أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 يناير 2021

الزهر النضر في حال الخضر -لابن حجر العسقلاني

الزهر النضر في حال الخضر

لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)


تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن بركة العلم تكمن في تلقيه عن العلماء الأكابر، والعلماء لا يُمكن أن ينقطعوا في أيِّ زمان، وها نحن نقف مع جوهرةٍ نفيسة من كنوز التراث الإسلامي العظيم، وهو كتاب (الزهر النضر في حال الخضر) لشيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، صاحب "فتح الباري"، الذي فنَّد في كتابه هذا دعوى حياة الخضر -عليه السلام، وبيَّن للناس أبعاد هذه الدسيسة العمياء، وخطرها المستطير على عقيدة الأمة وشريعتها..

وكان أول من أشاع هذه الدعوى بين المسلمين هم المتصوفة (نابتة القرن الثالث الهجري)، وقد أخذوا ذلك عن بعض أهل الكتاب، وفكرة الحياة المستمرة لبعض الأشخاص كالخضر تُشبه عقيدة "المهدي والسرداب" عند الشيعة، فيزعم المتصوفة أن الخضر حيٌّ يسيح في البراري والصحاري والقفار، وأنه يحجُّ كل عامٍ إلى مكة مع إلياس، ويشرب من ماء زمزم فيكون ذلك قوته إلى العام القابل، وأنه تُعرض عليه الأرواح والأرزاق بالغدو والعشي!! وادَّعى بعضهم رؤيته والالتقاء به، والتلقي عنه، ولهم عنه أوراد وأحزاب وتمائم ما أنزل الله بها من سلطان..

وقد سوَّد هؤلاء الخرافيون صفحات متتالية من الرعونة وخفَّة العقل، وكالعادة يكذبون الكِذبة ويصدقونها، ثم يطلبون من الناس تصديقها، وقد ضلَّ بسببهم أناسٌ كثير؛ حتى ظهر فيهم من يزعم أن الولاية أعظم من النبوة.

يقول الحافظ ابن حجر في هذا الكتاب نقلاً عن أكابر علماء عصره (ص 29): "وَكَانَ بعض أكَابِر الْعلمَاء يَقُول: أول عقدَة تحل من الزندقة اعْتِقَاد كَون الْخضر نَبيا، لِأَن الزَّنَادِقَة يتذرعون بِكَوْنِهِ غير نَبِي، إِلَى أَن الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي كَمَا قَالَ قَائِلهمْ:

(مقَام النُّبُوَّة فِي برزخ ... فويق الرَّسُول وَدون الْوَلِيّ)

وكانت دعوى حياة الخضر باباً واسعاً لدى المتصوفة وغيرهم في تحريف معاني الكتاب والسُّنة، وإظهار الفضل والصلاح، فزعموا اختصاصهم بالعلم الباطن، ومن ثمَّ تهافتت الدعاوى في نسبة الآيات لأشياخهم، مثل طي الأرض، والمشي على الماء، ومحادثة الخضر، وكانت مثل هذه الحكايات تستهوي شريحة عريضةً من السُّذج والبسطاء، الذين لا علم لديهم بحقيقة كذب هؤلاء، والشاهد أنهم جعلوا من الخضر مصدرً لاختصاصهم بالعلم الباطن..

ولا تزال تطلع على سوء خباياهم،تارةً في بعض الكتابات، وتارةً في لحن القول، لا سيما طواغيت الشيوخ الطافين على السطح؛ والذين يسيحون في الناس سياحة الدجال، وما على الأرض فتنةٌ أعظم منه، ليأكلوا أموال الناس بالباطل، كل ذلك باسم الكرامات والأولياء ومحبة الصالحين؛ فاستبدلوا العقيدة الصافية بالوثنية الجاهلية…

وأطلق متأخروهم العنان لأنفسهم في وضع الأحاديث في حياة الخضر وإثبات لقائه، مع أنه لم يثبت في حديثٍ واحد أن الخضر على قيد الحياة، بل جميع الأحاديث التي تُثبت حياته واهيةٌ أو موضوعة، وأما الأحاديث التي تُثبت موته فكثيرةٌ وصحيحة، وآيات الكتاب شاهدةٌ لها، 

 ولم تعدم الأمة موازين الحق التي تُميز به بين الصواب والخطأ، وهذا كتاب الله عز وجل وسُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حاضرين بين أيدينا، لم تأفل شمسهما، ولا غار نبعهما، نستدلُّ بهما على الصحيح الموافق، ونردُّ بهما الضعيف الباطل، ولذا نقول ونحن مُطمئنين إننا لم نجد في كتاب الله عز وجل ولا في سنة النبيِّ الصحيحة ما يدلُّ على استمرار حياة الخضر، ولذا فإننا نرفض أقوال هؤلاء ولا كرامة، مهما زعموا وكابروا … 

وفي هذا الكتاب ناقش الإمام الحافظ ابن حجر مسألة حياة الخضر من خلال دراسة الروايات الواردة في ذلك، باستقصاء فريد، وقراءة واعية مستوعبة، يطمئن إليها القلب، وذكر فيه أخيار كثير من يزعمون لقاء الخضر، 

وقد ذكر الحافظ ترجمةً موسعة للخضر في كتابه "الإصابة" لأنه اشترط أن يذكر فيه كل من قيل فيه إنه صحابي، وإن لم يثبت عنه ذلك. وقد نشر هذا الكتاب في "مجموعة الرسائل المنبرية"(2/ 195 -234) وقد قال الحافظ في آخرها (ص 234): "والذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته".

تعريف مختصر بالخضر عليه السلام

وقبل البدء في هذا الكتاب لا بُد من مُقدمة تُلخص لنا حال الخضر، فنقول: الخضر -بفتح الخاء وكسر الضاد، ويجوز إسكان الضاد - واسمه:  بليان بن ملكان على الأشهر، وكنيته: أبو العباس، ولقبه الخضر.

وسُمي الخضر؛ قيل: لنضرته وإشراقه، وقيل: لأنه ما جلس في مكانٍ إلا واخضرَّ من تحته، وهو الذي صاحب موسى بن عمران عليه السلام في القصة المعروفة.

وردت قصة الخضر عليه السلام في القرآن الكريم في سورة الكهف من الآية (60 -82)، وكذلك ورد خبره في السُّنة النبوية المطهرة من طرقٍ عن أُبيِّ بن كعب، عند الشيخين وغيرهما.

وهو نبيٌُّ في قول جماهير المُحققين، قال الثعلبي في "البحر المحيط": "هو نبيٌّ في جميع الأقوال"، وقال القرطبي في "تفسيره": "الخضر نبيٌّ عند الجمهور"، 

* من أهم ما نستخصله منها: لا يعلمه هو على علم من علم الله لا يعلمه موسى:

(1) أن الله تعالى أراد أن يؤدب موسى عليه السلام الذي قال جواباً عن سؤالٍ: (لا أعلم على الأرض أعلم مني): أنه كان يجب أن يرد علم ذلك إلى الله تعالى، فأراه الله سبحانه أن هناك عبداً.

(2) أن الخضر أخبر موسى بأن علمه وعلم موسى بجوار علم الله لا يساوي شيئاً.

(3) أن الشريعة التي كان عليها الخضر لم تكن في حقيقتها مخالفة للشريعة التي عليها موسى عليه السلام، وإنما كان يخفى على موسى الحكمة التي من أجلها فعل الخضر ما فعله.

(4) وجود الخضر على دين وشريعة غير شريعة موسى كان أمراً سائغاً وسنة من سنن الله قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام.

هذه هي قصة الخضر عليه السلام في الكتاب والسنة، ولكن المتصوفة جعلوا من هذه القصة شيئاً يختلف تماماً عما أراده الله منها، فكانت فتنةً لهم، لأنهم زعموا أن الخضر عليه السلام حيٌّ إلى أبد الدهر، وأنه صاحب شريعةٍ وعلمٍ باطني، يختلف عن علوم الشريعة الظاهرة، وأنه وليٌّ وليس بنبي، وأن علمه علم لدنُّي موهوب من الله بغير وحي الأنبياء، وأن هذه العلوم أكبر وأعظم من العلوم التي مع الأنبياء، كما زعموا أن الخضر وهو وليٌّ فقط كان أعلم من موسى؛ فكذلك الأولياء من أمة محمد. 

كلام الإمام ابن الجوزي حول حياة الخضر

يقول ابن الجوزي -رحمه الله -فيما نقله عنه ابن القيم في "المنار المنيف" (ص 69): "والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين من العلماء والمعقول.

أما القرآن؛ فقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} (الأنبياء: 34) فلو دام الخضر كان خالداً.

زاد ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/ 265 -267)، عن ابن الجوزي، قال: فالخضر، إن كان بشراً، فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله. قال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} (آل عمران: 81)، قال ابن عباس: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد، وهو حي، ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق: لئن بعث محمد وهم أحياء; ليؤمنن به ولينصرنه.(ذكره البخاري).

 فالخضر إن كان نبياً أو ولياً؛ فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حياً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم; لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه؛ لأنه إن كان ولياً؛ فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا; فموسى أفضل منه.

وقد روى الإمام أحمد في (مسنده): عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني» وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة، أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانوا كلهم أتباعاً له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه.

فإذا علم هذا -وهو معلوم عند كل مؤمن -علم أنه لو كان الخضر حيا، لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وممن يقتدى بشرعه، لا يسعه إلا ذلك.

والمعلوم أن الخضر، لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد، وهذا يوم بدر، يقول الصادق المصدوق، فيما دعا به لربه، عز وجل، واستنصره، واستفتحه، على من كفره: «اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد بعدها في الأرض»، وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة، حتى جبريل، عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له، في بيت يقال: إنه أفخر بيت قالته العرب:

وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد

فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته، وأعظم غزواته. انتهى.

قال: وأما السنة؛ فحديث: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد) متفق عليه.

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل: (ما من نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حية).

أما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذكر عن البخاري، وعلي بن موسى الرضا: أن الخضر مات. وأن البخاري سئل عن حياته؟ فقال: "وكيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد).

قال: "وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي وهما إمامان، وكان ابن المنادي يُقَبِّحُ قول من يقول إنه حي.

وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد، وذكر عن بعض أهل العلم: أنه احتج بإنه لو كان حياً؛ لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال: حدثنا أحمد، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)، فكيف يكون حياً ولا يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة والجماعة ويجاهد معه؟

ألا ترى أن عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم لئلا يكون ذلك خدشاً في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم!!.

أما الدليل من المعقول فمن عشرة أوجه:

أحدها: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين: (أحدهما): أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ، ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر. (والثاني): أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده -كما زعموا-وإنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرطٌ في الطول والعرض.

 (الوجه الثاني) جاء في الصحيحين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلق الله آدم طوله ستون ذراعاً؛ فلم يزل الخلق ينقص بعد) وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.

(الوجه الثالث): أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد.

(الوجه الرابع): أنه قد اتفق العلماء أن نوحاً لما نزل من السفينة مات من كان معه ثم مات نسلهم ولم يبق غير نسل نوح، والدليل على هذا قوله تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين} (الصافات: 77) وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.

(والوجه الخامس): أن هذا لو كان صحيحاً أن بشرا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع؛ لأنه من أعظم آيات الربوبية، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر، ولهذا قال بعض أهل العلم ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.

(والوجه السادس): أن القول بحياة الخضر قولٌ على الله بلا علم وذلك حرام بنص القرآن.

أما المقدمة الثانية فظاهرة.

وأما الأولى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة؛ فهذا كتاب الله تعالى: فأين فيه حياة الخضر؟ 

وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه؟ وهؤلاء علماء الأمة هل أجمعوا على حياته ؟.

(الوجه السابع): أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر؛ فيا لله العجب: هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟! وكثير من هؤلاء يغتر بقوله: أنا الخضر ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله؛ فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟

(الوجه الثامن): أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه وقال له: {هذا فراق بيني وبينك} (الكهف: 78)؛ فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة، الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئا؟ وكل منهم يقول قال الخضر وجاءني الخضر وأوصاني الخضر‍‍‍‍‍‍‍!

فيا عجبا له! يفارق كليم الله تعالى !! ويدور على صحبة الجهال ومن لا يعرف كيف يتوضأ ولا كيف يصلي؟!

(الوجه التاسع): أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا وكذا، لم يُلتفت إلى قوله ولم يحتج به في الدين، إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.

(الوجه العاشر): أنه لو كان حياً لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله ومقامه في الصف ساعة وحضوره الجمعة والجماعة، وتعليمه العلم أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات، وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له؟

جواب شيخ الإسلام ابن تيمية على 

من يدَّعي حياة الخضر عليه السلام

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السُّنة النبوية" (4/ 93 -94): واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل، فمن الذي يسلم لهم بقاء الخضر. والذي عليه سائر العلماء المحققين أنه مات، وبتقدير بقائه فليس هو من هذه الأمة. ولهذا يوجد كثير من الكذابين من الجن والإنس ممن يدعي أنه الخضر ويظن من رآه أنه الخضر، وفي ذلك من الحكايات الصحيحة التي نعرفها ما يطول وصفها هنا". 

ويقول في "مجموع الفتاوى" (27/ 101 -102): " وعامة ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب وبعضها مبني على ظن رجل: مثل شخص رأى رجلا ظن أنه الخضر وقال: إنه الخضر؛ كما أن الرافضة ترى شخصا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم أو تدعي ذلك"

جواب شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال 

بتفضيل الولاية على النبوة والرسالة

يعتقد كثيرٌ من المتصوفة  أن الولي أفضل من النبيّ من كل الوجوه أو من بعضها، ويستدلون على ذلك بقصة الخضر، وهذا باطلٌ بإجماع المسلمين..

في الجواب عن ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مختصر الفتاوى المصرية" (ص 560 -561): "وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على أَن مُوسَى أفضل من الْخضر؛ فَمن قَالَ إِن الْخضر أفضل: فقد كفر، وَسَوَاء قيل: إِن الْخضر نَبِي أَو ولي، وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِنَبِي بل أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل الَّذين ابتعوا التَّوْرَاة وَذكرهمْ الله تَعَالَى كداود وَسليمَان أفضل من الْخضر بل على قَول الْجُمْهُور أَنه لَيْسَ بِنَبِي فَأَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا أفضل مِنْهُ.

وَكَونه يعلم مسَائِل لَا يعلمهَا مُوسَى لَا يُوجب أَن يكون أفضل مِنْهُ مُطلقًا كَمَا أَن الهدهد قَالَ لِسُلَيْمَان {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} (النمل: 22) لم يكن أفضل من سُلَيْمَان. 

وكما أَن الَّذين كَانُوا يُلَقِّحُونَ النّخل لما كَانُوا أعلم بتليقحه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجب من ذَلِك أَن يَكُونُوا أفضل مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَالَ لَهُم: (أَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم، أما مَا كَانَ من أَمر دينكُمْ فَإِلَيَّ) /رواه مسلم/.

وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يتعلمون مِمَّن هم دونهم علم الدّين الَّذِي هُوَ عِنْدهم، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لم يبْق بعدِي من النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة) /رواه مسلم/، وَمَعْلُوم أَن ذُرِّيتهمْ فِي الْعلم أفضل مِمَّن حصلت لَهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة.

وَغَايَة الْخضر أَن يكون عِنْده من الْكَشْف مَا هُوَ جُزْء من أَجزَاء النُّبُوَّة فَكيف يكون أفضل من نَبِي فَكيف بالرسول فَكيف بِأولى الْعَزْم".

وقال رحمه الله أيضاً في "مجموع الفتاوى" (27 /100): "ومن قال إنه نقيب الأولياء أو أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل. والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ولم يكن مختفياً عن خير أمة أخرجت للناس".

وقال أيضاً (11/ 422): "فإن من الأولياء من يسوغ لنفسه الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى، وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن متابعة الرسول في عموم أحواله أو بعضها، وكثير منهم يفضل الولي في زعمه: إما مطلقاً، وإما من بعض الوجوه على النبي زاعمين أن في قصة الخضر حجة لهم وكل هذه المقالات من أعظم الجهالات والضلالات؛ بل من أعظم أنواع النفاق والإلحاد والكفر".

وقال رحمه الله في "الفتاوى" (13/ 266): "وقد يحتج بعضهم بقصة موسى والخضر ويظنون أن الخضر خرج عن الشريعة؛ فيجوز لغيره من الأولياء ما يجوز له من الخروج عن الشريعة وهم في هذا ضالون من وجهين: 

(أحدهما) أن الخضر لم يخرج عن الشريعة؛ بل الذي فعله كان جائزاً في شريعة موسى؛ ولهذا لما بين له الأسباب أقره على ذلك.

ولو لم يكن جائزا لما أقره ولكن لم يكن موسى يعلم الأسباب التي بها أبيحت تلك، فظن أن الخضر كالملك الظالم فذكر ذلك له الخضر. 

(والثاني) أن الخضر لم يكن من أمة موسى ولا كان يجب عليه متابعته؛ بل قال له: إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه.

 وذلك أن دعوة موسى لم تكن عامة؛ فإن النبي كان يبعث إلى قومه خاصة ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة؛ بل بعث إلى الإنس والجن باطناً وظاهراً؛ فليس لأحد أن يخرج عن طاعته ومتابعته لا في الباطن ولا في الظاهر؛ لا من الخواص ولا من العوام".

مقال ابن أبي العزِّ الحنفي شارح الطحاوية في "الخضر"

قال رحمه الله في "شرح الطحاوية" (2/ 774): "وأما من يتعلق بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، الذي يدعيه بعض من عدم التوفيق: فهو ملحد زنديق. 

فإن موسى عليه السلام لم يكن مبعوثاً إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأموراً بمتابعته. ولهذا قال له: أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. 

ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين، ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى عليه السلام إلى الأرض، إنما يحكم بشريعة محمد، فمن ادعى أنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، أو جوز ذلك لأحد من الأمة: فليجدد إسلامه، وليشهد شهادة الحق، فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله، وإنما هو من أولياء الشيطان. وهذا الموضع مفرق بين زنادقة القوم وأهل الاستقامة".

كتب أخرى حول حياة الخضر:

(1) جزء في أخبار الخضر؛ لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي البغدادي ( ت 236 هـ).

(2) جزء في أخبار الخضر؛ لعيد المغيث بن زهير الحربي الحنبلي البغدادي (ت 583 هـ).

(3) عجالة المنتظر في شرح حال الخضر؛ لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597 هـ)، وهذا في نقض ما كتبه عبد المغيث الحربي؛ ولابن الجوزي مجلد في موت الخضر، ومختصرٌ له أيضاً.

(4) إرشاد الإخلاص لحياة الخضر وإلياس؛ لمحمد بن أبي الخير أحمد القزويني (ت 620 هـ).

(5) رسالة في الخضر، هل مات، أم هو حي؟؛ لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 هـ).

(6) جزء في وفاة الخضر؛ لمحمد بن علي بن عبد الواحد الدكالي، المعروف بـ"ابن النقاش" (ت 763 هـ).

(7) جزء في حياة الخضر؛ لعبد الله بن أسعد اليافعي (ت 768 هـ).

(8) الروض النضر في أنباء الخضر؛ لأبي الفضل العراقي (ت 806 هـ).

(9) جزء في الخضر؛ للقاضي عليم الدين البساطي (ت 842 هـ).

(10) الزهر النضر في حال الخضر؛ لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ).

(11) القول المنتصر على المقالات الفارغة بدعوى حياة الخضر؛ للحسين بن عبد الرحمن الأهدل (ت 855 هـ).

(12) رسالة في الخضر؛ لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ).

(13) كشف الخدر عن أمر الخضر؛ لملا علي القاري الهروي (ت 1014 هـ).

(14) القول المقبول في الخضر: هل هو نبي أم ملك أم رسول؛ لأحمد بن محمد بن علي المعروف بالغنيمي

(ت 1034 هـ).

(15) القول الدال على حياة الخضر ووجود الأبدال؛ لنوح بن مصطفى الحنفي (ت 1070 هـ).






الاثنين، 25 يناير 2021

العرف الوردي في أخبار المهدي -لجلال الدين السيوطي

العرف الوردي في أخبار المهدي

لجلال الدين السيوطي

(849 -911 هـ)

تحقيق أبي يعلى البيضاوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ تواترت الآثار النبوية، واستفاضت الأخبار المرضيَّة بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان، وأحاديثه الواردة فيه معروفة، رواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم، وأشهرها حديث عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجوراً). وحديث أم سلمة عند الترمذي، وأبو داود، وفيه (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).

وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وثوبان، وأنس بن مالك، وجابر، وابن عباس وغيرهم. وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة، إلا أنها مما يُقوي بعضها بعضاً، ويشدُّ بعضها بعضاً.

وفي هذا الوقت نجد أن كثيراً من الناس يتشككون في أمر المهدي، ويتساءلون هل يجب الإيمان به أم لا ؟ بناءً على ما يُثار أن أحاديثه قطعية أم ظنية ؟!! ويعتبر كتاب الحافظ السيوطي (العُرف الوردي في أخبار المهدي): من أجمع الكتب وأكثرها زخماً فيما يتعلق بأخبار المهدي، حيث تضمن (257) حديثاً وأثراً عن المهدي. 

وقد اعتمد السيوطي في كتابه هذا على كتاب (الفتن) لنُعيم بن حماد المروزي (ت 229 هـ). حيث لخص ما في الأربعين حديثاً التي ذكرها نعيم بن حماد في "المهدي"، وزاد عليها ما فاته، ورمز له بحرف (ك).

اختلاف الناس في المهدي

وقد تباينت آراء الناس في المهدي، بعد اتفاقهم على ضرورة ظهوره في آخر الزمان، فاختلفوا في: تعيينه، وفي حليته وصفته، وفي الفتن الواقعة قبل خروجه، والعلامات التي تدل على قرب ظهوره، وما يجري عند خروجه من الأحداث والفتن. 

ولا شك أن بعض هذه التفسيرات متعسِّفة وهوجاء، ولا تستند إلى أيَّ دليل صحيح؛ كادعاء عصمته مثلاً، أو أنه الشمس التي تغرب في آخر الزمان، أو اعتقاد اختفائه الآن وظهوره في آخر الزمان !!.

وقد غالى في هذا الأمر بعض المنتسبين لأهل البيت، فادعى بعضهم المهدوية وزعم بعضهم أنها لبعض ولده، ولذا كانوا يُكثرون من تسمية "المهدي"، أو "محمد" في أبنائهم تفاؤلاً بكونه هو المهدي الموعود به!.

 يقول ابن تيمية في "منهاج السُّنة" (4/ 98): "ولهذا لما كان الحديث المعروف أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال في المهدي: (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) صار يطمع كثير من الناس في) أن يكون هو المهدي، حتى سمى المنصور ابنه محمدا ولقبه بالمهدي مواطأة لاسمه باسمه واسم أبيه باسم أبيه، ولكن لم يكن هو الموعود به".

وربما تعجل بعضهم ظهوره؛ فأشاروا إلى بعض صغارهم أنه هو المهدي الذي بشَّر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا كثر الدجالون والمنتحلون للمهدية، وهذا بالطبع لا يعني أن ننكر هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة الواردة في المهدي عليه السلام.

وربما غيّر بعض الأدعياء أنسابهم وأسماءهم ليوافقوا النصوص الواردة في ذلك، وربما يكثرون من رواية الرؤى والمنامات والقصص ورؤية أشخاص يُخبرونهم بذلك، يستجدون بها تصديق الخلق، وإعجاب الناس، ولم ينتبهوا إلى أن المهدي له علامات ظاهرة يعرفها المؤمنون وقت خروجه وظهوره !!… 

ولا شكَّ أن المهديين في هذه الأمة كثير وأولهم الخلفاء الراشدون كما جاء في الحديث: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، ولكن المقصود من هذا الكتاب هو بيان حلية (المهدي الأكبر) إن صحَّ التعبير، والذي يخرج في آخر الزمان، ويستكمل العدل كله.

يقول ابن قيم الجوزية في "المنار المنيف" (ص 150): "ولا ريب أن عمر بن عبد العزيز كان راشداً مهدياً، ولكن ليس هو بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان؛ فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.."

تواتر أحاديث المهدي

وقد ذكر غير واحدٍ من أهل العلم تواتر أحاديث المهدي؛ فنقله المزي في "تهذيب الكمال" (25/ 149)، والهيثمي في "القول المختصر" (ص 32)، والسفاريني في "لوامع الأنوار" (2/ 70)، وصديق حسن خان في "الإذاعة" (ص 95)، و التويجري في "اتحاف الجماعة" (2/ 289)، وألفت في ذلك المؤلفات الكثيرة منها (عقد الدرر في أخبار المنتظر) ليوسف بن يحيى المقدسي، و(القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) لابن حجر الهيثمي، و(التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح) للشوكاني، و(الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر) للتويجري.

ادعاء المهدوية لتحقيق الأغراض السياسية والدنيوية

وقد ظهر في تاريخنا القديم والمعاصر أناسٌ يدَّعون المهدوية واتخذوها هدفاً لتحقيق أغراضهم الدنيوية المختلفة من طلب الملك والسلطان، أو إفساد الدين والدنيا، أو لغرضٍ سياسيٍّ محض، مثل الحنق على نظام الدولة، والجور في الحكم، وبعض هؤلاء خرج اغتراراً بنفسه، ولقلة نصح أتباعه، وربما تابعه بعض المغفلين والجهلة أو بعض من كانت له حميَّة وصدق نيَّة.

وفي المقابل ظهر أناسٌ ادَّعوا المهديَّة لأناسٍ لم يدعوها لأنفسهم، وإنما ادّعاها لهم أتباعهم ومحبوهم المغالون فيهم، وجُلُّهم من الشيعة والمتصوفة، الذين تباشروا بأشخاص ليس لهم من المهدويَّة نصيب، والعجيب أن معظم هؤلاء كانوا يعتقدون أن مهديَّهم لا يموت حتَّى يظهر، وظهر فيهم النفاق والزندقة مثل القول بالحلول والاتحاد، وتناسخ الأرواخ، وربما وضعوا بعض الأحاديث في تأييد كذبهم ومفترياتهم، ولم يتورعوا عن النصوص بما يوافق أهوائهم ونحلتهم.

والذي يستقرئ مثل هذه الدعوات يجد أن طريقة ظهورهم تبدأ بتغرير الناس بإظهار الصلاح والعبادة، والانتساب لآل البيت، ويذكر أثناء ذلك المآسي والنكبات والظلم الذي وقع لآل البيت، في محاولة لاستجداء الشفقة من الناس حوله، فيكون لنفسه نواة بسيطة من الأتباع، ويُحيط نفسه بهالة كبيرة من التعظيم والتقديس، ما يجعل أتباعه يُكبرون الظن فيه، وربما يدسُّ لهم من يُلقنهم أنه المهدي، حتى يُظهر ذلك أمامهم صراحةً دون مواربة أو خفاء. 

ومن ثمَّ ينشر ذلك بين الناس ابتداءً بالدائرة الضيقة، وبعد ذلك ببثِّ الدعاة إلى الآفاق، وهؤلاء يُصورون لأتباعهم صورة مظلمة عن الزمان، الذي  هو زمان فساد وظلم وغلبة الجبابرة واختلاف الآراء، حتى يُمنيهم بضرورة الخروج في سبيل الإصلاح والتغيير؛ فإذا رأى اجتماع الناس حوله انقلب على الدولة، في محاولة لفرض الذات، وتنتهي غالباً مثل هذه الحركات إلى معارك محدودة سرعان ما تنطفيء وينتهي أتباعها،وقد ينطوي ذلك المُدعي مع أتباعه في ناحية بعيدة عن التجمُّعات الكبيرة للأمة، فيُمارسون فيها طقوسهم وشعائرهم ويُقررون فيها مباديهم.

وقد ظهرت بعض هذه الحركات، ورأينا منها ما يُخالف مبادئ المهدي؛ فأقدموا على الدماء إقدام الخوارج، واستباحوا الحريم، فكان الرجل يقتل أخاه وأباه، وإذا هي تزيد الظلم ظلماً، والشرَّ شراً، وعظمت بهم الفتنة حتى سبوا ذراري المسلمين، واستطار شرُّهم إلى الغاية.

صفات المهدي 

والمهدي هو رجلٌ صالحٌ من البيت النبوي الكريم، يجتمع مع عيسى عليه السلام، ويقتلان الدجال وأتباعه بباب لُد بفلسطين، ويملك الأرض مدة سبع سنين، ويملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً، ويعمل في الناس بسنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتخرج الأرض بركتها، وتدرُّ السماء قطرها، ويكثر المال والخير. 

  واسمه يواطئ اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو (محمد) واسم أبيه يواطئ اسم أبي النبيِّ صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: يُكنى أبي عبد الله)، ويُقال إنه من صُلب الحسن بن علي، وخُلقه يشبه خلق النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُصلي إماماً بعيسى عليه السلام في بيت المقدس.

ويخرج وسنُّه ما بين الثلاثين إلى الأربعين شابّاً، وذلك في وقت فتنةٍ عمياء، وردَّةٍ عظيمة من المسلمين، وتظهر فتنة السُّفياني في الشام، والناس في هرجٍ عظيم، فيرسل بجيش كبير في سبع رايات عامتهم من الشام والعراق فيغزون المدينة، ويستبيحونها ثلاثة أيام، فيخرج المهديُّ من المدينة هارباً إلى مكة، فيطلب الناس خروجه وهو كاره، ويتوجه السُّفياني بجيشه إلى مكة؛ فيخسف الله بهم بالبيداء.

ويُبايع للمهديّ بين الركن والمقام برجال عدة بدر (314 رجلاً)، (وفي رواية: بين زمزم والمقام) ويأتيه خيار الشام والعراق معهم الرايات السود فيُبايعونه، ومن ثمَّ تُنصب له الخلافة ببيت المقدس، ويلي أمور المسلمين.

ويُقال: إن أصله من قرية (كرعة) وهي قرية يمنية يُسيطر عليها السلفيون باليمن، وقيل: يخرج من المدينة بعد قتل ذريع للهاشميين بالمدينة، هو الذي يفتح القسطنطينية، 

ومن صفاته: أنه ضرب من الرجال، آدم اللون، أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، أقنى الأنف (وفي رواية: أشم الأنف)، كأن وجهه كوكبٌ دُري، على خده الأيمن خالٌ أسود، وفي كلامه ثقل، أزيل الفخذين، يظهر على اختلافٍ من الناس، وفتن عظيمة. 

زُبدة المقال في أحاديث المهدي

يقول الإمام العلامة ابن قيم الجوزية في "المنار المنيف" (ص 148): وهذه الأحاديث (يعني المتعلقة بالمهدي) أربعة أقسام: صحاح وحسان وغرائب وموضوعة. وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:

(أحدها): أنه المسيح ابن مريم وهو المهدي على الحقيقة.

واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) وقد بينا حاله وأنه لا يصح، ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة.

وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق وحكمه بكتاب الله وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية وإهلاك أهل الملل في زمانه.

فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهدياً كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه، وكما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى ابن مريم يعني المهدي الكامل المعصوم.

(القول الثاني): أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه.

واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده عن ثوبانمرفوعاً: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فائتوها ولو حبواً على الثلج فإنه فيها خليفة الله المهدي).وهو ضعيفٌ لا يُحتج به.

وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين وعمر بن عبد العزيز كان مهدياً بل هو أولى باسم المهدي منه.

القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل.

وفي كونه من ولد الحسن سرٌ لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه لما ترك الخلافة لله، جعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم

وأما الرافضة الإمامية: فلهم قول رابع: وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن: الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا، من أكثر من خمس مئة سنة، فلم تره بعد ذلك، عين ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم: أخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه.

ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل.

الرد على الشيعة الذين زعموا أن المهدي

 هو محمد ابن الحسن العسكري

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السُّنة النبوية" (4/ 87 -93): قد ذكر محمد بن جرير الطبري، وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ: أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب.

 والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامرا وهو صغير. منهم من قال: عمره سنتان، ومنهم من قال: ثلاث، ومنهم من قال: خمس سنين، وهذا لو كان موجوداً معلوماً، لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع:

 أن يكون محضوناً عند من يحضنه في بدنه، كأمه، وأم أمه، ونحوهما من أهل الحضانة.

وأن يكون ماله عند من يحفظه: إما وصي أبيه إن كان له وصي، وإما غير الوصي: إما قريب، وإما نائب لدى السلطان، فإنه يتيم لموت أبيه.

والله تعالى يقول: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} (سورة النساء: 6)، فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلغ النكاح ويؤنس منه الرشد، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه..

فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إماماً لجميع المسلمين معصوما، لا يكون أحد مؤمنا إلا بالإيمان به؟ !

ثم إن هذا باتفاق منهم: سواء قدر وجوده أو عدمه، لا ينتفعون به لا في دين ولا في دنيا، ولا علم أحداً شيئاً، ولا يعرف له صفة من صفات الخير ولا الشر، فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ولا مصالحها لا الخاصة ولا العامة، بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة، والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به، فهو شر محض ولا خير فيه، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل.

وإذا قالوا: إن الناس بسبب ظلمهم احتجب عنهم.

قيل: أولاً: كان الظلم موجودا في زمن آبائه ولم يحتجبوا.

وقيل: ثانياً: فالمؤمنون به طبقوا الأرض فهلا اجتمع بهم في بعض الأوقات، أو أرسل إليهم رسولاً يعلمهم شيئا من العلم والدين؟ ! .

وقيل: ثالثاً: قد كان يمكنه أن يأوي إلى كثير من المواضع التي فيها شيعته، كجبال الشام التي كان فيها الرافضة عاصية، وغير ذلك من المواضع العاصية.

وقيل: رابعاً: فإذا هو لا يمكنه أن يذكر شيئاً من العلم والدين لأحد، لأجل هذا الخوف، لم يكن في وجوده لطف ولا مصلحة، فكان هذا مناقضاً لما أثبتوه. بخلاف من أرسل من الأنبياء وكُذّب، فإنه بلغ الرسالة، وحصل لمن آمن من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه. 

 وهذا المنتظر لم يحصل به لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي، ودوام الحسرة والألم، ومعاداة العالم، والدعاء الذي لا يستجيبه الله؛ لأنهم يدعون له بالخروج والظهور من مدة أكثر من أربعمائة وخمسين سنة لم يحصل شيء من هذا. ثم إن عمر واحد من المسلمين هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد، فلا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة ، فضلا عن هذا العمر. 

وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر عمره: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد) /رواه البخاري ومسلم/.

فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعاً. وإذا كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتجاوز هذا الحد، فما بعده من الأعصار أولى بذلك في العادة الغالبة العامة، فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل، فإن نوحاً عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وآدم عليه السلام عاش ألف سنة كما ثبت ذلك في حديث صحيح رواه الترمذي وصححه، فكان لعمر في ذلك الزمان طويلاً، ثم أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح…

كذلك يُقال: إن لفظ الحديث حجة عليكم لا لكم ، فإن لفظه: (يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)؛ فالمهدي الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن.

كذلك (7/ 257): فإن  الاثني عشرية لما ادعوا أن محمد بن الحسن العسكري هو مهديهم، والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم -اسمه محمد بن عبد الله؛ ولهذا حذفت طائفة ذكر الأب من لفظ الرسول حتى لا يناقض ما كذبت. وطائفة حرفته، فقالت: جده الحسين، وكنيته أبو عبد الله، فمعناه محمد بن أبي عبد الله، وجعلت الكنية اسمًا.

إلى أن قال (8/ 262): وهذا الذي تدعيه الرافضة إما مفقودٌ عندهم، وإما معدوم عند العقلاء. وعلى التقديرين فلا منفعة لأحد به، لا في دين ولا في دنيا. فمن علق به دينه بالمجهولات التي لا يعلم ثبوتها كان ضالاً في دينه؛ لأن ما علق به دينه لم يعلم صحته، ولم يحصل له به منفعة، فهل يفعل مثل هذا إلا جاهل؟!.

ذكر بعض هؤلاء الذين ادُّعيت لهم المهدوية

 أو ادعوها لأنفسهم

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "منهاج السُّنة النبوية" (4/ 94): وكذلك المنتظر محمد بن الحسن، فإن عددا كثيراً من الناس يدعي كل واحد منهم أنه محمد بن الحسن، منهم من يظهر ذلك لطائفة من الناس، ومنهم من يكتم ذلك ولا يظهره إلا للواحد أو الاثنين. وما من هؤلاء إلا من يظهر كذبه كما يظهر كذب من يدعي أنه الخضر". ومن هؤلاء الذين ادُّعيت لهم وهم برآء منها، أو الذين ادعوها لأنفسهم كذباً وظلماً:

(1) أبو القاسم، محمد بن علي بن أبي طالب العلوي الهاشمي، والمعروف بـ"ابن الحنفية"، وظهرت فرقةٌ تدّعي ذلك تُسمى(الكربيَّة) (2) موسى بن طلحة بن عُبيد الله التيمي القرشي. (3) أبو جعفر محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين وظهر ت فرقةٌ تدَّعي ذلك تُسمى(لناووسية). (4) عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي. (5) وصالح بن طريف البرغواطي الذي ادعاها كذباً، وادعى النبوة بتامسنا -من بلاد المغرب، ومُحي أثر أتباعه على يد دولة المرابطين. (6) محمد بن عبد الله المحض الحسني العلوي المشهور (بالنفس الزكية)، وكان خرج في زمن المنصور وبايعه بني هاشم وبني المطلب؛ فقتله المنصور. (7) جعفر الصادق بن محمد الباقر. (8) وموسى بن جعفر الصادق، ادعاها له فرقة من الشيعة تُسمى (الموسوية). (9) محمد بن جعفر الصادق؛ ففرح بها، وخرج على رأس المائة الثانية (10) وعبد الله بن معاوية من بني جعفر بن أبي طالب الهاشمي، وكان ممن رُمي بالزندقة. (11) ومحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. (12) ومحمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، وهو ثالث خلفاء بني العباس. (13) محمد بن الحسن بن علي من أبناء موسى الكاظم، وكان صبياً لم يبلغ الحلم بعد، وادعى ذلك فرقةٌُ تُسمى (بالقطعية). (14) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي، الذي ظهر في المغرب، ولقب طائفته (بالموحدين) وكانوا على عقيدة التجهُّم، وذلك في بدايات القرن السادس، وكان رجلاً متغلباً ظالماً. (15) والحسين بن منصور الحلاج، الصوفي المقتول على الزندقة والإلحاد في زمن "ألمقتدر". (16) عُبيد الله بن ميمون القداح العُبيدي من الشيعة الباطنية، وهو مؤسس الدولة الفاطمية بالمغرب، وكان ظهوره سنة (299 هـ)، واستمروا في دعواهم حتى هلكت دولتهم في الديار المصرية سنة (568 هـ). (17) والمعز لدين الله بن المنصور الفاطمي العُبيدي. (18) الحسين بن زكرويه بن مهرويه القرمطي الباطني، وقتل على يد الخليفة المستكفي بالله العباسي. (19) ورجلٌ في البصرة يُدعى (بليا) في منتصف القرن الخامس، وكان ينظر في النجوم، وادعى أنه المهدي. (20) وأحمد بن عبد الله بن هاشم، المعروف بـ(الملثم)، وذلك في منتصف القرن السادس الهجري. (21) وعباس الفاطمي الغماري نسبة إلى غمارة ظهر في آخر المائة السابعة من المغرب. (22) ومحمد بن الحسن المهدي القاسم بأمر الله الفاطمي النصيري. (23) توراش بن النوين جوبان الذي ظهر في أوائل القرن الثامن الهجري، (24) ورجلٌ من مماليك الجاوي يُدعى (أوصى)، ظهر في مصر، وادعى أنه المهدي. (25) وحسن بن عبد الله الأخلاطي الحُسيني في أواخر المائة الثامنة، وكان فاسقاً لا يُصلي الجُمعة. (26) ورجلٌ من منتحلي التصوف بالمغرب الأقصى، يُعرف (بالتويزري) نسبة إلى توزر، ومات مقتولاً. (27) وشمس الدين محمد بن أحمد الفرياني المغربي في منتصف القرن التاسع.

(28) وأبو العباس أحمد بن عبد الله السلجماسي المغربي الصوفي، المعروف (بابن أبي محلي)، وقتل سنة 1022 هـ. (29) وادعاها رجلٌ صوفيٌّ من كلابلاء. (30) ومحمد بن يوسف الجونبوري الهندي، ادعى المهدية بالهند، وتوفي بخراسان سنة 910 هـ، وله أتباعٌ كُثر يُسّمون (بالمهدوية). (31) ورجلٌ صوفيٌّ ظهر في جبال شهرزور، يتبع الطريقة الخلوتية، وذلك في قرية (أزمك) وذلك في أوائل المائة المائة الحادية عشر الهجرية. (32) وادُّعيت لـ محمد بن إسماعيل بن عبد الغني بن الشاه ولي الله الدهلوي العمري، المقتول شهيداً في حرب كفار السيخ ببلاد الهند سنة (1246 هـ). (33) ورجلٌ اسمه (عبد الله) ويدَّعي أنه شريفٌ حُسيني، وله ولدٌ صغير سماه (محمداً)، وزعم أنه المهدي الموعود. (34) ومحمد أحمد بن عبد الله السوداني الصوفي، المتوفى سنة (1885 م)، والذي ادعى المهدوية، وله أتباعٌ وحركةٌ في السودان. (35) والميرزا علي محمد رضا الشيرازي، زعيم الطائفة (البهائية)، والذي قتل إعداماً سنة (1265 هـ). (36) وادعاها غلام محمد بن غلام مرتضى بن عطاء محمد القادياني الهندي، زعيم الطائفة (القاديانية الأحمدية)، والمتوفى سنة (1326 هـ). (37) وادعاها في العصر الحاضر محمد بن عبد الله القحطاني السعودي، والذي أخرج على الناس سنة (1400 هـ/ 1980 م)، وقتل الناس بالحرم المكي. (38) وادعاها رجلٌ من الكويت، يُدعى الحسين بن موسى بن حسين اللحدي. 

ذكر بعض الكتب المصنفة عن المهدي وصفته وحليته

ومن المؤلفات النافعة في هذا الباب، بحسب وفيات أصحابها:

  1. (الأحاديث الواردة في أمر المهدي) لأبي بكر بن أبي خيثمة (ت 279 هـ).ذكره السُّهيلي في "الروض الأنف" (1/ 280).

  2. (ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته) لأبي نُعيم الأصبهاني (ت 430 هـ). ذكره ابن طاوس الشيعي في "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف" (ص 183)، وجملته (156) حديثاً، وأ:ثر من النقل منه المحدث الكنجي الشيعي في كتابه "مناقب المهدي" أو "البيان في أخبار صاحب الزمان".

  3. (الأربعون حديثاً في المهدي) لأبي نُعيم الأصبهاني (ت 430 هـ)، وهو الذي لخصه السيوطي في كتابه هذا (العُرف الوردي). وذكر هذه الأحاديث محذوفة الأسانيد: أبو الحسن علي بن الحسن الإربلي الشيعي في كتابه "كشف الغمة في معرفة الأئمة".

  4. (جزء في المهدي) للحافظ أبي الحسين بن المنادي الحنبلي (ت 336 هـ) ذكره ابن حجر في "الفتح" عند شرح الحديث رقم (5944).

  5. (قصيدة في المهدي)، ويليها فصلٌ في مولده، ونسبه، ومسكنه، وما يكون من أمره؛ لأبي بكر محمد بن علي بن العربي الطائي، شيخ أهل وحدة الوجود، وهي مطبوعة في أول ديوانه.

  6. (البيان في أخبار صاحب الزمان)؛ للشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المقتول على الرفض سنة (658 هـ)، وهو مطبوع.

  7. (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) لبدر الدين يوسف بن يحيى الشافعي، المشهور بـ(ابن الزكي)، (ت 685 هـ)، وهو مطبوع.

  8. (كتاب في أخبار المهدي) للشيخ بدر الدين الحسن بن محمد القرشي المطلبي الحنبلي (ت 772 هـ). ذكره ابن حجر في "الدرر الكامنة".

  9. ( جزء في ذكر المهدي) لابن كثير (ت 774 هـ).

  10. (فصل في أمر الفاطمي وما يذهب الناس إليه في شأنه) لابن خلدون (ت 808 هـ)، وقد بالغ ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي، فرد عليه الشيخ أحمد بن الصديق الغماري في كتاب سماه :(إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)

  11. (تأليف يتعلق بالمهدي) للحافظ أبي زرعة العراقي (ت 826 هـ).

  12. (العرف الوردي في أخبار المهدي)؛ للسيوطي (ت 911 هـ).

  13. (تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان)؛ لابن كمال باشا الحنفي (ت 940 هـ).

  14. (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر)؛ لابن حجر الهيثمي (ت 973 هـ).

  15. (تلخيص البيان في أخبار مهدي الزمان) للمتقي الهندي (ت 975 هـ)، وله أيضاً: (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان)، وله ( رسالة) فارسية في المهدي وأخباره.

  16. (الرد على من حكم وقضى بأن المهدي الموعود جاء ومضى) لعلي القاري الحنفي (ت 1014 هـ)، وله أيضاً: (المشرب الوردي في مذهب المهدي)، وقد ألفها القاري ردا على بعض الحنفية الذين زعموا أن (المهدي)سيقلد مذهب أبي حنيفة

  17. (مرآة الفكر في المهدي المنتظر) و(فرائد الفكر في المهدي المنتظر)؛  للشيخ العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033 هـ).

  18. (تنبيه الوسنان إلى أخبار مهدي أخر الزمان)؛ لأحمد النوبي (ت 1037 هـ).

  19. (جواب عن سؤال في المهدي)؛ لمحمد الأمير الصنعاني (ت 1182 هـ).

  20. (العرف الوردي في دلائل المهدي)؛ لأبي الفضل عبد الرحمن الحضرمي (ت 1192 هـ).

  21. (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح)؛ للشوكاني (ت 1250 هـ).

  22. (الدر المنضود في ذكر المهدي الموعود)؛ لصديق حسن خان (ت 1307 هـ).

  23. (القطر الشهدي في أوصاف المهدي)؛ لأحمد الحلواني (ت 1308 هـ)، وهي منظومة لامية، شرحها في (العطر الوردي).

  24. (عقود الدرر في شأن المهدي المنتظر)

  25. (الهداية الندية للامة المحمدية في فضل الذات المهدية)) للشيخ مصطفى البكري.

  26. الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أنه عيسى أو المهدي المنتظر) لمحمد حبيب الله الشنقيطي (ت 1363 هـ).

  27. (تنوير الرجال في ظهور المهدي والدجال)؛ لرشيد رشيد، مطبوع.

  28. (المهدي المنتظر)؛ لعبد الله بن الصديق الغماري.

  29. (تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر)ل؛ محمد بن عبدالعزيز بن مانع النجدي.

  30. (الرد على من كذب الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي).

  31. (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) 

  32. (سيد البشر يتحدث عن المهدي المنتظر) لحامد محمود محمد ليمود، مطبوع.

  33. (القول الفصل في المهدي المنتظر) لعبد الله حجاج، مطبوع.

  34. (المهدي المنتظر) لابراهيم المشوخي، مطبوع.

  35. (المهدي حقيقة لا خرافة) لمحمد بن أ؛مد بن إسماعيل المقدم، مطبوع.

  36. (المهدي المنتظر بين الحقيقة والخرافة) لعبد القادر أحمد عطا، مطبوع.

  37. (المهدي المنتظر في الميزان) لعبد المعطي عبد المقصود.

  38. (المهدي وأشراط الساعة) للشيخ محمد علي الصابوني، مطبوع.

  39. (من هو المهدي المنتظر) لمحمد نور مربو بنجر المكي، مطبوع.

  40. (الأحاديث الواردة في شأن المهدي في ميزان الجرح والتعديل) للشيخ عبد العليم بن عبد العظيم البستوي، وهي رسالة ماجستير، وهي أوعب ما صُنف في هذا الموضوع، وهي مطبوعة.

  41. (ثلاثةٌ ينتظرهم العالم: الدجال، والمسيح، والمهدي) لعبد اللطيف عاشور، مطبوع.

  42. ( حقيقة الخبر عن المهدي المنتظر من الكتاب والسنة) لصلاح الدين عبد الحميد هادي، مطبوع.

  43. (المهدي المنتظر، ومن ينتظرونه) لعبد الكريم الخطيب، مطبوع، وهو ممن يُنكر خروجه، وقد ردَّ عليه الشيخ التويجري.

  44. (المهدي المنتظر منذ أقدم العصور إلى اليوم) لسعد محمد حسن، مطبوع.

  45. (المهدي المنتظر بين العقيدة الدينية والمضمون السياسي) لمحمد فريد حجاب، مطبوع.

  46. (المهدي والمهدوية) مطبوع.

  47. (المهدي والمهدوية نظرة في تاريخ العرب السياسي) مطبوع.

  48. (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام) تأليف محمد جمال الدين، مطبوع. وفيه تكهنات وتخرصات بغير علم، وردَّ عليه الدكتور عبد الحميد هنداوي في كتابه (الإفحام لمن زعم انقضاء عمر الإسلام).