقول أُسير بن جابر([181]) : "لمَّا قَدِمَ أويسٌ القَرَنيُّ([182]) الكوفَة كُنَّا نَجْتَمِعُ فِي حَلْقَةٍ عِندَه ، فَنَذْكُرُ اللهَ ، فَيَجْلِسُ مَعَنَا ، فَكَانَ إِذَا ذَكَرَ هُوَ ، وَقَعَ فِي قُلُوْبِنَا ،لاَ يَقَعُ حَدِيْثٌ غَيْرُهُ" ([183]) .

إن الذكر هو مخطابة الرُّوح ومناجاتها لله عز وجل ،وحُقَّ لصاحب تلك الرُّوح أن تهتزَّ شوقاً وفرحاً وطرباً عند ذكر مَن تُحبُّه ، ولله دُرُّ القائل :

إذ اهتزَّت الأرواح شوقاَ إلى اللِّــقــــا   نعم، ترقصُ الأشباح يا جاهل المعنى

وقد مرَّ معنا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :(سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ) ، قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ)([184]) وفي رواية : (الْمُهْتَزُّونَ، أَوِ الَّذِينَ اهْتَزُّوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ)([185]) ، وهذا يدلُّ على مشروعيَّةِ التمايل في الذكر وجداً وطرباً وتلذذاً بذكر المحبوب عز وجل .

- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ([186]) ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: (يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ ، وَأَرَضِيهِ بِيَدِهِ، وَقَبَضَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا ، وَيَبْسُطُهَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمَلِكُ ،أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ، قَالَ: وَيَتَمَايَلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،عَنْ يَمِينِهِ ، وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إلى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ : أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟)([187]) ، وفي روايةٍ : (وَيَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ)([188]) .

وفي لفظٍ : (وَيَتَمَيَّلُ)([189]) ، وفي كلِّ لفظةٍ فائدةٌ عظيمة في الدلالة ، فقوله : (يَتَمَايَلُ) تفيد جواز التمايل والترنُّح الناتج عن الوجد في حال الذكر مع السُّرورِ والفرح ،وفي قوله : (يَمِيلُ) إشارة إلى الرغبةِ في التواجدِ والمحبَّةِ له ،وقوله : (يَتَمَيَّلُ) بتشديد الياء انشاءٌ من عند المرء ولو من غير حدوث وجد غالب .

وفي الحديث -أيضاً- تحريكُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليديه وهذه دلالةٌ أخرى على مشروعيَّة التواجدِ ، ففي الحديث السابق: (وَقَبَضَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا، وَيَبْسُطُهَا) .

 وفي روايةٍ : (وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا: يُمَجِّدُ الرَّبُّ ، وَوَصَفَهُ لَنَا عَفَّانُ([190]) يَقْبِضُ يَدَهُ وَيَبْسُطُهَا)([191]) .

وفي رواية أخرى : (وَبَسَطَهُمَا، وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا إلى السَّمَاءِ)([192]) ، ويستفاد من الحديث أنَّ تمايله صلى الله عليه وسلم كان واضحاً بحيث أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه رأى المنبر يهتزُّ ويتحرَّك تحت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك خاف أن يسقط المنبر ،وفي هذا مشروعية التمايل في أثناء الوعظ والذكر وتلاوة القرآن تفاعلاً مع هذه المعاني وعظمتها .

ومن لطيف ما يُذكر ما رواه صاحب (الحلية) عن حَكِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ([193]) ، قال: حَضَرَ الْجُنَيْدُ أَبُو الْقَاسِمِ مَوْضِعًا فِيهِ قَوْمٌ يَتَوَاجَدُونَ عَلَى سَمَاعٍ يَسْمَعُونَهُ وَهُوَ مُطْرِقٌ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا نَرَاكَ تَتَحَرَّكُ، قَالَ: "{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرٌّ مَرَّ السَّحَابِ} (النمل: 88) "([194]).

ولمَّا سئل الجنيد: إن أقواماً يتواجدون ويتمايلون ؟ ، فقال: "دعوهم مع الله تعالى يفرحون ، فإنهم قوم قطعت الطريق أكبادهم ، ومزق النصب فؤادهم ، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواةً لحالهم ، ولو ذقتَ مذاقهم عذرتهم…"([195]).

ولا شك أن التواجد هو تكلف الوجد وإظهاره من غير أن يكون له وجد حقيقة ،ولا حرج فيه إذا صحت النية ،وإذا كان التواجد جائزاً شرعاً ولا حرج فيه ، فجواز الوجد من باب أْولى ، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ تعالى حَتَّى يُقَالَ مَجْنُونٌ)([196])  ،وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ إِنَّكُمْ تُرَاءُونَ)([197]) .

قال ابْنُ البَاقلاَّنِيِّ([198]):" كُنْتُ فِي درسِ أَبِي الحَسَنِ البَاهِلِيِّ([199]) ، وكَانَ يدرِّسُ لَنَا فِي كُلِّ جمعَةٍ مرَّةً ،وَكَانَ يُرْخِي السِّتْرَ بينَنَا وَبَيْنَهُ ،وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اشتغَالِهِ بِاللهِ مثلَ مجنُوْنٍ أَوْ وَالِهٍ ، وَلَمْ يَكُنْ يَعرفُ مَبْلَغَ درسِنَا حَتَّى نذكِّرهُ"([200]).

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: " كَانَتِ الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (مَا يَقُولُونَ؟) ، قَالُوا: يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ"([201]) .

وهذا إقرارٌ منه صلى الله عليه وسلم لهم ، ودليلٌ على جواز التمايل والاهتزاز بالذِّكرِ ، وأنَّه ليس هو الرَّقص المُحرَّمِ الذي يفعله الصُّوفية، ولا يخفى ما في الاهتزاز من الفوائد منها : بعث النَّشاطِ في نفس الذَّاكِر ، وحضور القلبِ مع الله تعالى ، ثُمَّ إنَّ الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم ويقعد على أي نوع كان ، وحيث إنه لم يأت بمعصية ولم يقصدها .

إذن التواجد والحركة في الذكر جائزةٌ في حدود التمايل ،وليس القفز والنطُّ والرَّقص السفيف ،كذلك فإنَّ الحركة ليست شرطاً في الذِّكرِ ،ولكنها وسيلةٌ للنَّشاطِ في تلك العبادة ،وهي باعثٌ على التشبُّهِ بالكمَّلِ من أهل اللهِ ؛لأن حركتهم ناتجةٌ عن وجد حقيقيٍّ,

و وقد أباح العلامة العلامة محمَّد ابن عبد السَّلام المالكيِّ([202])الحركة في الذكر من الميل الخفيف، فقال : "ويستثنى من الرَّقصِ الذي يُشبه حركات المُخنَّثينَ ،فإنَّ ذلك حرامٌ ،وأنَّ الانشاد المشتمل على تنزيه الربِّ ومدح الرسولِ ، والترغيب في الجنَّةِ ، والترهيب من النَّارِ ، وما يحصل به الشوق المطلوب شرعاً فكُلُّ ذلك جائزٌ"([203]).

وقال صاحب (النُّصرة) :" والفرق بين التواجد في ذكر الله والرَّقص في الغناء ظاهر لكلِّ مسلم ، فإنَّ الباعث على التواجد هو الشَّوقُ إلى الله تعالى ، والمحبَّةُ لجلاله وجماله ، والباعث على الرَّقصِ إنما الشهوات النفسية ، والأغراض الشيطانية في الفسق والفجور ، ولا يجوز تسمية الطاعة بالمعصيةِ ؛ كما ذكر نهى الله عن تسمية الرِّبا بالبيع {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة:275) "([204]).

وقال شيخ الإسلام تقيُّ الدين ابن تيمية([205]) :"وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ السَّمَاعِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْ وَجَلِ الْقَلْبِ وَدَمْعِ الْعَيْنِ وَاقْشِعْرَارِ الْجُسُومِ فَهَذَا أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ،وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ الشَّدِيدُ وَالْغَشْيُ وَالْمَوْتُ وَالصَّيْحَاتُ ، فَهَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ لَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ كَمَا قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ فَإِنَّ مَنْشَأَهُ قُوَّةُ الْوَارِدِ عَلَى الْقَلْبِ مَعَ ضَعْفِ الْقَلْبِ ، وَالْقُوَّةُ وَالتَّمَكُّنُ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ حَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ ، وَأَمَّا السُّكُونُ قَسْوَةً وَجَفَاءً فَهَذَا مَذْمُومٌ لَا خَيْرَ فِيهِ"([206]).

كذلك لا يجوز اشتمال حِلَقِ الذِّكرِ على مُحَرَّمٍ  من آلات اللهو والغناء ، والضرب بالقضيب والدُّف، والاجتماع مع المرد الحسان ،وإنزال المعاني على أوصافهم ،والتغزل بهم ، وما إلى ذلك من المخالفات ، وكذلك لا يجوز عمل السُّفهاء من الصَّفيرِ والتصفيقِ أثناء الذِّكرِ ؛ حتى لا يكونوا من الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال:35) ،ومعلوم ما في تلك الأفعال من الحُرمة والتشويش على الذاكرين .

والحمد لله ربِّ العالمين

تأليف

 ا. محمّد ناهض عبد السلام حنونة

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

2016/2017


)[1]) الرسالة القشيرية ؛لأبي القاسم القشيري ،دار المعارف-القاهرة ،جزء:2 ،صفحة رقم:375 .

)[2]) هي أم عامر: أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ،بنت عمَّةِ معاذ بن جبل ، الخطيبة ومن المفوهة ،من ذوات الشجاعة والإقدام ،اسلمت في السنة الأولى من الهجرة ، وتوفيت سنة(30هـ) (الأعلام: 1/306 -وتاريخ الإسلام: 2/ 620) .

)[3]) حسن ،رواه البخاري في الأدب:119/323 ،وأحمد في مسنده:45/576 ،برقم: 27601.

)[4]) رواه النسائي في الكبرى:10/124 ،برقم: 11171 ،وابن أبي حاتم:6/1964 ،برقم: 10455.

)[5]) هو أبو بكر : محمد بن سيرين الأنصاريُّ البصريُّ ،الإمام الرباني ، أحد الأعلام ،وصاحب التعبير ،ولد في البصرة سنة (33هـ) ،وتوفي فيها سنة (110هـ) (الأعلام: 6/ 154).

)[6]) هو أبو عوانة :الوضاح اليشكري ،الإمام الثقة ،توفي بالبصرة سنة(176هـ) (الأعلام:8/ 116).

)[7]) سير أعلام النبلاء ،للإمام الذهبي ،مؤسسة الرسالة ، جزء:4 ، صفحة رقم : 610 .

)[8]) تقدمت ترجمة ابن عباس ، صفحة رقم: (4) .

)[9]) رواه الطبري في تفسيره :19/124 ،ط :هجر ،وابن كثير في تفسيره:6/386 ،ط:العلمية .

)[10]) هو أبو الحجاج: مجاهد بن جبر المكيُّ ، المقرئ المفسر ، أحد الأعلام ،ولد في خلافة عمر سنة (21هـ) ،وأخذ التفسير عن ابن عبَّاس وقرأه عليه ثلاث مرات ،ومات وهو ساجد سنة(104هـ) .

[11])) تفسير البغوي ؛الحسين بن مسعود البغوي ،دار إحياء التراث .،جزء:3 ،صفحة رقم: 647  .

[12])) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره :3/835 ،برقم: 4657 .

[13])) هو أبو محمد: سهل بن عبد الله بن يونس التستري ، شيخ العارفين ،والصُّوفيُّ الزاهد ،ولد (بتستر) في حدود المائتين ،وتوفي فيها سنة (283هـ) ،وله كتاب في (تفسير القرآن) (الأعلام:3/ 143).

[14])) تفسير التستري ،سهل بن عبد الله التستري ،دار الكتب العلمية-بيروت ،صفحة رقم:127 .

[15])) بدائع الفوائد ؛لابن قيِّم الجوزيَّة ،دار الكتاب العربي- بيروت ، جزء:2 ،صفحة رقم:192 .

[16])) تقدمت ترجمة ابن حجر العسقلاني ، صفحة رقم : (13) .

[17])) فتح الباري ؛ لابن حجر العسقلاني  ،دار المعرفة-بيروت ،جزء:13 ،صفحة رقم: 386 .

[18])) هو أبو عون : عبد الله بن عون بن أرطبان المزنيِّ ،الإمام الثقة الثبت الفاضل ،وشيخ أهل البصرة ،أثنى عليه العلماء أيَّما ثناء ،وأخذ عنه الثوري والقطان وخلائق ،وتوفي سنة (151هـ) (الأعلام:4/ 111 -وتاريخ الإسلام : 4/ 101).

[19])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،مؤسسة الرسالة ،جزء:6 ،صفحة رقم: 369.

[20])) هو أبو عبد الرحمن : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي ،الصَّحابيُّ الجليل ، شهد العقبة وبدراً ،وكان إماماً ربانيَّاً قانتاً لله ،استشهد هو وابنه في طاعون عمواس سنة (18هـ) (الأعلام: 7/ 258 -وتاريخ الإسلام: 2/ 101) .

[21])) صحيح ،رواه الترمذي في سننه:5/320 ،برقم: 3377،وابن ماجه:2/1245 ،برقم: 3790 .

[22])) هو أبو الدرداء : عويمر بن عامر بن قيس الأنصاري الخزرجيّ ، الصحابيُّ الجليل ،حكيم هذه الأمة ،وقد تصدَّر لإقراء النَّاس بدمشق ،وولي القضاء بها ،روى عن النبي r مائة وتسعة وسبعين

 حديثاً ، وله كلام في الرقائق والزُّهد ، وتوفي سنة (32 هـ) (معرفة الصحابة: 4/ 2102) .

[23])) صحيح ،رواه الترمذي في سننه:5/320 ،برقم: 3377،وابن ماجه:2/1245 ،برقم: 3790 .

[24])) هو أبو موسى : عبد الله بن قيس بن سليم الأشعريّ ،الصحابي الجليل ،الإمام الكبير ،والفقيه القارئ ،استعمله النَّبيُّ r ومعاذاً على زبيد وعدن ،وولي إمرة الكوفة والبصرة ،وغزا وجاهد مع النَّبيِّ r وحمل عنه علماً كثيراً ،وتوفي سنة (44هـ) (معرفة الصحابة: 4/ 1749).

[25])) متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه:8/86 ،برقم: 6407 ،ومسلم:1/539 ،برقم: 779 .

[26])) هو أبو عبد الله : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ ،الصحابيُّ الجليل ، من المكثرين في الرواية عن النَّبيِّ r ،وغزا تسع عشرة غزوة ،وكان يعقد حلقةً للعلم في المسجد النَّبويِّ ، ولد قبل الهجرة بستة عشر سنة ،وتوفي سنة (78هـ) (الأعلام: 2/ 104) .

[27])) حسن ،رواه الترمذي في سننه:5/325 ،برقم: 3383 ،وابن ماجه :2/1249 ،برقم: 3800 .

[28])) تقدمت ترجمة الثوري ، صفحة رقم : (13) .

[29])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،مؤسسة الرسالة ، جزء:7 ،صفحة رقم:260 .

[30])) هو أبو صفوان : عبد الله بن بسر بن أبي بسر المازنيُّ ،الصحابيُّ الجليل ، نزيل الشَّام وبركتها ، وكان ممن صلى إلى القبلتين ،روى عن النَّبيِّ r خمسين حديثاً ، توفي بحمص سنة (88هـ) ، وهو آخر الصحابة موتاً بالشام (الأعلام:4/ 74).

[31])) صحيح ،رواه الترمذي في سننه:5/318 ،برقم: 3375 ،وابن ماجه: 2/1246 ، برقم: 3793.

[32])) هي أم عبد الله : عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية ، أم المؤمنين ، أفقه نساء الأمة ، ومناقبها كثيرة جمَّة ، ولها خطبٌ ومواقف ، عقد عليه النَّبيُّ r قبل الهجرة بعامين ، وتزوجها في شوال من السنة الثانية وهي ابنة تسع ، وروت عنه علماً طيباً مباركاً ،وكانت أحبَّ النساء إليه ،توفي النَّبيُّ r في حجرها وهي ابنة سبع عشرة سنة ،وتوفيت سنة (58هـ) (الأعلام: 3/ 240).

[33])) رواه مسلم في صحيحه:1/282 ،برقم: 373 ،وابن ماجه في سننه:1/110 ،برقم: 302.

[34])) تقدمت ترجمة معروف الكرخي ، صفحة رقم : (12) .

[35])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،مؤسسة الرسالة ، جزء:9 ،صفحة رقم: 341.

[36])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ، جزء:14 ،صفحة رقم: 178.

[37])) المصدر السابق ، جزء:14 ،صفحة رقم: 178.

[38])) هو أبو سهل : معاذ بن أنس الجهنيُّ ،صحب النَّبيَّ r ،وروى عنه ستة وأربعين حديثاً ،ولم يروي عنه سوى ابنه سهلٌ ،سكن مصر ،وتوفي قبل العقد الثالث من الهجرة (حسن المحاضرة: 1/ 237) .

[39])) هو أبو بكر : عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشيِّ التيميِّ ،أول الخلفاء الراشدين ،وأول من آمن بالنَّبيِّ r من الرجال ،وكان من سادات قريش وموسريها ،وأعلم الناس بأنساب العرب وأخبارها ، ولد سنة (51 ق.هـ) ، وشهد مع النَّبيِّ r الوقائع ،وبذل الأموال ،وتحمل الأذى وبويع بالخلافة يوم وفاة النَّبيِّ r سنة (11هـجرية) ،ومكث فيها سنتان ،وتوفي سنة (13هـ) (الأعلام:4/ 102).

[40])) هو أبو حفص : عمر بن الخطاب بن نفيل القرشيِّ العدويّ ،ثاني الخلفاء الراشدين ، الإمام الفارق ،ولد سنة (41 ق.هـ) ،وأسلم في السنة السادسة من النبوة ،وله سبعٌ وعشرون سنة ، وشهد الوقائع كلها مع النَّبيِّ r ،وروى عنه حوالي (537 حديثاً) ،وبويع بالخلافة يوم وفاة الصِّديق سنة (13هـ) ،ومكث فيها عشر سنين ، ففتح الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر،وتوفي سنة (23هـ) (الأعلام:5/45).

[41])) إسناده ضعيف ،رواه أحمد في مسنده:24/380 ،برقم: 15614 ،والطبراني في الكبير:20/ 186 ، برقم:407 ، وفيه ابن لهيعة لين الحديث .

[42])) هو أبو الحسن : علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبيُّ ،الإمام العلامة المُحدِّث ، وشارح صحيح البخاريِّ ،وكان من أهل المعرفة بالحديث ،وتوفي سنة (449هـ) (الأعلام: 4/ 285) .

[43])) شرح صحيح البخاري ؛لابن بطال ،مكتبة الرشد-الرياض ،جزء:10 ،صفحة رقم: 134 .

[44])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،جزء:7 ،صفحة رقم: 168.

[45])) المصدر السابق ،جزء:9 ،صفحة رقم: 95.

[46])) هو : عبد الله بن علوي بن محمد الحسيني الحضرمي المعروف بالحداد أو الحدادي ،فقيه فاضل من أهل تريم ،ولد في تريم سنة (1044هـ) ،وتوفي ودفن فيها سنة (1132هـ)(الأعلام:4/ 104) .

[47])) الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم ،عبد الله بن علوي الحداد ،صفحة رقم :129 ، 130 .

[48])) تقدمت ترجمة ابن كثير ، صفحة رقم : (40) .

[49])) تفسير القرآن العظيم ،لابن كثير ،دار الكتب العلمية-بيروت ،جزء:5 ،صفحة رقم:137.

[50])) تقدمت ترجمة القشيريُّ، صفحة رقم : (11) .

[51])) البحر المديد ؛أحمد بن محمد بن عجيبة ،ت: أحمد القرشي رسلان ، جزء:3 ،صفحة رقم: 266.

[52])) هو أبو محمد : الحسين بن مسعود بن محمد البغوي ، الإمام الفقيه المحدث المفسر ، محييِّ السُّنَّة ، ولد في (بَغا) من قرى خراسان سنة (436هـ) ، وتوفي بـ(مرو الروذ) سنة (510هـ)(الأعلام:2/ 259).

[53])) هو أبو مالك : عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاريُّ ،الصَّحابيُّ الجليل ،سيِّد بني فزارة ، واسم عيينة حذيفة ، ولكن أصاب عينيه الجحوظ ؛ فسُمِّي عيينة ،من صناديد العرب وفرسانها ، اسلم قبل فتح مكة بيسير ،وعمي في خلافة عثمان وتوفي سنة (32هـ) (تاريخ الإسلام:2/ 190) .

[54])) هو أبو عبد الله: سلمان الخير ابن الإسلام الفارسيِّ ،وكان اسمه قبل الإسلام "مَابَه بْنُ بُودخَشَان" ، قال فيه النَّبيُّ r "سلمان منا أهل البيت"،وتوفي في خلافة عثمان سنة(36هـ) (الأعلام:3/ 111).

[55])) هو أبو عبد الله : بلال بن رباح الحبشيّ مولى أبي بكر الصِّديق ،ومؤذن رسول الله r ،من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله ،وشهد له النَّبيُّ r بالجنَّة ،وتوفي سنة (20هـ)(الأعلام:2/ 73).

[56])) هو أبو اليقظان: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي ، مولى بني مخزوم ،الصحابيُّ الجليل ،وكان أحد السابقين إلى الإسلام ،شهد المشاهد كلها مع النَّبيَّ r ،وكان يلقبه "الطيِّب المُطيَّب" ،ولاه عمر على الكوفة ،وشهد الجمل وصفين مع علي ،وقتل سنة (37هـ) (الأعلام:5/ 36).

[57])) هو أبو يحيى: صهيب بن سنان بن خالد النِّمريُّ ، المعروف بالرُّوميُّ ، وهو من أهل الجزيرة سُبي من قرية نينَوى ،وكان أبوه عملاً لكسرى ،اشتراه عبد الله بن جدعان ،وكان من السبَّاقين إلى الإسلام ، شهد بدراً والمشاهد كلها ، وكان فاضلاً وافر الحرمة ، وتوفي سنة (38هـ) (الأعلام: 2/ 338).

[58])) هو أبو عبد الله : خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد التميمي ،الصحابي الجليل ،وكان من السباقين إلى الإسلام ، وأحد الذين أوذوا في الله ، وكان في الجاهلية قيناً يعمل بالسيوف ، وشهد المشاهد كلها ، وتوفي بالكوفة سنة (37هـ) ،ولمَّا رجع عليٌّ من صفين مرَّ بقبره وقال: "رحم الله خباباً أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا" (الأعلام: 2/ 301).

[59])) هو أبو عبد الرحمن: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، من السابقين الأولين ،وهو أول من جهر في القرآن بمكة ،وأعلم الصحابة بالقرآن ،وتوفي سنة (32هـ) (الأعلام:4/ 137).

[60])) معالم التنزيل ،الحسين بن مسعود البغوي ،دار طيبة ،جزء:5 ،صفحة رقم:166 .

[61])) البحر المديد ؛أحمد بن محمد بن عجيبة ،ت:أحمد القرشي رسلان ، جزء:3 ،صفحة رقم: 265 .

[62])) تقدمت ترجمة التستري ،صفحة رقم : (74) .

[63])) تفسير التستري ،سهل بن عبد الله التستري ،دار الكتب العلمية-بيروت ،صفحة رقم:97 .

[64])) هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني ، الإمام المفسر ،من أهل المغرب ، ولد سنة : (1160هـ) ،وتوفي سنة (1224هـ) ،وله: (البحر المديد) في التفسير(الأعلام:1/ 245).

[65])) تفسير التستري ،سهل بن عبد الله التستري ،دار الكتب العلمية-بيروت ،صفحة رقم:97 .

[66])) هو أبو مدين: شعيب بن الحسين الأندلسيّ ، شيخ أهل المغرب ،وكان كبير الصوفية والعارفين فِي عصره ،ومن أهل العمل والاجتهاد والعبادة والنُّسك ،وتوفي بتلمسان سنة (594هـ).

[67])) هو أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسيّ ،رواية الإسلام ،أسلم يوم فتح خيبر ،وروى عن النبي r (5374) حديثاً ،ولد سنة (21 ق.هـ) ،وتوفي سنة (59هـ) (الأعلام:3/ 308).

[68])) متفق عليه،رواه البخاري في صحيحه:9/121 ،برقم: 7405،ومسلم:4/2061 ،برقم: 2675.

[69])) معجم اللغة العربية المعاصرة  مادة : "م ، ل ، أ" ، جزء:3 ،صفحة رقم: 2117 .

[70])) صحيح لغيره ،رواه ابن ماجه في سننه:2/1264 ،برقم: 3792 ،وابن حبان في صحيحه:3/  97 ، برقم: 815 .

[71])) هو أبو حمزة :أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجَّاريّ الأنصاريّ ،صاحب رسول الله r وخادمه ، ولد قبل الهجرة بعشر سنين ،وخدم النَّبيّ عشر سنين ، روى عن النَّبيِّ r (2286) حديثاً ، طال عمره وكثرت ذريته ، وتوفي في البصرة سنة (93هـ) ،وهو آخر من مات من الصحابة بها.

[72])) حسن،رواه أبو داود في سننه:3/324،برقم: 3667،وأحمد في مسنده:21/291،برقم:13760.

[73])) هو أبو سعيد : سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ ، الصحابيُّ الجليل ، كان ملازماً للنَّبيِّ r ، وروى عنه (1170) حديثاً ، ولد قبل الهجرة بعشر سنين ،وغزا مع النبي r اثنتي عشر غزوة ، وتوفي في المدينة سنة (74هـ).

[74])) تقدمت ترجمة ابن مسعود ، صفحة رقم : (82) .

[75])) رواه أبو داود في الزهد: 143/137،والبيهقي في الكبرى:3/325 ،برقم: 5880.

[76])) رواه أحمد في الزهد ،دار الكتب العلمية -بيروت ، صفحة:129 ،حديث رقم: 855 .

[77])) هو أبو عثمان: عبد الرحمن بن مل بن عمرو النهديِّ الكوفيّ ،الإمام الحجة المخضرم المُعمِّر الزاهد العابد ،غزا في خلافة عمر ،وتوفي سنة (95هـ) (سير أعلام النبلاء:4/ 175) .

[78])) صحيح ،رواه الحاكم في المستدرك:1/210 ،برقم: 419 ،وأبو نعيم في الحلية:1/342 .

[79])) تقدمت ترجمة أنس بن مالك ، صفحة رقم: (85) .

[80])) صحيح لغيره ،رواه أحمد في مسنده:19/437 ،برقم: 12453 ،والطبراني في الأوسط:2/154 ،برقم: 1556 .

[81])) هو أبو عبد الله :عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذليِّ الكوفيِّ الزاهد ،الإمام القدوة العابد ،أخو فقيه المدينة "عبيد الله" ،وصحب عمر بن عبد العزيز في خلافته ،وتوفي سنة (115هـ) (الأعلام: 5/ 98 -تاريخ الإسلام: 4/ 1177).

[82])) أم الدرداء الصغرى : هجيمة بنت حيي الأوصابية الدمشقيَّة الأشعريَّة ،وكانت فقيهةً كبيرة القدر ، توفيت بعد (81هـ) ، نشأت يتيمة في حجر أبي الدرداء ،ثم تزوجها ومات عنها ،وخطبها معاوية فأبت وفاءً لزوجها الأول (الأعلام : 8/ 77).

[83])) رواه أحمد في الزهد:136/921 ،وابو نعيم في الحلية:4/241 ، وانظر سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ، جزء:4 ، صفحة رقم: 278.

[84])) هو أبو مُحَمَّد : ثابت بن أسلم البناني البصريُّ ، أحد أئمة التابعين ،وكان رأساً في العلم والعمل ،ثقة رفيع القدر ،ومناقبه كثيرة ،ولد في خلافة معاوية ،وتوفي سنة (123هـ)(تاريخ الإسلام:3/ 382).

[85])) رواه أبو نُعيم في الحلية:2/324.

[86])) تقدمت ترجمة مالك بن دينار ، صفحة رقم : (37).

[87])) رواه أحمد في الزهد:260/1875 ،وأبو نعيم في الحلية:2/358.

[88])) تقدمت ترجمة أبو سعيد الخدري ، صفحة رقم : (86).

[89])) حسن لغيره ،رواه أحمد في مسنده:18/249 ،برقم: 11722 ،وأبو يعلى في مسنده: 2/313 ،برقم: 1046 ،وقال الهيثميُّ: "رواه أحمد بإسنادين ، وأحدهما حسن ، وأبو يعلى كذلك".

[90])) تقدمت ترجمة القشيري ، صفحة رقم : (11) .

[91])) لطائف الإشارات ،عبد الكريم القشيري ،دار الكتب العلمية -بيروت ،جزء:1 ،صفحة رقم:222.

[92])) رواه البخاري في صحيحه:1/168 ،برقم: 842 ،وابن حبان :5/610 ،برقم: 2232 ،وفيه عبد الرحمن بن زياد ،وعبد الرحمن بن رافع ،وكلاهما ضعيفان .

[93])) رواه مسلم في صحيحه :1/410 ،برقم: 583 ،والطبراني في الكبير:11/424 ،برقم: 12200 .

[94])) هو أبو الفتح : محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري ، شيخ الإسلام ،وكان يُعرف هو وأبوه وجده بـ"ابن دقيق العيد" ،وكان إماماً قدوةً عالماً بالأصول ودقائق الفقه ،ولد في (قوص) بمصر سنة (625هـ) ،وتوفي فيها سنة (702هـ) (الأعلام: 6/ 283-وطبقات الشافعيين:1/ 952) .

[95])) فتح الباري ؛لابن حجر العسقلاني ،دار المعرفة -بيروت ،جزء:2 ،صفحة رقم: 326 .

[96])) هو أبو الفرج : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي الدمشقيُّ ، زين الدين الحنبلي ، الإمام الحافظ ،ولد ببغداد سنة (736هـ) ،ونشأ بدمشق وتوفي فيها سنة (795هـ) (الأعلام:3/ 295).

[97])) فتح الباري ؛ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ،مكتبة الغرباء-المدينة المنورة ،جزء:7 ،صفحة رقم: 398 .

[98])) متفق عليه ،رواه البخاري في صحيحه:1/168 ،برقم: 841 ،ومسلم:1/410 ،برقم: 583 .

[99])) تقدمت ترجمة ابن حجر ، صفحة رقم : (13) .

[100])) فتح الباري ؛ لابن حجر العسقلاني ،دار المعرفة-بيروت ،جزء:2 ،صفحة رقم: 325 .

[101])) هو أبو محمد : علي بن أحمد بن حزم القرطبيُّ ،عالم الأندلس في عصره ، وأحد أئمة الإسلام ،ولد سنة (384هـ) ،وتوفي سنة (456هـ) ،وكتب بيده أكثر من أربعمائة مجلد (الأعلام:4/ 254).

[102])) المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ،أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيُّ، دار الكتب العلمية-بيروت ،جزء:2 ،صفحة : 183 ،باب رقم:145 .

[103])) فتح الباري ؛لابن رجب الحنبلي، مكتب دار الحرمين-القاهرة ،جزء:7 ،صفحة رقم: 399 .

[104])) تقدمت ترجمة أبو نعيم ، صفحة رقم: (38) .

[105])) شرح صحيح مسلم ؛ الإمام النووي ،دار إحياء التراث-بيروت ،جزء:5 ،صفحة رقم:84 .

[106])) هو أبو بكر : مُحمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَمِي ،إمام نيسابور في عصره ،الفقيه المجتهد المُحدِّث ، لقبه السبكي بإمام الأئمة ،ولد في نيسابور سنة(223هـ)،وتوفي فيها سنة(311هـ) (الأعلام:6/ 29 ).

[107])) صحيح ابن خزيمة ، المكتب الإسلامي-بيروت ، جزء:3 ،صفحة رقم: 102 .

[108])) هو أبو مسلم : عبد الله بن ثوب الخولاني الداراني ،سيد التابعين ،وريحانة الشام ،أسلم في حياة النَّبيِّ r ، وقدم المدينة في خلافة عمر ، وتوفي في دمشق سنة (62هـ)(الأعلام: 4/ 75).

[109])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،مؤسسة الرسالة ، جزء:4 ،صفحة رقم: 10.

[110])) تقدمت ترجمة أبو هريرة ، صفحة رقم : (84) .

[111])) صحيح ، رواه النسائي في الكبرى:9/157 ،برقم: 10170 ، والحميدي في مسنده:2/290 ، برقم: 1192.

[112])) حسن،رواه النسائي في الكبرى:9/155،برقم: 10163،وابن المقرئ في معجمه :346/1137.

[113])) رواه مسلم في صحيحه:4/2074 ،برقم: 2700 ،وأحمد في مسنده:18/378 ،برقم:11875 .

[114])) هو أبو حمَّاد :عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهنيُّ المصريُّ ،صاحب النَّبيِّ r ، شهد صفين مع معاوية ،وحضر فتح مصر مع عبد الله بن عمرو ،وولي مصر سنة (44هـ) ، ثم عزل عنها ، وروى خمسةً وخمسين حديثاً ،وتوفي بمصر سنة (58هـ) (الأعلام: 4/240).

[115])) هو عبد الله ذو البجادين ابن عمِّ عبد الله بن مغفل المُزنيُّ (معجم الصحابة :4/ 116).

[116])) حسن لغيره ،رواه أحمد في مسنده:28/655 ،برقم: 17453 ،والبيهقي في الشعب:2/99 ، برقم: 575 .

[117])) تقدمت ترجمة جابر بن عبد الله ، صفحة رقم : (78) .

[118])) حسن لغيره ،رواه البيهقيُّ في الشعب:2/103 ،برقم: 579 ،والحاكم في المستدرك:1/522 ، برقم: 1361 .

[119])) شعب الإيمان ؛لأبي الحسين البيهقي ،مكتبة الرشد-الرياض :2 /103 ،برقم: 579 .

[120])) صحيح ،رواه الحاكم في المستدرك :20/375 ،برقم: 3318 ،وأبو داود في سننه:3/201 ، برقم: 3164،وقال الذهبي في التلخيص:صحيح .

[121])) هو أبو معاوية : هشيم بن بشير بن أبي خازم دينار السلمي ، شيخ الإسلام ، محدث بغداد وحافظها ،ولد سنة (104هـ) ،وتوفي سنة (183هـ) ،لازمه الإمام أحمد أربع سنين (الأعلام: 8/ 89).

[122])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،جزء:8 ،صفحة رقم:290 .

[123])) صحيح ،رواه أحمد في مسنده:13/425 ،برقم: 8704  ،وابن حبان في صحيحه:3/193 ،برقم: 857 ،واللفظ له .

[124])) صحيح ،رواه الحاكم في المستدرك:1/672 ،برقم: 1821 .

[125])) صحيح ،رواه أحمد في مسنده:13/425 ،برقم: 8705 .

[126])) هو أبو الحسين : مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيريُّ النيسابوريُّ ،الإمام الكبير والحافظ المجوِّدُ ،لبحُجَّة الصادق ، صاحب الصحيح ،ولد في نيسابور سنة (204هـ) ،وتوفي فيها سنة (261هـ) (الأعلام:7/ 221) .

[127])) رواه مسلم في صحيحه : 4/2069، برقم: 2689 .

[128])) رواه أبو نعيم في الحلية:6/268 .

[129])) رواه البخاري في صحيحه:8/86 ،برقم: 6408 ،ومسلم: 4/2069،برقم: 2689 .

[130])) رواه مسلم في صحيحه : 4/2069،برقم: 2689 .

[131])) تقدمت ترجمة ابن حجر العسقلاني ، صفحة رقم : (13) .

[132])) فتح الباري ؛ لابن حجر ،دار المعرفة-بيروت ، جزء:11 ،صفحة رقم: 212.

[133])) تقدمت ترجمة أبو موسى الأشعري ، صفحة رقم : (77) .

[134])) رواه البخاري في صحيحه:4/57 ،برقم: 2992 ،ومسلم:4/2076 ،برقم: 2704 .

[135])) رواه مسلم في صحيحه:4/2077 ،برقم: 2704 .

[136])) تقدمت ترجمة ابن رجب الحنبلي ، صفحة رقم : (95) .

[137])) فتح الباري لابن رجب ،دار المغرفة-بيروت ، جزء:7 ،صفحة رقم: 400 -402 .

[138])) تقدمت ترجمة الإمام البخاري ، صفحة رقم : (61) .

[139])) رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم:2/20 .

[140])) تقدمت ترجمة أنس بن مالك ، صفحة رقم : (85) .

[141])) رواه البخاري في صحيحه:2/20 ،برقم: 970 ،ومسلم:2/933 ،برقم: 1285 .

[142])) صحيح ، رواه ابن ماجه في سننه:2/100 ،برقم: 3008 ،والطبراني في الأوسط :4/205 ، برقم: 3986 .

[143])) صحيح ،رواه أبو داود في سننه:3/100 ،برقم: 2813 ،والنسائي:7/170 ،برقم: 4230 .

[144])) هو : نبيشة بن عبد الله بن عمرو بن عتَّاب الهذلي ،الصحابيُّ الجليل ،ويقال له "نبيشة الخير".

[145])) تقدمت ترجمة السيدة عائشة ، صفحة رقم : (78) .

[146])) صحيح ،رواه ابن ماجه في سننه: 1/278 ،برقم: 856 ،والبخاري في الأدب المفرد:342/988.

[147])) تقدمت ترجمة جابر بن عبد الله ، صفحة رقم : (78) .

[148])) رواه البخاري في صحيحه:4/57 ،برقم: 2993 ،والدارمي في سننه:3/1750 ،برقم: 2716 .

[149])) هو أبو عبد الرحمن : عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشيِّ العدويّ ، ولد قبل الهجرة بعشر سنين ،وروى (2630) حديثاً عن النبي r ،وتوفي في مكة سنة (73هـ)(الأعلام:4/ 108).

[150])) هو أبو واقد : الحارث بن عوف الليثيُّ  ، شهد بدراً ،وتوفي سنة(68هـ) (الأعلام: 2/ 157).

[151])) هو أبو عبد الله : عمرو بن عوف بن زيد المزنيُّ ،الصحابيُّ الجليل ، شهد بدراً ، وتوفي في ولاية معاوية .

[152])) إسناده ضعيف ،رواه البيهقيُّ في الدلائل:5/266 ،وأبو الحسن الخلعي في الخلعيات:2/336 ،برقم:1019 ،وفيه إعضال.

[153])) هو أبو أيوب : خالد بن زيد الخزرجيُّ الأنصاريّ ،الصحابيُّ الجليل ،شهد المشاهد كلها مع رسول الله r ،وغزا القسطنطينية مع معاوية ،وتوفي فيها سنة (52هـ) (الأعلام: 2/ 295).

[154])) صحيح ،رواه ابن ماجه في سننه:1/612 ،برقم: 1899 ،والبيهقي في الدلائل:2/508.

[155])) الحاوي للفتاوي ؛جلال الدين السيوطي ،جزء 3 ،صفحة رقم: 376 .

[156])) رواه البخاري في صحيحه:6/87 ،برقم: 4722 ،ومسلم:1/329 ،برقم: 446 .

[157])) رواه البخاري في صحيحه:6/87 ،برقم: 4723،ومسلم:1/329 ،برقم: 447 .

[158])) أبو محمد : سعيد بن جبير بن هشام الوالبي الواسطي ، أحد الأئمة الأعلام ،وأعلم التابعين على الإطلاق ،ولد في الكوفة سنة (45هـ) ،وقتله الحجاج بن يوسف سنة (95هـ) (الأعلام:3/ 93 )

[159])) هو أبو محمد : عطاء بن أبي رباح المكيُّ ،شيخ الإسلام ،وأحد أعلام التابعين ، ولد في خلافة عثمان ،وسمع من كبار الصحابة ، وتوفي في رمضان سنة (115هـ) (تاريخ الإسلام: 3/ 277).

[160])) هو أبو عبد الله : عكرمة مولى ابن عباس القررشيِّ ، العلامة ،الحافظ ،المفسر ،وأصله من (البربر) من أهل المغرب ،وحدث عن كبار الصحابة ،وتوفي سنة (105هـ)(الأعلام:6/ 469).

[161])) هو أبو عبد الله : عروة بن الزبير بن العوام القرشيِّ المدنيِّ ،أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ،ولد سنة(22هـ) ،وتوفي سن (93هـ) ،وكان ثبتاً فقيهاً عالماً بالسيرة ،وروى عن الصحابة الكرام (الأعلام: 4/226 -وتاريخ الإسلام: 2/ 1139).

[162])) هو أبو عمران : إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ،من أكابر التابعين صلاحاً وصدق رواية وحفظا للحديث ،ولد في الكوفة سنة (46هـ) ،ومات مختفياً من الحجاج سنة(96هـ)(الأعلام:1/80).

[163])) تقدَّمت ترجمة السيوطي ، صفحة رقم : (22) .

[164])) الحاوي للفتاوي ؛جلال الدين السبوطي ،دار الفكر-بيروت ، جزء:2 ،صفحة رقم: 376 .

[165])) حسن ،رواه أحمد في مسنده:19/498 ،برقم: 12523 ،والترمذي في سننه:5/413 ،برقم: 3510 ،وقال : حديث حسن غريب.

[166])) تحفة الأحوذي ،محمد المباركفوري ،دار الكتب العلمية-بيروت ،جزء:9 ،صفحة رقم: 345 .

[167])) رواه الترمذي في سننه:5/142 ،برقم: 3509 .

[168])) صحيح لغيره ، رواه أحمد في مسنده :11/232 ،برقم: 6651 ،والطبراني في الكبير:13/21 ،برقم: 36 .

[169])) تقدمت ترجمة إبراهيم بن أدهم ، صفحة رقم : (39).

[170])) رواه أبو نعيم في الحلية:7/370 .

[171])) رواه أبو نعيم في الحلية :8/167 ،برقم: 167 ،والأثر عن مالك بن دينار .

[172])) رواه مسلم في صحيحه:4/2180 ،برقم: 2835 ،وابن حبان:16/462،برقم: 7435 .

[173])) تحفة الأحوذي ، المباركفوري ،دار الكتب العلمية-بيروت جزء:7 ،صفحة رقم: 207 .

[174])) رواه مسلم في صحيحه:4/2062 ،برقم: 2676 ،وابن حبان:3/140 ،برقم: 858 .

[175])) اسناده صحيح ،رواه أحمد في مسنده: 14/44 ،برقم: 8290 .

[176])) معجم اللغة العربية المعاصرة  ،مادة :هـ ت ر ،جزء:3 ،صفحة  رقم: 2321 .

[177])) هو أبو عيسى : محمد بن عيسى بن سورة الترمذيُّ ،الإمام الثقة الحافظ ، مُصنِّف (الجامع) ، و(العلل) ،وكان قد عمي في آخر عمره ،ولد في (ترمذ) سنة (209هـ) ،وتوفي فيها سنة (279هـ) (الأعلام:6/ 322 -وتاريخ الإسلام:6/ 617) .

[178])) حسن ، رواه الترمذي في سننه: 5/469 ،برقم: 3596 ،وقال : حديث حسن غريب .

[179])) النهاية في غريب الحديث والأثر؛ لابن الأثير الجزري،المكتبة العلمية-بيروت ،جزء:5 ،صفحة رقم: 243 .

[180])) إسناده ضعيف،رواه أبو أمية الطرطوسيُّ في مسنده:50/49 ،وفيه عمر بن راشد ضعيف.

[181])) هو : أسير بن جابر العبديِّ الكوفيّ ،ويُقال :"يسير" ، روى عن عمر وابن مسعود وأويس القرني ، وروى عنه البصريِّون ، وتوفي سنة(96هـ) (الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة:2/ 427).

[182])) هو أبو عمرو: أويس بن عامر القرنيِّ ، سيِّدُ التابعين في زمانه ، وأحد النُسَّاك العُبَّاد ، أصله من اليمن ، وأدرك عصر النبوَّة ولكن لم يرَ النَّبيَّ ، وفد على عمر ،وسكن الكوفة ، وشهد مع علي صفين وقتل فيها سنة (37هـ) (الأعلام: 2/ 32 -وسير السلف الصالحين: 682).

[183])) سير أعلام النبلاء ،لأبي عبد الله الذهبي ،مؤسسة الرسالة-بيروت ،جزء:4 ،صفحة رقم: 20.

[184])) رواه مسلم في صحيحه:4/2062 ،برقم: 2676 ،وابن حبان:3/140 ،برقم: 858 .

[185])) إسناده ضعيف ،رواه أبو أمية الطرطوسيُّ في مسنده:50/49 ،وفيه عمر بن راشد ضعيف .

[186])) تقدمت ترجمة عبد الله بن عمر ، صفحة رقم : (106).

[187])) صحيح ،رواه ابن ماجه في سننه:2/1429 ،برقم: 4275 ،والطبراني في الكبير:12/355 ،برقم: 13327 .

[188])) رواه حمزة بن محمَّد الكناني في جزء البطاقة ،صفحة:32 ،حديث رقم:1 .

[189])) رواه أبو نعيم في الحلية:3/277 .

[190])) هو أبو عثمان :عفان بن مسلم الصفَّار البصريُّ ، الإمام الحافظ الثقة الثبت ، أحد الأعلام ومشايخ الإسلام ،ولد في البصرة سنة (134هـ) ،وتوفي في بغداد سنة(220هـ) (الأعلام:4/ 238).

[191])) رواه النسائي في الكبرى:7/139 ،برقم: 7649 .

[192])) رواه النسائي في الكبرى:7/139 ،برقم: 7649 .

[193])) هو أبو الفضل : حكيم بن محمد المالكي ، قاضي غوطة دمشق ،توفي سنة (350هـ) (تاريخ الإسلام:7/ 890).

[194])) رواه أبو نعيم في الحلية:10/271 .

[195])) مجموعة رسائل ابن عابدين ،محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين ، جزء:1 ،صفحة رقم :172 .

)[196]) حسن ،رواه أحمد في مسنده :18/212 ، برقم: 11674،وابن حبان في صحيحه : 3/99 ،برقم: 817 .

)[197]) ضعيف ؛رواه الطبراني في الكبير:12/169 ،برقم: 12786 ،وأبو نعيم في الحلية :3/80 ، وفيه : الحسن بن أبي جعفر ضعفوه ،وقد تفرَّد به .

)[198]) هو أبو بكر: محمد بن الطيِّب بن محمد بن جعفر الباقلاني ، الإمام العلامة المتكلم ، وكان ثقة عارفاً ، صاحب التصانيف ،وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه ،توفي سنة (403هـ)(تاريخ الإسلام:9/ 63).

)[199]) هو : أبو الحسن الباهلي البصريُّ المتلكم المتعبِّد ،أخذ عن الأشعريِّ ،وأخذ عنه ابن الباقلاني ، وأبو إسحاق الاسفراييني ،وابن فورك ،وتوفي سنة (369هـ) (تاريخ الإسلام:8/ 344).

)[200]) سير أعلام النبلاء ،للذهبي ،مؤسسة الرسالة -بيروت ،جزء:16 ،صفحة رقم: 304.

)[201]) صحيح ،رواه أحمد في مسنده:20/17 ،برقم: 12540 ،وابن حبان في صحيحه:19/179 ،برقم: 5870 ." يزفنون : يرقصون" (انظر مجمل اللغة ؛لابن فارس ،صفحة رقم: 436) .

)[202]) هو أبو الفتح : محمد بن محمد بن سلامة -المعروف بعبد السلام- المالكي ،القاضي الشاعر ولد بتونس سنة (901هـ) ،ونزل دمشق وأقام بها إلى أن توفي فيها سنة (995هـ).

)[203]) النصرة النبوية ؛مصطفى بن إسماعيل حبش المدني ،صفحة رقم:105 .

)[204]) النصرة النبوية ؛مصطفى بن إسماعيل المدني ،المكتبة العامرة-مصر ،صفحة رقم:109 .

)[205]) تقدمت ترجمة ابن تيمية ، صفحة رقم : (19) .

)[206]) مجموع الفتاوي ؛تقي الدين  بن تيمية ،مجمع الملك فهد ،جزء:22 ،صفحة رقم: 522.



الأحد، 6 يوليو 2014

شبهات وردود
قد يتوهم البعض أن الدعوة إلى الله عز وجل تقتصر على رجال الدين أو أصحاب التخصصات الشرعية فقط دون غيرهم ، ويقول : إن واجب الدعوة إلى الله لا يلزمني ؛ لأن القيام بالدعوة واجبٌ كفائي يجب على العلماء فقط لا على الجميع ،
 ويستدلون بقوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[آل عمران:104]؟
والجواب على ذلك من عدة وجوه:
أولاً- لا شك أن الدعوة إلى الله تعالى يشترط لها العلم ،ولكن العلم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ ولا يتبعض ، وإنما هو بطبيعته يتجزأ ويتبعض ،فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل بالثانية ،ومعنى ذلك أنه يعد من جملة العلماء بالمسألة الأولى ، وبالتالي فقد توفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل.
ثانياً- لا خلاف بين الفقهاء أنه من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه ؛ لأن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرطٌ لصحة الدعوة ،وعليه فإن كل مسلم يدعو بالقدر الذي يعلمه.
ثالثاً- أن (مِنْ) في الآية الكريمة ليست تبعيضية وإنما هي بيانية ، وذلك لأن الله عز وجل أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة في قوله :{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ،
وعليه فإنه يجب على كل مكلف وجوباً عينياً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إما بيده أو بلسانه أو بقلبه، ولا يعفى من ذلك مسلم ، فيكون معنى الآية: كونوا أمة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.
وذلك كقوله تعالى:{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:30]،فـ(مِنْ) هنا بيانية ،والمعنى اجتبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنبون النجاسات الحسية.
وعليه فمعنى الآية: لتكونوا الأمة التي تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حتى تفلحوا.
رابعاً- وعلى فرض أن من هنا للتبعيض فإن وجود فرقة متصدية لهذا الشأن من العلماء والدعاة لا ينافي وجود غيرهم من عامة الناس ، وذلك لأن كل مسلم يدعو بحسب القدر الذي يعلمه ، ولأن الأمر بالدعوة إلى الله عام فيشمل العلماء ومن دونهم ، قال ابن كثير في تفسيره :"والمقصود من هذه الآية، أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه".
خامساً- صحيح أن الدعوة إلى الله تعالى واجبٌ كفائي إن قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ، فإذا حصل المقصود بفرد أو مجموعة أفراد لم يطالب الآخرون به ، والحاصل أنهم إذا لم يقم أحد بواجب الدعوة أثم الجميع المتأهل للدعوة وغير المتأهل ، فإذا كان الكل يشترك في الإثم عند عدم الدعوة ، فمن باب أولى أن يتشاركوا في أجر الدعوة إلى الله تعالى.
سادساً- إن المسلم يدعوا إلى الله عز وجل باعتباره مسلماً مؤمناً بالله ورسوله قبل
كل شئ ، قال تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] ، فلا بد لكل مسلم أن يدعو إلى الله ،فإذا لم يقم بواجب
 الدعوة ،وقام بالدعوة مسلم آخر فإن الداعي الأخير يؤجر دون الأول.
سابعاً- أن المسلم إذا لم يقم بواجب الدعوة إلى الله تعالى لم يكن منضوياً تحت مفهوم هذه الآية:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108].؛لأن أتباع الرسول هم الذين يدعون إلى الله عز وجل.
ثامناً- إن شرط الخروج من عهدة الفرض الكفائي حصول الكفاية بمن يقوم به ، ولمَّا كانت الكفاية غير حاصلة ، فيجب أن يقوم بالدعوة كل مسلم حسب قدرته ، لا سيما في زماننا حيث لا يزال الشرك والوثنية والجاهلية تغشى مجتمعات كثيرة ، ونشر هذه الدعوة يحتاج إلى جهود جبارة يشترك فيها جميع المسلمين كل حسب استطاعته.
تاسعاً- الدعوة إلى الله ليس لها صورة واحدة ، فقد تكون الدعوة إلى الله بالمال أو التعليم والمحاضرات، أو الفكر والكتابة ، أو السلطان،ونحو ذلك ،فيتمكن كل فرد من أفراد المسلمين أن يساهم في نشر الدعوة بحسب استطاعته وقدراته ، وهذا يدخلها في حيز الاستطاعة الذي هو شرط التكليف.
فإن قيل: إن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فماذا تقولون؟
نقول وبالله التوفيق: هذه حجَّةٌ واهية ، وهي ناشئة عن ضعف الإيمان ، وقلة الورع والعلم وعموم الجهل ، فإذا كان المسلم لا يستطيع أن يدعو إلى الله تعالى بلسان مقاله ، فلتكن دعوته بلسان الحال فيكون قدوة حسنة لغيره من عامة المسلمين ، ولا يعفى مسلم من إنكار المنكر ، ولا يعذر بجهله لأنه مطالب بالتعلم ، وذلك بحسب ما جاء في الحديث عن رسول الله r :" مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنَّ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمان" رواه مسلم.
فإن قيل: ما تقولون فيمن يحتج بهذه الآية:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[المائدة:105] ليبرر قعوده وتقاعسه عن الدعوة إلى الله جل وعلا ؟
نقول وبالله التوفيق : رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: "إِنَّ
النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِ"رواه أحمد.
وأما معنى الآية فهو أن ضلال غيركم لا يضركم ما دمتم مهتدين ،ومن الإهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فإن ترك المؤمنون ذلك فإنهم غير مهتدين ، لأن السكوت على المنكر سبب في انتشاره وذيوعه بين المسلمين ، وبالتالي يكون سبب ضلالهم وعدم اهتدائهم.
فإن قيل:إن الباطل قد انتشر في الأرض ولم تَعُدِ الدعوةُ إلى الله تعالى تنفع شيئاً وعلى المسلم أن يهتم بنفسه ويدع أمر الخلق للخالق؟
والجواب :إن الواجب على المسلم القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى سواءاً استجاب الناس أو لم يستجيبوا،وبذلك يكون قد أقام الحجة عليهم بالتبليغ،قال تعالى:{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164]، فالهدف الأساسي من الدعوة إلى الله عز وجل أمرين:
        * تقديم العذر إلى الله تبارك وتعالى بتبليغ الدعوة للناس.
        * قد تكون هذه الدعوة سبب في حصول الهداية والاستجابة والرجوع إلى
        الحق والصواب.
فإن قيل:فإن الله تعالى يقول:{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }[البقرة:286]،ويتعلل بأن الدعوة إلى الله تسبب له من التعب والمرض والنصب ما لا يستطيع تحمله؟
فالجواب من وجوه:
أولاً- إن هذه الحجة ضعيفة واهية يتشبث بها ضعيف الإيمان رقيق الدين الذين لم يتمكن الإيمان منهم بعد.
ثانياً- أنه لو كان هذا التعب والنصب الذي يتحدث عنه في مقابل جمع المال وحصول المنافع الدنيوية والمادية لتحمله وصبَّر عليه نفسه ، فإذا كان ذلك كذلك فمن باب أولى أن يتحمَّل شيئاً من التعب في سبيل الدعوة إلى الله تعالى،خاصَّةً وأن أجرها عظيمٌ في الآخرة،فكيف لهذا أن يقدم ثواب الدنيا على ثواب الآخرة!!؟،وما عند الله أعظم.
ثالثاً-إن التعب المبذول في تعليم الناس الخير يسير بالنسبة إلى غيره من الأعمال الدنيوية ،وهل يتعب إذا حرَّك لسانه بالكلام الطيب أو أعمل فكره في أمور المسلمين ولا يتعب إذا ظل طوال اليوم يرهق جسده بالأعمال الشاقة؟؟!!.
رابعاً-أليس لك قدوة حسنة في رسول الله r الذي لاقى في الله ما لاقى من ألوان العذاب والأذى في سبيل أن تبلغك الرسالة وينقذك من النار،ثم أنت تعرض عن دعوته وَتُقْبِلُ على الدنيا؟؟؟!!!
خامساً- أليس لك قدوة في السلف الصالح الذين حملوا لك الدين وتحملوا حرَّ الشمس وشدة التعذيب وقطعوا  المسافات الشاسعة التي تقطع أعناق الإبل من أجل أن تبلغك الرسالة ، وتصلك الدعوة كل ذلك فعلوه من أجل إنقاذنا من النار ،فهلاّ كنت سبباً في إنقاذ غيرك من ضُلّالِ هذه الأُمَّةِ!.
سادساً- ألا تنظر إلى أهل الكفر والأوثان كيف يدعون الناس إلى معتقداتهم الباطلة المنحرفة والتي فيها هلاك الناس والإفساد في الأرض وينشرون ذلك بكل الطرق الممكنة ،ثم أنت يا صاحب الحق والدعوة المباركة تُعْرِضُ عن دعوتك ودينك إنَّ هذا لهو الضلال البعيد.
سابعاً-إن الإسلام دين الخير والرحمة ،ونحن بهذه الدعوة إنما نحمل الخير والبركة للعالم كله ،أفلا تكون جندياً في الحق والخير؟ ، أفلا نستحي من أنفسنا أن نستكثر هذا الجهد البسيط في خدمة دين الله والدعوة إليه ؟!!.
....................................................
المصادر والمراجع:
1- القرآن الكريم.        2- تفسير ابن كثير.      3- صحيح مسلم.         4-مسند أحمد.

5-أصول الدعوة د.عبد الكريم زيدان.

الأربعاء، 4 يونيو 2014

مقدمات السيرة النبوية (2)

* نشأة علم المَغازِي والسِّيَر:
1- كانت وقائع السيرة عبارة عن روايات يرويها الصحابة إلى من بعدهم ، وقد اختصَّ بعضهم بتتبع دقائق السيرة وتفاصيلها،منهم العلاء بن الحضرمي(ت:14هـ)،وسهل بن أبي حثمة (ت:41هـ)،وعبد الله بن عباس(ت:78هـ).
2- تناقلَ التابعون هذه الأخبار ودونوها عندهم ،وقد اعتنى بعضهم بها عنايةً تامة ، كأمثال: أبان بن عثمان بن عفَّان (ت:105هـ) ،وعروة بن الزبير بن العوَّام (ت:93هـ)
3- ثم نقلها التابعون إلى صغار التابعين من أمثال عبد الله بن أبي بكر الأنصاري (ت:135هـ)  ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت:124هـ)، وعاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري(129هـ).
4-وكانت السيرة غير مستقلة عن كتب السنة والحديث ، ثم أفردت السيرة بالتصنيف والتأليف في كتب مستقلة، من مختصر ومطول، وجمعت السيرة أخباراً صحيحة ، وسقيمة، وموضوعة، حتى جاء من ينقد هذه الروايات تصحيحاً وتضعيفاَ.
* تطور التأليف في السيرة النبوية :
1- كانت الكتابات الأولى عبارة عن أجزاء متفرقة ،فمنهم من كتبَ في الوحي ،ومنهم من كتب في الهجرة ،ومنهم من كتب في المغازي والفتوحات ، ولما استفاض عدد تلك الكتب ، قام المحدثون والعلماء بضم وجمع لهذه المرويات والرسائل والكتب حتى تكوَّن منهج متكامل يرسم ملامح السيرة بكافة جزئياتها وتفاصيلها.
2-وبعد ذلك كتب أفردت السيرة بالتصنيف والتأليف ما بين مطَوَّلٍ ومختصر،وزيدت فيها الأشعار ،والأخبار ، وامتلأت بالأحاديث الضعيفة ،وبعض الأحاديث الموضوعة.
3- وأخيراً أفردت بعض مباحث السيرة وجزئياتها ونواحيها بمصنفات مستقلة ، مثل: (دلائل النبوة) لأبي نعيم الأصبهاني ، و(الشمائل المحمدية) للترمذي، و(الشفا) للقاضي عياض، و(زاد المعاد)لابن القيم،و(المواهب اللدنية) للقسطلاني ، والتي شرحها الزرقاني في ثمانية مجلدات.
* ومن أشهر كتب السيرة المعاصرة:
1- الرحيق المختوم لصفي الدين المباركفوري
2- فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي.
3- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ محمد الخضري.
4- السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي.
5- فقه السيرة النبوية للعلامة محمد رمضان البوطي.
6- المنهج الحركي للسيرة النبوية للعلامة محمد منير الغضبان.
7- السيرة النبوية دروس وعبر للشيخ مصطفى السباعي.
8- السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصَّلابي.
9- صحيح السيرة النبوية للشيخ إبراهيم العلي.
* ضوابط وأصول دراسة السيرة النبوية:
1- ربط السيرة بالواقع ؛ لأن السيرة هي الترجمة العملية لدين الله عز وجل.
2- الموضوعية في قراءة السيرة وتحليلها ،والبعد عن تفسير الأحداث بما يوافق أهل الأهواء والبدع.
3-الإيمان بعزَّةِ الإسلام وسيادته ، وأن أسباب التمكين لهذه الأمة إنما تَكْمُنُ في دراسة السيرة النبوية.
4-البعد عن روح الانهزامية في تحرير السيرة وتحليلها ،وخاصة في الجهاد .
5- اعتبار القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساس في فهم السيرة النبوية.
6-الربط بين أحداث السيرة وعقيدة الإيمان بالله عز وجل والإيمان بالقضاء والقدر.
7- الدقة في وصف الأحداث والأشخاص والجو العام وطبيعة المكان وزمن الحدث.
8-التركيز على خصائص النبي r من كونه : بشراً ، وأن رسالته عامة ، وأنه خاتم النبيين.
9-بيان العبر والعظات من الأحداث ، ونتائج هذه الأحداث ،وحكمة الله تعالى في ذلك.
10-غرس القيم التربوية الرفيعة ،والأخلاق الزكية الطاهرة.
11- تمحيص صحيح الأخبار من سقيمها ،وخاصة فيما يتعلق بالجانب التشريعي والعقدي من السيرة النبوية،ويتساهل فيما دون ذلك ما لم يصل إلى حد لا يمكن الإحتجاج به أو الإستئناس.
12-إيراد الأحداث متسلسة مرتبة حتى لا يتشتت ذهن القارئ أو السامع .
13- معرفة حدود العقل في قبول النصوص وردِّها ، فلا نثبت نصَّاً غير ثابت لاستحسان العقل له،ولا نرد نَصَّاً ثابتاً لمعارضة العقل له في الظاهر.
14-فهم العربية وأساليب كلام العرب ، خاصة ما يتعلَّق بالبلاغة والنحو.
15-الإلتزام بالمصطلحات الشرعية دون غيرها من المصطلحات ،ومثال ذلك : أن الله جل وعلا قسَّمَ الناس إلى ثلاثة أقسام : مؤمن ومنافق وكافر ،وجعلهم حزبين :أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ،وجعلهم فريقين :فريق في الجنة وفريق في السعير ،فالواجب التزام هذه التسميات ،وعدم العدول عنها إلى مثل:يمين ، يساري ، متطرف ،متشدد ،ليبرالي ،اشتراكي...ونحوها من المصطلحات المائعة.
16-صدق العاطفة عند عرض أحداث السيرة ،وذلك لأننا نحب صاحبها r قلباً وقالباً.
17- الوفاء بحقوق النبي r دون إفراط أو تفريط ،فنحن لا ندرس السيرة كمادة علمية مجردة عن العواطف والمشاعر ، ولا ندرس سيرة خيالية غير واقعية ، ولا ندرس شخصية عادية كغيرها من الشخصيات ،بل هي سيرة الحبيب والمربي الأول r وكذلك هو النبي المرسل من عند الله سبحانه وتعالى،وهو عبد الله ورسوله r ،وهو من البشر ،فالواجب التوسط والإعتدال .
18- تحليل الأحداث والتعليق عليها في ضوء ما يحدث في عصرنا هذا من أحداث ووقائع ، واستنباط الأحكام الشرعية وربطها بفقه النوازل .
19-أن يكون الهدف الأساسي هو الإقتداء به r ،وليس مجرد التسلية وإظهار البطولات والعظمة فقط ،فالسيرة هي الترجمة العملية لدين الله تبارك وتعالى ، وهذا يدفعنا إلى القول: أنه لا بد من معرفة مواطن الإقتداء به r من فعله.
* أفعال النبي r على ثلاثة أقسام:
1- جبلية :كالقيام والقعود والأكل والشرب فهذا القسم مندوب إليه وإن لم يقصد به التشريع  والتعبد.
2-خاصة به r :كالجمع بين تسع نسوة ، وهذا القسم يحرم التأسي به فيه.

3-بيانية:ويقصد بها البيان والتشريع ؛ كأفعال الصلاة والحج.