أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 27 أغسطس 2022

مناقب الأسد الغالب مُمزِّق الكتائب، ومُظهر العجائب، ليث بني غالب أمير المؤمنين، أبو الحسن، عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه للإمام شمس الدين محمد بن محمد الجزري المقرئ (ت ٨٣٣ هـ)

مناقب الأسد الغالب 

مُمزِّق الكتائب، ومُظهر العجائب، ليث بني غالب

أمير المؤمنين، أبو الحسن، عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه

للإمام شمس الدين محمد بن محمد الجزري المقرئ (ت ٨٣٣ هـ)

 تحقيق: طارق طنطاوي، مكتبة القرآن- القاهرة.
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا ريب أنَّ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان شخصيَّة عظيمة، جمع بين الفروسية والبيان، والجلال والهيبة، والمعرفة والزهد، أضف إلى ذلك قرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم نسباً وصهراً، وقد هلك فيه الرجال ما بين مُحبٍّ مُغالٍ، ومُبغضٍ قالٍ، وحتى لا نقع في الغلو والتقصير؛ فإنه لا بُدٌّ لنا من التحاكم إلى ما بين أيدينا من الأحاديث والآثار، والأخبار التي جاءت في مناقبه وسيرته مما صح أو حسن، ونترك ما دون ذلك، ونختار الأقرب للصواب..

وهذا الكتاب هو جزءٌ لطيف مفيد جـدًا، جمع فيه الإمام الجزري جملة كبيرةً من فضائل سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -وما جمعه من جليل الصفات، وكرم الشمائل، وما حواه من علوم القرآن والحديث، والفقه والقضاء، والزهد، والورع، والتقوى، والشجاعة، والولايـة، والكرم، وحسن الخُلق، وكمال العـقل، وإصابة الرأي، ولكل هذه الصفات، فقد أجمعت القلوب السليمة على محبته، والفطر المستقيمة على سلوك طريقته، فكان حبه علامة السعادة والإيمان، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان.

قلتُ (محمد حنونة) وقد اختصرتُ هذا الكتاب اختصاراً شديداً، نافعاً، اقتصرتُ فيه على ذكر الراوي الأعلى، مع تخريج أحاديثه، وبيان درجتها باختصار شديد.

وقسمت هذا المختصر إلى قسمين:

القسم الأول: ذكرتُ فيه الصحيح من الأحاديث في فضائل الإمام علي بن أبي طالب، وقد بلغت عدتها (١٠) عشرة فضائل مجموعةً في اثني عشر (١٢) حديثاً مرفوعاً وأثراً موقوفاً من مجموع أحاديث الكتاب.

القسم الثاني: أعقبت ذلك بذكر الضعيف من الأحاديث والواهي والموضوع، وقد ذكرتُ فيه ستة وعشرون (٢٦) حديثاً وأثراً واهياً من مجموع أحاديث الكتاب، والتي تضمنت سبعة (٧) أحاديث من المسلسلات كالمسلسل (بالمصافحة، وبالأسودين، وبقص الظفر يوم الخميس، وبالعد، وبوضع اليد على الكتف، وبالسادات، وبالقضاء: ١٨ -٢٤)، وختم بحديث في ذم الرافضة.

القسم الثالث: ذكر بعض اللطائف الإسنادية، والمسلسلات الحديثية، التي هي نافلة في الكتاب، ومنها: (رواية المرأة عن عمتها) واكتفيتُ بذلك.

_________________________________

أولاً: الأحاديث الصحيحة الواردة في مناقب الأسد الغالب (علي بن أبي طالب):

١) هو أكثرُ الصَّحابةِ فضلاً ومَنقبَةً بعد الخلفاء الثلاثةِ الفضلاء:

● قال الإمام أحمد: "ما جاء لأحد من أصحاب النَّبيِّ ﷺ من الفضائل ما جاء لعليِّ بن أبي طالب".

٢) دعا له النَّبيُّ ﷺ يوم غدير خُم، في (١٢/ ذي الحجة، سنة ١١ هـ)، عند عودته من حجة الوداع؛ بقوله: "من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهُمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله"، وهو حديثٌ صحيحٌ متواتر.

(رواه ابن ماجة في سننه: ١١٦، والترمذي في سننه: ٣٧٣١، وصححه الألباني)

٣) ولمَّا خرج النبيُّ ﷺ إلى تبوك سنة (٩هـ)، خلَّف عليَّاً على المدينة، فتحدَّث النَّاسُ بذلك، فبكى عليٌّ، وقال: "أتخلِّفني مع الخوالف!"؛ فقال ﷺ: "أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى، غيرَ أنَّه لا نبيَّ بعدي".

(متفقٌ عليه، رواه البخاري: ٣٧٨٩، ومسلم: ٢٤٠٤)

٤) لا يُحبُّ عليَّاً إلا مؤمن، ولا يبغضُه إلا منافق:

● قال عليٌّ: "والله إنَّه لمِمَّا عهدَ إليَّ رسول الله ﷺ أنَّه لا يبغضني إلا منافق،
ولا يُحبُّني إلا مؤمن". (رواه مسلم في صحيحه: ٧٨)

● وفي رواية، قال: "والذي فلق الحبَّة،  وبرأ النسمة، إنَّه لعهدُ النبيِّ الأميِّ إليَّ،  أنَّه لا يُحبُّني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق". (صحيح، رواه ابن ماجه في سننه: ١١٤)

● وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: "كُنَّا معشر الأنصار نعرف المنافقين ببغضهم عليَّ بن أبي طالب" (الحلية: ٦ /٢٩٤).

● وعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه، قال: "ما كُنَّا نعرف المنافقين إلا بتكذيب الله ورسوله لهم، والتخلف عن الصلاة، والبُغضُ لعليِّ بن أبي طالب". (صحيح، رواه أحمد في فضائل الصحابة: ٩٧٩).

٥)  من آذى عليَّاً، فقد آذى رسول الله ﷺ: 

عن أمِّ سلمة، قالت، سمعتُ رسول الله ﷺ، يقول: "من سبَّ عليَّاً فقد سبَّني" .

(رجاله ثقات، رواه أحمد في مسنده: ٢٦٧٤٨، والحاكم في المستدرك: ٤٦١٥، وقال الذهبيُّ: صحيح)

٦) عليٌّ رجلٌ يُحبُّه الله ورسوله:

فعن سهل بن سعد، أن رسول الله ﷺ، قال يوم خيبر ٧ هـ: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح النَّاسُ، قال: "أين علي بن أبي طالب، فأعطاه الراية".

(متفقٌ عليه، رواه البخاري: ١١١، ومسلم: ٢٤٠٦).

٧) أنَّه لم يَرمَد، ولم يُصدَع رأسه، منذ مسح عليه رسول الله ﷺ:

عن أم موسى، قالت: سمعتُ علياً، يقول: "ما رمِدتُ ولا صُدعتُ منذ مسح رسول الله ﷺ وجهي، وتفل في عيني يوم خيبر". 

(حسن، رواه أحمد في مسنده ١/ ٧٨، وله شواهد)

٨) عليٌّ أقضانا:

وعن حبيب بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: "عليٌّ أقضانا، وأُبيٌّ أقرؤنا". 

(إسناده صحيح لولا عنعنة حبيب، وأخرجه الحاكم (٣/ ١٣٥)، عن ابن مسعود،
وقال: صحيح ولم يُخرجاه، وهو صحيح)

٩) علي بن ابي طالب إمام هاد، مهدي:

عن فضيل بن مرزوق، ثنا أبو إسحاق، عن زيد بن يثيع عن علي، قال: قال رسول اللهﷺ: "إن تُولوا أبا بكر، تجدوه زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وإن تُولوا عمر، تجدوه قوياً أميناً لا تأخذه في الله  لومة لائم، وإن تولوا علياً، تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراط المستقيم، ولن تفعلوا". 

(حسن الإسناد، قال ابن الجزري: رواه البزار في مسنده (١٥٧١)، وإسناده صحيح الرجال، كلهم ثقات على شرط مسلم، إلا زيد بن يثيع، روى له أصحاب السنن، وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع به. وقال ابن الجزري: كذا رواه أحمد  في مسنده (١/ ١٠٩)).

١٠) وعن أسماء بن الحكم، وكان ثقةً، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: سمعتُ من رسول الله ﷺ حديثاً نفعني الله  بما شاء منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وأن أبا بكر حدَّثني، وصدق، قال: "ما من رجلٍ يُصيبُ ذنباً، فيتوضأ، ثُمَّ يُصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر الله له".

(صحيح، رواه أحمد (٢، ٤٧، ٥٦)، والطيالسي (ص٢)، كلاهما في مسنده، وغيرهما).
_________________________________

ثانياً: الأحاديث الضعيفة الواردة في مناقب الأسد الغالب (علي بن أبي طالب):

١) ما رُوي عن عُبادة بن الصَّامتِ، وأبي ذرٍّ أنَّهما قالا: 

"كُنَّا نبور -نختبر- أولادنا بحُبِّ علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحدهم لا يُحبُّ عليَّاً، علمنا أنه ليس منّا، وأنه لغيرِ رشده -يعني ولد زنا-".

(موضوعٌ، فيه حصين بن مُخارق مُتَّهم بالوضع، ولا يصحُّ بحال).

٢) ورُويَ عن شريك بن عبد الله (وكان سيِّئ الحفظ)، أنه قال: 

"إذا رأيتَ الرَّجُلَ لا يُحبُّ عليَّ بن أبي طالب، فاعلم أنَّ أصله يهوديٌّ". 

(وهذا لا يصحُّ أيضاً).

٣) وما روي عن أبي سعيدٍ، وجابر، عن النَّبي ﷺِّ أنَّه قال لعليٍّ: 

"كذب من زعم أنه يُحبُّني ويبغضك".

(رواه الطبرانيُّ، ولا يصحُّ أيضاً، وضعف إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/ ١٣٢- ١٣٣)).

٤) وما جاء في حديث المؤاخاة،وقول النَّبيِّ ﷺ لعليّ: 

"أنت أخي في الدُّنيا والآخرة"

(ضعيفٌ؛ رواه الترمذي (٣٧٢٠)، وفيه حكيم بن جبير: ضعيف، وطرقه معلولة، ولا يصحُّ بحال).

٥) وما رُوي عن عائشة مرفوعاً: 

"أنا سيِّد ولد آدم، وعليٌّ سيِّدُ العرب"

(موضوع، رواه الحاكم في المستدرك (٣/ ١٢٤)، وفيه عمر بن الحسن متهمٌ بالوضعِ).

٦) وحديثُ زيد بن أرقم: كان لأصحاب النبيِّ ﷺ أبوابٌ شارعةٌ إلى المسجد، فقال النبيُّ ﷺ يوماً: "سُدُّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ".

(ضعيف، رواه أحمد في مسنده (٤/ ٣٦٩)، وفيه ميمون بن عبد الله ضعيف).

٧) وما رُوي عن أبي سعيد، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال لعليّ في مرضه: 

"لا يحلُّ لأحدٍ يُجنِبُ في هذا المسجد غيري وغيرك" -يعني: يستطرقه!

(ضعيف، فيه عطية العوفي: ضعيف مُدلِّس). 

٨) وفي رواية لأم سلمة، عنه أنه قال: "لا يحلُّ المسجد للجنب، ولا للحائض، إلا لمحمَّد، وأزواجه، وعليٌّ، وفاطمة بنت محمَّد".

(وفي إسناده: عطية العوفي، وكثير النواء ضعيفين).

٩) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان أبي يسهر مع علي رضي الله عنه، وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف؛ فقيل له: لو سألته!، فسأله، فقال: دعا لي النَّبي ُّﷺ يوم خيبر: "اللهمَّ أذهب عنه الحرَّ والبرد". 

(ضعيف، رواه أحمد في فضائل الصحابة (٩٥٠)، وابن ماجه (١١٧)، وغيرهما من طريق ابن أبي ليلى، وهو ضعيف؛ لسوء حفظه).

١٠) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي، عن فاطمة بنت محمد ﷺ، قالت: خرج علينا رسول الله ﷺ، فقال: "إن الله عز وجل باهى بكم، فغفر لكم عامَّة، وغفر لعليٍّ خاصَّة، وإني رسول الله إليكم غير هائبٍ لقومي، ولا مُحابٍ لقرابتي، هذا جبريل يُخبرني أن السعيد كل السَّعيد، حقَّ السعيد من أحبَّ علياً في حياتي وبعد وفاتي"، قال ابن الجزري: حديث غريب.

(وقال المُحقِّق: فيه من لم أعرفه، ورائحة النكارة تفوح منه).

١١) عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي، قال: دعاني رسول الله ﷺ؛ فقال: "يا علي إن فيك من عيسى مثلاً، أبغضته اليهود حتَّى بَهَتوا أُمَّه! وأحبته النصارى حتَّى أنزلته بالمنزلة التي ليس بها". 

(ضعيف الإسناد، باطل المتن، رواه أحمد في الفضائل (١٢٢١)، والنسائي في خصائص علي (١٠٠)، وابن الجوزي في الواهيات (١/ ٢٢٧)، وفيه الحكم بن عبد الملك، وهَّاه ابن معين، وتوبع بمحمد بن كثير الملائي، وهو منكر الحديث. وفيه: ربيعة بن ناجد، قال عنه الذهبيُّ: لا يكاد يُعرف، وفيه عيسى بن عبد الله يروي الموضوعات عن آبائه).

١٢) وروى عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحيُّ، عن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها". 

(رواه الترمذي (٣٧٢٣)، وأحمد في فضائل الصحابة (١٠٨١)، ورواية ابن عباس عند الحاكم (٣/ ١٢٦)، والخطيب (١١ / ٤٨- ٥٠) بلفظ: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها؛ فمن أراد العلم، فليأتها من بابها"، ورواه جابر بن عبد الله ولفظه: "فمن أراد العلم فليأتِ الباب"، وفيه جماعةٌ من الضعفاء، وانظر ما قاله المعلمي اليماني في تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص ٣٤٩)).

١٣) عن أحمد بن عمران بن سلمة عن سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنتُ عند النَّبيِّ ﷺ؛ فسُئل عن علي؛ فقال: "قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء، والناسُ جزءاً واحداً"، قال ابن الجزريّ: كذا رواه الحافظ أبو نُعيم في الحلية، وهو مُنكرٌ مُركَّب على سفيان، والله أعلم.

(وهذا الحديث باطلٌ، وآفته من روى عن الثوري، وهو أحمد بن عمران بن سلمة، قال الذهبيُّ: "لا يُدرى من ذا"، وقال الأزدي: "مجهولٌ منكر الحديث"، انظر اللسان (١/ ٢٥٤- ٢٥٥)).

١٤) عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود، قال: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف، ما منها إلا له ظهر وبطن، وإن عليَّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطل". 

(ضعيفٌ جداً، وإسحاق بن محمد بن مروان ليس مما يُحتجُّ بحديثه. انظر اللسان (١/ ٤١٧)).

١٥) عن أبي شيبة الجندي سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن تستخلفوا علياً، وما أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهديَّاً، يحكملكم على المحجة البيضاء"، قال ابن الجزري: حديثٌ حسن الإسناد، رجاله موثقون، ورواه أيضاً إبراهيم بن هراسة عن الثوري به. 

(قال المُحقِّقُ: وفيه من لم أهتدِ إليه)

١٦) وروى عن شريك عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قالوا يا رسول الله، ألا تستخلف علينا؟ قال: "إن استخلف عليكم، فتعصون خليفتي، ينزل عليكم العذاب". قالوا: ألا تستخلف أبا بكر؟، قال: "إن تستخلفوه تجدوه ضعيفاً في بدنه قوياً في أمر الله"، قالوا: ألا تستخلف عمر؟، قال: "إن تستخلفوه تجدوه قوياً في بدنه، قوياً في أمر الله"، قالوا: ألا تستخلف عليَّاً؟، قال: "إن تستخلفوه ولن تفعلوا يسلك بكم الطريق المستقيم، وتجدوه هادياً مهدياً". 

(ضعيف، قال ابن الجزري: رواه البزار (١٥٧٠- مسنده)، وقال: لا نعلمه روي عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، وأبو اليقظان هو عثمان بن عمير، قد ضعفوه، وقالوا: كان شيعياً.. وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٧٦): فيه أبو اليقظان عثمان بن عمير ضعيف).

١٧) عن يونس، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال: قلتُ لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا، أَعهدٌ عهده إليك رسول الله ﷺ أم رأيٌ رأيته؟ قال: ما عهد إليَّ رسول الله ﷺ بشيٍ، ولكنه رأيٌ رأيته.قال ابن الجزري: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ، لا شك فيه، فرضي الله عنه وأرضاه،  لم يأْلُ فيما قال عن الحقِّ، ومحضُ الصدق، وهذا هو المظنون به رضوان الله عليه".

(قلتُ: ضعيف، فيه تدليس الحسن، ويونس مدلسان).

١٨) المسلسل بالمصافحة:

وبإسناده: عن عيسى القصَّار، قال: صافحتُ الحسن، قال: صافحتُ عليَّ بن أبي طالب، وقال: صافحتُ رسول الله ﷺ، قال: "صافحت كفِّي هذه سُرادقات العرش". 

(وفي إسناده مجاهيل، ومن لم نقف عليه)

١٩) المسلسل بالأسودين:

وبإسناده: عن الحسين بن علي، قال: أضافني عليُّ بن أبي طالب على الأسودين: التمر والماء، وقال: "من أضاف مؤمناً فكأنما أضاف آدم، ومن أضاف اثنين؛ فكأنما أضاف آدم وحواء، ومن أضاف ثلاثة، فكأنما أضاف جبريل وميكائيل، وإسرافيل".

قال ابن الجزري: "وهو حديث غريبٌ جداً، لم يقع لنا من هذا الوجه إلا بهذا الإسناد، والله أعلم".

(قلتُ: موضوع، أخرجه أبو الفيض الفاداني المكي في (العجالة في الأحاديث المسلسلة: ص 14- 15/ ط دار البصائر -من طريقه عن علي بن الحسن الواعظ به).

٢٠) المسلسل بقصِّ الأظافر يوم الخميس:

وبإسناده: عن الحسين بن علي أنه كان يُقلِّم أظفاره يوم الخميس، ويقول: رأيتُ علياً يُقلِّم أظفاره يوم الخميس، قال: رأيتُ رسول الله ﷺ يُقلِّم أظفاره يوم الخميس؛ ثم قال:
"يا عليّ، قصُّ الظُّفرِ، ونتف الإبط، وحلقُ العانةِ يوم الخميس، والغُسل والطيب واللباس يوم الجمعة".

(موضوع، أخرجه التيميُّ في مسلسلاته، والديلمي في مسنده؛ كما في العجالة؛ لأبي الفيض المكي (ص ٣٠)، وضعفه السخاويُّ في الجواهر، وصرح بأن رجاله لا يُعرفون، وقال ابن حجر: لم يثبت في استحباب قصِّ الأظفار يوم الخميس شيء).

٢١) المسلسل بالعدِّ:

وبإسناده: عن الحسين بن علي، أن عليَّ بن أبي طالب حدَّثه بهذه الكلمات، وعدَّها في يده؛ فقال: حدثني رسول اللهﷺ، وعدهنَّ في يدي، قال: "عدهُنَّ في يدي جبريل، قال جبريل: هكذا نزلتُ بهنَّ من عند رب العزَّة عز وجل، اللهمَّ صلِّ على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وبارك على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهمَّ وتحنَّن على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما تحنَّنتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهمَّ وسلِّم على مُحمَّد وعلى آل محمد؛ كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد".

(قال السَّخاويُّ في (القول البديع ص ٤٨- ط. الريان): "ورجال سنده فيهم من اتُّهم بلكذب والوضع، فالحديث بسبب ذلك تالف").

٢٢) المسلسل بوضع اليد على الكتف:

وبإسناده: عن الحارث الأعور، قال: حدثني عليُّ بن أبي طالب ويده على كتفي، قال: حدثني رسول الله ﷺ ويده على كتفي، قال: "حدثني الصادق الناطق، رسول ربِّ العالمين، وأمينه على وحيه، جبريل عليه السلام، ويده على كتفي، قال: سمعتُ إسرافيل، يقول: سمعتُ اللوحَ، يقول:  سمعُ الله عز وجل من فوق العرش، يقول للشيء:  كُن! فلا يبلغ الكاف النون، حتى يكون ما يكون".

(قلتُ: باطلٌ، وقد صرَّح ببطلانه الحافظ السَّخاويُّ، كما في العُجالة للفاداني، (ص ٩٥- ٩٦)، وفيه روى هذا الحديث بإسناده).

٢٣) المُسلسل بالسَّادات:

وبإسناده: عن أبي حامد أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري، حدثنا محمد بن الحسن بن علي إمام عصره، حدثنا أبي الحسن بن علي السيد المحجوب، حدثنا ابن علي بن موسى الرضا، حدثنا أبي موسى بن جعفر الكاظم، حدثنا أبي جعفر بن محمد الصادق، حدثنا أبي محمد بن علي الباقر، حدثنا أبي علي الحسين زين العابدين بن علي، حدثنا أبي الحسين بن الحسين ابن سيد الشهداء، حدثنا أبي علي بن أبي طالب سيِّد الأولياء، أخبرني سيِّدُ الأنبياء مُحمَّد ﷺ، قال: "أخبرني جبريلُ سيِّدُ الملائكة، قال: قال الله -سيِّدُ السادات- إني أنا الله لا إله إلا أنا، مَن أقرَّ لي بالتوحيد، دخل حِصني، ومن دخل حِصني، أمن عذابي!".قال ابن الجزريِّ: "كذا وقع هذا الحديث بهذا السياق من المسلسلات السعيدة، العمدة فيها على البلاذري، والله أعلم".

(قلتُ: فيه من لم أقف على حاله، والحديث أخرجه الشيرازي في الألقاب؛ كما في
(التحافات السَّنيَّة بالأحاديث القُدسيَّة)؛ للمناوي برقم (٤٥)).

٢٤) المسلسل بالقضاة:

وبإسناده عن القاضي شُريح، قال: حدثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: "شُمُّوا النرجس ولو في اليوم مرَّة، ولو في الشهر مرة، ولو في السنة مرة، ولو في الدهر مرة، فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص، لا يقطعها إلا شمُّ النرجس". قال ابن الجزريِّ: "رويناه هكذا مسلسلاً بالقُضاةِ، من هذه الطريق، بهذا اللفظ، ورواه الحافظ أبو منصور شيرويه الديلمي مسلسلاً أيضاً بالقضاة، متصلاً بالقاضي أبي القاسم محمد بن محمد الخلال".

(منكرٌ جداً، قالها ابن عساكر، وانظر (تنزيه الشريعة)؛ لابن عراق: (٢/ ٢٧٦- ٢٧٧)، وفردوس الأخبار للديلمي (برقم: ٣٤٠٦)).

٢٥)  حديثُ الرَّافضة:

وعن علي بن أبي طالب، قال: قال النَّبيُّ ﷺ: "يظهر في آخر الزمان قومٌ يُسمَّونَ الرافضة، يرفضون الإسلام" قال ابن الجزريّ: "رواه الإمام أحمد في (مسنده)، عن محمد بن جعفر الوركاني، عن يحيى بن المتوكل به، ويحيى الوركاني ضعفوه، وفيه كثير النواء شيعيٌّ وثقوه، وقد رويناه من حديث ابن عباس مرفوعاً، بلفظ: "يكونُ في آخر الزمان قومٌ يُسمَّونَ الرافضة، يرفضون الإسلام، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فإنهم مشركون"، وفي رواية: "ينبذون".

(ضعيف جداً، أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (١/ ١٠٣)، وفيه يحيى بن المتوكل منكر الحديث، وكثير ضعيف).

٢٦) وعن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي، قال: حدثني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ أخذ بيد حسنٍ وحُسين؛ قال: "من حبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمُّهما كان معي في درجتي يوم القيامة".قال ابن الجزري: "حديثٌ حسن الإسناد، رواه الترمذي، عن نصر بن علي، فوافقناه بعلو، ولله الحمد، وقال الترمذي: لا نعرفه من حديث جعفر إلا من هذا الوجه".

(رواه الترمذيُّ (٣٧٢٣)، وقال الذهبيُّ في (الميزان ٣/ ١١٧) عن هذا الحديث: مُنكرٌ جداً).

_________________________________

ثالثاً: ذكر اللطائف الإسنادية الواردة في كتاب مناقب الأسد الغالب:

١- المسلسل برواية البنت عن عمتها:

روى الإمام ابن الجزري بإسناده (ح ٥، ص ١٤)، عن بكر بن أحمد البصري، قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، قالت: حدثتني فاطمة، وزينب، واُم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن:َ حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي،قالت: حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن اُم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ ﷺ ورضي الله تعالى عنها، قالت: "أنسيتم قول رسول الله ﷺ يوم غدير خم : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه" وقوله ﷺ: "أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى" قال ابن الجزري: وهذا الحديث روته خمس بنات أخوة، كل واحدة تروي عن عمتها.





الجمعة، 26 أغسطس 2022

تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره والرد على من ضعَّفه تأليف محمد ناصر الدين الألباني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره 

والرد على من ضعَّفه

تأليف محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه الرسالة ألفها العلامة الألباني رداً على كلمة كتبها الشيخ عبد الله الهرري في كتابه (التعقب الحثيث) تعقب فيها الشيخ الألباني في تصحيحه لحديث أنس رضي الله عنه، أنه أفطر في بيته قبل إرادته الخروج للسفر، وأخبر أنس أنه (سُنة) يعني عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا يجعله في حكم المرفوع.

ولا شك أن هذا الحديث يُفيد جواز إفطار الصائم في بيته قبل سفره، وقد نُشر مقال الألباني في مجلة التمدن الإسلامي، ثم رأى الألباني أن يُفرده في هذه الرسالة المستقلة، فجزاه الله خيراً.

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة وهي إفطار الصائم قبل سفره، بناءً على تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، مع وجود روايات أخرى تعضد ما ذهبوا إليه، وبيان تلك المذاهب المشهورة، فيما يلي:

١-ذهب أكثر أهل العلم، ومنهم الشافعية، والمالكية، الحنفية، إلى أن من أصبح صائماً ثم سافر، فعليه أن يُتم صومه، وليس له أن يفطر في ذلك اليوم ألبتة. بخلاف ما لو خرج قبل الفجر، فله الإفطار؛ لأنه لم يتلبس بالعبادة بعد.

واستدلوا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (البقرة: ١٨٧)، مع تركهم العمل بحديث أنس الآتي، وأخذهم بالأحوط.

٢-وذهب الحنابلة إلى أن له الفطر إذا برز عن البيوت، وهو قول المزني من الشافعية، واحتجوا بالحديث الصحيح: (أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان حين بلغ الكديد، وهو في طريقه إلى مكة).

والاستدلال بهذا الحديث لا يصح، فقد قال الحافظ في الفتح: "ومن قال كذلك، قاله ظناً منه أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي أخرج فيه من المدينة، وليس كذلك، فإن بين المدينة والكديد عدة أيام" انتهى.

٣-وذهب داود الظاهري، وغيره إلى أن له الفطر إذا وضع رجله في الرحل، وهو مخالف لرواية أنس أنه أفطر، ثم ركب رحله.

٤-وذهب جمع من الصحابة والتابعين والعلماء إلى أن له الفطر في بيته يوم يريد السفر، قبل أن يخرج.

وهو قول أنس بن مالك الموافق لروايته، والحسن البصري، وعدد من الصحابة والتابعين (كما سيأتي في الوجه السادس، وهو مذهب ابن العربي من المالكية في "عارضة الأحوذي"، وتبعه عليه القرطبي في "تفسيره"، والحافظ ابن عبد البر في "التمهيد"، وهو ما استظهره الصنعاني في "سبل السلام"، والشوكاني في "نيل الأوطار".

وبناءً على ذلك يصفو لنا مذهبان:

(أحدهما) وهو قول أكثر أهل العلم، وهو المنع في الفطر بعد الفجر لمريد السفر. 

(والثاني) إباحة الفطر بعد الفجر لمريد السفر، وهو قول أنس والحسن، ومن وافقهما من المعاصرين كالإمام الألباني الذي ذهب إلى تصحيح هذا الحديث في هذه الرسالة.

________________________________

ويمكن تلخيص كلام الألباني في هذه الرسالة في أربعة أمور:

الأول: الجواب على الاعتراضات الموجهة إلى حديث أنس.

الثاني: تأكيد صحة حديث أنس، والجواب على من ضعف.

الثالث: الاستدلال بحديث أبي بصرة الغفاري.

الرابع: فقه الحديث ومن قال به.

_________________________________

أ- حديث أنس رضي الله عنه:

وهذا الحديث حسَّنه الترمذي، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقال: للمسافر أن يُفطر في بيته قبل أن يخرج، وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية، وهو قول إسحاق.

أما حديث الترمذي (799 -باب من أكل ثم أخرج يُريد سفراً)، فقال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب، أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً،  وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة ثم ركب.

وقال (800): حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثني زيد بن أسلم قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب، قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان، فذكر نحوه.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير هو مديني ثقة، وهو أخو إسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن جعفر هو ابن نجيح والد علي بن عبد الله المديني، وكان يحيى بن معين يضعفه".

________________________________

أولاً: الاعتراضات الواردة على حديث أنس رضي الله عنه (أربعة):

الأول: ترجيح أبي حاتم لرواية الدارودي، بلفظ: (ليس بسنة)، على الرواية الأخرى عن عبد الله بن جعفر: (نعم سنة)، وعبر عنها "برواية الإثبات".

الثاني: تضعيف الحافظ العراقي للرواية الأخرى.

الثالث: عدم جزم بعض الرواة بها.

الرابع: الاختلاف في متنه على سعيد بن أبي مريم، فذكر بعضهم عنه: أن اللفظ كان من أجل السفر، وبعضهم أنه كان من أجل يوم الشك.

______________________________________

ثانياً: بيان هذه الاعتراضات والجواب عنها:

وقد ضعَّف حديث الترمذي اثنان من العلماء، وهما:

١- أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (ص 240).

٢-والحافظ الزين العراقي كما في "شرحه على الترمذي" (مخطوط).

ولكن هذا التضعيف مُعارض بتصحيح غيرهما، وهم جماعةٌ من العلماء والمحدثين، منهم: الترمذي، وابن العربي، والضياء المقدسي، وابن القيم في "الزاد"، وأبو المحاسن المقدسي في "مختصر أحاديث الأحكام"، ويمكن أن يُضمَّ إليهم إسحاق بن راهويه والإمام أحمد، فإنهما أخذا بهذا الحديث وعملا به، وهذا دليل على أن الحديث ثابتٌ عندهم.

_______________________________________

-أما الجواب على تضعيف أبي حاتم لهذا الحديث: 

فقد قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب: أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، فوجده قد رحلت راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلنا: أسنة؟ قال: ليس بسنة.

ثم ذكر الرواية الأخرى الموافقة لما في "الترمذي"؛ فقال: ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر، عن ابن المنكدر، عن محمد بن كعب: أنه أتى أنس بن مالك ... فذكر الحديث؛ قال: فقلت: سنة؟ فقال: نعم، سنة. 

ثم قال أبي: حديث الدراوردي أصح. انتهى.

قال المعترض (الهرري): الظاهر أن أبا حاتم رجح رواية النفي على رواية الترمذي التي فيها الإثبات.

وأجاب الألباني على هذا الاعتراض من وجهين: 

الوجه الأول: أن ترجيح أبي حاتم إنما هو محصور بين روايتين (رواية الداروردي، ورواية ابن مجبر) وليس منهما الترمذي، ثم هو ترجيح صحيح، لأن الداروردي ثقةٌ على ضعفٍ يسير في حفظه. خلاف الحديث الآخر الذي فيه ابن مجبر، فإنه ضعيف اتفاقاً. ويُفهم من هذا ترجيح رواية الداروردي على رواية الترمذي.

أما رواية الترمذي، فلم يرد لها ذكرٌ في كلام أبي حاتم، لا تصريحاً ولا تلويحاً، بل لعله لم يقف عليها أصلاً .. ثم هي أقوى من رواية الدارودي، كما سيأتي.

الوجه الثاني: أن قول الدارودي في روايته (ليس بسنة) منكر، أو على الأقل شاذ، لسببين:

أ- مخالفته لمن هو أوثق منه ألا وهو محمد بن جعفر بن أبي كثير، وهو ثقة كما قال الترمذي، .. بل احتج به الشيخان وجميع أصحاب السنن وغيرهم، فروايته هي الراجحة عند التعارض على رواية الداروردي؛ لأنه مختلف فيه.

ب-أن رواية الدارودي لا متابع لها، ولا شاهد، خلافاً لرواية محمد بن جعفر، فإن لها متابعاً، وشاهد. أما المتابع فهو ما روي عن عبد الله بن جعفر (وهو ضعيف، يكتب حديثه) ولا بأس به في المتابعات. وأما الشاهد فهو حديث ابن مجبر) ولا يضر ضعف لأنه في الشواهد.

_______________________________________

-أما الجواب على تضعيف الزين العراقي لهذا الحديث:

فهو كما يلي: فقد ضعف الزين العراقي حديث الترمذي بعبد الله بن جعفر، وقال صاحب "الميزان": متفق على ضعفه. 

وبين أن الترمذي إنما حسَّن رواية عبد الله بن جعفر بن نجيح التي فيها الإثبات برواية محمد بن جعفر بن أبي كثير، وهو لم يسُق رواية الأخير، وإنما قال فيها: نحوه.

قال العراقي: وقوله (بنحوه) لا يقتضي أنه بلفظه، أي بلفظ الإثبات. 

وأيد العراقي قوله برواية أخرى عند إسماعيل بن إسحاق القاضي في "كتاب الصيام"، فذكر فيها رواية محمد بن جعفر، وفيها: عن محمد بن المنكدر، عن محمد كعب، قال: فقلت أهو سُنة؟ قال: فلا أحسبه إلا قال نعم!

وقوله (لا أحسبه إلا قال نعم) هذه اللفظة محتملة، ويرد عليها الشك.

ثم إن رواية الترمذي عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر (مضطربة)، ذلك أن رواية سعيد بن أبي مريم، ذلك أن السياق جاء في صيام يوم الشك، كما في رواية الطبراني عند في الأوسط. مع مجيء ما يعضد رواية سعي بن أبي مريم، فقد تابعه خالد بن نزار على روايته من هذا الوجه، وهي عند الطبراني -أيضاً -في الأوسط.

وأجاب الألباني على هذا الاعتراض من وجوه: 

الوجه الأول: أن رواية محمد بن جعفر التي لم يجزم فيها بكون الفطر بعد الفجر سنة، لا تعارض الرواية التي جزم فيها بأنه سنة، وغاية ما في الأمر أنه لم يصرح بالإثبات، ولكنه لم ينفِ، وعليه ترجح رواية الإثبات؛ لأن المثبت لديه زيادة علم.

الوجه الثاني: أن الرواية التي لم يجزم فيها بكون ذلك سنة، تفرد بها عيسى بن مينا، عن محمد بن جعفر، وعيسى بن مينا: ضعيف في الحديث. ثم قد روى الضياء المقدسي في "المختارة" هذا الحديث من طريق عيسى بن مينا، بلفظ الإثبات. والظاهر أن إسماعيل القاضي -الذي يروي عن ابن مينا -لم يضبط الرواية عنه، فقال: (أحسبه قال).

الوجه الثالث: أن رواية الترمذي لحديث محمد بن جعفر من طريق شيخة محمد بن إسماعيل البخاري، وإحالته على حديث عبد الله بن جعفر الذي قبله، وقوله (بنحوه) يُفيد إلى أنه مثله في المعنى، و"نحوه" وإن كانت لا تفيد المماثلة إلا أنها تفيد المشابهة، والاتفاق في بعض الألفاظ.

الوجه الرابع: أن رواية يحيى بن سعيد العلاف عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر أن القصة (يوم يشكون) لم يوافقه عليها أحدٌ ممن روى هذه القصة عن سعيد بن أبي مريم، كما أن العلاف ضعيف، وإذا كان ثقةً فروايته شاذة، فكيف وهو ضعيف، فلا شك أن روايته منكرة، وروى هذا الحديث الدارقطني من طريق سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، فذكر أنه قال: هو سنة، ولم يشك. ولذا قال ابن العربي: حديث أنس صحيح، ولم يقل به إلا أحمد بن حنبل (انظر ص 26).

الوجه الخامس: أنه يشهد لحديث أنس القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: ١٨٤)، وهذا يشمل من كان في السفر، ومن تأهَّب للسفر.

ويشهد له ما رواه أحمد في مسنده (٢٧٢٣١): عن دحية بن خليفة، أنه خرج من قريته إلى قريب من قرية عقبة في رمضان، ثم أنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، قال: فلما رجع إلى قريته قال: «والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه» ، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: «اللهم اقبضني إليك» وهذا حديث صحيح.

الوجه السادس: أنه ثبت عن عددٍ من الصحابة والتابعين العمل به، مثل: عمر بن الخطاب، وأبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن شرحبيل، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري.

_______________________________________

ثالثاً: بيان حديث أبي بصرة الغفاري:

قال أبو داود في سننه (٢٤٢١): حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثني عبد الله بن يزيد، (ح) وحدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا عبد الله بن يحيى، المعنى حدثني سعيد بن أبي أيوب، وزاد جعفر، والليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره، عن عبيد، قال: جعفر ابن جبر، قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري -صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط -في رمضان، فرفع ثم قرب غداه، قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة «أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال جعفر في حديثه: فأكل.

وقد ذكر المعترض أنه لا يكفي سكوت أبي داود على الحديث في تصحيحه، وإنما ينبغي النظر في أقوال الأئمة بعده.

الوجه الأول: أن رجال أبي داود وأحمد كلهم ثقات محتج بهم في الصحيحين، عدا كليب بن ذهل، وقد وثقه ابن حبان، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، ووثقه يعقوب بن سفيان، والعجلي، وهو صحيح على شرط هذا المعترض، كما أنه صحيح في نفس الأمر.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث هو اعتبارٌ ثانٍ لحديث أنس المتقدم، لمجيئه بنفس معناه، لأن أقل أحواله أنه حسنٌ لغيره.

الوجه الثالث: أن حديث أبي بصرة موافق لحديث أنس في المعنى، بدلالة ترجمة أبلي داود له، بقوله (باب متى يُفطر المسافر إذا خرج؟)، وترجمة الإمام البليهقي له، بقوله (باب من قال يُفطر وإن أخرج بعد طلوع الفجر)، وبقرينة اعتراض عُبيد بن جبر في الرواية على أبي بصرة، بقوله (ألست ترى البيوت؟). أما قول عُبيد بن جبر: "ثم قرب إليه غداءه" والغدوة عندهم ما بين الفجر إلى طلوع الشمس، وليس الغداء المعروف في وقتنا المعاصر الذي يكون بعد الظهر.

____________________________________

خلاصة كلام العلامة الألباني في رسالته رداً على الهرري:

١-خطأ الهرري في تضعيف حديث أنس، وهو صحيح كما تقتضيه قواعد علم الحديث.

٢-إعراضه عن تقليد من صححه مع أنهم أكثر ممن ضعف، وهذا خلاف المفروض في المقلدين ومنطقهم، الذي من العادة أن يحتجوا بالكثرة والسواد الأعظم!

٣-تضعيفه لحديث أبي بصرة خطأ، بل إنه صحيح على مقتضى نهج المعترض في التصحيح، حيث أنه يقبل توثيق ابن حبان.

٤-إعراض المعترض عن الاستشهاد بحديث أبي بصرة مع أنه صالح لذلك عنده.

٥-كتم المعترض لحديث دحية، مع أنه صحيح أيضاً على منهجه، وما ذلك إلا لأنه صريح الدلالة على خلاف مذهبه.

٦-غفلته عن تأييد القرآن للأحاديث الثلاثة.

٧-غفلته أيضاً عن الآثار المؤيدة لها، وبعضها عن عمر الفاروض، رضي الله عنه.







الخميس، 25 أغسطس 2022

الأحاديث المكذوبة والواهية في كتاب الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي المكي علي رضا بن عبد الله بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الأحاديث المكذوبة والواهية في كتاب الفتاوى الحديثية

لابن حجر الهيتمي المكي

علي رضا بن عبد الله

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا البحث النفيس في بيان الأحاديث المكذوبة والواهية التي ذكرها ابن حجر الهيتمي في كتابه "الفتاوى الحديثية"، للباحث علي رضا بن عبد الله، وقد أتى فيه على عدد من الأمثلة لتلك الأحاديث، وناقش فيها ابن حجر مناقشة حديثية، وهذا البحث منشور في مجلة الحكمة العدد (١٥)، الصفحات من (٢٢٥ إلى ٢٥١).

ويأتي هذا البحث ضمن سلسلة مقالات كتبها الباحث في جريدة "المدينة"، بعنوان (لا تكذب عليه متعمداً)، تناول فيها عدداً من الكتب والأبحاث والمقالات التي أساء أصحابها في هذا الجانب، وهو التساهل في جانب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذكر الأحاديث الواهية والموضوعة والضعيفة في مقالاتهم وأبحاثهم وتآليفهم.

أما سبب اختيار "الفتاوى الحديثية" لابن حجر المكي، فهو شهرة هذا الكتاب، وعناية الطلبة به، وعزو كثير من الباحثين إليه، مع الغفلة عن هذا الأمر ألا وهو إيراده لمثل تلك الأحاديث الموضوعة في كتابه.

وقد ذكر الباحث في بحثه ثلاثة وثلاثين (٣٣) حديثاً واهياً أو موضوعاً، ذكرها الهيتمي في "الفتاوي الحديثية"، وناقشها نقاشاً علمياً حديثياً، وبين فيها أن الهيتمي سكت عن هذه الأحاديث الباطلة موهماً صحتها، مع ملاحظة تكرار هذا السكوت، وتقريره بعض ما اشتملت عليه هذه الأحاديث، وتساهله الشديد مع هذه المكذوبات والخرافات، وجعلها أصلاً يعترض بها على بعض ما أورده كبار المحدثين عليها، وقد رصصتُ هذا البحث كاملاً هنا، ووضعتُ مقدمة وجيزة عن الأحاديث الموضوعة، انتخبتها من "نزهة النظر" للحافظ ابن حجر، وأما الأحاديث، فأورد أطرافها، لتُعلم، وليسهل الرجوع إليها، وهي:

١-«ليس أحد يدخل الجنة إلا أجرد أمرد إلا موسى بن عمران .. »

٢-«إنا الله لطَّفَ الملكين الحـافظين حتى أجلسهما على الناجذين .. »

٣-«امسح برأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه  .. »

٤-«أول ما خلق الله نور نهك يا جابر...» 

٥-«إن لله تعالى في الجنة نهراً، يدخله جبريل، فينفض قطراً..»

٦-«قصة هاروت وماروت مع الزهرة»

٧-«لن يراه خلقٌ -يعني جبريل- إلأ عمي إلا أن يكون نبياً..»

٨-«لا تنزلوهن العُزَف ولا تعلموهن الكتابة»! 

٩-«فضل قراءة آل عمران يوم الجمعة»! 

١٠-«لا تقولوا قوس قزح، فإن قزح شيطان..»

١١-«من قال يوم الجمعة ثمانين مرة: اللهم صلي على محمد ..»

١٢-«ألا من صلى عليه -في كتاب لم تزل الملائكة تصلي عليه..»

١٣-«من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود»

١٤-أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ..»

١٥- «حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء»

١٦-«ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته..»

١٧-«دخلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده سفرجلة..»

١٨-«بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رأينا برداً ويداً..»

١٩-«لولاك لما خلقت الأفلاك»

٢٠-«إن الله يتجلى للخلائق عامة- وفي رواية للناس- ويتجلى لأبي بكر..»

٢١-«أن هامة بن إبليس جاء للنبي صلى الله عليه وسلم.. »

٢٢-«من حفظ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة»

٢٣-«أنا مدينة العلم وعلي بابها»

٢٤-«مسح الله عنك يا أبا أيوب ما تكره»

٢٥-«إذا أردت أن أردك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك..»

٢٦-«إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام..»

٢٧-«من صلى عليَّ عند قبري سمعته..»

٢٨-«من عطس أو تجشأ، فقال: الحمد لله ..»

٢٩-«من أعرض عـن صاحب بدعة بغضاً له في الله، ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً،

٣٠-«اللهم لا تُطع تاجرنا ولا مسافرنا..»

٣١-«من عمل بما يعلم؛ ورثه الله علم ما لم يعلم»

٣٢-«أن جعفر بن أبـي طالب رضي الله عنه رقص بن يدي النبي..»

٣٣- أربع روايات عن علي وابن عباس، يزعم فيها حياة الخضر!

أولاً: مقدمة حول الحديث الموضوع

١-تعريفه

أ- لغة : هو اسم مفعول، من "وضع الشيء" أي "حطه" وألصقه.

ب- واصطلاحاً: هو الكذب، المختلق، المصنوع، المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٢ــ رتبته:

هو شر الأحاديث الضعيفة، وأقبحها، وبعض العلماء يعده قسماً مستقلاً، وليس نوعا من أنواع الأحاديث الضعيفة.

٣- حكم روايته:

أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مع بيان وضعه، لحديث مسلم: (من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين).

يقول الحافظ ابن حجر في (نزهته): "واتفقوا على تحريم رواية الموضوع، إلا مقروناً ببيانه، قوله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)، أخرجه مسلم"

وقال الحافظ ابن حجر كذلك في موضع آخر: "وكل ذلك حرام بإجماع من يُعتد به، إلا أن بعض الكرامية وبعض المتصوفة، نُقل عنهم إباحة الوضع في الترغيب والترهيب، وهو خطأ من فاعله، نشأ عن جهل، لأن الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية، واتفقوا على أنت تعمد الكذب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الكبائر".

٤-طرق معرفة الحديث الموضوع:

تطرق الحافظ ابن حجر في "نزهته" لهذه المسألة بشكل جيد ومختصر، حيث يقول: "لكن، لأهل العلم بالحديث ملَكَةٌ قويّةٌ يُمَيِّزون بها ذلك، وإنما يَقوم بذلك منهم مَن يكون اطِّلاعه تاماً، وذِهْنه ثاقباً، وفهْمه قوياً، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكِّنة.

أ- وقد يُعْرَف الوضع بإقرار واضعِهِ، قال ابن دقيق العيد : ((لكن لا يُقْطَع بذلك، لاحتمال أن يكونَ كَذَب في ذلك الإقرار)))، انتهى. 

ب-ومنها: ما يؤخذ مِن حال المروي، كأنْ يكون مناقضاً لنصِّ القرآن، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، أو صريحِ العقل، حيث لا يَقْبلُ شيءٌ مِن ذلك التأويلَ.

ج-ثم المروي: تارةً يخترعه الواضع. وتارةً يأخذ كلام غيره: كبعضِ السلف الصالح، أو قدماء الحكماء، أو الإسرائيليات. أو يأخذ حديثاً ضعيفَ الإسنادِ فيركِّبَ له إسناداً صحيحاً لِيَرُوْجَ.

٥-دوافع الوضع:

ذكر ابن حجر في "النزهة" هذه المسألة باختصار شديد لمناسبة المقام، وهذا من محاسن كتابه، ومن هذه الأسباب والدوافع لوضع الحديث:

أ - إما عدمُ الدين كالزنادقة.  ب - أو غلبةُ الجهل كبعض المتعبِّدين.

ج- أو فَرْط العصبية، كبعض المقلِّدين. د - أو اتِّباع هوى بعضِ الرؤساءِ.

هـ - أو الإغرابُ لقصْدِ الاشتهارِ.

٦-وتفصيل هذه الدوافع فيما يلي:

أ-التقرب إلى الله تعالى: وذلك بوضع أحاديث ترغب الناس في الخيرات، وأحاديث تخوفهم من فعل المنكرات، وهؤلاء الوضاعون قوم ينتسبون إلى الزهد والصلاح، وهم شر الوضاعين؛ لأن الناس قبلت موضوعاتهم ثقة بهم.

ب ـ الانتصار للمذهب: لاسيما مذاهب الفرق السياسية، وذلك بعد ظهور الفتنة، وظهور الفرق السياسية، كالخوارج، والشيعة، فقد وضعت كل فرقة من الأحاديث ما يؤيد مذهبهم.

ج ـ الطعن في الإسلام: وهؤلاء الوضاعون قوم من الزنادقة لم يستطيعوا أن يكيدوا للإسلام جهارا، فعمدوا إلى هذا الطريق الخبيث، فوضعوا جملة من الأحاديث بقصد تشويه الإسلام والطعن فيه، ومن هؤلاء: محمد بن سعيد الشامي، المصلوب في الزندقة، فقد روى عن حميد، عن أنس، مرفوعا: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله" ، ولقد بين جهابذة الحديث أمر هذه الأحاديث، ولله الحمد والمنة.

د- التزلف إلى الحكام: أي تقرب بعض ضعفاء الإيمان إلى بعض الحكام بوضع أحاديث تناسب ما عليه الحكام من الانحراف، مثل قصة غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي مع أمير المؤمنين المهدي، حين دخل عليه وهو يلعب بالحمام، فساق بسنده على الت ِّو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا سبق إلا في خف أو حافر، أو جناح" فزاد كلمة "أو جناح" لأجل المهدي، فعرف المهدي ذلك، فأمر بذبح الحمام، وقال: أنا حملته على ذلك. وطرد هذا الوضاع المتزلف، وعامله بعكس قصده.

هـ-التكسب وطلب الرزق: كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث إلى الناس، فيوردون بعض القصص المسلية والعجيبة، حتى يستمع إليهم الناس ويعطوهم، كأبي سعيد المدائني.

و-قصد الشهرة: وذلك بإيراد الأحاديث الغريبة التي لا توجد عند أحد من شيوخ الحديث، فيقلبون سند الحديث ليستغرب، فيرغب في سماعه منهم، كابن أبي دحية وحماد النصيبي. 

٧-ومن أفضل الكتب في هذا الموضوع المهم:

أ ـ الوضع في الحديث لعمر حسن فلاته، رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر.

بــ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة: لابن عراق الكناني، وهو كتاب حافل مهذب مفيد.

ثانياً: نصُّ البحث كاملاً

١- فقد ذكر في ص (٩) حديناً موضوعاً، لفظه: «ليس أحد يدخل الجنة إلا أجرد أمرد إلا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام؛ فإن لحيته تبلغ سرته... » وهذا من وضع جماعة من الكذابين هم: وهب بن حفص الحراني، ونوح بن أبي مريم، ومجاشع بن عمرو. 

ولهذا رواه ابن الجوزي في «الموضوعات (٣/ ٢٥٧) وأقره الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٤ ٧٠)، ووافقتهما في تحقيقي لكتاب (صفة الجنة) (ص ٢٦١).

٢- وذكر في (ص ٣٥) حديثاً مكذوباً، لا شك في وضعه، ولفظه: «إنا الله لطَّفَ الملكين الحـافظين حتى أجلسهما على الناجذين، وجعل لسانه قلمهما، وريقه مدادهما»! وهذا من وضع أحد سراق الحديث، وهو نعيم ابن موزع العنبري، وقد اتهم برواية أحاديث موضوعة، وانظر: «لسان الميزان» (٢٢٢/٦-٢٢٣).  

والحديث من مرويات (تاريخ أصبهان) (١/٢) لأبي نعيم. وفي الإسناد علل أخرى ليس هذا مقام توضيحها.  

٣- في (ص ٥٩) ذكر حديثاً موضوعاً جزم بوضعه الحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر العسقلاني وهو: «امسح برأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه، ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه»!  

وهكذا اللفظ الآخر: «الصبي الذي له أب يمسح رأسه إلى خلف، واليتيم رأسه إلى قدام» وهو موضوع مكذوب كسابقه. انظر: «ميزان الاعتدال» (٥٧٢/٣)، و«لسان الميزان» (١٩٢/٥-١٩٣) و(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) (١٠٧٢ ). 

٤- وفي (ص٥٩) يورد الحديث المكذوب الذي لا أصل له في شيء من كتب السنة المعتمدة، وهو حديث: «أول ما خلق الله نور نهك يا جابر...» الحديث، وقد بينت في حلقةٍ منفردةٍ كونه مكذوباً لا أصل له، كما جزم المحققون من العلماء والأئمة. 

وليس هذا غريياً على مؤلف كتاب (الفتاوى الحديثية) هذا؛ فإنه صوفي يدعو إلى عقيدة وحدة الوجود صراحة كما بينت ذلك في مقالة لي بعنوان: (مكانة ابن حجر الهيتمي لدى المحققين من العلماء) والذي نشره ملحق التراث بعناية الدكتور الفاضل محمد يعقوب تركستاني حفظه الله تعالى.

٥- ثم ذكر في (ص٦٠) حديثاً موضوعاً، وجزم بنسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: «إن لله تعالى في الجنة نهراً، يدخله جبريل، فينفض قطراً، فيخلق الله من كل قطرة تقطر منه ملكاً».

وهذا من موضوعات كتاب «العظمة» لأبي الشيخ برقم (٣١٧) (٧٣٥/٢)، والذي اختلقه هو زياد بن المنذر، فإنه قد كذبه يحى بن معين. وانظر كذلك «موضوعات ابن الجوزي» (١ /١٤٦-١٤٧)، و(السلسلة الضعيفة) (١٤٩٥).

٦ - ثم ذكر في (ص ٦١) «قصة هاروت وماروت مع الزهرة»، وجزم بصحتها، وهي من أبطل الباطل، وقد نبه على ذلك العلماء المحققون. وانظر (السلسلة الضعيفة) (٩١٢، ٩١٣).  

٧- وذكر في (ص ٩٤) حديثاً منكراً بشهادة الحافظ الذهبي، ولفظه: «لن يراه خلقٌ -يعني جبريل- إلأ عمي إلا أن يكون نبياً، ولكن يكون ذلك آخر عمرك».  

وانظر (المستدرك) (٥٣٦/٣-٥٣٧).  

٨- وزعم في (ص ٨٥) صحة حديث: «لا تنزلوهن العُزَف ولا تعلموهن الكتابة»! وهو حديث مكذوب، كما بينته في إحدى الحلقات السابقة، وخلاصته أن فيه رجلا وضاعاً كذاباً، وهذا جزم بوضعه الذهبي، وابن الجوزي، والألباني، وانظر (الضعيفة) (٢٠١٧).

٩- وفي (ص ١٣٢) يذكر الحديث الموضوع في فضل قراءة آل عمران يوم الجمعة! وقد سبق لي التنيه إلى كونه مكذوباً في الكلام على كتاب «أمير المؤمنين» للحجار الذي شحنه بالمكذوبات أيضاً.  

١٠- وفي (ص ١٤١) يذكر حديث: «لا تقولوا قوس قزح، فإن قزح شيطان، ولكن قولوا قوس الله عز وجل، فهو أمان لأهل الأرض»! وهذا مكذبٌ أيضاً، وإن استدل به النووي في «الأذكار» لأن الحديث فيه هالك، فاحسن أحواله أن يكون ضعيفاً جداً، فكيف وقد اتهمه ابن حبان بأنه يروي عن الألباني ما لا يشبه حديثهم، حتى يسق إلى القلب أنه المتعمد لها، وهذا الهالك يدعى زكريا بن حكيم «الميزان» (٧٢/٢). 

وروى هذا الحديث ابن الجوزي في «الموضوعات» (١٤٤/١)، وأقره المحدث الألباني في (السلسلة الضعيفة) (٨٧٢) وذكر حفظه الله -أن قاعدة: «يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمـال» غير صحيحة، وضرب لذلك مثالاً بهذا الحديث الموضوع الذي جعله النووي ضمن هذه القاعدة، وكذا ضرب مثلاً آخر بحديث «أقامها الله وأدامها» فإنهم استحوا العمل به مع كونه ضعيفاً عندهم، إلا أنه لا يندرج تحت أصل عام، بل هو تشريع جديـد يحتاج إلى دليل مستقل صحيح، وهيهات! 

وراجع لمزيد من الفائدة «تمام المنة في التعليق على فقه السنة» (ص ٣٤- ٣٨) للمحدث الألباني.  

ونتابع بيان الأحاديث المكذوبة في كتاب: «الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي المكي، مع عدم القصد لاستقصائها جميعاً، إذ يحتاج ذلك إلى صفحات كثيرة جداً، فكيف إذا ما أردنا تتبع الضعيف والواهي؟! لا شك عندي أنه سيجتمع من ذلـك كم هائل من الأحاديث التي سوَّد بها الهيتمي كتابه المذكور، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جُله.

١١- فقد ذكر في (ص ١٥٦) حديثاَ ضعيفاَ جداَ، مع نكارة متنه ولفظه: «من قال يوم الجمعة ثمانين مرة: اللهم صلي على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، غفر الله له ذنوب ثمانين سنة»! 

وهذا فيه حجاج بن منان، وهو متروك، والحديث جزم بنكارته الحافظ ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان» (٢١٥/٢)، وفيه ضعفاء آخرون، وقد جزم بضعفه الشديد الألباني في (ضعيف الجامع) (٣٥٩٤).

١٢ - وذكر في (ص ١٩٠) أنه ورد «ألا من صلى عليه -صلى الله عليه وسلم في كتاب لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمه الشريف في ذلك الكتاب»! 

وهو حديث موضوع، كما جزم ابن الجوزي فرواه في «الموضوعات» (٢٢٨/١)، وذكر أنه من وضع أبي داود النخعي، وهو وضاع بإجماع العلماء.  

كما ذكر أن في الرواية الأخرى يزيد بن عياض، وهو كذاب يضع الحديث أيضاً.  

وقد روي من حديث أبي هريرة، وفيه متهم بالكذب هو بشر بن عبيد الدارسي. «مجمع الزوائد» (١٣٩/١- ١٣٧). وجزم الذهبي بأنه موضوع «الميزان» (٦٠/١). 

وذكر ابن كثير له طريقا اخرى في «التفسير» (٦/ ٤٦٧) من حديث ابن عباس، وفي إسناده نهشل بن سعيد، وهو كذاب «الميزان» (٤ /٢٧٥).  

وفيه أيضاً: كادح بن رحمة، وهو كذاب أيضاً «الميزان» (٩٩/٣).  

١٣- وقد جزم في (ص ١٦٢) أيضاً بورود حديـث: «من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود»! مع كونه موضوعا مكذبواً شهد بذلك الأئمة كابن معين، وغيره.  

انظر «الموضوعات» (١٥٧/٢)، و(السلسلة الضعيفة) (١٠٤).  

١٤- وفي (ص ١٦٤) يذكر حديثاً موضوعاً أيضاً، ولفظه: «أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه تغفل قلوبكم»! وهذا فيه أبو الخليل بزيغ، وهو كما قال ابن حبان يأتي عن الثقات بأشياء موضوعات، كأنه المتعمد لها. 

وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة «لسان الميزان» ( ٢/ ١٦- ١٧).

وهذا روى هذا الحديث ان الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ٦٩) فأحسن، وأقره المحدث الألباني في (السلسلة الضعيفة) (٩١٥).

١٥ - وفي (ص ١٦٩) يذكر الحديث الموضوع: «حمل العصا علامة المؤمن وسنة الأنبياء». وهذا من وضع يحيى بن هاشم الغساني. «الميزان» (١٢/٤). ولهذا جزم الألباني بكونه موضوعاً. (السلسة الضعيفة) (٥٣٥).

١٦- فقد ذكر في (ص ١٦٩) حديث: «ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه، حتى يصيب منهما جميعاً، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة، ولا تكونوا كلاً على الناس»! وسكت عن بيان درجته - كعادته- موهماً صحتها والواقع أنه حديث باطل كما جزم بذلك أبو حاتم الرازي في «علل الحديث» (٢/ ١٢٤-١٢٥) آفته يزيد بن زياد البصري، فإنه ضعف جداً، لا تحل الرواية عنه. وقد جزم الألباني بأنه حديث موضوع. (ضعيف الجامع الصغير) (٤٨٨٦).  

١٧- وفي (ص ١٧٠) ذكر حديثاً في فضل السفرجل ولفظه: «دخلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده سفرجلة، فرمى بها إلي وقال: دونكها أبا محمدا فإنها تجم الفؤاد»، وفي لفظ: «فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاء البدن»!

وسكت عن بيان درجته، مع كونه حدينا ضعيفاً جداً، بل قال الذهبيُّ: بأنه باطل. «الميزان» (١/ ٥١٠). وقد كنت- بحمد الله- خرجته وبينت علته بالتفصيل في تحقيقي للجزء المفقود من «تهذيب الآثار» برقم (٦٦٦، ٦٧٦).

١٨- رفي (ص ١٨١) يورد حديثاً لا شك في وضعه، وهو من رواية أنس رضي الله عنه، «بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رأينا برداً ويداً، فقلنا: يا رسول الله ما هذا البرد الذي رأينا واليد؟ قال: قد رأيتموه؟ قلنا: نعم. قال: ذلـك عيسى ابن مريم سلم علي»!

وهذا الحديث في إسناده أبو عقال هلال بن زيد، وهو منكر الحديث ليس بثقة، بل قال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة. «الميزان» (٤/ ٣١٣ -٣١٤).  

والحديث من مرويات ابن عدي في «الكامل» (٧/ ٢٥٧٨). وقد رواه ابن عـدي أيضاً (٥/ ١٩٨١) وفيه أبو عقال أيضاً. وهذا أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» (١ /٢٩٠-٢٩١).  

والعجب من الهيتمي: كيف يستدل بهذه الرواية المكذوبة لإثبات أنه صلى الله عليه وسلم -قد اجتمع- ولمرات عديدة- بعيسى عليه الصلاة والسلام!!  

١٩- فقد ذكر في (ص ١٨٩) الحديث الذي يتغنى به كثر من أهل الباطل، وهو: «لولاك لما خلقت الأفلاك» وفي لفظ: «قال الله: يا محمد! وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي، ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء»! 

وله لفظ آخر: «قال آدم يا ربي أسالك بحق محمد -صلى الله عليه وسلم -لما غفرت لي؟ فقال الله تعالى: يا آدم! وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرايت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال الله: يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحق محمد فقد غفرت لك، ولولا محمد ما غفرت لك»!!  

كما ذكر لفظا آخر: «أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى! آمن بمحمد، ومُر من أدركه من أمتك أنة يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن»!!  

ثم قال الهيتمي: "ومثل هذا لا يقال بالرأي، فإذا أصحَّ عن مثل ابن عباس يكون له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قرره أئمة الأصول والحديث والفقه! وحينئذٍ فما في الأول- يعني اللفظ الذي قبل هذا- من ضعفٍ، لو سُلّم لقائله ! يكون مجبوراً بهذا، لأن هذا وحده كافٍ في الحجية... "!! 

وأقول: قد قطع العلماء المحققون بكون هذه الأحاديث مكذوبة كلها، وبينوا عللها واحدة واحدة. كما هو في المراجع التالية: «الأحاديث الموضوعة» للصنعاني (ص٧)، و«الموضوعات» (١/ ٢٨٨- ٢٨٩) لابن الجوزي، و«اللآلي المصنوعة» (١/ ٢٧٢) للسيوطي، و«الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص ٣٢٩)، و«ميزان الاعتدال» (٢/ ٥٠٤) وقال: "الخبر باطل"، و«تلخيص المستدرك» للذهبي أيضاً (٢/ ٢١٥) وقال: "بل موضوع". وانظر «لسان الميزان» للعسقلاني (٣/ ٤١٩)، فقد أقر الذهبيّ على كونه خبراً باطلاً. 

وكذا جزم بكونه موضوعا علامة الشام ومُحدث العصر الألباني في (السلسلة الموضوعة) (٢٨٢،٢٥).  

٢٠- ثم ذكر في (ص ٢١٩) أن حديث: «إن الله يتجلى للخلائق عامة- وفي رواية للناس- ويتجلى لأبي بكر رضي الله عنه، خاصة» صحيح!!  

وهذه من طامات هذا الكتاب؛ فإنا الحديث موضوع بلا شك: أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (١/ ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٦، ٣٠٧، ٣٠٨) ثم ذكر أنه حديث موضوع، وأقره الشوكاني فأورده في «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (ص ٠ ٣٣)، وكذا أورده ابن عراق في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» (1/ ٣٧١- ٣٧٢)، وأقر الحافظ العراقي ابن الجوزي على كونه موضوعا في «تخريج إحياء علوم الدين» (٣٠٥/٤).

ولهذا أوردته في المستدرك الذي عملته على «الموضوعات في الإحياء» (ص ١٢٤). وكذا أورده المقدسي في «تذكرة الموضوعات» (ص ٣١).  

وقد حاول السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (٢٨٨/١) أن يعقب ابن الجوزي برواية أخرجها ابن بطة من طريق فيها عبد الله بن واقد أبو قتادة، ونقل أن الإمام أحمد، قال فيه: ما به بأساً!  

قلت: هو متروك، ذهب حديثه. ولهذا ضعفه البخاري جدا بقوله: سكتوا عنه «الميزان» (٢/ ٥١٧) وهذا لخص الحافظ العسقلاني أقوال الأئمة فيه في «التقريب» (٣٧١١)، فقال: «متروك، وكان أحمد يثني عليه، وقال: لعله كبر واختلط، وكان يدلس». 

في الإسناد تدليس ابن جريج أيضاً.  

وعلى كل حال فالمتن تتضح عليه علامات الوضع، ولهذا أصاب ابن الجوزي بذكره في «الموضوعات» كيف وقد وافقه على ذلك الحافظ العراقي، وغيره!  

أما تعليق الغماري على (تنزيه الشريعة) بقوله في الهامش: «ابن بطة يأتي بطامات كبار...» فهو كلام صادر عن تعصب مقيت من رجل رافضي يطعن في أهل السنة، فابن بطة من كبار الأئمة المنافحين عن العقيدة، وهو صدوق في نفسه، وإنما تكلموا في اتقانه، كما قال الحافظ الذهبي في «العلو للعلي الغفار» (ص ١٧٠)، وقال في «الميزان» (١٥/٣): (إمام لكنه ذو أوهام). ثم ختم الترجمة بقوله: «ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية، فكان إماماً في السنة، إماماً في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه».  

٢١- ثم ذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه: «الفتاوى الحديثية» (ص ٢٣٤) حديثاً لا شك في كذبه ووضعه، لكنه لتساهله الشديد في ذكر المكذوبات والخرافات قال: «ورد من طرق كثيرة تبلغ بها درجة الحسن كما قال بعض المحققين!!: «أن هامة بن إبليس جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه حضر قتل هابيل بن آدم، وأنه اجتمع بنوح فمن بعدهم، وآمن بهم، ثم طلب من النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن آمن به وبلغه السلام من عيسى عليه الصلاة والسلام، فأردَّ عليه السلام، أن يعلمه شيئاً من القرآن، فعلمه الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، وقل هو الله أحد، والمعوذتين»!!  

وهذا الحديث- أخي المسلم!- مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢٠٧/١-٢٠٩) ثم قال: «هذا حديث موضوع لا يشك فيه. فأما طريق ابن عمر فالحمل فيه على إسحاق بن بشر كذلك قال العقيلي، وقد اتفقوا على أنه كان كذابا يضع الحديث.  

وأما طريق أنس فالحمل فيه على محمد بن عبد الله الأنصاري، قال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به. قال العقيلي: محمد ابن عبد الله عن مالك بن دينار منكر الحديث. قـال: وكلا هذين الإسنادين غير ثابت، ولا يرجع منهما إلى صحة، وليس للحديث أصل».  

وقد أورد هذا الحديث أيضاً الشوكاني في «الفوائد المجموعة» (ص ٤٩٨) على أنه حديث موضوع.  

وأشار الذهبي في «ميزان الإعتدال» (١٨٢/١-١٨٨) لذلك، ووافقه الحافظ العسقلاني في «لسانه» (٤٩٧/١-٤٩٩). وقد أورد الذهبيُّ أيضاً هذا الحديث في «ترتيب موضوعات ابن الجوزي» برقم (١٠٧، ١٠٨) وأقره على الوضع، وصرح بأنه باطل في الميزان» (٣/ ٥٩٩).

 وقد حاول السيوطي أن يخفف الحكم على الحديث من الوضع إلى الضعف فلم يصنع شيئاً، لأن علامات الوضع ظاهرة جداً على الحديث. انظر: «النكت البديعات على الموضوعات» (٢٦٨)، و«اللآليء المصنوعة» ( ١٧٥/١-١٧٧).  

ولهذا أورده ابن القيم في «المنار المنيف» (ص ٧٩) وقال بأنه من الأحاديث التي تقوم الشواهد على بطلانه. وذكره محمد بن خليل القاوقجي في «اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع» (ص ٢١٣) وقال: (باطل موضوع، كما قال ابن قيم الجوزية).  

٢٢- كما سئل ابن حجر الهيتمي المكي في (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٤٢) عن معنى حديث: «من حفظ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة»؟ 

فأجاب: بأن «من حفظه وعلم أحكامه من خاصه وعامه، ومجمله، وناسخه ومنسوخه ولحنه وفحواه ومعناه والاستنباط منه، فقد أوتي علم النبوة، وقليل ما هم، وهذا هو المراد بخبر: من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا انه لا يوحى إليه، ومن حفظ بعضه أوتي بقدره». ثم قال: «حقق الله لنا حفظ كله بالمعنى المذكور بمنه وكرمه آمين»!  

ونقول للهيتمي ولمن استدل بالحديث: كيف وهو حديث مكذوب مفترى على رسول الله ا؟ فقد رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢٥٢/١- ٢٥٣) ولفظه: «من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثيه فقد أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن فكأنما أعطي النبوة كلها». وذكر أن فيه بشر بن نمير، قال عنه أحمد: ترك الناس حديثه، وقال مرة: يحيى ابن العلاء كذاب يضع الحديث، وبشر بن نمير أسوا حالاً منه. وقال يحى بن سعيد: كان ركنا من أركان الكذب. 

وقد روي من حديث صحابي آخر: أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٤٤٩/١٢) وفيه كذاب مشهور هو القاسم بن إبراهيم الملطي. «الميزان» (٣/ ٣٩٧).  

وقد جزم الحافظ الذهبي في ترجمة هذا الأخير بأن الحديث باطل وضلال فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء بذبه عن العقيدة والسنة.  

أما محاولة السيوطي تقويته في «اللآليء المصنوعة» (١/ ٢٤٣-٢٤٤)، وفي «النكت البديعات» (٣٧)، فهي محاولة فاشلة؛ لأن الشاهد الذي ذكره، أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢٥٩٢) وفيه قام بـن نجيح، قال فيه البخاري: فيه نظر- وهذه عبارة خاصة بالبخاري تعني الجرح الشديد- وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: روى أشياء موضوعة عن القات كأنه المتعمد لها. ووثقه يحيى وليس ذلك مقبولاً، لأن الجرح مفسر ها هنا فهو المقدم على التعديل كما قرره علماء الحديث.

ثم هو من مرسلات الحسن البصري أيضاً. وقد قال الحافظ «تقريب التهذيب» (٧١٣) عن بشر بن غير هذا: «متروك متهم».  

وقد روي بلفظ: «من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه» رواه البيهقي في «الشعب» (٢٥٩١) عن الحاكم في (المستدرك) (١/ ٥٥٢)، وهو في «الأسماء والصفات للبيهقي» (٤٠٣/١) لكنه لا يصح أيضاً، فيه رجل بمجهول لا يوثقه سوى ابن حبان، وآخر فيه ضعف، والصواب أنه موقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله كما رواه البيهقي في «الشعب» برقم (٢٥٩٠) ورجاله ثقات. وراجع لمزيد من البيان: (فضائل القرآن) لابن كثير بتحقيق أبي إسحاق الحويني.  

وعندما يعترض على كبار المحدثين من يعتمد على الروايات المكذوبة والواهية والضعيفة، فلا شك أن اعتراضه سيكون غير دقيق، بل هو إلى الخطأ قريب.

٢٣- وهذا ما فعله ابن حجر الهيتمي صاحب (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٢٩) باعتراضه على البخاري في حكمه على حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» بأنه ليس له وجه يصح! وكذا باعراضه على الترمذي بقوله عنه: منكر، واعتراضه على ابن معين بقوله: كذب! وباعتراضه على ابن الجوزي في ذكره له في «الموضوعات» (٠/١ ٣٥- ٣ ٣٥)، وباعتراضه على الذهبي في موافقته لابن الجوزي على كونه موضوعاً كما في «ترتيب الموضوعات» (ص ١٠٣-١٠٤)، وكما في (تلخيص المستدرك) (١٢٩/٣). فقد ادعى ابن حجر الهيتمي أنه حديث حسن!! 

بل قال الحاكم: صحيح! فهل يسلم له في دعواه هذه؟  

والجواب الذي لا شك فه: أن دعواه هله مردودة، لأنه يشترط في الحديث الحسن الذي يرتقي مجموع طرقه وشواهده، ألا تكون شديدة الضعف أو فيها كذاب، كما يشترط ألا تكون رواية الرجل المتهم ببدعة كالتشيع والرفض- وإن كان ثقةً- ألا تكون مؤيدة لبدعته، خاصة إذا كان معروفا بالتدليس.

ومع ذلك، فإنه لا يؤمن والحالة هذه أن يكون دلسه عن كذاب أو واهٍ جداً كما بين ذلك بالتفصيل والاستقصاء العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في تحقيقه النفيس كتاب: (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) للشوكاني (ص٣٤٩-٣٥٣) وذكر انه كان يميل -أولاً- إلى تقوية الخبر، ثم لما تدير طرقه التي يُزعم أنها تحسن الحديث وجد أن الحديث لا يثبت فعلاً، ثم ذكر تلك الدراسة التي قام بها بالتفصيل في ثلاثة مقامات محققة تحقيقاً جيداً، فجزاه الله خـيراً وغفر له وأكرم مثوبته. وقد حكم محدث العصر الألباني على الحديث بأنه موضوع. (ضعف الجامع) (١٣٢٢).

وقد جزم بكونه حدينا موضوعاً من إطلاق الزنادقة الجهلة، كشيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية) (٤ /١٣٨-١٤٠) وكان من ضمن جوابه: «والكذبُ يُعرف من نفس متنه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم -إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يُبلغ عنه العلم إلا واحد، فسد أمر الإسلام». وانظر (مختصر منهاج السنة) (٧٩٩/٢-٨٠٠) للشيخ الغنيمان.  

٢٤- وقد بوب ابن السني في كتابه: عمل اليوم والليلة (ص١٣٩) فقال: (باب ما يقال لمن أماط عنه الأذى). ثم روى بإسناده حديث أبي أيوب الأنصاري أنه تناول من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم -الأذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مسح الله عنك يا أبا أيوب ما تكره» حديث رقم (٢٨١).  

وقد استدل ابن حجر الهيتمي بهذا الحديث في كتابه (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٦٩)، وأخذ يُجيب عن استشكال سائل حول قوله «مسح» أهو بالحاء المعجمة «مسخ» أم بالحاء المهملة «مسح»؟  

ونقول له: الحديث ضعيف جداً، بل لعله موضوع الإسناد؛ فإن فيه عثمان ابن فائد، وهو الذي روى حديث: (كلام أهل الجنة بالعربية، وكلام أهل السماء بالعربية، وكلام أهل الموقف بالعربية). وهو حديث موضوع آفته عثمان هذا كما جزم الحافظ الذهبي في «الميزان» (١/٣ ٥). 

ثم قال بعد ذكر حديثين موضوعين آخرين لعثمان هذا (٥٢/٣): «المتهم بوضع هذه الأحاديث عثمان، وقلَّ ما يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم». يعني عثمان بن فائد هذا. 

ثم ذكر الهيتمي رواية أخرى للحديث- عند ابن السني أيضاً برقم (٢٨٢)، ولفظها: «لا يكن بك السوء يا أبا أيوب، لا يكن بك السوء». وهذا في إسناده أبو هلال الراسبي، واسمه: محمد بن سليم، وهو صدوق فيه لين كما في «التقريب» (٥٩٦٠). وفيه عنعنة قتادة، وهو مشهور بالتدليس، كما أن الإسناد صورته تـدل على أنه مرسل؛ فالحديث ضعيف يقيناً.

أما الأثر الذي رواه ابن السني بعد ذلك برقم (٢٨٣) من طريق عبد الله ابن بكر الباهلي، قال: أخذ عمر -رضي الله عنه -عن لحية رجل أو رأسه شيئاً،ـ فقال الرجل: صرف الله عنك السوء، فقال عمر: صرف الله عنا السوء منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخذ عنك شيء، فقل: أخذت يداك خيراً». فهذا الأثر منقطع، بل معضل بين عبد الله بـن بكر الباهلي، وبين عمر رضي الله عنه، وكأن ذلك خفي على المحدث الألباني فقال في «تخريج الكلم الطيب» رقم (٢٤٠): «الحديث موقوف، جيد الإسناد». وفيه من لم أقف له على ترجمته فيما بين يدي من كتب الرجال.  

والعجب من النووي- رحمه الله- كيف سكت عن بيان حال هذه الروايات في «الأذكار» (ص ٢٦٢) وحديث أبي أيوب رواه الطبراني في «الكبير» (٤٠٤٨، ٣٨٩٠) يإسنادين في الأول يحيى بن العلاء، وهو وضاع، ومع هذا صححه الحاكم في «المستدرك» (٤٦٢/٣)، ووافقه الذهبي !! والإسناد الآخر مظلم فيه نائل بن نجيح، وأحاديثه مظلمة كما قال ابن عدي «الميزان» (٢٤٤/٤).  

وقد صحَّ حديث حنين الجذع الذي احتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت، عـن جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان كما قال الحافظ ابن كثير في «شمائل الرسول» (ص ٢٣٩ -٢٥١) ثم سرد تلك الروايات كلها رحمه الله تعالى.

٢٥- لكن هناك رواية ذكرها ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٧٢-٢٧٣) أخرجها الدارمي في (مسنده) (١ /٢٣) رقم (٢٢)، وقد جزم الهيتمي بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال في ذلك الحديث: «إذا أردت أن أردك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك، وتكمل خلقتك، ويُجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة، فيأكل أولياء الله من غـرسك؟ ثم أصغى له النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يسمع ما يقول فقال: بل تغرسي في الجنة، فيأكل مني أولياء الله، واكون في مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت. ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء»!  

وهذا الحديث ضعيف جداً، بل هو موضوع بهذا الإسناد، فمداره على محمد بن حميد الرازي، وصاح بن حيان القرشي، وكلاهما مزوك، بل الأول متهم بالكذب. «الميزان (٢/ ٢٩٢، ٣/ ٥٣٠).

ثم إن قوله في آخر الحديث: (اختار دار البقاء..) ليس هو كذلك في «الدارمي» بل لفظه هناك: «اختار أن أغرسه في الجنة»!  

٢٥- وذكر الهيتمي في (ص ٢٧٧) الحديث الصحيح: «حُبب إليَّ من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»- انظر «صحيح الجامع» (٣١٢٤) - لكنه عزا زيادة في الحديث لم أجد ها أصلا عند أحد وهي: «أصبر عن الطعام والشراب، ولا أصبر عنهن»! وهذا عزاه ابن القيم رحه الله في «زاد المعاد» (٠/٤ ٢٥) لـ«زهد أحمد»، ولم أقف عليها بعد البحث الشديد في المطبوع من «الزهد»، وكذا لم أر محقق «الزاد» قد أشار في الحاشية لمكانه فيه. 

ثم وقفت على كلام الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» (٣١٢/٥) أن السيوطي تعقب الزركشي بقوله: إنه مر على كتاب «الزهد» مرارا فلم يجده فيه، لكن في «الزوائد» لابنه عبد الله- في «الإتحاف»: «أحمد وهو خطا أو سبق قلم- عن أنس مرفوعاً: «قرة عيني في الصلاة، وحبب إلي النساء والطيب، الجائع يشبع، والظمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء» فلعله أراد هذا الطريق.

 وأقول: زيادة «الجائع يشيع..» لا أراها تصح، ولذا أوردها الديلمي في «الفردوس» (٢٩٢٢) دون سند، ويكفي في تضعفها أن الثقات رووا الحديث عن أنس رضي الله عنه -دونها، والله أعلم. 

 ٢٦- ومن هذه الموضوعات أو المكذوبات التي راجت على مؤلف كتاب: «الفتاوى الحديثية» (ص ٢٧٩) حديث لفظه: «إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله تعالى في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام، إذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه مـن العامة، فبهم يُحيي ويُميت ويمطر وينبت، ويدفع البلاء»!!  

هذا الحديث عزاه صاحب «الفتاوى الحديثية» للديلمي، وسكت موهما صحته!

والحق أنه حديث مكذوب، ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث في الأبدال أو الأوتاد أو الأقطاب، بل كل ما روي في ذلك عنه عليه الصلاة والسلام فموضوع أو شديد الضعف.  

ولا ينفك من اختلاق رجليـن في إسناده هما: عبد الرحيم بن يحى الأدمي، أو عثمان بن عمارة، ولهذا قال الذهبي في ترجمة عبد الرحيم من «الميزان» (٩٠٨/٢): «اتهمه به أو عثمان». وقال في ترجمة عثمان عـن الحديث: «كذب» لم قال: «فقاتل الله من وضع هذا الإفك». «الميزان» (٣/ ٥٠)، وأقره الحافظ العسقلاني. «لسان الميزان» (١٧٤/٤- ١٧٥).

والحديث رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨/١-٩)، والديلمي في «الفردوس» (٧٠٣) دون سند- وجزم الألباني بوضعه. (الضعيفة» (١٤٧٩)، ثم قال حفظه الله: «نقلت آكثر أسانيد الأحاديث المقدمة من رسالة السيوطي «الحبر الـدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال». وقد حشاها بالأحاديث الضعيفة، والآثار الواهية، وبعضها أشد ضعفاً من بعض كما يدلك هذا التخريج- يعي في (السلسلة الضعيفة) برقم (٩٣٦، ١٣٩٢، ١٤٧٤٠، ١٤٧٥٠، ١٤٧٨، ١٤٧٧٠، ١٤٧٩)- ومن عجيب أمره أنه لم يذكر فها ولا حديثاً واحداً في القطب المزعوم، ويسميه تبعاً للصوفية بالغوث أيضاً، وكذلك لم يذكر في الأوتاد والنجباء أي حديث مرفوع، وإنما هي كلها أسماء مخترعة عند الصوفية، لا تعرف عندهم، اللهم إلا اسم البدل فهو مشهور عندهم كما تقدم. والله أعلم».  

٢٧- ومن هؤلاء صاحب (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٧٩) فقـد أخذ يجيب عن معنى الحديث لسائل، يحتج به كثير من الخرافيين: «من صلى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلى عليَّ بعيداً عن قبري بُلِّغتُه». 

 ولا أدري كيف خفي عليه أنه حديث موضوع!  

فقد رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (١ /٣٠٣) من طريق العقيلي في «الضعفاء» (٤/؟١٣-١٣٧) ثم قال: «لا يصح، محمد بن مروان هو السدي الصغير، كذاب، قال العقيلي: لا أصل هذا الحديث».  

وكذا جزم بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (٢٤١/٢٧)، ثم قال: حديث موضوع إنما يرويه محمد بن مروان السدي، عن الأعمش، وهو كذاب بالاتفاق، وهذا الحديث موضوع على الأعمش بإجماعهم».  

وقد حاول السيوطي كعادته تخفيف الحكم على الحديث بالوضع، فكان أن أورد ما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في «الثواب» -«اللآلي» (٢٨٣/١)- كمتابعة للسدى الكذاب، من طريق مظلمة الإسناد، فلم يصنع شيئاً، ولعله لذلك قال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي في الرد علـى السبكي» (ص ١٩٠): «وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي معاوية عن الأعمش، وهو خطأ فاحش، وإنما هو محمد بن مروان تفرد به، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب».  

وقد حكم الألباني على الحديث في (ضعيف الجامع الصغير) (٥٩٧٠) بالوضع.  

ولعل ما يؤكد بطلان هذا الحديث ما رواه البزار في «مسنده» زوائد- (٣١٩٣، ٣١٦٢)، والحارث ابن أبي أسامة في «مسند» زوائده - (١٠٩٣)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٤١٦/٢/٣)، وغيرهم - كما في «القول البديع» للسخاوي (ص ١١٢)- إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وله شاهد من حديث أبي بكر الصديق كه أخرجه الديلمي في «مسنده»- كما في (الصحيحة) (١٥٣٠)- وإسناده فيه ضعف كما قال السخاوي أيضا (ص ١٥٥)، وقد حسن الحديث الألباني بالشاهد من رواية عمار بن ياسر التي أخرجها البزار وغيره، وبغيره من الشواهد التي في معناه.  

وكذا ثبت في «سنن أبي داود» (٢٠٤١)، و«مسند أحمد» (٢٢٧/٢)، وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً: « ما من أحد يسلم علي، إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» وقال العراقي: سنده جيد. «تخريج إحياء علوم الدين» (١ /٣١٨). 

فهذان الحديثان، وغيرهما ما هو في نفس المعنى يدلان دلالة واضحة على أنه عليه الصلاة والسلام إنما يُلبّغه الملك الصلاة والسلام عليه، لا أنه يسمعه بنفسه عليه الصلاة والسلام، فلاحظ هذا أخي المسلم ولا تغتر بكلام الخرافيين. جعلنا الله هداة مهتدين، والحمد لله رب العالمين.  

٢٨- ثم ذكر صاحب (الفتاوى الحديثية) في (ص ٢٧٩) حديثاً في فضل الحمد عند العطاس لفظه: «من عطس أو تجشأ، فقال: الحمد لله على كل حـال من الأحوال، دفع عنه بها سبعون داء أهونها الجذام»! ثم اكتفى بقوله: رواه الخطيب في ترجمة الحسن بن جعفر الواعظ، وسكت موهما صحته للسائل! والواقع أنه حديث موضوع رواه الخطيب في (تاريخ بغداد) (٢٨/٨)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ٧٥، ٧٩)، وابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (٩/ ٢٢٥٩) بإسناد فيه محمد بن كثير الفهري، وهو قد روى بواطيل، والبلاء فيها منه كما قال ابن عدي، ووافقه الذهبي، ثم رواه بإسناده في (الميزان) (٢٠/٤). 

وقد حاول السيوطي- كعادته- أن يلطف احكم على الحديث، فلم يصنع شيئاً؛ لأن لوائح الوضع ظاهرة على الحديث، والشاهد الذي ذكره لا يسمن ولا يغني من جوع، لأن إسناده مظلم، كما أن الأثر الذي ذكره عن علـي -رضي الله عنه -لا يصح بل هو  شديد الضعف فيه حبة بن جوين، وقد كذبه ابن الجوزي، وقال: حبة لا يساوي حبة! وقال غيره: ليس بثقة. وانظر: «الميزان» (٠/١ ٤٥)، و«اللآلي» (٢/ ٢٨٤)، و«الموضوعات» (٢/١ ٣٤). وجزم المحقق المعلمي بأن الحديث موضوع بعد دراسة جيدة لجميع ما أورده السيوطي في الباب من روايات. (الفوائد المجموعة) (ص ٢٢٢-٢٢٤).  

٢٩- وسئل الهيتمى أيضاً في (ص٢٧٩) عن حديث: «من أعرض عـن صاحب بدعة بغضاً له في الله، ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً، ومن انتهر صاحب بدعة أمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة، ومن سلم على صاحب بدعة أو لقيه بالبشر أو استقبله بما يسره فقد استخف بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم».

وقد عزاه للخطيب في «تاريخه» موهماً السائل صحته بسكوته عن بيان درجة الحديث.والحق أنه حديث تفرد به الحسين بن خالد أهو الخبير، كذا قاله الحطـب في (تاريخ بغداد) ( ١٠/ ٢٩٤)،  ومن هذا الطريق رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢٧٠/١) وعصَّب الجناية بعبد العزيز بن أبي رواد مع أنه صدوق، وكان الأولى تعصيب الجناية بأبي الجنيد ذاك؛ فإنه ليس بقة كما قال ابن معين: (لسان الميزان) (٢/ ٣٢٢)، ومن هذا الوجه الواهي رواه أبو نعيم في (الحلية) (٨/ ١٩٩ -٢٠٠). 

وقد حاول السيوطي في «اللآلي» (٢٥١/١-٢٥٢) تخفيف الحكم علـى الحديث، فذكر متابعة مظلمة الإسناد بل فيها متهم بالكذب هو أبو حازم عبد الغفار ابن احسن. «لسان الميزان» (٤/٤). كما ذكر متابعة أخرى فيها وضاع مشهور هو أبو الفضل قاضي نيسابور، واسمه: أحمد بن عصمة. (لسان الميزان) (١/ ٣٢٧ -٣٢٩)، و«تنزيه الشريعة» (٣١٤١١).  

وقد روي الحديث بلفظ: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» وهذا ضعيف كما فصل في ذلك ادث الألباني في (السلسلة الضعيفة) (١٨٩٢). 

٣٠-ويزعم الهيتمي في كتابه (الفتاوى الحديثية) (ص٧٩) أن حديث «اللهم لا تُطع تاجرنا ولا مسافرنا، فإن تاجرنا يحب الغلاء، ومسافرنا يكره المطر» ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكوته عن ييان درجته مع كونه حديثاً موضوعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وهذا رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٢/ ٤١) ثم ذكر أنه موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففيه يحى بن عبيد الله هو ابن موهب، قال عنه محيى بن معـين: ليس بشيء ولا يكتب جديده. وقال أحمد: أحاديثه منكرة، لا يعرف هو ولا أبوه. 

وقال ابن حبان: يروي ما لا اصل له. وقد فات ابن الجوزي أن فيه من هو أشد ضعفاً من يحيى بـن عبيد الله ذاك، ألا وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم المعروف بنوح الجامع،.والذي جمع كل شيء إلا الصدق، فإنه كذاب وضع أحاديث فضائل القرآن الطويل كما جزم الحاكم «الميزان» (٤/ ٢٧٩).

 والحديث رواه- أيضاً- احطب في «تاريخ بغداد» (٢٥٩/٤-٢٥٧)، وأورده الشوكاني في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) (ص ١٤٣).

 وحاول السيوطي أن يخفف كعادته الحكم على الحديث بشاهد فيه كذاب فلم يصنع شيئاً، وبشاهد آخر موقوف لم يذكر سنده اصلاً «اللآليء المصنوعة» ( ٢/ ٩٤٥). 

٣١- وفي (ص ٢٨٥) يذكر حديثاً موضوعاً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لفظه: «من عمل بما يعلم؛ ورثه الله علم ما لم يعلم». 

وهذا مكذوب بشهادة الإمام أبي نعيم الحافظ؛ فإنه رواه في «حلية الأولياء» (١٠/ ١٤ -١٥) من طريق جماعة مجاهيل أحدهم- بلا شك- وضعه، وهذا قال عقبه أبو نعيم: «ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى ابن مريم عليه السلام، فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع هذا الإسناد عليه، لسهولته وقربه، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل». 

وإنه لمن العجيب أن يكتفي الحافظ العراقي- بعد هذا- بقوله في «تخريج الإحياء» (٧٧/١) رقم (١): «أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وضعفه»!

والصواب: أنه جزم بوضعه لا ضعف فقط، وعلى هذا فالصواب أن الحديث من  «موضوعات إحياء علوم الدين» ولم استدركه في «الإخبار بما فات من أحاديث الاعتبار» فلا ينقل إليه من وقف على كلامي هذا ها هنا، ولله في ذلك الحكمة البالغة.

وقد تبع الشوكاني الحافظ العراقي في حكمه الآنف في (الفوائد المجموعة) (ص٢٨٩) فاكتفى بتضعيفه فقط! والصواب أن الحديث مكذوب كما رأيت من الكلام السابق، والحمد لله رب العالمين. 

٣٢- ومن العبث الصوفي الذي اشتهر به بعض المعظمين لابن عربي وغيره من ملاحدة الصوفية ما ذكره صاحب: (الفتاوى الحديثية) (ص ٢٩٨) عندما شئل عـن رقص الصوفية وتواجدهم وهل له أصل؟ فأجاب بقوله: نعم له أصل!! فقد روي في الحديث: «أن جعفر بن أبـي طالب رضي الله عنه رقص بن يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: أشبهت خلقي وخلقي». 

وهذا الحديث بزيادة الرقص المزعوم فيه منكر لا يصح، فقد رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (٢٢٩/١٠)، وفي: «الآداب» له أيضاً (٩٢١)، وأحمد في (المسند) (١٠٨/١)، والبزار في (المسند) (٢٢٠/٣) رقم (٢٩٠٩)- زوائده- ولفظ البيهقي: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم - وأنا المتكلم علي رضي الله عنه وهو راوي الحديث- وجعفر وزيد، فقال لزيد: أنت أخونا ومولانا، فحجل، وقال لجعفر: اشبهت خلقي وخلقي، فحجل وراء حجل زيي، وقال لي: أنت منى وأنا منك، فحجلت وراء حجل جعفر».

وقال البيهقي- شارحاً الحديث-: (والحجل: أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح، فإذا فعله إنسان فرحاً بما آتاه الله تعالى من معرفة أو سائر نعمه فلا بأس به، وما كان فيه تثن وتكسر حتى يباين أخلاق الذكور فهو مكروه لما فيه من التشبه بالنساء). «الآداب» (ص ٤٢٢).  

وقد تردد البيهقي في صحة الحديث فقال في «السنن الكبرى» (٢٢٩/١٠): «هانيء بن هانيء ليس بالمعروف جدا. وفي هذا- إن صح- دلالة على جواز الحجل، وهو أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الـذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز، والله اعلم».  

والصواب: أن الحديث فيه أيضاً عنعنة أبي إسحاق السبيعي، وهو مشهور بالتدليس، ثم هو كان قد اخلط، فإذا أضيفت هذه العلة القادحة لما سبق من كون هانيء بن هانيء هنا مستوراً كما قال الحافظ ابن حجر، تبين يقيناً ضعف الإسناد، فإذا أضيف إلى العلتين السابقتين كون المتن فيه زيادة منكرة لمخالفتها لرواية البخاري في (صحيحه) (٢٩٦٩٩) والتي فيها: «أشبهت خلقي وخلقي» الصحيحة، ولكن لا يوجد فيها قضية الحجل أو الرقص، فحقيق بها أن تكون منكرة لا يجوز الاعتماد عليها، ولهذا ضعفت هذه الزيادة في تحثيقي «لمسند علي» (٧/ ٢٩٢٤).

والخلاصة أن الرقص الصوفي إنما هو نوع من العبث الصوفي، وليس هو من ديـن الله تعالى في شيء، فاحذر -أخي المسلم- من مخالفة نهج الصحابة والتابعين، جعلنا الله وإياك من الهداة المهتدين آمين.  

٣٣- وزعم الهيتمي في (الفتاوى الحديثية) (ص ٣٠٧) في رده على ابن الجوزي قوله إنكار حياة الخضر عليه السلام أنه قد تناقض، فروى بإسناده المتصل أربع روايات تدل على حياته:

منها عن علي كرم الله وجهه: «أنه رآه ملصقاً بأستار الكعبة»! 

ومنها عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: ولا أعلمه إلا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه»!.

ومنها عن علي كرم الله وجهه: «أنه يجتمع مع إسرافيل وجبريل وميكائيل بعرفات والحجيج بها»!  انتهى.

وهنا نقف على مدى غلط الهيتمي في دعواه على ابن الجوزي! فالروايات الأربع  التي ذكر أن ابن الجوزي رواها بإسناده المتصل إنما هي روايات مكذوبة موضوعة، رواها ابن الجوزي بإسناده المتصل في «الموضوعات» (١/ ١٩٥ -١٩٨)، ثم قال: «هذه الأحاديث باطل». وذكر بعد ذلك عللها بالتفصيل، وأنها تدور علـى كذابين ومجاهيل.

ثم قال: «وقد أغري خلق كثير من المهوسين بأن الخضر حيٌّ إلى اليوم، ورووا أنه التقى بعلي بن أبي طالب، وبعمر بن عبد العزيز، وأن خلقاً كثيراً من الصاحين رأوه، وصنف بعض من صحح الحديث، ولم يعرفا علله كتابا جمع به ذلك، ولم يسأل ما نقل، وانتشر الأمر إلى أن جماعة من المتصنعين بالزهد يقولون: رأيناه وكلمناه، فواعجيا أَلَهُم فيه علامة يعرفونه بها؟ وهل يجوز لعاقل أن يلقى شخصاً، فيقول له الشخص: أنا الخضر، فيصدقه».  

وقد بين ابن القيم رحه الله في المنار المنيف» (ص ٦٧ -٧٦) أن الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد، ثم ذكر شيئاً من هذه الأحاديث، ثم قال: سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق؟ فقال: من أحال على غائب لم يُنتصف منه، وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.  

وسئل البخاري عن الخضر وإلياس، هل هما أحياء؟ فقال: كيف يكون هذا؟ وقد كال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد).

وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (الأنبياء: ٣٤). ثم ذكر ابن القيم النقول المستفيضة عن جماعة من الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية، وعلي بن موسى الرضا، وأبو الحسين بن المنادي، وغيرهم، وذكر من المعقول عشرة أوجه فراجعها فإنها مفيدة جـداً في تأييد موت الخضر عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.