الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء
أو العادة السرية من الناحيتين: الدينية والصحية
أبو الفضل عبد الله بن محمد الغماري.
اختصره: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
تمهيد/ لا شك أن كثيراً من شباب المسلمين متورطون في قضية الاستمناء، خاصة في هذا العصر الذي كثرت مُغرياته، من الفتيات المتبرجات، إلى الفضائيات الخليعة، وغيرها، وإنه لمن المؤسف حقاً أن تجد الشاب النضر، قوي الأعضاء، جم النشاط، يشتعلُ فتوةً وذكاءً، ويلتهب حماساً وقوة، وقد أنهكه ذلك الفعل القبيح، وقد استحال ذكاؤه، وانقلب حماسه وقوته، وأصبح خائر القوى، تعلو وجهه الصفرة، وأصبح مهزوماً ضعيفاً أمام غريزته وشهوته،
وقد كتب شابٌ من بورسعيد يسأل الشيخ الغماري عن حكم الاستمناء، فكتب إليه بهذه الرسالة، التي عقدها بطريقة أصولية متينة، ومذهبه في الاستمناء التحريم مُطلقاً، وهو الصواب الراجح إن شاء الله تعالى.
وجملة ما في الكتاب من الأدلة ستة: آيتان من القرآن الكريم، وأربعة أحاديث نبوية.
وذكر الغماري في مقدمته تعريف الاستمناء في اللغة: وهو استنزال المني بغير جماع.
وذكر بعضاً من أسمائه، منها: "الاستمناء"، و"العادة السريَّة"، و"الخضخضة"، "نكاح اليد"، و"جلد عميرة".
وسُمي هذا الفعل "عادةً سريَّة": لأن الإنسان غالباً ما يُمارسها سرَّاً، في الخفاء، وبمعزلٍ عن الناس.
وقد كان هذا الأمر معروفاً بين العرب، وإن لم يكن ذائعاً بينهم، وكانوا يسمونها "جَلد عُميرة"، ومن أسوأ ما قال شاعرهم:
إذا حللتَ بوادٍ لا أنيسَ به ... فاجلد عُميرةَ لا عارٌ، ولا حرجُ.
وقال (ص 8): وهذا البيتُ حُجَّةٌ في العربية، لكنه ليس بحُجَّةٍ في تحسين هذا الفعل القبيح، لأن قائله شاعرٌ جاهلي، ليس له وازعٌ من دينٍ ولا خُلُق، فهو كأشعار الجاهلية، التي يفتخر أصحابها، بالزنى، والقتل، والإغارة على الآمنين.
ثم عقد بابين لبيان ذلك:
ذكر في الباب الأول: في تحريم الاستمناء وبيان دليله، وأبان أن ذلك هو مذهب جماهير العلماء من المالكية، والشافعية، والحنفية، وأنه هو المذهب الصحيح الذي لا محيد عنه. ونقل كلام أهل العلم في ذلك: عن الإمام الشافعي في الأم، والنسفي، وابن العربي، وخير الدين الألوسي، والنووي، وغيرهم.
واستدل بعموم قوله سبحانه: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (سورة المؤمنون: 5، 6، 7).
وجه الدلالة: قال: وهذه الآية عامَّةٌ في تحريم ما عدا صنفي الأزواج والإماء، ولا شك أن الاستمناء غيرهما، فهو حرام، ومُبتغيه ظالمٌ بنصِّ القرآن.
واستدل بقوله سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم الله من فضله}،
وجه الدلالة: قال، فقوله: {وليستعفف} هذا أمرٌ للوجوب، فدلَّ ذلك على أن الاستمناء مُحرَّم؛ لأن العفة فيه حقيقةٌ، ولا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فيُقال: هو في ترك الزنى واللواطة حقيقة، وفي إباحة الاستمناء مجاز. وكذلك فإن الأمر هنا بالوجوب، وحمله على الاستمناء يُفيد وجوبه، ولا قائل بوجوبه.
كذلك: فإن الاستعفاف بالنظر إلى الزنى "ترك"، وبالنظر إلى الاستمناء "فعل"، والجمع بين الفعل والترك في لفظٍ واحدٍ مُحال، ولا توجد قرينة للتمييز بين المفعول والمتروك، خاصة وأن السياق جاء في معرض الأمر بالفعل "الاستعفاف".
فإن قيل: إن الأمر هنا من باب القدر المشترك في الأمر بين الوجوب، والندب، والإباحة، فالجواب على ذلك، أن ذلك ضعيف في علم الأصول، وهي حجة واهية. قال: والراجح المعمول به أن الأمر للوجوب حقيقة، وأنه لا يستعمل في الندب إلا بقرينة تدلُّ عليه.
كذلك أنه سبحانه لم يجعل بين العفة والنكاح أمرٌ آخر، والقاعدة الأصولية: أن السكوت في مقام البيان دلُّ على الحصر، وقد سكت عن الاستمناء، مع وجود الحاجة، وانتفاء المانع، فدلَّ ذلك على تحريمه.
قال (ص 25): فنتلخص مما ذكرناه: أن الأمر بالاستعفاف في الآية للوجوب فقط، لا يصحُّ غير ذلك، وأن الاستعفاف واجبٌ عن جميع أنواع الشهوة.
واستدل أيضاً: بحديث البخاري عن عبد الله بن مسعود عن النبيِّ ، أنه قال: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّومِ، فإنَّه له وجاء"،
وجه الدلالة: أن الشارع أرشد عند العجز عن مؤن النكاح إلى الصوم، ولو كان الاستمناء مُباحاً لبيَّنه في هذا الموطن، لكنه سكت عنه، فدلَّ ذلك على أنه حرام، لأن السكون في مقام البيان يُفيد الحصر، وهي قاعدة عظيمة بنى عليها العلماء كثيراً من الأحكام. كذلك فإنَّ الشارع الحكيم أرشد إلى الصوم وهو أشقُّ من الاستمناء الذي تصاحبه رغبةٌ ولذَّة، وليس فيه مشقَّة، فدلَّ ذلك على حرمة الاستمناء من جهة أنه عدل عنه إلى الصوم الذي هو أصعب.
ولا شكَّ أن الصوم يخفر ويحمي الإنسان من شهواته وملذاته.
واستدل بما رواه أحمد في سنده، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء؟ فقال: "صم، وسل الله من فضله" (صحيح لغيره).
وجه الدلالة من هذا الحديث: أن هذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرخص له في الاختصاء -وهو حرامٌ في الآدميين- ليدفع به مشقة العزوبة عن نفسه، ويستريح من عناء الشهوات، فلم يُرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشده إلى الصيام، فلو كان الاستمناء جائزاً؛ لأرشدهم إليه، لأنه أسهل من الاختصاء، ومن الصوم، ولما لم يُرشد إليه، دلَّ على أنه حرام، لأن السكوت في معرض البيان، يُفيد الحصر، كما مر.
واستدل بما رواه البخاري في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ".
قال ابن حجر وليس الأمر في الحديث لطلب الفعل -أي الاختصاء- بل على التهديد، والمعنى: إن فعلت أو لم تفعل، لا بُد من نفوذ القدر، وهو ليس إذناً في الاختصاء، ولكنه إشارةٌ إلى النهي عنه، كأنه قال: إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله، فلا فائدة في الاختصاء، قال: وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك، وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة.
الشاهد: أن أبا هريرة اشتكى شبابه، وخوفه من العنت، وكرر شكايته ثلاث مرات، ومع هذا لم يُرشده النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الاستمناء، كما لم يُرخص له في الاختصاء، وهذا أبلغ ما يكون في الدلالة على التحريم.
قال الحافظ في الفتح: فإن قيل: لِمَ لم يأمرالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هريرة بالصيام لكسر شهوته، كما أمر غيره؟ والجواب: أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام، لأنه كان من أهل الصُّفَّة.
فإن قيل: إنما سأل أبو هريرة عن ذلك في حال الغزو، وكانوا يؤثرون الفطر على الصيام، ليتقوى على القتال، قلنا: هذا أمر محتمل، والظاهر أنه قد أداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوات، كما ظهر ذلك لعثمان بن مظعون، فمنعه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
فإن قيل: لم لم يأذن النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في المُتعة ؟ فالجواب: أن نكاح المُتعة كان مُرخَّصاً فيه حال الضرورة كالغزو، ثم حُرِّم نهائياً في غزوة خيبر، وفيها قدم أبو هريرة على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يكن النبي ليأذن له فيه بعد تحريمه النهائي، ومن ثمَّ: أجمع أهل السنة على تحريمه، وشذَّ الإمامية، فقالوا بإباحته.
واستدل بحديث أنسٍ بن مالك الآتي لفظه، وقال: فإن ضعفه قريب، بل هو حسنٌ لاعتضاده، وهو: عن النبي ، قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، وذكر منهم: ناكح يده، والفاعل، والمفعول به". ولكن هذا حديث ضعيف، وفي إسناده من لا يُعرف؛ لجهالته، والله أعلم().
الشاهد: وهذا الحديث على ضعفه، فإنه لا يمنع الاحتجاج به على حرمة الاستمناء، لأن كثيراً من الأحكام بُنيت على الأحاديث الضعيفة، ومع هذا فإن ضعفه خفيف، وهو مؤيَّدٌ بالأدلة الأخرى من الكتاب والسنة، إذ كلها متضافرة على تحريم الاستمناء.
وقد ردَّ الغماري على المعترضين بأن هذه العادة معروفةٌ عند العرب، وهي مخصوصةٌ بالإباحة من عموم النهي في الآية؛ لأن المأمور به حفظ الفرج عن الزنا واللواط، وليس الاستمناء ؟!
فالجواب على ذلك أن المُقرر في علم الأصول: أن العادة الفعلية لا تخصص العام، فإذا قال الشارع: "الطعام بالطعام رباً"، وكانت عادة العرب تناول البر، فالواجب عند جمهرة الأصوليين حمل الطعام على عمومه، فيكون كل طعامٍ بطعامٍ ربا، ولا يجوز قصره على البر الذي اعتادوه، وكذلك يُقال هنا: أن العرب قد اعتادوا على الزنا ولم يعتادوا على الاستمناء، مع كونه معروفاً لهم، ثم جاءت الآية عامة، فوجب أن نُبقيها على عمومه، فتكون شاملة للزنا واللواطة والاستمناء، ولا يجوز تخصيصها بالزنا الذي اعتادوه إلا بدليلٍ شرعي، وهذا مفقود.
ثُمَّ ذكر في الباب الثاني: ردُّ القول بجواز الاستمناء:
قال (ص 8، 11، 26): "وأحمد بن حنبل على ورعه يُجيزه، ويحتجُّ بأنه إخراجُ فضلةٍ من البدن"، ونقل (ص 45) عن ابن القيم أن مذهب أحمد التفصيل في ذلك، وأنه أجازه لمن خشي العنت، وأنه كرهه لمن لم يخشَ العنت، والكراهة عنده على التحريم في المذهب.
وقد بيَّن أن حجة من أباح هذه الفعلة أنها حجج واهية، ومع ضعفها فهي سخيفة، فابن حزم مع إباحته لها يعتبرها دناءة من الفاعل، حيث يقول: إنه ليس من مكارم الأخلاق ولا الفضائل، فهو من دنيء الأخلاق ورذائلها. وهذا وحده كافٍ للتنفير منها، والابتعاد عنها.
وقد ذكر من وجوه الرد عليهم، ما ذكرناه في المنشور قبل هذا في (نزهة الألباء في حكم الاستمناء)، فلا حاجة هنا لإعادته، ونذكر من ذلك:
قالوا: لأنَّ مسَّ الرجل ذكره بشماله مباحٌ بإجماع الأُمة كلها، وإذا كان مباحاً فتعمُّد إنزال المني، فليس ذلك حراما أصلا، لقول الله تعالى: {وقد فصل الله لكم ما حرم عليكم} (الأنعام: 119)، قال: وليس هذا ما فصل لنا تحريمه، فهو حلال.
والجواب: أن هذا دليلٌ لنا لا علينا، لأن الله تعالى فصل لنا تحريم الاستمناء، بالأدلة السابقة في الباب الأول، وهي ستة: آيتان من القرآن الكريم، وأربعة أحاديث نبوية.
وقالوا: الاستمناء مُباحٌ قياساً على الفصد والحجامة؛ ولأنه إخراج فضلةٍ من البدن.
وقد أجاب المانعون: أن هذا القياس فاسد غير معتبر، لمخالفته عموم النهي في القرآن الكريم، والقاعدة المقررة عند علماء الأصول: "أن القياس إذا خالف النص، فإنه غير مُعتبر".
كذلك فإن شرط القياس، هو: مساواة الفرع للأصل، والقياس المذكور لم توجد فيه المساواة بين الأصل والفرع، لأن بينهما فوارق كثيرة، فيكون باطلاً.
ومن هذه الفوارق: أن المني ليس بفضلة كالدم، وعلى تقدير كونه فضلة، فهو يُخالف الفصد والحجامة في الأحكام المترتبة عليهما: من وجوب الغسل، والفطر، وأخذ الأجرة، ونحوها؛ فيبطل لذلك القياس؛ لأنه قياسٌ مع الفارق.
أما كون المني ليس بفضلة: بل هو مادة حيوية في الجسم، ودل على ذلك أن الآيات التي ذُكر فيها المنيُّ، جاءت في معرض الامتنان، والاستدلال على القدرة، والخلق، ولا يذكر سبحانه شيئاً من الفضلات في معرض الامتنان أو الاستدلال كالدم، ونحوه.
وهنا قاعدة نفيسة، تقول: "إن الله تعالى لا يمتنُّ على عبادة بأمرٍ حقيرٍ كالفضلات، وإنما يمتنُّ عليهم بأمرٍ عظيم الأهمية، لهم فيها منافع ومصالح". وآيات الامتنان وتعداد النعم في القرآن كثيرة.
فإن قيل: إن الله عز وجل وصف المنيَّ في القرآن بالمهانة، فقال: {ألم نخلقكم من ماءٍ مهين، فجعلناه في قرارٍ مكين} (المؤمنون: 13)، فدلَّ ذلك على حقارة المني وقذارته، وأنه فضلةٌ كسائر الفضلات ؟
فالجواب: أنه لا تنافي ولا تعارض، لأن المهين في الآيتين، معناه: الضعيف، وهذا الوصف دليلاً على قدرته من حيثُ خُلق من ماءٍ ضعيف: بشراً قوياً.
وقد كرر الله تعالى ذكره في القرآن الكريم، ووصفه بصفاتٍ شتى، منها: أنه يخرج من بين الصلب والترائب، وأنه ماءٌ دافق، وأنه استودعه في قرارٍ مكين، ولم يكن الله تعالى ليذكر أمراً حقيراً؛ كالعذرة والبول ويُعيده، ويكرره.
وعلى فرض أنه فضلة: فإن تعمد إخراج هذه الفضلة هو من التعدي المحرم، الذي قال الله فيه {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (المؤمنون: 7).
كذلك: فإن التفريغ الطبيعي موجود، فمتى اجتمع قدرٌ كافٍ من الماء في الخصيتين، وامتلأت به، أفرغت الزائد طبيعياً، وبالتالي لا داعي للتفريع الاختياري، ما دام أن البديل قائمٌ ومُحقَّق.
وقال المانعون: لو أن بدن الرجل قمنا بتشريح، فلن نعثر فيه على المني، فهو ليس بفضلة، فهو مفارق للحجامة والفصد من هذا الوجه.
فإن قيل: ورد عن التابعين ما يدلُّ على جوازه، مثل قول الحسن: أنَّ الصحابة كانوا يفعلونه في المغازي. وعن مجاهد: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك؟!
فالجواب: أن هذه الآثار مرسلة، ولم يصح عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ولو فعلوه لنُقل إلينا، وعلى فرض ثبوت هذا الكلام عن الحسن ومجاهد، فإن القاعدة المقررة في الأصول، تقول: "أن الدليلين إذا تعارضا على وجهٍ لا يُمكن الجمع بينهما، وجب الترجيح الأقوى على الأضعف".
وبناءً على هذا، تكون أدلة التحريم أرجح وأقوى، من وجهين:
الوجه الأول: أنها من كلام الله، وكلام رسوله، ولا شيء يقوم معهما، فضلاً على أن يُقدَّم عليهما.
الوجه الثاني: أن ظاهر النصوص تحرم، وفعل الصحابة يُبيح، والمقرر في علم الأصول: أنه إذا تعارض الحاظر والمبيح، قُدِّم الحاظر، من باب الاحتياط.
وقد وضع الغماري بعض التنبيهات في كتابه على ما أخطأ فيه بعض الأعلام:
التنبيه الأول: وقع في كلام ابن القيم وابن حزم جواز الاستمناء للمرأة، ولو باستدخال شيءٍ في فرجها، وهذا مع ما فيه من الحرمة، هو شديد الضرر عليها، فتزداد الحرمة.
التنبيه الثاني: نقل الزبيدي في شرح الإحياء: أن الاستمناء للصائم لا يُفطِّرُه، والذي قال بأن الاستمناء لا يُفسد الصوم هو ابن حزم، وجعله بمنزلة البزاق والمخاط، وهو قولٌ شاذ، يوازيه في الشذوذ قول بعض متأخري الشافعية: إن شرب الدخان لا يُفطِّرُ الصائم، حكاه الباجوري.
ثم نقل ما ثبت من علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض (ص 40- 43)، منها:
ضعف البصر، ويقلل من حدته إلى المدى البعيد.
أنه يُضعف عضو التناسل، ويُحدث فيه ارتخاء جزئي أو كلي.
أنه يؤثر في ضعف الأعصاب عامة، نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية.
أنه يؤثر في اضطراب آلة الهضم، فيضعف عملها.
أنه يوقف نمو الأعضاء خصوصاً الإحليل، والخصيتين، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي.
أنه يؤدي إلى التهاب منوي في الخصيتين، فيصر صاحبه سريع الإنزال إلى حدٍّ بعيد.
أنه يورث آلام في فقار الظهر والساق.
أنه يحل ماء فاعله، فيعد أن يكون منيُّه ثخيناً غلظاً -كما هو المعتاد من ماء الرجل- يصيرُ بهذه العملية رقيقاً، فيتكون منه جنين ضعيف، بخلاف من تولدوا من منيٍّ سليم.
أنه يورث رعشة في بعض الأعضاء كالرجلين.
أنه يورث ضعفاً في الغدد المخية، فتؤثر على ضعف الذاكرة، والانتباه.
أنه يورث على الوجه صُفرة، تنذر بحلول السل والعياذ بالله.
قال الغماري: وحيثُ ثبت أن الاستمناء يورث هذه الأمراض، فهو حرام؛ لأن القاعدة المقررة في أصول الفقه: أن الأصل في المضار التحريم، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار".
ثم أورد عن أهل الكتاب ما يُفيد حرمة الاستمناء عندهم.
وختم كتابه بذكر الفتوى التي نُشرت في مجلة الإسلام في العدد الثالث والأربعين، (ص 13)، تحت عنوان: "جلد عميرة"، وفيها فصلان: الأول في بيان الحرمة، والثاني: في الحض على غض البصر، وحفظ الفروج، وأورد في ذلك أدلة، وأحاديثاً، وأقوال للعلماء في ذلك، وفيما ذكرناه غُنية.