صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب
لشمس الدين أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية
سليم عيد الهلالي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ الذكر عنوان السعادة والفلاح، وهو الذخر النافع، والعمل الصالح، وهو نورٌ للعبد في الدنيا وفي البرزخ وفي القيامة، وهو الذي يجمع المتفرق ويُفرق المجتمع، ويُقرب البعيد، ويُبعد القريب (ص ١٠٧)، وهو النور الذي يضيء الوجه والقلب والأعضاء (ص ١٠٦)، وهو العمل الذي يُثمر المقامات كلها من "اليقظة" إلى التوحيد (ص ١٠٨)، وبه صلاح القلب الذي عليه مدار نجاة العبد وسلامته في الآخرة، فإذا صلح القلب صلح الجسد.
وذكر ابن القيم في كتابه هذا فصولاً جامعة لصلاح القلب واستقامة الجوارح، والأسباب المعينة على ذلك، وبيّن أن مدار سعادة المرء على ثلاث أمور: شكر النعمة، والصبر على البلاء، والتوبة من الذنب، بالإضافة إلى التقلل من الدنيا؛ لأجل خفة الحساب. ثم أتبع ذلك بالحديث عن استقامة القلب، وجعل لذلك ركنين: الأول المحبة، والثاني: تعظيم الأمر والنهي.
ثم توسع في بيان الدلائل والأسباب المعينة على تعظيم الأمر والنهي، وأن أعظم ما أمر الله به هو الصلاة، وبين خطرها، وخطر الالتفات فيها، ومراتب الناس في أدائها، ثم دلف إلى بيان أن العمل المقبول لا بد أن يكون خالصاً وصواباً، ثم أردف ذلك بذكر أعمال القلوب، وتحدث عن خلوف فم الصائم، والصدقة وآثارها.
ثم تعرض إلى جملة من الأذكار، وفوائدها، وعدَّ منها ثلاثةً وسبيعن فائدةً، وختم بفصول تتعلق بمهمات الأذكار والدعوات في اليوم والليلة، مما ينبغي على كل مسلم الاعتناء بها.
ولا شك أن الذكر يعتبر من الوسائل التي يستعين بها المسلم لتثبيت فؤاده أمام الفتن والمغريات، كما أن الدعاء يعتبر الدرع الواقي للمسلم في تثبيته على عقيدته، وكان النبي صلى االله عليه وسلم يكثر من الدعاء بالثبات فيقول: (اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك) رواه البخاري
وكذلك كان المؤمنون يدعون بالثبات على الأمر والهداية إلى الرشد، قال تعالى: {ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) (البقرة: 250).
فوائد من الكتاب
(ص 12): الكفاية التامة مع العبودية التامة في المحبوب والمكروه، والناقصة مع الناقصة، {أليس الله بكافٍ عبده} (الزمر: 36).
(ص 13): ولكن عدو الله لا يخلص للمؤمن إلا غيلة، فيأخذه على حين غرّة وغفلة، فيوقعه في الذنب والمعصية .. فيظن أنه استفرد به بعدها، وأ، تلك الواقعة قد اجتاحته وأهلكته، ولكن رحمة الله وعفوه ومغفرته وراء ذلك.
(ص15): فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يكلك الله -تعالى -إلى نفسك، والخذلان: أن يكلك الله -تعالى -إلى نفسك.. ولهذا قال ابن تيمية: (العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة التي توجب المحبة، ومطالعة عيب النفس التي توجب الإنكسار).
(ص 16): ولا طريق إلى الله -تعالى -أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوى. والعبودية مدارها على قاعدتين، هما أصلها: حبٌّ كامل، وذلٌّ تام.
(ص 17): تستقيم العبودية باستقامة القلب والجوارح، واستقامة القلب: بسبق محبة الله وتقدمها على محبة من سواه، وتعظيم الأمر والنهي.
(ص 22): ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تُحصر، وليس الشأن في كثرة العمل، وإنما الشأن في حفظ العمل مما يُفسده ويُحبطه.
(ص 26): ومن علامات تعظيم المناهي: التباعد عن أسبابها ومظانها وما يدعو إليها والوسائل المقربة منها .. والغضب لله إذا انتهكت محارمه .. وألا يتشدد تشدد الغالي .. ولا يترخص ترخُّص المفرّط فيسترسل معها.
(ص 39): الالتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان: أحدهما: التفات القلب عن الله إلى غيره. والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهيٌّ عنه.
(ص 44): أقسام الناس في الصلاة: مُفرّط مُعاقب، وملتفتٌ محاسب، ومجاهدٌ مغفورٌ له، ومُقيمٌ لها مثاب، ومُراقبٌ لله مُقرَّب.
(ص 45): القلوب ثلاثة: قلبٌ مُظلمٌ خالٍ من الإيمان، وقلبٌ متردد بين الإيمان والشهوات، وقلبٌ محشوٌ بالإيمان.
(ص 69): وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالتوبة والاستغفار.
(ص 88): و بإزاء القلب السليم قلبان مذمومان في طرفي نقيض: أحدهما (قلبٌُ قاسٍ حجريٌّ) قاسٍ لا رحمة فيه ولا إحسان، ولا علم له بالحق ولا رحمة للخلق. وبإزائه (قلبٌ ضعيفٌ مائي) يقبل كل ما خالطه من خبيث وطيب.
(ص 90): إن أمة فقد فيها نور الوحي، هي أمة ميتة، لا حياة لها ألبتة. كما لا حياة لحيوان في مكان فقد فيه النور.. وإن من لم يقبل هذا النور وهذا الوحي فهو ميت مظلم.. أو هالك مضمحل
(ص 95): والوحي الذي هو حياة القلوب، شبيهُ بالماء الذي هو حياة الأبدان، فشبه القلوب الحاملة له بالأوعية؛ فقلبٌ كبيرٌ يسع علماً عظيماً؛ كوادٍ كبيرٍ يسع ماءًا كثيراً، وقلبٌ صغيرٌ يسع علماً صغيراً، كوادٍ صغيرٍ يحمل ماءًا قليلاً، فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها، كما سالت أوديةٌ بقدرها.
(ص 96): والناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات: (الأولى) أهل رواية ورعاية ودراية، وهم ورثة الأنبياء وأتباع الرسل، وهم الذين قاموا بالدين علماً وعملاً ودعوة. (والثانية) أهل رواية ورعاية، وهم الذين حفظوا النصوص وضبطوها، وهاتان الطائفتان هما أسعد الطوائف الذين قبلوا الحق ورفعوا به رأساً، و(الثالثة) الأشقياء، وهم من لا رواية لهم ولا رعاية ولا دراية.
(ص 99) النفوس: إما كلبية، أو سبعية، أو ملكية. فالكلبية همها البطن والفرج وحوائجهما، والسبعية: هي التي تستعلي على الغير بالحق والباطل، وأما الملكية فهي التي ارتفعت عن ذلك إلى الرفيق الأعلى، وهي التي تأخذ من الدنيا لتستعين به على الوصول إلى فاطرها، لا لتنقطع بها عنه.
(ص 112) وعُمّال الآخرة على قسمين: قسمٌ من يعمل على الأجر والثواب، وهم (العمال)، وقسمٌ يعمل على المنزلة والدرجة والقُرب (وهم العارفون).
(ص 121): قال ابن تيمية، قوله تعالى: {ولذكر الله أكبر}: ما في الصلاة من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
(ص 134): والثناء على الله ثلاثة أنواع: «حمد، وثناء، ومجد». (فالحمد لله): الإخبار عنه بصفات كماله مع محبته، فلا يكون المحب الساكت حامدا، ولا المثني بلا محبة حامدا حتى يجمعله المحبة والثناء، فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء كانت (ثناء). فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك، كان (مجدا). وقد جمع الله - تعالى - لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى علي عبدي. وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي.
(ص 170): وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة إلى تشهد ابن مسعود، وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس، وذهب مالك إلى تشهد عمر، والكلُّ كافٍ مجزئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق