أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 يونيو 2022

السيرة النبوية الشريفة السيرة النبوية دروس وعبر د. مصطفى السباعي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

السيرة النبوية الشريفة

السيرة النبوية دروس وعبر

د. مصطفى السباعي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

          تمهيد/ تعتبر السيرة النبوية هي الترجمة العملية لما جاء في كتاب الله عز وجل من أوامر ربانية وتكاليف شرعية، وللسيرة النبوية مزايا كثيرة فقد تميزت بالوضوح والتدرج والواقعية والشمول، ثم إن مصادرها صحيحةٌ أيضاً، فنجد أن بعضها مقتبس من القرآن الكريم، وبعضها الآخر مستمدٌ من السنة النبوية المطهرة والشعر العربي والكتب المدونة في السيرة.

وهي سيرة واضحة تحدثنا عن سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في أدق تفاصيل حياته، ثم من البعثة إلى الهجرة إلى الحبشة، ثم الهجرة إلى المدينة، ثم استقراره في المدينة، والأسس التي قام عليها المجتمع المدني، ثم تبين لنا ما جرى من الأحداث والمعارك التي كان أولها بدر الكبرى، ثم أحد، ثم بني النضير، يليها الأحزاب، وبني قريظة، ثم الحديبية، وفتح خيبر، ثم مؤتة، يليها فتح مكة، وغزوة حُنين، وآخرها تبوك.

ثم نشهد في هذه السيرة الفصول الأخيرة من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الأحداث الثلاثة الكبرى، وهي: حجة الوداع، وبعث أسامة، ثم حادثة الوفاة، وأثرها الكبير على المسلمين.

وقد تكلم هذا الكتاب عن كل هذه الأحداث، وبين كل هذه الأمور باختصار وإيجار، وأنا هنا أختصر هذا الكتاب مرة أخرى، ليتجدد الانتفاع بالكتاب، ويسهل على الدارس الوصول إلى مبتغاه من القيم التربوية والسلوكية والعلمية من السيرة النبوية.

                    أولاً: مزايا السيرة النبوية الشريفة:

1.    أنها أصحُّ سيرةٍ لتاريخ نبيٍّ مُرسل، أو عظيمٍ مُصلح، لأنها وردت إلينا بالأسانيد المتصلة، التي رواها الثقات عن الثقات، بخلاف سيرة غيره من الأنبياء عليهم السلام فقد دخلها الكثير من التحريف والتزييف والتغيير؛ لأنها دونت بعدهم بزمانٍ بعيد، بالإضافة إلى أنها لم تُروَ بسندٍ مُتصلٍ إلى كاتبيها.

2.    أنها سيرة واضحة، فحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة كل الوضوح في كل مراحلها بدايةً من حمل أمه آمنة بنت وهب به، وولادته، ونشأته يتيماً في حجر جده عبد المطلب، ورضاعته في بادية بني سعد، وخروجه في التجارة مع عمه أبي طالب، وزواجه من خديجة، وبعثته، وغزواته، والأحداث الكثيرة المذكورة بتفاصيلها إلى يوم موته ووفاته، بخلاف سيرة غيره من الأنبياء الذين لا نعرف عن نشأتهم إلا القليل جداً.

3.     أنها سيرةُ الإنسان الكامل، الذي أكرمه الله بالرسالة؛ فلم نرى في سيرته ما يخرجه عن طور الإنسانية، لأنه من جنس البشر يأكل ويشرب ويمرض، ولم تُضفي عليه خصائص الألوهية كما فعل اليهود والنصارى مع أنبيائهم، والوثنيون مع أوثانهم.

4.    أنها سيرةٌ شاملة لكل النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتروبية في المجتمع، وشاملة لكافة مراحل الإنسان في طفولته وشبابه وشيخوخته، وشاملة لكافة أدوار التي يتقلدها الإنسان، فهي سيرة القائد والإمام ورئيس الدولة والمحارب والسياسي والمربي والمرشد والزوج والأب والصاحب والصديق، وهذا يجعل من سيرته نموذجاً صالحاً للاقتداء والامتثال لجميع الفئات والطبقات وأصحاب الأدوار المختلفة، وهذه الميزة لا نجدها في سيرة غيره من العظماء الذين برزوا في جانبٍ واحد أو جوانب محدودة فقط.

5.    أنها سيرة واقعية تحكي قضايا وأحداث حقيقية، يقبلها العقل ويشعر بصدقها الوجدان، فهي لم تخرج عن نظام الأسباب التي قدرها الله لعباده، فلم تبدأ سيرته بمعجزة خارقة يضطر معها الجميع إلى الإيمان به دفعة واحدة، بل جاءت سيرته متفقةً مع سنن الله في الكون والحياة، بدايةً من دعوته السرية في مكة، ثم جهره بالدعوة وتعرضه وأصحابه للأذى والحصار والتضييق، ورسمه خطة الهجرة بمنتهى العبقرية، ثم انتقاله إلى المدينة وخوضه المعارك والغزوات، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً.

ثانياً: مصادر السيرة النبوية:

تنحصر مصادر السيرة النبوية في أربعة مصادر، وهي:

1-القرآن الكريم: الذي تعرّض لشيءٍ من سيرته صلى الله عليه وسلم، من نشأته وعظيم أخلاقه إجمالاً، وما لقيه من أذى، وعن بعض غزواته كبدر وأحد والحديبية والخندق وفتح مكة وغزوة حُنين، ومعجزاته؛ كالإسراء والمعراج.

2-السنة النبوية الصحيحة: وهي التي تضمنت القسم الأكبر من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وشمائله، وأعماله، ووقائعه وحروبه.

3-الشعر العربي المعاصر لعهد الرسالة: والتي يمكن أن نستنتج من خلالها الحقائق الكثيرة عن البيئة التي كان يعيش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعارك التي جرت، ومثال ذلك ما كان يُلقيه حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة من القصائد، وغيرهما.

4-كتب السيرة النبوية: وقد ألف العلماء في السيرة النبوية الكتب الكثيرة، ومن أهمها "المغازي" لابن إسحاق، و"سيرة ابن هشام"، التي شرحها الإمام السُّهيلي والخشني، بالإضافة إلى "طبقات ابن سعد"، و"تاريخ الطبري"، وتطور التأليف في السيرة في عصرنا الحالي، ما بين نظمٍ ونثرٍ، وما بين مختصرٍ ومُطوَّل.

ثالثاً: حياته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (الوقائع التاريخية):

1 – أنه صلى الله عليه وسلم، وُلد في أشرف بيتٍ من بيوت العرب، وفي خير البطون، وفي أشرف قبيلة، وذلك في الثاني عشر من ربيع الأول، عام الفيل، وهذا يُفيد أن شرف النسب أدعى لقبول دعوته واستماع الناس له.

2 – ونشأ -صلى الله عليه وسلم يتيماً، فقد مات أبوه وأمه حاملٌ به لشهرين، وهذا جعله أكثر شعوراً بآلام الضعفاء واليتامى ومنحه رصيداً كبيراً من الرحمة والشفقة والتواضع، ونشأ في بادية بني سعد في أول أربع سنوات من عمره، وتعلم في البادية الفصاحة والقوة والصَّبر، ما جعله مؤهلاً بعد ذلك لمركز القيادة والدعوة، لأن القيادة لا يصلح لها إلا النبيه الذكي ذو القوة والصبر.

3- ولما بلغ ستِّ سنوات ماتت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة؛ فكفله جده عبد المطلب، ثم توفي جده وهو ابن ثماني سنوات، فكفله عمه أبو طالب، واشتغل معه بالتجارة، وهذا يُفيد أن تجارب الداعية بالسفر واختلاطه بالناس وتعرفه على عوائدهم له أثرٌ كبيرٌ في نجاح دعوته.

3 -وكان -صلى الله عليه وسلم -يعمل في أوائل شبابه في رعي الغنم، فكان يرعى لأهل مكة بقراريط يأخذها أجراً على ذلك، وهذا يُفيد أن على الداعية الاعتماد على جهده الشخصي، وأن يكون له مورد شريف يجد منه رزقه وطعامه.

4-ولم يُشارك النبيُّ صلى الله عليه وسلم شباب مكة في لهوهم وعبثهم، ولم يشرب خمراً ولم يسجد لصنم، ولا لعب قماراً، وكان في قومه يُعرف بالصادق الأمين؛ لأمانته ووفائه واستقامته، وهذا يُفيد أن استقامة الداعية في شبابه وحسن سيرته أدعى إلى نجاحه في دعوته إلى الله وإصلاح المجتمع، بخلاف من له ماضٍ سيء فإن ذلك مدعاةٌ للشك في صدقه.

5-ولما بلغ خمساً وعشرين سنة عمل لخديجة في التجارة بمالها، ولما اطلعت خديجة بنت خويلد على كرم أخلاقه بإخبار غلامها ميسرة دعاها ذلك إلى الزواج منه وكانت تكبره بخمس عشرة سنة.

6-وكان -صلى الله عليه وسلم -معروفاً برجاحة عقله وصواب رأيه وكرم أخلاقه، ويشهد لذلك حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه حينما اختصمت القبائل، وهو في سن الخامسة والثلاثين، وصان الله به دماء العرب من أن تُسفك بسبب ذلك، وهذا يُفيد أن على الداعية أن يكون له رصيدٌ كبير من المعرفة بتجارب الناس وأخلاقهم وعاداتهم وشؤونهم ما يؤهله لفض النزاعات بينهم، ومخاطبتهم على قدر عقولهم.

6-ولما بلغ - صلى الله عليه وسلم – تسعةً وثلاثين سنة حُبِّب إليه الخلوة، وكان يتحنَّث الليالي ذوات العدد -مقدار شهر -في غار حراء، وهو جبلٌ في الجانب الشمالي الغربي من مكة، وهذا يُفيد أن الداعية إلى الله تعالى يجب أن تكون له أوقاتٌ يخلو فيها برببه سبحانه، وتتصل فيها روحه بالله جل وعلا، يُصفي فيها نفسه من أخلاقه الذميمة.

رابعاً: السيرة منذ البعثة حتى الهجرة إلى الحبشة:

1.    ولما بلغ أربعين سنة جاءه جبريل عليه السلام، بالوحي من ربه، ونزل عليه القرآن الكريم، وكان أول ما نزل منه {اقرأ} وذلك في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان، وفي ذلك: أم محمداً عليه الصلاة والسلام لم يكن يستشرف للنبوة، ولا يحلم بها، وإنما ألهمه الله تعالى الخلوة للعبادة تهيئةً له لتحمل أعباء الرسالة، وبذلك صار نبياً من عند الله تعالى.

2.    وكان أول من آمن به، وصدقه زوجته خديجة رضي الله عنها، ثم ابن عمه علي وهو ابن عشر سنين، ثم مولاه زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أول من أسلم به من العبيد بلال بن رباح، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خديج آخر يوم الاثنين، وهو أول يومٍ من صلاته وكانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وهذا يُفيد: أن على الداعية أن يهتمَّ بإصلاحه وتقويمه هم أهل بيته وأقرابائه، فيبلغهم دعوة الإصلاح، ليكونوا أول من يناصره ويؤازه ويقف معه.

3.    ثم فتر الوحي بعد ذلك ستة أشهر، فحزن النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم عاد الوحي إليه مرةً أخرى، وأمر النبيُّ بالنذارة، وحمي بعدها الوحي وتتابع، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته سراً يلتمس فيها من الرجال والنساء من عُرف برجحان العقل وسلامة النفس، واستمر على ذلك ثلاث سنين.

4.    ولما بلغ عدد الداخلين في الإسلام ثلاثين نفساً، أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجهر في دعوته؛ فناله الأذى من قريش، وابتدأت مرحلة إيذاء المشركين للمؤمنين الجُدد، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يجتمع بمن أسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ليتلو عليهم القرآن ويُعلمهم أحكام الإسلام، وهذا يُفيد: أن على الداعية الاجتماع بأنصاره وأتباعه على فترات منتظمة ليزيدهم إيماناً بدعوته، ويعلمهم طرقها وأساليبها.

5.    اشتدَّ أذى المشركين للرسول وصحابته؛ لكنهم ثبتوا حتى مات منهم من مات تحت العذاب، وعمي من عمي، وحاولت قريش ثني النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن دعوته بالإغراء والتهديد فلم تُفلح، وأشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أصحابه المضطهدون أن يهاجروا إلى الحبشة؛ فهاجروا في المرة الأولى اثني عشر رجلاً وامرأتين، ثم لما علموا بإسلام عمر رجعوا، ثم هاجروا للمرة الثانية إلى الحبشة وكان عددهم ثمانين رجلاً، وأحد عشر امرأة، وهذا يُفيد: أن ثبات المؤمنين أمام اضطهاد الأشرار والضالين دليلٌ على صدق الإيمان وقوة المعتقد، وبهذا الثبات تنتصر الدعوات وتتحرر الجماهير من الظلمات والجهالات.

6.    وابتدأ المشركون فصلاً جديداً من الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحاصروا بني هاشم وبني المطلب في شعب أبي طالب، وقاطعوهم، ومنعوا عنهم الطعام والشراب، واستمرت هذه المقاطعة ثلاث سنوات، ولقي الناس من ذلك جوعاً وضنك، ثم انتهت المقاطعة بسعي العقلاء من قريش.

خامساً: السيرة من الهجرة من الحبشة إلى الهجرة إلى المدينة:

1. مات أبو طالب عم النبيِّ صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من البعثة، وكان شديد الدفاع عن ابن أخيه، يحوطه من كل جانب، حتى لا تصل إليه قريش بأذى، وفيه: أن الداعية يتخذ من عصبية القبيلة وسيلةً لحمايته وحماية الدعوة.

2. وماتت خديجة رضي الله عنها في تلك السنة نفسها، وكانت تخفف عن الرسول همومه وأحزانه لما يلقاه من عداء قريش، وفيه: أن الزوجة الصالحة المؤمنة تذلل لزوجها الصعاب وتشاركهه همومه وآلامه.

3. ولما اشتد على الرسول كيد قريش وأذاها بعد وفاة عمه وزوجه، توجه إلى الطائف لعله يجد في ثقيف حسن الإصغاء لدعوته والانتصار لها، ولكنهم ردوه، وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم، وانطلق النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو في شدةٍ وكرب، وفيه: تصميم الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستمرار في دعوته، وعدم اليأس من عدم استجابة الناس لها، وهذا دليل على صدق الرسول في دعوته.

4. وفي خضم هذه الأحداث وقعت معجزة الإسراء والمعراج، فأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماوات العلا، وفُرضت عليه الصلاة، ورأى من آيات ربه الكبرى، وفي ذلك: بيان سمو المسلم ووجوب أن يرتفع بروحه وهمته ودعوته فوق أهواء الدنيا وشهواتها، ويُحلق بين الناس بحسن سيرته وعبادته وأخلاقه، وأن الصلاة هي معراج المسلم إلى ربه سبحانه.

5. وفي أثناء مرور الرسول صلى الله عليه وسلم على القبائل في موسم الحج -كعادته في كل عام-أخذ يدعوهم إلى الإسلام، وترك عبادة الأوثان، وبينما هو عند العقبة التي ترمى عندها الجمار، لقي رهطا من الأوس والخزرج، فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا وكانوا سبعة، وفي العام الذي يليه حضر من الأنصار وبايعوه عند الجمرة التي سميت ببيعة العقة الثانية، وكان عددهم سبعين رجلاً، وامرأتين، واختار منهم النبيّ اثني عشر نقيباً يخلفونه في الدعوة لأقوامهم وقبائلهم، وفيه: أن الداعية ينبغي له أن ينطلق إلى تجمعات الناس ونواديهم وأماكن تواجدهم لدعوتهم إلى الخير، لعل الله سبحانه أن يُهيئ له من يستجيب لدعوته.

سادساً: السيرة منذ الهجرة حتى استقراره في المدينة:

1.هاجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم سراً من مكة إلى المدينة بعدما بايعه أهلها على نصرته واحتواء دعوته، وسعت قريشٌ بأحلافها ورصدت فتيانها للقبض على الرسول صلى الله عليه وسلم وقتله لكنهم لم يفلحو، ونجى الله نبيَّه من كيدهم، وفي ذلك: أن الله عز وجل يكيد لأوليائه ضد أعدائه، وفي قصة الهجرة بيان العناية الإلهية بالرسل والدعاة، ومدافعته عنهم، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطط للهجرة تخطيطاً محكماً، فرتب كيفية الخروج، وقته بحيث لا يشعر به المشركون، وهيأ الرواحل للسفر، واختار من يصحبه، واستأجر دليلاً يدله على الطريق، ورتب موضوع الاختباء في غار ثور، ومن يأتيه بالطعام هناك.

2.وقد وصل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، واستقبله الأنصار في مشهد مهيب، وكان الرسول وهو في طريقه إلى المدينة قد وصل إلى «قباء» وهي قرية جنوب المدينة، فأسس فيها أول مسجد بني في الإسلام، وأقام فيها أربعة أيام، وفي ذلك: أن المسلمون يفرحون بسلامة الدعاة والمصلحين، ويقفون معهم موقف المؤيد والداعم، وأن أول ما ينبغي الاعتناء به هي المساجد التي يُعبد الله فيها، وتتزكى الأخلاق، وتقوى أواصر المجتمع المسلم.

3. ثم سار النبيُّ صلى الله عليه وسلم من قباء صباح الجمعة إلى المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف، فبنى مسجداً هناك وأقام أول جمعة في الإسلام، وأول خطبة خطبها في الإسلام، وفي ذلك: إظهار أعظم شعائر الإسلام وهي صلاة الجمعة وذلك في منتصف الطريق إلى المدينة النبوية.

4. ثم سار إلى المدينة، فلما وصلها كان أول عمل عمله بعد وصوله أن اختار المكان الذي بركت فيه ناقته ليكون مسجدا له، وكان المكان لغلامين يتيمين من الأنصار، فاشتراه منهما، وأقام مكانه المسجد النبوي الشريف، الذي كان مركزاً انبعث منه نور الإيمان والتوحيد للناس كافة.

5. ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، فاقتسموا الأموال والمتاع والبيوت، وساد التعاون والتسامح بين المهاجرين والأنصار، وفي ذلك: بيان أقوى مظهر من مظاهر الإخوة الإيمانية بين أبناء المجتمع الواحد، وأن الأخ يحتمل أخاه في سبيل الدعوة، بل ويؤثره على مصالح نفسه، طلباً لرضا الله عز وجل.

6. ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم، في مقابل ألا يغدروا ولا يمالئوا عليه عدواً، وأرسى من خلال هذا الكتاب أو الوثيقة مبادئ السلم المجتمعي والتعاون على حماية المجتمع من الأخطار.

سابعاً: في معارك الرسول الحربية والوقائع التاريخية:

1.ما كاد يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن والاها من قبائل العرب.

2. غزوة بدر الكبرى:

وكانت أول تلك المعارك هي (غزوة بدر) وذلك في السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة.

ذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أراد قطع طريق التجارة على قريش، فندب جماعة من أصحابه ليتعرضوا لها، لكن القافلة التي كان يقودها أبوسفيان نجت بعد أن كان أرسل إلى قريش يستنفرها لحماية القافلة.

فخرجت قريش في نحو من ألف مقاتل لاستنقاذ القافلة، في ألف مقاتل، منهم ستمائة دارع (لابس للدرع) ومائة فرس، وسبعمائة بعير، ومعهم القيان يضربن بالدفوف، ويغنين بهجاء المسلمين.

أما المسلمون فكانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا، وأكثرهم من الأنصار، ولما علم قريش بنجاة قافلة أبي سفيان صممت على قتال المسلمين، فالتقى الفريقان قرب قليب بدر، ونشبت المعركة التي انتهت بانتصار المسلمين، وهزيمة المشركين.

وقد قتل من المشركين نحو من السبعين، فيهم أشركهم أبو جهل وبعض زعمائهم، وأسر منهم نحو السبعين، ثم أمر بدفن القتلى جميعا، وعاد إلى المدينة، ثم استشار أصحابه في أمر الأسرى، وافتداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمال، ونزل عليه العتاب في ذلك.

الدروس المستفادة من هذه الغزوة: بيان مشروعية معاملة الأعداء بالمثل، كما هو الشأن بيننا وبين الكيان الغاصب، فكما استولت قريش على ديار المسلمين وأموالهم وأراضيهم، وأجبرتهم على تركها والرحيل عنها، فكذلك المسلمون يستحقون أموال المشركين واعتراض قوافلهم وتجاراتهم، مع ملاحظة أن الذين خرجوا لاعتراض القافلة كلهم من المهاجرين ولم يكن فيهم أنصاريٌّ واحد. وأن الله تعالى يحيط عباده المؤمنين بجيش من عنده يؤيدهم ويقاتل معهم، الأمر الذي تكرر في معارك عدة. وأن على القائد استشارة أصحابه كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأشار عليه الحباب بن المنذر بالنزول قريباً من قليب بدر، ليستفيد من الماء ويحرم منه المشركين، ومشاركة الرسول عملياً في المعركة مع إمكانه أن يدعو على المشركين فيهلكم، وهذا يُعلمنا أن هذا الدين لا ينتصر بالمعجزات فقط، وأنه لا يكفي المسلم أن يقعد في زاوية يدعو على أعداء الله بالهلاك، بل لا بد أن يُخطط ويعمل ويعد إعداداً كافياً للقاء أعداء الله تعالى، فيأتيه النصر.

3.غزو أحد:

وفي يوم السبت لخمس عشرة خلت من شوال في العام الثالث للهجرة حدثت معركة (أحد)، وسببها أن قريشاً أرادت أن تثأر ليوم بدر، فما زالت تستعد حتى تجهزت لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل، ثم ساروا حتى وصلوا بطن الوادي من قبل أحد (وهو جبل مرتفع يقع شمال المدينة على بعد ميلين منها) مقابل المدينة، واستشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الخروج إليهم، فأشاروا عليه بقتالهم فلبس لأمته، وتقلد سيفه، وخرج في نحو ألف فارس بينهم مائة دارع.

وفي منتصف الطريق انخذل رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول هو وجماعةٌ من المنافقين، وجعل النبيُّ عدداً من الرماة على جبل أحد، وأمرهم ألا ينزلوا عنه، فانتصر المسلمو نفي بداية المعركة على أعدائهم، وقتلوا منهم عدداً.

 ثم لما رأى المسلمون انهزام المشركين انغمسوا في جمع الغنائم التي وجدوها في معسكر المشركين، ورأى ذلك من وراءهم من الرماة، فانفتل جماعةٌ من الرماة نحو الغنائم وتركوا الجبل، فالتف المشركون من خلف الجبل بقيادة خالد بن الوليد وانقضوا على المسلمين وقتل سبعون من خيار الصحابة، وانتهت المعركة، وقتل من المشركين نحو ثلاثة وعشرين رجلاً.

ومن الدروس المستفادة في هذه المعركة: أن مخالفة أوامر القائد الحازم البصير يؤدي إلى خسارة المعركة، وأن الطمع في الغنائم وغيرها يؤدي إلى الفضل والهزيمة، وأن الأخطاء البسيطة قد تكون نتائجها وخيمة، وأن على القائد ألا يُكره جيشه على القتال إذا كانوا غير راغبين ولا متحمسين للقتال، وفي إصابة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد عزاءٌ للدعاة فيما ينالهم من أذى في سبيل الله في أجسامهم وأموالهم.

4.غزوة بني النضير:

وبينما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسير مع أصحابه في بني النضير، وقد استند إلى جدار من جدرهم، همَّ بعضهم بإلقاء صخرة من ظهر البيت عليه ليقتله، فعلم صلى الله عليه وسلم بذلك، فنهض سريعا متوجهاً إلى المدينة، ولحقه أصحابه.

ثم أرسل إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم محمد ابن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها، وقد هممتم بالغدر، ثم أمهلهم صلى الله عليه وسلم عشرة أيام للخروج، ولكن عبد الله بن أبيِّ رأس المنافقين أرسل إليهم ينهاهم عن الخروج، ويعدهم بإرسال ألفين من جماعته يدافعون عنهم، فعدلوا عن النزوح، وتحصنوا في حصونهم.

فخرج إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جيش المسلمين وقطع نخيلهم، وخذلهم عبد الله بن أبي بن سلول، فاضطر إلى الاستسلام، واشترط عليهم صلى الله عليه وسلم ألا يخرجوا معهم السلاح، ولهم أن يخرجوا معهم من أموالهم ما حملته الإبل، ودماؤهم مصونة، فلما أرادوا الخروج أخذوا كل شيء يستطيعونه، وهدموا بيوتهم كيلا يستفيد منها المسلمون، وساروا، فمنهم من نزل خيبر على بعد مائة ميل من المدينة، ومنهم من نزل في ناحية «جرش» بجنوب الشام، ولم يُسلم منهم إلا اثنان، وفيهم نزلت آيات الحشر.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: أنها كشفت عن حقائق نفسيات اليهود، وضربت الأمثال لعلاقة المنافقين باليهود، وأن الله هو الذي أخرج يهود بني النضير من ديارهم إلى الشام، حيث أول الحشر في حين أن كل الأسباب المادية معهم حتى اعتقدوا أنه لا أحد يستطيع أن يخرجهم من حصونهم لمتانتها وقوتها. وفي هذا بيانٌ لجميع الأمة أن نصر الله قريب، وأن الله عز وجل لا تقف أمام قدرته العظيمة لا الأسباب ولا المسببات، فهو القادر على كل شيء، فعلى الناس أن يؤمنوا به تعالى ويصلحوا أحوالهم، فإذا اتبعوا أمر الله أصلح الله لهم كل شيء، وأخرج أعداءهم من حيث لم يحتسبوا.

5.غزوة الأحزاب:

وتسمى غزوة (الخندق)، وقد وقعت في شوال من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما تم إجلاء بني النضير، قدم عدد من حلفائهم إلى مكة والقبائل يدعونها ويحرضونها على قتال الرسول، فأجابت قريش وغطفان، وبنو فزارة وبنو مرة، وأشجع واتجهوا نحو المدينة.

فلما سمع صلى الله عليه وسلم بخروجهم، استشار أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر خندق حول المدينة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفره وعمل فيه بنفسه، ولما وصلت قريش ومن معها من الأحزاب راعها ما رأت من أمر الخندق، إذ لا عهد للعرب بمثله، وكانت عدتهم عشرة آلاف، وعدة المسلمين ثلاثة آلاف.

وذهب حُيي بن أخطب -أحد بني النضير -إلى كعب بن أسد سيد بني قريظة يطلب إليه نقض عهد السلم بينه وبين المسلمين، فنقضت قريظة عهدها.

وتمكن نُعيم بن مسعود من تخذيلهم، وأوقع في نفوس كل من الفريقين الشك في الآخر، وأرسل الله على الأحزاب ريحا شديدة في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفئ قدورهم وتمزق خيامهم، فارتحل الأحزاب خائبين لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان نصراً جديداً للمسلمين.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: أن الخديعة في حرب الأعداء مشروعة كما فعل نُعيم بن مسعود، وأن القائد يقبل مشورة أصحابه إن كان فيها مصلحة كحفر الخندق. وقد أنشأ المسلمون في هذه المعركة أول مستشفى إسلامي حربي في المسجد النبوي الشريف شاركت فيه النساء في تطبيب الجرحى ومداواتهم، وكانت رفيدة الأسلمية رئيسة تلك المشفى، وهذا يوضح لنا الدور الهام والأساسي للمرأة في الدعوة الإسلامية.

6.غزوة بني قريظة:

وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة عقب غزوة الأحزاب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى ما انطوت عليه نفوس يهود بني قريظة من اللؤم والغدر والتحزب مع قريش وحلفائها، وبعد أن أعلنت له إبان اشتداد معركة الأحزاب أنها نقضت عهدها معه، وكاد هذا الأمر أن يقضي على المسلمين جميعاً لولا انتهاء معركة الأحزاب بمثل ما انتهت إليه، ولذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدب هؤلاء الخائنين الغادرين، ويطهر منهم المدينة مقر جهاده ودعوته حتى لا تواتيهم الظروف مرة أخرى، فينقضوا على جيرانهم المسلمين ويبيدوهم كما هي طبيعة الغدر اليهودي اللئيم.

فخرج إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفرضوا عليهم حصاراً استمر خمسةً وعشرين ليلة، فلما ضاق بهم الأمر نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم فيهم سعد بن معاذ سيد الأوس، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس، فحكم سعد بأن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن تقسم أموالهم، فنفذ الرسول حكمه، وبذلك قضى على مؤامرات اليهود ودسائسهم وتآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته قضاء مبرما في المدينة وما حولها.

ومن الدروس المستفادة: رأينا في هذه المعركة أدب اختلاف الصحابة فيما بينهم، حينما أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يُصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)؛ فبعضهم أخذ الكلام على ظاهره، وبعضهم فهم أن مراد النبيِّ صلى الله عليه وسلم التعجيل في السير، فمن الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث نبوي أو آية من كتاب الله، كما لا يعاب من استنبط من النص معنى يخصه، وفيها: أن جزاء من يهدد أمن المسلمين ويخونهم مع أعدائهم هو القتل والتنكيل ليكون عبرةً لغيره.

7. غزوة الحديبية:

وقعت في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وكان من أمرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل البيت هو وصحابته آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون شيئا، فأمر الناس أن يتجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين، لا يريد حربا لقريش ولا قتالا، فخرج معه المهاجرون والأنصار يحدوهم الشوق إلى رؤية بيت الله الحرام بعد أن حرموا من ذلك ست سنوات.

فلما وصل الحديبية - وهي مكان قريب من مكة - جاءه بعض رجال من خزاعة يسألونه عن سبب قدومه، فأخبرهم أنه لم يأت إلا ليزور البيت ويعتمر، فرجعوا وقالوا لهم: إنكم تعجلون على محمد، لم يأت لقتال، إنما جاء زائرا لهذا البيت، وجاءت وفادة قريش تفاوض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجوع عن مكة.

ثم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أهل مكة ليؤكد لهم الغرض من مجيء الرسول وصحابته، وأبطأ عثمان، فأشيع بين المسلمين أنه قد قتل، فجمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه، وبايعهم عند الشجرة بيعة الرضوان، التي حثهم فيها على الجهاد والقتال، فلما رأوا عثمان قد عاد سالماً لم ينشبوا حرباً.

وأرسلت قريش سهيل بن عمرو ليتم الصلح بينهم وبين المسلمين، وتم هذا الصلح، على ما رغبت قريش، وعلى وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين، وأن من أتى من عند محمد إلى مكة لم يردوه، وأن من أتى محمدا من مكة ردوه إليهم، وقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم -هذا الصلح، وتحلل من العمرة، فتبعه المسلمون جميعاً.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: جواز عقد هدنة بين المسلمين وأهل الحرب من أعدائهم إلى مدة معلومة، سواء أكان ذلك بعوض يأخذونه منهم أم بغير عوض، أما بدون عوض فلأن هدنة المدينة كانت كذلك، وأما بعوض فبقياس الأولى؛ لأنها إذا جازت بدون عوض، فلأن تجوز بعوض أقرب وأوجه. ووجوب الامتثال للقيادة الحكيمة والانقياد لأوامرها وإن خالف ظاهر ذلك القياس أو كراهته النفوس.

8.غزوة خيبر:

وكانت في أواخر المحرم للسنة السابعة من الهجرة، وخيببر هي واحة كبيرة تقع شمال المدينة، وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمن جانب قريش بالصلح الذي تم في الحديبية، قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول المدينة بعد أن صفى اليهود من المدينة نفسها.

وقد كان لليهود في خيبر حصون منيعة، وكان فيها نحو من عشرة آلاف مقاتل، وعندهم مقادير كبيرة من السلاح والعتاد، وكانوا أهل مكر وخبث وخداع، فلا بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمين في عاصمتهم (المدينة) ولذلك أجمع الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج إليهم في أواخر المحرم.

فخرج إليهم في ألف وستمائة مقاتل، منهم مائتا فارس، واستنفر من حوله ممن شهد الحديبية، وسار حتى إذا أشرف على خيبر وحاصرها.

وبدأت المعركة وفتحها النبيُّ صلى الله عليه وسلم حصناً حصناً، إلا الحصنين الأخيرين فقد رغب أهلها في الصلح على حقن دماء المقاتلة، وترك الذرية والخروج إلى أرض خيبر بذراريهم، وألا يصحب أحد منهم إلا ثوبا واحدا، فصالحهم على ذلك، وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم إن كتموا شيئا. وقد بلغ عدد قتلى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين، واستشهد من المسلمين خمسة عشر.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: خبرة المسلمين العسكرية في فرض معادلات جديدة تُظهر قوة الدولة الإسلامية في الميدان، وتلغي كل المخططات التي تحاول النيل من هيبتها، ولذا لما رأت قبائل الجزيرة سقوط خيبر رغم قوتها وكثرتها وارتفاعها، توجهت مباشرةً إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، وبالتالي تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق له من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي.

9. غزوة مؤتة:

كانت في جمادى الأولى للسنة الثامنة من الهجرة، و (مؤتة) قرية على مشارف الشام، وتعرف الآن بـ (الكرك) جنوب شرق البحر الميت، وكان سببها أن الرسول كان قد أرسل الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى أمير بُصرى من جهة هرقل، وهو الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه فيه إلى الإسلام - وكان ذلك من جملة كتبه التي بعث بها عليه السلام إلى ملوك العالم وامراء العرب بعد صلح الحديبية. فقام ذلك الغساني بضرب عنق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد عليه الأمر إذ لم يقتل له رسول غيره، وجهز لهم جيشاً من المسلمين عدته ثلاثة آلاف مقاتل، وأمر عليهم زيد بن حارثة، وأوصاهم إن أصيب زيد فليؤمروا جعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فليؤمروا عليهم عبد الله بن رواحة، وشيعهم الرسول بنفسه، وسار الجيش، حتى بلغهم أن هرقل قد جمع لهم جمعا عظيما، ونزل في أرض البلقاء (قرب عمان) وكان جيش الروم مؤلفا منهم ومن العرب المتنصرة، فتشاور المسلمون فيما بينهم، ورأوا أن يطلبوا من الرسول مدداً، أو يأمرهم بأمر آخر فيمضون له، فانتدب عبد الله بن رواحة الجيش للقتال، وذكرهم بعظيم ثواب الجهاد.

فالتحمت الصفوف وكان أول من قتل زيد بن حارثة، ثم استلم اللواء بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل على فرسه حتى قُتل، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، ثم اتفق المسلمون على إمرة خالد بن الوليد للجيش - وكانت هذه أول معركة يحضرها في الإسلام- فما زال يستعمل دهاءه الحربي حتى أنقذ الجيش الإسلامي من الفناء، ثم عاد به إلى المدينة، وأطلق الرسول على خادل لقب (سيف الله المسلول).

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: أنها شكلت تهديداً مباشراً لمستقبل الدولة الرومانية، فقد كانت مقدمة لسقوطها، وفتح بلاد الشام وتحريرها من الرومان، حيث هزت هيبة الرومان في نفوس العرب، وأكسبت المسلمين فرصة للتعرف إلى قوات الروم وأساليبهم القتالية. وهي درس تربوي في احترام القيادة، والامتثال لأمرها لا سيما في حالات الضرورة الملجئة، وفيها أن كل مسلم يتحمل مسؤولياته تجاه أفراد المسلمين، ويتجلى في موقف خالد الذي استطاع أن يدير المعركة، وينقذ المسلمين من معركة تستنزف فيها طاقاته وشبابه.

10. غزوة الفتح (فتح مكة):

وكانت في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة، وسببها أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاءت، أو تدخل في عقد قريش، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش، وارتضت خزاعة أن تدخل في عقد سول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تلك السنة (الثامنة) اعتدت بنو بكر على خزاعة، فقتلت منها نحو عشرين رجلاً، وأمدت قريشاً بني بكر بالمال والسلاح.

فلما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك غضب غضباً شديداً، وجهز لقتال أهل مكة، فخرج من المدينة بعشرة آلاف مقاتل، وانضم إليه من لقيه في طريقه من العرب، وفي الطريق عثروا على أبي سفيان واثنين معه، فأسروهم، وأسلم أبو سفيان أثناء ذلك.

ودخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة من جميع جهاتها، وأزال الأصنام، وعفا عن محاربة قريش، وسماهم الطلقاء، وجلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم عند الصفاء، وجتمع الناس لمبايعته على الإسلام، وأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن بالظهر على سطح الكعبة.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: تحقق وعد الله بالتمكين لعباده المؤمنين بعد ما ضحوا بالغالي والنفيس، وبذلوا المهج والأموال والأولاد، وحققوا شروط التمكين وأخذوا بأسباب النصر، وقطعوا مراحله وتعاملوا مع سننه كسنة الابتلاء، والتدافع، والتدرج، وتغير النفوس، وغيرها من سنن الله الكونية.

11. غزوة حُنين:

وكانت في العاشر من شوال للسنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة بأيام، وسببها أن الله لما فتح مكة لرسوله ظن زعماء هوازن وثقيف أن رسول الله سيتوجه إليهم بعد الانتهاء من أمر مكة، فعزموا على أن يبدؤوه بالقتال، فأمروا عليهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، فأمرهم أن يسوقوا معهم إلى المعركة أموالهم ونساءهم وأبناءهم ومواشيهم ليكون ذلك أدعى إلى ثباتهم في القتال، وبلغ عدد المقاتلين منهم ما بين عشرين ألفا إلى ثلاثين.

فأعلن رسول الله عزمه على الخروج لقتاله، فخرج كل من كان بمكة؛ أصحابه الذين قدموا معه في المعركة، ومن انضم إليهم بعد ذلك ممن أسلم حديثا وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في وادي حنين خرجت عليهم هوازن وحلفاؤها في غبش الصبح، فحمل عليهم المسلمون فانكمشوا وانهزموا، فانشغل المسلمون بجمع الغنائم فاستقبلهم المشركون بالسهام فانفرط عقدهم، وفر أهل مكة والمسلمون الجدد، ولكن نفرا من المهاجرين والأنصار ثبتوا حوله، وتكاثر المؤمنون حتى استطاعوا أن ينتصروا كرة أخرى، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وبلغت غنائم العدو مبلغا كبيرا، فرَّقه اولاً على المؤلفة قلوبهم من حديثي الإسلام، ولم يعط منها الأنصار شيئا اعتمادا على إيمانهم وصدق إسلامهم.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: بيان أن النصر لا يكون بكثرة العدد ووفرة السلاح، وإنما يتمثل في العقيدة القوية، والإيمان الراسخ لدى الجيش، ونبذ الفرقة والاختلاف، وعدم الانغماس في الملذات.

12. غزوة تبوك:

تسمى غزوة العسرة، وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة. و(تبوك) موضع بين الحجاز وبين الشام، وسببها أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام ضمت قبائل لخم، وجذام، وعاملة، وغسان، وهي من نصارى العرب، وكان قصد هرقل من ذلك، الهجوم على المدينة والقضاء على الدولة الناشئة في جزيرة العرب التي أخذت تتمدد وتتسع.

فندب رسول الله الناس للخروج، وكان الوقت وقت عسر شديد وحر شديد، فانتدب المؤمنون الصاقون عن طيب نفس، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ومعه ثلاثون ألف مقاتل، ومن الخيل عشرة آلاف، وكان هذا أعظم ما رأته العرب حتى ذاك، ثم واصل سيره حتى بلغ تبوك، فأقام فيها نحوا من عشرين ليلة، ولم يلق فيها كيداً، ولم يدخل حرباً، وكانت هذه هي آخر غزواته.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة: أنها تفسر لنا طبيعة الحرب في الاسلام، فهي ليست عدوانية، ولا استفزازية، ولكنها للدفاع عن الدين والبلاد، وردع المعتدين، ومنعهم عن الأذى والفساد.

ثامناً: أهم الأحداث التي وقعت بعد فتح مكة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

أولاً: تحطيم الأصنام:

لقد أنهى نبينا الكريم محمد بن عبد الله مأساة العرب الفكرية التي استمرت زهاء خمسمائة عام أو تزيد من عبادة الأوثان والأصانم، وحرر العقل العربي من أغلال الوثنية وخرافاتها، وأنقذ الكرامة العربية من مهانة الوثنية وحقارتها، وفتح أبواب الخلود للعرب يدخلون منه ثم لا يخرجون.

قال ابن عباس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب في يده الى الأصنام ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً} (الاسراء: 81) فما أشار الى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع.

ثانياً: حجة الوداع:

كانت حجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، ولما تسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحج في تلك السنة، توافدوا إلى الحج من مختلف أنحاء الجزيرة العربية حتى بلغوا مائة وأربعة عشر ألفاً، وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطتبه الشهيرة التي أعلن فيها المبادئ العامة للإسلام.

ثالثاً: بعث أسامة:

إن آخر ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشر الدعوة وحمايتها، ورد غارة المعتدين على الدولة الجديدة والمتربصين بها أن جهز جيشاً الى الشام تحت قيادة أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء من أرض فلسطين، وقد كان في هذا الجيش جميع المهاجرين والأنصار، ومن كان حول المدينة من المسلمين، لم يتخلف منهم أحد.

وفي جعل الرسول قيادة الجيش لأسامة بن زيد وهو شاب في سن العشرين وتحت لوائه شيوخ المهاجرين والأنصار، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهم من هم في سبقهم الى الاسلام، وحسن بلائهم فيه، وتقدمهم في السن والمكانة على أسامة، أن في هذا سنة حميدة من سنن الاسلام في الغاء الفوارق بين الناس من جاه وسنٍّ وفضل، وتقديم الكفء الصالح لها مهما يكن سنِّه ومكانته، وإفساحٌ المجال لكفاءات الشباب وعبقرياتهم.

ثم في رضى هؤلاء العظماء الذين أثبت التاريخ من بعد أن التاريخ لم ينجب مثلهم في عظمتهم وكفاءاتهم، على أن يكونوا تحت إمرة أسامة الشاب، ما يدل على مدى التهذيب النفسي والخلقي الذين وصلوا اليه بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدايته وتربيته وإرشاده.

رابعاً: وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جاءه الوحي يخبره بقرب أجله، فودع الناس في حجة الوداع، ولما حانت لحظة مفارقة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لبى داعي ربه وغادر هذه الدنيا، ولما أشيع خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرب الصحابة جميعاً لهول الكارثة، وزلزلت المدينة زلزالها، حتى أشهر عمر سيفه، ينهى الناس عن قول ذلك، وقال: إنه ذهب للقاء ربه وسيرجع.

حتى دخل أبو بكر على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتيقن من وفاته، ثم خرج الى الناس، فخطب فيهم وقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً، فان محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فان الله حيٌّ لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران: 144).

فلما تلاها أبو بكر أفاقوا من هول الصدمة، وكأنهم لم يسمعوها من قبل، قال أبو هريرة: قال عمر: فوالله ما هو الا أن سمعت أن أبا بكر تلاها فعقرت - أي دهشت وتحيرت - حتى وقعت الى الأرض وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.






الأربعاء، 15 يونيو 2022

الكشف المُبدي لتمويه أبي الحسن السُّبكي (تكملة الصارم المنكي) تأليف الشيخ العلامة البصير محمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقي المصري (1304 - 1355 هـ)

الكشف المُبدي لتمويه أبي الحسن السُّبكي

(تكملة الصارم المنكي)

تأليف الشيخ العلامة البصير

 محمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقي المصري

(1304 - 1355 هـ)

المدرس بمسجد عكاش بجدة

دراسة وتحقيق:

د. صالح بن علي المحسن، د. أبو بكر بن سالم شهال

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس جاء تتمةً وتكملة لكتاب "الصارم المنكي في الرد على السُّبكي"، لابن عبد الهادي، وقد صنَّف ابن عبد الهادي كتابه "الصارم المنكي" رداً على "شفاء السُّقام" للتقي السُّبكي، الذي احتجَّ فيه السُّبكي بالآثار المضعفة والموضوعة، وضعَّف فيه الأثار الصحيحة والمقبولة عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة.

يقول ابن عبد الهادي: (فلما وقفت على هذا الكتاب المذكور أحببت أن أنبه على بعض ما وقع فيه من الأمور المنكرة والأشياء المردودة، وخلط الحق بالباطل لئلا يغتر بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين، مع أن كثيراً مما فيه من الوهم والخطأ يعرفه خلق من المبتدئين في العلم بأدنى تأمل). 

ثم أخذ ابن عبد الهادي يردُّ على كتاب السُّبكي باباً باباً، فلما بدأ الرد على الباب الخامس، وهو في تقرير كون الزيارة قربة، أدركته المنيَّة؛ فتُوفي -رحمه الله - قبل أن يُتمه وذلك سنة (744 هـ)، ولو قُدّر له أن يُتمَّ الكتاب؛ لكان فيه فائدةً عظيمة، لا سيما وأن الأبواب المتبقية من كتاب السُّبكي مهمة، منها "باب في التوسل والاستغاثة بالنبيِّ عليه الصلاة والسلام"، وبابٌ في "حياة الأنبياء في قبورهم"، وبابٌ في "الشفاعة"، وغيرها.

ومنهج الشيخ الفقي -رحمه الله -في كتابه هو: ذكر كلام السُّبكي في "شفاء السُّقام" بطوله، ويُصدره بقوله (قال المعترض)، ثُمّ يعقب عليه بقوله: انتهى، ويشرع بعد ذلك في الرد عليه>

وقد استفاد الشيخ المؤلف "الفقي" في الرد على ابن السُّبكي من كتب أهل العلم في التفسير واللغة وأهل الحديث، ويذكر من الآيات والحديث التي تنقض شبهات المخالف بالكلية.

ويورد أحياناً بعض الأسئلة التي قد تكون حجةً للمخالف (كإيرادٍ على قوله)، ويُجيب عنها سداً لكل ذريعةٍ يتذرع بها المخالف، ويُقدم في كل فصلٍ من فصوله نصائح وإرشادات لمن أراد أن يسلك طريق السلف ويسلم من البدع في كل شيء، ويختم كل مبحث وردٍّ بقوله: "وخلاصة ما تقدم"، أو "جماع القول في هذا الأمر"، وذلك تسهيلاً على القارئ، وتلخيصاً لما في الباب.

يقول صاحب كتاب جلاء العينين (ص ٣١): (أكثر المنتقدين على شيخ الإسلام من المعاصرين واشدهم في الوقوع فيه، السُبكي. وهم على أقسام: فمنهم من شنَّع لداء المعاصرة، ومنهم من شنع لشهرة كاذبة من غير تحقيق، ومنهم لمخالفة في العقيدة، ومنهم حباً في ابن عربي واتباعه، ومنهم اقتداء بشيخه المنافس له)

وكان فراغ المؤلف من هذا الكتاب في يوم السبت، الموافق 24/ شوال، سنة 1333 هـ.

  • أهمية هذا الكتاب العلمية:

تكمن أهمية هذا الكتاب العلمية في اشتماله على أمورٍ مهمة، تمثلت في بعض الاستدراكات على الحافظ ابن عبد الهادي في بعض الرواة الذين تُكلم فيهم، مثل: مسلمة بن سالم الجهني، ورده على السبكي في: إبطال أن وسيلة القربة قربة، ورده عليه في مسألة: إرادة ساكن البقعة في مسألة الزيارة.

أن المؤلف لم يكتف فيه بالرد على السُّبكي، بل أتى بالرد على كل من جرى مجراه كالهيثمي، وداود العراقي، ويوسف النبهاني، والباجوري، فصار كتاباً جمع فيه الردود على أهل الباطل المتقدمين والمتأخرين.

كثرة الكتب الذي ذكرها المؤلف ونقل عنها، وبعضها لا زال مخطوطاً.

كون الكتاب تكملةً لكتاب عظيم وهو كتاب "الصارم المنكي"؛ وهذا كالمتمم للأول، وبهما يكتمل الرد على أهل الأهواء والبدع.

موارد المؤلف في كتابه

وقد استفاد المؤلف رحمه الله في كتابه هذا من بعض الكتب في بعض المواضع، ومن هذه الكتب:

كتب شيخ الإسلام ابن تيمية عموماً، لا سيما كتابه في "الرد على الإخنائي"، و "الجواب الباهر"، وكتب تلميذه الإمام ابن قيم الجوزية، ورسالة "زيارة القبور" للبركوي، و"خلق أفعال العباد" للبخاري، و"جلاء العينين"، و"الصارم المنكي" لابن عبد الهادي، و"إحياء علوم الدين" للغزالي، و"إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للزبيدي، واستفاد منه ما يتعلق بالمشاجرات والخصومات التي تقع بين الحنفية والشافعية.

كذلك استفاد من كتب اللغة: كالقاموس، وشرحه "تاج العروس"، و"البحر المورود".

ومن كتب الفقه: كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد".

ومن كتب أصول الفقه كتاباً سماه "طرق الوصول إلى علم الأصول".

وكتب التفسير أخذ من "تفسير صديق حسن خان"، وتفسير" محمد عبده. ومن كتب الرجال: "ميزان الاعتدال" للذهبي، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر.

وكتب الحديث: مثل "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، و"الترمذي" و"أبو داود"، و"النسائي"، و"ابن ماجه".

وغيرها، مثل "مجلة المنار" لرشيد رضا، وكتاب "منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، وكتاب "غاية الأماني في الرد على النبهاني"، وكتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان". 

مقارنة بين منهج المؤلف وبين منهج ابن عبد الهادي في في "الصارم"

ومن خلال النظر في هذين الكتابين، تبيَّن لنا الفرق بين الكتابين، في نقاط، منها:

(1) أن ابن عبد الهادي تكلم على الأبواب الأولى من كتاب السُّبكي، وغالبها في الأحاديث التي استدلَّ بها السُّبكي على شد الرحل للزيارة، وأما المؤلف فقد ردَّ على الأبواب الأخيرة، وقد صرَّح أنه بدأ حيث وقف ابن عبد الهادي.

(2) أن ابن عبد الهادي -رحمه الله يعتني اعتناءً بالغاً في الأسانيد، وبجمع طرقها، ونقد رجالها، ونقل كلام أهل العلم فيهم معزواً إلى كتبهم، وكذلك يهتم ببيان من روى هذه الأحاديث الضعيفة، وقد أطال رحمه الله الكلام على هذه الأحاديث وفنَّدها، وقد سردها -رحمه الله -مرتبةً كما ذكرها السُّبكي في كتابه. وأما المؤلف فإنه لم يتعرض لهذه الأحاديث وعندما يتعرض لبعضها؛ فإنه لا يتكلم على أسانيدها، ويستطرد فيها، وقد نبَّه على أن ابن عبد الهادي كفاه مؤنة الكلام عليها.

(3) أن ابن عبد الهادي رحمه الله عندما يستشهد بالأحاديث؛ فإنه ينقلها بأسانيد المصنفات، بينما هذا لا يوجد في كتاب المؤلف.

(4) أن ابن عبد الهادي عندما يرد على السُّبكي؛ فإنه ينقل كلام السُّبكي بطوله بالنص، ثُم بعده يقول: انتهى ما قاله المعترض، وقد التزم هذا في كل كتابه، وأما المؤلف رحمه الله فقد أسلفنا أنه لم يلتزم هذا، فأحياناً ينقل كلام السُّبكي بالنص، وأحياناً يُجزئه، وقد يكون بالمعنى.

(5) أن ابن عبد الهادي قد التزم منهجاً موحدا؛ فهو لا يستطرد استطراداً يُخرج عن موضوع الرد، بينما نجد المؤلف رحمه الله -في بعض المواضع قد يخرج.

(6) أن ابن عبد الهادي -رحمه الله -لم يُطنب في كتابه، بعكس المؤلف، فقد أكثر من إيراد الكتب.

(7) أن المؤلف رحمه الله أحياناً قد يستدرك على ابن عبد الهادي رحمه الله -كأن يأتي بكلام لأهل العلم عن بعض الرجال؛ كاستدراكه عليه في مسلمة بن سالم الجُهني (ص 140).

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبحمده تزداد البركات، والصلاة على المبعوث رحمةً للكائنات، وعلى آله وأصحابه، الذين صحبوه، وعزروه، ونصروه في أشد المُلمات، وعلى أتباعه ممن سار على دربه إلى يوم يبعث الله الأموات.

وبعد: فبعد أن منَّ الله عليّ بدراسة وتحقيق القسم الثاني من كتاب "الكشف المُبدي لتمويه أبي الحسن السُّبكي في تكملة الصارم المنكي" فإني أحمد الله على ذلك، بأن يسر لي الأسباب، وذلل لي الصعاب، فلله الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملئ ما شاء من شيء بعد.

وبعد دراستي وتحقيقي للكتاب أضع النتيجة في هذه الأسطر، عسى أن تظهر شيئاً مما احتواه هذا السفر المبارك:

1-أن المؤلف -رحمه الله تعالى -لديه نفسٌ طويلٌ، وروحٌ عالية في معالجة مواضيع الكتاب.

2-أنه يذهب مذهب السلف في الاعتقاد والاتباع، فلقد رد على السبكي في قضية الاستغاثة بغير الله، وفي حياة الأنبياء في قبورهم، وانتقد المؤمنين بالأولياء المزعومين، الذين يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج الناس، وذكر عقيدته في الأسماء والصفات، وسرد أدلته على ذلك، وهي أدلة السلف الصالح من أحاديث وآيات، لخص كثيراً منها من كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية".

3-رد على المقلدة الجامدين الذين يُقدمون آراء الأشخاص والرجال على قول الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم -وهو ظاهر التأثر بشيخه القاسمي (ت 1332 هـ)، إذ أنه رحل إليه، ودرس لديه.

4-أن لمؤلف رحمه الله -عنده باعٌ لا بأس به في الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، وهو سمته الظاهرة، وله في ذلك انتقادات رائعة، ولفتات باهرة، ولقد رد على ما استدل به السبكي من أحاديث بأسلوبٍ حديثي سليم، أظهر فيه علل الرجال، وبين فيه تخبط السُّبكي في الاستدلال.

5-ثم ذكر بعد أن رد على السُّبكي حديثياً، عدة نقولات ترد ما أورده من شبهات استنبطها من أحاديث ضعيفة، وتفسيرات لغوية غوية، صرف معانيها السليمة إلى معانٍ فاسدة أثيمة، فكدر بها صفو الأحاديث؛ فاغترّ بها علماء المسلمين، فضلاً عن عوامهم.

والمؤلف -رحمه الله -أسهب بهذه النقول، وعدّد المصادر، ونوّع الأسماء، وهذا أسلوب طيب متّبع، فلعله بتكرار المسائل، وتعدد النقول من عدة فحول، أن تتلاشى هذه الشُّبهات وتزول، فللأئمة أهل الفضل وقعٌ في قلوب الناس، فلعلّ آذانهم تصغى وقلوبهم تعقل.

وهذا النوع من النقول وتعدده من جمع من العلماء له ميزته في ترسيخ الحق وتكراره، يؤدي إلى اليقين، وما زال العلماء يكررون بعض المسائل بأسلوبٍ أو بآخر؛ ليصلوا بذلك إلى ترسيخ ما يريدونه في ذهن القارئ.

كما أن هذا النوع إذا اختلت فيه بعض الضوابط يُصبحُ مُملاً ممجوجاً.

ولا أظن أن المؤلف وصل إلى حد الإخلال بهذه الضوابط، وقد كان بإمكانه -رحمه الله-اختصار بعض المكررات، ليتخلص من الانتقادات، ولكن يُقال: ربما أراد إبراو الحق في صور متعددة، بمعانٍ متحدة، والله يجزيه خيراً.

6-أن المؤلف -رحمه الله -خالف منهج السلف في مسألة التوسل، واتبع في ذلك الشوكاني -جمعاً بين الأدلة فيما ظنّ.. وكذلك خالف الجمهور في قضية المقام المحمود، واتبع رأي مجاهد -رحمه الله تعالى -ولم يصح عنه كما تقدم.

وأما باقي المسائل الورادة؛ فلم يخرج بها عن منهج السلف -والعلم عند الله، وما ورد فيه من بعض المخالفات والانتقادات علقتُ عليه بما أظن أنه يلزم.

7-وكتاب المؤلف -رحمه الله -جامعٌ لعدة أبواب في الاعتقاد؛ كالاستغاثة، والزيارة، والشفاعة، وحياة الأنبياء في قبورهم، والأسماء والصفات.

8-ومن ميزة هذا الكتاب أنه تضمن الرد على عدة خرافيين غير السُّبكي -منهم: ابن حجر المكي، وإبراهيم البيجوري، وداود بن جرجيس العراقي، ويوسف النبهاني -شيخ الخرافة في العصر الأخير، فهو فعلاً وحقاً كتابٌ حافلٌ، حوى خلاصة كتب الردود على أهل البدع والجحود.

ثم إلى هنا قد انتهيت

وتم ما بجمعه عنيت (I)

قد تم تحقيقي مع الدراسة

لكشف سُبكيٍّ وأهل البدعه

أظهر فيه العالمُ الفقيه

عيوبهم، وهو الفقي النبيه

أكمل فيه الصارم المنكي وقد

نكا به السبكي علىّ لمّا حسد

أحمد (II)، فالحقُّ المُبين أبلج

والباطل الأثيم فهو اللجلج 

وكان الانتهاء في ذي القَعدة 

وفي الصيام قبله قراءتي

تمت على شيخٍ هو السَّحيمي

صان إلهي صالحاً من ضيمِ

في عام ألفٍ بعدها أربع مية

وبعدها خمس عشرةٍ هية (III)

وكملت بطيبة الميمونة

فبرزت من خَدرها مصونة (V)

فانظر إليها نظر المُستحسنِ

وحسّن الظن بها وأحسنِ

وإن تجد عباً فسُد الخللا

فجلَّ من لا عيب فيه وعلا (VI)

فالحمد لله على إتمامه 

ثم صلاة الله مع سلامه

على النبيّ وآله وصحبه

وحزبه وكلُّ مؤمنٍ به (VII)

(I) هذا البيت للشيخ حافظ الحكمي في سلم الوصول.

(II) هو شيخ الإسلام ابن تيمية.

(III) ما سبق من أبيات فهو من نظم المحقق.

(V) هذا البيت من أواخر ألفية العراقي في علم الحديث.

(VI) هذان البيتان من أواخر ملحة الإعراب.  

(VII) هذان البيتان من أواخر نظم الورقات للعمريطي.

وأخيراً أسال الله أن أكون قد وُفقتُ لتحقيق هذا الكتاب القيم، وأن أكون قد خدمته خدمةً تُظهر محاسنه، لتنير هذه المحاسن دياجير الجهل والظلمات. وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. وأستغفر الله من ذلك وأعوذ به من شر الشيطان الرجيم. 

يا رب غُفراً  إن طغت أقلامنا … يا ربِّ معذرةً من الطُّغيانِ

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

 ترجمة مختصرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-  

قال ابن الوردي :  

ماذا يقول الواصفون له  … وصفاته جلت عن الحصر  

هو حجة لله باهرة  … هو بيننا أعجوبة الدهر  

هو آية لله ظاهرة  … أنوارها أربت على الفجر  

هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، وبحر العلوم، شيخ الإسلام، علامة الزمان، قامع المبتدعين، ومظهر سنة سيد الأولين، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية، الحراني، الحنبلي. 

ولد بحران ٦٦١ هـ، وقدم به والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين، فسمع الشيخ من: ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وابن عساكر وغيرهم. 

عني بالحديث وسمع المسند مرات، والكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، وما لا يحصى من الكتب. وقرأ بنفسه وأقبل على العلوم في صغره. 

كان آية في الفقه والأصول. قرأ العربية ونظر في كتاب سيبويه ففهمه، ونظر في علم الكلام والفلسفة، وبرز في ذلك على أهله ورد على رؤسائهم وأكابرهم، وتأهل للفتوى والتدريس وهو دون العشرين، ورزقه الله سرعة الحفظ.

 قال غير واحد: لم يكن يحفظ شيئاً فينساه، وجلس يفسر سورة نوح أيام الجمع عدة سنين من حفظه. 

أثنى عليه جميع العلماء حتن مخالفيه (انظر ص ٢٢٣). قال الذهبي عنه: هو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه. 

وقال الحافظ ابن سيد الناس: ألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً. وكان يستوعب السنن والآثار حفظا. وقال الذهبي: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية، فليس بحديث. وقال الشيخ عماد الدين الواسطي: فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماً وعملاً.  

وقال ابن دقيق العيد: رأيت رجلاً العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء منها. وقال أبو الحجاج المزي: ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، كان زاهداً في الدنيا يجيئه المال في كل سنة ما لا يكاد يحصى، فينفقه جميعاً لا يلتم منه درهماً، ولا ينفقه في حاجته؛ بل كان إذا لم يقدر يعمد إلى شيء من لباسه فيدفعه إلى السائل.  

وكان - رحمه الله -شجاعاً بالقول والفعل، يضرب المثل بشجاعته. ومن شجاعته: أنه لما وُشِيَ به إلى السلطان الملك الناصر لدين الله، وأحضره بـين يديه، قال: إنني أخبرت أنك قد أطاعك الناس وأن في نفسك أخذ الملك!. فلم يكترث الشيخ به، بل قال له بنفس مطمئنة وقلب ثابت وصوت عال سمعه كثير عمن حضر : أنا أفعل ذلك!، والله إن ملكك وملك المغول لا يساوي عندي فلساً. فتبسم السلطان وقال: إنك والله لصادق، وإن الذي وشى بك إلي لكاذب. 

وقد امتحن - رحمه الله - مرات، وأوذي في الله أوقات، ومع ذلك هو كالجبل الذي لا يتزحزح شامخ بقوة إيمانه، وعزم جنانه، وكان إيذاؤهم له بسبب قصور علمهم عن علمه وبسبب حسدهم له، فاخذوا يشنعون عليه يبعض الفتاوى التي أفتى بها. ومن هذه الفتاوى: فتياه في مسالة الطلاق، وفتياه حول شد الرحال إلن زيارة قبور الأنبياء، فحبس بسببها بقلعة دمشق، وذلك أن شيخ  

الإسلام قد سئل عن حكم شد الرحال إلن قبور الأنبياء وافتنـ رحمه اللهـ وذكر قولي العلماء في المسالة، ورد عليه بعفى علماء وقته من المالكية وهو القاضي الإخنائي، فلما وقع رده بيد شيخ الإسلام الف كتابه العظيم «الرد علن الأخنائي» وكان يعرف أولاً بالإخنائية.  

وعظم الأمر وقويت الفتنة وكثر القيل والقال، وحرف كلام الشيخ الذي أفتن به، ونقل عنه ما لم يقله، وذلك أن قافي الشافعية جمال الدين بن جماعة سأل الشيخ عن مسالة الزيارة فكتب بذلك وذكر قولي العلماء، ثم حرفها ذلك القاضي وكتب محتها: (إنما المحزن جعله زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم -وقبور الأنبياء معمية بالإجماع مقطوعاً بها).  

قال ابن كثير بعد هذا: (فائظر هذا التحريف علن شيخ الإسلام، فإن جوابه في هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء... {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (سورة الشعراء، الآية: ٢٢٧)). 

وبقي الشيخ محبوساً في القلعة سنتين وثلاثة أشهر واياماً. ثم توفي إلى رحمة الله - ورضوانه، وما برح في هذه المدة، مكباً على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب والرد على المخالفين، ومنها: الرد على ابن الأخنائي قاضي المالكية بمصر .  

فرحم الله شيخ الإسلام وجزاء عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فقد جدد الله به الإسلام بعد ما كاد ينهدم بنيانه، وتتصدع أركانه، وكانت وفاته - رحمه الله- سنة ٧٢٨ هـ.  

ترجمة موجزة عن ابن عبد الهادي، والتعريف بكتابه  

هو: الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، الفقيه الحنبلي المقرئ، المحدث الحافظ، الناقد، النحوي.

ولد في رجب سنة أريع وسبع مائة، عني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل ، وبرع في ذلك، ولازم الشيخ تقي الدين ابن تيمية مدة وقرأ عليه. ولازم أبا الحجاج المزي، وأخذ عن الذهبي وغيره.  

قال الذهبي عنه: (ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه). 

ونقل الحافظ ابن حجر في «الدرر» عن الصلاح الصفدي أنه قال عن ابن عبد الهادي: (لو عاش كان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسائل أدبية وفوائد عربية فيتحدر كالسيل. وكنت أراه يرافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه). 

صنف مصتفات عظيمة. قال الذهبي في معجمه: (له عدة محفوظات وتآليف وتعاليق مفيدة، كتب عني وكتبت عنه) .  

وقد عد ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» مؤلفاته، وأوصلها إلى أكثر من ستين مصنفاً، وذكر منها: «الكلام على أحاديث الزيارة» جزء مصنف في الزيارة مجلدة، أقول: وهو المسمن «الصارم المنكي في الرد على السبكي». 

وقد ألف هذا الكتاب العظيم الذي لم يصنف في بابه مثله لما اطلع على كتاب السبكي «شفاء السقام» يقول: ((فوجدته كثابا مشتملا على تصحيح الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وفيه تمويه وتخليط)). يقول: ((فلما وقفت علن هذا الكتاب أحببت أن أنبه علن بعض ما وقع فيه من الأمور المنكرة، والأشياء المردودة، وخلط الحق بالباطل، لئلا يغتر بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين مع أن كثيرا مما فيه من الوهم والخطا يعرفه خلقٌ من المبتدئين في العلم بأدني تأمل)). 

ثم أخذ يرد علن أبواب السبكي بابا بابا، فلما بدأ الرد على الباب الخام، وهو في (تقرير كون الزيارة قربة). ورد على أدلة السبكي أدركته المنية فتوفي - رحمه الله -. ولو قدر أن يتم الكتاب لكان فيه فائدة عظيمة، لا سيما وأن الأبواب الباقية من كتاب السبكي مهمة، منها: باب في التوسل والاستغائة بالنبي - عليه الصلاة والسلام-، وباب في حياة الأنبياء في قبورهم، وباب في الشفاعة. . . وغيرها.

توفي ابن عبد الهادي - عليه رحمة اللهـ في جمادئ الأولى سنة أريع وأربعين وسبعمائة وحضر جنازته قضاة البلد واعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار.

عصر المرلف الفقي

الحالة السياسية: لقد ثبت أن الظروف التي تحيط بالشخص والبيئة التي يعيش فيها لهما دخل كبير في تكييف حياته. 

وقد عاش المؤلفـ رحمه الله ـ في القرن الرابع عشر من سنة ٠٤ ١٣ هـ إلى سنة ١٣٥٥هـ.  

وتعتبر هذه الفترة من أشد الفترات على المسلمين في العصر الحديث؛ إذ نشط الاستعمار الأوروبي المتحالف مع الصهيونية العالمية، من أجل مزيق شمل الأمة واقتطاع أراضيها، ونهب ثرواتها وكانت نظرة أوروبا إلى الدولة العثمانية على أنها رجل مريض، لا يكون شفاؤه إلا بالخلاص منه بسرعة. 

وكان من أهداف الدول الأوروبية أن تظل الدولة العثمانية مريضة منشغلة بالحروب الخارجية، والفتن الداخلية حتن لا تستعيد عافيتها وتعود تشكل خطراً على أوروبا.

ونستطيع أن نقول إن المؤلف - رحمه الله ـ عاصر ثلاث مراحل من الحكم:  

المرحلة الأولى: حكم آخر الدولة العثمانية المتمثل بالسلطان عبد الحميد الثاني، والذي انتهى بنهاية سلطة الدولة العثمانية على الحجاز عام ١٣٣٤هـ، تولى السلطان عبد الحميد الخلافة في وقت حفلت فـيه الدولة العثمانية بالكوارث والنكبات، فضاع بعض ممتلكات الدولة العثمانية في أوروبا. وقد تنبه السلطان عبد الحميد لكافة الأخطار المحدقة بالدولة، فحاول أن يتخلص منها بتودده إلى العرب وقام بحث الناس، وبين لهم أن زوال الحكم العثماني معناه زوال الدين الإسلامي، وأن أوروبا تريد السيطرة علن ديار المسلمين. 

وقد وفق السلطان عبدالحميدفي توحيد كلمة العرب والأتراك ضد الأطماع الأوروبية، ولكن في عام ١٣٢٧ هـ عزل السلطان عبد الحميد.  

المرحلة الثانية: الحكام الذين عاصرهم المؤلف - رحمه الله - في مصر والحجاز -والذين يُعيَّنون من قبل الدولة العثمانية، ولا سيما في الحجاز، حتن نهاية الحكم العثماني في الحجاز، وذلك عام ١٣٣٤ هـ عندما اعلن الشريف حسين الاستقلال عن الدولة العثمانية .  

أدرك المؤلف في أول حياته في مصر عهد الخديوي عباس حلمي  بن توفيق بن إسماعيل، حفيد محمد علي، أحد من حكموا مصر (ولد بالقاهرة سئة  

١٢٩١ه، وتولى بعد وفاة أبيه سنة ١٣٠٩ ه، واستمر إلى سنة ١٣٣٤ ه، ثم خلع، فتولن بعده أحمد فؤاد، وعاش بقية عمره مغترباً، وتوفي ستة  ١٣٦٣هـ، ودفن به)ا.  الـذي تولى سنة ١٣٠٩ هـ بإدارة سلطانية من الآستانة، واستمر إلى سنة ١٣٢٧ هـ.

ولما قدم المؤلف  الحجاز (كان ذلك في حدود سئة ١٣٢٠هــ) كان الوالي على مكة الشريف عون الرفيق بن محمد بن عبد المعين بن عون (ولدسة ١٢٥٦هــ، وتوفي سئة ١٣٢٣هـ)، تولى الإمارة سنة ١٢٩٩هـ، وكان جباراً طاغية (انظر: كثاب مكة في القرن الرابع عشر ص ٢٣٥)، وخافه الناس. 

ثم أتى بعده الشريف علي باشا من سنة ١٣٢٤ هـ إلى سنة ١٣٢٧ هـ، ثم خلفه في الإمارة الشريف عبد الإله باشا، وتوفي في نفى السنة (انظر: كتاب ولاة مكة بعد الفاسي، لعبد الستار الدهلوي، المطبوع بذيل شفاء الغرام ص ٣١٤).  

ثم تولى بعده الشريف حسين باشا بن علي باشا إلى سنة ١٣٤٤ هـ حين سلم الملك حسين الحجاز في أوائل جـمادى الثانية من سنة ١٣٤٤ هـ إلى الملك عبد العزيز ولم يسلم عهد الشريف حسين من بعض الحروب والمناوشات مع الملك عبد العزيز، ومن أهمها: وقعة تزبة ومنع حجاج نجد من الحج.

المرحلة الثالثة: حكم الملك عبدالعزيز للحجاز: ابتدأ بدخول الملك عبد العزيز -رحمه الله -مكة في ٧/ ٥/ ١٣٤٣ هـ، وسلم له الملك حسين حكم الحجاز في جمادى الثانية من سنة ١٣٤٤هــ، وصار خالد بن لؤي حاكم مكة من قبل عبدالعزيز [= خالد بن متصور بن لؤي: شريف من الأمراء الشجعان، كانت له ولأسلافه إمارة الخرمة وكان أولا مع الشريف حسين ثم كتب إلى الملك عبد العزيز يعرض عليه طاعته وولاه. مات سئة ١٣٥١هـ. انظر: الأعلام (٦/ ٩٩)] 

وبدخول الملك عبد العزيز الحجاز استقرت الأوضاع في المنطقة وبدات تزدهر شيئاً فشيئاً: سياسياً، وعلمياً، واقتصادياً. فلله الحمد، وله الأمر من قبل ومن بعد.  

ورغم هذه الأحداث والتغيرات، إلا أن المؤلف كان منقطعاً للعلـم لا علاقة له بأمور السياسة.  

ثانياً: الحالة العلمية في عصر المؤلف "ألفقي"

إن الاستقرار وحالة الوضع السياسي، لهما أكبر الأثر في نشاط العلم والعلماء. وتقدَّم لنا في الحالة السياسية أن الأمور كانت ليست ملائمة لانتشار التعليم، بسبب الاضطرابات والفتن، وملا كان الحجاز تحت الحكم العثماني ، لم يهتم العثمانيون بالعلم والتعليم، فكانت المدارس قليلة جدا، ولم يكن للمدرسين دخل يكفيهم، وكانت في منطقة جدة مدرسة واحدة في عام ١٣٠٥ هـ تسمى المدرسة الرشدية، وكان فيها معلمان فقط وثمانية وثلاثون طالباً، ولم يستفد من هذه المدرسة على ضعفها إلا أبناء الموظفين الأتراك (= انظر: التعليم في مكة والمدينة ص (٨٣))؛ حيث كان التعليم بهذه المدرسة، باللسان التركي وقليل من العربية، ويوجد بعضى المدارس الأهلية وبعض الكتاتيب قدرها إبراهيم رفعت بتسعة كتاتيب (= انظر: مرآة  الحرمين (١/ ٢٢))، ولم تكن هذه المدارس بالصورة المرضية وبعضها لا يدوم طويلاً؛ لأنها تعتمد في مواردها علن الأهالي، فانتشر الجهل وكثر، فكان الرجل يطوف بالأسواق فلا يجد من يقرا له الكتاب إلا بعد جهد جهيداء (=إعلام الحجاز (١/ ٢٨٠)). 

وظلت حالة التعليم حالة سيئة، وساد الناس جهل وأمية، وتغيرت الأحوال بعد ذلك لما دخل الملك عبد العزيز الحجاز وأصبح الحجاز جزءاً آمناً من الـدولة السعودية. فقد بدات بوادر الازدهار تنمو وتكبر، والاهتمام بالعلم والتعليم يفشو ويظهر، إلى ما نراه الآن من تقدم ورقي، ولكن المؤلف لم تطل به الحياة فيرى انتشار العلم وكثرة العلماء، فقد توفي عام ١٣٥٥ هـ، في بوادر هذه النهضة العلمية .

موضوعات الكتاب:


مقدمة المؤلف في كتابه 55

سبب تأليف ابن عبد الهادي كتاب الصارم المنكي 56

تقسيم المعترض "السبكي" زيارة القبور إلى أربعة أقسام 57 -58

جواب المؤلف على تقسيم السكبي للقبور 59

بيان زيارة القبور الشرعية 60 -61

مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في زيارة القبور 62 -63

بعض ما يفعله عُبّاد القبور عند قبورهم 64

ذكر العلماء الذين ألفوا في الزيارة الشرعية والبدعية 65 -68

أحوال من جاء بعد السُّبكي ممن وافق قوله 69

بعض المصائب التي تحصل بسبب التعصب للأئمة 70 -72

من سمُّوا أنفسهم علماء الفقه والفروع 73 -87

بيان أن السلف لم يختلفوا في العقائد وإن اختلفوا في الفروع الفقهية 88

بيان التفرق والاختلاف المذموم 88 -90

أمثلة لما قدم فيه قول الإمام على الحديث الصحيح 91 -94

جزاء من ترك الكتاب والسنة 95 -99

الرد على الصوفية 100 -102

ذكر من مدح الصوفية ودافع عنهم 103

الرد على من تنقص الكتاب والسنة، وزعم أنهما لا يفيان اليوم بحال الناس 104- 106

بيان أن الله تعالى تكفل بحفظ دينه 107 -110

الطريق لمن أراد نهج النبيِّ والصحابة 111

الحكمة من زيارة القبور ومعنى التبرك 116 -118

حقيقة الخلاف بين شيخ الإسلام والسبكي 119

الرد على السبكي في أن قبور الأنبياء تُزار للتبرك بها 120 -122

أدلة السبكي على أن السفر لزيارة القبور قُربة 123 -124

الرد على قول السبكي في أن زيارة القبور قُربة 125 -132

خلاصة الكلام في قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية 133- 134

نقض استدلال السبكي بحديث: "من زار قبري" 135 -138

أقوال أهل العلم في مسلم بن سالم الجهني 139 -142

بيان بعض المفاسد التي تحصل بسبب الأحاديث الضعيفة 143 -145

ذكر بعض الكتب التي لم يتحاش مؤلفوها من أراد الأحاديث الضعيفة فيها 146 -149

خلاصة القول في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم 150 -151

نقض دليل القياس الذي توهمه المعترض "السبكي" 152 -156

الرد على المعترض "السبكي" في حكاية الإجماع، وأن الناس لا يسافرون إلا لزيارة قبر الرسول 157 -163

تقسيم المؤلف السفر وشد الرحل إلى ثلاثة أقسام 164 -165

السبب الذي أدَّى شيخ الإسلام للكلام على مسألة شدّ الرحل 167 -168

الجواب على قول السبكي: إن الناس لا يقصدون بسفرهم إلا زيارة القبر فقط 169 -172

مناقشة المؤلف ابن الصلاح في قوله: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة 173 

الجواب عن الأصل الخامس الذي ذكره السُّبكي، وهو وسيلة القُربة قُربة 174

الفرق بين قبر الرسول وقبر غيره 178 -179

كلام شيخ الإسلام في الزيارة 180

لم يكن السفر إلى القبور موجوداً في القرون الثلاثة 181

الكلام على أحاديث: "من زارني"، و"من زارني وزار أبي" 181

إبطال القياس في أن زيارة الميت كزيارة الحي 182

بيان أن عامة الأدلة التي استدل بها السُّبكي قد أخذها من القاضي الإخنائي 183

كلام شيخ الإسلام في إبطال قياس زيارة الميت على زيارة الحي 184

الكلام على رجال الحديث: "من زارني بعد مماتي" 185 -186

بيان بعض ما يفعله الجهال عند قبر الرسول 187 -188

لا يمكن زيارة قبر الرسول لعامة الناس كما تُزار القبور 189 -193

افتراء السُّبكي على شيخ الإسلام وأنه يمنع من زيارة القبور عموماً 194

السُّبكي يُجوّز التبرك بالموتى 195 -196

كلام العلامة البركوي في زيارة القبور 197 -198

شرح المؤلف لحديث: "لا تُشد الرحال" 199

كلام المؤلف على أقسام السفر 200 -204

دفاع المؤلف عن ابن بطة العكبري الذي شنع عليه السُّبكي 205 -207

قصر المؤلف للخلاف في شد الرحال على الصلاة في المسجد 208

سبب قيام العلماء على شيخ الإسلام 209 -213

أمثلة لبعض جنايات السبي وأمثاله على كتاب الله 214 -215

مناقشة المؤلف لمنافاة علو الله من خلال حديث الجارية 216 -218

جناية أرباب الحيل على الشرع 219 -221

وصية المؤلف لمن يريد السعادة في الدنيا والآخرة 222 -223

ذم ابن حجر الهيثمي لشيخ الإسلام 224

بعض الكتب التي ترجمت لشيخ الإسلام 224 -226

رد المؤلف القيم على ابن حجر الهيتمي 227

افتراء ابن بطوطة على شيخ الإسلام في وصفه لنزول الله عز وجل 237

رد المؤلف على ابن بطوطة 238

بيان أن ما عليه أهل النفي والتعطيل ليس هو مذهب الأشعري 241 -242

ادعاء السبكي أن الاستغاثة والتوسل والتشفع من الأمور الحسنة، والجواب عن ذلك 243

توسل عمر بالعباس دليلٌ على عدم جواز التوسل بالرسول بعد موته 243 -244

حديث الأعمى في التوسل والكلام حوله 245

الكلام على الحديث الأول مما استدل به السبكي 246

توسل آدم بالنبيِّ لما اقترف الخطيئة 246 -248

تخريج هذا الحديث وكلام أهل الفن فيه، وموقفهم من تصحيح الحاكم 249

ذكر ما رود في تفسير الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام 250 -252

الكلام في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي حديث توسل آدم 253 -255

شرع من قبلنا وكلام ابن تيمية في ذلك 256 -258

الكلام على الحديث الثاني مما استدلَّ به السبكي 259

تعصب ابن حجر المكي على ابن تيمية ورميه بالتشبيه، ودفاع ملا علي القاري عنه 259

الفرق بين الاستغاثة والتوسل، وبيان خطأ من ادَّعى أنهما بمعنى واحد 260

فصلٌ: في معنى حديث الأعمة، نقلٌ عن الألوسي 261 -262

لفظ التوسل فيه إجمال واشتراك -بيان ذلك من كلام ابن تيمية 263

اختيار المصنف في قضية التوسل وبيان خطئه 264

فتوى الشيخ محمد عبده في التوسل -وبيان أنه ممنوع 265 -266

فصلٌ في قصة عثمان بن حنيف مع الأعمة وبيان ضعفها 267 -268

فصلٌ في كلام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ من رده على العراقي والقبورية 269

قولهم: إنهم وسائل لا أنهم فاعلون حقيقة -والرد على ذلك من وجوه 269

الوجه الأول: أن الله خلقنا لعبادته وتوحيده 269

الوجه الثاني: قولهم: إنهم مجرد وسائط هو قول المشركين 270

الوجه الثالث: أمر الله بالالتجاء إليه وحده 271 -272

الوجه الرابع: أن الله دعا الناس إلى عبادته بعدما قررهم بربوبيته 273

الوحه الخامس: أنه لا فلاح ولا سعادة إلا باتخاذ الله رباً وإلهاً 274

الوجه السادس: أن الشريعة جاءت بسد الذرائع، وشنعت على الشرك الأصغر، فمن باب أولى الشرك الأكبر 275

الوجه السابع: النهي عن الغلو 277

الوجه الثامن: الالتجاء إلى غير الله سوء ظن بالله 278 -279

المخالفون في الأسماء والصفات لم يقدروا الله حق قدره 280 -284

الوجه التاسع: أن القول بجواز الاستغاثة بغير الله تقوُّلٌ على الله بغير علم 285 -289

الموتى لا يعلمون بحال من يسألهم 290 -293

أفعال العباد حقيقة وليست مجازية 294

الاستغاثة بغير الله فيما يقدر عليه جائزة اتفاقاُ 294 -300

فصلٌ في الفروق بين بعض الألفاظ المشتبهة 301

مقالات بعض الغلاة في الاستغاثة بغير الله 301

قول البوصيري وغيره 301

نقل من كلام الشيخ الألوسي من رده على النبهاني 301 -303

من شُبه القبورية: أنهم لا يعتقدون في الأموات الخلق والإيجاد، بل هم وسطاء وشفعاء 304 -306

نقل أقوال الحنفية في التوسل 307

حديث: "اللهم إني أسألك بحق السائلين" وبيان ضعفه، وتوجيهه 307

تعريف العبادة لغةً واصطلاحاً 309

أصل العبادة، ومراتب العبودية، وأنواعها 311

الواجب توحيد الله بالقلب والجوارح 312 -314

رسالة الدر النضيد للشوكاني 315

معنى الاستغاثة 316

معنى الاستعانة والتشفع 317

رأي العز بن عبد السلام في التوسل 320

قول الشوكاني بجواز التوسل -وبيان خطئه 320

اعتقاد العوام بأهل القبور 322

جاءت الشريعة بالمنع من الشرك الأصغر، فما بالكم بالشرك الأكبر؟ 322

الرقى والتمائم 323 -325

الذبح لغير الله 326

الحلف بغير الله والتفصيل في هذه القضية 327 -328

النهي عن اتخاذ القبور مساجد 330 -331

بيان ضعف النهي عن اتخاذ السرج على المساجد، وتوضيح أن منهي عنه بأصول الشريعة 332

قصة فيها بيان أن الغلو يورث الشرك 333

شرك قوم نوح سببه الغلو في الصالحين 333

إتيان الكهان والعرافين 334

النهي عن قول مُطرنا بنوء كذا 335 

النهي عن قول ما شاء وشئت 336

تفسير قوله تعالة: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} 336

النهي عن تصوير ذوات الأرواح 338

النهي عن رفع القبور 339

النهي عن الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم 339

المشركون أقروا بخلق الله وتدبيره وأشركوا بالعبادة 340 -341

بيان اشتراك المشركين والقبوريين في الفعل، وشُبه تعليلهم واحدة 342

الدعاء هو العبادة 343 -347

الواجب على من رأى أُناساً يدعون غير الله 348 -349

طلب الدعاء من الحي جائز 350

شُبه القبورية 350

نماذج لما وقع فيه الغُلاة من الالتجاء لغير الله 351 -352

من أسباب الوقوع في الشرك إطباق الناس وتوارث الأجيال 353

التقليد للأئمة يورث الغلو فيهم والعصمة لهم 354 -355

مناظرة الغافلين 356 

ما نُسب للصنعاني من أنه رجع عن مدحه للشيخ ابن عبد الوهاب وبيان ضعف وبطلانه 357

شبهة وجوابها: هل دعاء الأموات شرك اعتقادي أم عملي؟ 358

الرد على ما نُسب للصنعاني من شُبه 358

تقسيم ابن القيم الكفر إلى: عملي واعتقادي 359 -363

الشرك الأكبر 364 -365

الشرك الأصغر 366

كلام الأئمة في التحذير من دعاء غير الله 367

كلام ابن تيمية وابن عقيل الحنبلي 367

كلام ابن القيم، وقاسم ابن قطلوبغا الحنفي 367

قول النووي وابن حجر المكي 368

نقل عن ابن تيمية 368 -371

سورة الفاتحة كل آية فيها تُفيد التوحيد والإخلاص 372 -373

حكم زيارة القبور وشد الرحل إليها 374 -375

الدعاء عند القبر 376

أنواع الزائرين للقبور 377 

باب في حياة الأنبياء في قبورهم 378

الرد على السبكي في إيراده لهذا الباب في كتابه 378

الرد عليه في نوع الحياة التي نثبتها للأنبياء 380

نقل من نونية ابن القيم بحياة الأنبياء 384

مراد السبكي من القول بحياة الأنبياء في قبورهم 385 -386

فصل: فيما احتجوا به على حياة الرسل في القبور 387

فصلٌ: الجواب عما احتجوا به 388 -392

نوع الحياة التي نثبتها للأنبياء 393

عرض الأعمال على الرسول وعلى الأقارب 394

أمور الغيب لا تُعلم إلا بالنصوص 395

الأرواح مخلوقة 396

القبوريون يزعمون خروج أوليائهم من القبور وقضائهم حاجات الناس 396 -397

باب الشفاعة: الشفاعة المثبتة والمنفية 398

المقام المحمود -ورأي المؤلف فيه 399 -400

فصلٌ: في عقيدة المؤلف في الأسماء والصفات 401

الكتاب والسنة هما الحجة في العقائد وغيرها 401

أدلة الصفات من الكتاب -دليل الاستواء 402

أدلة العلو وأن الله في السماء 403

صفة الإتيان والمجيء والصوت 403

صفة النفس واليدين والساف 404

صفة الرحمة والحب والرضى والغضب 405

صفة التعجب والسخط والرأفة 405 -406

أدلة الصفات من السنة 407

الدليل على أن الله في السماء من السنة 407 -409

صفة الأصابع 410

صفة اليد والنزول والضحك 410

صفة الفرح 411

صفة الغيرة 412

صفة العين والمناداة 413

أهم المراجع في عقيدة السلف 413

أحاديث أخرى فيها بعض الفات 415

صفة الحب والكلام لله تعالى 415 -416

فصلٌ في أقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين 417

قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه 417

فصلٌ: في ذكر أقوال الأئمة الأربعة 418 -419

فصلٌ في قول ملك والمالكية 420 -422

فصلٌ في قول الشافعي وأتباعه 423 -424

فصلٌ في قول أحمد بن حنبل وأصحابه 425 -427

فصلٌ في أقول المفسرين 428

فصلٌ في أقوال الصوفية: قول عبد القادر الجيلاني 429

فصلٌ: حكم من جحد الصفات 430

فصلٌ: كثيرٌ من المتأخرين على غير عقيدة السلف 431

فتوى ابن حجر المكي الهيتمي في معتقد عقيدة السلف 431 -432

ذكر بعض من رجع عن علم الكلام 433 

ذكر بعض ما قاله الأشعري 434 -435

الإمام اليافعي يرد على السُّبكي شعراً 436 -437

فصلٌ: في ذم التأويل 438

دعاء بالهداية والختام 439

الخاتمة 441