أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 مايو 2021

الملخص المفيد لعارض الجهل وأثره على مسائل العقيدة والتوحيد تأليف أبي العُلا بنِ راشِدِ بنِ أبي العُلا الرَّاشِد بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

الملخص المفيد لعارض الجهل وأثره على مسائل العقيدة والتوحيد

تأليف أبي العُلا بنِ راشِدِ بنِ أبي العُلا الرَّاشِد

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ مع انتشار نواقض الإيمان، ووقوع الكثير من الناس فيها أفراداً وجماعات؛ فإن الواجب على الدعاة والعلماء بيان خطورة هذه النواقض، وتحذير الناس من الوقوع فيها، وإيضاح الدلائل على أنها مخرجة من ملة الإسلام، ورد  شبهات المبطلين ممن يلبس على الناس في أمرها، أو يهون من شأنها؛ إعذاراً لهم، وبياناً للحجة، وقد أخذ الله على العلماء أن يبينوه للناس لا يكتمونه.

ونحن في زمان فاض فيه العلم، وانحسرت فيه رقعة الجهل، والقرآن يُتلى ليل نهار عبر الإذاعات، وفي المساجد، وكذلك السُّنة معلومة مع كثرة البرامج والتطبيقات والمواقع التي تنشر السُّنة ودعوة التوحيد، والناس برغم جهلهم يعلمون أن هناك دعاةً يقومون بدعوة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك بكل صوره وألوانه الظاهرة والخفية، ويُبينون زيغ الفرق المبطلة التي تدعو إلى الشرك والبدع، فكان في هذا بلاغاً كافياً وبياناً وافياً في إقامة الحجة، وبلوغ الحق للعالمين.

ولا يستطيع أحدٌ في هذا العصر أن يدَّعي أن دعوة التوحيد لم تبلغه، حتى الواقعين في الشرك يعلمون أن هناك دعوةً تُخالف ما هم عليه، ولكنهم لم يُكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقة هذه الدعوة، بل عادوها وأعرضوا عنها، وبالتالي فإنهم لا يُعذرون بالجهالة في مسائل التوحيد وأصول الإيمان؛ فكل من يتلبس بالشرك الأكبر أو الكفر؛ فهو غير معذورٍ بالجهالة، إلا أن يكون حديث عهدٍ بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، وهذه القاعدة موضع اتفاق بين العلماء.

وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة مصرحةً بأن الجهل جريمة لا عُذر، وأن من المعلوم من الضرورة العقلية: أن الجاهل للشيء يُفسده ولا يُصلحه، سواءً في الدين والدنيا، فمن عجبٍ أن يُقيموا ما جعله الله جريمةً يُعاقب عليها أشدَّ العقوبة عُذراً يُعذر به أهل البدع والخرافات الجاهلية التي حولت الناس عن الإسلام إلى الجاهلية الأولى، ولعلّهم يحتجون بقول الله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} (النساء: 17)، وليس في ذلك حُجَّةً؛ لأن الجهل هنا هو السَّفه والطيش من غلبة الغفلة والنسيان.

ولا تقبل دعوى مرتكب الكفر أنه كان متأولاً، أو مجتهداً مخطئاً، أو مُقلداً، أو جاهلاً، ولا يُعد ذلك عُذراً في حقه بإجماع السَّلف، ولذا وضع المؤلف كتابه: (عارض الجهل، وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة).  

وموضوع هذا الكتاب هو الجهل باعتباره عارضاً من عوارض الأهلية، ومن حيث كونه يصلح عذراً، والحالات التي يصلح فيها عُذراً، والحالات التي لا يصلح فيها عذراً، والجهل في مجمله هو عدم العلم.

وقد قسم العلماء الجهل بهذا الاعتبار إلى قسمين:  

(أ) الجهل الذي لا يصلح عذراً: ومثلوا له بجهل الكفار بأصول الدين، وكلياته، وصفات الله تعالى، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأحكام الآخرة، وكذلك الجهل الذي يخالف المشهور من الكتاب والسنة والإجماع؛ فإنه ليس بعذرٍ أصلاً. ومن مات قبل بلوغ الدعوة، فالذي يُحكم عليه به أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ومات على ذلك، ويدين به، فهذا ظاهره الكفر، وأما حقيقة أمره فهي إلى الله تعالى.

(ب) الجهل الذي يصلح عذراً: ومثلوا له بجهل المسلم بالشرائع في دار  الحرب، وكذلك الجهل الذي في موضع الاجتهاد الصحيح بألا يكون مخالفاً للكتاب والسنة.  

وفرق العلماء بين ما يشترك غالب الناس في معرفته، فلا تقبل فيه دعوى الجهل، ومثلوا له بتحريم الزنا والقتل، والسرقة والخمر، وبين ما لا يشترك  غالب الناس في معرفته، كما في مسائل المواريث، والطلاق والعتاق، وفرقوا بين ما اشتهر علمه في العامة بخلاف ما كان خافياً علمه، وسمو الأول: علم العامة، والثاني: علم الخاصة. 

  • ومسألة الجهل واعتباره من الأعذار تكتنفها عدة أمور لا بد من ملاحظتها:  

الأول: نوعية المسألة المجهولة: معلومة من الدين بالضرورة، أم غير معلومة من الدين بالضرورة.

الثاني: المحل الذي وقع فيه الجهل: دار الحرب، أم دار الإسلام.  

الثالث: كون المسألة مشتهرة أو غير مشتهرة، وعبر عنها العلماء: ما يشترك غالب الناس في علمه وما لا يشترك غالب الناس في علمه.  

الرابع: كون المسألة مما يقع فيها الخطأ والجهل عن اجتهاد صحيح، أو كونها لا يقع فيها الاجتهاد لمخالفتها المشهور من الكتاب والسنة والإجماع،  ويطلق عليه العلماء (المسائل التي هي محل اجتهاد، والمسائل التي لا مساغ  للاجتهاد فيها).  

الخامس: من وقع مته الجهل لكونه حديث العهد بالإسلام، وغيره  ممن ليس بحديث عهد بالإسلام.  

السادس: ومن قواعد العلماء في مسألة الجهل: اختلاف الجهل .باختلاف متعلقه.  

  • وقبل الخوض في صلب الموضوع، لا بُد من مقدمة موجزة في تعريف الجهل:

الجهل لغةً: ضد العلم، وجهل من باب فهم وسَلِمَ. وتجاهل: أرى من نفسه ذلك وليس به، والتجهيل نسبة إلى الجهل(مختار الصحاح، ص 115)  

واصطلاحاً: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، وهو قسمان: بسيط، ومركب. فالبسيط هو: عدم العلم ممن شأنه أن يكون عالماً. والمركب: عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.  

ويعد الجهل من العوارض الأهلية، فما معنى العوارض الأهلية؟  

العوارض: جمع عارض: أي: أمر عارض، أو جمع عارض، أي: خصلة  عارضة، أو آفة عارضة، مأخوذ من: عرض كذا. 

وقد عرفها علماء الأصول: بأنها الحالات التي تكون منافية للأهلية، وليست من لوازم الإنسان من حيث هو إنسان.  

والعوارض تنقسم عند علماء الأصول إلى قسمين:  

أ- عوارض سماوية: وهي ما لا دخل للإنسان في وجودها أو وقوعها؛مثل: الصغر، والجنون، والنسيان، والعته، والتوم، والإعياء، والرق، والموت.  

ب - عوارض مكتسبة:  وهي ما يكون للإنسان دخل في وجودها ووقوعها، ومثلوا لها: بالجهل، والخطأ، والسُّكر، والهَزل. 

تعريف الأهلية: الأهلية لغةً بمعنى الصلاحية للشيء.

واصطلاحاً: صلاحية الإنسان للوجوب له وعليه شرعاً، أو لصدور الفعل على وجهٍ يُعتدُّ به شرعاً. 

انظر: الموسوعة الفقهية (١٦/ ١٩٧ ط١ الكويت).

  •  وقد قسم العلماء الجهل إلى قسمين:  

- قسم ناشئ عن تفريط صاحبه وتقصيره في إزالته، فلا عذر له فيه.  

- قسم ناشئ عن عدم تفريط، وإهمال؛ لعدم وجود من يعلم صاحبه،  فهذا معذور صاحبه.

وقد فرَّق العلماء في العذر بالجهل بالنسبة لمسائل التكفير الظاهرة، بين القريب العهد بالإسلام، ومن نشأ بعيداً عن المسلمين، الذين يُمكنه التعلُّم منهم، وبين من نشأ في دار المسلمين وأمكنه التعلُّم ولكنه قصَّر في ذلك، فهذا يُحكم عليه بالكفر، ولا يُعذر بجهله، ولهذا فاستتابة المرتد والكافر -عند من يقول بوجوبها -ليس من أجل إقامة الحجة عليه، أو دفع الجهل عنه، بل لإعطائه فرصةً للرجوع عن كفره وردته.

وأما المسائل التي لا يكفر المُعيَّنُ بجهلها مطلقاً، فهي الأمور الخفيّة من الدين، ويُقال باصطلاح جمهور العلماء: هي ما ليس مجمعاً عليه، ولا معلوماً من الدين بالضرورة، كالمسائل التي اختلف فيها أئمة المسلمين من تفويض، وتأويل.

ومع ذلك؛ فهذا لا يعني أن نفتح باب تكفير المُعيّن، بل لا بُدّ من التزام الضوابط التي ضبط بها أهل العلم هذه قضية تكفير المعين، فإذا تحققت الشروط وانتفت الموانع، حينها نحكم على الشخص المُعين بالكفر، والخروج من الملة.

  • وقد اشتمل هذا البحث على تسعة فصول، على النحو التالي:  

١ - الفصل الأول: تعريف الجهل، وبيان صوره، وبيان الدليل الشرع.  

٢- الفصل الثاني: ثبوت التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية عند العلماء، وما يندرج تحت هذه المسائل.  

٣- الفصل الثالث: مناقشة اعتبار المقاصد في مسائل التكفير.  

٤ - الفصل الرابع: صفة قيام الحجة في المسائل الظاهرة والخفية.  

٥ - الفصل الخامس: قاعدة إمكانية التعليم.  

٦ - الفصل السادس: الأدلة من القرآن الكريم على اعتبار عدم الجهل والتقليد عذراً في مسائل التوحيد لمن بلغه القرآن الكريم.  

٧ - الفصل السابع: أقوال الأئمة الأعلام في عدم العذر بالجهل في المسائل الظاهرة.  

٨- الفصل الثامن: أقوال الفقهاء في تعريف الردة وشرائطها، وعدم ذكرهم لشرط العلم فضمن شروط الردة.  

٩-الفصل التاسع: أشهر المعارضات التي استدل بها على عدم الإعذار بالجهالة، ومناقشتها مناقشة علمية، وفيها: 


(أ) مناقشة حادثة ذات أنواط، وأن عذرهم بالجهل هو كونهم حدثاء عهدٍ بكفر، كما في بعض الروايات، وحمله بعض العلماء على أن قولهم "اجعل لنا ذات أنواط" لم يكن شركاً، وإنما كان وسيلةً وطلباً يؤدي إلى الشرك، وممن قال بذلك ابن تيمية، والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، والحافظ أبو العلاء المباركفوري، والقاضي أبو بكر بن العربي، والإمام الشاطبي، وعليه فهذا الطلب كان من باب الشرك الأصغر.


(ب) حديث الرجل الذي ذرَّى نفسه، وللعلماء في قوله (لئن قدر الله علي)؛ فقيل: شك في القدرة، وقيل: أراد تحقير نفسه، وقيل: قدر بمعنى ضيَّق عليَّ وجمعني، وقيل: قدر بمعنى قضى عليَّ بالعذاب، وقل: هو أسلوب عند العرب صورته الشك وغايته تحقيق اليقين، وقيل: إن الرجل كان من أهل الفترة، وأهل الفترة لا يُقاسون بغيرهم، وقيل: إن الرجل كان جاهلاً بصفة من صفات الله تعالى، وقيل: إن الرجل فعل ذلك في حالة من شدة الهول والفزع.


(ج) حادثة عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت جاهلة بعلم الله بما يكتمه الناس، وقد وقع في ألفاظ هذه الرواية اضطراب، ورُجحت الألفاظ التي لا تدلُّ على هذا الأمر، أو يُقال: إنها صدَّقت نفسها، وهذا أولى.


(د) مناقشة حديث الحواريين، وقوله في الآية الكريمة: {هل يستطيع ربك أن يُنزل علينا مائدةً من السماء}؛ فجمهور العلماء والمفسرين على أن الحواريين لم يشكوا في قدرة الله، وأن تفسير الآية: هل يُطيعك ربك في الإجابة، فتكون الاستطاعة هنا هي استطاعة المطاوعة، لا استطاعة القدرة، وعلى القراءة الثانية {هل تستطيع ربكَ} على تقدير أن تسأله، وقيل: إن سؤالهم هنا هو سؤال اطمئنان لا سؤال شك، وهو من جنس ما سأله إبراهيم عليه السلام: {رب أرني كيف تحيي الموتى} للاطمئنان وزيادة التثبت، والرد على من قال إن الحواريين كانوا فرقتين: مؤمنة وكافرة، والرد على من قال إن قولهم هذا كان قبل استحكام الإيمان في قلوبهم.


(ه) مناقشة حديث سجود معاذ رضي الله عنه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان أن معاذاً معذورٌ بالجهل؛ لأنه فعل ذلك قبل ورود النصِّ بتحريمه وكان مباحاً في الأمم السابقة كسجود تكريم وتحية لا سجود عبادةٍ وقُربة، فلما حرَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لم يعد هذا عُذراً في حق من فعله بعد ذلك.


(و) حديث حذيفة بن اليمان في أقوامٍ يأتون قبل يوم القيامة حين اندراس العلم ورفعه؛ فيقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون "لا إله إلا الله"، فلما قيل له: وما تنفعهم؟ قال: تُنجيهم من النار، وهذا الحديث بعيدٌ عن موطن النزاع، فليس في نص الحديث أنهم ارتكبوا شركاً فعُذروا بالجهل فيه، ولكن فيه أنهم تركوا ما لم يبلغهم من الشرائع، بسبب عدم تمكنهم من تعلمه لرفع القرآن واندثار العلم في زمانهم.


(ز) حادثة في القود، وذلك أن أبا جهم شجّ رجلاً من بني ليث في رأسه، فطلب أهل المشجوج القود، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم صالحهم على مالٍ يُعطيهم إياه، فلما خطب الناس وأخبرهم كذبوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صلحهم، فزادهم من المال فرضوا، فتكذيبهم للنبي كفر، ومع ذلك فقد أعذرهم النبيُّ بالجهل، والجواب: أن هؤلاء الأعراب معذورون؛ لأنهم حديثو عهد بالإسلام، ولأنهم نشأوا في باديةٍ بعيدة.


(ح) مناقشة دعوى الإجماع في مسألة الإعذار بالجهالة في الأصول والفروع، وأن هذه الدعوى مناقضة لما نقله علماء آخرين من إجماع السلف على عدم الإعذار في المسائل الظاهرة؛ كالقرافي المالكي، والإمام أبا بطين النجدي، والشيخ رشيد رضا، وهو قول عامة أهل العلم إلا من شذ، وهو القول الأظهر والمشهور من المذاهب الفقهية، وهناك وجوه أخرى لبيان هذه القضية (ص 219 -221). 

وختم هذا البحث بذكر بعض فتاوى العلماء الأعلام في قضية  العذر بالجهل، وحكم تكفير المعين.

1-فتوى الشيخ حسين، والشيخ عبد الله ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فيمن مات قبل هذه الدعوة، ولم يُدرك الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها الناس اليوم، يفعلها ولم تقم عليه الحجة، ما الحكم فيه؟ وهل يُلعن أو يُسب، أو يُكف عنه؟ وهل يجوز لابنه الدعاء له؟ وما الفرق بين من لم يدرك هذه الدعوة، وبين من أدركها ومات معاديا لهذا الدين وأهله؟

الجواب: من مات من أهل الشرك، قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه: أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك، ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، ولا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه؛ وأما حقيقة أمره، فإلى الله تعالى، فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند، فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى.

وأما سبه ولعنه فلا يجوز، بل لا يجوز سب الأموات مطلقا، كما في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " (رواه البخاري)، إلا إن كان أحداً من أئمة الكفر، وقد اغتر الناس به، فلا بأس بسبه إذا كان فيه مصلحة دينية.

2-فتوى الشيخ حمد بن ناصر بن معمر من علماء الدعوة النجدية: عن قول الفقهاء: إن المرتد لا يرث ولا يُورث؛ فكفّار أهل زماننا هل هم مرتدون؟ أم حكمهم حكم عبدة الأوثان وأنهم مشركون؟

أما من دخل منهم في دين الإسلام ثم ارتد، فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح. 

وأما من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته الدعوة الإسلامية وهو على كفره، كعبدة الأوثان، فحكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول: 

الأصل إسلامهم والكفر طارئ عليهم، بل نقول: الذين نشؤوا بين الكفار، وأدركوا آباءهم على الشرك بالله، كآبائهم، كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " (رواه البخاري). 

فإن كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء واستمروا عليه، فلا نقول: الأصل الإسلام والكفر طارئ عليهم، بل نقول: هم الكفار الأصليون.

ولا يلزمنا على هذا تكفير من مات في الجاهلية قبل ظهور الدين، فإنا لا نكفر الناس بالعموم، كما أنا لا نكفر اليوم بالعموم.

بل نقول: من كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركاً للشرك فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله تعالى، لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء: 15).

وأما من مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرض له، ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (القرة: 134-141).

فمن كان منهم مسلماً أدخله الله الجنة، ومن كان كافراً أدخله النار، ومن كان منهم لم تبلغه الدعوة فأمره إلى الله؛ وقد علمت الخلاف في أهل الفترات، ومن لم تبلغهم الحجة الرسالية.

وأيضاً، فإنه لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا بما حكم به الفقهاء في المرتد، أنه لا يرث ولا يورث، لأن من قال: لا يرث ولا يورث، يجعل ماله فيئاً لبيت مال المسلمين؛ وطرد هذا القول أن يقال: جميع أملاك الكفار اليوم لبيت مال، لأنهم ورثوها عن أهليهم، وأهلوهم مرتدون لا يورثون، وكذلك الورثة مرتدون لا يرثون، لأن المرتد لا يرث ولا يورث. 

وأما إذا حكمنا فيهم بحكم الكفار الأصليين، لم يلزم شيء من ذلك، بل يتوارثون، فإذا أسلموا، فمن أسلم على شيء فهو له، ولا نتعرض لما مضى منهم في جاهليتهم، لا المواريث ولا غيرها.

3-فتوى الشيخ أبا بطين مُفتي الديار النجدية عندما سُئل: عمَّن يرتكب شيئاً من المُكفّرات… الخ؟

فأجاب: ما سألت عنه، من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر، إذا ارتكب شيئا من المكفرات، فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أنه كفر، مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه، فمن ارتكب شيئاً من هذا النوع أو جنسه، فهذا لا شك في كفره.

ولا بأس بمن تحققت منه شيئاً من ذلك، أن تقول: كفر فلان بهذا الفعل، يبين هذا: أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافراً، ويفتتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر، وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل، والاستتابة إنما تكون مع معين.

ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: إن القرآن مخلوق; قال: كفرت بالله العظيم; وكلام العلماء في تكفير المعين كثير.

وأعظم أنواع الكفر: الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى: قيل: فلان مُرابٍ".

4-فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالرياض رقم (11043) عندما سئلت ما نصُّه: (عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور وفي نفس الوقت وجود من يدافع عن هؤلاء ويقول: إنهم مسلمون معذورون بجهلهم فلا مانع من أن يتزوجوا من فتياتنا وأن نصلي خلفهم وأن لهم كافة حقوق المسلم على المسلم) ولا يكتفون، بل يسمون من يقول بكفر هؤلاء: إنه صاحب بدعة يعامل معاملة المبتدعين، بل ويدَّعوا أن سماحتكم تعذرون عباد القبور بجهلهم حيث أقررتم مذكرة لشخص يدعى الغباشي يعذر فيها عباد القبور، لذلك أرجو من سماحتكم إرسال بحث شاف كاف تبين فيه الأمور التي فيها العذر بالجهل من الأمور التي لا عذر فيها، كذلك بيان المراجع التي يمكن الرجوع إليها في ذلك، ولكم منا جزيل الشكر.

فأجابت اللجنة: يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحاً وخفاءً وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفاً.

فمن استغاث بأصحاب القبور دفعا للضر أو كشفا للكرب بُيّنَ له أن ذلك شرك، وأقيمت عليه الحجة؛ أداءً لواجب البلاغ، فإن أصر بعد البيان؛ فهو مشركٌ يعامل في الدنيا معاملة الكافرين واستحق العذاب الأليم في الآخرة إذا مات على ذلك، قال الله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النسائ: 165).

وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الاسراء: 15).

وقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19).

وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» رواه مسلم.

إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب البيان وإقامة الحجة قبل المؤاخذة، ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره، ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله؛ فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر.

ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم.

كما يشهد له ما قصه الله تعالى من نبأ قوم موسى إذ أضلهم السامري فعبدوا العجل وقد استخلف فيهم أخاه هارون عند ذهابه لمناجاة الله، فلما أنكر عليهم عبادة العجل قالوا: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}، فاستجابوا لداعي الشرك، وأبوا أن يستجيبوا لداعي التوحيد، فلم يعذرهم الله في استجابتهم لدعوة الشرك والتلبيس عليهم فيها لوجود الدعوة للتوحيد إلى جانبها مع قرب العهد بدعوة موسى إلى التوحيد.

ويشهد لذلك أيضاً ما قصه الله من نبأ نقاش الشيطان لأهل النار وتخليه عنهم وبراءته منهم، قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (ابراهيم: 22). 

فلم يعذروا بتصديقهم وعد الشيطان مع مزيد تلبيسه وتزيينه الشرك وإتباعهم لما سول لهم من الشرك لوقوعه إلى جانب وعد الله الحق بالثواب الجزيل لمن صدق وعده فاستجاب لتشريعه واتبع صراطه السوي.

ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من يعيش فيها يتجاذبه فريقان فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها شركية وغير شركية، ويلبس على الناس ويزين لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة غريبة يوردها بأسلوب شيق جذاب، وفريق يدعو إلى الحق والهدى، ويقيم على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويبين بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف، فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية في إقامة الحجة وإن قل عددهم، فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد.

فمن كان عاقلا وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جد في طلبه وسلم من الهوى والعصبية، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة الوجهاء ولا اختل ميزان تفكيره، وألغى عقله، وكان من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} (الأحزاب: 64 -68)

أما من عاش في بلاد غير إسلامية ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن والإسلام فهذا - على تقدير وجوده - حكمه حكم أهل الفترة يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولاً وفروعاً إقامة للحجة و إعذاراً إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه أو بلهه أو صغره وعدم تكليفه.

وأما ما يخفى من أحكام الشريعة من جهة الدلالة أو لتقابل الأدلة وتجاذبها فلا يقال لمن خالف فيه: آمن وكفر، ولكن يقال: أصاب وأخطأ، فيعذر فيه من أخطأ ويؤجر فيه من أصاب الحق باجتهاده أجرين.

وهذا النوع مما يتفاوت فيه الناس باختلاف مداركهم ومعرفتهم باللغة العربية وترجمتها وسعة اطلاعهم على نصوص الشريعة كتاباً وسنة ومعرفة صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ونحو ذلك.

وبذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عُبّاد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم، والله ولي التوفيق، 

5-وفي فتوى أخرى للجنة الدائمة برقم (6310)، وقد سئلت: هل قامت حجة الله عز وجل على أهل هذا الزمان أو لم تقم ويجب على العلماء إقامتها؟

من بلغته الدعوة في هذا الزمان فقد قامت عليه الحجة، ومن لم تبلغه الدعوة فإن الحجة لم تقم عليه كسائر الأزمان، وواجب العلماء البلاغ والبيان حسب الطاقة.

6-وفي فتوى أخرى للجنة الدائمة برقم (2229)، وقد سئلت هل هناك فرقٌ بين المسلمين الذين عندهم نوعٌ من الشرك، وبين المشركين الذين لم يعترفوا بالإسلام؟

فأجابت: لا فرق بين من يرتكس في بدع شركية تخرج من ينتسب إلى الإسلام منه وبين من لم يدخل في الإسلام مطلقاً في تحريم المناكحة ومنع التوارث بينهم وبين المسلمين، ولكن بينهم تفاوتاً في درجة الكفر والعقوبة عليه في الدنيا والآخرة حسب درجة طغيانهم.

فمثلاً الأول: يعتبر مرتداً عن الإسلام يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل لردته، وماله لبيت المال لا لزوجه وأهله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (رواه البخاري). 

والثاني: يدعى إلى الإسلام فإن استجاب فبها، وإلا شرع جهاده وقتاله كسائر الكافرين، وماله فيء أو غنيمة للمسلمين إن أخذوه في جهاد، ولورثته من أهل دينه إن مات في غير جهاد، إلا أن يكون المشرك من أهل الكتاب والمجوس فإنهم يقرون بالجزية إذا التزموا بها عن يد وهم صاغرون، وإلا قوتلوا عند القدرة على ذلك؛ لقوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29). وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر.

7- فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد سئل رحمه الله: هل يُعذر المسلم إذا فعل شيئاً من الشرك كالذبح والنذر -لغير الله -جاهلاً؟

فأجاب رحمه الله: ((لأمور قسمان:

أ- قسم يعذر فيه بالجهل. 

ب- وقسم لا يعذر فيه بالجهل.

فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين، وأتى الشرك بالله، وعبد غير الله، فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسأل، ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذور في عبادته غير الله من أموات أو أشجار أو أحجار أو أصنام، لإعراضه وغفلته عن دينه، كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} (الأحقاف: 3).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه لأنها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها؛ لأنها ماتت على دين قومها عباد الأوثان؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لشخص سأله عن أبيه، قال: «هو في النار، فلما رأى ما في وجهه قال: إن أبي وأباك في النار» (رواه مسلم). لأنه مات على الشرك بالله، وعلى عبادة غيره سبحانه وتعالى، فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو يعبد الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، أو يعبد علياً أو يعبد غيرهم.

فهؤلاء وأشباههم لا يعذرون من باب أولى؛ لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم. وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، ولكنهم عن ذلك معرضون.

والقسم الثاني: من يعذر بالجهل كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا، أو لأسباب أخرى كأهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الرسالة، فهؤلاء معذورون بجهلهم، وأمرهم إلى الله عز وجل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار؛ لقوله جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15) والأحاديث صحيحة وردت في ذلك.

وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في هذه المسألة في آخر كتابه: (طريق الهجرتين) لما ذكر طبقات المكلفين، فليراجع هناك لعظم فائدته.








الثلاثاء، 25 مايو 2021

براءة الإمام أحمد من دعوى التفويض وكشف دعوى الحنابلة الجدد علاء إبراهيم عبد الرحيم بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

براءة الإمام أحمد من دعوى التفويض

وكشف دعوى الحنابلة الجدد

علاء إبراهيم عبد الرحيم

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه ورقة علمية نفيسة، ناقش فيها الباحث واحدة الدعاوي العريضة التي ادّعاها بعض من يُظهر الانتساب إلى الحنابلة، فيما يُعرف بـ"الحنابلة الجدد"، أو "مُفوضة الحنابلة"، حيث زعموا أن التفويض عند الإمام أحمد هو تفويض المعاني والكيفيات، الأمر الذي يختلف عن التفويض المنسوب إلى السلفية المعاصرة، والذي يقتصر على تفويض الكيف مع اثبات أصل المعنى، ويرى هؤلاء المفوضة أن الإمام أحمد فوّض في بعض معاني الصفات، وفي هذه الورقة ردٌّ على هذه الدعاوى من وجهين:

الأول: إجمالي، وذلك بتقرير مذهب السلف والإمام أحمد في إثبات معاني الصفات وتفويض حقائقها.

الثاني: التفصيلي، عن طريق مناقشة ما ادّعاه صاحب كتاب "السادة الحنابلة واختلافهم مع السلفية المعاصرة" للمدعو مصطفى حمدون الحنبلي، وقد نوقش هذا الكتاب بالتفصيل في موقع الدرر السنية (انقر الرابط)، وسأورد المقالة كاملة هنا بإذن الله تعالى.

ومعلومٌ أن التفويض هو مذهبٌ مُحدث مولَّد من الأشعرية، جاء بعد المائة الرابعة الهجرية.

ولعل أول من تكلم بالتفويض من أرباب المقالات المعلومة هو أبو منصور الماتريدي (ت 333 هـ)،"في كل أمر ثبت التنزيل فيه، نحو الرؤية وغير ذلك -من الاستواء -يجبُ نفي الشبه عنه، والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شيء" (التوحيد للماتريدي، ص 74).

وأما نسبة التفويض إلى السلف، فأول من زعم ذلك: الإمام أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ) رحمه الله، مع أنه جرى على مذهب أهل التأويل، وارتضاه لنفسه من حيث الجملة (انظر مذهب أهل التفويض لنصوص الصفات، د. أحمد القاضي، ص 193 -199).

ثم جاء بعده الإمام أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ)، وأبو المعالي الجويني (ت 478 هـ)،

ثم أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ)، فنسبوا مقالة التفويض إلى السلف، وهي نسبة عارية عن الدليل. 

 ولعل السبب في نسبة التفويض إلى السلف أن ذلك مثَّل مخرجاً توفيقياً بين ما في نصوص الوحي من الإثبات الخالص، وما عليه المتكلمون من النفي والتعطيل، فقال المفوضة باثبات اللفظ ونفي حقيقته، الأمر الذي يُخالف اعتقاد السلف بالكلية، يُفرغ مذهب السلف من مضمونه الحقيقي، ويزول تشنيع أهل التأويل والتعطيل، وعندها يسوغ للمبتدعة أن يقرروا قاعدتهم الباطلة: أهل التفويض أسلم، وأهل التأويل أعلم.

  • محاور الكتاب:

يمكن إجمال محاور الكتاب في ثلاثة مواضيع رئيسة، وهي:

الرد على شبهة ما نسب إلى الإمام أحمد، أنه قال: "لا كيفٌ ولا معنى".

وبيان ما اشتبه من قول الإمام أحمد: "أحاديث الصفات تُمر كما جاءت".

الرد على دعوى أن الإمام أحمد أجمل، ولم يُفصل في باب إثبات الصفات، وإثبات ذكره لصفة الوجه والأصابع، واليدين، والساق، والهرولة كمثال.

نظرة على كتاب السادة الحنابلة واختلافهم مع السلفية المعاصرة

"موقع الدرر السنية"

أولًا: عرْض الكتاب:

كتاب هذا الشَّهر كأمثاله من الكتُب التي تَكيل الاتهاماتِ زُورًا وبهتانًا للإمام محمَّد بن عبدالوهَّاب ودَعوته السلفيَّة الإصلاحيَّة وأئمَّة هذه الدَّعوة المبارَكة  وعلمائها، وقد حوَى الكتابُ الدَّعاوى القديمة لخصوم هذه الدعوة، إضافةً إلى زعْم المؤلِّف أنَّ هذه الدَّعوة مخالفة لمذهب الإمام أحمد في العقائد والفِقه والتصوُّف، وأنَّ انتسابهم إلى مذهب الإمام أحمد غير صحيح، وأنَّهم خصومٌ للمذهب الحنبليِّ، وأنَّهم طائفة شاذَّة، وخوارج وتكفيريُّون...إلخ، مع توجيه النَّقد للعلماء السَّلفيِّين المعاصرين أيضًا. 

والأخطر من ذلك أنَّه نسَب إلى الإمام أحمد والحنابلة مسائل واعتقادات مخالفة لعقائد أهل السُّنة -كما سنرى بعضها في هذا النقد الموجز -مستدلًّا على زعْمه هذا بنقولات مبتورة أحيانًا، ونصوص عامَّة أحيانًا أخرى، بل أحيانًا تخالف ما استدلَّ به، بل هي تدلُّ على ضدِّ ما يزعمه!

وقد تألَّف هذا الكتاب من مقدِّمة، وأربعة فُصول وتحت كلِّ فصل منها عِدَّة مباحث، وخاتمة؛ أشار في المقدِّمة إلى هدف هذا الكتاب، وهو الردُّ على مَن أطلق عليهم الفرقة السَّلفيَّة أو الوهابيَّة، أو السَّلفيَّة المعاصرة - على حدِّ تعبير المصنِّف- وأنَّ كتابه هذا خلاصة لردود الحنابلة على هذه الفِرقة، مبيِّنًا أن سبب كتابته يعود إلى أمرين:

الأول: بيان مذهب الحنابلة الصحيح في العقيدة والفقه، وهو مذهب موافق لجمهور أهل السُّنة والجماعة.

والثاني: إظهار الفُروقات بين مذهب الحنابلة ومذهب السَّلفية المعاصرة وقطع الصِّلة بينهم.

أمَّا الفصل الأوَّل: فقد جعله للحديث عن الإمام أحمد، والتعريف به وبمذهبه، ومزايا الفقه الحنبلي، وردِّ الشُّبهات عن الإمام أحمد وأئمَّة الحنابلة، مع ذِكر أعلامهم وأوطانهم، وتحدَّث عن ابن تيميَّة وعن مكانته في المذهب الحنبليِّ، ثم ذكر العلماء الحنابلة الذين ردُّوا على السلفيَّة المعاصرة.

وفي الفصل الثاني: الذي عنونه بقوله (في العقائد بين الحنابلة والسلفية المعاصرة) تحدَّث عن بعض المسائل العقديَّة؛ مثل: العقل والفطرة، ومسألة التقليد في العقائد، وحُكم تعلُّم علم الكلام، والحُكم بالتكفير على المسلمين، كما تحدَّث عن الأشاعرة وموقفهم من الحنابلة وعقائد أهل السُّنة، وأيضًا تحدَّث عن مسألة التفويض والتأويل والتنزيه عند الحنابلة، وعن المقام المحمود لنبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن مسألة فناء النار...وغير ذلك.

والفصل الثالث: خصَّه للحديث عن الفقه والمسائل الفقهيَّة التي خالفت فيها السَّلفيَّة المعاصرة مذهب الحنابلة، مبتدئًا بالحديث عن أصول مذهب الإمام أحمد، ثم تحدَّث عن التقليد في الفِقه ومدى مشروعيَّته، وعن  البِدعة وأقسامها، كما تكلَّم عن منهج الإمام أحمد في الحديث الشَّريف، ثم ذكر كثيرًا من المسائل الفقهيَّة التي خالفت فيها السلفيَّة المعاصرة مذهب الحنابلة - على حد زعمه.

أمَّا الفصل الرابع: فكان الحديث فيه عن التصوُّف عند الحنابلة، فتحدَّث عن فضل الصُّوفية وشهادة العلماء لهم، وعن موقف الإمام أحمد من التصوُّف والصوفيَّة، ثم ذكر مسائل في التصوُّف عند الحنابلة، وختَم هذا الفصل بذِكر تراجم لمجموعة من الحنابلة ممَّن سلكوا طريق التصوُّف. 

وفي الخاتمة أشار إلى ما توصَّل إليه في بحثه من أنَّ السلفيَّة المعاصرة خالفت مذهب الإمام في مئات المسائل المهمَّة، وليس عندهم جواب شافٍ - على حدِّ تعبيره -لسبب  هذه المخالفة إلا إنكار التقليد الذي  أجاب عنه!

ثانيًا: نقد الكتاب:


وهذا الكتاب عليه مؤاخذات كثيرة جدًّا؛ نشير إلى أهمِّها باختصار، وبموضوعيَّة بمَّا يُثبِت لكلِّ قارئ خطأ منهج المؤلِّف الذي سار عليه في كتابه هذا، وخطأه في نسبته الأقوال للإمام أحمد والحنابلة وغيرهم، وأنَّ الذين سمَّاهم المؤلِّف بـ(السَّلفية المعاصرة)، وزعم أنَّهم مختلفون مع الحنابلة في العقائد والفقه والتصوُّف، وأنَّهم طائفة شاذَّة - يثبت أنَّهم ما هم إلَّا علماء ودعاة متَّبعون لمنهاج مَن سبقهم من السَّلف الصالح من لَدُن الصَّحابة رضوان الله عليهم والتابعين، ومِن بعدهم الإمام أحمد والحنابلة وغيرهم من العلماء والأئمَّة، محترمين أقوالهم، وغير خارجين عنها، مع نفي التعصُّب لشخصِ أحد منهم متقدِّمًا كان أو متأخِّرًا أو معاصرًا، فهذا لا يكون إلَّا للرَّسول المعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم:

1- فمن هذه المؤاخذات: قول المؤلِّف (ص: 6): (وقد انتسب إليه [الإمام أحمد] في العصور المتأخرة جماعات من الناس ابتعدوا عن منهجه وطريقته وفهموا الشرع بخلاف فهم السلف الصالح، وظنوا أن هذا هو مذهب الحنابلة وأهل الحديث فوقعوا في شذوذات فقهيَّة وعقديَّة كثيرة لم يقل بمجموعها أحد من علماء السَّلف. وقد رد على هذه الفرقة المسماة بالسلفيَّة أو الوهابيَّة كثير من الحنابلة وأهل السنة، إلا أنَّ مؤلفاتهم لم تنتشر وتشتهر ..)، وعلَّق في الهامش قائلًا: (سمى علماء أهل السنة هذه الطائفة بالوهابية، وهو اسم لا ينكره أتباع هذه الطائفة، بل منهم من يفتخر به كما سيأتي، ولكنني رأيت أن أسميهم بالاسم الذي أطلقوه على أنفسهم؛ أي: السلفية، إلا أن مرحلة السلف مرحلة زمنية انتهت بعد القرن الثالث؛ فالانتساب إليهم في هذا العصر غير صحيح، فرأيت أن أزيد في التسمية صفة المعاصرة؛ لأنها فرقة لم تظهر بمجموع فِكرها إلا في التاريخ المعاصر فهي السلفية المعاصرة).

التعقيب:

في هذا الكلام مغالطات كثيرة؛ ونبدأ أوَّلًا بالتعقيب على ما ذكره المؤلِّف في الهامش، وخصوصًا قوله: (إلَّا أن مرحلة السلف مرحلة زمنية انتهت بعد القرن الثالث؛ فالانتساب إليهم في هذا العصر غير صحيح)، وهذا الكلام هو ترديد للشبهة التي أثارها البوطي في كتابه (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)، وهو بهذه العبارة ينسف منهج السَّلف كله، والقول الحقُّ: أنَّ (السلفيَّة) منهج في فَهم الدِّين كلِّه في العقائد والفقه والسلوك، والاتباع والاستدلال، والدَّعوة والإصلاح، وهي تعني الانتساب إلى السَّلف الصالح - وهم الصَّحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدِّين- وهذا المنهج هو الواجب أن يُتبع في كلِّ العصور دون ما سواه من المناهج، ولا يُعاب على مَن انتسب إليه، بل يجب قَبوله بالاتِّفاق، وحقيقة هذا المنهج هو الإسلام الصَّافي المحض الذي كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأصحابُه رضوان الله عليهم قبل ظهور الفِرق والاختلافات. وقد تكاثرت الأدلَّة الشرعيَّة كتابًا وسُنَّة، وتكاثرت أيضًا نصوص العلماء على وجوب اتِّباع هذا المنهج، وسلوك هذا السبيل؛ من ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فإنهُ من يعِشْ منكم فسيرَى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ ، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ . وإياكم ومحدَثاتِ الأمورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)) [رواه أحمد (17144)، وأبو داود (460)، وابن ماجه (42)، وغيرهم، وصحَّحه جمع من أهل العلم]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في وصف الفرقة الناجية: ((ما أنا عليه وأصحابي)) [رواه الترمذي وحسَّنه (2641)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: (ليس مذهب السَّلف مما يُتستر به إلا في بلاد أهل البدع؛ مثل بلاد الرافضة والخوارج...) ثم قال: (لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبولُ ذلك منه بالاتفاق؛ فإنَّ مذهب السَّلف لا يكون إلَّا حقًّا) مجموع الفتاوى (4/ 149)، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (السَّلفية تُطلق على المنهاج الذي سلكه السَّلف الصالح رضي الله عنهم، كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ أمَّتي ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فِرقةً ،كلُّها في النَّار إلَّا واحدة، وهي الجَماعة))، وفي لفظ: ((مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي))، وبناءً على ذلك تكون السلفيَّة هنا مقيَّدة بالمعنى؛ فكلُّ مَن كان على منهاج الصَّحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فهو سلفيٌّ وإن كان في عصرنا، هذا وهو القرن الرَّابع عشر بعد الهِجرة) [فتاوى نور على الدرب - لابن عثيمين (2/ 4)]، وما تآليف العُلماء ونُقولاتهم واحتجاجاتهم بمذهب السَّلف على مخالفيهم من الخلف إلَّا دليلٌ على أنَّ الانتساب إلى السَّلف منهجٌ، وليس مرحلةً زمنيَّة مضَت، ولا يضرُّ ذلك مَن انتسب إلى مذهب السَّلف زورًا وبهتانًا، أو أساء إليه خُلُقًا وسُلوكًا؛ ففِئام من النَّاس انتسبت إلى الإسلام والإسلام منهم براء، وما ضرَّه ذلك شيئًا، والمسألة تحتاج إلى بسط أكثرَ من هذا، ولكن لا يحتمل المقام هنا الإطالة.

ثانيًا: الجماعات من النَّاس في العصور المتأخِّرة الذين عناهم المؤلِّف ووصفهم بما وصفَهم به، ما هم إلَّا علماء ودعاة وفقهاء ومصلِحون تربَّوا على أيدي العلماء، ولم يَبتدعوا شيئًا جديدًا، بل نصُّوا صراحةً على أنَّهم متَّبعون لا مبتدعون، وكتبهم ومؤلَّفاتهم شاهدة بذلك، ولا يعني هذا عِصمتَهم؛ وأوَّل هؤلاء الذين قصَدهم المؤلِّف هو الإمام المجدِّد محمَّد بن عبدالوهاب، وقد ذَكَر المؤلِّف في (ص: 112 - 148) العلماء الحنابلة الذين عارَضوا دعوة الإمام محمَّد بن عبدالوهاب وحاربوها، وتبرَّؤوا منها، فذكر 36 عالما حنبليًّا، إضافة إلى الأُسر والبيوت الحنبليَّة المعارضة للحركة الوهابية، ولكن - كعادة أهل البِدع؛ يَذكُرون ما لهم ويَدَعون ما عليهم؛ فلم يذكر المؤلِّف - لا من قريب ولا من بعيد - العلماء الذين وافقوا الدَّعوة وأقرُّوا بها، وما أكثرهم! ولو أردنا تعدادهم لزادوا أضعافًا على مَن ذَكَرهم، مع أنَّ الحق لا يُعرَف بالرِّجال.

2- ومن المؤاخذات المنهجيَّة كذلك: أنَّ المؤلِّف كثيرًا ما ينسب أقوالًا للسَّلفية المعاصِرة - على حدِّ تعبيره - ويَكيل لهم الاتهامات، ولم يذكر من القائل بها، وأين قال هذا القول، بل هم قائلون بضدِّ ما يزعم!

من ذلك: قوله (ص: 170): (لم يكن الإمام أحمد بن حنبل جريئًا على تكفير المسلمين كما يفعل أكثرُ السَّلفية المعاصرة، بل كان يتورَّع عن تكفير الفرق الأخرى كالشيعة والمرجئة والخوارج والمعتزلة [هامش: لكنه يكفر الغلاة والمجتهدين منهم]، فما نقول اليوم فيمن يكفرهم - ويستحل دماءهم - ويكفِّر معهم بقية أهل السُّنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية والصوفيَّة؟).

ونقول له: مَن مِن السَّلفية المعاصرة كفَّر هؤلاء الذين ذكرتهم هكذا بالجملة وغالى في تكفيرهم؟ وأين كلامهم هذا؟ ولماذا لم تنقُل كلامًا صريحًا عن أحدهم في تكفير مَن زعمت أنَّهم يكفرونهم؟!

بل أقوالهم ضدَّ ما تزعم، بل هم أشدُّ الناس توقيًا لهذا المزلق الخطير، ولا يُكفِّرون إلَّا مَن دلَّ القرآن والسُّنة على تكفيره، بعد قيام الحُجَّة وبلوغها المعتبر، مع تحذيرهم من مسلك الذين يتساهلون في الحُكم على الناس بالتكفير؛ قال الإمام محمَّد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى: (وأمَّا الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفِّر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على مَن قدر على إظهار دينه، وأنا نكفِّر من لم يكفِّر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه. فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنَّا لا نكفِّر مَن عبَد الصنم الذي على قبر عبدالقادر، والصَّنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم؛ فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، ولم يكفِّر ويقاتل؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}) [فتاوى ومسائل (ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (4/ 11)].

ويقول الشيخ الألبانيُّ رحمه الله تعالى: (علماء السَّلف -كما تعلمون- يُضلِّلون المرجئة، ويُضلِّلون المعتزلة، لكنَّهم لا يكفرونهم) [دروس للشيخ الألباني (42/ 10)]

وقال الشَّيخ ابن عثيمين: (... وبه نعرف خطأ بعض الناس الذين صار التَّكفير عندهم سهلًا حتى في الأمور الاجتهاديَّة التي لا يُضلَّل فيها المخالف، تَجدهم يُكفِّرون مَن خالفهم، وهو أمرٌ خطيرٌ جدًّا، فالواجب على المرء أن يتَّقي الله عزَّ وجلَّ في هذه المسألة، وألَّا يُكفِّر إلَّا من دلَّ الكتاب والسُّنة على كفره ، ومع هذا فإن العمل أو القول قد يكون كفرًا، ويكون العامل أو القائل معذورًا بجهل أو تغرير؛ فيحتاج إلى إقامة الحُجَّة عليه قبل أن يُحكَم بكفره، وليعلم أنَّ وصف الإنسان بالكفر أو الإيمان ليس موكولًا إلى الناس، بل هو موكول إلى كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، فما دلَّ الكتاب والسُّنة على أنَّه من الكفر، فهو كفر، وما لا دليل فيه من الكتاب والسُّنة على أنَّه كفر، فلا يجوز لأحد أن يجعله كُفرًا) [فتاوى نور على الدرب للعثيمين (6/ 2)].

ومن ذلك قول المؤلِّف (ص: 409) : (لقد خالفت السَّلفية المعاصرة مذهب السَّادة الحنابلة في بعض مسائل الصَّحابة بما يخالف جمهور أهل السُّنة والجماعة، وهذه هي المسائل:

أولًا: الاستخفاف بأقوال الصحابة: لقد استخفت السلفية المعاصرة بأقوال الصحابة وقلَّلت من فقههم لا سيما إذا خالف آراءهم، مع العلم أن قول الصحابي غير المعارض بقول صحابي حجة عند الإمام أحمد وأكثر العلماء. وحتى من لم يقل بحجية قول الصحابي أقر بأن فهم الصحابة مقدم على فهمنا وقولنا، وأما رد أقوالهم فلابد فيه من دليل قوي لا مجرد شبهات وأهواء).

وهذا مِن أعجب العجب، بل أعجب من العجب نفْسه! فديدن علماء السَّلف هو تعظيم أقوال الصَّحابة، والدَّعوة إلى لُزوم فَهمهم للدِّين؛ قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى : (فالعلم: قال الله سبحانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أعلم بكتاب الله وأعلم بالسنة، فاستنباطهم وأقوالهم يعين طالب العلم، ويرشد طالب العلم إلى الفهم الصحيح عن الله وعن رسوله عليه الصَّلاة والسلام ) [مجموع فتاوى ابن باز (24/ 183)، وأقوال العلماء في ذلك لا تحصى كثرة، وتطبيقاتهم في استدلالاتهم في المسائل كذلك.

فمِن أين أتى المؤلِّف بهذا الكلام، ومَن القائل به؟ وأين قال هذا الكلام؟!

ومن ذلك: أنَّ المؤلِّف أحيانًا ينسب القول للسَّلفية المعاصرة، مع أنَّ القائل به واحد من علمائهم فقط، وجائز أن تزلَّ قدمُه، ويكون العلماء الآخرون قد ردُّوا عليه قولَه هذا، ولكن هذا لا يكفي عند المؤلِّف! كما في قوله (ص: 448): (ظهر من هذه الطائفة مَن يشكِّك المسلمين في كل شيء؛ فقد ظهر منهم في العصر المتأخر مَن يُنكر المهدي بدعوى أنها خرافة وينكر الأحاديث الواردة فيه بدعوى التحقيق في الأحاديث. فقاموا بتأليف الكتب في ذلك ومنهم:

الشيخ (عبدالله بن زيد آل محمود) رئيس المحاكم الشرعية في إمارة قطر سابقًا في كتابه (لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد خير البشر)، الذي ينفي فيه فكرة المهدي من أساسها ويعتبرها منبعًا للفتن... وذكر شيئا من كلامه، ثم قال (ص: 449): (وجاء قبله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ليدعي التعارض فيها... ومع أن أكثر السلفية المعاصرة ردُّوا عليهم، إلا أن هذا الرد لا يكفي ؛ لأنَّهم متفقون على أصل واحد، وهو فتح باب التشكيك في المسلَّمات التي قبِلها المسلمون وإنِ اختلفوا في الجزئيات. ومتفقون على أن لكل طالب علم تصحيح وتضعيف ما يحلو له دون منهاج منضبط).

فنقول: هل قولُ واحد من السلفيِّين يُسحَب على الجميع؟! وألَا يكفي العلماء ردُّهم على قوله؟! إنَّ هذا المنهج الذي سلكه المؤلِّف  في الحُكم على النَّاس وعلى الطوائف من أظلم الظلم؛ فالله عز وجل يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]!

وفي هذا الكلام - إضافة إلى الخطأ المنهجي - افتراءات واتِّهامات بالباطل، دون ما برهان؛ فاتباع السَّلف الصالح من أشد الناس تعظيمًا للآثار، وحِفاظًا على المسلَّمات، بل هم المدافعون عنها، بل يتَّهمهم أعداؤهم بالمبالغة في ذلك!.

بل الأعجب من هذا : أنَّ المؤلِّف ينسُب أمورًا للسلفية المعاصرة بناء على سماعه من بعض الثِّقات - عنده - عن فعل بعض الفتيات! وهذا من المضحِك حقًّا؛ يقول (ص: 575) : (سمعت من ثقات أن بعض الجماعات السَّلفية المعاصرة التي تنتشر في أوساط الفتيات - خاصَّة في الجامعات - تدعوهنَّ إلى التبتُّل وعدم الزواج، وينسبن أنفسهن إلى الإمام أحمد بن حنبل وقيل لي بأنهن يترضين على الإمام أحمد في آخر كل جلسة). ثم يقول في (ص: 577): (وقد كان ترك الزواج عمل بعض الصوفيَّة، فصار سُنة الجماعات السلفيَّة المعاصرة)!

3- ومن المؤاخذات على المؤلِّف:

ما فعله مع الشَّيخ الألبانيِّ رحمه الله تعالى؛ فذَكَر بعض المسائل التي انفرد بها الشيخ ولم يوافقه عليها العلماء (مثل: تحريم صيام يوم السبت، وتحريم الذهب المحلَّق على النساء، وغيرها)، ناسبًا إيَّاها إلى السَّلفية المعاصرة، والشيخ على كلِّ الأحوال مجتهد يقول بحسب ما يظهر له من الأدلَّة، والعلماء يردُّون عليه بحسب ما عندهم من الأدلَّة والفَهم أيضًا، وهذا ممَّا يُمدح به المنهجُ وأهله، لا ممَّا يذمُّون به!

ولا يُستغرب موقِف المؤلِّف هذا إذا علمنا ما يتصوَّره في ذهنه وما ذكره هو عن نفسه (ص: 13) حيث يقول: (أقول: لا يسوغ لسلفي أن ينكر على سلفي مثله في الفروع؛ لأنَّهم متَّفقون في الأصول، ولأنهم متفقون على إنكار المذاهب الأربعة والخروج عليها).

وعلى كلام المؤلِّف هذا لا يسوغ لأيِّ طائفة إنكار أيِّ شيء في الفروع على مَن اشترك معها في الأصول! وهذا ممَّا لا يتصوَّره العقل؛ فضلًا عن أن ينطق به إنسان شمَّ رائحة العلم! فلماذا كان ينكر الصحابة على بعضهم؟! أليسوا متَّفقين في الأصول؟! ولماذا يردُّ العلماء بعضُهم على بعض في كل عصر وكل مصر؟ بل علماء المذهب الواحد يردُّ بعضهم على بعض.

ثم مِن أين أتى المؤلِّف بأنَّ السَّلفية المعاصرة متَّفقة على إنكار المذاهب الأربعة والخروج عليها؟! في أيِّ كتاب وقَف عليه المؤلِّف، ولم يقف عليه غيرُه من العالمين! يذكر هذا الأصل الذي اتَّفقوا عليه؟ أو مَن مِن العلماء أذاع هذا القول ونشَره؟! إنَّ هذا لخطأ منهجي كبير في نسبة الأقوال إلى الناس، ورميهم بالتُّهم الباطلة جزافًا، ولا نملك إلَّا أن نذكِّر المؤلِّف بأنه سيقف أمام الله تعالى، وسيسأله مِن أين أتى بهذه الأقوال؟ ومَن  الذي سوَّغ له أن يتَّهم النَّاس بهذه الأباطيل؟

4- ومن المؤاخذات - وهي أخطر النِّقاط - في هذا الكتاب: هو ما نسَبه المؤلِّف إلى الإمام أحمد - وأئمَّة الحنابلة تبعًا - من الاعتقادات المخالفة لعقائد أهل السُّنة والجماعة وأئمَّة السَّلف، زاعمًا أنَّ هذا هو قول الإمام أحمد والحنابلة وقول أهل السُّنة أيضًا:

- من ذلك زعمه بأنَّ الإمام أحمد والحنابلة قبل ابن تيميَّة يقولون بتفويض الكَيف والمعنى معًا في صفات الله عزَّ وجلَّ؛ يقول (ص: 222): (والتفويض المرويُّ عن الإمام أحمد يختلف عن التفويض المحدَث الموجود عند السلفية المعاصرة [وقال في الهامش: والذي لم يقل به أحد قبل ابن تيمية كما ستعرف]، فتفويض الإمام أحمد لبعض النصوص هو إثبات صحتها ثم تسليمها من غير التحدث في معانيها...) ويقول:  (ص: 226) : (فانظر إلى ابن كثير والذهبي - وهما تلميذان لابن تيمية - وابن رجب وابن قدامة وأبي يعلى والكرمي لم يقولوا بتفويض الكيف فقط. بل قالوا بتفويض الكيف والمعنى. فهل كل هؤلاء على تفويض الجهمية كما تقول السلفية المعاصرة؟ أم أنهم على عقيدة السلف في التفويض وأنَّ الذي قال بتفويض الكيف فقط مع معرفة المعنى هو المبتدع عن طريقة السلف والحنابلة)

والمتأمِّل في نصوص الأئمَّة والإمام أحمد خصوصًا، وحتى بعض مَن ذكَرهم المؤلِّف نفسه يجد أنَّ كلامهم متَّفق وكلامَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة وكلام العلماء المعاصِرين، من أنَّ السَّلف يُفوِّضون العلم بكيفيَّة الصِّفات لله تعالى، لا المعنى؛ فهو معلوم لكلِّ ذي فِطرة سليمة، ونحن مأمورون بالتدبُّر في معاني هذه الصِّفات، والتعبُّد لله تعالى على مقتضاها. من ذلك ما ذكَره المؤلِّف نفسه (ص: 224) عن الإمام ابن رجب الحنبلي حيث قال: ( وما أشكل فَهمُه منها ، وقصر العقل عن إدراكه، وُكِلَ إلى عالمه )، فكيف الحال بما كان ظاهرًا معلوم المعنى متَّضحَه؟! هل يمرُّ كأنَّه طلاسم أو حروف مقطَّعة لا نعلمها ولا نفهم منها شيئًا؟! وإذًا كيف نتعبَّد الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا إذا لم نفهم معانيَها، وما دلَّت عليه من اللوازم؟!

وقد جاء صريحًا عن الإمام أحمد في عقيدته من رِواية أبي بكر الخلَّال (ص: 102) أنَّه قال: (وفي صِفات الله تعالى ما لا سبيل إلى معرفته إلَّا بالسمع، مثل قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}، فبان بإخبارِه عن نفسه ما اعتقدَتْه العقولُ فيه، وأنَّ قولنا: (سميع بصير) صفة مَن لا يشتبه عليه شيء، كما قال في كتابه الكريم، ولا تكون رؤية إلَّا ببصر يعني من المبصرات بغير صفة مَن لا يغيب عليه ولا عنه شيء، وليس ذلك بمعنى العِلم كما يقوله المخالفون؛ ألا ترى إلى قوله تعالى لموسى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى}، قال: وقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يدلُّ على أنَّ معنى {السَّمِيع} غير معنى {الْعَلِيم} ) انتهى، وهذا ظاهر في أنَّ الإمام أحمد يتكلَّم في معاني الصِّفات ويُفسِّرها بمعانيها الصَّحيحة، ويفرِّق بين معنى كل صفة؛ فصفة السمع غير صفة العلم؛ فكيف يُقال إنَّ الإمام يفوض المعنى؟!

5- ومن المسائل التي تحدَّث عنها المؤلِّف، ونسبها إلى الحنابلة، وخلَط فيها بين الحقِّ والباطل: (مسألة التأويل)؛ زاعمًا أنَّ التأويل الصَّحيح هو نفي حمْل صفات الباري جلَّ وعلا على الحقيقة؛ فذكر (ص: 238) بعض هذا التأويلات المرويَّة عن السَّلف، ثم قال (ص: 255): (وهذا ما لم تدركه السلفيَّة المعاصرة حين أثبتوا الوجه والأصابع والساق والهرولة والظل على الحقيقة! مع أنَّ الحقيقة عند محقِّقي الحنابلة قد تكون هي المعنى المجازي ).

التعقيب: 

كلام أئمَّة السَّلف في إثبات الصِّفات، وإمرار نصوصها على ظاهرها، على ما يَليق بكمال الله تعالى، مشهور متواتر، وبعض النُّصوص التي فسَّرها السَّلف، وظُنَّ أنَّهم يؤوِّلونها لا تدخُل في الصِّفات أصلًا، كتفسير ابن عبَّاس رضي الله عنهما وغيره من السَّلف لـلأيد في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] بأنَّها: القوَّة. فإن معنى (أيد) في اللُّغة القوَّة، وليستْ هي (أيدي) التي هي جمعٌ لليد التي في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71].

قال شيخ الإسلام: (مذهب أهل الحديث وهم السَّلف من القرون الثلاثة ومَن سلك سبيلهم من الخلف: أنَّ هذه الأحاديث تمرُّ كما جاءت، ويُؤمَن بها وتُصدَّق، وتُصان عن تأويل يُفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل. وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم الخطابي مذهب السلف: أنها تجري على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها)، فبان بهذا أن مذهب الأئمَّة ومحقِّقي الحنابلة هو عدم تأويل الصِّفات وعدَم حملها على المجاز.

6- من المؤاخذات على المؤلِّف أيضًا: حديثُه في الفصل الرَّابع عن (التصوُّف عند الحنابلة)، وقد بلغ هذا الفصل وحده حوالي رُبع الكتاب (من ص: 623 إلى ص: 814)، فقد حاول المؤلِّف في هذا الفصل  إثبات عدَّة أمور:

الأمر الأوَّل: إثبات أنَّ جُلَّ الحنابلة كانوا متصوِّفة، بذكر مواقف الإمام أحمد من التصوف والصوفيَّة وعلاقته الطيبة بهم، واحترامه لهم، وحشْده لثناء علماء الحنابلة على الصُّوفيَّة، وذِكره لتراجم مجموعةٍ من الحنابلة الذين سلَكوا طريق التصوُّف.

الأمر الثاني: إثباته أنَّ الحنابلة قالوا بكثيرٍ من المسائل التي يقول بها الصُّوفيَّة، وكأنَّها حقٌّ وموافقة للسُّنَّة، وقد ذكَر المؤلِّف أنَّه يعني التصوُّف الصَّحيح، وقد أحسن في الإنكار على شَطحات بعض الصوفيَّة، لكن لم تخلُ نقولاته من أشياء منكَرة، غير موافقة للسُّنة، مع إثباته أنَّها من التصوُّف الصَّحيح كما سنرى في بعض الأمثلة.

الأمر الثالث: مخالفة السَّلفيَّة المعاصرة للحنابلة في هذين الأمرين السَّابقين. وسنذكر أمثلةً من كلام المؤلِّف على هذه الأمور، مع التعقيب عليها باختصار بما يتناسب مع المقام:

يقول المؤلِّف (ص: 644): (من منهج السلفية المعاصرة نشر كلام منكر لبعض المتصوفة كالحلاج وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين على أنَّه حقيقة التصوُّف، وأنَّ الصوفيَّة مجمعون عليه، دون تثبُّت في صحة الرِّواية ودون معرفة مقصود قائلها. ثم يتناسون كلام كِبار أئمة الصُّوفية كالجنيد والقشيري والغزالي وعبد القادر والشاذلي وغيرهم، ولا يذكرونه. ولقد ذكر السيوطي أنَّ الأمور المنكرة على الصوفيَّة - كالحلول والإباحية وإسقاط التَّكاليف والشطح [هامش: وهي الأمور التي يذكرها شيوخ السلفية المعاصرة - عن قصد - لتشويه صورة التصوُّف النقي الصحيح، ونحن نقول لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قولًا سَدِيدًا}]- لا يقول بها صوفي معتبر).

وقال (ص: 649): (وسننقل كلام الإمام أحمد في حقائق التصوُّف وكلامه في بعض شيوخ التصوُّف في عصره؛ لنتعرف على موقفه من الصوفية، وهل كان يكفِّرهم ويدعو إلى قتالهم - قبل قتال اليهود - كما تفعل السلفية المعاصرة؟ أم كان يجلُّهم ويَصحبهم ويكرمهم ويعظِّمهم؟)، ثم ذكر كلام الإمام أحمد في الزهد والورع، والتفكر، والإخلاص والصِّدق، والفتوة، والمجاهدة، والتوكل... وغيرها من المسائل التي يقول عنها المؤلِّف إنها من حقائق التصوُّف.

 ويقول (ص: 775): (لقد كان جُلُّ الحنابلة منتسبين للطريقة الصوفيَّة، بما فيهم شيخ المذهب الموفَّق ابن قدامة والحافظ عبدالغني المقدسي والإمام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن النجار الفتوحي والبهوتي والسفاريني وغيرهم كثير. ولم يكونوا يُحذِّرون من الطرق الصوفية كما تفعل السلفية المعاصرة لأسباب سياسيَّة معروفة، ولكنَّهم كانوا يحذِّرون من البِدع والمنكَرات التي قد تقَع من بعض المتصوِّفة).

التعقيب: في كلام المؤلِّف هذا لبس كبير؛ سببه تعميم الكلام على الصُّوفيَّة وعلى المسائل أيضًا، والظن أو الإيهام بأنَّ العلماء حكَموا على صِنف واحد أو على مسألة واحدة حكمًا مختلفًا، ومعلوم أنَّ الحُكم على الشيء فرع عن تصوره؛ فالإمام أحمد إنما تكلَّم عن شيوخ عصره وزهدهم، وقد كان جُلُّهم على تعظيم الشريعة، والتقيد بالكتاب والسُّنة، وهذا أمر حسن لا ينكر، سواء سمِّي زهدًا أو تصوُّفًا أو فقرًا، ولا مشاحة في الاصطلاح، والمهم هو حقائق هذه المسمَّيات، فالصوفَّية الذين ورد عن الإمام أحمد أنَّه كان (يجلُّهم ويَصحبهم ويكرمهم ويعظِّمهم)، وورد عن غيره من الأئمة والعلماء الثناءُ عليهم واحترامهم والوصية بسلوك سبيلهم، هم غيرُ الصوفيَّة الذين أنكر عليهم مَن أنكر من العلماء والأئمَّة قديمًا وحديثًا؛ يوضح ذلك ما نقله المؤلِّف نفسه عن ابن تيميَّة مثنيًا عليه، ومعجبًا به، قال (ص: 645) (وقد دافع ابن تيمية عما نسب إلى أئمة الصوفيَّة وبرأهم من ذلك فقال: "وأمَّا أئمَّة الصوفية والمشايخ المشهورون من القُدماء، مثل الجنيد بن محمَّد وأتباعه، ومثل الشيخ عبد القادر وأمثاله؛ فهؤلاء من أعظم النَّاس لزومًا للأمر والنهي، وتوصية باتِّباع ذلك". اهـ.

ثم قال المؤلِّف: (ولا يُراد بالصُّوفية البتة أولئك الدجَّالون المخرفون المخالفون لكتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، الدخلاء على التصوُّف، وقطَّاع الطريق إلى الله والدار الآخِرة).


فنقول: هل كفَّر أحدٌ من السَّلفية المعاصِرة أمثال هؤلاء الذين أثنى عليهم الإمام أحمد وذكرهم ابن تيميَّة، أو هل دعا أحد من السلفية المعاصرة إلى (إلى قتالهم - قبل قتال اليهود)؟!

كلُّ هذا لم يحدث، ولكن الذي حدَث أنَّ معظم الذين انتشرت أقوالهم وكتبهم وأخذ بها من ينسبون أنفسهم للتصوُّف هم (أولئك الدجَّالون المخرفون المخالفون لكتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، الدخلاء على التصوُّف، وقطَّاع الطريق إلى الله والدار الآخِرة)، فلمَّا رأى العلماء انتشار أقوالهم وتأثيرها في النَّاس واشتهرت على أنَّها هي الصوفيَّة، وجهوا إليهم نقدَهم بالحقِّ، وبينوا بطلانها، ومخالفتها للأدلة الشرعيَّة من الكتاب والسنة، وأيضًا بناء على قول الأئمَّة، ومنهم الإمام أحمد نفسه، وأتباعه من أئمَّة الحنابلة، ومن أشهر أولئك شيخ الإسلام ابن تيميَّة الذي يُعدُّ مرجعًا للسَّلفية المعاصرة وخصوصًا الإمام محمد بن عبد الوهاب وتلامذته وأتباعهم؟! 

وبهذا يتَّضح جليًّا أنَّه لا خلاف بين الإمام أحمد وأئمَّة الحنابلة من جهة وبين السَّلفية المعاصرة من جهة أخرى؛ فالذي ينكره العلماء السلفيُّون، غيرُ الذي وافق عليه الإمام أحمد والحنابلة، بل هم لهم موافقون.

ونقول: هل لو رأى الإمام أحمد وأئمَّة الحنابلة هؤلاء الذين يلقبون بالصوفيَّة في القرون المتأخرة والذين أنكر عليهم المعاصرون؛ هل كانوا سينكرون عليهم أو سيوافقون على أقوالهم ويثنون عليهم ويمدحونهم؟!

وعلماء الحنابلة كغيرهم من العلماء؛ كلٌّ يُؤخذ من كلامه ويردُّ، فلو قال أي عالم حنبلي بقول خلاف الكتاب والسُّنة، لرُدَّ عليه كائنًا مَن كان، ومَن سلك منهم طريق التصوُّف، أو قال ببعض أقوال الصُّوفيَّة، هو كأمثاله؛ يُعرَض كلامه على الكتاب والسُّنة؛ فما وافقه قُبِل، وما خالفه رُدَّ. 

وقد عدَّ المؤلِّف مسائل من التصوُّف زاعمًا أنَّ الحنابلة قالوا بها، وسنكتفي بمثالين فقط منها:

الأولى: مسألة الاحتفال بالمولد النبوي:

يقول المؤلِّف (ص: 711): (علماء الحنابلة والحديث يجيزون المولد النبوي:...

وممَّا ذكره مستدلًا على ذلك قوله:  (ص: 712) : (وهذا الإمام ابن تيمية يذكر بأن عمل المولد قد يكون فيه أجر عظيم، ويخرج ذلك على قول للإمام أحمد بن حنبل فقال: (فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدَّد ؛ ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب).

وقوله (ص: 714): (فهذا الإمام الآجري الحنبلي في كتابه الشريعة يعقد بابًا بعنوان: (ذكر مولد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومنشئه). وقوله (ص: 715): (وها هو الإمام الحافظ ابن رجب الحنبليُّ يعقد المجالس في شهر ربيع الأول للتحديث بمولد المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم فيقول: وظائف شهر ربيع الأول ويشتمل على مجالس: المجلس الأول في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم).

التعقيب:

أولًا: ما ذكره عن شيخ الإسلام فيه تدليس على القارئ وإيهام بأنَّ ابن تيمية يقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي، مع أنَّ ابن تيميَّة يُنكِر هذا ويعدُّه من البِدع المحدَثة؛ يقول شيخ الإسلام: (وكذلك ما يُحدِثه بعض الناس، إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبَّة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع - من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا - مع اختلاف الناس في مولده؛ فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا) [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 123)]، فهل قائل مثل هذا الكلام يمتدح المولد أم يعدُّه من البدع؟!

ثانيًا: ما ذكره عن الإمام الآجري والحافظ ابن رجب الحنبلي، من أعجب الاستدلالات؛ فهل يَفهم أيُّ إنسان عاقل أن العالِم الذي يتحدَّث عن مولد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومنشئه يقول بجواز الاحتفال بمولده في يوم مخصوص كل عام؛ فهلا استدلَّ المؤلِّف بكل كتُب السِّير وكتب الشمائل وغيرها التي تتحدث عن ميلاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ونشأته؟!

وبمطالعة ما ذكره الإمام الآجري في كتابه الشريعة في الباب الذي ذكره المؤلِّف وعنوانه كاملًا هكذا (باب: ذكر مولد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورَضاعِه ومنشئه إلى الوقت الذي جاءه الوحي ) - وبالطبع لم يذكر المؤلِّف العنونة كاملة! وبمطالعة ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي أيضًا في كتابه لطائف المعارف. لم يوجد في الكتابين أي ذكر من قريب أو من بعيد إلى الاحتفال بمولده صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فكيف يستدل بمثل هذا على هذه المسألة؟! لكنه الهوى!

الثانية: القول بأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نوارنيٌّ وأنه لم يكن له ظل:

ويقول عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ص: 724): (ليس له ظل لأنه نوراني: قال البهوتي: (ولم يكن له صلى الله عليه وسلم فيء أي: ظل في شمس ولا قمر لأنه نوراني، والظل نوع ظلمة، ذكره ابن عقيل وغيره.

ويشهد له أنه سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورًا، وختم بقوله: "واجعلني نورا"[ انظر: كشاف القناع 5/32])أ.هـ.

التعقيب:

هذا القول باطل مناف لصريح القرآن والسُّنَّة الدالَّين على أنَّه صلى الله عليه وسلم بشر لا يختلف عن بقية البشر، وأنَّ له ظلًّا  كأيِّ إنسان، ونبوته لا تُخرجه عن وصفه البشري الذي خلَقه الله عليه من أم وأب، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}الآية ، وقال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الآية. أما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله فهو حديث موضوع، وقد ثبَت في غير ما حديث أن للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ظلًّا  كسائر البشر، منها حديث أنس بن مالك أنَّه قال : ((... ثم عُرضت عليَّ النار بيني وبينكم حتى رأيت ظِلي وظلَّكم ، فأومأت إليكم أنِ استأخروا فأوحى إليَّ أن أقرهم؛ فإنك أسلمت وأسلموا وهاجرت وهاجروا وجاهدت وجاهدوا فلم أر لي عليكم فضلًا إلا بالنبوَّة)) [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 50)]. ولا ينفي هذا كونه صلَّى الله عليه وسلَّم نورًا في الهداية، بما جاء به من الوحي، الذي هو سببٌ لهداية مَن شاء الله تعالى من خلقه كما قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

فهل يُلام العلماء المعاصرون (السلفية المعاصرة) إذا قالوا بما وافق الكتاب والسنة، وإن خالف قول بعض الحنابلة؟ أم أن هذا من موجبات المدح والثناء؟!

8- بقي أن نُشير إلى بعض المؤاخذات الفنيَّة في الكتاب ، والتي قد يُظنُّ أنَّها شكليَّة، والحقيقة أنَّها غاية في الأهميَّة؛ فالكتاب مليء بالأخطاء المطبعيَّة، ومشحون بالكلمات المتلاصقة دون مسافات بينها، وكمثال على ذلك (ص: 76) نجد فيها هذه الكلمات: (ذهبإليه - والابلوالخيل – لضاقالأمر – عليهويعسر - أنمذهبه - ذلكجواز )، وصوابها على التَّرتيب: (ذهب إليه – والإبل والخيل - لضاق الأمر - عليه ويعسر - أنَّ مذهبه - ذلك جواز)؛ وهذا في صفحة واحدة فقط! ممَّا يشير إلى أنَّ الكتاب طُبع بدون مراجعة أو تدقيق أو تمحيص؛ وأمَّا عن الأخطاء الإملائية والنَّحْويَّة فحدِّث ولا حرَجَ، ومن غير تدقيق في الكتاب، فهذه أمثلة يسيرة من هذه الأخطاء لا تخطئها عين الناظر؛  من ذلك: قوله (ص: 15): (كما أن الإمام مالك)، وصوابه: (كما أنَّ الإمام مالكًا)، وقوله (ص: 103) : (وليس كثرة الكلام دليل على)، وصوابه: (وليس كثرة الكلام دليلًا على)، وقوله (ص: 338): (وقد استدل القائلين بهذا القول) ، وصوابه: (وقد استدل القائلون بهذا القول)، بل طالت تلك الأخطاء الآياتِ القرآنيَّة التي لم تنسخ بالخط العثماني! كما في (ص: 239): (والسماء بنيناها بأييد )، والصواب: (والسماء بنيناها بأيدٍ )، وفي (ص: 263): (وأما قوله في كتاب: (لا يضل ربي ولا ينسى)...)، والصواب: (وأما قوله: ( في كتابٍ لا يضل ربي ولا ينسى)...).

وخلاصة القول:

أنَّ هذا الكتاب فيه مغالطات علميَّة كثيرة، وفيه تحاملٌ شديد على علماء هذا العصر المنتسبين للسَّلفيَّة وافتراءات عليهم؛ فينسُب لهم ما لم يقولوه، وما صحَّ نقلُه لا يُحسن فهمه على وجهه - إن أحسنَّا الظنَّ به -، مع أنَّنا نؤكِّد على أنَّه ينبغي قَبولُ الحق الموافق للأدلة الشرعيَّة ممَّن جاء به كائنًا من كان، وردُّ الباطل المخالف للأدلَّة الشرعيَّة على مَن جاء به كائنًا من كان؛ سواء كان حنبليًّا أو غير ذلك، مع احترام العلماء والأئمَّة المشهورين بالخير في الأمَّة، فلا نتعصَّب لأحد إلَّا المعصوم  صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا نهدر حقَّ أحد من العلماء السَّابقين والمعاصرين لزلَّة أو خطأ وقع فيه؛ فكلٌّ يؤخذ من قوله ويردُّ إلَّا صاحب المقام صلَّى الله عليه وسلَّم.


للتحميل:

https://t.me/joinchat/UkY_ew4EoiEN9fsQ