أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 يونيو 2022

زكاة الزيتون أ. د. سلمان بن نصر الداية

زكاة الزيتون

أ. د. سلمان بن نصر الداية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ إن مما أنعم الله به على عباده نعمة الزرع والثمر، ومن جملة الثمر: ثمرة الزيتون المباركة، التي ذكرت في القرآن الكريم في مواضع متعددة، فقد أخبر الله تعالى أن شجرتها مباركة؛ فقال: {شجرةٍ مُباركةٍ زيتونة} (النور: ٣٥)، وأقسم بها في موضع آخر؛ فقال سبحانه: {والتين والزيتون} (التين: ١)، وذكرها في مقام الامتنان على عباده؛ فقال جل شأنه: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ} (النحل: ١١)، وقال سبحانه: {وزيتوناً ونخلاً} (عبس: ٢١)، وقال في مقام بيان قدرته: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} (الأنعام: ١٤١).

وهذا بحثٌ موجز نفيس في بيان حكم زكاة الزيتون، وما يجب على المكلف في ذلك، ويقع هذا البحث في مقدمة، ومطلب واحد وخاتمة، وتحدث الباحث في المقدمة عن فضل الزكاة، والترهيب من منع إخراجها.

وأما المطلب فتحدث فيه عن حكم زكاة الزيتون، ومذاهب العلماء فيه، ثم ذكر في الخاتمة القول الراجح في هذه المسألة، مع ذكر مسوغات الترجيح.

وقد رجَّح الباحث المذهب القائل بعدم وجوب الزكاة في الزيتون، وأن الزيتون عندنا مما عفا عنـه، كعفـوه عـن الخـضراوات والفواكه.

وإليك البيان:

اختلف العلماء في وجوب الزكاة في الزيتون على أقوال:

١) ذهب الشافعية  في الجديد والظاهرية إلى أنه لا زكاة في الزيتون؛ وهو رواية عن أحمد، وبه قال الحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد.

٢) وذهب الحنفية والمالكية إلى أن فيه الزكاة، وهو قول الزهري والأوزاعي، والليث،والثوري، وأبو ثور، وهو قول الشافعي في القديم، ورواية عن أحمد، وقول ابن عباس. واختلفوا في كيفية زكاته:

أ- فقال الزهري، والليث، والأوزاعي: يخرص فتؤخذ زكاته زيتاً.

ب- وقال مالك: لا يخرص، بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق.

ومنشأ الخلاف بين الفريقين:

هو اختلافهم في تعلق الزكاة بالأصناف الأربعة المذكورة في الحديث، وهي (القمح، والشعير، والتمر، والزبيب)، هل هو:

واجبٌ لعينها، أو لعلة فيها، وهي الاقتيات والإدخار؟ 

أ- فمن قال: يجب لعينها، قصر الوجوب عليها.

ب- ومن قال: يجب لعلة الاقتيات، عدى الوجوب لجميع المقتات.

واختلفوا: هل الزيتون هو قوت، أو ليس بقوت؟

أ-فمن قال إنه قوت: أوجب الزكاة فيه.

ب-ومن قال ليس بقوت: لم يوجب الزكاة فيه.

واستدل القائلون بوجوب الزكاة في الزيتون:

1) تغليب الأدلة القائلة بعموم الزكاة في كل ما أخرجته الأرض، ومن ذلك قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} (الأنعام: ١٤١) أي: يوم جزّه وقطعه.

وجه الدلالة: أن الزكاة تجب الزكاة في كل ما خرج من الأرض باستثناء ما أجمع الفقهاء على أنه لا زكاة فيه كالحشيش النابت من الأرض، والحطب والقصب.

واعترض عليه: بأن الآية تحكي حكْماً أَمر االلهُ به المؤمنين قَبلَ أن تفرض عليهم الزكاة المعلومة، فكانوا إذا مر بهم أحد يوم الحصادِ أو الجِذَاذِ أطعموا منه، فليس المقصود إذن بيان حكم الزكاة.

ثم إن الله -سبحانه -نسخ الحكم الوارد في الآية بالزكاة، وممن قال بالنسخ: ابن عباس، وابن الحنفية، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وانتصر له ابن جرير الطبري.

3) استدلوا بعموم حديث ابن عمر، مرفوعاً (فيما سقت السماء العشر،  وفيما سُقي بالسواني أو النضح نصف العُشر) "صحيح".

وجه الدلالة: أن الحديث يعم كل ما تخرجه الأرض، ويدخل في عمومه الزيتون؛ فإن كان يسقى بماء السماء والنهر أو كان عثرياً ففيه العشر، وإن كان بالنضح فنصف العشر.

واعترض عليه: بأن أن الحديث إنما جاء لبيان القدر الواجب إِخراجه مما تجب فيه الزكاة من نبات الأرض، وليس المراد منه العموم في كل ما أخرج منها؛ لأنه ورد في السنة ما يخصص الزكاة في أصناف معينة من الحب والثمر.

فأجاب الموجبون: بأن الحديث جاء للعموم في كل مسقي، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه، ولا تعارض في إيجاب الزكاة في الزيتون مع إيجاب الزكاة في غيره.

ورد عليهم: بأنه لو كانت الزكاة واجبةً في الزيتون وغيره؛ لبينها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكنه لم يفعل، وكذلك أصحابه من بعده.

4) وعن الأوزاعي أن ابن شِهابٍ الزهري، قال: (مضت السنة في زكاة الزيتـون أن تؤخذ ممن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعـلاً العشر، وفيما سقي بالرشاء أو النضح نصف العشر).

ويُجاب عليه: أن هذا الأثر موقوف لا يعلم اشتهاره، ولا يحتج به على الصحيح. وقد جاء ما يُعارضه من حديث معاذ الآتي: (لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة) "صحيح" ولم يذكر منها الزيتون.

5) أنه يمكن ادخار غلة الزيتون؛ فأشبه التمر والزبيب.

ويُجاب بأن الزيتون لم يخرج الصحابة زكاته، ولا أمروا بذلك، ولم يثبت ذلك عنهم، فيكون ترك زكاته إجماعاً منهم.

واستدل القائلون بالمنع:

1) أن النص جاء بحصر الزكاة في أربعة أصناف، كما في حديث معاذ بن جبل، قال لهما لما بعثهما إلى اليمن: (لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير، والحنطة، والتمر، والزبيب) رواه البيهقي في الكبرى.

2) في قوله تعالى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعام: ١٤١).

وجه الدلالة: أن الله تعالى ذكر الزيتون والرمان في سياق واحد، ولا زكاة في الرمان عند الأكثـر دون أبـي حنيفة، فلزم –بسبيل المجاورة – أن يكون الزيتون كذلك ليس فيه زكاة.

واعترض عليه: بأن الآية إنما وردت عامة فيما يقتات ويدخر، فخرج بذلك الرمان؛ لأنه لا يقتات ولا يدخر، وبقي ما عداه تحت حكم العموم، ومن جملة ذلك الزيتون؛ لأنه عندهم يُقتات ويدخر. أما أبو حنيفة، فقد أفاد أن الآية على عمومها لم يخصصها شيء، وبالتالي يدخل في ذلك: الزيتون والرمان معاً.

وقالوا: يوم حصاده هو يوم قطعه، فذلك قد يكون في الخضر، وفي كل ما يقطع من الثمار عـن شجرة، سواء كان بالغاً أو أخضر رطباً.

ويُجاب عليه: بأن المرجع في معرفة الأصناف التي تجب فيها الزكاة، هو أقوال النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -والآثار الورادة عن أصحابه، ومن ذلك:

ما رواه سفيان قال: بعث الحجاج بموسى بن المغيرة علـى الخـضر والسواد، فأراد أن يأخذ من الخضر الرطاب والبقول، فقال موسى بن طلحة عندنا كتاب معاذ عن رسول االله -صلى الله عليه وسلم -(أَنَّه أَمره أَن يأْخُذَ مِن الحنْطَةِ والشَّعِيرِ والتَّمرِ والزبِيبِ). قَـال: فَكَتَب إِلَى الحجاجِ فِي ذَلِك، فَقَالْ : صدق. وفي رواية له: (أنه ليس في الخضر شيء).

وروى البيهقي وابن الجارود بإسناد صحيح، عن موسى بن طلحة: (أن مـعاذاً لم يأخذ من الخضروات صدقة).

3) عـن أبي موسى، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -بعثهما إلى اليمن، فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم، فقال: (لَاْ تَأْخُذَا الصدقَة إِلَّاْ مِـن هـذِهِ الَأْصـنَافِ؛ الأَربعـةِ: الشعيِر، والحنطةِ، والزبيبِ، والتمر).

الشاهد: أفاد الحديث برواياته حصر الزكاة في الأصناف الأربعة التي اجتمعت فيها صفتي القوت والادخار. وقد ألحق كثير من العلمـاء المالكية والشافعية والحنابلة كل ما تتحقـق فيـه علة القوت والادخار.

ولا يخفى أن الزيتـون ليس مما يُقتات عليه، ولا مما يدخر يابساً، فإنـه كالخضروات، كما ذكر الإمام أحمد في رواية المذهب، وإن زيته من الإدام لا من القوت كما ذكر الشافعي في الجديد، وعليه فلا تجب فيه الزكاة.

كما أن المقصود بالزكاة سد الخُلة، ولا يكون ذلك إلا بما يُقتات عليه؛ فيخرج بذلك الزيتون من عموم ما أخرجته الأرض.

واعترض عليه: بأن الزيتون من أعظم القوت، وأنه يدخر زيتاً ، ويدخر حباً.

والجواب: أن هناك ما هو أعظم قوتاً من الأصناف الأربعة، مع إمكان إدخاره، ولم يوجب النبيُّ صلى الله عليه وسلم -فيها الزكاة، ولا أصحابه من بعده، فعُلم بطلان هذه الحجة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق