تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام
بقلم الشيخ: أحمد بن حسنين المصري
تمهيد/ يُعد كتاب عمدة الأحكام من المتون الحديثية المهمة التي اعتنى بها العلماء قديماً وكتبوا عليها الشروح الكثيرة، وقد كتب الأخ الشيخ أحمد بن حسنين المصري جملةً من الفوائد المتعلقة بهذا الكتاب، وعرضها على النحو التالي:
1- كتابة ترجمة مختصرة جدا لصاحب كتاب ( عمدة الأحكام ) الحافظ عبد الغني المقدسي .
2- كتابة ترجمة مختصرة جدا لصاحب الشرح ( تيسير العلام ) الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله - .
3- اختصار مقدمة الشارح وتوضيح منهجه في الشرح .
4- كتابة الفوائد مرتبة تحت تبويبها التي بوبها الشيخ - رحمه الله - .
5- ذكر المسائل الفقهية وترجيحات الشيخ - رحمه الله - للمسائل الخلافية، وذكر حكم الشيخ وكلامه الماتع الذي يخاطب العقول والقلوب.
والله الموفق لكل خير .
أولاً: ترجمة صاحب عمدة الأحكام (عبد الغني المقدسي)
الاسم والكنية: أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجماعيلي مولدا، المقدسي مقاما، الحنبلي مذهبا .
المولد : ولد في عام 541 هـ.
مشايخه: من مشايخه عبد القادر الجيلاني، والعلامة نصر بن فتيان بن المني .
وفاته : توفي - رحمه الله - يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة ستمائة .
سبب تأليف الحافظِ هذا الكتابَ أعني ( كتاب عمدة الأحكام ):
قال الحافظ المقدسي في مقدمته لهذا الكتاب :- " فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام ، مما اتفق عليه الإمامان : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القُشَيريُّ النيسابوري ، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة به " .
تنبيهان للشارح في مقدمته:
1- (العمدة) نخبة منتقاة من أصح آثار النبي -صلي الله عليه وسلم - وهما الكتابان الجليلان (صحيح البخاري) و( صحيح مسلم).
2- رتب المؤلف أحاديث العمدة حسب تبويب الفقهاء في كتب الفروع .
تنبيه لمحقق الكتاب:
قد يخالف المؤلف -رحمه الله - نهجه فيقتصر علي ما في أحد الصحيحين أو غيرهما، ولقد عثرت علي (تعليقة) مخطوطة للزركشي الشافعي، تعقب فيها المصنف، فبين الأحاديث التي أخلف بها وعده، فأخرجها من غير المتفق عليه، ولم يكن الزركشي يتعقب المصنف فيما اختلفا فيه لفظا، فإذا اتفقا علي معنى الحديث لم ينبه عليه.
ثانياً: ترجمة الشارح (عبد الله البسام):
الاسم والكنية: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن محمد بن إبراهيم آل بسام .
المولد : ولد في عنيزة عام 1346 هـ.
مشايخه: والده، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ الفقيه سليمان بن إبراهيم البسام، والشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع وغيرهم .
من مؤلفاته:
1- توضيح الأحكام من بلوغ المرام .
2- حاشية علي عمدة الفقه .
3- شرح علي كشف الشبهات .
4- تقنين الشريعة آثاره ومضاره .
وفاته: توفي الشيخ -رحمه الله - في ضحى يوم الخميس الموافق 27 /11/ 1423 هـ، وصلي عليه في مسجد الحرم بمكة المكرمة بعد صلاة الجمعة .
ثالثاً: منهج الشيخ البسام في شرح الكتاب:
1- يتكلم الشيخ أولا علي (المعني المجمل) متحرياً مطابقة ظاهر اللفظ، ومبيناً في ذلك ما طوي تحت الألفاظ من حكمة وتشريع .
2- إذا احتاج المقام إلي توضيح الحديث من بعض طرقه التي لم يوردها المؤلف يجملها الشيخ معه منبها علي ذلك لتتم الفائدة ويستقيم البحث .
3- ثم يستخرج الشيخ من الحديث ما يدل عليه من الأحكام والآداب .
4- ثم يذكر ما قوي من خلاف العلماء مع ذكر أدلتهم ومآخذهم معرضا عن ضعيف الخلاف الذي لا يستند إلي أدلة قوية؛ لئلا يقع القارئ في بلبلة فكر لا داعي إليها .
درة من درر كلامه في المقدمة :
قال -رحمه الله -: "وحرصت علي بيان حكمة التشريع وجمال الإسلام وسمو أهدافه وجليل مقاصده من وراء هذه النصوص ليقف القارئ علي محاسن دينه وشريف أغراضه ويعرف أنه دين ودولة كيلا تؤثر فيه الدعاوي الباطلة ضد الإسلام ومبادئه السامية . فإنه - مع الأسف -يوجد كثير من مدعي الإسلام أغرتهم وغرتهم هذه الحضارة الغربية الزائفة فلا يرفعون لهذه الأحكام الإسلامية والآداب المحمدية رأساً، ويرون أنها عقبة في سبيل التقدم، ولو سألتهم عن حجتهم، ما وجدتها إلا كحجة الذين قالوا {إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون}؛ فليس لهم مستند علي دعواهم الزائفة إلا نقيق أعداء الدين من الغربيين ".
رابعاً: ذكر بعض الفوائد المذكور في الكتاب:
كتاب الطهارة
- النية لغة : القصد .وشرعاً: العزم علي العبادة تقربا إلي الله - تعالي - . (1/25)
- للنية في الشرع بحثان :- أحدهما: الإخلاص في العمل لله وحده وهو المعنى الاسمي وهذا يتحدث عنه علماء التوحيد والسير والسلوك . الثاني : تمييز العبادات بعضها عن بعض وهذا يتحدث عنه الفقهاء . (1/26)
- من قصد بالجهاد إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه ،ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص ثوابه ،ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطي أجر المجاهد . (1/26)
- الهجرة من بلاد الشرك إلي بلاد الإسلام من أفضل العبادات إذا قصد بها وجه الله تعالي . (1/27)
- ذكر ( ابن رجب ) أن العمل لغير الله علي أقسام :- فتارة يكون رياء محضا لا يقصد به سوي مراءاة المخلوقين لتحصيل غرض دنيوي، ولا شك في أنه يحبط العمل . وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فإن النصوص الصحيحة تدل علي بطلانه ، وإن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء، ودفعه صاحبه فإن ذلك لا يضره بلا خلاف .(1/27)
- إن الواجبَ في الرجلين الغسلُ في الوضوء ، وهو ما تضافرت الأدلة الصحيحة وإجماع الأمة خلافا لشذوذ الشيعة الذين خالفوا به جماهير الأمة ، وخالفوا به الأحاديث الثابتة في فعله وتعليمه - صلي الله عليه وسلم - للصحابة إياه ، كما خالفوا القياس المستقيم من أن الغسل للرجلين أولي وأنقى من المسح فهو أشد مناسبةً وأقرب إلي المعني . (1/29)
- إذا أطلقت اليد فالمراد بها الكف . (1/31)
- حقيقة المبيت يكون من نوم الليل .( 1/31)
- المستيقظُ من نوم الليل لا يُدخلُ كفَّه في الإناء ، أو يمس بها شيئاً رطباً ، حتي يغسلها ثلاث مرات ، لأن نوم الليل - غالباً - يكون طويلاً ، ويده تطيش في جسمه ، فلعلها تصيب بعض المستقذرات وهو لا يعلم ، فشرع له غسلها للنظافة المشروعة .(1/32)
- اختلف العلماء في النوم الذي يشرع بعده غسل اليد علي قولين :- الأول :- يشرع هذا الغسل بعد كل نوم من ليل أو نهار وهذا قول الجمهور ، واستدلوا بعموم قول النبي - صلي الله عليه وسلم - "من نومه" في الحديث الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما "وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ". الثاني :- لا يشرع هذا الغسل إلا بعد نوم الليل فقط ، وهذا قول الإمام أحمد وداود الظاهري ، وأيدوا قولهم هذا بأن حقيقة البيتوتة لا تكون إلا من نوم الليل، وبما وقع في رواية الترمذي وابن ماجه " إذا استيقظ أحدكم من الليل " .
والراجح :- المذهب الأخير ، لأن الحكمة التي شرع من أجلها الغسل غير واضحة ، وإنما يغلب عليها التعبدية ، فلا مجال لقياس النهار علي الليل وإن طال فيه النوم ، لأنه علي خلاف الغالب ، والأحكام تتعلق بالأغلب ، وظاهر الأحاديث التخصيص . (1/33)
- هل غسل اليد بعد نوم الليل واجب أو مستحب ؟ فيه قولان لأهل العلم :- الأول : مستحب وهو قول الجمهور ورواية عن الإمام أحمد . الثاني : واجب وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، ويدل عليه ظاهر الحديث . (1/33)
- الاستنشاق والاستنثار واجبان في الوضوء . (1/33)
- الأنف من الوجه في الوضوء ، أخذاً بحديث " إذَا تَوَضَّأ أحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أنْفِهِ مَاءً ثم ليَسْتَنْثِرْ وَمَن اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ " مع الآية " فاغسلوا وجوهكم " .(1/33)
( الأحكام المتعلقة باستعمال الماء الدائم ) :-
- نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الدائم ، الذي لا يجرى، كالخزانات والصهاريج ، والموارد التي يستسقى منها الناس لئلا يلوثها عليهم ويكرهها . لأن هذه الفضلات القذرة سبب في انتشار الأمراض الفتاكة.
- فإن كان الماء جاريا، فلا بأس من الاغتسال فيه والتبول، مع أن الأحسن تجنيبه البول لعدم الفائدة في ذلك وخشية التلويث، وضرر الغير .
- كما نهى عن الاغتسال بغمس الجسم أو بعضه في الماء الذي لا يجرى ، حتى لا يكرهه ويوسخه على غيره ، بل يتناول منه تناولا ، وإذا كان المغتسل جنباً فالنهى أشد .
-س:- هل هذا النهي للتحريم أو للكراهة ؟
ج: - ذهب المالكية إلي أن النهي هنا للكراهة .
- بينما ذهب الحنابلة والظاهرية إلي أن النهي هنا للتحريم .
- وذهب بعض العلماء إلي أن النهي محرم في القليل ، ومكروه في الكثير .
- وظاهر النهي التحريم في القليل والكثير ، لكن يخص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء .
- س : الماء الذي بِيلَ فيه : هل هو باق على طهوريته أو تنجس؟
ج : إذا كان هذا الماء متغيراً بالنجاسة فإن الإجماع منعقد علي نجاسته ، قليلاً كان أو كثيرا ً .
وإن كان غير متغير بالنجاسة وهو كثير فالإجماع أيضا على طهوريته .
وإن كان قليلا غير متغير بالنجاسة، فذهب ابن عمر، ومجاهد والحنفية والشافعية والحنابلة : إلى أنه تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير ، مادام قليلا ، مستدلين بأدلة، منها حديث: " لا يَبولَنَّ أحَدُكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِى، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ " متفق عليه .
بينما ذهب أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن البصري ، وابن المسيب والثوري ، وداود، ومالك والبخاري : إلى عدم تنجسه ، وقد سرد البخاري عدة أحاديث ردا على منْ قال إنه نجس ، واستدلوا بحديث " الماء طهور لا ينجسه شيء " رواه أبو داود والترمذي وحسنه . وأجابوا عن الحديث الذي استدل به الفريق الأول بأن النهي لتكريهه على السقاة والواردين لا لتنجيسه.
الراجح : والحق ما ذهب إليه الفريق الثاني ، فإن مدار التنجس على التغير بالنجاسة ، قل الماء أو كثر ، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام " ابن تيمية " .
- ومن هذا نعلم أن الراجح أيضاً طهورية الماء المغتسل فيه من الجنابة ، وإن قل ، خلافا للمشهور من مذهبنا ، ومذهب الشافعي ، من أن الاغتسال يسلبه صفة الطهورية ، ما دام قليلاً .
- هنالك خلاف بين أهل العلم في مسألة هل يجب التسبيع والتتريب من ولوغ الكلب في الإناء ؟، ولما كان القول الحق هو ما يستفاد من قول النبي - صلي الله عليه وسلم -" إذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدكم فْليَغسِلْهُ سَبْعاً " [ متفق عليه ، ولمسلم " أولاهن التراب "] ضربنا عن الإطالة بذكرها صفَحاً ، لأنها لا تعتمد على أدلة صحيحة واضحة . (1/38)
- إن ولوغ الكلب في الإناء ، ومثله الأكل ، ينجس الإناء ، وينجس ما فضل منه .(1/39)
- يجب استعمال التراب مرة ، والأََولَى أن يكون مع الأُولَى ليأتي الماء بعدها ، وتكون هي الثامنة المشار إليها في حديث "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَا وَعَفِّرُوه الثًامِنَةَ بِالتراب" .(1/39)
- لا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو أن يؤخذ التراب المختلط بالماء ، فيغسل به ، أما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئ .(1/39)
- س : هل تقوم المنظفات " المنقيات " مقام التراب ؟
ج : ذهب أحمد إلي أن ما يقوم مقام التراب من المنقيات يعطي حكمه في ذلك ، لأنه ليس القصد التراب ، وإنما القصد النظافة .
بينما ذهب النووي - وهو المشهور من مذهب الشافعي - إلي أنه لا يقوم مقام التراب الأشنان ولا الصابون ولا غيرهما من المنقيات علي الأصح .
قال " الشارح " :- وقد ظهر في البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من التراب إنقاء لهذه النجاسة ما لا يحصل من غيره وإن صح هذا فإنه يظهر إحدى معجزات الشرع الشريف ولفظ( عَفِّروه ) يُؤَيّد اختصاص التراب لأن العفر لغة هو: وجه الأرض والتراب.(1/39)
من درر الشيخ " البسام " :
- قال الشيخ - رحمه الله - معلقاً علي حديث " إذا ولغ الكلب ..." " ما يؤخذ من هذا الحديث عظمة هذه الشريعة المطهرة ، وأنها تنزيل من حكيم خبير ، وأن مؤُديها صلوات الله عليه لم ينطق عن الهوى ، وذلك أن بعض العلماء حار في حكمة هذا التغليظ في هذه النجاسة ، مع أنه يوجد ما هو مثلها غلظة ، ولم يشدد في التطهير منها ، حتى قال فريق من العلماء: إن التطهير على هذه الكيفية من ولوغ الكلب تعبدي لا تعقل حكمته، حتى جاء الطب الحديث باكتشافاته ومكبراته، فأثبت أن في لعاب الكلب مكروبات وأمراضاً فتاكة ، لا يزيلها الماء وحده .. فسبحان العليم الخبير ، وهنيئا للموقنين ، وويلا للجاحدين . " .(1/40)
- سؤال: ما معني " لا يحدث فيهما نفسه " في قول النبي - صلي الله عليه وسلم - " من تَوَضًأ نَحْوَ وُضُوئي هذَا ثُمَّ صَلَى رَكْعَتَين لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " ؟
جواب : حديث النفس : هو الوساوس والخطرات ، والمراد به هنا ما كان في شؤون الدنيا ، يعنى فلا يسترسل في ذلك ، وإلا فالأفكار يتعذر السلامة منها .
- ما حكم الاستنشاق في الوضوء ؟
- ذهب الأئمة أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وسفيان ، وغيرهم إلى أن الاستنشاق مستحب في الوضوء لا واجب ، واستدلوا بقول النبي - صلي الله عليه وسلم - " عشر من سنن المرسلين " ومنها الاستنشاق ، والسنة غير الواجب .
والمشهور عند الإمام "أحمد" الوجوب ، فلا يصح الوضوء بدونه وهو مذهب أبى ليلى ، وإسحاق ، وغيرهما ، واستدلوا بقوله تعالى : { فاغْسِلُوا وجُوهَكُم } والأنف من الوجه ، وبالأحاديث الكثيرة الصحيحة من صفة فعله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك ، وأجابوا عن دليل غير الموجبين بأن المراد بالسنة في الحديث الطريقة ، لأن تسمية السنة غير الواجب اصطلاَح من الفقهاء المتأخرين ، ولهذا ورد في كثير من الأحاديث ومنها [ عشر من الفطرة ] .
الراجح : ولاشك في صحة المذهب الأخير لقوة أدلته ، وعدم ما يعارضها - في علمي - والله أعلم .
* اتفق العلماء على وجوب مسح الرأس ، واتفقوا أيضا على استحباب مسح جميعه . (1/43)
* هل يجزئ مسح بعض الرأس أو لا بد من مسحه كله ؟
- ذهب الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، إلى جواز الاقتصار على بعضه - على اختلافهم - في القدر المجزئ منه ، واستدلوا بقوله تعالى: { وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكم } على أن الباء للتبعيض ، وبما رواه مسلم عن المغيرة بلفظ : "أنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَأ فَمَسَحَ بِنَاصيَتهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ " .
- بينما ذهب مالك ، وأحمد: إلى وجوب استيعابه كله واحتجوا بأحاديث كثيرة كلها تصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، منها ما رواه الجماعة " مَسحَ رأسه بيدَيْهِ فَأقبل بِهِمَا وَأدْبر بَدَأ بُمَقدَّم رَأسِهِ ثُمً ذَهَبَ بِهِمَا إِلى قَفاه ثم ردهما إِلَى المَكَانِ الذي بَدَأ مِنْهُ " ، وأجابوا عن أدلة المجيزين لمسح بعضه بأن "الباء" لم ترد في اللغة للتبعيض وإنما معناها في الآية الإلصاق . أي : ألصقوا المسح برؤوسكم والإلصاق هو المعنى الحقيقي للباء ، وقد سئل نفطويه ، وابن دريد عن معنى التبعيض في الباء فلم يعرفاه. وقال ابن برهان :- " من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء عن أهل العربية بما لا يعرفونه " . (1/43)
* قال ابن القيم :- " لم يصح في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة " . (1/44)
* قال جمهورُ أهلِ العلم :- " إنَّ المستحبَ أخذُ الماء للوجه باليدين جميعاً لكونه أسهلَ وأقربَ إلى الإسباغ " . (1/47)
* قال أبو داود :- " أحاديث الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة " ، وقال ابن المنذر :- " إن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح مرة واحدة " . (1/47)
* اختلف العلماء في البداءة بالمسح فهي من المقدم إلى المؤخر عند ابن دقيق العيد والصنعاني ، وقال بعض أهل العلم :- " إن المسح من مؤخر الرأس إلى مقدمه ، ثم يعاد باليدين إلى قفا الرأس . (1/48)
* قال النووي:- " قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين ، في كل ما كان من باب التكريم والتزين ، وما كان بضدها استحب فيه التياسر " . (1/50)
* وقال النووي أيضاً :- " أجمع العلماء على أن تقديم اليمنى في الوضوء سنة ، من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه " . (1/50)
* اختلف العلماء في مجاوزة حد الفرض الوجه واليدين والرجلين للوضوء ، فذهب الجمهور إلى استحباب ذلك ، عملا بحديث " إن أمتي يُدْعَوْنَ يَوْم القِيَامَةِ غرا مُحَجلِين من آثار الوُضُوءِ ، فمَنِ اسْتَطَاَعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيل غرته وَتَحْجيلَهُ فَلْيَفْعَل " ، على اختلاف بينهم في قدر حَدِّ المستحب .
وذهب مالك ورواية عن أحمد ، إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض ، واختاره شيخ الإسلام " ابن تيمية " ، و" ابن القيم " ، وشيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، وأيدوا رَأيَهُم بما يأتي :
1- مجاوزة محل الفرض على أنها عبادة دعوى تحتاج إلى دليل .
والحديث الذي معنا لا يدل عليها ، وإنما يدل على نور أعضاء الوضوء يوم القيامة . وعمل أبي هريرة فَهْم له وحده من الحديث ، ولا يصار إلى فهمه مع المعارض الراجح .
أما قوله :- " فمن استطاع... الخ " فرجحوا أنها مدرجة من كلام أبي هريرة ، لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2- لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس ، وهو لا يسمى غرة ، فيكون متناقضاً .
3- لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض ، بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله .
4- إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، والرجلين إلى الكعبين ، وما كان ليترك الفاضل في كل مرة من وضوئه . وقال في الفتح :- " لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه " .
5- الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين والكعبين، وهى من أواخر القرآن نزولا.
بَاب دخول الخلاء والاستِطَابة
* يجِبُ اجتنابُ النجاساتِ ، وعملُ الأسبابِ المنجيةِ منها ، فقد صح أنَّ عدمَ التحَرزِ مِنْ البَول منْ أسْبَابِ عَذابِ القبر .(1/56)
* "الغائط" : المطمئنُ مِنْ الأرضِ ، وكانوا ينتابونه لقضاءِ الحاجةِ ، فكنوا به عن الحدثِ نفسه .(1/57)
* إن أوامر الشرع ونواهيه تكون عامة لجميع الأمة ، وهذا هو الأصل ، وقد تكون خاصة لبعض الأمة ، ومنها قوله - صلي الله عليه وسلم - :- " إِذا أردتمُ الغَائِطَ فَلا تَستقْبِلوا القِبلَةَ بِغَاِئطٍ وَلا بَوْل وَلا تسْتدْبِرُوهَا وَلكنْ شَرقوا أوْ غَربُوا " هو أمر بالنسبة لأهل المدينة ومن هو في جهتهم ، ممن إذا شرقوا أو غربوا لا يستقبلون القبلة .(1/58)
* ذكر الله باللسان في حال كشف العورة وقضاء الحاجة ممنوع .(1/58)
* ما حكم استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة ؟
- ذهب أبو أيوب ، ومجاهد ، والنخعي ، والثوري إلي تحريم ذلك مطلقاً ، وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم ، واحتجوا بقول النبي - صلي الله عليه وسلم - " إِذا أردتمُ الغَائِطَ فَلا تَستقْبِلوا القِبلَةَ بِغَاِئطٍ وَلا بَوْل وَلا تسْتدْبِرُوهَا وَلكنْ شَرقوا أوْ غَربُوا " متفق عليه .
بينما ذهب إلى جوازه مطلقاً ، عروة بن الزبير ، وربيعة ، وداود الظاهري ، محتجين بأحاديث منها ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال :- " رَقيِتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ ، فَرَأيْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقْضى حَاجَتَهُ مُسْتَقْبلَ الشَّام مُسْتَدْبرَ الكَعْبَةِ " .
وذهب الأئمة مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق وهو مروي عن عبد الله بن عمر ، والشعبي: إلى التفصيل في ذلك ، فيحرمونه في الفضاء ، ويبيحونه في البناء ونحوه .
فهذا هو المذهب الحق الذي تجتمع فيه الأدلة الشرعية الصحيحة الواضحة فإن التحريم مطلقاً ، يبطل العمل بجانب من الأحاديث ، والإباحة مطلقا كذلك ، والتفصيل يجمع بين الأدلة ، ويعملها كلها ، وهذا هو الحق . فإنه مهما أمكن الجمع بين النصوص ، وجب المصير إليه قبل كل شيء وهناك قول رابع لا يقل عن هذا قوة وهو القول بالكراهة لا التحريم قال الصنعاني : لابد من التوفيق بين الأحاديث بحمل النهى على الكراهة لا التحريم ، وهذا وإن كان خلافا لأصل النهي ، إلا أن قرينة إرادته فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه للتشريع وبيان الجواز ، وحمل أحاديث الباب على هذا هو الأقرب عندي . وقد ذهب إليه جماعة وبهذا يزول تعارض أحاديث الباب .(1/60)
* يجوز استقبال بيت المقدس عند قضاء الحاجة خلافا لمن كرهه .(1/60)
* يجوز الاقتصار على الماء في الاستنجاء، وهو أفضل من الاقتصار على الحجارة، لأن الماء أنقى، والأفضل الجمع بين الحجارة والماء، فيقدم الحجارة، ثم يتبعها الماء، ليحصل الإنقاء الكامل.(1/61)
* قال النووي:- "فالذي عليه جماعة السلف والخلف، وأجمع عليه أهل الفتوى من أئمة الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجارة فيستعمل الحجر أولا لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده، ثمَّ يستعمل الماء، فإن أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار على أيهما شاء، سواء وجد الآخر أو لم يجده، فإن اقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الحجر.(1/61)
* يجوز استخدام الصغار، وإن كانوا أحراراً، والدليل علي ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك - - أنه قال :- "كَانَ رَسول الله يَدْخُلُ الخلاء فَأحْمِلُ أنَا وَغُلام نَحوِى إدَاوَةً مِنْ ماء وَعَنَزَةَ فَيَسْتَنْجِي بِاْلمَاء".(1/62)
* "وغلام نحوي" :الغلام، هو المميز حتى يبلغ و"نحوي" يعنى هو مقارب لي في السن. "إداوة من ماء" : بكسر الهمزة، هي الإِناء الصغير من الجلد يجعل للماء.
"العَنَزة" : عصا أقصر من الرمح لها سنان.
* قال الشيخ " البسام " معلقاً علي حديث "لا يُمْسِكَنَّ أحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهو يَبُولُ، وَلاَ يَتَمَسّحْ مِنَ الخَلاَءِ بِيَمِيِنهِ، ولا يَتَنَفَسْ في الإنَاء" متفق عليه :- "يشتمل هذا الحديث الشريف على ثلاث جمل، من النصائح الغالية والفوائد الثمينة، التي تهذب الإنسان، وتجنبه الأقذار والأضرار والأمراض .
فالأولى والثانية:- أن لا يمس ذكره حال بوله، ولا يزيل النجاسة من القبل أو الدبر بيمينه، لأن اليد اليمنى أعدت للأشياء الطيبة، ومباشرة الأشياء المرغوب فيها كالأكل والشرب، فإذا باشرت النجاسات وتلوثت، ثم باشرت الطعام والشراب، والمصافحة وغير ذلك كرهته، وربما حملت معها شيئا من الأمراض الخفية.
والثالثة:- النَّهى عن التنفس في الإناء الذي يشرب منه لما في ذلك من الأضرار الكثيرة، التي منها تكريهه للشارب بعده، كما أنه قد يخرج من أنفه بعض الأمراض التي تلوث الماء فتنقل معه العدوى، إذا كان الشارب المتنفس مريضاً. وقد يحصل من التنفس حال الشرب ضرر على الشارب، حينما يدخل النفس الماء ويخرج منه. والشارع لا يأمر إلا بما فيه الخير والصلاح، ولا ينهى إلا عما فيه الضرر والفساد" . (1/63)
* اختلف العلماء : هل النهى هنا للتحريم، أو للكراهة؟
فذهب الظاهرية إلى التحريم، أخذاً بظاهر الحديث، وذهب الجمهور إلى الكراهة، على أنها نواه تأديبية.(1/63)
بابُ الحَيْضِ
* الحيض : دمٌ جعله اللهُ تعالى -من رحمته وحكمته- في رحمِ المرأةِ، غذاءً لجنينها، فإذا وضعت تحوَّلَ إلى لبنٍ لغذاءِ طفلها، فإذا كانتْ غيرَ حاملٍ ولا مُرْضعٍ، برَزَ الزَّائدُ منه في أوقاتٍ معلومةٍ؛ لهذا ينْدُرُ أن تحيضَ الحاملُ، أو المرضع. (1/117)
* دمُ الحيضِ يمنعُ من الصلاةِ من غيرِ قَضاءٍ لها، وذكر ابنُ دَقِيقِ العِيدِ أنَّ ذلك كالمُجْمعِ عليه من الخَلَفِ والسَّلفِ إلا الخوارج. (1/118)
* ذكر ابن دقيق العيد أن قوله - صلى الله عليه وسلم - " فاغسلي عنك الدم وصلي " مُشكلٌ في ظاهرِهِ، لأنه لم يذكرِ الغسلَ، ولابُدَّ فيه بعد انقضاءِ أيامِ الحيضِ من الغُسل - والجوابُ الصحيحُ أن هذه الروايةَ وإن لم يُذكَرْ فيها الغسلُ فهي متضمنةٌ له لوروده في الرواية الأخرى الصحيحةِ التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: "واغتسلي" *. (1/118)
بابُ حُكمِ المستحاضةِ
* اختلف العلماءُ في غسلِ المستحاضة لكل صلاة، هل يجبُ أو لا ؟
- ذهب بعضُهم إلى وجوبِهِ، عملا بأحاديثَ ورَدَتْ بذلك في بعضِ السُّنن.
وذهبَ الجمهورُ من السَّلفِ ومنهم عليٌ، وابنُ عباسٍ، وعائشةُ، والخَلَفُ، ومنهم الأئمةُ أبو حنيفةَ، ومالكٌ، وأحمدُ إلى عدمِ وجوبِه، مستدلين بالبراءةِ الأصلية، وهو أنَّ الأصلَ عدمُ الوجوبِ، وأجابوا عن أحاديثِ الأمرِ بالغُسلِ أنه ليس فيها شيءٌ ثابت.
وغسلُ أمِّ حبيبةَ لكلِّ صلاةٍ، إنما هو من عندها، ليس أمرًا من النبي صلى الله عليه وسلم لها في كلِّ صلاة، وإنما أمرها بالغسل فقط،كما هو في الروايات الثابتة *. وذكر ابنُ دقيقِ العِيدِ أنه ليس في الصحيحين ولا أحدِهما أنه أمرها بالاغتسالِ لكل صلاة.
حكم مباشرة المرأة الحائض
* يجوزُ مباشرةُ الحائض فيما دون الفرج، وأن بدنها طاهرٌ لم تحلَّ فيه نجاسةٌ بحيضها. (1/121)
* يستحبُ لُبْسها الإزارَ وقتَ المباشرة. (1/122)
* المعتكفُ إذا أخرج رأسَه من المسجد لا يعدُّ خارجًا منه،ويقاسُ عليه غيرُه من الأعضاء، إذا لم يخرج جميع بدنه.(1/122)
* "يتكئ في حجري" "يتكئ" مهموز، ويجوز الفتحُ والكسرُ في الحاء من "حجري": هما لغتان. (1/123)
* يجوز قراءةُ القرآنِ في حجر الحائض، لأنها طاهرةُ البدنِ والثياب. (1/123)
* يحْرُمُ قراءةُ القرآن على الحائض، أخذًا من توهّم امتناعِ القراءةِ في حجر الحائض. قاله ابن دقيق العيد. (1/123)
الحائضُ لا تقضي الصَّلاةَ، ولكن تقضي الصوم
* الحائضُ تقضي الصيامَ، ولا تقضي الصلاة، لأنَّ الصلاةَ تتكررُ كلَّ يومٍ خَمْسَ مراتٍ، فهي عبادةٌ مستمرةٌ، ويحصلُ من إعادتِها وقضائِها مشقةٌ أيضًا. (1/124)
* كونُ الحائضِ لا تقضي الصلاةَ لأجْلِ المشقةِ مِنَ الأدلةِ التي تُقَررُ القاعدةَ الإسلاميةَ العامَّةَ وهى (إِنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلُبُ التَّيْسِرِ). (1/125)
كِتَابُ الصلاة
* الصلاة في اللُّغَةِ: الدُّعاء. قال القاضي عِياضٌ: هو قولِ أكثرِ أَهلِ العربيَّةِ، والفقهاء. وتسميةُ الدعاء صلاة معروفٌ في كلام العرب. والعلاقةُ بين الدعاء والصلاةِ الجُزْئية، فإنَّ الدعاء جزءٌ من الصلاة؛ لأنها قد اشتملتْ عليه.
وفي الشرع: " أقوالٌ وأفعالٌ مٌفْتَتَحَةٌ بالتكبيرِ ومُخْتَتَمَةٌ بالتسليم مع النية".
بَابُ المَواقِيت
* المواقيتُ: جمعُ " مِيقاتٍ " والمرادُ هُنا- المواقِيتُ الزَّمانيةُ التي هي المقدارُ المحدَّدُ لِفِعْلِ الصَّلواتِ المفرُوضَاتِ وغيرِها. (1/131)
* إنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله تعالى، الصلاةُ في أوقاتها، ثُمَّ بِرُّ الوالدَيْن، ثم الجهادُ في سَبِيلِ اللهِ، وذلك بعد وجودِ أصْلِ الإيمان. فإنَّ العباداتِ فُرُوعُهُ وهو أساسُها. (1/132)
* الأعمالُ ليستْ في درجةٍ واحِدةٍ في الأفْضَليةِ، وإنما تتفاوتُ حسب تقريبِها منَِ الله تعالى، ونفعِها، ومصلحتِها. (1/132)
فائدة:
سُئِلُ النبيُ صلى الله عليه وسلم عن المفاضلةِ في الأعمالِ عِدَّةَ مرات، وكان صلى الله عليه وسلم يجيبُ على ذلك بما يناسبُ المقام، ويصلحُ لحالِ السَّائلِ ولذا فإنه تارةً يقول : الصلاةُ في أول وقتِها، وتارة يقول: الجهادُ في سبيل الله، وتارة الصدقة، وذلك على حَسَبِ حَالِ المخاطَبِ وما يليقُ به.
ولا شكَّ أنَّ هذه أجوبةَ الحكمةِ والسَّداد، وفتاوى من يريدُ العملَ والصَّالِحَ العام، فإن الدِّينَ الإسلاميَّ دينُ الواقع في أحكامِه وأعمالِه، لذا ينبغي أن تكونَ المفاضلةُ بين الأعمالِ مبنيةٌ على هذا الأساس؛ فإن لكل إنسانٍ عملا يَصْلحُُ له ولا ينجحُ إِلا به، فينبغي توجيهُهُ إليه كذلك الوقت يختلف، فحينًا تكونُ الصدقةُ أفضلَ من غيرِها كوقت المجاعَاتِ والحاجة، وتارةً يكونُ طلبُ العِلْمِ الشرعي أنفعَ للحاجة إليه، وكذلك وظائفُ اليومِ والليلة، فساعةً يكون الاستغفارُ والدُّعاءُ أولى من القراءة، وساعةً أخرى تكون الصلاة وهكذا. (1/133)
اختلافُ العلماءِ في الأفضلِ في وقتِ صلاةِ الفجر
* "الغَلَس" : بفَتح الغين المعْجمة واللام، وهو اختلاطُ ضِياءِ الصُّبحِ بظلمةِ الليل. (1/134)
* اخْتلفَ العلماءُ في الأفضلِ في وقتِ صلاةِ الفجْرِ، فذَهَبَ الحنفِيَّةُ إلى أن الإسفارَ فيها أفضلُ، لحديث " أسْفِرُوا بالْفَجْرِ، فإنه أعظمُ للأجر ". قال الترمذي : حسن صحيح.
وذهبَ الجمهورُ، ومنهمُ الأئمةُ الثَّلاثةُ إلى أنَّ التَّغْلِيسَ بها أفضلُ، لأحاديثَ كثيرةٍ منها عن عَائشَةَ قالت: لقَدْ كَانَ النبي يصلَي الْفجرَ فَتَشْهَدُ مَعَهُ نسَاءٌ من الْمُؤْمنَات متَلَفعاتٍ بِمُروطِهِن، ثمَ يرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ من الْغَلَسِ.
وأجابوا عن حديثِ " أسفروا بالفجر... إلخ " بأجوبةٍ كثيرةٍ، وأحسنُها جوابان:
1- فإمَّا أن يُرَادَ بالأمرِ بالإسْفَارِ تحققُ طُلُوعِ الفجرِ حتى لا يتعجلوا، فيوقعونها في أعقابِ اللَّيل، ويكونُ " أفعل التفضيل " الذي هو " أعظم " جاء على غير بابِهِ، وهو يأتي لغير التفضيلِ كثيرًا.
2- وإما أن يُرَادَ بالإسفارِ إطالةُ القراءةِ في الصَّلاة فإنها مستحبةٌ، وبإطالةِ القراءة لا يفرُغُونَ من الصلاة، إلا وقتَ الإسْفار. (1/135)
بيان الأفضل في الوقت لأداء الصلوات الخمس
* الأفضلُ في العِشَاءِ التأخيرُ، ويكونُ إلى نصفِ اللَّيْلِ كما صحتْ به الأحاديثُ، إلا إذا اجتمعَ المصلونَ فَتُصَلَّى خشيةَ المشقةِ عليهم بالانتظار. (1/137)
* الأفضلُ للإمامِ مراعاةُ حال المؤتمين من التخفيفِ مع الإتمامِ، والإطالةِ مع عَدَمِ الإضجار. (1/137)
* "الصَّلاةُ الأُولى": هي الظهرُ، لأنها أولُ صلاةٍ أقامها جبريلُ للنبي عليه الصلاةُ والسلام. (1/138)
* الأفضلُ في العِشَاءِ التأخيرُ إلى آخرِ وقتِهَا المختارِ، وهو نِصْفُ اللَّيْلِ لكِنْ تَقْيدُ أفضليةِ تأخيرِ العشاءِ بِعَدَمِ المشقةِ على المصلِّين كما تقدَّمَ. (1/139)
* يُكْرهُ النومُ قَبْلَ صلاةِ العِشَاءِ لئلا يُضيعَ الجماعةَ، أو يوقِعَهَا بعْدَ وقتِهَا المختار. (1/139)
* كراهةُ الحديثِ بَعْدَ العِشاءِ لا تنسحبُ على مُذَاكرةِ العِلْمِ النَّافعِ، أو الاشتغالِ بمصالحِ المسلمين. (1/139)
* قال الشيخ - رحمه الله - " إذا كان الحديثُ مكروهًا بعدَ العِشَاءِ وهو في الكلامِ المباحِ والسَّمرِ الْبريء، فكيفَ حالُ من يُحْيونَ اللَّيلَ في سماعِ الأغاني الخليعة، ومُطَالعةِ الصُّحُفِ والرِّواياتِ الفاتنةِ الماجنة، ومن فُتِنوا بالمناظرِ المُخجلةِ والأفْلامِ الآثمة، والألعابِ الملهية، الصادَّةِ عن ذكْرِ اللهِ وعن الصلاة حتى إذا قَرُبَ الفجر، وحان وقتُ تنزلِ الرَّحَماتِ هَجَعُوا، فما يُوقِظُهُم من مضاجعِهم إلا حرُّ الشمسِ وأصواتُ الباعةِ وحركة ُالحياة، وقد تركوا صلاةَ الفجرِ جماعة، بل ربما أضاعوها عن وقتها. أَسَفٌ شَدِيدٌ وَغَمٌ قَاتِلٌ على أُناسٍ سارتْ بهم الحياةُ على هذا المنوالِ البَشِعِ ولَعِبَ بهم الشيطانُ فصدَّهُم عما ينفعُهم إلى ما يضرُّهُم فهؤلاء يخشى عليهم أن يكونوا ممن نسوا اللهَ فأنساهم أنفسَهُمْ، فضربَ عليهم حِجَاب الغَفْلَةِ، فلا يتذكرون إلا حين لا تنفعهم الذِّكْرَى ". (1/141)
* اخْتلفَ العلماءُ في المرادِ بـ " الوسطى " التي حثَّ اللهُ على المحافظةِ عليها بقولِهِ { حَافِظُوا عَلَى الصلوات والصلاة اْلوُسْطَى } على أقوالٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَها " الشَّوْكانيُ " على سبْعَةَ عَشَرَ قولًا ، وذكرَ أدلتَهم وليس بنا حاجةٌ إلى ذِكْرِ شيءٍ من ذلك خشيةَ الإطَالةِ وقِلَّةِ الفائدةِ المطلوبة. والذي تدل عليه الأحاديثُ الصحيحةُ الصريحة، وإليه ذهب جمهورُ السَّلَفِ والخلفِ أنَّ المرادَ بها "صلاةُ العصر" وما عدا هذا القولَ فهو ضعيفُ الدَّلَالةِ وساقط الحجة. (1/143)
* يَجُوزُ الدعاءُ على الظالمِ بقدْرِ ظُلْمِهِ لِأَنَّهُ قَصَاصٌ. (1/143)
* اختلفَ العلماءُ في صلاةِ العِشَاءِ: هل الأفضلُ التقديمُ أو التأخير؟
فذهبَ إلى الأوَّلِ جماعةٌ من العلماءِ مستدلينَ بأنَّ العادةَ الغالبةَ لرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التقديمُ، ولم يؤخْرْهَا إلا في أوقاتٍ قليلة لبيانِ الجواز، أو للعذر، ولو كان تأخيرُها أفضلَ لوَاظَبَ عليه.
وذهبَ الجمهورُ إلى أنَّ الأفضلَ التأخيرُ مستدلينَ بأحاديثَ صحيحةٍ كثيرةٍ منها عن عَبدِ الله بْنِ عَبَّاس رَضيَ الله عَنْهُمَا قال : أعْتَمَ النبيُ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسولَ اللَه، رَقَدَ النسَاءُ وَالصبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأسُه يَقْطُرُ يَقُول: لولا أنْ أشُقَّ عَلَى أمتي -أوْ عَلَى النّاس- لأمَرْتُهُمْ بِهذِه الصّلاةِ هذِهِ السّاعَةَ ".
أمَّا كونُهُ لم يُداوِمْ على تأخيرِها، فلم يمنَعْهُ من ذلك إلا خشيةُ المشقةِ على المأمومين، وقد أخَّرَهَا ذاتَ ليلةٍ فقال: " إنه لوقتُها لولا أن أشقَّ على أمتي ". (1/145)
* قد يكونُ ارتكابُ العَملِ المفضولِ أولى منَ الفَاضل إذا اقترنَ بِهِ أحوالٌ ومُلابَسَاتٌ. (1/146)
بَاب في شيءٍ مِن مَكرُوهَات الصَّلاة
* المكروهُ عِنْدَ الأُصُوليين: هو ما يثابُ تاركُهُ، ولا يعاقبُ فاعلُهُ. (1/147)
* إنَّ الطعامَ، والشَّرَابَ إذا حَضَرا وقتَ الصَّلاة قُدِّمَا عليها ما لم يَضِقْ وَقْتُها فتقدمُ على أيَّةِ حالٍ. (1/147)
* إنَّ حضورَ الطَّعامِ للمحتاجِ إليه عُذْرٌ في تركِ الجماعة، على أن لا يجعلَ وقتَ الطَّعامِ هو وقتَ الصلاةِ دائمًا، وعادةً مستمِرَّة. (1/148)
* أَخَذَ بظاهرِ حديثِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – " لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولا وَهُوَ يدَافِعُهُ الأَخْبَثَان " الظَّاهِريَّةُ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ ، فلم يصححوا الصَّلاةَ مع وجودِ الطعام، ولا مع مُدَافعةِ أحدِ الأخبثين، وَعَدُّوا الصلاةَ باطلةً، إلا أن شيخَ الإسلامِ لم يصححها مع الحاجةِ إلى الطَّعام. والظاهريةُ شَذُّوا، فلم يصححوها مطلقًا.
وذَهَبَ جمهورُ العلماءِ إلى صحةِ الصَّلاةِ مَعَ كراهتها على هذه الحال، وقالوا : إنَّ نَفْى الصلاةِ في هذا الحديثِ نَفيٌ لكمالِها لا لصحتِها. (1/149)
* قَالَ الصَّنْعَاني : واعلم أنَّ هذا ليس في بابِ تقديمِ حقِّ العبدِ على حقِّ اللهِ تعالى، بل هو صيانةٌ لحق البارِي، لئلا يدخلَ في عبادتِهِ بقلبٍ غيرِ مقبلٍ على مُنَاجاته. (1/150)
باب أوقات النهي
* حُظِرَتِ الصلاةُ في أوقاتٍ مُعَيَّنَةٍ لِحكَمٍ يعلمُها الشَّارِعُ، كالابتعادِ عن مشابهةِ الكُفَّارِ في وقتِ عبادتِهِمْ، وأوقاتُ النهي ثلاثة :
الأول: مِنْ صلاةِ الفجرِ حتى ترتفعَ الشمسُ عن الأرضِ قِيدَ رُمْحٍ.
الثاني: حين تبلغُ الشمسُ نهايتَها في الارتِفاع، حتى تبدأَ في الزَّوال.
الثالث: من صلاةِ العَصْرِ إلى الغُرُوب. (1/151)
* الصُّنَابِحِيُّ لم يسمعْ من النبي صلى الله عليه وسلم فحديثُهُ مُرْسل. (1/152)
* س : ما هي الصَّلاةُ المنهيُ عنها في هذه الأوقات؟
- ج: ذَهَبَ الحنفِيَّةُ، والمالكيةُ، والحنابلة إلى أنها جميعُ التطوعات ما عدا ركعتي الطَّوَافِ، مستدلين بعمومِ النهى الواردِ في الأحاديثِ ومنها قولُهُ – صلي الله عليه وسلم: " لا صَلاةَ بَعدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشمسُ، وَلا صلاَةَ بَعْدَ العصْرِ حَتَى تَغِيبَ الشمسُ". ومذهبُ الشَّافعية، ورواية عن الإمامِ أحمدَ، اختارها شيخُ الإسلامِ "ابن تيمية"، وجماعةٌ من أصحابِنا، إلى أنها النوافلُ المطلقةُ عن الأسبابِ أمَّا الصلواتُ ذواتُ الأسبابِ كتحيةِ المسجدِ لداخلِهِ، وركعتي الوضوءِ فجائزةٌ عند وُجودِ سببِها في أيِّ وقت. ودليلُهُم على ذلك الأحاديثُ الخاصَّةُ لهذهِ الصلواتِ فإنها مُخَصِّصَةٌ لأحاديثِ النَّهْي العامَّةِ. وبهذا القولُ تجَتمع الأدلةُ كلُّها، ويُعملُ بكلٍ مِنْ أحاديثِ الجانبين. (1/153)
* المؤلِّفُ لم يتعرضْ للثالثِ من أوقاتِ النهي مع ثبوتِه في الأحاديثِ وهو وقتٌ ضَئيلٌ قليلٌ ، يبتدئ حين تنتهي الشمسُ بالارتفاع ، حتى تزول. وقد ثبت تحريمُ الصلاةِ فيه بأحاديث.
منها ما رواه مسلم عن عقبةَ بنِ عامرٍ " ثَلاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُصَلّىَ فِيهنَّ، وَأن نَقبُرَ فِيهنَّ مَوْتَانَا- إحداها: حِينَ يَقُومُ قائِمُ الظَّهِيرَةِ ".
ومنها: ما رواه مسلمٌ أيضاً عن عمرِو بنِ عَبَسَةَ، ومنه " ثُمَّ صَلّ حَتى يَستَقِلَّ الظِّلُ بِالرمْح، ثم أقصِرْ عَنِ الصّلاة، فَإنَه حينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنم ". (1/154)
بَابُ قضَاءِ الفُوائتِ وترْتِيبِها
* "غرَبت" : قال الزَّرْكَشِيُّ بفتحِ الرَّاءِ، وَعَدَّ ضَمَّها خَطَأً. (1/157)
* "بُطْحان" : بِضَمِّ البَاءِ، وَسُكُونِ الطَّاء، وادٍ بالمدينة. (1/157)
* يَجُوزُ حَلِفُ الصَّادِقِ، ولو لم يُسْتَحْلَفْ. (1/158)
باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها
* اختلفَ العلماءُ في حُكْمِ صلاةِ الْجَماعةِ.فَذَهَبتْ طائفةٌ مِنَ الحنَفِيَّةِ، والمالكيةِ، والشافعيةِ : إلى أنها سنةٌ مؤكَّدَةٌ.
وذهبتْ طائفةٌ أُخْرَى مِنْ هؤلاءِ إلى أنها فرضُ كفايةٍ إذا قام بها مَنْ يَكْفِي، سقطتْ عن الباقين.
وذهبَ الإمامُ أحمدُ، وأتباعُه، وأهلُ الحديثِ، إلى أنها فرضُ عَيْنٍ.
وبَالَغَتِ الظَّاهِريَّةُ، فذهبوا إلى أنها شَرْطٌ لصحةِ الصلاة.واختار هذا القولَ أبو الوفاءِ بنُ عَقِيلٍ الحنبليُّ، وشيخُ الإسلامِ "ابنُ تَيْمِيَّةَ".
أدلةُ هذه المذاهب :استدل الذاهبون إلى أنها سنةٌ بحديثِ "صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجة".ووجهُ استدلالِهم : أنَّ كُلًّا منْ صلاةِ الجماعةِ، وصلاةِ الانفرادِ اشْتَرَكا في الأفضلية. وتأوَّلُوا حديثَ البابِ بتأويلاتٍ بعيدةٍ متكلفةٍ مذكورةٍ في (فَتْحِ البَاري)، و (نَيْلِ الأوْطَارِ)، وغيرِهما.
أما أدلةُ من ذَهَبُوا إلى أنها فرضُ كفايةٍ فهي أدلةُ مَنْ يرونها فرضَ عَيْنٍ، وذلك لمشروعيةِ قتالِ تاركي فرضِ الكفاية.وليس هذا دليلًا مستقيمًا، لأن هؤلاء همَّ بقتلِهم، والقتلُ غيُر المقاتلة.ولو كانتْ فرضَ كِفَايةٍ، لكانَ وجوبُها ساقطًا من هؤلاءِ المتخلفين بصلاةِ النَّبي، ومن معه، فلم يكونوا تركوا واجبًا يُعَاقبون عليه إذًا.أما أدلةُ الموجبين لها على الأعيانِ فهي صحيحةٌ صريحة.
فمنها: حديثُ أبى هريرة رضي الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم : «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»فإنه صلى الله عليه وسلم لا يهم بتعذيبهم إلا على كبيرةٍ من كبائرِ الذُّنُوب.
ومنها: حديثُ الأعمى الذي استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُصَلِّيَ في بيته لوعورةِ الطريقِ، وعَدَمِ القائدِ له، فلم يُرَخِّصْ له.
ومنها: مشروعيتُها في أشدِّ الحالات، وهى وقتُ القتال.وغيرُ ذلك من أدلةٍ نَاصِعَةٍ، لا تقبلُ التأويل.أما أحاديثُ المفَاضَلَةِ، فلا دلالةَ فيها على عدمِ الوجوبِ، لأننا لم نقل: إنها لا تصحُّ بلا جماعةٍ، ولكن نقول: إنها صحيحةٌ ناقصةُ الثَّوَابِ آثمٌ فاعلُها مع عدمِ العُذْر.
أما دليلُ الغَالِينَ في ذلك، وهم من يرون أنها شرْطٌ لصحةِ الصَّلاة، فهو ما رواه ابن ماجه، والدارقطنيُّ عن ابن عباسٍ : " مَنْ سَمِعَ الندَاءَ فَلَمْ يأتِ، فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِن عُذْرٍ".
والراجِحُ أنَّ الحديثَ موقوفٌ لا مرفوعٌ، وقد تَكَلَّمَ العلماءُ في بعضِ رجالِهِ. وعلى فَرْضِ صحتِهِ، فَيُمْكِنُ تأويلُهُ بـ "لا صلاة كاملة إلا في المسجد"، ليوافقَ الأحاديثَ التي هي أصحُّ منه.وهذا التعبيرُ كثيرُ في لسانِ الشَّارِعِ، يُرِيدُ بنفي الشيءِ نَفْيَ كمالِهِ.وحديثُ: " صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة " صريحٌ في صحةِ صلاةِ المنفردِ، حيث جعلَ الشَّارِعُ فيها شيئًا من الثَّوَابِ.
بعد أن ذكرَ " ابنُ القَيِّمِ " في كتاب الصلاة " مذاهبَ العلماءِ وأدلتَهُم قال: " ومن تأمَّلَ السُّنَّةَ حَقَّ التأمُّلِ، تبيَّنَ له أن فعلَهَا في المساجد فرضٌ على الأعيان إلا لعارضٍ يجوزُ معه تركُ الجمعةِ والجماعة، وبهذا تتفق جميعُ الأحاديثِ والآثار.. فالذي ندينُ اللهَ به أنه لا يجوزُ لأحدٍ التخلفُ عن الجماعةِ في المسجد إلا من عُذْرٍ. (1/163-164)
بَابُ حضُورِ النِّساءِ المسْجِدَ
* يُستحبُ الإذْنُ للمرأَةِ بالصَّلاةِ في المسجدِ إذا طلبتْ ذلك. (1/167)
* ويظهرُ أنَّ جوازَ الإذنِ لمجردِ الصلاةِ. أمَّا لسماعِ المواعظِ، وَخُطَبِ الأعيادِ فيجبُ حضورُهُنَّ، كما يأتي في حديثِ أُمِّ عَطيةَ: "أُمِرْنَا أن نُخْرِجَ في العيدينِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ". (1/168)
* ينبغي لمن أرادَ أن يُوجِّهَ كلامَ الشَّارِعِ إلى معنى يراه، أن يكونَ ذلك بأدبٍ، واحترامٍ، وحُسْنِ تَوْجِيهٍ. (1/168)
بَابُ سنَن الرَّاتبة
* لم يُنْقلْ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلي شيئًا مِنَ الرَّوَاتِبِ إلا ركعتي الفجر، فكان لا يدعُهما لا حَضَرًا، ولا سَفَرًا. (1/169)
* إنَّ رواتِبَ "المغرب" و "العشاء" و "الفجر" و "الجمعة" الأفضلُ أن تكونَ في البيت. (1/171)
* إنَّ إهمالَ مَنْ أهملهما ( أي ركتي السنة قبل صلاة الصبح) -على سهولتِهما وعظمِ أجرِهما وحثِّ الشَّارِعِ عليهما- يَدُلُّ على ضعفِ دينِهِ، وحِرْمَانِهِ من الخيرِ العظيم. (1/172)
باب الأذان والإقامة
* "الأذان" و "الإقامة" كلُ واحدٍ منهما فَرْضُ كِفَايةٍ على الرجال للصلوات الخمس، وهما من شعائرِ الإسلامِ الظَّاهرة؛ يُقَاتَلُ أهلُ بلدٍ تركوهما. (1/173)
* اخْتلفَ العُلماءُ في حُكْمِ الأذانِ، والإقامةِ؛ فذهبَ الإِمَامُ "أحمدُ"، وبعضُ المالكية، وبعض الشافعية، وعطاءٌ إلى أنهما واجبانِ على الكفاية للرِّجالِ البالغينَ مستدلينَ على ذلك بأحاديثَ كثيرةٍ، منها حديثُ " أُمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وَيُوترَ الإقَامَةَ "؛ لأنَّ الأمرَ يقتضي الوجوب.
ومنها ما في الصحيحين عن مَالكِ بنِ الحُوَيرثِ: " فَلْيُؤَذِّنْ لكم أحَدُكُمْ "، وغير ذلك من الأحاديث. ولأنه من شعائرِ الإسلامِ الظَّاهرةِ يُقَاتَلُ مَنْ تَرَكها.
وَذَهَبتِ الحنفِيَّةُ والشافعيةُ إلى أنهما سنتان وليسا بواجِبَين مستدلين بما صَحَّحَ كثيرٌ من الأئمةِ من أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلةَ مزدلِفةَ لم يُؤَذِّنْ، وإنما أَقَامَ فقط. ويُعَارَضُ ما نُقِلَ عن تَرْكِهِ الأذانَ بما روى البخاري عن ابن مسعود "أنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلَّاهَا في جَمْعِ بأذَانَيْنِ وإِقَامَتَيْنِ". (1/174-175)
* وَرَدَ في أحاديثَ كثيرةٍ النهيُ عن لُبْسِ الأحمرِ للرِّجالِ، فمنها ما في البخاري : ( أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المياثِرِ الْحُمْرِ )، فكيف ذكر هنا أن عليه حلةً حمراء ؟
ذكر " ابن القيم " في ( الهَدْىِ النبوي ) أي ( زاد المعاد ) أن الحلة هنا ليست حمراءَ خالصة، وإنما فيها خطوطٌ حُمْرٌ، وسودٌ، وغَلِطَ من ظن أنها حمراء بحت لا يخالطها غيره، والتي أكثرُ أعلامِها حُمْرٌ يقال لها : حمراء.
ورأيتُ نقلاً عن شيخِنا "عبدِ الرحمن السعدي " أنه لبسها لبيان الجواز.
وعندي أن جمعَ " ابنِ القيم " أحسنُ؛ لأنَّ النهيَ عن الأحمرِ الخالصِ شديدٌ فكيفَ يَلْبَسَه لبيان الجواز ؟ والله أعلم. (1/179)
بَاب استقبال القبْلَة
* يجوزُ صلاةُ النَّافلةِ في السفرِ على الرَّاحلةِ، وفِعْلُ ابنِ عُمرَ له أقوى من مجردِ الرِّواية. (1/187)
* ذَهَبَ الإمامُ أحمدُ وأبو ثورٍ إلى استقبال القبلةِ حالَ ابتداءِ الصلاة، وذلك لحديثِ أنسٍ من أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتطوعَ في السَّفَرِ استقبل بناقتِهِ القبلةَ، ثم صلى حيث وجَّهه رِكابُهُ، وظاهر الحديث العموم. (1/187)
* لا تجوزُ الفريضةُ على الرَّاحِلةِ بلا ضرورةٍ. قال العلماء : لئلا يفوتَهُ الاستقبالُ فإنه يفوتُهُ ذلك وهو راكب.
أمَّا عِنْدَ الضرورةِ مِنْ خَوْفٍ، أو سَيْلٍ فيصح كما صحتْ به الأحاديثُ. (1/187)
* قال الطَّحاوى : في الحديثِ دليلٌ على أن من لم يعلمْ بفرضِ اللهِ تعالى ولم تبلغْهُ الدَّعوةُ، فالفرضُ غيرُ لازمٍ له، والحجةُ غيرُ قائمةٍ عليه ا. هـ وزادَ الأصوليون أنَّ الفهمَ شرْطُ التكليفِ، وعن ابنِ تيميةَ في مثلِ هذا قولان أحدُهما موافقٌ لما ذُكر. (1/190)
بَابُ الصُّفُوف
* تسويةُ الصفوفِ سببٌ في تمامِ الصَّلاةِ فيكونُ ذلك مستحبًا، كما هو مذهبُ الجمهورِ، وقيل بوجوبِهِ لحديث "لتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بين وجوهِكم". (1/192)
* يُكرهُ اعْوجاجُ الصفوفِ، وأنَّ ذلك نقصٌ في الصَّلاة. (1/194)
* تسْويةُ الصفوفِ من وظيفةِ الإمامِ. (1/196) * يجوزُ كلامُ الإمامِ فيما بين الإقامةِ، والصَّلاةِ لما يَعْرِضُ من الحاجة. (1/196)
* يجوزُ الاجتماعُ في النَّوافِلِ وإن لم يُشْرَعْ لها اجتماعٌ إذا لم يُتْخذْ ذلك عادةً مستَمِرَّة. (1/198)
* يستحبُّ إجابةُ دعوةِ الدَّاعي لاسيما لمن يحصُلُ بإجابتِهِ جبرُ خواطرِهم، وتطمينُ قلوبِهم، ما لم تكن وليمةَ عُرْسٍ فعند ذلك تجبُ إجابةُ الدَّعْوةِ. (1/199)
* المشهورُ من مذهبِ الإمامِ " أحمدَ " فسادُ صلاةِ المأمومِ إذا كان واقفًا عن يسارِ الإمامِ مع خُلُوِّ يمينِهِ.وذهبَ الجمهورُ من العلماءِ ومنهم الأئمةُ الثلاثةُ أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ إلى صحةِ صلاتِهِ ولو مع خلوِّ يمينِ الإمامِ وهو الرِّوايةُ الثَّانيةُ عن الإمامِ " أحمدَ "، واختارَهَا بعضُ أئمَّةِ أصحابِهِ مستدلين بهذا الحديثِ وهو استدلالٌ واضحُ المأخَذِ مع أنهم أجمعوا على أن الموقفَ الفاضلَ للمأمومِ الواحدِ أنْ يكونَ عن يمينِ الإمام. (1/200)
*إنَّ المأمومَ الواحدَ إذا وقفَ عن يسارِ الإمامِ فاستدارَ إلى يمينِهِ يأتي من الخلف، كما ورد في بعضِ ألفاظِ الحديثِ في البخاري. (1/201)
* إنَّ العملَ في الصَّلاةِ إذا كان مشروعًا لصحتِهَا لا يضرُّهَا. (1/201)
* لا يُشْترطُ لصحةِ الإمامةِ أنْ ينويَ الإمامُ قَبْلَ الدُّخولِ في الصَّلاة أنه إمامٌ. (1/201)
بابُ الإمَامةِ
* اتفقَ العلماءُ على تحريمِ مُسَابقةِ المأمومِ للإمامِ لِلْوعيدِ الشَّدِيدِ، ولكنْ اختلفوا في بُطْلانِ صلاتِهِ، فالجمهورُ أنها لا تَبْطُلُ. (1/204)
* مُجَرَّدُ السَّبقِ عمدًا يُبطِلُ الصلاةَ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام "ابن تيمية" ، لأنَّ الوعيدَ يقتضي النَّهيَ، والنهيُ يقتضي الفساد. (1/204)
* إنَّ الأفضلَ في المتابعةِ أنْ تقعَ أعمالُ المأمومِ بعد أعمالِ الإمامِ مباشرةً. قال الفقهاءُ: وتكرهُ المساواةُ، والموافقةُ في هذه الأعمالِ. (1/209)
* تجوزُ الإشارةُ في الصَّلاةِ للحاجةِ. (1/210)
* [تنبيه] : الموافقةُ في أفعالِ الصلاةِ، وأقوالِها للإمامِ مكروهةٌ، إلا تكبيرةَ الإحرامِ، فإنها لا تنعقدُ معها الصَّلاةُ. (1/212)
* ذهبَ مالكٌ في إحدى الرِّوايتين عنه إلى أنَّ التأمينَ لا يُشرعُ في حقِّ الإمامِ، وتأوَّلَ قولَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أمّنَ الإمَامُ فَأمّنُوا، فَإنًهُ من وافَقَ تَأمِينُهُ تَأمين اْلملائِكَةِ، غفِرَ له مَا تَقدمَ مِنْ ذَنِبه ". على معنى : إذا بلغ الإمامُ موضعَ التَّأمينِ، ولم يَقْصِدِ التأمينَ نفسَهُ.
وذهب الشافعيُّ وأحمدُ إلى استحبابِ التأمينِ لكلٍ من الإِمامِ، والمأمومِ، والمنفردِ لظاهرِ الحديثِ الذي معنا، وغيره.
وذهبتِ الظَّاهريةُ إلى الوجوبِ على كلِّ مُصَلٍّ، وهو ظاهرُ الحديثِ في حَقِّ المأمومينَ لأنَّ الأمرَ يقتضي الوجوب. (1/213)
* اسْتدلَّ البخاريُّ بهذا الحديثِ على مشروعيةِ جهرِ الإمامِ بالتأمين؛ لأنَّهُ عَلَّقَ تأمينَ المؤتمين بتأمينِهِ، ولا يعلمونَهُ إلا بسماعِهِ، وهذا قولُ الجمهورِ. (1/214)
* ذكرَ الصنعانيُّ : أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كان يُطيلُ صلاتَهُ لعلمِهِ بحالِ المؤتَمِّينَ بِهِ، وأنَّ الأمرَ بتخفيفِ الصَّلاةِ خاصٌّ بالأمَّةِ. (1/216)
بابُ صفةِ صلاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
* أفعالُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صلاتِهِ تدلُّ على الوجوب، ومَنْ صَرَفَهَا عنه إلى غيرِهِ فعليه تقديمُ الدَّليلِ. (1/219)
*أبو الْجَوْزَاءِ لم يسمعْ مِنْ عائشةَ. (1/224)
* سجودُ السَّهْوِ يُجْبِرُ الواجبَ، والمستحبَّ. (1/226)
* أفضلُ التَّشَهُدِ تشهدُ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ، وهو أصحُّهَا، ولذا فقدْ أجمعَ العلماءُ على اختيارِهِ. وصفتُهُ : " التحياتُ للهِ، والصلواتُ والطَّيباتُ، السَّلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحيِن، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ". (1/228)
* أجمعَ العلماءُ على مشروعيةِ التَّسْلِيمِ، ولكنِ اخْتلفُوا : هل المشروعُ تسليمتان أو تسليمةٌ واحِدَةٌ ؟
والصَّحِيحُ أنَّ المشروعَ تسليمتان لصحةِ أحاديثِهِمَا، وضعفِ أحاديثِ التسليمةِ الواحدةِ. (1/228)
* ذهبَ جمهورُ الصحابةِ والتابعينَ، ومن أصحابِ المذاهبِ الشافعيةُ، والحنابلةُ إلى الوجوبِ، مستدلين بإدامةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - له، مع قولِهِ : " صَلُّوا كما رأيتُمُوني أصلِّي " وبما ثبتَ عندَ أصحابِ السُّننِ " تحريمُهَا التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ ". (1/229)
* أجمعَ العلماءُ على مشروعيةِ رفعِ اليدين عند تكبيرةِ الإحرامِ لتواترِ الأحاديثِ في ذلك، حيثُ رُوِيَ عن خمسينَ صحابيًا، منهم العشرةُ المبشرون بالجنَّةِ. (1/230) * يُسْتَحَبُّ رفعُ اليدينِ عندَ تكبيرةِ الإحرامِ بإجماعِ العلماءِ، وعندَ الرُّكُوعِ وبعدَ الرَّفعِ منه عند الجمهورِ. (1/231)
* لا بأسَ بالسُّجُودِ على حائلٍ سوى أعضاءِ السجودِ، فإنَّهُ يحرُمُ أن يضعَ جبهتَهُ على يديهِ أثناءَ ذلك، لأنَّ يديه من الأعضاءِ المتصلةِ بالسجود. (1/234)
* يُكْرهُ السجودُ على ما اتصلَ به من ثَوْبٍ، وعِمَامةٍ إلا مع حاجةٍ كالْحَرِّ، والبردِ، والشَّوْكِ، وخُشُونةِ الأرضِ فلا يُكرَهُ حِينذاك. ولا يُكْرَهُ السجودُ أيضًا على حائلٍ غيرِ مُتَّصلٍ بِهِ كسِجَّادةٍ ونحوِهَا. (1/234)
* تُوضَعُ أعضاءُ السجودِ بالترتيبِ الذي كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يفعلُهُ،وهو أن يضعَ رُكْبَتَيْهِ، ثم يدَيْهِ، ثم جبهتَهُ مع أنفِهِ، ولا يبرُكُ كما يبرُكُ البعيرُ، بحيث يُقَدِّمُ يديه قبل ركبتَيْهِ، فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن هذا. (1/234)
* أجمعَ العلماءُ على وجوبِ تكبيرةِ الإحرامِ للنَّصِّ عليها في حديثِ المسيءِ في صلاتِهِ،واختلفوا فيما عداها من التكبيراتِ.
فذهبَ أكثرُ الفقهاءِ إلى عدمِ وجوبِها؛ لأنَّ الواجبَ عندَهُمْ من أعمالِ الصَّلَاةِ ما ذُكِرَ في حديثِ الْمُسِيءِ في صلاتِهِ، وهذه التكبيراتُ لم تُذْكَرْ فيه.
قال في فَتْحِ البَارِي : الجمهورُ على نَدْبِيَّةِ ما عدا تكبيرةَ الإحْرَامِ. (1/236)
* الأفضلُ أن يكونَ الرُّكُوعُ، والاعْتِدَالُ مِنْهُ، والسُّجُودُ، والاعتدالُ منهُ مُتَسَاوِيَةَ المقاديرِ فلا يُطِيلُ المصلِّي بعضَهَا على بعضٍ. (1/239)
* أن يكونَ القيامُ للقراءةِ، والجلوسُ للتشهدِ الأخيرِ أطولَ من غيرِهما. (1/239)
* إِمَامُ المسجدِ مُقَدَّمٌ على غيرِهِ( أي في الإمامة )، وإن كانَ وراءَهُ أفضلُ مِنْهُ؛ لأنَّهُ هو الإمامُ الرَّاتِبُ، وذَكَرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أنَّ ذا السلطانِ كالإمامِ الرَّاتِبِ. (1/242)
* تُستحبُّ جِلْسةُ الاستراحةِ للحاجةِ. (1/244)
* مَنْ أرادَ اتِّبَاعَ السُّنَّةَ مما تركُهُ أو فعلُهُ، لا يمسُّ جوهرَ الإسلامِ أن ينظرَ، فإن كان فعلُهُ أو تركُهُ يسبِّبُ فِتنةً وشرًّا أكبرَ من مصلحتِهِ فَلْيرَاعِ المصالحَ، فإنَّ الشرعَ يكون حيث توجدُ المصلحةُ الخالصةُ، أو الراجحةُ على المفسدَةِ. (1/248)
* قَسَّمَ بعضُ العلماءِ الحركةَ في الصلاةِ إلى أربعةِ أقسامٍ حَسَبَ الاستقراءِ، والتَّتَبُّعِ من نُصُوصِ الشَّارِعِ :
القسم الأول : يحرمُ، ويُبطِلُ الصَّلاةَ، وهو الكثيرُ المتوالي لغيرِ ضرورةٍ، ولغيرِ مصلحةِ الصلاةِ.
القسم الثاني : يُكرَهُ في الصلاةِ، ولا يُبطِلُهَا، وهو اليسيرُ لغير حاجةٍ مما ليس لمصلحةِ الصلاةِ كالعبثِ اليسيرِ بالثيابِ أو البدنِ، ونحو ذلك؛ لأنه منافٍ للخشوعِ المطلوبِ ولا حاجةَ تدعُو إليه.
القسم الثالث : الحركةُ المباحةُ، وهي اليسيرةُ للحاجةِ، ولعلَّ هذا القسمَ هو ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعلُهُ من حَمْلِ أُمَامةَ بنتِ زينبَ في الصلاةِ، وطلوعِهِ على المنبرِ، ونزولِهِ منه حالَ الصلاةِ، وفتحِهِ البابَ لعائشةَ، ونحوِ ذلك مما يفعلُهُ للحاجةِ ولبيانِ الْجَوَازِ.
القسم الرابع : الحركةُ المشروعةُ، وهي التي يتعلقُ بها مصلحةُ الصلاةِ، كالتقدمِ للمكانِ الفاضلِ، والدُّنوِّ لسدِّ خللِ الصُّفوفِ، أو تكونُ الحركةُ لفعلِ محمودٍ مأمُورٍ به، كتقدمِ المصلين وتأخرِهم، في صلاةِ الخوْفِ، أو الضرورةِ كإنقاذٍ من هَلَكَةٍ. (1/250)
* نُهِينَا عن بَسْطِ الذِّرَاعينِ في السجودِ؛ لأنه دليلُ الكسلِ، وفيه تشبيهٌ بجلوسِ الكلبِ. فإنَّ التشبيهَ بالأشياءِ الخَسِيسَةِ يدعو إلى تركِهِ في الصلاةِ. (1/251)
بَابُ وجُوبِ الطُّمَأنينةِ في الرُّكوعِ، والسُّجُودِ
* ذهبتِ الحنفيةُ إلى صحةِ الصلاةِ بقراءةِ أيِّ شيءٍ مِنَ القُرآنِ حتى من قادرٍ على الفاتحةِ مستدلين بقولِهِ تعالى : {فَاقرأوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ}، وبإحدى رواياتِ حديث المسئ في صلاته " ثُمَّ اقرأْ ما تيسَّرَ معك من القرآن ".
وذهبَ الجمهورُ إلى عدمِ صحةِ الصلاةِ بدون الفاتحةِ لمن يُحْسِنُ قراءتَهَا مستدلين بقولِهِ عليه الصلاة والسلام : " لا صلاَةَ لِمَنْ لَم يَقرأْ بِفاِتحَة الكِتَاب " متفق عليه. فالتقدِيرُ : لا صلاةَ تُوجَدُ، وعدمُ وجودِهَا شرعًا هو عدمُ صحتِهَا، وهذا هو الأصلُ في مثلِ هذا النَّفْي، وأدلةُ عدمِ صحةِ الصلاةِ بدونِها كثيرةٌ، وأجابوا عن الآيةِ بأنها جاءتْ لبيانِ القرآنِ في قيامِ اللَّيلِ، يعني : اقرأوا ما تيسَّرَ من القرآن بعد قراءةِ الفاتحةِ بلا مَشَقَّةٍ عليكم. وأجابوا عن الحديث بأنَّ هذه الروايةَ مجملةٌ تفسِّرُها الرواياتِ الأخرى عند أبي داودَ، وابنِ حِبَّاَن " ثم اقرَأ بِأُمِّ القُرآن وبِمَا شَاءَ اللهُ ". وقد سَكَتَ عنه أبو دَاودَ، وما سكتَ عنه فإنَّهُ لا قَدْحَ فيه، ولابنِ حِبَّانَ في حديثِهِ " واقرأْ بأُمِّ القرآنِ، ثُمَّ اقرأْ بما شِئْتَ ".
* بعضُ العُلماءِ يرى وجوبَ الفاتحةِ في الرَّكعةِ الأُولى دون غيرها، والجمهورُ يرى وجوبَهَا في كُلِّ رَكْعَةٍ، ويدُلُّ له قولُهُ : " ثم افْعَلْ ذلِكَ في صَلاَتِكَ كُلِّهَا ". قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ : وحديثُ أبي قَتَادَةَ في البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ الفاتحةَ في كُلِّ ركعةٍ مع قولِهِ " صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي " دَلِيلُ الوجوبِ.
* اختلفَ أهلُ العلمِ في وجوبِ الطمأنينةِ في الاعتدالِ من الرُّكُوعِ، والسُّجُودِ. فذَهَبَ الحنفيةُ إلى عدمِ وجوبِها.
وذهبَ الجمهورُ إلى وجوبِها، وحجَّتُهم حديثُ المسئِ في صلاتِهِ، وحديثُ البراءِ بنِ عَازِبٍ أنَّهُ " رَمَقَ صَلاةَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ قيامَهُ، فَرَكعَتَهُ، فَاعتِدَالَهُ بَعدَ رُكُوعِهِ، فسجدتَهُ، فَجَلْسَتهُ مَا بينَ التسلِيمِ وَالانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ " متفق عليه. وتقدَّمَ الكلامُ عليه، وثبتَ أنَّهُ يقفُ في اعتدالِهِ بعدَ الرُّكُوعِ حتى يُظَنَّ أنه قد نَسِىَ لإطالته، والأدِلَّةُ على ذلك كثيرةٌ. وليس لدى الحنفيةِ دليلٌ على ما ذهبوا إليه، ولا جوابَ صحيحٌ على أدلةِ الجمهورِ الصحيحةِ الصريحةِ.
بَابُ القِراءَةِ في الصَّلاةِ
* اختلف العلماءُ في قراءةِ الفاتحةِ للمأمومِ، فذهبتِ الحنابلةُ، والحنفيةُ إلى سقوطِهَا عن المأمومِ مطلقًا سواءٌ أكان في صلاةٍ سِريةٍ أم جهريةٍ.
وذهبت الشافعيةُ، وأهلُ الحديثِ إلى وجوبِ قراءتِها لِكُلِّ مصلٍّ من إمَامٍ، ومأمومٍ، ومنفرد.
وذهبت المالكيةُ إلى وجوبِ قراءتِها على المأمومِ في السِرِّيَّةِ، وسقوطِها عنه في الجهريةِ، وهى روايةٌ عن الإمامِ أحمد اختارها شيخُ الإسلامِ " ابنُ تيميةَ " وغيرُهُ من المحققين.
استدل الحنفية بحديثِ " مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ له "، وقولِهِ -عز وجل - ( وإذَا قُرئ القرآن فَاستِمعوا لَهُ وأنصِتُوا )، وحديثِ "إذا قَرَأ فأنصِتوا".
واستدل الشافعيةُ، ومَنْ وافقهم بحديثِ " لا صَلاةَ لِمَنْ لمْ يَقْرأ بِفَاتِحَة الكِتَاب ". وأجابوا عن حديث "من صلَّى خلفَ الإمامِ إلخ ... " بما قاله ابنُ حَجَرٍ من أن طرقَهُ كلَّها معلولةٌ، فلا تقومُ به حُجَّةٌ.وأما الآيةُ وحديثُ " إذا قرأ فأنصتوا " ونحوهما فهي عُموماتٌ في كلِّ قراءةٍ، وحديثُ عُبَادةَ خاصٌّ بالفاتحةِ.
قلتُ : ويطمئنُّ القلبُ إلى التفصيلِ الذي ذهبَ إليه الإمام مالكٌ، والإمام أحمدُ في إحدى الروايتين عنه لأنَّ أدلةَ الفريقين تجتمعُ فيه، فيحصل العملُ بها كلها؛ ولأنَّ قراءةَ الفاتحةِ تفوت المأمومَ في السرية إذا لم يقرأْهَا ولم يسمعْها من الإمامِ، ولا يكونُ للإمامِ فائدةٌ مادام المأمومُ يشتغلُ بالقراءةِ عن الإنصاتِ للإمامِ كما يتعينُ قراءةُ الفاتحةِ على المأمومِ الذي لا يسمعُها لِبُعْدٍ، أو لطَرَشٍ على ألا يشغلَ ذلك مَنْ بجانبِهِ من المصلين المنصتين.
* تبطلُ الصلاةُ بتركِها منَ المتعمِّدِ، والجاهلِ، والنَّاسِي؛ لأنها ركنٌ، والأركانُ لا تسقطُ مطلقًا.
* يجوزُ الجهرُ ببعضِ الآياتِ في صلاتِي الظهرِ، والعصرِ وخاصةً لقصدِ التَّعْليمِ.
* يُستَحبُّ تطويلُ الركعةِ الأولى على الثانيةِ من صلاةِ الصُّبْحِ.
* يجوزُ إطالةُ القراءةِ في صلاةِ المغرب، والدليل : عن جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضي اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقرأ في المَغْرِبِ " الطورِ".
* إنَّ الأحسنَ تخفيفُ الصلاةِ في السفرِ، ومراعاةِ حالَ المسافرين، ولو كان عند الإمامِ رغبةٌ في التطويلِ.
* ينبغي أن يكونََ أصحابُ الولاياتِ، والقياداتِ من أهلِ العِلْمِ، والفضلِ، والدِّينِ.
* إنَّ إخبارَ الوالي الأكبرِ عن أعمالِ الأمراءِ، والعُمَّالِ لقصدِ الإصلاحِ لا يُعَدُّ وِشَايةً ولا نميمةً.
بَابُ سُجُودِ السَهْوِ
* أسبابُ السجودِ له ثلاثةٌ :
1- إمَّا زيادةٌ في الصَّلاةِ.
2- أو نقصٌ فيها.
3- أو شَكٌّ.
وشُرِعَ سجودُ السهوِ إرضاءً للرَّحمن، وإغضابًا للشيطانِ، وجَبرًا للنقصانِ.
* يجوزُ السهوُ من الأنبياءِ عليهم السلام في أفعالِهم البلاغيةِ، إلا أنهم لا يُقَرُّونَ عليه. أمَّا الأقوالُ البلاغيةُ فالسهوُ فيها ممتنع على الأنبياء، ونُقِلَ في ذلك الإجماعُ.
* إنَّ الخروجَ من الصلاةِ قبل إتمامِها- مع ظَنِّ أنها تَمَّت- لا يقطعُها، بل يجوزُ البناءُ عليها، وإتمامُ الناقصِ منها.
* إنَّ الحركةَ التي من غيرِ جنسِ الصلاةِ لا تبطِلُ الصلاةَ ولو كَثُرَتْ إذا وقعتْ مِنَ الجاهلِ، والنَّاسِي.
* وجوبُ سَجْدَتَي السهْوِ لمن سها في الصلاةِ فزاد فيها، أو نقصَ منها ليُجبِرَ به الصلاةَ، ويُرغمَ به الشيطانَ.
* إنَّ سجودَ السَّهوِ لا يتعدد، ولو تعددتْ أسبابُه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلَّم ونَقَصَ الصلاةَ، ومع ذلك اكتفى بسجدتين.
* إنَّ سجودَ السهوِ يكونُ بعد السَّلامِ إذا سلَّمَ المصلي عن نقصٍ في الصلاة وما عداه يكون قبل السلام، وهو مذهب الحنابلة، وهو تفصيلٌ يجمع الأدلةَ، خلافا لمن قال : السجودُ كلُّه بعد السلام، وهو مذهب الحنفية، أوكلُّهُ قبل السلامِ، وهو مذهب الشافعيةِ.
* إنَّ سهوَ الإمامِ لاحِقٌ للمأمومينَ لتمامِ المتابعةِ، والاقتداء؛ ولأن ما طرأَ على صلاةِ الإمامِ من النقصِ يلحقُ من خلفَهُ من المصلِّين.
* التشهدُ بعد سجدتي السهوِ، فقد قالَ فيه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : ليس في شيءٍ من أقوالِهِ - صلى الله عليه وسلم -أمرٌ بالتشهدِ بعد السجودِ، ولا في الأحاديثِ الصحيحةِ المتلقاةِ بالقبولِ أن يتشهدَ بعد السجودِ، فلو كان تشهَّدَ لذَكَرَ ذلكَ مَنْ ذَكَر أنَّهُ تشهَّدَ. وعمدةُ من أثبتَ التشهدَ حديثُ عِمْرَانَ، وهو غَريبٌ ليس لمن رواه متابِعٌ، وهذا يُوهِي الحديثَ.
* يجبُ سجودُ السَّهْوِ لمن سها في الصلاةِ، وتركَ التشهدَ الأوَّلَ.
* إنَّ التشهدَ الأولَ ليس بركنٍ، ولو كان رُكْنًا، لما جبرَ النقصَ به سجودُ السَّهْوِ، ويُؤخذُ وجوبُهُ من أدلةٍ أخرى.
بَابُ المرُورِ بَيْنَ يَدَي المصَلِّي
* يحرمُ المرورُ بين يدي المصلي إذا لم يكن له سُتْرَةٌ، أو المرورُ بينه وبينها إذا كان له سترةٌ. (1/281)
* إنَّ الأولى للمصلِّي أن لا يُصليَ في طُرُقِ الناسِ، وفي الأمكنةِ التي لابُدَّ لهم من المرورِ بها؛ لئلا يُعَرِّض صلاتَهُ للنقصِ، ويُعَرِّضَ المارَّةَ للإثم. (1/281)
* أمَّا في مَكَّةَ، فقد قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : " لو صلَّى المصلِّي في المسجدِ، والناسُ يطوفون أمامَهُ لم يُكْرَهْ سواءٌ من مرَّ أمامه رجلٌ أو امرأةٌ ". (1/282)
* إنَّ مدافعةَ كلِّ صائلٍ تكون بالأسهل فالأسهل، فلا يجوزُ مبادرتُهُ بالشدَّةِ حتى تنفدَ وسائلُ اللِّينِ. (1/284)
* إذا كان العملُ في الصلاةِ لمصلحتِها فإنه لا يُنقِصُها ولا يبطِلُها؛ لأنه شيءٌ جائزٌ. (1/284)
* إنَّ إقرارَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من سنتِهِ؛ لأنه لا يُقِرُّ أحدًا على باطلٍ. (1/286)
* إنَّ مسَّ المرأةِ ولو بلا حائلٍ لا ينقضُ الوضوءَ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يغمزُ أمَّ المؤمنين عائشةَ وهو يصلي بظلامٍ فلا يَعْلمُ أيمسها من وراءِ حائلٍ أم لا ؟
ولا يُعرِّضُ صلاتَهُ للإبطال لو كان مسَّهَا بلا حائلٍ ينقضُ الوضوءَ، ولكن قيَّدَه العلماءُ بأن لا يكون لشهوةٍ. (1/287)
باب تحية المسجد
* اختلفَ العلماءُ في جوازِ فعلِ الصلواتِ ذَوَاتِ الأسبابِ كـ"تحيةِ المسجد"، أو "صلاةِ الكُسُوفِ" و "الجنازةِ" و"قضاءِ الفائتةِ" في أوقاتِ النَّهْي.
فذهبتِ الحنفيةُ، والمالكيةُ، والحنابلةُ : إلى المنعِ من ذلك لأحاديثِ النَّهْى. كحديث " لا صلاةَ بعد الصُّبحِ حتى تطلُعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصرِ حتى تغيبَ الشمسُ ".
وحديثِ " ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ ينهانا أن نصليَ فيهن ".
وذهب الإمامُ الشافعيُّ، وطائفةٌ من العلماءِ : إلى جوازِ ذلك بلا كراهيةٍ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، اختارها شيخُ الإسلامِ "ابن تيمية" مستدلين بحديث" إِذَا دَخَل أحَدُكُم الْمَسْجدَ فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يُصلِّيَ رَكْعَتْينِ "، وأمثالِهِ كحديث " مَنْ نَامَ عَنْ وتْرِهِ أوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلهِ إِذَا ذَكرَهُ".
وحديثِ : " إِنَّ الشمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، فَإذَا رَأيتمُوهما فَصَلوا ".
وكلٌ من أدلةِ الطَّرَفينِ عامٌّ من وجهٍ، وخاصٌّ من وجهٍ آخرَ، إلا أنَّ في إباحةِ الصلواتِ ذواتِ الأسبابِ في هذه الأوقات إعمالًا للأدلةِ كُلِّها، فيحملُ كلٌّ منها على مَحْمَلٍ، وإن في تلك الإباحةِ تكثيرًا للعبادةِ التي لها سَنَدٌ قويٌّ من الشَّرْعِ.
* يشرعُ تحيةُ المسجدِ لداخلِهِ، وذهب إلى وجوبِها الظَّاهِرِيَّةُ، لظاهرِ حديثِ " إِذَا دَخَل أحَدُكُم الْمَسْجدَ فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يُصلِّيَ رَكْعَتْينِ "، والجمهورُ ذهبُوا إلى استحبابِها.
* إنها مشروعةٌ لداخلِ المسجدِ في كلِّ وقتٍ، ولو كان وقتَ نَهْي؛ لعُمومِ الحديثِ. وقد تقدَّمَ الخلافُ فيها وفي غيرِها من ذواتِ الأسبابِ.
* يستحبُّ الوضوءُ لداخلِ المسجد؛ لئلَّا تفوته هذه الصلاةُ المأمورُ بها.
* قَيَّدَ العلماءُ المسجدَ الحرامَ بأن تحيتَهُ الطوافُ، لكن من لم يُرِدِ الطوافَ، أو يشقَّ عليه، فلا ينبغي أن يدعَ الصلاةَ، بل يصلي ركعتين.
بَابُ النّهي عَن الكَلامِ في الصَّلاةِ
* أجمع العلماءُ على بطلان صلاةِ مَنْ تَكَلَّمَ فيها عامدًا لغير مصلحتِها، عالمًا بالتحريم.
* اختلف أهلُ العلم في الساهي، والجاهل، والْمُكْره، والنائم، والمحذِّرِ للضرير، والمتكلمِ لمصلحتها:
فذهب الحنابلةُ إلى بطلان الصلاة في كل هذا، عملًا بما روي عَنْ زَيد بْنِ أرقَمَ رَضيَ الله عَنْهُ قال: "كُنَا نَتَكَلَّمُ في الصَّلاةِ يُكَلِّم الرَّجُلُ مِنَّا صَاحبَهُ وهُوَ إِلى جَنْبِهِ في الصلاةِ حَتى نَزَلَتْ (وقُومُوا لله قَانِتِينَ) فأُمِرْنَا بالسُّكوتِ ونُهيِنَا عَنِ الْكَلام"، وحديثِ "كُنَّا نُسَلم عَلَيكَ في الصَّلاةِ فَتَرُدّ عَلَيْنَا، قَالَ: إِن في الصَّلاةِ لَشُغْلا " متفق عليه، وغيرهما من الأدلة.
وذهب الإمامان "مالك" و "الشافعي" إلى صحةِ صلاةِ المتكلمِ جاهلاً، أو ناسيًا أنه في الصلاة، أو ظانًّا أن صلاتَهُ تمت فسلم وتكلم، سواء كان الكلامُ في شأن الصلاة، أو لم يكن في شأنِها، وسواء كان المتكلمُ إمامًا أو مأمومًا، فإنَّ الصلاةَ صحيحةٌ تامة، يُبنى آخرُها على أولِها.
وما ذهب إليه الإمامان مالكٌ، والشافعيُّ من عدمِ قطعِ الصلاةِ بكلام الجاهل، والساهى، والمحذر، والمتكلم لمصلحتها بعد السلام قبل إتمامِها، ذهب إليه أيضًا الإمام أحمدُ في روايات قويةٍ صحيحةٍ عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام "ابن تيمية"، وأدلة ذلك قويةٌ واضحة.
منها: حديثُ "ذي اليدين"، وكلامِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وذي اليدين وأبى بكرٍ وعمرَ، وسرعان الناس الذين خرجوا من المسجد، يرددون بينهم "قصرت الصلاة "، وما رواه مسلمٌ عن معاويةَ بن الحَكَمِ: بَيْنَما أنَا أُصَلي مَعَ النَبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذ عَطسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْم، فَقُلْتُ: "يَرحَمُك الله" فَرَمَاني الْقَومُ بِأبصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلاهُ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ؟ فَجَعَلُوا يَضْرُبون بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَمَا رَأيتهُم يُصْمِتُوني لكِنِّىِ سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " إن هذِهِ الصلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلام الناسِ" فلم يأمره بالإعادة، وحديثُ: " عُفِي لأمّتِي عنِ الخَطَأِ والنسْيَانِ ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" إلى غير ذلك من الأدلة، الصريحة الصحيحة.
* اختلف العلماءُ في النفخِ، والنحنحةِ، والتأوُّهِ،، والأنين، والانتحابِ، ونحو ذلك: فذهب بعضُهم- وهو المشهور من مذهب الحنابلةِ والشافعيةِ- إلى أنه يُبطلُ الصلاةَ إذا انتظمَ منه حرفان، فإن لم ينتظمْ منه حرفان، أو كان الانتحابُ من خشيةِ اللهِ، أو التنحنحُ لحاجةٍ، فمذهبُ الحنابلةِ أنه لا يُبطل الصلاةَ.
واختارُ الشيخُ "تقيُّ الدين" عدمَ الإبطالِ بهذه الأشياء، ولو بان منه حرفان؛ لأنها ليست من جنسِ الكلام، فلا يمكن قياسُها على الكلام.
وحكى عدمَ البطلانِ روايةٌ عن الإمامين مالكٍ وأحمدَ، مستدلين بحديث علي -رضي الله عنه- "كَانَ لي مِنْ رَسُولِ الله مَدخْلانِ باللَيل وَالنَّهَارِ، فَإذَا دَخَلْتُ عَلَيْه وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ" رواه أحمدُ، وابنُ ماجه. وقد نفخ النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاةِ الكسوف. وقال مُهَنَّا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة.
* ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أن هذا المبحثَ ينقسمُ إلى ثلاثة أقسامٍ:
فهناك الكلماتُ التي تدلُّ على معنى فيها مثل "يد" و "فم" وغير ذلك. وهناك كلمات تدل على معنى في غيرها مثل "عن" و "من" و "في" وما هو بسبيلها.
وهذان النوعان من الكلام يدلان على معنى بالوضع، وقد أجمع أهلُ العلم على إفساد هذا القسمِ للصلاة إن لم يكن له عذرٌ شرعي.
أما القسم الثاني في الكلامِ فهو ماله معنى بالطبع كالتأوهِ، والبكاءِ، والأنين، والأظهر أنه لا يُبطلُ الصلاةَ؛ لأنه ليس كلامًا في اللغة التي خاطبنا بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما القسم الثالث وهو النَّحْنَحَةُ فقد ورد من حديث علي قال: "كنت إذا دخلتُ عليه وهو يصلى تنحنح لي" ونُقِلَ عن الإمامِ أحمدَ روايتان فيه، إحداهما الإبطال، واختيار الشيخِ تقيِّ الدين عدمُ الإبطال بحال.
* قال شيخُ الإسلامِ في "الاختيارات": والأظهرُ أن الصلاةَ تبطلُ بالقهقهة إذا كان فيها أصواتٌ عاليةٌ تنافي الخشوعَ الواجبَ في الصلاة، وفيها من الاستخفافِ، والتلاعبِ ما يناقضُ المقصودَ من الصلاة، فأبطلت لذلك، لا لكونها كلامًا. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحكَ يُفسدُ الصلاة.
بَابُ الإبرادِ في الظُّهرِ من شدةِ الحرِّ
* يُستحبُّ تأخيرُ صلاةِ الظهر في شدةِ الحر إلى أن يبردَ الوقتُ، وتنكسرَ الحرارةُ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا اشتدَّ الحَرُّ فَأبردُوا عنِ الصلاةِ، فَإن شِدةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ".
* إنَّ الحكمَ يدورُ مع علتِهِ، فمتى وُجِدَ الحرُّ في بلد، وجدتْ فضيلةُ التأخير،وأما البلاد الباردة -فلفقدِها هذه العلةَ- لا يستحبُ تأخيرُ الصلاةِ فيها.
* يجوزُ السجودُ على حائلٍ من ثوبٍ، وغيرِه عند الحاجةِ إليه، من حر، وبرد، وشوك، ونحو ذلك. وبعضُ العلماءِ فصَّل في السجود على الحائل فقال: إن كان منفصلا عن المصلِّي كالسِّجادةِ، ونحوِها جاز ولو بلا حاجة بلا كراهة، وإن كان متصلا به كطَرَفِ ثوبِهِ فيُكرهُ إلا مع الحاجة.
بَابُ قضَاءِ الصَّلاةِ الفائتةِ، وتعجيلِها
* الصلاةُ لها وقتٌ محددٌ في أولِهِ وآخرِهِ، لا يجوزُ تقديمُ الصلاةِ قبلَهُ، كما لا يجوزُ تأخيرُها عنه في حقِّ العامدِ.
* فإذا نامَ عن الصلاةِ، أو نسيَها حتى خرجَ وقتُها، فقد سقط عنه الإثمُ لعذرِهِ، وعليه أن يبادرَ إلى قضائِها عند ذكرِهِ لها، ولا يجوزُ تأخيرُها فإنَّ كفارةَ ما وقع لها من التأخير المبادرةُ في قضائِها؛ ولذا قال: (وَأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). فتلاوةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيةَ عندِ ذِكْرِ هذا الحكمِ يفيدُ أنَّ المرادَ من معناها أن تُقامَ الصلاةُ عند تذكرِها.
* اختلفَ العلماءُ هل تجبُ المبادرةُ إلى فعلِها عند ذكرها، أو يجوزُ تأخيرُها؟ فذهب الجمهورُ من العلماءِ: إلى وجوبِ المبادرةِ، ومنهم الأئمةُ الثلاثةُ أبو حنيفةَ، ومالكٌ، وأحمدُ، وأتباعُهم.
وذهب الشافعيُّ إلى استحبابِ قضائِها على الفور، ويجوز تأخيرُها، واستدلَّ الشافعيُّ بأنه-صلى الله عليه وسلم- حين نام هو وأصحابُه لم يصلوها في المكانِ الذي نامُوا فيه، بل أمرهم فاقتادوا رواحلَهم إلى مكانٍ آخرَ، فصلَّى فيه، ولو كان القضاءُ واجبًا على الفور لصلَّوه في مكانهم.
واحتج الجمهورُ بحديثِ الباب حيث رَتَّبَ الصلاةَ على الذِّكْرِ، وأجابوا عن استدلالِ الشافعيٍِّ بأنه ليس معنى الفوريةِ عدمَ التأخرِ قليلًا لبعضِ الأغراضِ التي تُكَمِّلُ الصلاةَ وتُزَكِّيها، فإنه يجوزُ التأخيرُ اليسيرُ لانتظارِ الجماعة، أو تكثيرُها ونحو ذلك. هذا وقد أطال في هذا ابنُ القيم -رحمه الله- في كتاب "الصلاة"، وفنَّد الرأي القائلَ بجوازِ التأخير.
* اتفقَ العلماءُ على حصولِ الإثمِ العظيمِ الذي يلحقُ من أخرَها لغيرِ عُذْرٍ حتى خرجَ وقتُها.
* ذهبَ الأئمةُ الأربعةُ إلى وجوبِ القضاءِ عليه مع استحقاقِهِ العقوبةَ إلَّا أن يعفوَ اللهُ عنه.
* قالت طائفةٌ من السلفِ والخلف: من تعمَّدَ تأخيرُ الصلاةِ عن وقتِها من غير عُذْرٍ، فلا سبيلَ له إلى قضائِها أبدًا، ولا يُقبلُ منه، وعليه أن يتوبَ توبةً نَصُوحًا، فيكثرُ من الاستغفارِ ونوافلِ الصلوات.
* استدلَّ مُوجِبُو القضاءِ بأنه إذا كان القضاءُ واجبًا على الناسي والنائم وهما معذوران، فإيجابُهُ على غيرِ المعذورِ العاصي من بابِ أولى، وأيضًا فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى العصرَ بعدَ المغربِ يومَ الخندقِ هو وأصحابُهُ، ومعلومٌ أنهم كانوا غيرَ نائمين ولا ساهين، ولو حصل السهوُ من بعضِهم ما حصل منهم جميعًا، وانتصرَ لوجوبِ القضاءِ أبو عمرَ بنُ عبد البر.
* ومن الذَّاهبين إلى عدمِ القضاءِ الظاهريةُ، وشيخُ الإسلامِ ابن تيمية، وابنُ القيم، وقد أطال في كتاب "الصلاة" في سَوْقِ الأدلةِ، وردَّ حُجَجَ المخالفين.
* قال ابن القيم أوامرُ الشَّرْعِ على قسمين:
1- مطلقة.
2- ومؤقتة كالجمعة، ويوم عرفة.
فمثلُ هذه العباداتِ لا تُقبلُ إلا في أوقاتِها، ومنها: الصلاةُ المؤخرةُ عن وقتِها بلا عُذْرٍ.
* قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: عدمُ قبولِ قضائِها من المفرِّطِ في تأخيرِها بعد الوقت، فليس لأنه أخفُ من المعذُورين، فإن المعذورين ليس عليهم لائمةٌ، وإنما لم تقبل منه عقوبةً وتغليظًا عليه.
* أما كلامُ شيخِ الإسلامِ في الموضوع، فقد قال في "الاختيارات": وتاركُ الصلاةِ عمدًا، لا يشرعُ له قضاؤها، ولاتصح منه، بل يكثرُ من التَّطوعِ، وهو قول طائفةٍ من السلف كأبي عبد الرحمنِ صاحبِ الشافعي، وداودَ وأتباعِهِ، وليس في الأدلةِ ما يخالفُ هذا، بل يوافقُهُ. وقد مال إلى هذا القولِ الشيخُ صديقُ حسن في كتابه "الروضة الندية"
باب جواز إمامة المتنفل بالمفترض
* اختلفَ العلماءُ في صحةِ إمامةِ المتنفلِ بالمفترض:
فذهب الزُّهريُ، ومالكٌ، والحنفيَّةُ إلى: عدمِ صحة ذلكِ، وهو المشهورُ عن الإمامِ أحمدَ، واختاره أكثرُ أصحابِهِ، مستدلين بقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: " إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيؤتمّ بِهِ فَلا تَختلِفُوا عَلَيهِ" متفق عليه، واختلافُ نيةِ المأمومِ عنه اختلافٌ عليه.
وذهب عطاءٌ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وهو روايةٌ قوية عن الإمامِ أحمدَ: أنها تصحُ، واختارها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ مستدلين بما روي عن جَابِر ِبن عَبْدِ الله -رَضي الله عَنْهُمَا-: أنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَل ٍكَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- الْعشَاءَ الآَخِرَةَ. ثم يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فيُصلي بهم تِلْكَ الصلاةَ.الذي معنا، فإنه كان يصلى الفريضةَ خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجدِهِ، ثم يخرج إلى قومه فيصلى بهم.
مِنْ أدلةِ مُصَحِّحِي صلاةِ المفترضِ خلفَ المتنفِّلِ: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بطائفةٍ من أصحابِهِ في صلاةِ الخوف ركعتين، ثم سلَّمَ، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، ثم سلم. رواه أبو داودَ، وهو في صلاته الثانيةِ متنفِّلٌ.
*المخالفةُ المنهيُّ عنها في الحديث، أن لا يقتديَ به في تنقلاتِهِ ورفعِهِ وخفضِهِ، فإنه بعد أن قال: "إنما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ به" قال: " فإذا كَبَّرَ فكبِّرُوا ولا تكبروا حتى يُكَبِّرَ. إلخ".
*يجوزُ إمامةُ المفترِضِ بالمتنفِّلِ بطريق الأولى.
* يجوزُ إعادةُ الصلاةِ المكتوبةِ لاسيما إذا كان هناك مصلحةٌ، بأن يكونَ قارِئًا فيؤمَّ غيرَ قارىءٍ، أو يدخلَ المسجدَ بعد أن صلَّى منفردًا، فيجدَ جماعةً فصلاتُهُ معهم تُكَمِّلُ نقصَ صلاتِهِ الأُولى وحده.
بابُ حُكْمِ سترِ أحدِ العَاتقينِ في الصلاة
* ذهب الإمامُ أحمدُ في المشهورِ عنه إلى: وجوبِ سَتْرِ أحدِ العاتقينِ في الصلاة مع وجوبِ السُترة، أخذًا بظاهرِ حديثِ "لا يُصَلِّ أحدُكم في الثوبِ الواحدِ ليس على عاتقِهِ من شيءٌ".
وبعضُ أصحابِهِ خصَّ ذلك بالفرضِ دون النافلة، فإن صلَّى بلا سُترةٍ لعاتقِهِ، أو أحدِهما لم تصحْ صلاتُهُ.
* وذهبَ الجمهورُ-ومنهم الأئمةُ الثلاثةُ- إلى الاستحبابِ، وأن النهيَ في الحديثِ ليس للتحريمِ، مستدلين بما في الصحيحين عن جابرٍ "وإن كان ضَيْقًا اتَّزَرَ به"، وحملوا النَّهْيَ على التنزيهِ، والكراهة.
* يستحب ُكونُ المصلِّي على هيئةٍ حَسَنَةٍ.
بَابُ ما جَاءَ في الثُّومِ، والبصلِ، ونحوِهما
* يُنهَى عن إتيانِ المساجدِ مَنْ أكل ثُوْمًا، أو بصلًا، أو كُرَّاثًا.
* يُلحقُ بهذه الأشياءِ كلُّ ذي رائحة ٍكريهةٍ تتأذى منها الملائكةُ، أو المصلون كرائحةِ التَّبْغِ الذي يتعاطاه المدخِّنون، فعلى من ابتلى به ألا يتعاطاه عند ذَهَابِهِ إلى المسجد، وأن ينظفَ أسنانَهُ، وفمَهُ حتى يقطعَ رائحتَهُ ،أو يخففَها.
* يُكره أكلُ هذه الأشياءِ لمن عليه حضورُ الصلاةِ في المسجد، لئلا تفوتَهُ الجماعةُ في المسجد، ما لم يأكلْها حِيلةً على إسقاطِ الحضور، فيحرُم.
بابُ كَيفيةِ الصَّلاَةِ على النبي -صلى الله عليه وسلم-
* ذهب الإمامان الشافعيُّ، وأحمدُ إلى وجوبِ الصلاةِ على النبي -صلى الله عليه سلم- في التشهدِ الأخيرِ من الصلاة، ولو تُرِكَتْ لم تصحّ الصلاةُ مستدلين بقولِهِ -صلى الله عليه وسم- حين سألوه: كيف نُصلِّي عليك؟ قال: قولوا اللهمَّ صلِّ على محمدٍ. الحديث.
* وذهب الإمامان أبو حَنيفةَ، ومالكٌ، وكثيرٌ من العلماءِ إلى أنها سنة؛ لقولِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ساقَ التشهدَ: "إذا فعلتَ هذا، فقد قضيت صلاتَك".
بابُ الدّعاءِ بعد التشهدِ الأخير
* يستحبُ دعاءُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّار، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمسِيحِ الدَّجَّالِ" عقبَ التشهدِ الأخير ِكما هو صريحٌ بتقييدِهِ بهذا المكانِ في صحيحِ مسلمٍ.
* يستحبُ دعاءُ "اللَّهُم إني ظَلَمْتُ نَفْسي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فَاغْفِر لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إِنَّك أنْتَ الغَفُور الرَّحِيمُ" في الصلاة.
* ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أنَّ المشهورَ عن الإمامِ أحمدَ أنه لايدعو في الصلاةِ إلا بالأدعيةِ المأثورة، وصَرَفَ التخيرَ في قوله "ثم لِيَخترْ من الدعاءِ ما شاء" إلى أن يختارَ من الأدعيةِ التي وردت في الخبر، حينئذ فالدعاءُ المستحبُّ هو الدعاءُ المشروع، أما إذا دعا بدعاءٍ لا يُعلمُ أنه مستحبٌ، أو على أنه جائزٌ غيرُ مستحبٍ فإنه لا تبطلُ صلاتُهُ بذاك، وقد حصل مثلُ هذا من بعض الصحابة في عهد الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- فلم يُنْكِرْ عليه، وإنما نفى ماله فيه من الأجر.
* أما دعاءُ الإمامِ والمأمومين جميعًا عقب الصلاةِ، فلم يُنقلْ هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يفعلُهُ في أعقابِ الصلواتِ المكتوباتِ، كما كان يفعلُ الأذكارَ المأثورةَ عنه.
* بناءً على ما رَجحَ من عدمٍ مشروعيةِ الدعاء بعد السلامِ من الصلاة، يظهرُ عدمُ مشروعيةِ رفعِ اليدين في هذا الموطن.
باب الوتر
* الاقتصارُ على ركعةٍ واحدةٍ في النافلة في غير الوتر، فعن أحمدَ فيه روايتان، والرواية التي عليها المذهبُ هي الجواز، أما الرواية الأخرى فهي المنعُ في التنفلِ بركعةٍ واحدة، وهذا ظاهر ما يراه الْخِرَقِيُّ، وقد قوَّاه ابنُ قُدَامةَ في المغنى بقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةُ الليلِ مَثْنَى مثنى".
* الأفضلُ أن الوترَ يكون بعد صلاةِ شَفْعٍ، فتقديمُ شفعٍ قبل الوترِ هو السُّنةُ.
* الاقتصارُ في الوترِ على ركعةٍ واحدةٍ لم يتقدمْها شفعٌ جائز، فقد جاء في حديثِ أبي أيوبَ مرفوعاً "ومن شاءَ أوترَ بواحدة" رواه أبو داودَ، والنَّسَائي، وصححه ابنُ حِبَّانَ، والحاكم. وصحَّ عن جماعةٍ من الصحابة أنهم أوتروا بواحدةٍ من غيرِ تقدمِ نفلٍ قبلَها.
* يستحبُ الوترُ، وقد قيل بوجوبِهِ، الراجح أنه ليس بواجبٍ، لكنَّهُ من أفضلِ التطوعاتِ،؛ لكثرةِ النصوصِ في الأمر به وفضلِهِ، وكونِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لم يتركْهُ في حَضَرٍ ولا سفر.
* اتَّفقَ العلماءُ أن ابتداءَ وقتِهِ بعد صلاةِ العشاءِ، واختلفوا في نهايتِهِ فذهب مالكٌ، والشافعيُّ، وروايةٌ عن أحمدَ إلى أن نهايتَهُ صلاةُ الصبحِ.
* وذهبَ الإمامُ أحمدُ في المشهورِ من مذهبِهِ إلى أن وقتَهُ ينتهي بطلوعِ الفجر، وجزمَ بها في المغنِي، وعليها الحنابلةُ المتأخِّرون.
* قال في المغنى: إنه يكون بعدَ الفجر قضاءً، وممن ذهب إلى هذا صاحبا أبي حنيفةَ، والثوريُّ، وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ: من نام عن صلاةِ وترِهِ يصليه ما بين طلوعِ الفجرِ، وصلاة الصبح، كما فعل ذلك ابنُ عمرَ، وعائشةُ وغيرُهما. وقد روى أبو داودَ بسندِهِ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله: "من نام عن وترِهِ أو نسيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذا أصبحَ أو ذكر".
بَابُ الذِّكرِ عَقب الصَّلاةِ
* يُسْتَحبُّ الذكرُ بعدَ الصلاة؛ لما فيه من الفوائدِ الجليلةِ، والمتابعةِ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
* يستحبُّ رفعُ الذَّاكرِ صوتَهُ بالذِّكرِ، لفعلِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وفعلِ أصحابِهِ معه.
* يُنهى عن إضاعةِ المال، أي إنفاقُهُ في غير الطرق المشروعة، فقد جعل الله الأموالَ؛ لقيامِ مصالحِ الناس، وفي تبذيرِها تفويتٌ لتلك المصالح، وطرقُ الإنفاقِ ثلاثٌ:
فهناك الإنفاق المذموم وهو: بذلُ المالِ في الأمورِ المذمومةِ شرعًا سواءٌ أكان قليلًا أم كثيرًا.
والإنفاقُ المحمودُ هو: بذلُهُ في الخير والبر، ما لم يُفَوِّتْ حقًا آخرَ أهمَّ منه.
أما الثالث فهو: الإنفاقُ في المباحاتِ، وملاذِّ النفسِ المباحة، فالجائز أن ينفقَ كلٌّ على قدرِ حالِهِ بدون إسرافٍ.
بَابُ الخشُوعِ في الصَّلاةِ
* نُهِىَ عن الصلاةِ حالَ حضورِ الطعامِ، أو مدافعةِ الأَخْبَثَينِ؛ لأن في ذلك مشغلةً عن الصلاة.
* ذَهَبَ الجمهورُ من العلماءِ إلى صحةِ صلاةِ من غَلَبَتْ على صلاتِهِ الوساوسُ ولكن مع نقصِ ثوابِها. وذهب أبو حامدٍ الغَزَالي، وابنُ الجوزي إلى بطلانِها.
* إنَّ اشتغالَ القلبِ اليسير لا يقدحُ في الصلاة.
* يُكرهُ تزويقُ المساجدِ، ونقشُها، والكتابةُ فيها؛ لما يجلُبُهُ من اشتغالِ المصلِّين في النظرِ إليها.
* يجوزُ لُبْسُ الملابسِ المعَلَّمةِ للرجال.
* لا بأسَ من ردِّ الهديةِ؛ لسببٍ، ولكن مع بيانِ السببِ لصاحبِها؛ حتى لا يقعَ في قلبِهِ شيءٌ.
إلى هنا.