رأس الحسين
تأليف الإمام المجتهد المُحقق
تقيُّ الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الدمشقي
(661 -728 هـ)
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة
١. ولد الحسين رضي الله عنه في المدينة المنورة، ليلة 5/ شعبان، في العام 4 ﮪ.
٢. ولما ولد اذن النبي ﷺ في اذنه، وسماه حسيناً، وعقَّ عنه، وتصدق بزنة شعره فضة، وكان يحبه حبا جما؛ ولذلك قال فيه:
♢ "حسين مني وانا من حسين"...
♢ "أحب الله من أحب حسينا"...
٣. وكان الحسين كثير الصلاة والصوم والصدقة والحج؛ فقد روي عنه انه حج 25 حجة، ملبيا ماشيا..
٤. ولما توفي النبي ﷺ، كان الحسين مكرما معززا عند أبي بكر؛ الذي ما فتئ يوصي به وبأهله، فهم آل النبي، فكان يقول: "ارقبوا (أي: أكرموا) محمدا بإكرام أهل بيته"..
٥. ولما ولي عمر بن الخطاب الخلافة، كان يؤثره- وهو غلام- على ابنه "عبد الله"..
٦. وفي خلافة عثمان، كان قد جاوز العشرين من عمره، وانتظم في جيش المسلمين، الذي امتدت فتوحاته من طبرستان شرقا، إلى بلاد المغرب غربا، إلى بلاد فارس شمالا على ساحل بحر قزوين..
٧. وفي خلافة أبيه (علي بن ابي طالب)، حضر معه موقعة الجمل بالبصرة، وموقعة صفين، وغيرها..
٨. ولما استقر الحكم لمعاوية رضي الله عنه، ودانت له الدنيا، انضوى الحسين تحت حكمه، بعدما تنازل اخوه الحسن عن الخلافة طوعا، وحقنا لدماء المسلمين..
٩. ولما توفي معاوية، قام بأمر الخلافة من بعده ابنه يزيد، الذي كتب إلى والي المدينة "الوليد بن عتبة" يطلب منه أن ياخذ البيعة من الحسين.. ولكن الحسين امتنع عن مبايعته..
١٠. ولما علم اهل الكوفة بذلك، وكانوا اهل شقاق ونفاق، كتبوا إليه: "أن الحق بنا نبايعك وننصرك، ونسلم امرنا إليك، ونحن نموت دونك، وإن مائة ألف فارس مجرب ينصرونك"، فصدقهم الحسين، ولم يعلم انهم غرروا به، وكذبوا عليه، وأنهم إنما ارادوا الفتنة ..
١١. وعندما اقترب الحسين من ابواب الكوفة، وكان معه أهل بيته، وسبعين فارسا من أولاد عمومته وصاحبته المقربين، اكتشف أن الأمر خديعة، وأدرك انه يسير إلى كمين..
١٢. وفي لحظة مباغتة، وجد الحسين نفسه أمام جيش مكون من اربعة آلاف مقاتل، في منطقة "كربلاء"، وقام هذا الجيش بمحاصرتهم، ومنع الماء والمدد عنهم..
١٣. وأدرك الحسين حقيقة ما يعدونه له، فعرض على قائد الجيش "ابن زياد"، ثلاثة عروض لإنهاء الموقف؛ وهي:
- أن يتركوه يرجع إلى مكة.
(أو)
- أن يذهب إلى يزيد ويتفاوض معه لحل الخلاف.
(أو)
- أن يتركه ليتوجه إلى أحد ثغور المسلمين؛ ليشترك معهم في الجهاد.
١٤. ولكن ابن زياد رفض العروض جميعها، ولم يقبل بواحدة منها، فقد كان يبتغي قتل الحسين والخلاص منه..
١٥. ولما أدرك الحسين انه سيقتل لا محالة، أراد دفع الأذى عن أصحابه وأهل بيته، فأمرهم بالمغادرة، والعودة؛ ليبقى هو وحده أمامهم، وقال لهم: "لقد بررتهم وعاونتم ولكنهم لا يريدون غيري.. ولو قتلوني لن يبتغوا أحدا غيري"..
١٦. فرفض أصحاب الحسين خذلانه في موقف يتطلب فيه النصرة، وقالوا له: "والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا.. ونقاتل معك، حتى نرد موردك"..
١٧. ولم يكن الحسين هو المبادر للقتال، بل اكتفى بالجلوس هو اصحابه في مكانهم، حتى إذا عطش طفله "عبد الله"، تقدم إلى الفرات ليسقيه، فأرسل جيش ابن زياد سهما في قلب الطفل، وسهما في وجه أبيه الحسين..
١٨. فهب الفرسان للدفاع عن أميرهم وصاحبهم "الحسين"، فكانوا يتلقون موجات ضاربة، وكتل صماء من الجنود، حتى صرعوا جميعا وقتل الحسين، وقطع راسه، ومثلوا بجسده، وهو يذب عن خيام اهله ونسائه، وذلك في 10/ محرم/ سنة 61ﮪ..
وجاءت الروايات بأن "شمر بن ذي الجوشن" هو الذي قام بقطع رأس الحسين، بعد أن سدد إلى عنق الحسين اثنتي عشرة ضربة، كان آخرها انفصال الراس الطاهر..
وكان "لابن ذي الجوشن" ضلع عظيم في تحريض ابن زياد وتغريره وتجريئه على قتل الحسين..
١٩. ولم ينج من ذريته واهله سوى النساء، وابنه "علي زين العابدين"، الذي كان مريضا وقت الحادثة، وقد اخذوا جميعا سبايا إلى الكوفة..
٢٠. واتفقت الأقوال على أن جسد الحسين دفن مع أصحابه الذين قتلوا معه في كربلاء.. وذلك في اليوم التالي للحادثة، وقبره معروف هناك إلى اليوم..
٢١. أما رأس الحسين؛ فاختلفوا فيه:
▪ فقيل: بعثه يزيد إلى المدينة؛ وأمر بدفنه في البقيع، بجوار قبر أمه وأخيه الحسن.. وهو ما نرجحه، ويؤيده قول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فيقول: " أما (رأس الحسين)؛ فمدفون بالمدينة عند قبر أمه فاطمة... وأما (بدن الحسين)؛ فمدفون بمصرعه هناك (بكربلاء)، ولم ينبش ولم يمثل به أحد!.."..
▪ وقيل: دفن بمدينة "مرو" بخراسان، وهو بعيد..
▪ وقيل: دفن بمدينة "الرقة" بالعراق..
▪ وقيل: دفن "بدمشق" عند باب الفراديس..
▪ وقيل: دفن بعسقلان، بعد أن طيف به في كل الأمصار..وقواه بعضهم. والصحيح أنه قول ضعيف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "و(المشهد العسقلاني) انشأ بعد عام 490 ﮪ، أي بعد مقتل الحسين بأكثر من 430 سنة...".
▪ وقيل: دفن في مصر، وهو قول لا يصح بحال؛ وذكر هذا القول: ابن خلكان (608 ﮪ / 681 ﮪ) في تاريخه، وابن بطوطة (703ﮪ/ 779ﮪ) في رحلته، ويذكر انه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن المشهد المنسوب إلى الحسين بن علي في (القاهرة) كذب مختلق بلا نزاع، وهو منقول عن (المشهد العسقلاني)، وهو ايضا كذب"..
وقال: "وأما (المشهد المصري)؛ فأنشأوه بعد مقتل الحسين بما يقرب على 500 سنة، وهذا باتفاق أهل العلم...".. اي حوالى سنة ( 548ﮪ) تقريبا..
واتفق الناقلون لذلك أن الذي قام بنقل الرأس من عسقلان إلى مصر، هو الرافضي العلوي المصري: الصالح طلائع بن رزيق (وزير الفاطميين في مصر) (495 ﮪ/ 556 ﮪ)، والذي قام بدفع مبلغ ثلاثين ألف دينار للفرنجة، حتى يمكنوه من نقل الرأس من عسقلان إلى مصر..
ومعلوم أن الفرنجة استولوا على فلسطين وعسقلان في العام (548 ﮪ)، وخلصها صلاح الدين من أيديهم في العام (587 ﮪ)..
وعليه؛ فإن ابن بطوطة وابن خلكان وغيرهم لم يدركوا الواقعة أصلاً، فكيف يجزمون بذلك، ويصيرونها، وكأنها رؤيا عين..
وكيف تجرأ ابن بطوطة على القول بأنه شاهد نقل الراس، وقد كان ذلك قبل مولده..!!..
ويبدو أن ابناء تلك الحقبة قد تأثروا بما تناقله الناس في مصر، من وجود راس الحسين عندهم، بحيث تصعب مخالفتهم، أو القول بغير قولهم..
أضف إلى ذلك محبة المصريين الجامحة لأهل البيت سيما وأن فترة الفاطميين قد أثرت فيهم ايما تأثير، مع طول المدة، وتجذر التشيع فيها..
ونذكر منهم،
_ ابن الميسر (المؤرخ المصري، ت 677 ﮪ).
- وأحمد القلقشندي المصري (756 ﮪ/ 821 ﮪ).
- وإبراهيم بن وصيف شاه (ت 599 ﮪ)، وهو اقربهم إلى الحادثة، ونقل ذلك، وقد نقل الراس قبل خمسين عاما من وفاته، ولاننا لا نعلم ولادته، فإننا لا ندري هل راى الحادثة بعيني رأسه، وعلى فرض انه رآها، فإنه لم يرد عنه ولا عن واحد منهم انه رأى حقيقة راس الحسين..
- ومنهم المقريزي المصري (766 ﮪ/ 845 ﮪ ).
- وقد عاين قبر الحسين الرحالة ابن جبير الأندلسي (540 ﮪ/ 614 ﮪ)، وذلك في العام (578 ﮪ)، أي بعد دفن الرأس ب (29) عاما.. والصحيح أنهما لم يدركا حادثة النقل ولا رأياها..
يقول ابن جبير عن الرأس: "وهو في تابوت فضة، مدفون تحت الأرض، وقد بني عليه بنيان جميل يقصر الوصف عنه، وهو مجلل بانواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعا ابيض، وعلقت عليه قناديل الفضة.." الخ.
- ولما جدد الأمير "عبد الرحمن كتخدا" المشهد الحسيني في العام (1175 ﮪ)، ذكر المؤرخ "عثمان ملوخ" في كتابه (العدل الشاهد)، ان الشيخان: الجوهري الشافعي، والملوي المالكي، دخلا القبر فرأيا: "كرسي من خشب -كالمنضدة- فوقه طست من ذهب، فوقه ستارة من الحرير الأخضر، داخله الرأس الشريف!!..".
والصحيح أنهما لم يتبينا حقيقة الرأس، ربما لأنهما هابا فتح اللفافة التي عليه..!!.
وعلى كل فقد جدد بناءه "عبد الرحمن كتخدا"، وارخ عليه وكتب:
مسجد الحسين أصل المعاني.. لا يضاهيه في البقاع علاء
فيه فضل الرحمن للعبد نادى ... زر وارخ لك الهنا والرضاء
- وجدد بناءه ايضا "علي ابو الانوار"، وارخه، وكتب عليه:
انشا علي ابو الانوار سيدنا ... بابا لسبط رسول الله ذي الرشد
وحسن إشراق نور الله أرخه ... باب حماه عظيم الجاه والولد
- وجدد بناءه الخديوي إسماعيل، وصنع له منبراً..
- وقام عبد الرحمن التازي بكسوة المحراب بالقاشاني (نوع نفيس من الثياب)، وكتب عليه: اللهم كن برحمتك خير مجازي لمنشئه عبد الواحد التازي..!!
واستمر التجديد لمدة ثمانية قرون، كل يضيف ما يحلو له، ويكتب ما بدا له..
والملاحظ أن النقش على التابوت كتبت عليه آيات لا علاقة لها بالحسين، ولا بتاريخ وفاته، إنما هي آيات كريمات فقط..
- ويذكر أهل التاريخ ان الوزير طلائع، استقبل الرأس حافيا، ووضعه على حرير أخضر، وحمله إلى قصر الزمرد، ودفنه في سرداب القصر، وبقي مدة عام، حتى انشا له ضريح؛ ثم نقل إلى هذا الضريح في العام التالي لوصوله.. وذلك في العام (549 ﮪ).
▪ ومن العجيب أنك إن ذكرت ذلك؛ قالوا: إن لم يكن هذا المكان مثوى راسه؛ فليكن المكان الذي نحيي فيه ذكراه..
...........................
وكتبه، ا. محمد حنونة.
حقوق النشر محفوظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق