أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 يونيو 2022

جزء فيه حديث القلتين بجميع طرقه الثابتة هذا جمع الإمام الحافظ الناقد ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 هـ).

جزء فيه حديث القلتين بجميع طرقه الثابتة

هذا جمع الإمام الحافظ الناقد

ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 هـ).

تحقيق: يوسف بن محمد بن مروان بن سليمان البخاري الأوزبكي المقدسي.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الجزء هو جزءٌ لطيف فريد، ألفه الحافظ الضياء المقدسي في حدود سنة (631 هـ)، وذلك للرد على كلام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النَمريّ المالكي في قوله باضطراب حديث القلتين وضعفه، وبيَّن فيه ثبوت الحديث، وسلامته مما يقتضي ردَّه، وقد فصَّل الكلام عليه، فجاء شافياً كافياً، وقد اختلف العلماء في سند هذا الحديث ولفظه ومعناه ودلالته اختلافًا طويلاً.

والحق أن خير من حقَّق القول فيه ومحَّصه تمحيصًا دقيقًا من جميع وجوهه: الإمام العلامة المحقق شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (تهذيب سنن أبي داود)، ونحن نكتفي هنا بما أورده الحافظ الضياء في جزئه هذا، وما يميز هذا الجزء الحديثي أنه قُرئ بالمسجد الحرام في لقاء العشر الأواخر من رمضان (1432 هـ)، ثم بمحراب المسجد الأقصى المبارك يوم عرفة (1433هـ).

لفظ الحديث:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سُئل رسول الله  عن الماء، وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال: ((إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبَث))، وفي لفظ: ((لم ينجسه شيء)).

طرق الحديث:

رُوي هذا الحديث: عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ والْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ كلاهما، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ.

رواه الحسين بن نصر، وأبو بكر الباهلي وجماعة، عن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق.

 إسحاق بن راهويه وجماعة ()، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن الوليد بن كثير.

ورُوي أيضاً في مسند عبد بن حميد: عن حماد بن سلمة()، عن عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عن عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عن أبيه، مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة: موقوفاً على ابن عمر.

ورواه الحميدي عن أبي أسامة: حدثنا الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، فهذان وجهان.

تخريج الحديث:

رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، وغير واحدٍ من الأئمة.

كلام الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي:

قال في كتابه (التمهيد، 1/ 328- 329) في حدِّ الماء: "وأما الشَّافعيُّ، فحَدَّ في ذلك حدَّاً بين القليل والكثير؛ لحديث ابن عمر عن النبي : "إذا كان الماء قلتين لم تلحقه نجاسة"، أو "لم يحمل خبثاً".

*حجة ابن عبد البر في تضعيف الحديث:

1) أن الحديث مضطرب سنداً، ومثَّل لذلك ببعض طرقه، فقال (1/ 329): فَالْوَلِيدُ يَجْعَلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَجْعَلُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وعاصم بن المنذر، يجعله عَنْ أبي بكر ابن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ.

2) أن الحديث مختلفٌ في وقفه ورفعه: فذكر ابن عبد البر: أن عاصم بن المنذر، رواه عن أبي بكر بن عبيد الله عن ابن عمر موقوفاً، غير مرفوع.

3) أن الحديث مضطرب متناً، ومثَّل لذلك، فقال: قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِيهِ: "إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ"، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: "إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْصُلِ الْخَبَث"، وَهَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ.

4) أن الْقُلَّتَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفَتَيْنِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ.

الأجوبة على إيرادات الحافظ ابن عبد الـبَّـر:

أولاً: قال الدارقطني في هاتين الروايتين: اختلف على أبي أسامة. وصحَّ أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعًا: وكان أبو أسامة مرة يحدث به:

عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عمر. 

ومرة يحدث به عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر.

وبهذا ينكشف الاختلاف في رواية عبد الله بن عبد الله. فيكون –والله أعلم- قد رواه محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيهما.

ثانياً: على تقدير أن الراوي لهذا الحديث واحدٌ من أولاد عبد الله بن عمر: إما عبد الله، وإما عُبيد الله، فهذا لا يمنع من الاحتجاج بالحديث، وتصحيحه، فقد رُوي في الكتب الستة نحو هذا، ولم يمتنعوا من إخراج هذا النوع في كتبهم.

ذكر لذلك أمثلة، وهي:

الأول: وقع عند البخاري في حديث جابر: "كان النبيُّ إذا خطب يقوم إلى جذعٍ منها..."الحديث.

رواه البخاري في علامات النبوة، عن يحيى بن سعيد، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن جابر.

ورواه أيضاً في الصلاة: عن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني ابن أنس، عن جابر.

والصحيح: أن هذا الأمر غير ظاهرٍ في هذا المثال، وقد تعقبه صاحب "أطراف الصحيحين" الإمام أبي مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي، بقوله: نقول فيه: عن يحيى، عن عُبيد الله بن حفص بن أنس، فجعله البخاري عن ابن أنس؛ ليكون أقرب للصواب، ولم يُسمِّه.

الثاني: عند البخاري في باب المغازي والأدب، عن ابن عمر: "أن النبي لما حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئاً، فقال: إنا قافلون غداً إن شاء الله..." الحديث.

فرواه البخاري عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس السائب بن فروخ، عن ابن عمر بن الخطاب.

ورواه مسلم في صحيحه، عن عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وهو هنا أظهر من الأول.

الثالث: حديث أبي أيوب الأنصاري: أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة، فقال القوم: ما له ما له..." الحديث.

رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن شعبة، عن "محمد بن عثمان بن موهب"، وأبيه عثمان بن موهب، أنهما سمعا موسى بن طلحة، يُخبر عن أبي أيوب.

وقال البخاريُّ: أخشى أن يكون "محمد" غير محفوظ، إنما هو عمرو".

وقال ابن أبي حاتم: غلط شعبة في اسمه، إنما هو "عمرو بن عثمان".

ورواه أحمد عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة.

ورواه مسلم عن عبد الله بن عمير، عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة، عن أبي أيوب.

الرابع: حديث أبي عامر، أو أبي مالك: عن النبي : "ليكونن في أمتي قومٌ يستحلون الحرير والخمر" رواه البخاري في الأشربة.

الخامس: هو حديث أبي حميد أو أبي أسيد، عن النبي : "إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك..." الحديث. رواه مسلم في الصلاة.

السادس: حديث كعب بن مالك الأنصاري: "أن النَّبيَّ  كان يأكل بثلاثة أصابع؛ فإذا فرغ لعقها". رواه مسلم في صحيحه، باب الأطعمة، عن عبد الرحمن بن مسعد، عن عبد الرحمن بن كعب، أو عبد الله بن كعب عن أبيه.

السابع: حديث حفص بن عاصم، عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري، عن النَّبيِّ : "سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..." الحديث، رواه مسلم في صحيحه.

الثامن: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أو أبي سعيد بالشك: "لما كانت غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا، فنحرنا بعض رواحلنا..." الحديث، رواه مسلم في الإيمان.

قال المصنف: ولو ذهبنا نعدُّ ما في الصحيح من هذا لطال، وإلى الله المرجع والمآل، وهو حسبنا على كل حال…

ثالثاً: ما ذكره من الاختلاف في وقفه ورفعه، من رواية عاصم بن المنذر، فنقول: إن عاصماً –هذا- رواه عن عُبيد الله بن عبد الله مرفوعاً، ورواه عن أبي بكرة موقوفاً. ورواية من رفعه، أولى بمتابعة رواية محمد بن إسحاق في رفعه، والله أعلم.

رابعاً: أما القول باضطراب المتن: لأن في رواية حماد بن سلمة: "إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثاً"، فقد رواه عنه غير واحدٍ كذلك، وفي بعض رواياته: "إذا كان الماء قلتين"، ولم يقولوا ثلاثاً.

فإذا تبيَّن أن حماد بن سلمة كان يرويه مرَّةً هكذا، ومرةً هكذا، كان الأولى الأخذ بالقول الذي يقول فيه: "قلتين"؛ لموافقة رواية عبد الله بن عبد الله، ورواية محمد بن إسحاق لها، والله أعلم.

خامساً: وأما القول بأن قلال هجر لم تكن معروفة فغير صحيح، فقد روى إسحاق بن راهويه بسنده عن عاصم بن المنذر، قال: القلال الخوابي العظام.

وروى ابن جريج، عن يحيى بن عقيل أنه سأل يحيى بن يعمر، قال: فأظن أن كل قلة تأخذ فرقين.

وقد رُوي في الصحيح من حديث مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ثُم رُفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر"، فدل ذلك على أن القلال معروفة عندهم غير مستنكرة، والله أعلم بالصواب.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق