السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد
في الشريعة الإسلامية
أ. منذر الغماري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: إن ما يقع في هذا العالم من حوادث كبرى، ومجريات متلاحقة، لا تقع صدفة ولا خبط عشواء، وإنما تقع وفق قوانين عامة دقيقة وثابتة، وهي قوانين صارمة لا تتغير ولا تتبدل، قال تعالى: {سُنّة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} (الفتح)، وهذه القوانين الكلية، والنواميس الإلهية منها ما يتعلق بأحداث الكون (وهي السنن الكونية)، ومنها ما يتعلق بالبشر والمجتمعات (وهي السنن الاجتماعية)، وهو ما يتحدث عنه هذا الملخص.
والسُّنة في أصلها اللغوي: هي الطريقة المتبعة، وإذا أضيفت إلى الله تعالى، كان المعنى الطريقة الإلهية في تنظيم أحوال الناس والمجتمعات بحسب أفعال الناس ومواقفهم، ويطلق على هذه السنة القانون الإلهي، وتتميز هذا القوانين بالثبات فهي لا تتغير، وأنها مطردة تتكرر مع تجدد المواقف والأحداث، فلا تتوقف عند جيل أو قرن.
أما السبيل لمعرفة سنن الله وقوانينه؛ فهو القران الكريم والسنة النبوية المطهرة، قال تعالى: {ومن أصدق من الله قيلا}، وتقدير الجواب: لا أحد، {ومن أصدق من الله حديثاً}، وهذا الكتاب تلخيص لكتاب الدكتور العلامة عبد الكريم زيدان (السنن الإلهية في الأفراد والمجتمعات)، جمع فيه مختصره ثلاثة عشر قانوناً إلهيّاً.
وفي هذا السياق نجد أن هذه السنن والقوانين الإلهية تؤكد على مبدأ التوازن في تصورات وعقائد الشريعة الإسلامية، والتي تنتظم فيها كثير من العلاقات الاجتماعية والكونية، وللتوازن في الإسلام صور متعددة أهمها:
١-التوازن بين طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية:
وفي هذا السياق يقول سيد قطب "وفي الوقت نفسه شاءت الإرادة الإلهية المدبرة ، أن تتبدى للناس عادة في صورة نواميس مطردة وسنن جارية، يملكون أن يراقبوها ويدركوها، ويكيفوا حياتهم وفقها ويتعاملوا مع الكون على أساسها، على أن يبقى في تصورهم ومشاعرهم أن مشيئة الله – مع هذا – طليقة، تبدع ما تشاء؛ وأن االله يفعل ما يريد، ولو لم يكن جارياً على ما اعتادوا هم أن يروا المشيئة متجلية فيه، من السنن المقررة، والنواميس المطردة، ومن ثم يوجه االله الأبصار والبصائر إلى تدبر سننه في الكون،والتعامل معها، والانتفاع بهذه النظرة في الحياة الواقعية).
٢-توازن بين المشيئة الإلهية المطلقة والمشيئة الإنسانية المحدودة:
قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) } [الإنسان)، والالتزام بهذا المعنى يشير إلى أن قدر الله في الناس هو الذي ينشئ ويخلق كل ما ينشأ وما يخلق من الأحداث والأشياء، وهو الذي يصرف حياة الناس ويكيفها – شأنهم في هذا شأن الوجود كله، وكل شيء وحركة فيه بقدر- ولكن قدر الله في الناس يتحقق من خلال إرادة الله وعملهم في ذات أنفسهم وما يحدثونه فيها من تغييرات.
وهذا التوازن العجيب يسمح بالإيجابية والعمل، دون التعارض مع مشيئة الله، وهذا يعبر عن حالة توازن نفسي بين إرادة االله وقدرة البشر .
٣ - توازن بين عبودية الإنسان الله ومقام الإنسان الكريم في الأرض:
إن الإسلام دين بعيد عن التطرف الذي وقعت فيه الفلسفات والمذاهب الغربية، ما بين تحقير الإنسان ورفعه إلى حد التأليه؛ فالإسلام يفصل فصلا قاطعا بين حقيقة الألوهية ومقامها وخصائصها، وبين حقيقة العبودية ومقامها خصوصاً، بحيث لا يكون ضباب ولا تحدث شبهة.
فالله ليس كمثله شيء، والإنسان ما هو إلا عبد لله ومستخلف في الأرض لإعمارها و تحقيق الهدف الأسمى، وهو عبادة االله قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثية: ١٣).
٤-التوازن بين عالم المثل وعالم الواقع:
إن الإسلام يوازن بين "عالم المثاليات وعالم الواقع، وبين ما يجب أن يكون وما يمكن اعتباره حدا أدنى ينسجم مع قدرة الفرد وطاقته ولذلك يضع الإسلام مستويين للسلوك الفردي والاجتماعي ويحد الحد الأدنى المطلوب ويجعل الحد الأعلى للسلوك مرتبطاً بتسامي النفس الإنسانية ومدى تقواها.
٥- التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة:
إن الدين الإسلامي وازى بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، دون طغيان أحدهما على الأخرى فالإسلام دين الجماعة أي الأمة، تلك خصيصة من خصائص التربية الإسلامية، وكون الأمة هي الجامعة الأساسية في المنظور الإسلامي، لا يعني الإجحاف بحقوق الفرد ولا الإنكار لوجود الطبقة – بالمعنى الاجتماعي- في إطار الأمة وإنما هي العلاقات التي أقامتها التربية الإسلامية ذات النهج التوازني الجامع بين الفرد والطبقة والأمة على نحو متميز.
وهذه القوانين لا يمكن حصرها، بل هي كثيرةٌ جداً، وإليك تفصيلها، كما يلي:
أولاً: قانون السببية (ربط الأسباب بالنتائج)
تعريف السبب: هو كل شئ يتوصل به إلى غيره؛ فقانون السببية هو ربط الأسباب بمسبباتها، والنتائج بمقدماتها.
وسنة الله تعالى ربطت بين الأسباب والمسببات، فلا معنى للتواكل والاتكال على الآخر، قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَبًا} (الكهف: ٨٤، ٨٥).
وقال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (الحاقة: ٢٤) أي قدمتم.
وكذلك علينا الاعتقاد بأن الأسباب والمسببات من فعل الله، وأنه لا قيمة لمن يهمل الأسباب، وأن تعاطي الأسباب لا ينافي التوكل
* الأدلة من القرآن على هذا القانون:
قال تعالي: {الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لنخر في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار} (إبراهيم: ٣٢).
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويَغْفِرُ لَكُم والله ذو الفضل العظيم} (الأنفال: ٢٩).
* هل الشيء يحدث صدفة:
لا يوجد شيء اسمه صدفة إنما هو خاضع للملك القوي الجبار، كل شئ يجري بتقدير الله عز وجل، قال تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} (يس: ٣٨).
* مثال: سقوط تفاحة من الشجرة هو نتيجة حتمية لأسباب معينة أدت إلى هذا السقوط.
* مثال آخر: سقوط دولة أو هلاك أمة نتيجة حتمية لأسباب معينة.
* مثال ثالث: زوال سلطان أو حكم إذا كان قائماً على الظلم والإرهاب.
قال تعالي: {لقذ كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يقترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤمنون} (يوسف: ١١١). وكذلك قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سئل فسيزواً في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} (آل عمران: ١٣٧).
فالأسباب والمسببات من فعل الله. ولا يجوز إسقاط الأسباب وعدم مباشرتها بحجة الإيمان بالقضاء والقدر؛ ففي الحديث (اعملوا فكل ميسر لما خُلق له، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسيرون لعمل أهل الشقاوة)، ثم قرأ:
{فأما من أعطى واتقى (٥) وصدق بالحسنى (٦) فسنيسره لليسرى (٧) وأما من بخل واستغنى (٨) وكذب بالحسنى (٩) فسنيسره للعسرى (١٠)} (سورة الليل).
والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل؛ لحديث: (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ....).
مثاله: الفلاح يحرث وبيدر البذور ويسقي ويعتمد على الله بإخراج الزرع.
ثانياً: سنة الله في إتباع هداه والأعراض عنه ( قانون الهدى والضلال):
إن هدي الله هو الإسلام قال سبحانه: {قل إن هدي الله هو الهدى}، وهدى الله هو الإسلام لا غير، فلا نحيد عنه، ولا نلحد في فهمه واتباعه.
قال تعالى: {ولن نرضى عنك اليهودُ وَلَا النَّصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: ١٢٠).
وقال سبحانه: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (التوبة: ٣٣).
والمعرض عن الهدى يُقيض الله له شيطاناً يدله على سبل الضلال والهلاك، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف: 36).
فسنة الله في متبع هداه ألا يضل ولا يشقى، قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يَصْلُ ولا يشقى} (طه: ١٢٣).
وسنة الله في المعرض عن هداه أن نتظر في حياته المعيشة الضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} (طه).
ثالثاً: سنة الله في التدافع بين الحق والباطل (قانون التدافع)
الدفع في اللغة: هو الإزالة بقوة، والمدافعة: المزاحمة والإزاحة بقوة.
والتدافع يكون بين أصحاب الحق والباطل، حتى يتنحى أحدهما ويثبت الآخر.
وقد دل السنة والكتاب على حتمية التدافع بين الحق والباطل، وهذا يظهر في المعارك الحربية والنظرية والتحشيد، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: ٢٥١).
قال تعالي: {أم يقولون افترى على الله كذباً فإن يشأ الله يقدر على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور} (الشورى: ٢٤).
وقال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} (الأنبياء: ١٨)، وقال تعالي: {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين} (يونس: ٨١)
ولا بد للباطل من قوة تطغيه منها المال والسلطان والأولاد:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصْدُوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهم يحشرون} (الأنفال: ٣٦).
ثم يقول: {والذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} (النساء ٧٦). ويقول سبحانه: {ولا يزالون يقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواً} (البقرة: ٢١٧).
ثم إن من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره:
قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (النساء: ١١٥).
وقال تعالي: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: ١٢٠).
ولا بد للحق من قوة تحميه:
قال تعالى: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِدُونَ بِهِ عَدُوّ الله وعَدُوَّكُمْ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوفُ إِلَيْكُم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: ٦٠).
وقال جل شأنه: {انفروا خفافاً وثقالاً وجَاهَدُوا بأموالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ في سبيل اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: ٤١).
سنة الله في نصر المؤمنين لا تتخلف:
ودل على ذلك كثير من النصوص القرآنية، منها: قوله تعالى: {ولو قَاتلكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا تصيراً} (الفتح: ٢٢).
وقال جل شأنه: {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} (الفتح: ٢٣)، أي سنة الله أي طريقة الله وعادته في خلقه.
. وقال سبحانه: {ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مُبدّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} (الأنعام: ٣٤).
وقال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جُندنا لهم الغالبون} (الصافات: ١٧١ -١٧٣). وفي هذا الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام الملاحم والقتال في الدنيا وعلوهم عليهم عليهم في الآخرة.
وقال جل شأنه: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} (المجادلة: ٢١).
وقال سبحانه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر ٥١). قال سبحانه: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} (الروم: ١٧).
قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر:
وذلك مثل حصول النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وذلك قبل وفاة الرسول بسنتين ودخل الناس في دين الله أفواجا.
قال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح (١) ورأيت الناس يَدْخُلُون في دين الله أفواجاً (٢) فسبّح بحمد ربك واستغفره إنَّه كان تواباً (٣)} (النصر).
قد يسبق نصر المؤمنين أذي من العدو و غلبة له:
إن نصر الله للمؤمنين لا يأتي دون جهد عظيم وابتلاء كبير، وهذا لا يتعارض مع منة الله تعالى وفضله، لأن الأمور بخواتيمها وهذا دل عليه القرآن.
قال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران: ١٤٠).
أن على المؤمنين ألا يغتروا في حال البلاء من الحكم على قوة الأعداء ،
{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: ١٤١)
{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } (آل عمران: ١٤٠)، فعلى المؤمنين أن يأخذوا بأسباب النصر حتى تكون المداولة: (وتلك الأيام نداولها بين الناس )
لا بد من تحقيق عوامل نصر المؤمنين:
وهي قوة الإيمان والإعداد وبعدها يقدر النصر بحسب توافر شروطه، ومن أعظم هذه العوامل بعد الإيمان بالله: إعداد القوة المادية.
قال تعالى: {إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً وَلَو أَرَاكَهُمْ كَثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور} (الأنفال ٤٣)، هذا في معركة بدر.
ومن عوامل النصير تقوى الله عز وجل:
ونصرة الدين والصبر والمصابرة والمرابطة وذكر الله والأخذ بالحذر.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا وَاذْكُرُوا الله كثيرا لعلكم تفلحون} (الأنفال ٤٥)، وقال عز وجل: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب وحكم واصبرُواً إن الله مع الصابرين} (الأنفال ٤٦)
الاحتراز عن عوائق النصر:
ومن أعظم المعوقات للنصر: التنازع والاختلاف، والغرور والرياء، قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورثاء النَّاسِ ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط} (الأنفال ٤٧)، وقوله عز وجل: {إذ تستعيثون ربكم فاستجاب لكُم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} (الأنفال ٩)، وقوله: {وما جعله الله إلا بشرى لَكُمْ ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} (آل عمران ١٢٦).
رابعاً: سنة الله في الفتنة والابتلاء
ومعنى الفتنة والابتلاء أي الامتحان والاختبار في الشدة والرخاء.
فمن سنة الله الابتلاء بالشر والخبر، قال تعالى: {كُل نفس ذائقة الموت ونبلُوكُم بِالشَّرُ والخبر فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء ٣٥).
فهذا الاختبار لإظهار ما أوجب الله فيه، من الصبر واحتساب الأجر والثواب، فالله اختار لهم الابتلاء ليشكروا وليصبروا، قال عمر رضى الله عنه: (بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر).
أنواع الابتلاء بالشر:
أما عن أنواع الابتلاء فقد يكون بالشر: من الموت أو المرض أو الجراحات أو فقد المال والأهل والولد؛ يظهر ذلك في مثل قوله تعالى: {ولَنَبْلُوَلَكُمْ بِشَيْءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفُس والثمرات وبشر الصابرين (١٥٥) الَّذِين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عليهم صلوات من ربهم ورحمةً وأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} (سورة البقرة).
ومثل قوله سبحانه: {إنا جعلنا ما على الْأَرْضِ زينة لها لِنَبْلُوهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صعيداً جزراً (٨)} (الكهف).
وكذلك يكون ابتلاء الناس بالتفاوت فيما بينهم:
قال تعالى: {وهو الذي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفع بَعْضِكُمْ فَوقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَتلُوكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رحيم} (الأنعام ١٦٥)، أي خالف بينكم فى الخلق والرزق والقوة والفضل والعلم و الأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر، وكل هذا اختبار وابتلاء؛ ليسأل الغني عن شكره ويسأل الفقير عن صبره، ويسأل ذا السلطان ماذا فعل فيما استعمله عليه.
ويتفاوت الابتلاء بحسب درجة القرب من الله
فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ وقد ورد هذا الأمر في حديث مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) أو كما قال.
والأمثل هو الأعلى رتبة في الدين والفضل، وهذه سنة الله ماضية وباقية في المؤمنين دون تخلف، وتعليل ذلك لأنهم يقومون بواجب الدعوة وأيضا حتى تتضاعف حسناتهم.
من سنة الله ابتلاء الأمم الكافرة بأنواع العذاب:
قال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبيٍّ إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرَّعون (٩٤) ثم بدلنا مكان السيئةالحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء وأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون (٩٥)} (الأعراف).
ولا شك أن نزول مثل هذه البلاء على الأمم الكافرة، له حكمة في أن يحملهم على التوبة؛ حتى يتحول حالهم من الشدة إلى الراحة، وتظهر الحكمة من ذلك في قوله (لعلهم يضرّعون) أي يعودون.
وقوله (حتى عفوا) أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم فيعرفون نعمة السراء، ويذوقون فتنة الضراء؛ فيعودوا ويتضرعوا فإن لم ينفع هذا ولا هذا أخذهم الله بغتة وهم لا يشعرون.
فتنة مدعي الإيمان:
قال تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهُمْ لا يُفتنون} (العنكبوت ٢).
وقال جل شأنه: {ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين} (العنكبوت ٣).
وهذا يعني أن الامتحان قد يصيب الجماعة المسلمة، قال تعالي: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قَبْلِكُم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} (آل عمران: ١٨٦).
الابتلاء للجماعة المسلمة تمييز وتمحيص:
قال تعالي: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فَآمِنُوا بِالله ورسله وإِن تُؤْمِنُوا وثقوا فلكم أجر عظيم} (آل عمران: ١٧٩).
وأما الحكمة من ابتلاء الجماعة المسلمة؛ فكثيرٌ جداً، منها:
-معرفة وزنها الإيماني وقوتها الحقيقية.
-انكشاف حال أعضائها، فهذه المعرفة تتيح للعضو المؤمن المخلص الظهور:
فينكشف حاله تماماً مما يحمله على الالتفات إلى نفسه ليتعرف على أوجه الضعف فيها فيتداركها بالتقوية، وينقي نفسه من العوائق والشوائب، ثم يكون بعدها جاهزاً للفداء والجهاد على وجه الحقيقة لا على وجه الأماني والرغبات.
ومن الابتلاء للجماعة فقد الأمير:
قال تعالي {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتُم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران ١٤٤).
حذار من جلب المحن أو الحرص عليها:
وإن كانت المحن هي سنة الله في ابتلاء عباده المؤمنين، ولكن حذار أن تجلب الجماعة المسلمة المحن لنفسها أو تسعى لجلبها أو تستعجل وقوعها مدفوعة بالحماسة لنصرة الإسلام؛ لأنه إذا لم تنصب عليها المحن، ألقى الناس إليها التهم بالقصور والضعف، وعدم المحن كذلك يفقدها رضا الناس عنها؛ فليترك هذا الأمر إلى تقدير الله عز وجل.
استعجال المحن من جهل الجماعة المسلمة:
ويدل على ذلك حديث: (لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا: اللهم اكفناهم واكفف بأسهم).
ولا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه قال يتعرض من البلاء ما لا يطيق) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
مثال: من سنة الله في خلقه إصابتهم بالأمراض، وهذا لا يعني تحريم الوقاية من الأمراض أو رفعها بالدواء، ولكن إذا وقعت محنة الله فالصبر الجميل والتأمل بها: هل وقعت على وجه العقوبة أو الابتلاء.
مثال آخر: جرت سنة الله أن شرع الشهادة في سبيله، وهذا لا يعنى تسليم المسلم نفسه للكفار ليقتلوه حتى يصير شهيداً، وإنما تعني النهوض إلى قتالهم.
وفي الحديث (الحرب خدعة)؛ وما يستفاد من الحديثين: أن على الجماعة المسلمة ألا تستعجل وقوع المحن ومن أساليب الحرب الكر والفر والانسحاب و الهجوم.
خامساً: سنة الله في الظلم والظالمين (قانون الظلم)
تعريف الظلم، هو: وضع الشئ في غير موضعه الشرعي
أما عن عقوبة الظالم في الدنيا:
قال تعالى: {فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (الأنعام: ٤٥)، وهذا تحذير شديد من الظلم ومخاطره الذي يؤدي إلى عذاب الاستئصال.
وقد ثبت في الحديث: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم) والبغي هو الظلم.
حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -لمعاذ: ( اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب).
وحديث: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه) رواه البخاري.
من عقاب الظالم تسليط ظالم عليه:
قال تعالي: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام ١٢٩) وفي الحديث: (كما تكونوا يولى عليكم).
هلاك الأمة بظلمها:
قال تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وما كانوا لَيُؤْمِنُوا كذلك تجري القوم المجرمين} (يونس: ١٣). وقال سبحانه: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين} (الأنبياء ١١).
تبقى الدولة العادلة مع الكفر ولا تبقى الدولة المسلمة مع الظلم:
قال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود ١١٧)، أي قد تكون عادلة والناس لا بنظالمون فيها وأهلها مصلحون في تعاطي الحقوق فيما بينهم.
يقول ابن تيمية (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة).
من آثار الظلم خراب البلاد:
قال تعالي: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون} (النمل ٥٢).
سبل الوقاية من عقوبة الظلم:
الإنكار على الظالم، وعدم الاستكانة للظالم. وعدم الركون إلى الذين ظلموا، لا يعان الظالم على ظلمه، بل لا يعان على بقائه، قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود: ١١٣).
سادساً: سنة الله في الاختلاف والمختلفين (قانون الاختلاف)
وهذه السنة تقتضي أنه إذا كان المجتمع ضد الحق والرسل، أو كان موقف الفرد والجماعة ظلماً وتعدياً، فسنة الله فيه الأخذ والبطش الشديد، ثم إن الاختلاف بين صفوف الأمة والجماعة أمر مشروع، ولكن إذا أدى إلى الخلاف فإنه يُضعف الأمة، ويجعلها أمة مستذلة ومحتقرة.
ولذلك جاء الحث على الاعتصام بحبل الله ودينه، والنهي عن الفرقة والاختلاف، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكُمْ إِذْ كُنتُم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكُنتُم على شفا حفرة من النار فأنقذكم مِّنْها كذلك يُبين الله لَكُم آياته لعلكم تهتدون} (آل عمران ١٠٣).
وأما الاختلاف والحوار والجدال فيكون بالتي هي أحسن، وفي الحديث: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، وما يستفاد من النهي عن الاختلاف، ما يلي:
١-أن الاختلاف يمكن وقوعه بين البشر وبين المسلمين ولو كان مستحيلاً لما نهى الإسلام عن إيقاع المستحيل.
٢- الحث على الاجتماع وهو ضد الاختلاف
٣- أن الاختلاف موجود لكنه مذموم في الشريعة.
٤- وأن من تلبس به حقت عليه مسؤولية الاتفاق.
هل يقع الاختلاف بين المسلمين:
ورد في الحديث: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى علي اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي عن ثلاث وسبعين فرقة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
الحكمة من التحذير من الاختلاف مع حتمية وقوعه:
١- إن الخلاف الذي يقع لا يضم الأمة كلها، لحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة).
٢- العلم بما يكرهه الشرع وهو الاختلاف، وبما يحبه و هو الاجتماع.
سنة هلاك الأمة بالاختلاف:
حديث: (فان من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا).
حديث: (فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف).
حديث: (عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رجلاً يقرأ آية، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها؛ فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) أو كما قال.
الخلاف بين الجماعات الإسلامية والوقاية منه:
سبل الوقاية هو توحيد هذه الجماعات وهذا صعب ربما في المستقبل المنظور.
وأن ساحة العمل واسعة لمن يريده بإخلاص.
ويجب أن تعتبر هذه الجماعات تعددهم كتعدد المصلين في المساجد، أو في حلقات الدراسة وذكر الله.
الخلاف بين أعضاء الجماعة المسلمة:
العمل الجماعي أصعب من العمل الفردي، لكنه أكثر بركة وأعظم نفعاً، فالعمل الجماعي يحتاج إلى تحرك موزون ودقيق فهو أشبه ما يكون بحركة الجيش وسيره، فهو يحتاج إلى ضبط الأعضاء المشاركين فيه؛ لأن الجماعة تتحمل مسؤولية أي تصرف وتتحمل نتائجه.
سنة الله في الكافرين:
قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المُكَذِّبِينَ (آل عمران ١٣٧)، فعاقبة الكفار واحدة.
قال تعالى: {أفلم يسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أمثالها} (محمد ١٠).
وقال تعالى: {ألم تهلك الأولين (١٦) ثُمَّ تتبعهم الآخرين (١٧) كذلك تفعل بالمُجْرِمِينَ (١٨)} (المرسلات).
الاستخلاف في الأرض لمستحقيه:
قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأَرْضِ كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبُدُونَني لَا يُشْرِكُونَ بي شَيْئًا وَمَن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور ٥٥).
سنة الله هلاك الأمة يفسق مترفيها:
قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها الْقَوْلُ فَدَمرْنَاهَا تدميراً} (الإسراء ١٦).
سابعاً: سنة الله في الطغيان والطغاة (قانون الطغيان)
إن سنة الله تعالى في التعامل الطغيان البشري بجميع صوره وأشكاله هي العقوبة والنكال، سواءً كان طغياناً في السلطة والنفوذ أو المادة والمال أو القوة والسلاح.
قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد (٦) إرم ذات العماد (٧) التي لم يخلق مثلها في البلاد (٨) وَثَمُود الَّذِينَ جابوا الصخر بالواد (٩)} (الفجر).
ثامناً: سنة الله في بطر النعمة وتغييرها (قانون البطر)
قال تعالي: {وضرب الله مثلاً قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانُوا يَصنعُونَ} (النحل ١١٢).
وقال تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تكن تُسكن من بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} (القصص ٥٨).
تاسعاً: سنة الله في الذنوب والسيئات
والذنب هو فعل كل شيء يُخشى من عقوبته، والسيئة في الأصل هي الفعلة القبيحة، وقانون الله في مرتكبي المعصية أن تُصيبهم الفتنة والعذاب.
قال تعالى: {ألم يروا كم أهْلَكْنَا من قبلهم من قرن مكناهم في الأَرْضِ ما لم تمكن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهم مذزاراً وَجَعَلْنَا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذُنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} (الأنعام ٦).
وقال جل شأنه: {أو لم يسيروا في الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَان عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثاراً في الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ الله بدلوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر ٢١).
عاشراً: سنة الله في الإيمان والتقوى والعمل الصالح (قانون التقوى والعمل الصالح)
والمؤمنون هم ورثة الأرض على الحقيقة، وقد وعد الله عباده المتقين الرزق الوفير، وتكفير السيئات، وتوضيح المشكلات من الأمور، والهداية إلى كثير من الأمور.
قال تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ان تتقوا الله يجعل لكُم فرفاناً ويُكَفِّرُ عَلَكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} (الأنفال: ٢٩).
وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا (٢) وبزرقة من حيث لا يحتسب ومن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)} (الطلاق).
الحادي عشر: سنة الله في الاستدراج
وهذا الاستدراج شمل الكافرين والعصاة، وهو نوع من العقوبة المؤجلة، قال تعالى: {الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} (الأعراف ١٨٢). وقال سبحانه: {وأُمَلِي لَهُمْ إِنْ كَيْدِي مَتين} (الأعراف ١٨٣).
وقال جل شأنه: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذْنَاهُم بِالْبَأْسَاء وَالصَّرَاء لَعَلَّهُمْ يتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون (٤٣) فلما نَسُوا مَا ذُكْرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (٤٤)} (الأنعام).
الثاني عشر: سنة الله في المكر والماكرين (قانون المكر)
قال تعالى: {وكذلك جعلنا في كُل قرية أكابر مجرميها ليمكرُواً فيها وما يمكرون إِلا بِأَنفُسهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام ١٢٣)، وقال سبحانه: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يُخْرِجُوك ويمكرون ويمكِّرُ الله وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال ٣٠).
وقال تبارك وتعالى: {وَأَقْسَمُوا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءَهُم نذير ما زادهم إلا نفوراً (٤٢) استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلاً ولن تجد لسنت الله تحويلا (٤٣)} (فاطر).
وقال جل شأنه: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} (النحل ٢٦).
الثالث عشر: سنة الله في طلب الدنيا والآخرة (قانون التوازن)
قال تعالى: {من كان يُريد حزت الأخرة نزد له في حرثه ومن كان يُريدُ حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب} (الشورى ٢٠).
وقال تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا أننا في الدُّنْيا وما له في الآخرة من خلاق (٢٠٠) ومنهم من يقول ربنا أننا في الدُّنْيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (٢٠١) أولئك لهم نصببٌ مِّمَّا كَسَبُواً والله سريع الحساب (٢٠٢)} (البقرة).