صلح الحديبية وأبعاده السياسية المعاصرة
د. عبد الحكيم الفيتوري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا كتاب نفيسٌ حقاً، في باب من أخطر أبواب الشريعة، وهو باب السياسة الشرعية، وقد جمع بين فقه الدين والدولة، والإنسان والحياة، ويمثل النظرات السياسية الفاحصة، والتأملات الحركية الدقيقة في واقعة من وقائع السيرة النبوية العطرة، وهي واقعة الحديبية، انطلق المؤلف من خلالها ليربط الماضي بالحاضر، وليخرج بتأصيلٍ جديد وفق الضوابط الشرعية والنظرة المقاصدية، ومن خلال النظر في غزوة الحديبية، وقراءة الخارطة السياسية لها نجد أنها كانت فتحاً مُبيناً على الصعيد الفكري والدعوي، وعلى الصعيد السياسي والاستراتيجي، ومن الناحية الاجتماعية والسلوكية، ومن الناحية العسكرية والأمنية.
وقد لاحظنا كيف أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانت سياسياته واقعية، وقد أخذت بعين الاعتبار عامل: الزمان، والمكان، والإنسان، وضرورة التفريق بين فقه الاستضعاف وفقه الاستخلاف، وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، والميسور لا يسقط بالمعسور، وأنه في عالم السياسة لا توجد عداوة مستمرة، ولا محبة دائمة مستمرة، ولكن توجد مصالح مشتركة دائمة، ويجب مراعاتها واعتبارها لا سيما في مراحل التأسيس، وأطوار التمكين.
وقسم الباحث دراسته إلى مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة.
أما المبحث الأول: فتناول فيه نص صلح الحديبية، وذلك باستقراء الوقائع من خلال كتب السنن والسيرة.
أما المبحث الثاني: فتناول صلح الحديبية من منظور سياسي، وفيه بيان الرؤية السياسية للصلح في بنوده العشرة، وهي:
-تقرير مبدأ الحوار.
-تقرير مبدأ تعظيم حرمات الله.
-تقرير مبدأ التفاوض.
-تقرير مبدأ المصالحة.
-تقرير مبدأ الهدنة.
-تقرير مبدأ المخالفة.
-تقرير مبدأ الاتفاقيات الأمنية المتبادلة.
-تقرير مبدأ الاعتراف المتبادل والانفتاح على العالم.
-تقرير مبدأ توقيع اتفاقيات إعلامية.
-تقرير مبدأ مراعاة المقاصد الكلية في السياسة الشرعية.
أما المبحث الثالث: فتناول فيه بعض المفاهيم في السياسة الشرعية:
ومن ذلك: سياسة التحالف، والمعاهدة، والصلح، وتعريف المصلحة والقوة في إطار الدولة، ومفهوم الدبلوماسية.
بعض المعلومات المهمة عن غزوة الحديبية
التاريخ: الاثنين، ١ ذي القَعدة ٦ هـ
السبب: رؤيا رسول الله أنه يؤدي العمرة بمكة مع أصحابه.
مدة المكث في الحديبية: بضع عشرة ليلة أو عشرين ليلة.
المدة التي استغرقها حتى رجوعهم إلى المدينة: شهراً ونصف.
النتائج: عقد صلح الحديبية، والذي كان نصراً إعلامياً وسياسياً رفيع المستوى.
* أهم الأحداث:
١-خرج النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -إلى مكة في ١٤٠٠ من أصحابه، وأحرم من ذي الحُليفة، وقلد الهدي.
٢-نزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -بعُسفان، وصلى بها صلاة الخوف، وكان المشركون نزلوا بوادٍ أمام عُسفان يُسمى "كراع الغميم".
٣-ثم اتجه بطريقٍ آخر وعر، إلى أن وصل ثنيَّة المرار (=وهي طريق سهلة في الجبل تشرف على وادي الحديبية)، وبها أمر النبيُّ أصحابه أن يقولوا الكلمة التي حُطت عنهم بها خطاياهم، وهي (استغفر الله وأتوب إليه).
٤-ثم سار حتى نزل بأقصى الحديبية، على بئر قليل الماء، وعقد هذا الصلح، وأمطرت عليهم السماء.
٥-انصراف الرسول عن الحديبية إلى "كراع الغميم"، ونومهم عن صلاة الصبح، ونزول سورة الفتح عليه بها ليلاً.
* المعجزات:
١-توقف القصواء "ناقة النبي" فجأة، وبروكها في الحديبية، وقوله: (حبسها حابس الفيل).
٢-عودة الماء إلى البئر بعد جفافه، وذلك بعد أن مجَّ فيه النبيُّ-صلى الله عليه وسلم -، وألقى فيه سهماً من كنانته.
* أبرز الأشخاص المذكورين في الحديبية:
١-أبو بكر الصديق: أشار على النبيّ -صلى الله عليه وسلم - بترك قتال الأحابيش الذين أرادوا التعرض للمسلمين، والمضي في طريق العمرة، وهو الذي أشار على عمر بترك الاعتراض على الصلح، وقال له: (الزم غرزه).
٢-عمر بن الخطاب: أشار على النبيّ -صلى الله عليه وسلم -أن يأخذ معه السلاح حسباً لنشوب القتال، وأراد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - ببعثه إلى قريش ليبلغهم رسالته، فاقترح أن يبعث غيره، فوقع الاختيار على عثمان، وهو أول من اعترض على وثيقة الصلح مع قريش.
٣-عثمان بن عفان: وقد بعثه الرسول إلى قريش بإشارة من عمر بن الخطاب؛ ليبلغ قريشاً خطة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - إلى قريش، ولقي المشركين في مكان قريب من مكة يُسمى "بلدح"، وبايع النبيّ -صلى الله عليه وسلم - في الحديبية.
٤-علي بن أبي طالب: كاتب وثيقة الصلح، وقد أبدى اعتراضاً على بعض مطالب قريش فيها.
٥-أبان بن سعد بن العاص: أجار عثمان لما وفد إلى قريش وحب به، ودخل به إلى مكة، ليبلغ زعماء قريش رسالة النبيّ -صلى الله عليه وسلم.
٦-بشر بن سفيان الكعبي الخزاعي: خرج في طليعةٍ استكشافية إلى مكة؛ ليتحسس أخبار المشركين، وهو صاحب المقولة: (هذه قريشٌ قد عزمت المسير إليك ومعها العوذ المطافيل).
٧-بُديل بن ورقاء الخزاعي: مثَّل دور الوساطة الخزاعية بين النبيّ -صلى الله عليه وسلم - وقريش، لحل هذه الأزمة، واقترح على المسلمين عمل هدنة حتى يتضح لقريش الأمر، ولما ذهب إلى قريش اتهموه بموافقة المسلمين، وخاطبوه بما يكره، فتركهم.
٨-الحلس بن علقمة الكناني: سيد الأحابيش (وهم جماعةٌ تحالفة مع قرسش وتضم كنانة وخزاعة)، وقد جاء وافداً إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -لمفاوضته، ثم رجع لما رأى أن المسلمين كانوا يُلبون يسوقون الهدي في بدايات الصلح.
٩-خالد بن الوليد: كان ينصب كيمناً للمسلمين أثناء توجههم إلى العمرة، لكن المسلمين ذهبوا في اتجاهٍ آخر.
١٠-عباد بن بشر: كان في مقدمة الطليعة التي أرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم -، في طريقه إلى الحديبية.
١١-عروة بن مسعود الثقفي "أبو يعفور": مثَّلأ وساطة قريش لدى النبيّ -صلى الله عليه وسلم -، في محاولة لثني النبيِّ وأصحابه عما عزموا عليه، لكنه فشل.
١٢-المغيرة بن شعبة: كان الحارس الأمين للنبيِّ في الحديبية، وكان له موقفٌ صلدٌ من عمه المشرك عروة بن مسعود، أثناء تفاوضه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
١٣-مكرز بن حفص بن الأخيف: هو أحد سفراء قريش، وكانت فيه غلظة وفجور، ولم يفلح بإبرام الصلح مع المسلمين، وقال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (هذا رجلٌ غادر)، وكان أحد الشهود مع سهيل بن عمرو على عقد الصلح الذي أبرمه.
١٤-سهيل بن عمرو الخزاعي: هو الذي أبرم الصلح مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم -يوم الحديبية.
١٥-خراش بن أمية الخزاعي: هو مبعوث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -إلى قريش ليبلغهم ما أراده في الحديبية، فعقروا ناقته وكانت تُسمى "ثعلب"، ودخل في حماية الأحابيش حتى عاد لرسول الله.
١٦-صخر بن حرب "أبو سفيان": لقيه عثمان، وبلغه رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم -إلى مكة.
١٧-صفوان بن أمية: لقيه عثمان، وبلغه رسالة النبيّ -صلى الله عليه وسلم -إلى مكة.
١٨-سلمة بن الأكوع:أحد المسلمين الذين شهدوا الحديبية، وروى أحداثها، وقد بايع النبيّ -صلى الله عليه وسلم -في أول الناس وأوسطهم وآخرهم عند الشجرة، وكان خادماً لطلحة بن عُبيد الله في رحلته إلى الحديبية، وأسر جماعة من المشركين حاولوا الانقضاض على المسلمين.
١٩-الجد بن قيس، أخو بني سلمة: امتنع من البيعة يوم الحديبية؛ لنفاقه.
٢٠-عبد الله بن وهب، أبو سنان الأسدي: أول من بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الرضوان.
٢١- أبو جندل بن سهيل بن عمرو: أحد الذين أسلموا بعد الصلح، فرده الرسول بموجب المعاهدة مع أبيه "سهيل بن عمرو" الذي عقد الصُّلح، لكنه التحاق بأبي بصير ومن معه، إلى أن طلبت قريش من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -ردَّهم إليه، فلحقوا بالمدينة وكانوا من الستين إلى السبعين.
٢٢- "أبو بصير" عتبة بن أسيد: أحد الذين كانوا يقطعون على قريش الطريق بعد رفضهم العودة إلى مكة بعد إسلامهم، ومكثوا خلال ذلك "بسيف البحر"، ولما وصل كتاب النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -إليهم أن يقدموا المدينة، لفظ أنفاسه الأخيرة بثغره الذي رابط فيه.
٢٣- أسيد بن حضير: سيد الأوس، أبدى معارضةً لاتفاقية الصلح.
٢٤- سعد بن عبادة: سيد الخزرج أبدى معارضةً لاتفاقية الصلح.
٢٥- أم سلمة: أشارت على الرسول بنحر الهدي والحلق، لما امتنع المسلمون عن امتثال أمره في ذلك؛ فلما فعل فعلوا.
٢٦-أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: كانت إحدى المهاجرات من مكة إلى المدينة بعد عقد الصُّلح، وقد أبى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يردهُنّ.
٢٧-كعب بن عجرة: وقف على رسول الله ورأسه يتقاطر قملاً، فأمره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -أن يحلق رأسه ويفدي.
٢٨-نميلة بن عبد الله الليثي: استعمله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -على المدينة في هذه الغزوة.
* السياسة النبوية في هذه الغزوة:
١-الأخذ بالأسباب حينما قبل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -مشورة عمر باصطحاب السلاح.
٢-استشارة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -أصحابه لما بلغه خبر استعداد قريش لملاقاته، واختياره المرور من طريق آخر.
٣-اتخاذ التدابير الأمنية، من خلال تغيير الطريق المعتادة إلى طريقٍ آخر تفاياً للقتال مع جيش خالد.
٤-إظهار قوة الجيش العسكرية من خلال اقتراب النبيّ -صلى الله عليه وسلم -من مكة، وهي قاعدة المشركين في لك الوقت، مما يدل على قوة الجيش؛ لأنه لم يفر من أمامهم.
٥-استقبال الوفد المفاوض والتعامل معه.
٦-إقرار مبدأ الهدنة لكسب الوقت، وتحييد بعض الأطراف من الصراع، وإضعاف حماس العدو لدى القتال.
٧-التصدي لموجة الإشاعات المغرضة التي هدفت لزعزعة الصف المسلم، وحاولت التأثير في نفوس المسلمين، لا سيما عروة بن مسعود.
٨-استغلال المواقف في تكثير المؤيدين والمناصرين للمسلمين في حقوقهم المشروعة والعادلة، كما جرى مع سيد الأحابيش الحلس بن علقمة، وزعزعة الصف الداخلي للعدو.
٩-الوفاء بالعهد والتزام الكلمة والصراحة والموضوعية مع الوفود والمبعوثين.
١٠- احترام المعارضة النزيهة المتمثلة ببعض المسلمين، الذين اعترضوا على بنود الصلح، وتشجيع الأتباع على إبداء الآراء السليمة التي تخدم المصلحة العامة.
١١-استعمال طرق جديدة في حرب المشركين، ومنها حرب العصابات وقطع الطرق.
١٢-مشروعية الهدنة بين المسلمين وأعدائهم إلى مدة معلومة، بعوض أم بغير عوض.
* أهم الأحكام الفقهية والعقدية في هذه الغزوة:
١-حكم القيام على رأس الكبير وهو جالس؟ (قيام المغيرة بن شعبة على رأس النبيّ).
٢-استحباب الفأل، ومغايرته للطيرة (تفاؤل النبيَِّ بقدوم سهيل بن عمرو).
٣-بيان كفر أن من اعتقد أن للكوكب تأثيراً في إيجاد المطر، وأخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -بذلك بعد صلاة الصبح بالحديبية.
٤-التبرك بآثار النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفضلاته.
٥-حكم الإحصار في العمرة والحج.
٦-الفدية من حلق الرأس إذا آذته هوام رأسه كما جرى مع كعب بن عجرة.
٧-مشروعية الصلاة في الرحال، حيث نادى المؤذن بالحديبية: صلوا في رحالكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق