قصصٌ وآثارٌ باطلةٌ لا
تثبت في السُّنة النبويَّة
(6) قضية التوسُّل بالنبيِّ صلى الله عليه
وسلَّم لأجل حفظ القرآن والعلم
من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
إعداد
أ.
محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة
تمهيد/ هذا هو الجزء السادس من الرَّد على أهل البدع الذين
استدلوا ببعض القصص المكذوبة على الأئمة الفقهاء والخلفاء الراشدين وأهل السِّير
في جواز التوسُّل بالذوات، وسؤال المخلوقين، زعماً منهم أنهم يتقربون إلى الله
بذلك، عياذاً بالله تعالى من الضلال.
* والقصة التي نحن بصدد
نقدها: هي
دعوى التوسُّل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم لأجل حفظ القرآن وأصناف العلم.
* نصُّ القصة:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (1/ 258): ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد
الرحمن الصنعاني صاحب "التفسير" ([1]) بإسناده، عن ابن عباس مرفوعاً، أنه
قال: "من سرَّهُ أن يُوعيه الله حفظ القرآن
وحفظ أصناف العلم؛ فليكتب هذا الدعاء في إناءٍ نظيف، أو في صحفٍ قوارير بعسلٍ
وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق وليَصُم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه ويدعو
به في إدبار صلواته: اللهم إني أسألك بأنك مسئول، لم يُسأل مثلك ولا يُسأل، وأسألك بحقِّ
مُحَمَّدٍ نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيُّكَ، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك"، ([2])، وذكر تمام
الدعاء.
* والكلام على هذا الخبر من وجوه:
الوجه الأول: من جهة إسناده:
قال رحمه الله: وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين.
قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث ([3]).
وقال أبو حاتم بن حبان: دجالٌ يضع الحديث، وضع على ابن جريج،
عن عطاء، عن ابن عباس كتاباً في التفسير، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل ([4]).
ويُروى نحو هذا -دون الصوم -عن ابن مسعود ([5]): من طريق موسى بن
إبراهيم المروزي، حدثنا وكيع، عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود.
وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين: كذاب ([6]).
وقال الدارقطني:
متروك
([7]).
وقال ابن حبان:
كان
مغفلا يلقن فيتلقن فاستحق الترك ([8]).
ويُروى هذا (يعني الأثر) عن عمر بن عبد العزيز، عن مجاهد
بن جبر، عن ابن مسعود بطريقٍ أضعفَ من الأول ([9]).
ورواه أبو الشيخ الأصبهاني، من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري: حدثنا
أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء العتبي ([10])، حدثنا يوسف بن
يزيد، عن الزهري ورفع الحديث، قال: "من سره أن يحفظ؛ فليَصُم سبعة أيامٍ،
وليكن إفطاره في آخر الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات" ([11]).
قلتُ (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية): وهذه أسانيد مظلمة لا
يثبت بها شيء.
وقد رواه أبو موسى المديني في "أماليه" وأبو عبد الله المقدسي على عادة
أمثالهم في رواية ما يروى في الباب سواء كان صحيحاً أو ضعيفا؛ كما اعتاده
أكثر المتأخرين من المحدثين: أنهم يروون ما روى به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة
المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات والعادات.
كما يرويه أبو الشيخ الأصبهاني: في "فضائل الأعمال" وغيره،
حيث يجمعُ أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة،
وأحاديث كثيرة ضعيفة موضوعة وواهية.
وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في "فضائل الصحابة".
وما يرويه أبو نعيم الأصبهاني في "فضائل الخلفاء"
في كتاب مفرد، وفي أول "حلية الأولياء".
وما يرويه أبو الليث السمرقندي، وعبد العزيز الكناني، وأبو علي
بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب، وأبو الفضل بن
ناصر، وأبو موسى المديني، وأبو القاسم بن عساكر، والحافظ عبد الغني، وأمثالهم
ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما رُوي مطلقاً على
عادتهم الجارية؛ ليُعرَفَ ما رُوي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد
يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لا يتكلم.
وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم؛ مثل
مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان
بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والشافعي، وأحمد بن حنبل،
وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود،
ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود بن علي، ومحمد بن جرير
الطبري، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث
يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها، وتمييز رجالها.
وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا؛ لأجل
معرفة الحديث، كما يفعل أبو أحمد بن عدي، وأبو حاتم
البستي، وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الإسماعيلي، وكما قد يفعل ذلك، أبو بكر
البيهقي، وأبو إسماعيل الأنصاري، وأبو القاسم الزنجاني، وأبو عمر ابن عبد البر،
وأبو محمد بن حزم، وأمثال هؤلاء، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر.
ولم نذكر من لا يُروِي بإسنادٍ -مثل كتاب "وسيلة
المتعبدين" لعمر الملا الموصلي، وكتاب "الفردوس" لشهريار الديلمي،
وأمثال ذلك -فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.
والمقصود هنا: أنه ليس في هذا الباب حديث واحد
مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه في مسألة شرعية، باتفاق أهل
المعرفة بحديثه، بل المرويُّ في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من
الموضوعات؛ إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً منه.
[1])) قال الذهبي: معروف ليس بثقة، فإن ابن حبان
قال فيه: دجال، وضع على ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير. وقال
ابن عدي منكر الحديث. الميزان (4/ 211)، وانظر ترجمته في: الكامل (6/ 2348).
[2])) لم أجده في كتب الموضوعات منسوباً
لابن عباس، وإنما يُنسب إلى ابن مسعود كما سيأتي، ولعل المصنفين في الموضوعات لم
يعثروا على كتاب موسى بن عبد الرحمن. ثم وجدته في كتاب الدعاء للطبراني (3 /1422)
رقم: (1334).
[3])) لم أجد هذه العبارة في المطبوع من
"الكامل"، وقد سقطت ترجمته مع عدد من التراجم من المخطوطة التي عندي،
والذي في المطبوع (6 /2348) بعد أن ساق في ترجمته أربعة أحاديث، قال: "وموسى
بن عبد الرحمن هذا لا أعلم له أحاديث غير ما ذكرته، وقد يقبل بابن جريج، عن عطاء،
عن ابن عباس. وهذه الأحاديث بواطيل".
وأعتقد أنه قد وقع تحريف في قوله، وقد
يقبل، فهذه العبارة لا تتناسب مع قوله: وهذه الأحاديث بواطيل. والأحاديث إنما
أوردها من روايته، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وإذا كان ابن عدي لا يعلم له إلا هذه
الأحاديث الأربعة، وقد حكم عليها بأنها بواطيل، فكيف يستقيم القول بأنه قد يُقبل
بابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
والعبارة التي نقلها شيخ الإسلام عن
ابن عدي، نقلها الذهبي. الميزان (4/ 211). مما يؤكد صدق نقله رحمه الله، ويؤكده
كلام ابن حبان الآتي.
[4])) كتاب المجروحين (2 /242) ، وبعد هذا
الكلام الذي نقله شيخ الإسلام بالحرف: "وألزقه بابن جريج، عن عطاء، عن ابن
عباس".
[5])) أورده السيوطي، في اللآلئ المصنوعة (2
/356)، من طريق فيها عمر بن صبح، ثم قال: "موضوع، والمتهم به عمر بن
صبح"، ثم قال في (ص 357): "قلت وله طريق آخر أخرجه الخطيب في الجامع، ثم
ساقه بالإسناد الذي ذكره شيخ الإسلام. وهو في الجامع للخطيب (2/ 261)، برقم (1793)،
بالإسناد المذكور.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات
(2/174)، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 322)، من طريق عمر بن صبح، وزاد ابن عراق
قوله: "ورواه أبو الشيخ في الثواب، من حديث أبي بكر الصديق، من طريق عبد
الملك بن هارون بن عنترة الشيباني الدجال، مع ما في سنده من الإعضال".
[6])) قاله الذهبي في الميزان (4/ 199).
[7])) ذكره الدارقطني في الرواة عن مالك،
ساق له حديثاً وقال: "باطل منكر، وموسى بن إبراهيم ومن دونه ضعفاء".
اللسان (5/ 405) في ترجمة محمد بن نصر بن عيسى.
[8])) لم أجد ترجمته في المجروحين، ولا يبعد
أن تكون قد سقطت، وفي الميزان (4/ 199) ، واللسان (6 /111) "كذّبه يحيى وقال
الدارقطني وغيره متروك"، ثم قال فمن بلاياه ثم ذكر طرفاً من حديث ابن مسعود. وقال
العقيلي في الضعفاء (4/ 166): "منكر الحديث"، وساق له حديثاً وقال:
حديثٌ باطل (4/ 167).
[9])) في اللآلئ المصنوعة، وتنزيه الشريعة،
في الموضعين المذكورين سابقاً.
[10])) قال أبو حاتم: "أحاديثه
موضوعة". الميزان (2/ 83).
[11])) لم أجده؛ فليبحث عنه.