أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء -أبو الفضل عبد الله بن محمد الغماري.

الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء

أو العادة السرية من الناحيتين: الدينية والصحية


أبو الفضل عبد الله بن محمد الغماري.

اختصره: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ لا شك أن كثيراً من شباب المسلمين متورطون في قضية الاستمناء، خاصة في هذا العصر الذي كثرت مُغرياته، من الفتيات المتبرجات، إلى الفضائيات الخليعة، وغيرها، وإنه لمن المؤسف حقاً أن تجد الشاب النضر، قوي الأعضاء، جم النشاط، يشتعلُ فتوةً وذكاءً، ويلتهب حماساً وقوة، وقد أنهكه ذلك الفعل القبيح، وقد استحال ذكاؤه، وانقلب حماسه وقوته، وأصبح خائر القوى، تعلو وجهه الصفرة، وأصبح مهزوماً ضعيفاً أمام غريزته وشهوته، 

وقد كتب شابٌ من بورسعيد يسأل الشيخ الغماري عن حكم الاستمناء، فكتب إليه بهذه الرسالة، التي عقدها بطريقة أصولية متينة، ومذهبه في الاستمناء التحريم مُطلقاً، وهو الصواب الراجح إن شاء الله تعالى.

وجملة ما في الكتاب من الأدلة ستة: آيتان من القرآن الكريم، وأربعة أحاديث نبوية.


وذكر الغماري في مقدمته تعريف الاستمناء في اللغة: وهو استنزال المني بغير جماع.

وذكر بعضاً من أسمائه، منها: "الاستمناء"، و"العادة السريَّة"، و"الخضخضة"،  "نكاح اليد"، و"جلد عميرة".

وسُمي هذا الفعل "عادةً سريَّة": لأن الإنسان غالباً ما يُمارسها سرَّاً، في الخفاء، وبمعزلٍ عن الناس.

وقد كان هذا الأمر معروفاً بين العرب، وإن لم يكن ذائعاً بينهم، وكانوا يسمونها "جَلد عُميرة"، ومن أسوأ ما قال شاعرهم:

إذا حللتَ بوادٍ لا أنيسَ به ... فاجلد عُميرةَ لا عارٌ، ولا حرجُ.

وقال (ص 8): وهذا البيتُ حُجَّةٌ في العربية، لكنه ليس بحُجَّةٍ في تحسين هذا الفعل القبيح، لأن قائله شاعرٌ جاهلي، ليس له وازعٌ من دينٍ ولا خُلُق، فهو كأشعار الجاهلية، التي يفتخر أصحابها، بالزنى، والقتل، والإغارة على الآمنين.

  • ثم عقد بابين لبيان ذلك:

ذكر في الباب الأول: في تحريم الاستمناء وبيان دليله، وأبان أن ذلك هو مذهب جماهير العلماء من  المالكية، والشافعية، والحنفية، وأنه هو المذهب الصحيح الذي لا محيد عنه. ونقل كلام أهل العلم في ذلك: عن الإمام الشافعي في الأم، والنسفي، وابن العربي، وخير الدين الألوسي، والنووي، وغيرهم.

  • واستدل بعموم قوله سبحانه: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (سورة المؤمنون: 5، 6، 7).

وجه الدلالة: قال: وهذه الآية عامَّةٌ في تحريم  ما عدا صنفي الأزواج والإماء، ولا شك أن الاستمناء غيرهما، فهو حرام، ومُبتغيه ظالمٌ بنصِّ القرآن.

  • واستدل بقوله سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم الله من فضله}، 

وجه الدلالة: قال، فقوله: {وليستعفف} هذا أمرٌ للوجوب، فدلَّ ذلك على أن الاستمناء مُحرَّم؛ لأن العفة فيه حقيقةٌ، ولا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فيُقال: هو في ترك الزنى واللواطة حقيقة، وفي إباحة الاستمناء مجاز. وكذلك فإن الأمر هنا بالوجوب، وحمله على الاستمناء يُفيد وجوبه، ولا قائل بوجوبه.

  • كذلك: فإن الاستعفاف بالنظر إلى الزنى "ترك"، وبالنظر إلى الاستمناء "فعل"، والجمع بين الفعل والترك في لفظٍ واحدٍ مُحال، ولا توجد قرينة للتمييز بين المفعول والمتروك، خاصة وأن السياق جاء في معرض الأمر بالفعل "الاستعفاف".

  • فإن قيل: إن الأمر هنا من باب القدر المشترك في الأمر بين الوجوب، والندب، والإباحة، فالجواب على ذلك، أن ذلك ضعيف في علم الأصول، وهي حجة واهية. قال: والراجح المعمول به أن الأمر للوجوب حقيقة، وأنه لا يستعمل في الندب إلا بقرينة تدلُّ عليه.

  • كذلك أنه سبحانه لم يجعل بين العفة والنكاح أمرٌ آخر، والقاعدة الأصولية: أن السكوت في مقام البيان دلُّ على الحصر، وقد سكت عن الاستمناء، مع وجود الحاجة، وانتفاء المانع، فدلَّ ذلك على تحريمه.

قال (ص 25): فنتلخص مما ذكرناه: أن الأمر بالاستعفاف في الآية للوجوب فقط، لا يصحُّ غير ذلك، وأن الاستعفاف واجبٌ عن جميع أنواع الشهوة.

  • واستدل أيضاً: بحديث البخاري عن عبد الله بن مسعود عن النبيِّ ، أنه قال: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّومِ، فإنَّه له وجاء"، 

وجه الدلالة: أن الشارع أرشد عند العجز عن مؤن النكاح إلى الصوم، ولو كان الاستمناء مُباحاً لبيَّنه في هذا الموطن، لكنه سكت عنه، فدلَّ ذلك على أنه حرام، لأن السكون في مقام البيان يُفيد الحصر، وهي قاعدة عظيمة بنى عليها العلماء كثيراً من الأحكام. كذلك فإنَّ الشارع الحكيم أرشد إلى الصوم وهو أشقُّ من الاستمناء الذي تصاحبه رغبةٌ ولذَّة، وليس فيه مشقَّة، فدلَّ ذلك على حرمة الاستمناء من جهة أنه عدل عنه إلى الصوم الذي هو أصعب.

ولا شكَّ أن الصوم يخفر ويحمي الإنسان من شهواته وملذاته.

  • واستدل بما رواه أحمد في سنده، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء؟ فقال: "صم، وسل الله من فضله" (صحيح لغيره).

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن هذا الرجل سأل النبي  صلى الله عليه وسلم أن يُرخص له في الاختصاء -وهو حرامٌ في الآدميين- ليدفع به مشقة العزوبة عن نفسه، ويستريح من عناء الشهوات، فلم يُرخص له النبي  صلى الله عليه وسلم، وأرشده إلى الصيام، فلو كان الاستمناء جائزاً؛ لأرشدهم إليه، لأنه أسهل من الاختصاء، ومن الصوم، ولما لم يُرشد إليه، دلَّ على أنه حرام، لأن السكوت في معرض البيان، يُفيد الحصر، كما مر.

  • واستدل بما رواه البخاري في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ".

  • قال ابن حجر وليس الأمر في الحديث لطلب الفعل -أي الاختصاء- بل على التهديد، والمعنى: إن فعلت أو لم تفعل، لا بُد من نفوذ القدر، وهو ليس إذناً في الاختصاء، ولكنه إشارةٌ إلى النهي عنه، كأنه قال: إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله، فلا فائدة في الاختصاء، قال: وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك، وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة.

الشاهد: أن أبا هريرة اشتكى شبابه، وخوفه من العنت، وكرر شكايته ثلاث مرات، ومع هذا لم يُرشده النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الاستمناء، كما لم يُرخص له في الاختصاء، وهذا أبلغ ما يكون في الدلالة على التحريم.

قال الحافظ في الفتح: فإن قيل: لِمَ لم يأمرالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هريرة بالصيام لكسر شهوته، كما أمر غيره؟ والجواب: أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام، لأنه كان من أهل الصُّفَّة.

فإن قيل: إنما سأل أبو هريرة عن ذلك في حال الغزو، وكانوا يؤثرون الفطر على الصيام، ليتقوى على القتال، قلنا: هذا أمر محتمل، والظاهر أنه قد أداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوات، كما ظهر ذلك لعثمان بن مظعون، فمنعه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.

فإن قيل: لم لم يأذن النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في المُتعة ؟ فالجواب: أن نكاح المُتعة كان مُرخَّصاً فيه حال الضرورة كالغزو، ثم حُرِّم نهائياً في غزوة خيبر، وفيها قدم أبو هريرة على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يكن النبي ليأذن له فيه بعد تحريمه النهائي، ومن ثمَّ: أجمع أهل السنة على تحريمه، وشذَّ الإمامية، فقالوا بإباحته.

  • واستدل بحديث أنسٍ بن مالك الآتي لفظه، وقال: فإن ضعفه قريب، بل هو حسنٌ لاعتضاده، وهو: عن النبي ، قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، وذكر منهم: ناكح يده، والفاعل، والمفعول به". ولكن هذا حديث ضعيف، وفي إسناده من لا يُعرف؛ لجهالته، والله أعلم().

الشاهد: وهذا الحديث على ضعفه، فإنه لا يمنع الاحتجاج به على حرمة الاستمناء، لأن كثيراً من الأحكام بُنيت على الأحاديث الضعيفة، ومع هذا فإن ضعفه خفيف، وهو مؤيَّدٌ بالأدلة الأخرى من الكتاب والسنة، إذ كلها متضافرة على تحريم الاستمناء.

  • وقد ردَّ الغماري على المعترضين بأن هذه العادة معروفةٌ عند العرب، وهي مخصوصةٌ بالإباحة من عموم النهي في الآية؛ لأن المأمور به حفظ الفرج عن الزنا واللواط، وليس الاستمناء ؟!

فالجواب على ذلك أن المُقرر في علم الأصول: أن العادة الفعلية لا تخصص العام، فإذا قال الشارع: "الطعام بالطعام رباً"، وكانت عادة العرب تناول البر، فالواجب عند جمهرة الأصوليين حمل الطعام على عمومه، فيكون كل طعامٍ بطعامٍ ربا، ولا يجوز قصره على البر الذي اعتادوه، وكذلك يُقال هنا: أن العرب قد اعتادوا على الزنا ولم يعتادوا على الاستمناء، مع كونه معروفاً لهم، ثم جاءت الآية عامة، فوجب أن نُبقيها على عمومه، فتكون شاملة للزنا واللواطة والاستمناء، ولا يجوز تخصيصها بالزنا الذي اعتادوه إلا بدليلٍ شرعي، وهذا مفقود.

ثُمَّ ذكر في الباب الثاني: ردُّ القول بجواز الاستمناء:

قال (ص 8، 11، 26): "وأحمد بن حنبل على ورعه يُجيزه، ويحتجُّ بأنه إخراجُ فضلةٍ من البدن"، ونقل (ص 45) عن ابن القيم أن مذهب أحمد التفصيل في ذلك، وأنه أجازه لمن خشي العنت، وأنه كرهه لمن لم يخشَ العنت، والكراهة عنده على التحريم في المذهب.

وقد بيَّن أن حجة من أباح هذه الفعلة أنها حجج واهية، ومع ضعفها فهي سخيفة، فابن حزم مع إباحته لها يعتبرها دناءة من الفاعل، حيث يقول: إنه ليس من مكارم الأخلاق ولا الفضائل، فهو من دنيء الأخلاق ورذائلها. وهذا وحده كافٍ للتنفير منها، والابتعاد عنها.

وقد ذكر من وجوه الرد عليهم، ما ذكرناه في المنشور قبل هذا في (نزهة الألباء في حكم الاستمناء)، فلا حاجة هنا لإعادته، ونذكر من ذلك:

قالوا: لأنَّ مسَّ الرجل ذكره بشماله مباحٌ بإجماع الأُمة كلها، وإذا كان مباحاً فتعمُّد إنزال المني، فليس ذلك حراما أصلا، لقول الله تعالى: {وقد فصل الله لكم ما حرم عليكم} (الأنعام: 119)، قال: وليس هذا ما فصل لنا تحريمه، فهو حلال.

والجواب: أن هذا دليلٌ لنا لا علينا، لأن الله تعالى فصل لنا تحريم الاستمناء، بالأدلة السابقة في الباب الأول، وهي ستة: آيتان من القرآن الكريم، وأربعة أحاديث نبوية.

وقالوا: الاستمناء مُباحٌ قياساً على الفصد والحجامة؛ ولأنه إخراج فضلةٍ من البدن.

وقد أجاب المانعون: أن هذا القياس فاسد غير معتبر، لمخالفته عموم النهي في القرآن الكريم، والقاعدة المقررة عند علماء الأصول: "أن القياس إذا خالف النص، فإنه غير مُعتبر". 

كذلك فإن شرط القياس، هو: مساواة الفرع للأصل، والقياس المذكور لم توجد فيه المساواة بين الأصل والفرع، لأن بينهما فوارق كثيرة، فيكون باطلاً.

ومن هذه الفوارق: أن المني ليس بفضلة كالدم، وعلى تقدير كونه فضلة، فهو يُخالف الفصد والحجامة في الأحكام المترتبة عليهما: من وجوب الغسل، والفطر، وأخذ الأجرة، ونحوها؛ فيبطل لذلك القياس؛ لأنه قياسٌ مع الفارق.

أما كون المني ليس بفضلة: بل هو مادة حيوية في الجسم، ودل على ذلك أن الآيات التي ذُكر فيها المنيُّ، جاءت في معرض الامتنان، والاستدلال على القدرة، والخلق، ولا يذكر سبحانه شيئاً من الفضلات في معرض الامتنان أو الاستدلال كالدم، ونحوه.

وهنا قاعدة نفيسة، تقول: "إن الله تعالى لا يمتنُّ على عبادة بأمرٍ حقيرٍ كالفضلات، وإنما يمتنُّ عليهم بأمرٍ عظيم الأهمية، لهم فيها منافع ومصالح". وآيات الامتنان وتعداد النعم في القرآن كثيرة.

  • فإن قيل: إن الله عز وجل وصف المنيَّ في القرآن بالمهانة، فقال: {ألم نخلقكم من ماءٍ مهين، فجعلناه في قرارٍ مكين} (المؤمنون: 13)، فدلَّ ذلك على حقارة المني وقذارته، وأنه فضلةٌ كسائر الفضلات ؟

فالجواب: أنه لا تنافي ولا تعارض، لأن المهين في الآيتين، معناه: الضعيف، وهذا الوصف دليلاً على قدرته من حيثُ خُلق من ماءٍ ضعيف: بشراً قوياً.

وقد كرر الله تعالى ذكره في القرآن الكريم، ووصفه بصفاتٍ شتى، منها: أنه يخرج من بين الصلب والترائب، وأنه ماءٌ دافق، وأنه استودعه في قرارٍ مكين، ولم يكن الله تعالى ليذكر أمراً حقيراً؛ كالعذرة والبول ويُعيده، ويكرره.

وعلى فرض أنه فضلة: فإن تعمد إخراج هذه الفضلة هو من التعدي المحرم، الذي قال الله فيه {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (المؤمنون: 7).

كذلك: فإن التفريغ الطبيعي موجود، فمتى اجتمع قدرٌ كافٍ من الماء في الخصيتين، وامتلأت به، أفرغت الزائد طبيعياً، وبالتالي لا داعي للتفريع الاختياري، ما دام أن البديل قائمٌ ومُحقَّق.

وقال المانعون: لو أن بدن الرجل قمنا بتشريح، فلن نعثر فيه على المني، فهو ليس بفضلة، فهو مفارق للحجامة والفصد من هذا الوجه.

  • فإن قيل: ورد عن التابعين ما يدلُّ على جوازه، مثل قول الحسن: أنَّ الصحابة كانوا يفعلونه في المغازي. وعن مجاهد: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك؟!

فالجواب: أن هذه الآثار مرسلة، ولم يصح عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ولو فعلوه لنُقل إلينا، وعلى فرض ثبوت هذا الكلام عن الحسن ومجاهد، فإن القاعدة المقررة في الأصول، تقول: "أن الدليلين إذا تعارضا على وجهٍ لا يُمكن الجمع بينهما، وجب الترجيح الأقوى على الأضعف".

وبناءً على هذا، تكون أدلة التحريم أرجح وأقوى، من وجهين:

الوجه الأول: أنها من كلام الله، وكلام رسوله، ولا شيء يقوم معهما، فضلاً على أن يُقدَّم عليهما.

الوجه الثاني: أن ظاهر النصوص تحرم، وفعل الصحابة يُبيح، والمقرر في علم الأصول: أنه إذا تعارض الحاظر والمبيح، قُدِّم الحاظر، من باب الاحتياط.

وقد وضع الغماري بعض التنبيهات في كتابه على ما أخطأ فيه بعض الأعلام:

التنبيه الأول: وقع في كلام ابن القيم وابن حزم جواز الاستمناء للمرأة، ولو باستدخال شيءٍ في فرجها، وهذا مع ما فيه  من الحرمة، هو شديد الضرر عليها، فتزداد الحرمة.

التنبيه الثاني: نقل الزبيدي في شرح الإحياء: أن الاستمناء للصائم لا يُفطِّرُه، والذي قال بأن الاستمناء لا يُفسد الصوم هو ابن حزم، وجعله بمنزلة البزاق والمخاط، وهو قولٌ شاذ، يوازيه في الشذوذ قول بعض متأخري الشافعية: إن شرب الدخان لا يُفطِّرُ الصائم، حكاه الباجوري.

ثم نقل ما ثبت من علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض (ص 40- 43)، منها:

  1. ضعف البصر، ويقلل من حدته إلى المدى البعيد.

  2. أنه يُضعف عضو التناسل، ويُحدث فيه ارتخاء جزئي أو كلي.

  3. أنه يؤثر في ضعف الأعصاب عامة، نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية.

  4.  أنه يؤثر في اضطراب آلة الهضم، فيضعف عملها.

  5. أنه يوقف نمو الأعضاء خصوصاً الإحليل، والخصيتين، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي.

  6. أنه يؤدي إلى التهاب منوي في الخصيتين، فيصر صاحبه سريع الإنزال إلى حدٍّ بعيد.

  7. أنه يورث آلام في فقار الظهر والساق.

  8. أنه يحل ماء فاعله، فيعد أن يكون منيُّه ثخيناً غلظاً -كما هو المعتاد من ماء الرجل- يصيرُ بهذه العملية رقيقاً، فيتكون منه جنين ضعيف، بخلاف من تولدوا من منيٍّ سليم.

  9. أنه يورث رعشة في بعض الأعضاء كالرجلين.

  10. أنه يورث ضعفاً في الغدد المخية، فتؤثر على ضعف الذاكرة، والانتباه.

  11. أنه يورث على الوجه صُفرة، تنذر بحلول السل والعياذ بالله.

قال الغماري: وحيثُ ثبت أن الاستمناء يورث هذه الأمراض، فهو حرام؛ لأن القاعدة المقررة في أصول الفقه: أن الأصل في المضار التحريم، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار".

ثم أورد عن أهل الكتاب ما يُفيد حرمة الاستمناء عندهم.

وختم كتابه بذكر الفتوى التي نُشرت في مجلة الإسلام في العدد الثالث والأربعين، (ص 13)، تحت عنوان: "جلد عميرة"، وفيها فصلان: الأول في بيان الحرمة، والثاني: في الحض على غض البصر، وحفظ الفروج، وأورد في ذلك أدلة، وأحاديثاً، وأقوال للعلماء في ذلك، وفيما ذكرناه غُنية.









نزهة الألباء في استمناء الرجال والنساء -تأليف أبو تيمية

نزهة الألباء في استمناء الرجال والنساء

كتاب إلكتروني منشور، نسخة ثانية

تأليف أبو تيمية


إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة



تمهيد/ يُمارس بعض الشباب والفتيات ما يُسمَّى بـ "الاستمناء" (Masturbation)، أو "العادة السريَّة"، مستخدماً وسائل شتى محركة للشهوة، بالكفِّ تارةً، وبالتفخيذ تارة، وبالحك تارة، وبالخيال أو مشاهدة الأفلام الإباحية تارة، أو بالكلام الساقط تارة، ونحو ذلك، وذلك في معزلٍ عن الناس، والممارسين لها يتفاوتون في معدل الممارسة المنتظم، فمنهم من يمارسها بشكل مستمر: يومياً، أو أسبوعياً، أو شهرياً، ومنهم من يمارسها بشكل غير منتظم ربما تصل إلى عدة مرات يومياً، ومنهم من يمارسها عند الوقوع على أمرٍ مُحرِّك للشهوة، بقصد أو بغير قصد... وقد اجتهد الباحث في بيان حكم هذه الممارسة. وأثرها الضار على النفس، والهدف: هو التخلص من هذه العادة السيئة، واستئناف حياة إسلامية صحيحة...

وإن التخلص من هذه العادة السيئة ليس بالأمر العسير، بل هو أمرٌ يسيرٌ جداً، إذا سرنا بتدرجٍ واثق، في خطوات منتظمة، تصحبنا النية الصادقة، والعزيمة الجادة، ولن يعدم المرءُ توفيقاً من الله عز وجل، حينها ستعود الحياة إلى القلب، ويشرق هذا الجسد بنور الإيمان والطاعة، فلا تيأس يا عبد الله، واستعن بالله، ولا تعجز، فالأمر سهلٌ يسير، يسيرٌ جداً...!

أولاً: تعريف الاستمناء:

في اللغة: استفعال من المني، أي استخراج المنيِّ من محله.

وعُرفاً: هو العبث في الأعضاء التناسلية المذكرة أو المؤنثة، بطريقة مستمرة، ومنتظمة بغية استدعاء الشهوة، وخروج المني.

والمني: من الرجل ماء أبيض غليظ، ينزل بتدفق وقوة، ومن المرأة ماءٌ رقيقً أصفر، وله علاماتٌ يُعرف بها، وهو: اللذة عند خروجه، أو التدفق، أو تكون رائحته كريح طلع النخل، أو كريح بياض البيض جافاً، فإن فقدت هذه الصفات فلا يُعتبر النازل منياً.

ولا شك أن هذا الفعل يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق.

ثانياً: مدى انتشار هذه العادة:

ذكر الباحث أن ما نسبته (80 %) من الشباب، و(60 %) من الفتيات يُمارسون العادة السرية بصور مختلفة، على حسب حالة الشخص النفسية والصحية، مع إدمان البعض عليها، لكونه أمراً لذيذاً يجد فيه المتعة والاسترخاء، وذكر أن من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك:

  1.  الحصول على المتعة الجنسية، دون حرج، أو تحمل مسؤوليات الزواج ومشاكله.

  2.  الهروب من الجنس ومشاكله إذا كان لا يستطيع الزواج، أو يُعاني من مرض تناسلي.

  3.  الحصول على الراحة النفسية، ولو مؤقتاً بإشباع الرغبة الجنسية.

  4. خشية الشباب من ممارسة الجنس في المناطق المنفتحة، سواءً لأسباب صحية، أو دينية.

  5.  تكاليف الزواج الباهظة، وظاهرة غلاء المهور، التي تكاد تصيب الرجال بالعجز.


ثالثاً: بيان وجه الضرر في هذه العادة السيئة:

  1. أنه ينافي مقاصد الشريعة الإسلامية من زيادة النسل، والتكاثر.

  2. أنه يُنافي سُنَّة الترغيب في النكاح، سيما القادر عليه، وهو يعدل عنه إلى الاستمناء.

  3. أن ممارستها بشكل مستمر ودوري يُؤدي إلى إرهاق الجهاز العصبي والتناسلي.

  4. الانحراف الأخلاقي الذي يؤدي بصاحبه إلى الزنى والعياذ بالله.

________________________

  • حكم استمناء الرجل بيده:

اختلف الفقهاء في حكم استمناء الرجل بيده: 

  1. القول الأول: من رأى أنه حرام مطلقاً

فيحرم الاستمناء مطلقاً، سواءً خشي المسلم العنت (الزنا)، أو لم يخشَ ذلك، وسواءً بيده أو بيد غيره عدا زوجته، ولو بحجرٍ، أو بإدخال ذكره بين فخذيه، وقالوا: لأنه سفحٌ للماء، وتهيجٌ للشهوة في غير محلها (الفرج).

وهو قول الشافعية()، والمالكية()، والزيدية، وأصح القولين في مذهب أحمد، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وهو قول الشيخ ابن عثيمين()، وابن باز()، والألباني، ومقبل الوادعي().

واستدلوا: بعموم قوله سبحانه وتعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (سورة المؤمنون: 5، 6، 7).

ووجه الدلالة: أنه سبحانه أمر بحفظ الفروج في كل الحالات، إلا بالنسبة للزوجة، وملك اليمين. فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين واستمنى، كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم.

قالوا: وهذا النهي عام في تحريم كل استمتاعٍ بالفرج فيما عدا الزوجات والسراري، ولا يُخصص هذا العموم إلا بقرينة تدلُّ عليه، ولا قرينة فيبقى الأمر على عمومه.

وهذه الآية تدلُّ على أن من لم يحفظ فرجه: لم يكن من المفلحين، وكان من الملومين، ومن العادين.

  • فإن قيل: الآية مجملة، والمراد من حفظ الفرج: هو منع الوطء المحرم (الزنا)، لا مجرد الاستمتاع بالكفِّ وغيره! 

فالجواب أنه: قد جاء في الكتاب والسنة ما يُفصِّل هذا المجمل، ويبين المراد منه، وهو الاستمتاع بالزوجة والأمة. 

ولكن ردَّوا عليهم: إذا كانت المتعة حاصلةٌ باستمناء الزوجة لزوجها، فلمَ أجزتم هذه الصورة، ومنعتم استمناء الرجل بيده، فأجابوا: أن الشارع جعل قضاء متعة الرجل في المرأة والأمة، بجميع أجزائهما عدا الدبر، وفي حالتي الحيض والنفاس، بخلاف هذه الأشياء، فإنها لم تُجعل للمتعة.

واستدلوا بقوله سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم الله من فضله}، قال ابن العربي: ولما لم يجعل الله بين العفة والنكاح درجة، دلَّ ذلك على ما عداهما مُحرَّم(). ودلت هذه الآية على أن الصبر على استمناء من الواجبات، وليس من المستحبات.

واستدلوا أيضاً: بحديث البخاري عن عبد الله بن مسعود عن النبيِّ ، أنه قال: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّومِ، فإنَّه له وجاء"، وقالوا: قد أرشد النبيُّ الشباب الذي لا يستطيع الباءة تكاليف النكاح وأعباءه إلى الصيام، فو كان في الاستمناءِ خيرٌ لأرشدهم إليه، لأن فيه لذة، ولكنه أرشدهم إلى الصوم مع أن فيه مشقة، فدلَّ ذلك على حرمته، مع كون هذا الأمر معروفاً في زمن النبيِّ .

  • فإن قيل: إن الاستمناء يُعين الشباب على حفظ البصر، وتحصين الفرج ريثما يحصل الزواج؟.

 فالجواب: أن الشارع الحكيم قد عيَّن الصوم علاجاً لذلك، بالإضافة إلى أن المستمني تكون عيناه مطلقتان في مفاتن النساء والمحرمات لاستجلاب وتغذية شهوته.

  • وهل لهذا الصوم وقتٌ مُعيَّن ينتهي بانتهائه؟ 

والجواب: أن الصوم في هذا الحديث غير مُقيَّدٍ بزمان مُحدد، أو عدد أيام مُعين، بل المقصود أن يُداوم على الصيام حتى يحصل المقصود من تخفيف الشهوة.

  • فإن قيل: إن الصوم لا يُفيد، بل يزيد الشبق؟! 

فالجواب: أن الصوم ليس الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل هو صوم القلب والعين، والفم والأذن، واللسان عن المحارم؛ فهذا هو الصوم المشروع، الذي يُهذب النفس، ويكبح جماح الشهوة.

واستدلوا بعموم قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (النساء: 25) إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء: 25)، فتعيَّن على من لم يجد مؤنة نكاح الحرائر، وخاف على نفسه الزنا: أن ينكح الإماء، فإذا لم يجد فعليه بالصوم فإنه من الصبر الذي أمر الله به، ولم يلتفت الشارع إلى الاستمناء لكونه لا خير فيه البتة.

وقاس بعض المُحرِّمين: الاستمناء على اللواط بجامع قطعهما النسل، ولكن أجاب الإمام الشوكاني على هذا، بقوله: "هذا قياسٌ مع الفارق، فإنَّ التلوُّطَ هو في فرجٍ مُحرَّمٍ شرعاً، وليس الاستمناء في فرج".

وقد استدلَّ بعضُ المحرِّمين بحديث: أنس بن مالك، عن النبي ، قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، وذكر منهم: ناكح يده، والفاعل، والمفعول به". ولكن هذا حديث ضعيف، وفي إسناده من لا يُعرف؛ لجهالته، والله أعلم().

وأجاب الشوكاني على هذا الحديث، بأنه ضعيف، وفيه مجاهيل، قال: ومثل هذه الروايات الضعيفة لا ينهض للاحتجاج بها، وعلى فرض أنه يقوي بعضها بعضاً، فيُحمل مطلقها على مُقيدها، ويكون الممنوع منه الاستمناء باليمين لا باليسار، ولا شيء من الجمادات.

فأجابه المانعون: بأن الحرمة ليست مناطةً بمسِّ الإنسان فرجه بشماله، بل لأن فيه سفحُ الماء، وتهييج الشهوة في غير محلها، وبغير عذر، وفيه مخالفةٌ لأمر الله تعالى بحفظ الفروج.

___________________________

  1. القول الثاني: من ذهب إلى القول بإباحته مطلقاً:

وهو قول ابن حزم()، وأحمد()، والإمام الشوكاني، وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن()، وعمرو بن دينار، وبعض كبار التابعين(). وكرهته طائفة؛ كابن عمر، وعطاء.

فيرى هذا الفريق أن الاستمناء مُباحٌ، أو مكروهٌ، ولا إثم فيه.

قال أبو عبد الله المواق المالكي في (التاج والإكليل) (8/ 392): "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِمْنَاءِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الزِّنَا، وَنَحْوُهُ لِأَبِي الشَّعَثِ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ".

وظاهر كلام ابن عباس لا يدلُّ على إباحته، بل هو إلى التحريم أقرب، فإنه بيَّن أنه أفضل من الزنا، وأقرب شيء إليه الكراهة.

قال السيد سابق: وإنما كُرِهَ الاستمناء؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل.

وقالوا: إباحتنا هذه إنما هو استصحاباً للأصل، فإن كل أفعال الإنسان مُباحةٌ، ما لم يرد النصُّ بتحريمه؛ لقوله تعالى: {خلق لكم ما في الارض جميعاً}.

قالوا: والأحاديث التي استدلَّ بها المانعون ضعيفةٌ أو موضوعة، ولا يصحُّ منها شيء، وليس فيها تصريح النهي عن الاستمناء، وما صحَّ منها فهو غير صريح في النهي عنه.

_________________________________

  1. القول الثالث: التفصيل، وأنه حرام في بعض الحالات، وواجب في بعضها الآخر:

وهو قول الأحناف والحنابلة، وغيرهم، وجماعة من الصحابة والتابعين، وهو القول الصحيح الراجح إن شاء الله تعالى. فالأصل التحريم، وأنه يُباح فعلها للضرورة.

قالوا: وتتحقَّقُ الضرورة بأحد أمورٍ ثلاثة:

الأول: أن تركه للاستمناء سيؤدي به إلى الهلاك، ولم يكن ثمَّة مُباحٍ لدفع الضرورة.

الثاني: أن تركه للاستمناء، سيؤدي إلى تلفِ وبترِ عضوٍ من أعضائه.

الثالث: تركه للاستمناء، سيؤدي إلى مفسدة عظيمة، ومحققة.

الرابع: أن تكون ضرورة الاستمناء واقعةٌ حالاً، وليست منتظرة.

وقالوا: إنه يجب الاستمناء إذا خيف الوقوع في الزنا بدونه، جرياً على قاعدة: "ارتكاب أخف الضررين"، ويجوز لمن خاف على صحته، أو غلبت عليه الشهوة الاستمناء بقصد تسكينها، ولم تكن له زوجة أو أمة، ولم يقدر على الزواج، فإنه لا حرج عليه.

كذلك: تُباح لمن كان يُعاني من الاضطرابات النفسية المضرة، وذلك في حدود دفع ذلك، على أساس أن "الضرورات تُقدَّر بقدرها".

وكذلك: تُباح لمن كان له زوجةٌ أو أمة، ولا يقدر أن يصل إليهما.

وقالوا: إنه يحرُمُ إذا كانَ لاستجلاب الشهوة وإثارتها ابتداءً.

وقال الشيخ الزرقا: إنها من المحظورات في الأصل، لكنها تُباح بشروطٍ ثلاثة: 

الأول: أن لا يكون الرجل متزوجاً، ولو بأمة.

الثاني: أن يخشى الوقوع في الزنا حقيقةً إن لم يفعلها.

الثالث: ألا يكون قصده تحصيل اللذة، بل ينوي كسر شدة الشَّبق الواقع فيه.

قال ابن عابدين في (رد المحتار) (2/ 399): "لَوْ تَعَيَّنَ الْخَلَاصُ مِنْ الزِّنَى بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ فَإِنْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ فَفَعَلَ إرَادَةَ تَسْكِينِهَا بِهِ فَالرَّجَاءُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ اهـ".

  • وهل يجوز للزوجة أن تستمني لزوجها ؟

نعم يجوز، بالإجماع أن تستمني الزوجة لزوجها، لا سيما إن كانت في حال عذر الحيض والنفاس.

قال ابن عابدين في (رد المحتار) (2/ 399): "وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَخَادِمَتِهِ".

وقال الحصكفيُّ في (شرح تنوير الأبصار) (ص: 310): "الاستمناء حرام، وفيه التعزير، ولو مكن امرأته أو أمته من العبث بذكره فأنزل كره، ولا شيء عليه".

______________________________

  • ما هي عقوبة وكفارة المستمني ؟

الذي يُمارس العادة السرية بيده أو بيد أجنبيَّةٍ لا يُعدُّ "زانياً"، ولا يُقام عليه حدُّ الزنا بالإجماع، لأنها لذَّةٌ ناقصة، وليس فيها إيلاجٌ في فرجٍ مُحرَّم، والواجب تعزير الفاعل، بحسب ما يراه الإمام زاجراً له عن المنكر، وهذه عقوبة من فعل ذلك مستعلناً بها، وأمره في الآخرة إلى الله، ويستوي في ذلك المحصن وغير المحصن.

وأما كفارة من فعل ذلك، هو: أن يتوب توبةً نصوحاً، ويشمل ذلك المحصن وغير المحصن.

  • ما حكم الاستمناء في رمضان، وهل عليه كفارة؟

الجواب: أن هذا فعلٌ مُحرَّم، ولا يفسد صومه إلا إذا أنزل، فإن أنزل فسد صومه، ولا تلزمه كفارة، وإنما يلزمه القضاء، وهو قول جمهور العلماء من الشافعية والمالكية، الحنفية والحنابلة.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم أن من استمنى جاهلاً بالحرمة، أو ناسياً فأنزل، فلا يفسد صومه.

  • ما حكم من استمنى فأنزل مذياً ؟

ولو استمنى؛ فأنزل مذياً، لا منيَّاً، فصيامه صحيح، وذلك لأن المذي يختلف عن المني في علاماته، وحقيقته، وحكمه، فلا يُلحق به، فالمني من الرجل ماء أبيض غليظ، ومن المرأة ماء رقيق أصفر، والمذي ماء أبيض رقيق لزج يخرج من فرج الرجل والمرأة عند المداعبة، وهو سائل ينساب ولا يتدفق.

  • ما حكم الاستمناء أيام الحج، وهل عليه كفارة؟

الذي عليه أكثر العلماء أن الاستمناء –مع كونه مُحرَّماً- لا يُفسد النُّسك، وعلى فاعله شاة عند الأكثر، وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم أن عليه بدنة، والصحيح أن على فاعله شاة تُذبح في مكة للفقراء. هذا إن كان عالماً بأن الاستمناء من محظورات الإحرام.

أما إن كان جاهلاً، فلا يلزمه شيء، لأنه من قبيل الترفُّهِ، لا من قبيل الإتلاف، فيُعفى عنه في حالتي الجهل والنسيان.

  • هل يجوز الاستمناء لضرورة الفحوصات الطبية؟

نعم، يجوز إخراج المنيِّ لغرض الفحوصات الطبية، ومثل هذه الحالة لا بأس بها إن شاء الله تعالى.

  • حكم الاستمناء في وقت عذر الزوجة: من الحيض والنفاس ؟

لا يجوز، وهذا أشدُّ قُبحاً؛ لأن البديل موجود، وهو أن يُعانق زوجته، ويُفاخذها، أو يُباشرها من فوق الإزار، كما كان النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يفعل مع زوجاته.

  • هل يجوز للزوجة أن تستمني لزوجها ؟

نعم يجوز لها ذلك، سواءً قام بها العذر، أم لم يقم، لأنه من الاستمتاع المباح الطيب، وكذلك للخطيبة التي عقد عليها أن تصنع ذلك بخطيبها، أما التي لم يعقد عليها، فلا يجوز لها ذلك؛ لأنها أجنبيَّةٌ عنه.

  • هل يجوز الاستمناء بغير اليد، مثل: آلةٍ، أو دُميةٍ، أو جدارٍ، أو بما يسمونه الألعاب الجنسية؟

لا يجوز، بل هو مُحَّرم، لأنَّ هذه الأشياء ليست محلاً لاستمتاع الرجل، فالاستمناء بأي وسيلةٍ كانت إذا لم تكن في محلها المشروع (الزوجة، أو ملك اليمين)، فهي محرَّمة.

  • حكم من يستمني ويتوب، ثم يعود للاستمناء مرَّةً أخرى؟

عليه أن يُجدِّد التوبة، بشروطها الصحيحة المعتبرة، وعليه أن يُجاهد نفسه، ولا يقنط من رحمة الله، وعليه أن يخاف ويرهب من عذاب الله وعقوبته، وعليه أن ينظر في مآل من يفعل وعاقبة أمره ذلك.

  • هل الاستمناء يوجب الغُسل ؟

نعم، الاستمناء حتى الإنزال يوجب الغسل؛ لقوله صلى  الله عليه وسلم: "إنما الماءُ من الماء" (رواه مسلم)، وينبغي أن تُعرف صفات المنيِّ؛ لأن غير المنيِّ لا يوجب الغسل.

  • حكم تناول الأدوية والأعشاب لتخفيف الشهوة ؟

نعم يجوز تناول الأدوية والأعشاب التي تخفف الشهوة، إذا لم تكن هذه الأدوية ضارة.

  • ما حكم من استمنى من أجل التلقيح الصناعي ؟

والجواب: أنه مُباحٌ لأنه سبب مشروعٌ في الحصول على الولد، وليس فيه تضييعٌ للمنيِّ، ولا إخرجٌ له لمجرد الشهوة.

  • هل يجوز الاستمناء لغرض طبي: مثل تحليل المني في المختبرات، ولمعرفة عدد الحيوانات المنوية، وقدرتها على الحركة، ونحو ذلك؟

 والجواب: أنه لا حرج في ذلك.

  • هل يجوز الاستمناء في حالة الاحتقان الشديد في الخصيتين، مع عدم القدرة على إراقته بالأسباب المشروعة؟ 

والجواب نعم، إن قرر الأطباء أن احتقان المني يُسبب مرضاً للمكلف، فله أن يهدره حينئذٍ، ولا يفعله لمجرد التلذذ.

  • هل الاستمناء من الكبائر ؟

مع كون الاستمناء مُحرَّماً، إلا أنه ليس من الكبائر، بل هو من الصغائر()، إن لم يكن مُصراً عليها، ملتزماً بارتكابها، ولم نرى من أهل العلم من عدَّه من الكبائر، ولكن الإصرار عليه قد يرفعه إلى درجة الكبيرة، بالنظر إلى أنها معصية، ومخالفة لأمر الله تعالى.

ولا يكون فاعل هذه العادة فاسقاً، إلا إن أصرَّ عليها، لأن الفاسق هو كل من ارتكب كبيرة، أو أصرَّ على فعل الصغيرة.

  • هل يعتبر الشخص بعد الاستمناء بالغاً، مُكلفاً ؟

لا يعتبر الذكر أو الأنثى مكلفين بعد الاستمناء إلا بوجود علامات البلوغ الظاهرة، من الاحتلام، والإنبات، وبلوغ خمسة عشرة سنة قمرية، وهي علامات مشتركة في الذكور والإناث، وتختص الأنثى بالحيضِ.

  • ما حكم إن أدخل الأجنبيُّ أصبعه في فرج امرأةٍ يستمني لها؟
    فالجواب: أنه حرامٌ بالاتفاق.
    _______________________________


  • كتيبات ورسائل وأبحاث أخرى تعالج موضوع الاستمناء:

  1. تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام الشوكاني، للشيخ مقبل بن هادي الوادعي.

  2. الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء؛ لعبد الله الغماري.

  3. قاموس الأمراض وعلاجها؛ د. محمد رفعت.

  4. الضعف التناسلي عند الرجال والنساء؛ للدكتور حسين الهراوي.

  5. الانتصار على العادة السرية، لرامي خالد الخضر.

  6. للرجال فقط؛ لمحمد مغاوري.